رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري
هذا البحث أصله فصل عقده « عبدالله القصيمي » - اكبر ملحد في شرقنا العربي ص 417 - 480 بكتابه « العالم ليس عقلا » في سلسلة ردته وكفره بربه ونبيه ودينه وتاريخ أمته - يحفزني إلى مناقشته افتتنان من يتخافتون في السر من شباب غير متمكن حسبوا انه أتى بالحجة التي لا تقهر كما يحفزني تخاذل طلبة العلم في بلادي ، واخص منهم خريجي كلية الشريعة ، فقد رأيت همة النابهين منهم لا تتجاوز الاجتهاد في الاستنباط من النصوص لاستخراج الأحكام ، وقد خفي عليهم أن الحاجة اليوم ماسة إلى الدفاع عن النصوص أولا ، والتوفر على المطالعة العصرية للإقناع بوجهة النظر الإسلامية !
يزعم القصيمي : أن الحديث والعمل به خصم بشع للمعرفة الإنسانية والحياة ! فعقد فصلا عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دعوة سافرة إلى الانسلاخ عن الدين لأنه يستمد من الحديث وبتتبع كلامه الذي نثره نثرا إنشائيا لم يراع فيه الأرقام والتفريع وارتباط العناصر رأيته يلتقي جميعه في هذه النقاط :
1 - أن الحديث بدعة جللها العلماء بوقار كالسماء ، واخترعوها في ظرف الفتوح العربية وما تلاها من فراغ نفسي وعقلي أنتج الأمور التالية :
أ - رغبة الفاتحين في بناء الدين الجديد .
ب - رغبة أبناء الشعوب المغلوبة في الحظوة لدى العرب الفاتحين .
جـ - إعجاب الناس بالخرافة .
2 - أن الحديث أصبح اكبر حرفة شغلت الأمة العربية عن الانطلاق والرقي .
3 - أن الحديث خصم للمعرفة الإنسانية ، وانه يعارض ما تهدي إليه التجربة والعقل .
4 - أن المؤلفات القديمة عقيمة .
5 - تحامي المسلمين للفكر والمفكرين .
6 - نقد ضوابط المحدثين في مصطلحاتهم .
7 - إعجابه بالجاهلية الأولى ، ودفاعه عن إيمانها بالأوثان وكفرها بالله الحق .
8 - الزعم بأن الذين تبنوا النضال العربي في فتوحاته هم أبناء الجاهلية .
9 - الزعم بان سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست دينا .
10 - استطرادات جانبية .
ويهمني هنا مناقشة قوله : « بعد الفتوح العربية الواسعة اجتمع للناس فراغان : فراغ عقلي نفسي يرجع إلى تخلي الناس عن أديانهم ولو من حيث الفكرة وفراغ وقتي ومن ثمار هذين الفراغين هذه الأمور :
1 - رغبة الفاتحين رغبة قوية في بناء الدين الجديد ، وهذا بديهي ، فبعد كل تطور روحي أو فكري أو اجتماعي ، تجيش النفوس حماسا لتلك الرغبة .
2 - رغبة أبناء الشعوب المغلوبة في الحظوة لدى العرب الفاتحين .
3 - إعجاب الناس بالأبطال الخرافية إضافة إلى ما في طبيعة البشر من رغبة في التصديق بما يخرق القوانين الكونية بوسيلة غيبية .
4 - أن التحديث أصبح في تلك الفترة الجياشة أعظم حرفة دينية ( ص 417 - 418 باختصار )
وفي هذا الكلام مغالطات كثيرة :
أولها : أن الفراغ العقلي والنفسي الآنف الذكر ليس عاما لكل الناس فالعرب الفاتحون تجيش نفوسهم حماسا ونخوة وغضبة للدين والعقيدة ، وهذا هو الذي دفعهم إلى الفتوح الواسعة ولا يصح القول بأنهم بعد الفتح كانوا فارغين عقليا ونفسيا لأن هذا خلاف قياس الأولوية وخلاف التجريب فالأولى والمجرب أن الانتصار للمبدأ يزيد أنصاره حماسا ، وان المتحمس لمبدأ لا يكون فارغا عقليا ، وإذن فالفراغ النفسي والعقلي غير عام للغالبين والمغلوبين .
وثانيها : أن الفراغ النفسي والعقلي غير عام للمغلوبين أيضا ، لأن أكثر الموالي متحمسون للدين ، مخلصون له غير كائديه .
وثالثها : لو فرضنا فرضا بعيدا أن المغلوبين كلهم فارغون فراغا يرجع إلى تخليهم عن أديانهم السابقة ، فهل نرد الحديث لأنهم رووه في فراغ ؟ إن هذا معكوس وإن المنطق الصحيح أن نصدق أو نكذب ببرهان ، أما مجرد التفرغ فليس ببرهان .
ورابعها : لو فرضنا فرضا من الفرض السابق : أن الفراغ يحدث لنا كعة عن قبول الحديث ، لأن ما يكون في الفراغ عادة إنما هو من الفضول والتسلي : لم يجز لنا بحال أن نرفعه في الاستدلال إلى مصف البرهان وإنما نعتبره من المحتملات ، وكل حق يرد عليه احتمال ، والعبرة بما يتأيد به احتمال دون آخر ، فنرى - مثلا - في حال الحديث : أهو من الفضول أم من الحق ؟ ونرى حال الراوي : أهو ممن يكيد للدين الجديد ، أو ممن يتلهى بالفضول في فراغه ، أم لا ؟
فصح أن الفراغ لا يكون حجة إلا بمقدار ما يتأيد به من الأمارات وقرائن الأحوال .
وخامسها : أن الفراغ الوقتي أيضا غير عام ، لأن ما دفع العرب إلى الفتح إنما هو امتلاء نفوسهم وعقولهم بعقيدتهم ، فلا يصح القول بأنهم بعد الفتح كانوا فارغين وقتيا فاتجهوا للرواية ، وإنما نقول : إنهم لما لمسوا الضرورة إلى تدوين كلام نبيهم تفرغ منهم ناس لهذا الغرض ، أما جمهورهم فلم يكن لديهم فراغ وقتي البتة ، فمن لم يكن منهم عالما أو متعلما تجده مرابطا على الحدود والثغور ، والحقيقة التاريخية : أنهم كانوا اسودا في النهار رهبانا بالليل ، ما انعقد تاج عزنا إلا على رؤوسهم .
وسادسها : أن ظرف الفراغ الذي أشار إليه القصيمي بقسميه يعني احد أمور ثلاثة لا رابع لها البتة :
أ - فاما أن لا يكون للرسول صلى الله عليه وسلم قول محفوظ فاستغلوا الفراغ في التزوير والوضع ، وعلى هذا المعنى تكون القضية مجرد دعوى لا برهان . ويلزم على القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تحفظ له كلمة مستحيلات عقلية وشرعية .
ب - أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم قول محفوظ تفرغوا لتدوينه ، وعلى هذا المعنى فلا يضير الحق أن يتفرغ له ذووه .
جـ - أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم قول محفوظ ولكن الفراغ يسر للناس التزيد بالتزوير والوضع ، وعلى هذا المعنى فلا ينفعنا علمنا بأثر الفراغ السيئ على أن هذا الحديث صحيح الثبوت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وان ذلك مزور عليه ، لأن لهذا التمييز طرقا غير مجرد العلم بأثر الفراغ .
غاية ما في الأمر : أن نحتمل أن في الحديث صدقا وكذبا لعامل الفراغ وهو احد عوامل كثيرة ، ولا جديد في هذا الاحتمال فلولا قوته ما هرع المسلمون إلى وضع مصطلح الحديث الذي ضبطوه بقواعد فكرية عتيدة .
وقصارى القول : أن الفراغ ووجود القول المحفوظ الذي يعتقدون وجود أتباعه ضدان لا يجتمعان ، فان كان هناك قول ولكنه لم يحفظ لاختلاطه بغيره فنقده وتمحيصه ينافي الفراغ بل نقول : إن تفرغ مختصين من حفظة السنة أمر حتمي في ذلك الظرف .
دعوى أن الفراغ العقلي باعث لتدوين الحديث الشريف
هذا البحث أصله فصل عقده « عبدالله القصيمي » - اكبر ملحد في شرقنا العربي ص 417 - 480 بكتابه « العالم ليس عقلا » في سلسلة ردته وكفره بربه ونبيه ودينه وتاريخ أمته - يحفزني إلى مناقشته افتتنان من يتخافتون في السر من شباب غير متمكن حسبوا انه أتى بالحجة التي لا تقهر كما يحفزني تخاذل طلبة العلم في بلادي ، واخص منهم خريجي كلية الشريعة ، فقد رأيت همة النابهين منهم لا تتجاوز الاجتهاد في الاستنباط من النصوص لاستخراج الأحكام ، وقد خفي عليهم أن الحاجة اليوم ماسة إلى الدفاع عن النصوص أولا ، والتوفر على المطالعة العصرية للإقناع بوجهة النظر الإسلامية !
يزعم القصيمي : أن الحديث والعمل به خصم بشع للمعرفة الإنسانية والحياة ! فعقد فصلا عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو دعوة سافرة إلى الانسلاخ عن الدين لأنه يستمد من الحديث وبتتبع كلامه الذي نثره نثرا إنشائيا لم يراع فيه الأرقام والتفريع وارتباط العناصر رأيته يلتقي جميعه في هذه النقاط :
1 - أن الحديث بدعة جللها العلماء بوقار كالسماء ، واخترعوها في ظرف الفتوح العربية وما تلاها من فراغ نفسي وعقلي أنتج الأمور التالية :
أ - رغبة الفاتحين في بناء الدين الجديد .
ب - رغبة أبناء الشعوب المغلوبة في الحظوة لدى العرب الفاتحين .
جـ - إعجاب الناس بالخرافة .
2 - أن الحديث أصبح اكبر حرفة شغلت الأمة العربية عن الانطلاق والرقي .
3 - أن الحديث خصم للمعرفة الإنسانية ، وانه يعارض ما تهدي إليه التجربة والعقل .
4 - أن المؤلفات القديمة عقيمة .
5 - تحامي المسلمين للفكر والمفكرين .
6 - نقد ضوابط المحدثين في مصطلحاتهم .
7 - إعجابه بالجاهلية الأولى ، ودفاعه عن إيمانها بالأوثان وكفرها بالله الحق .
8 - الزعم بأن الذين تبنوا النضال العربي في فتوحاته هم أبناء الجاهلية .
9 - الزعم بان سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ليست دينا .
10 - استطرادات جانبية .
ويهمني هنا مناقشة قوله : « بعد الفتوح العربية الواسعة اجتمع للناس فراغان : فراغ عقلي نفسي يرجع إلى تخلي الناس عن أديانهم ولو من حيث الفكرة وفراغ وقتي ومن ثمار هذين الفراغين هذه الأمور :
1 - رغبة الفاتحين رغبة قوية في بناء الدين الجديد ، وهذا بديهي ، فبعد كل تطور روحي أو فكري أو اجتماعي ، تجيش النفوس حماسا لتلك الرغبة .
2 - رغبة أبناء الشعوب المغلوبة في الحظوة لدى العرب الفاتحين .
3 - إعجاب الناس بالأبطال الخرافية إضافة إلى ما في طبيعة البشر من رغبة في التصديق بما يخرق القوانين الكونية بوسيلة غيبية .
4 - أن التحديث أصبح في تلك الفترة الجياشة أعظم حرفة دينية ( ص 417 - 418 باختصار )
وفي هذا الكلام مغالطات كثيرة :
أولها : أن الفراغ العقلي والنفسي الآنف الذكر ليس عاما لكل الناس فالعرب الفاتحون تجيش نفوسهم حماسا ونخوة وغضبة للدين والعقيدة ، وهذا هو الذي دفعهم إلى الفتوح الواسعة ولا يصح القول بأنهم بعد الفتح كانوا فارغين عقليا ونفسيا لأن هذا خلاف قياس الأولوية وخلاف التجريب فالأولى والمجرب أن الانتصار للمبدأ يزيد أنصاره حماسا ، وان المتحمس لمبدأ لا يكون فارغا عقليا ، وإذن فالفراغ النفسي والعقلي غير عام للغالبين والمغلوبين .
وثانيها : أن الفراغ النفسي والعقلي غير عام للمغلوبين أيضا ، لأن أكثر الموالي متحمسون للدين ، مخلصون له غير كائديه .
وثالثها : لو فرضنا فرضا بعيدا أن المغلوبين كلهم فارغون فراغا يرجع إلى تخليهم عن أديانهم السابقة ، فهل نرد الحديث لأنهم رووه في فراغ ؟ إن هذا معكوس وإن المنطق الصحيح أن نصدق أو نكذب ببرهان ، أما مجرد التفرغ فليس ببرهان .
ورابعها : لو فرضنا فرضا من الفرض السابق : أن الفراغ يحدث لنا كعة عن قبول الحديث ، لأن ما يكون في الفراغ عادة إنما هو من الفضول والتسلي : لم يجز لنا بحال أن نرفعه في الاستدلال إلى مصف البرهان وإنما نعتبره من المحتملات ، وكل حق يرد عليه احتمال ، والعبرة بما يتأيد به احتمال دون آخر ، فنرى - مثلا - في حال الحديث : أهو من الفضول أم من الحق ؟ ونرى حال الراوي : أهو ممن يكيد للدين الجديد ، أو ممن يتلهى بالفضول في فراغه ، أم لا ؟
فصح أن الفراغ لا يكون حجة إلا بمقدار ما يتأيد به من الأمارات وقرائن الأحوال .
وخامسها : أن الفراغ الوقتي أيضا غير عام ، لأن ما دفع العرب إلى الفتح إنما هو امتلاء نفوسهم وعقولهم بعقيدتهم ، فلا يصح القول بأنهم بعد الفتح كانوا فارغين وقتيا فاتجهوا للرواية ، وإنما نقول : إنهم لما لمسوا الضرورة إلى تدوين كلام نبيهم تفرغ منهم ناس لهذا الغرض ، أما جمهورهم فلم يكن لديهم فراغ وقتي البتة ، فمن لم يكن منهم عالما أو متعلما تجده مرابطا على الحدود والثغور ، والحقيقة التاريخية : أنهم كانوا اسودا في النهار رهبانا بالليل ، ما انعقد تاج عزنا إلا على رؤوسهم .
وسادسها : أن ظرف الفراغ الذي أشار إليه القصيمي بقسميه يعني احد أمور ثلاثة لا رابع لها البتة :
أ - فاما أن لا يكون للرسول صلى الله عليه وسلم قول محفوظ فاستغلوا الفراغ في التزوير والوضع ، وعلى هذا المعنى تكون القضية مجرد دعوى لا برهان . ويلزم على القول بأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم تحفظ له كلمة مستحيلات عقلية وشرعية .
ب - أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم قول محفوظ تفرغوا لتدوينه ، وعلى هذا المعنى فلا يضير الحق أن يتفرغ له ذووه .
جـ - أن يكون للرسول صلى الله عليه وسلم قول محفوظ ولكن الفراغ يسر للناس التزيد بالتزوير والوضع ، وعلى هذا المعنى فلا ينفعنا علمنا بأثر الفراغ السيئ على أن هذا الحديث صحيح الثبوت عن الرسول صلى الله عليه وسلم وان ذلك مزور عليه ، لأن لهذا التمييز طرقا غير مجرد العلم بأثر الفراغ .
غاية ما في الأمر : أن نحتمل أن في الحديث صدقا وكذبا لعامل الفراغ وهو احد عوامل كثيرة ، ولا جديد في هذا الاحتمال فلولا قوته ما هرع المسلمون إلى وضع مصطلح الحديث الذي ضبطوه بقواعد فكرية عتيدة .
وقصارى القول : أن الفراغ ووجود القول المحفوظ الذي يعتقدون وجود أتباعه ضدان لا يجتمعان ، فان كان هناك قول ولكنه لم يحفظ لاختلاطه بغيره فنقده وتمحيصه ينافي الفراغ بل نقول : إن تفرغ مختصين من حفظة السنة أمر حتمي في ذلك الظرف .
تعليق