تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

تقليص

عن الكاتب

تقليص

ظل ظليل مسلم اكتشف المزيد حول ظل ظليل
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • سدرة
    10- عضو متميز
    عضو مجموعة الأخوات

    حارس من حراس العقيدة
    • 28 ينا, 2013
    • 1791
    • مسلمه

    #46
    رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

    ولو وقف الملحد عند هذه المرحلة ( أعني مرحلة الشك ) ولم يتجاوزها إلا ببرهان لكان أعذر له في ميدان الجدل ، أما هنا فقد رجح بلا مرجح ، وهو تحكم ، فما الجزم بنفي وجود الله بأولى من الجزم بوجوده ، إذ لا دليل ( للشاك ) على القضيتين .
    إذن فملحد مستيقن من المستحيلات .
    فالملحد اثنان :
    متوقف حائر ، لا يحب الخوض في ( حقيقة الإلوهية ) وجازم ( لا بيقين عقلي ) ولكن بالعناد والمكابرة .
    ودعوى النفي لا مقر لها في نفوس الملحدين ، وآية ذلك ظاهرتان :
    أولاهما : أنه ما من ملحد ( ينفي وجود الله ) إلا ويثبت غيره ، فان عاند ( فلم يثبت خالقا ) تهافت وتحامق كمن يقول :
    إن الشيء يخلق نفسه .
    أو أن الخلق محض المصادفة .
    ومن يثبت غير الله محجوج بأن المؤمنين ( العقلاء ) لم يرتضوا إلا الالاه الكامل ، المبرأ من كل عيب ونقص .
    فالملحد ( على رغمه ) لم ينف وجود الالاه ، ولكنه آمن بالاه دون إلاه ، وكل من خلا الله باطل ، والمحاجة في هذا ميدانها مباحث الواحدانية وسائر الصفات .
    والنافي - بإطلاق - سيبقى هذا الكون سرا غامضا في نفسه وسيعجزه تفسيره ، وعلى كلا الفرضين فلا قرار لخاطرة ( النفي المطلق ) في النفوس والعقول .
    وأخراهما : ( وهي ثمرة للظاهرة الأولى ) أن الملحد ( غير المعاند ) قلق من براهين الموحدين لا يريح ولا يستريح ، يثيرها دائما ، ويناقشها لإفلاسه من راحة اليقين .
    وتحامقت الناشئة فقالت إن العقل الأوربي الحديث ربيب العلم والاختراع والإبداع .
    وفي الواقع أن الإلحاد فكرة اختطفها الغوغائية ، وأنصاف المثقفين .
    أما علماء الذرة ، ورواد الفضاء ، والمبرزون في الطب والتشريح ، والنبات ، والطبيعة وشتى الاختصاصات فقد اثبتوا وجود الله ، وهداهم العلم إلى أن لهذا الكون قوة تضبطه (1) .
    قال أبو عبد الرحمن : سنفترض أن ( حقيقة الإيمان ) غير قائمة ( بذاتها ) من ناحية البرهان (2) إلا أن لها مرجحات من خارج تبدو في ثلاثة أمور :
    1 - الحاجة إلى العقيدة :
    وهذه الحاجة تعرف بالبرهان العملي ، وهي فلسفة محضة للدين الإسلامي .
    قال ( جورج سنتيانا ) إن عقيدة الإنسان قد تكون خرافية ، ولكن هذه الخرافة - نفسها - خير ( ما دامت الحياة تصلح بها ) وصلاح الحياة خير من استقامة المنطق .
    قال أبو عبد الرحمن : صلاح الحياة بعقيدتنا : أنها تستجيش النفس - في استشعار عظمة الله ، ووجوده ، وإحاطته - فيكون للإنسان وازع ينبثق من وجدانه .
    وحاجة الناس إلى العقيدة - كما يرى ( كانت ) - تبدو في كونها ضمانا لأصحاب الأخلاق لينالوا السعادة في العاجل والآجل ، ولهذا رأى ( سكرتان ) و ( فيخته ) تلميذ ( كانت ) أن الإيمان بالله إيمان بالواجب ، بمعنى أن الإنسان إذا لم يؤمن بالله لم يبق أمامه واجب .
    قال أبو عبد الرحمن : لهذا قال شيخنا ( ابن حزم ) ثق بالمتدين ولو كان على غير دينك (3) ، ونقول - كما قال الشيخ ( مصطفى صبري ) - : الله موجود سواء أصلحت أخلاق المجتمع ، أم فسدت ، وسواء أسعد (4) أصحاب الفضيلة ، أم شقوا .
    وإنما أوردنا ذلك للتدليل على أن الإيمان بالله هو الراجح ( على كل تقدير ) لأنه خير بإطلاق .
    _______________________
    (1) من ذلك كتاب ( الله يتجلى في عصر العلم ) لنخبة من العلماء الأمريكان ، وكتاب ( العلم يدعو للإيمان ) تأليف اكرايسكي موريسون ، وبتتبع تراجم الفلاسفة والعلماء تجد أن إثبات وجود الله ثمرة من ثمار معارفهم .
    (2) معاذ الله أن نساوم في عقيدتنا ، ومعاذ الله أن نشك في الحق المبين ، وإنما هذا تنازل في الاستدلال للإقناع .
    (3) مداواة النفوس لابن حزم .
    (4) موقف العقل .
    لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

    حكمة هذا اليوم والذي بعده :
    قل خيرًا او اصمت



    تعليق

    • سدرة
      10- عضو متميز
      عضو مجموعة الأخوات

      حارس من حراس العقيدة
      • 28 ينا, 2013
      • 1791
      • مسلمه

      #47
      رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

      2 - الحيطة والبخت :
      لنفترض أن الإنسان شاك في وجود الله ، ولكنه يؤمن - احتياطا ! ليقي نفسه العذاب ( على فرض أن ما يعتقده المؤمنون حق ) .
      وقد عبر أبو العلاء المعري عن هذا الإيمان في بيتيه المشهورين فقال :
      قال المنجـم والطبيـب كلاهما .. لا بعـث بعد الموت قلـت إليكما
      إن صح قولـكما فلسـت بنادم .. أو صـح قـولي فالخسار عليكما

      ويعرف هذا البرهان عند الغرب اليوم ( بمراهنة باسكال ) فعلى فرض أن عقل الإنسان لا يمكن أن يؤكد وجود الله كما لا يمكن أن ينفيه : يرى ( باسكال ) انه لابد من الاختيار بين الإيمان أو الإلحاد ، وهو اختيار حتمي لا دخل للإرادة فيه فماذا نختار ؟ وأين مصلحتنا في الاختيارين ؟
      فلنراهن على كل منهما ( حتى يتبين مدى ما يلحقنا من خسارة ، أو ما نجنيه من ربح ، ولتكن المراهنة على هذا النحو :
      ( أ ) مصير المؤمن - في هذه الحياة - التمسك بالفضائل ، والأخذ بالمتع الروحية والعقلية مما يكسبه الصحة النفسية والبدنية .
      أما الثاني فمصيره التحرر من الفضائل ، وتحليل المحرمات ، والجري وراء الملذات العابرة ، والمجد الزائف مما يرهق النفس والبدن . فالخسارة - إذن - على الملحد .
      ( ب ) إذا ذهبنا إلى أن الله موجود ضمنا حياة أبدية ، ونعيما دائما ( إذا صحت حقيقة الإيمان ) .
      وان لم تصح فهو احتياط ، لم نخسر به شيئا . أهــ .
      ويرى ( ابن الوزير اليمني ) أن إيمان الحيطة ينفع صاحبه يوم القيامة .
      قال أبو عبد الرحمن : هذا إيمان الشاكين ، والإيمان يقين ينافي الشك . وإنما أوردناه تنزلا في الاستدلال ، وأنه لا مسوغ للإلحاد لأن الإيمان راجح على كل حال .
      3 - ضرورة العقيدة النفسية :
      قال الدكتور ( هنري لنك ) : إنه عين مستشارا في مصلحة تشغيل المتعطلين بنيويوك ونيط به وضع الخطط ومراقبة الدراسات الإحصائية المستحصلة لعشرة آلاف نفس وأجرى عليهم ما قدره ( 7326 ) اختبارا نفسيا ، فكانت النتيجة أن كل من يعتنق دينا ، أو يتردد على دار العبادة يتمتع بشخصية أقوى وأفضل ممن لا دين له ، أو لا يزاول أية عبادة (5) .
      وقال : الدين ليس ملجأ الضعفاء ، ولكنه سلاح الأقوياء ، فهو وسيلة الحياة الباسلة التي تنهض بالإنسان ليصير سيد بيئته ، المسيطر عليها لا فريستها ، وعبدها الخاضع .
      قال أبو عبد الرحمن : كل ما مضى غربلة لمفهوم الإلوهية في العقلية الغربية الحديثة ، ومقارنات بين الإيمان والإلحاد تجلى فيها صدق هذه الكلمة لـ ( فولتر ) : إذا كان أمام الفكرة في وجود الله عقبات فان في الفكرة المضادة حماقات ، بيد أن الناشئة تحمست لحماقات الإلحاد ( دون أن تحاول تذليل العقبات ) وهذه نكسة في المفاهيم والعقول .
      _______________________
      (5) العودة إلى الإيمان .
      لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

      حكمة هذا اليوم والذي بعده :
      قل خيرًا او اصمت



      تعليق

      • سدرة
        10- عضو متميز
        عضو مجموعة الأخوات

        حارس من حراس العقيدة
        • 28 ينا, 2013
        • 1791
        • مسلمه

        #48
        رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

        ولقد تمخضت مقارنتي عن أمور هذا موجزها :
        1 - تناقض العقلية الغربية في اعتبار العقل حجة - في إنكار حقائق الدين - وعدم اعتباره حجة في الإثبات .
        2 - أن حجة الملحد سلبية لأنها ( عدم علم ) وليست ( علما بعدم ) .
        3 - أن الحس ليس معيار الحقيقة .
        4 - أنه لا يوجد ملحد مستيقن .
        5 - أنه لا مقر لفكرة الإلحاد في النفوس ، ويحتمل انه لا وجود لها في الواقع لأن من ينفي وجود الله يثبت غيره ، إلا أن المؤمن اختار الالاه الكامل المبرأ من كل نقص وعيب .
        6 - أن للإيمان مرجحات ، ولا مرجح للإلحاد ألبتة ، بل للإلحاد آفاته وآثاره السيئة .
        7 - أن العلم نصير الإيمان ، وأن الإلحاد فكرة اختطفها الغوغائية .
        8 - لا تكافؤ بين أدلة الإيمان والإلحاد ، ومع التنزل في الاستدلال فان للإيمان مرجحات من الخارج .
        ولو احترم العقل الحديث منطقه لآمن بأن الدليل العقلي ( على وجود الله ) دليل مستمد من الحس ودلالته من باب ( اللزوم ) ، وأقوى الأدلة ما كان من هذا الباب ( كما قرر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية ) وما ثبت به فهو قطعي .
        بيد أن الوضعية الحديثة لم تفرق بين الدليل وبين موضوعه ، وقد ردوا الدليل العقلي على إثبات وجود الله ، لأن الله غير محسوس .
        قال أبو عبد الرحمن : إن وجود الله ثبت باللزوم العقلي المنتزع من الحس ، والمبادئ العقلية الفطرية ، وهذا اللزوم يعني وجود موجود واجب الوجود بذاته غير محتاج لغيره ، وكل من عداه محتاج إليه .
        فهذه وظيفة العقل .
        أما الدليل الحسي أو العقلي ( على ماهية ذلك الموجود ، وكيفيته ، وتمثيلها للعيان ) فمستحيل ، لأن الله لا تدركه الأبصار ، ولا تحيط به العقول ، فالعلم به سبحانه علم بوجوده لا إحاطة بذاته ، ولا تلازم بين العلم بالوجود والإحاطة بالذات ، ولنا مثال على ذلك ، والله المثل الأعلى - كما يلي :
        ( لو رأينا سفعة - من زبل ، أو رمل أو رماد ، أو قمامة متلبدة يخالف لونها لون الأرض - لكان ذلك دليلا قاطعا على أن أناسا حلوا بهذا المكان وسودوه ، وقد قيل : إن البعرة تدل على البعير ) .
        فنتيقن بأن أناسا حلوا بهذا المكان ، وهو ( دليل عقلي حسي قطعي ) .
        وهذا ما نطالب به جماعة الملحدين ومنكري دليل العقل .
        أما صفة هؤلاء الناس وتشخيص ذواتهم ، وتمييزهم بقسماتهم وسحناتهم ، فأمر فات الحس والعيان .
        ونوجز القول بأن الله يعرف بالعقل ، ولكن معرفة العقل لا تحيط بكنهه .

        * * *
        لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

        حكمة هذا اليوم والذي بعده :
        قل خيرًا او اصمت



        تعليق

        • سدرة
          10- عضو متميز
          عضو مجموعة الأخوات

          حارس من حراس العقيدة
          • 28 ينا, 2013
          • 1791
          • مسلمه

          #49
          رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

          العقـل المخلوق


          ( جين لوك ) وزملاؤه - من طلائع الحسبانيين في العصر الحديث :
          يرون أن العقل كالصحيفة البيضاء ثم ينقش عليها الحس معارفه ، وبغير الحس لا معرفة للعقل .
          وقال ( رنيه ديكارت ) إن معرفة العقل أقدم من الحس وأن للعقل معرفة مستقلة عن الحس ولم ينكر ( أمانوئيل كانت ) فكرة العقل المجرد الخاص .
          وقال هؤلاء العقلانيون والنقديون : إن 2 + 3 = 5
          معرفة عقلية مجردة عن الحس لأن للعقل قوانين مركوزة فيه بالفطرة .
          ومن هذه القوانين قانون الذاتية ( الهو الهو ) و به أعرف : أن الشيء غيره وأن الجزء بعض الكل ، وقد شرح شيخنا إمام أبو محمد بن حزم هذه الفكرة في مقدمة كتابه ( الفصل ) .
          ولقد ثقف بها مصادر المعرفة البشرية .
          ولقد أشاد الدكتور عمر فروخ بسبق ابن حزم للفيلسوف الألماني كانت .
          قال أبو عبد الرحمن : لا ريب في سبق ابن حزم إلا أن سبقه كان تناوشا .
          أما ( كانت ) فقد كان عميق الفلسفة مستفيضها .
          وخالف العقلانيين والنقديين الحسبانيون من أمثال ( جون لوك ) و ( ديفيد هيوم ) .
          وقالوا : إننا ما عرفنا أن 2 + 3 = 5 إلا بالحس ، لأننا عدننا خمسة أعيان ثم بالقياس على ما أحسسناه عددنا ما لانهاية وإن لم يكن ما عددناه في حوزة حسنا .
          فهذا أنموذج للجدل الفلسفي في العقل البشري المخلوق .
          وقالت طائفة تسمى المعتزلة : إن العقل يحسن ويقبح ، وإن الناس محاسبون على أعمالهم بعقولهم قبل الشرع .
          وقال أهل السنة والجماعة / لا حسن في التكليف إلا ما استحسنه الشرع .
          فهذا أنموذج آخر للجدل في العقل البشري المخلوق وقالت جماهير الفقهاء : إن لبعض الأحكام الشرعية عللا ، أو أوصافا مضبوطة ، أو مناطات ، أو معاني من شبه وطرد .. الخ هذه الأمور يفهمها العقل ويرتب عليها وإن لم تكن داخلة في مدلول النص اللفظي .
          وقال النزاع - وهم جماعتنا الظاهريون :
          لا نستثني بعقولنا ، ولا نستدرك بها على ربنا وما كان ربك نسبيا .
          فهذا أنموذج ثالث للجدل في العقل البشري المخلوق .
          وقال أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته :
          الصفة معلومة ، والكيف مجهول .
          لأن العقل لا يدرك غير المحسوس .
          ولأن الشرع يأتي بمحارات العقول لا بمحالاتها .
          فهذا أنموذج رابع للجدل في العقل البشري المخلوق .
          قال أبو عبد الرحمن : إن لنا مذهبا نستخدم فيه عقولنا في الفلسفة والأصول والجدل .. الخ .
          وهو مذهب بلوناه و بلورناه لا أظن أن أحداً يستطيع أن يدفعنا عنه ببرهان .
          ونحن نجمل مذهبنا في عناصر :
          أولها : أن للعقل البشري المخلوق قوانين تعصمه وتحفظه عن الضياع ، فلا تقع في محال .
          وهذه القوانين يسلم بها كل عاقل ، فهذا معنى قولنا :
          إنها قانون لكل العقول .
          هب أن قائلا يقول :
          ( إن زيدا في صباح يوم السبت الساعة الثانية تماما الموافق 1 / 1 / 1393 هـ : حي وغير حي ) إن من لم يرفض هذا الخبر مجنون باتفاق لأن قانون العقل يرفض التناقض بإطلاق .
          قال أبو عبد الرحمن - رضي الله عنه : لا يهمني أن تكون هذه القوانين من إدراك العقل المجرد الخالص كما يقول ابن حزم وديكارت ومالبرانش قال أبو عبد الرحمن - رضي الله عنه : لا يهمني أن تكون هذه القوانين من إدراك العقل المجرد الخالص كما يقول ابن حزم وديكارت ومالبرانش ولا بينتز ، أو إنها من إدراك العقل غير المجرد من الحدس كما يقول لوك وهيوم وأوجست كونت وغيرهم من الحسبانيين والوضعيين ) .
          لأن هذا خلاف لفظي لا ثمرة وراءه .
          المهم أن للعقول قوانين مسلما بها وكفى .
          وثانيها : أن وظيفة العقل ليست واحدة بل له عدة وظائف سنصطلح على تسمية كل وظيفة ونحصرها في مجالها حتى لا نضيع في اللبس والتداخل .
          فأول وظيفة العقل الإدراك والفهم .
          قال أبو عبد الرحمن : خذها مني فائدة علمية تشد إليها الرحال وهي : أن العقل لا يدرك إلا ما كان محسوسا ولهذا فأشد الناس إيمانا بالله يقال : إنه عالم بالله ولكن لا يقال : إنه مدرك الله وقد أكد القرآن الكريم ذلك .
          ووظيفة العقل الثانية تمييز المدركات ، والحكم لكل مميز بخصائص .
          ومبدأ التحليل الديكارتي يقوم على هذه الوظيفة وعمل العقل في هذا المجال يسمى ذكاء ونباهة وتذهنا .
          ووظيفة العقل بالنسبة للشرع إدراك النصوص وفهمها وتمييز مدلولاتها . فنحن نفهم عن الله مراده ، فلا ننقص منه بتأويل ولا نزيد عليه بقياس أو تعليل .
          إننا نفهم بعقولنا رتب ما في الكون على ما خلقه ربنا أو شرعه ولكننا لا نكيف شيئا من ذلك ، لأن عقولنا تفهم وتمايز ولكنها لا تخلق ولا تشرع .
          وثالثا وظائف العقل الحكم فإذا فهمنا ومايزنا حكمنا .
          ومن هذه الوظيفة نعلم بعقولنا - ولا أقول ندرك - ما كان غير محسوس .
          فالله ( سبحانه ) غير محسوس ولكن عقولنا علمت به حكما لا إدراكا لأننا أدركنا بالعقل غير المجرد عن الحس أنه لا مخلوق إلا بخالق .
          فحكمنا : أن لنا خالقا - سبحانه - تثبته عقولنا ولا تدركه .
          ثم بعد هذا يا عشاق الحقيقة نقول : إن قوانين العقول ثلاثة لا رابع لها ألبتة .
          ثم إن تحت كل قانون آلاف الضوابط والقواعد وقد أتناول أهمها في مناسبات سانحة - بحول الله - .
          قال أبو عبد الرحمن : أرفض بشدة قول بعض المتحذلقين : إن لكل قاعدة شواذ بل لست أعتبر القاعدة قاعدة إلا إذا لم يشذ عنها شيء ولكن ذلك بشرطين هما : وجود المقتضى ، وتخلف المانع .


          لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

          حكمة هذا اليوم والذي بعده :
          قل خيرًا او اصمت



          تعليق

          • سدرة
            10- عضو متميز
            عضو مجموعة الأخوات

            حارس من حراس العقيدة
            • 28 ينا, 2013
            • 1791
            • مسلمه

            #50
            رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

            البراهين الإقناعية

            يرد الأستاذ الغزالي على من يزعم أن البيئة العلمية تربة خصبة للإلحاد بقوله : إن الإلحاد آفة نفسية وليس شبهة علمية والذين كفروا بالله الحق لم ينشأ كفرهم عن استقامة في التفكير إنما نشأ كفرهم عن عوج في الفطرة وخطل في الرأي (1) .
            ويقول العالم الفلكي هرشل : كلما اتسع نطاق العلوم كثرت الأدلة على وجود حكمة خالقة قادرة مطلقة - (2) .
            قال ابو عبد الرحمن :
            ونصوص العلماء المماثلة لكلمة هرشل كثيرة يتتبعها من يريدها في مظانها ، ومن الأمور التي تنفي القول بأن الله أكذوبة كما هو من مسلمات العقل الغربي المعاصر : أن الإلحاد لا مرجح له ، وقد رأينا هذه السائمة من قطعان الغرب يفتك فيها الانتحار والقلق وانهيار الأعصاب لأنه لا امن لها من العقيدة وفيما مضى بينا انه لا دليل للملحد ألبتة على عدم وجود الله ، وانه لم يقم له دليل إثبات وجود الله ، وأنه في حالة شك .
            قال أبو عبد الرحمن :
            والشك ليس علما فلا يظل الشاك على شكه ، فان لم يحصل له دليل يقيني قطعي على القضية التي يشك فيها فلابد أن تترجح له إحدى القضيتين بمرجح من خارج ، ولا ريب انه إذا انتفى اليقين الجازم ووجد الظن الراجح فانه يتحصل به المطلب ، فهو إذن :
            1 - يقين .
            2 - وظن راجح .
            3 - واحتمال لا مرجح له .
            فإتباع الظن الأرجح هنا واجب ومقدم على مجرد الاحتمال وإنما نهينا عن إتباع الظن إذا كان يعارض يقينا أو ظنا راجحا .
            قال أبو عبد الرحمن :
            وعلى فـرض انه لم يثبت وجود الله وأقـول فرضا تنزلا في الاستدلال وإلا فمعاذ الله أن نساوم في عقيـدتنا ، والله المستعصم فيمـا بقى : فان الراجح وجوده بمرجحات من الخارج وهذه المرجحات تبدو في ثلاثة أمور هي :-
            1 - برهان الحاجة إلى العقيدة وهو المعروف بالبرهان العملي .
            2 - برهان الحيطة والبخت .
            3 - أن العقيدة ضرورة نفسانية .
            ونتناول كل واحد من هذه الأمور بالتفصيل .
            1 - برهان الحاجة إلى العقيدة :
            قال أبو عبد الرحمن :
            وبرهان الحاجة إلى العقيدة أمر قفاه أصحاب النظر والتعليل في الوحدة الدينية والسياسية والاجتماعية المترتبة على استشعار الرقيب والقريب الواحد - جل شأنه - وقفو هذا الملحظ إنما يعد فلسفة للدين الإسلامي محضة ولن نخوضه لأنه يستبد بنا ، ولأنه موضوع فضفاض فيه متسع لكلام الجرائد أو هذر الصحف بيد أنني أحاول في هذا المنزلق الخطير أن يكون بحثي كلمة ومعناها دون تحذلق وتصنع لنختصر الطريق لطالب الحقيقة ولتكون تقريراتي خطوطا عريضة إن طلبت وجدت ، وهذا أجدى من الأسلوب الأدبي العائم الذي يداعب العاطفة ولا يتلامس مع العقل .
            قال أبو عبد الرحمن : هبهم يقولون عن هذه الحقيقة إنها خرافة ، ولكن هذه الخرافة في الواقع خير ومصلحة .
            قال جورج سنتيانا : إن عقيدة الإنسان قد تكون خرافية ولكن هذه الخرافة نفسها خير مادامت الحياة تصلح بها ، وصلاح الحياة خير من استقامة المنطق (3) ومعنى صلاح الحياة بهذه العقيدة : أنها تستجيش النفس في استشعار عظمة الله وجوده وإحاطته , فيكون للإنسان وازع ينبثق من وجدانه فيأخذ بحجزته عن السقوط فيما لا ينبغي على غيبة من عصا السلطان ، فهذا هو الوازع الديني الذي يحمي القيم والنظم ، وحاجة الناس إلى العقيدة كما يرى عمانوئيل كانت تبدو في أنها ضمان لأصحاب الأخلاق لينالوا السعادة في العاجل والآجل ولهذا رأى سكرتان و « فيخته » تلميذ كانت : أن الإيمان بالله إيمان بالواجب بمعنى أن الإنسان إذا لم يؤمن بالله لم يبق أمامه واجب .
            قال أبو عبد الرحمن : ولهذا قال شيخنا : ثق بالمتدين ولو كان على غير دينك ، ونقول كما قال الشيخ مصطفى صبري : الله موجود سواء أصلحت أخلاق المجتمع أم فسدت وسواء أسعد أصحاب الفضيلة أم شقوا وإنما أوردنا ذلك للتدليل على أن الإيمان بالله هو الراجح على كل تقدير وانه لا مسوغ للإلحاد ولا سند لدول الإلحاد في قسوتها على المؤمنين وتحمسها بكل ظلم ، ولا إنسانية في معاداة الله والفتك في المؤمنين لأن الإيمان خير على كل التقديرات .
            2 - برهان الحيطة والبخت :
            وهو أن يكون الإنسان شاكا في وجود الله ولكنه يؤمن احتياطا ليقي نفسه العذاب على فرض أن ما يعتقده المؤمنون حقا وقد عبر أبو العلاء المعري عن هذا الإيمان في بيتيه المشهورين :
            قال المنجـم والطبيـب كلاهما لا بعـث بعد الموت قلـت إليكما
            إن صح قولـكما فلسـت بنادم أو صـح قـولي فالخسار عليكما


            _______________________
            (1) ركائز الإيمان بين العقل والقلب ص 58 .
            (2) الله والعلم الحديث لعبد الرزاق نوفل ص 19.

            (3) انظر تعريف الأستاذ إيليا نعمان حكيم بكتاب الخواطر لبسكال بتراث الإنسانية 81/2 وكتاب بسكال للدكتور نجيب بلدي ص 157 فما بعدها .
            لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

            حكمة هذا اليوم والذي بعده :
            قل خيرًا او اصمت



            تعليق

            • سدرة
              10- عضو متميز
              عضو مجموعة الأخوات

              حارس من حراس العقيدة
              • 28 ينا, 2013
              • 1791
              • مسلمه

              #51
              رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

              مراهنة بسكال :
              على فرض أن عقل الإنسان لا يمكن أن يؤكد وجود الله كما لا يمكن أن ينفيه يرى بسكال انه لابد من الاختيار بين الإيمان أو الإلحاد وهو اختيار حتمي لا دخل للإرادة فيه ، فماذا نختار ؟ وأين مصلحتنا في الاختيارين فنراهن على كل منهما حتى نتبين مدى ما يلحقنا من خسارة أو ما نجنيه من ربح ولتكن المراهنة على هذا النحو :
              أ - مصير المؤمن في هذه الحياة التمسك بالفضائل والأخذ بالمتع الروحية والعقلية مما يكسبه الصحة النفسية والبدنية ، أما الثاني فمصيره التحرر من الفضائل وتحليل المحرمات والجري وراء الملذات العابرة والمجد الزائف مما يرهق النفس والبدن فالخسارة إذن على الملحد .
              ب - إذا ذهبنا إلى أن الله موجود ضمنا حياة أبدية ونعيما دائما إذا صحت حقيقة الإيمان وان لم تصح فهو احتياط لم نخسر به شيئا (4) ويرى ابن الوزير اليمني في كتابه ( ايثار الحق على الخلق ) أن إيمان الحيطة ينفع صاحبه يوم القيامة .
              قال أبو عبد الرحمن :
              والصحيح أن إيمان الحيطة إيمان الشاكين ، والله إنما مدح المؤمنين الموقنين والرسول صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الشك ويقدمه في دعائه على الشرك ، وإنما أوردنها هنا تنزلا في الاستدلال وانه لا مسوغ للإلحاد البتة وان الإيمان راجح على كل حال .
              3 - العقيدة ضرورة نفسية :
              ذكر الدكتور هنري لنك انه عين مستشارا في مصلحة تشغيل المعطلين بنيويورك ونيط به وضع الخطط ومراقبة الدراسات الإحصائية المستحصلة لعشرة آلاف نفس وأجرى عليهم ما قدره 7326 اختبارا نفسيا فكانت النتيجة أن كل من يعتنق دينا أو يتردد على دار العبادة يتمتع بشخصية أقوى وأفضل ممن لا دين له أو لا يزاول أي عبادة - (5) .
              وقال :
              الدين ليس ملجأ الضعفاء ولكنه سلاح الأقوياء فهو وسيلة الحياة الباسلة التي تنهض بالإنسان ليصير سيد بيئته المسيطر عليها لا فريستها وعبدها الخاضع (6) . وثامن تلك الأمور التي نرد بها مفهوم العقل الحديث عن فكرة الإلوهية : أن أدلة الموحدين والملحدين غير متكافئة ولهذا قال فولتير :
              إذا كان أمام الفكرة في وجود الله عقبات فان في الفكرة المضادة حماقات ، ولهذا تحمسوا لحماقات الإلحاد دون أن يحاولوا تذليل العقبات وهذه نكسة في المفاهيم والعقول .
              قال أبو عبد الرحمن :
              كل ما مضى غربلة لمفهوم الإلوهية في العقلية الغربية الحديثة ومقارنات بين الإيمان والإلحاد تمخضت عن أمور موجزها كما يلي :
              1- تناقض هذه العقلية في اعتبار العقل حجة في إنكار حقائق الدين وعدم اعتباره حجة في الإثبات .
              2 - أن حجة الملحد سلبية يردها أن عدم العلم بالشيء لا يساوي العلم بعدمه .
              3 - أن الحس ليس هو وحده معيار الحقيقة .
              4 - أنه ليس مع الملحد علم وإنما هو شاك وانه لا يوجد ملحد مستيقن .
              5 - أنه لا مقر لفكرة الإلحاد في النفوس ويحتمل انه لا وجود لها في الواقع لان من ينفي وجود الله يثبت غيره إلا أن المؤمن اختار الإله الكامل المبرأ من كل نقص وعيب .
              6 - أن العلم نصير الإيمان وان الإلحاد فكرة اختطفتها الغوغائية .
              7 - أن للإيمان مرجحات ولا مرجح للإلحاد البتة بل للإلحاد آفاته وآثاره السيئة في المجتمع وفي حياة الفرد وغايته .
              8 - لا تكافؤ بين أدلة الإيمان والإلحاد .

              _______________________


              (4) العودة إلى الإيمان للدكتور هنري لنك ص 26 .
              (5) المصدر السابق ص 29 .
              (6) قصة الفلسفة الحديثة للدكتورين احمد أمين وزكي نجيب محمود 2/608 الطبعة الرابعة
              لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

              حكمة هذا اليوم والذي بعده :
              قل خيرًا او اصمت



              تعليق

              • سدرة
                10- عضو متميز
                عضو مجموعة الأخوات

                حارس من حراس العقيدة
                • 28 ينا, 2013
                • 1791
                • مسلمه

                #52
                رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                الإدراك العقلي
                مسألة وجود الله من مسائل ما بعد الطبيعة وقد قيل : أن عالم ما بعد الطبيعة درج في غير عشه ، ويرى بخنر أن هذا العلم مستحيل لأنه وراء حواسنا فيجب أن يترك بمضيعة ويعد من سقط المتاع (7) .
                وكثيرون من المؤمنين والملحدين لا يرضون النقاش العقلي في الماورائيات ، وتختلف وجهات نظرهم في عدم هذا الرضى .
                قال أبو عبد الرحمن :
                وبحسبنا أن نضع الضوابط التي نحكم بها منهج العقل في استدلاله على وجود الله وذلك على هذا النحو :
                1 - أن الدليل العقلي على وجود الله دليل مستمد من الحس والواقع والتجربة ومنبثق من مبادئ العقل الأولى التي يسلم لها كل عاقل وهو يدل على وجود الله من باب اللزوم العقلي , وأقوى الأدلة ما كان من هذا الباب كما قال ابن تيميه ، وما ثبت به فهو قطعي .
                2 - أن الوضعية الحديثة لم تفرق بين الدليل وبين موضوعه ، وقد ردوا الدليل العقلي على إثبات وجود الله ، لان الله غير محسوس وعلى مذهبهم هذا نقول : أن وجود الله ثبت بأدلة منتزعة من الحس فيلزمهم الإيمان به أما الإحاطة بذات الله فأمر لم يكلفوه والعقل والحس عاجزان عن ذلك .
                وباللزوم المنتزع من الحس والمبادئ العقلية الفطرية ثبت وجود موجود واجب الوجود بذاته غير محتاج لغيره وكل من عداه محتاج إليه فهذه وظيفة العقل ، أما الدليل الحسي أو العقلي على ماهية ذلك الموجود وكيفيته وتمثيلها للعيان فمستحيل ، لان الله لا تدركه الأبصار ولا تحيط به العقول فالعلم به سبحانه علم بوجوده لا إحاطة بذاته ولا تلازم بين العلم بالوجود والإحاطة بالذات ، ولنا مثال على ذلك والله المثل الأعلى - كما يلي :
                لو رأينا سفعة من زبل أو رمل او رماد أو قمام متلبد تخالف لون الأرض لكان ذلك دليلا قاطعا على أن أناسا حلوا هذه المحل وسودوه وقد قيل : أن البعرة تدل على البعير ! فتيقن وجود أناس حلوا هذا المكان وخلفوا تلك الآثار : دليل عقلي حسي قطعي وهذا ما نطالب به جماعة الملحدين ومنكري دليل العقل .
                أما صفة هؤلاء الناس وتشخيص ذواتهم وتمييزهم بقسماتهم وسحناتهم فأمر فات الحس والعيان وبهذا نوجز القول : بأن العقل يعرف الله ولكنه لا يحده .
                3 - لا ريب أن في بعض الطرق العقلية مخاوف وأنها غير مأمونة ومن تلك الطرق ما يسميه علم الكلام بالمطالب السبعة (8) .
                وما بني على مثل هذه المطالب فكما قال ابن تيميه - رحمه الله - : إما أن يطلع المستدل على ضعفها وإما أن يلزم لها لوازم معلومة الفساد في الشرع والعقل (9) .
                4 - سنبحث أدلة وجود الله ونقارنها بردود الملحدين فمنها ما سنرده ومنها ما سنقره ولن نخرج عن شرط شيخ الإسلام ابن تيمية فلا نقبل إلا ما اتفقت العقول على صحته وكان شرعيا .
                قال أبو عبد الرحمن : ولا يقولن قائل : أن اتفاق العقول مطلب متعذر فان المبادئ العقلية الفطرية متفق عليها ولا ينكرها إلا من عنت له شبهة أفسدت عقله ونظره .

                _______________________

                (7) مبادئ الفلسفة ترجمة احمد أمين ص 14 - 15 .
                (8) راجع كتاب : آيات الله في الأفاق للأستاذ محمد احمد العدوي ص : د - هـ .
                (9) موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول لابن تيمية ج 1 ص 21 .
                لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                قل خيرًا او اصمت



                تعليق

                • سدرة
                  10- عضو متميز
                  عضو مجموعة الأخوات

                  حارس من حراس العقيدة
                  • 28 ينا, 2013
                  • 1791
                  • مسلمه

                  #53
                  رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                  برهانان نفسيان

                  إذا لامستك نفحة من نفحات الله وهرعت إلى بيوت الله مؤديا صلاتك فانه يمثل أمامك كل شيء نسيته منذ أن تكبر تكبيرة الإحرام فان لم يكن ثمة شيء نسيته فإنها تمثل أمامك ذكريات الطفولة أو تمثل أمامك الأعذار التي ستواجه بها عاتبا عليك ، أو تمثل أمامك الحجج التي سترص بها مخالفيك في رأي ما وهكذا لا بد من أحاسيس تشغلك عن صلاتك حتى ولو كانت نكتة تستدر ابتسامتك في الصلاة ولو لم تكن في صلاة ما مثلت أمامك .
                  إلا ترى في هذا دليلا على أن وجود الشيطان حق وان إبليس مسلط عليك بوساوسه وان الجزاء في الآخرة حق ، انه برهان نفسي لا مرية فيه بدليل انك لو كنت في جلسة شاعرية لكنت في وعي تام بجلستك متفاعلا معها غاية التفاعل ، ذلك انك في لهو وإبليس يريد أن يلهيك عن عزائمك فكيف يلهيك وأنت في لهو ؟ ان المصغر لا يصغر .
                  وان المرء إذا حزبه أمر خفق قلبه إلى ربه أما بدعوات من النياط وإما بتلاوة قرآن وإما بسجدات الله ، أفلا يكون هذا برهانا نفسيا آخر على وجود الله ؟ اجل أنهم يقولون : وجود الظمأ دليل على وجود الماء وان في الظمأ إلى الطاف الله وكنفه شاهداً ، ذلك أن احدنا يصاب بغثيان يغشى عقله فيحس بالموت أو يحس بفتور يظن انه اجله فيشح بنفسه شحا عظيما ويخاف من الموت وليس ذلك خوفا على بنيات له كزغب القطالم يخلف لهن مالا وسيتركهن اشد إفلاسا من طنبور بلا وتر ، ولكنه يخاف أن يلقى الله بأوضار ومعاص كالجبال ويسوف في نفسه إن نجا من الموت ليعودن إلى رشده ، انه برهان وجود الله وهذا لخوف نذارة من الله .




                  * * *
                  لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                  حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                  قل خيرًا او اصمت



                  تعليق

                  • سدرة
                    10- عضو متميز
                    عضو مجموعة الأخوات

                    حارس من حراس العقيدة
                    • 28 ينا, 2013
                    • 1791
                    • مسلمه

                    #54
                    رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                    البرهان الأنطولوجي " الوجودي "

                    ان ديكارت الذي دعا إلى إقامة المناهج العلمية في البحث والتأليف على ما يتيقن من الأفكار الواضحة المتميزة : اصطنع الشك في تلقي كل حقيقة بحيث لا يتلقنها تقليدا بل بالغربلة والنقد :
                    وأصبحت الحقيقة عند ديكارت : اليقين بأنه موجود لأنه يفكر ، أنا أفكر إذا أنا موجود .
                    وحقيقة أنا أفكر إذا أنا موجود بني عليها ديكارت هذه الأمور :
                    1 - أنا ناقص لأنني وأنا أفكر كنت اشك والشك أدنى مرتبة من اليقين ، فهو نقص ، وأنا متناه لأنني كل لحظة اعرف مالم اعرفه قبلا .
                    قال أبو عبد الرحمن : المتناهي هو ما يقبل تجدد الإضافات أو السلوب واللامتناهي هو ما كان بكماله بحيث لا يقبل تجدد صفة لم تكن له قبل ذلك .
                    المتناهي : ماله أول وآخر واللامتناهي ليس له أول ولا آخر .
                    2 - لدي فكرة الكامل اللامتناهي في جملة أفكاري لأنني عرفت أنني متناه غير كامل ولن اعرف ذلك من نفسي مالم تكن لدي فكرة عن وجود أكمل من وجودي عرفت بالقياس إليه ما في طبيعتي من عيوب .
                    قال ديكارت في التأمل الرابع :
                    حين اعتبر نفسي شاكا أي حين اعتبر شيئا ناقصا يعتمد على سواه تعرض لذهني بقوة في التميز والوضوح فكرة عن موجود كامل ومستقل عن غيره اهـ .
                    قال أبو عبد الرحمن : والمنطق الصوري القديم يراعي القسمة العقلية في فرض الاحتمالات فإذا تصور أن فلانا كامل من بعض الوجوه كان تمام القسمة العقلية التصورية التصور لأضداد ذلك الكامل من بعض الوجوه ، أو أن يكون معلوم الكمال من جميع الوجوه فكامل مطلقا وغير كامل مطلقا وكامل من وجه أو من بعض الوجوه هي تمام القسمة العقلية ، فذلك دليل على أن العقل لا يتصور شيئا إلا ولديه فكرة عن أضداد ذلك الشيء .
                    3 - تصوري لكامل غير متناه ليس مجرد تصور في ذهني لا حقيقة له في الواقع بل وجود الأعظم الأكمل في الحقيقة أكثر من مجرد وجوده في التصور ، لأنني إذا تصورت كاملا فمن مقتضيات الكمال الوجود وغير الموجود غاية في النقص فكيف أتصور كاملا ما كان غير موجود؟!
                    ولأن تفكيري يستلزم أشياء أفكر فيها إذ لا وجود لفكر لا يكون تفكيرا في شيء .
                    4 - تصوري لكامل لا متناه من الذي أودعه في عقلي ؟ لابد أن يكون واهبنا هذه الأفكار كاملا لا متناهيا لأنني اثبت فيما مضى أنني ناقص متناه ، لان معتقداتي عن كامل لا متناه لا يمكن أن تصدر من غير الكامل المتناهي الذي هو أنا ومن قوانين العقل أن ما هو اكبر لا يمكن أن ينتج عما هو اقل .
                    5 - إذا فوجود جوهر (10) لا متناه أزلي منزه عن الغير قائم بذاته محيط بكل شيء قادر على كل شيء حقيقة يقينية بديهية في منتهى الوضوح و التميز .
                    وقال أبو عبد الرحمن : ليعي عني عشاق الحقيقة أمورا :
                    أولها :
                    أنني محتفظ بتعبيرات ديكارت كتسميته الله جوهرا ، وان لم يكن تعبيرا سلفيا وهذا لا يستغرب من ديكارت المسيحي فلا يأخذن علي أخواني السلفيون ذلك واحتفاظي بتعبيرات ديكارت أو غيره ضروري حتى لا يكون لبس في فهم مذهبه ؛ واخطر الأشياء الكفر ، ومع ذلك فحاكي الفكر ليس بكافر .
                    وثانيها :
                    أن نقاد هذا الدليل الوجودي من ( كانت ) إلى الشيخ مصطفى صبري كلهم لم يفهموا هذا الدليل .
                    والذين حكوا أيضا هذا الدليل لم يصوروه على الصحيح فآثرت أن أتتبع ما وقع بيدي من مؤلفات ذكرت هذا الدليل معتمدا على ترجمة تأملات ديكارت للدكتورين عثمان أمين وكمال الحاج ، فاستخلصت من ذلك الصورة الصحيحة لمذهب ديكارت بالتنظيم الذي سبق ، والله الحمد على ذلك .
                    وثالثها :
                    أنني شديد الإيمان بما تقرر في دراساتنا الأصولية من أن حكمك على الشيء فرع تصوره ، وان الأستاذ الكبير العقاد رحمه الله لم يعط إلا صورة مبتسرة غير متكاملة عن هذا البرهان في كتابه ( الله ) فكيف يتيسر الحكم له أو عليه قبل تصوره بكامل تدرجاته ؟
                    ورابعها :
                    أن هذا الدليل يسمى وجوديا لأنه منبثق من وجود الإنسان بل من اخص خصائصه وهو التفكير كما مر آنفا ويسمى أونطولوجيا لان القديس أنسلم الاونطولوجي هو الذي صاغه في صورته الأولى ، ولكن ديكارت جعله حقيقة علمية وتوسع في شرحه .
                    وخامسها :
                    أن هذا البرهان يسمى بالبرهان الوجودي أو الاونطولوجي أو برهان الكمال أو الاستكمال أو المثل الأعلى أو الاستعلاء ، فافهم هذه التسميات لتعرف مدلالوتها في كتب الفلسفة .
                    وسادسها :
                    أنني سأذكر جميع الاعتراضات والانتقادات الواردة على هذا البرهان ثم أحقق ما يصح في خضم ذلك العراك الفكري .
                    وسابعها :
                    أنني ملتمس في نصوص الدين ما عساه ينفي ذلك البرهان أو يثبته ، ومقرر الحكم فيما لو صح أن هذا البرهان لإثبات وجود الله من الناحية العقلية لم يكن من طرق السلف هل نستدل به أم نرده ؟!
                    وثامنها :
                    أنني مسلط بعض الأسئلة التي تكشف عن غوامض ذلك البرهان لتنجلي صورته الحقيقة وبادئ بهذه النقطة الأخيرة .


                    _______________________
                    (10) عبارة الجوهر ترد في كلام الفلاسفة قديما وحديثا ، وهي تسمية غير شرعية والله لا يوصف إلا بما وصف به نفسه سبحانه وتعالى .
                    لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                    حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                    قل خيرًا او اصمت



                    تعليق

                    • سدرة
                      10- عضو متميز
                      عضو مجموعة الأخوات

                      حارس من حراس العقيدة
                      • 28 ينا, 2013
                      • 1791
                      • مسلمه

                      #55
                      رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                      تساؤلات في هذا البرهان :
                      قال أبو عبد الرحمن :
                      لا مراء في أن في طبيعة الفكر الإنساني الجبلية استكشاف العلل والأسباب فأنا المفكر لدي فكرة اللامتناهي فمن الذي أودعها فكري ؟ .
                      يقول ديكارت : هو الله الكامل اللامتناهي ، فتأتي الاستفسارات هكذا ؟
                      لماذا لا تكون هذه الأفكار تحققت بواسطتنا من صميم أنفسنا ؟
                      ولماذا لا تكون هذه الأفكار تحققت من محيطنا ووسطنا ووالدينا أو أي شيء آخر في هذا العالم ؟
                      ولماذا كانت هذه الأفكار لم تتحقق الا بواسطة موجود غير العالم ؟
                      ولماذا اشترط لذلك الموجود الكمال واللامتناهي ؟
                      الشيء لا يخلق نفسه :
                      لو كانت فكرة الموجود الواجب الكامل اللامتناهي مستقلة عن غيري منبثقة بفعلي لما كنت اشك في شيء ولا اشتهي شيئا ولا افتقر إلى كمال . كنت اخلق نفسي على منتهى الكمال ولكن هذا لم يحصل لأمور :
                      أولها :
                      ان معرفتي تترقى في كل يوم في مراتب الكمال فهذا الارتقاء في المعرفة دليل على وجود النقص فيها مما يجعل الخطأ يتسرب إليها ، ففي طبيعة الإنسان أشياء كثيرة بالقوة لم تتحقق بعد فعلا والكمال حقا هو وجود القوة والفعل في آن واحد وهذا ليس إلا الكمال اللامتناهى .
                      وثانيها :
                      أن معرفتي مهما ارتقت في مراتب الكمال لا استطيع أن أتصورها لا متناهية بالفعل لأنها لن تبلغ درجة ليس بعدها من زيادة .
                      وثالثها :
                      أن استمرار وجودي من لحظة إلى أخرى يحتاج إلى تعليل . فكوني موجوداً منذ لحظة إلى أخرى ليس سببا لكوني موجوداً الآن مالم تكن ثمة قوة تخلقني خلقا جديدا ، لو كنت خلقت نفسي في البدأة لوجب أن أخلقها من جديد في كل لحظة تمر بي ولكن المشاهد أن الإنسان محكوم بحتميات القدر ، والذي يخلق نفسه يستطيع أن يحتفظ بديمومة هذا الخلق ، فهل ثمة من يدرأ الموت عن نفسه ؟!
                      ورابعها :
                      أن الحكم بأن الشيء لا يخلق نفسه بديهة عقلية .
                      الكمال من الأكمل :
                      ولا يمكن أن تكون فكرة الكمال اللامتناهي حاصلة من محيطي ومجتمعي ، لأن هذه الفكرة حاصلة من غريزة العقل لدي فان حصلت الفكرة من مجموع محسوساتي وتجاربي في محيط هذه الحياة وذلك المجتمع إلا أن محيطي لم يودع في تلك الغريزة غريزة التعقل ففرق بين هذا وذاك .
                      ووالداي فهما قطعا ليسا علة في حفظ وجودي أو خلقي لأنهما يفنيان ، وفي وجودهما لا يملكان ديمومة وجودي ، فكيف يستطيعان خلقي ولا يستطيعان حفظ الخلق ؟!
                      إن موتي ليس بفعلهما فكذلك حياتي ، ولا يجوز لي أن أتوهم عللا كثيرة أخرى تعاونت على إيجادي وتلقيت من إحداهما فكرتي عن صفات الكمال ومن الأخرى فكرتي عن كمال آخر يتم من مجموع هذه الكمالات فكرة الكمال اللامتناهي التي انسبها إلى الله ومعنى هذا أن جميع هذه الكمالات توجد حقيقة في جهات الكون ولكنها لا تتم في موجود واحد .
                      لا يجوز لي هذا التوهم لأن الكمال اللامتناهي من مقوماته الوحدة أو البساطة أو امتناع المفارقة .
                      الكمال اللامتناهي هو أن يوجد في موجود واحد فان تفرق في موجودات لم يكن كل موجود منها كاملا ، ففكرة الكمال اللامتناهي تنخرم إذا تصورنا أنها في موجودات متعددة .
                      قال أبو عبد الرحمن :
                      وهذا مفترق الطريق بين من يقولون باثنينية الوجود واجبه وممكنه ، وبين أهل وحدة الوجود ، وليس معنى هذا إنكار الأسباب والعلل وأن الشيء يحدث من عدة عوامل ، ولكن ما لا يصح قطعا : أن لا تقف كل العوامل عند لا متناه واحد ، وإيضاح هذا في برهان العلية الذي سنذكره مستقبلا إن أعانني الله وفسح في عمري وبالله أتأيد .
                      ولما نفينا أن يكون في العالم جهة واحدة فيها الكمال اللامتناهي وجب ضرورة أن يكون ذلك الموجود اللامتناهي موجودا في غير العالم يتميز عليه بكل صفات الكمال المطلقة اللامتناهية لان الكمال لا ينتج إلا من أكمل .
                      لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                      حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                      قل خيرًا او اصمت



                      تعليق

                      • سدرة
                        10- عضو متميز
                        عضو مجموعة الأخوات

                        حارس من حراس العقيدة
                        • 28 ينا, 2013
                        • 1791
                        • مسلمه

                        #56
                        رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                        إذن فالكوجيتو الديكارتية تمخضت عما يلي :
                        1 - أن ديكارت يفكر .
                        2 - أن ديكارت موجود .
                        3 - أن الله « الكامل اللامتناهي » موجود .
                        4 - أن العقل البشري نور فطري فهو الصدر الأولوي من مصادر المعرفة ، ومعرفته يقينية لأنها مستمدة من الكامل اللامتناهي ، ومبنية على « صدوقية الله » كما في تعبير ديكارت - والله أعطانا العقل لندرك به الحقيقة ، فلابد أن تكون معرفته يقينية ، لأن الله لا يخدعنا ، لأنه الكامل اللامتناهي .
                        قال أبو عبد الرحمن : مصادر المعرفة التي يبحثها علم المنطق كثيرة ، إلا أن الخلاف في أولوية بعضها من بعض وكونه حكما على بقية المحصلات للعلم ، فالمصدر الأولى عند ( المليين ) كتابهم فان كان يهوديا فالتوراة ، وإن كان مسيحيا فالإنجيل ، وإن كان مسلما فالقرآن والحديث وإن كان باطنياً فقول الإمام المعصوم وهكذا .
                        والصوفيون يقدمون مصدر الإلهام والكشف والأحلام والاشراقة ولهذا كثر عندهم التخريف .
                        والعقلانيون يقدمون معارف العقل حسب ضوابطه ، والماديون وأهل المنطق الوضعي يقدمون معارف الحس والمجربات ومحترفو الأدب يقدمون بيت الشاعر ! .. والحسبانيون وإن اختلفت تسمياتهم يهزأون بكل هذه المصادر .
                        قال أبو عبد الرحمن : والذي ندين لله به أن لكل مصدر وظيفته ، والعقل لا يحيل شيئا منها ، ولكنه قد يحيل بعض ما ينسب لها من معارف تكون ادعاء كاذباً ، ونعتقد جازمين بأن العقل نور من الله غير محجور عليه الوصول إلى حقيقة إلا أن رقيه في درج الكمال رهن جوه الطبيعي والثقافي ورهن مكتسباته من الغرائز الفطرية والمعطيات الحسية والتجريبية وما أشبه ذاك .
                        ولهذا فإننا نقول العقل هو الحكم على المعارف النفسية التي تنبثق من المحسوسات والترقيات العلمية ، لأنه الذي يميز صحيحها وسقيمها ويكفي انه من أهم شروط التكليف ، بل كلها تعود إليه وخير معارف العقل ما يستمده من غريزته الفطرية المتمثلة في احتياجه إلى الأكمل أيضا ، فما صدر عن الكمال المطلق من نصوص سمعية أيدتها المعجزة الكونية والواقع التاريخي المتواتر ومعجزة القرآن المعنوية العظيمة ومعجزة الأمية في التشريع والحقائق القطعية التي يعجز عن تحصيلها تواضع البشر فكيف بأمي لم يتل كتابا ، ولم يخطه بيمينه ، ولم يتتلمذ على دكاترة ، ولم ينل مؤهله في جامعة ، ولم تكن له أسفار ، وما كان أعداؤه يتهمونه بكذب .. صلوات الله وسلامه عليه ؟!
                        قال أبو عبد الرحمن :
                        وإذا فمحصلات العلم بالترتيب الذي نقره ، وهي أن حقائق الشرع حكم على كل مصادر المعرفة ، شريطة أن يثبت تلقيها عن الشارع وان تصح الدلالة وهي حقائق يقينية قطعية نهائية ، لأن العقل كما قلنا يدرك نقصه ويدرك حاجته إلى الأكمل ، وقد تأيد له بالمعجزات التي ذكرناها آنفا : أن هذه النصوص صادرة عن « الكمال المطلق » فهو مضطر إلى الاستسلام لحقائق الدين ، فان عنت له شبهة تشككه في شيء من حقائق الدين عاد إلى ضوابطه الأولى :
                        1 - نقصه .
                        2 - إيمانه بالكمال اللامتناهي .
                        3 - احتياجه إليه .
                        فكيف يدعي الكمال من كان ناقصا ؟ وكيف يلغي حقائق الشرع من يعلم أنها من الكامل اللامتناهي ؟ وكيف يستقل عنه بالمعرفة من كان محتاجا إليه ؟
                        حقا إن العقل يناقض نفسه إن تناسى ضوابطه الأولى وإذن فليس النزاع في أن العقل محصل للعلم وإنما النزاع في أحكام ضوابط العقل و قوانين هدايته وفي غير هذا مجال التبسط .
                        قال أبو عبد الرحمن : ولا يأخذن علي أحد تعبيري بالكمال عن حقيقة الإلوهية .
                        قال أبو العباس ابن تيمية - طيب الله ثراه :
                        « وثبوت معنى الكمال قد دل عليه القرآن بعبارات متنوعة دالة على معان متضمنة لهذا المعنى فما في القرآن من إثبات الحمد له وتفصيل محامده وأن له المثل الأعلى وإثبات معاني أسمائه ونحو ذلك كله دال على هذا المعنى ، وقد ثبت لفظ الكامل فيما رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير « قل هو الله احد الله الصمد » : أن الصمد المستحق للكمال وهو السيد الذي كمل في سؤدده والشريف الذي قد كمل في شرفه .. الخ .
                        لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                        حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                        قل خيرًا او اصمت



                        تعليق

                        • سدرة
                          10- عضو متميز
                          عضو مجموعة الأخوات

                          حارس من حراس العقيدة
                          • 28 ينا, 2013
                          • 1791
                          • مسلمه

                          #57
                          رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                          البرهان الوجودي على المحك :
                          فكرة الكامل اللامتناهي قال بها « أنسلم » وانتقدها عليه « جونيلون » في كتابه « الدفاع عن الأحمق » وكان أنسلم كثير التبكيت للأحمق ، ويعني به الملحد .
                          وقال به « سنت انسله م » وانتقد عليه . وقال به الأسقف كنتربري « أنزليم » وقد أعجب به كل من الدكتور عثمان أمين والأستاذ العقاد وانتقده الدكتور محمد البهي ، والشيخ مصطفى صبري ، وقبلهما توماس الأكوبني فلم يعترف بصحته ، وكذلك التجريبيون من أمثال توماس هوبز وجاسندي وارنولد وغيرهم من اللاهوتيين ، إلا أن الذي تصدى لنقده هو عمانوئيل كانت واعتراضاتهم على هذا البرهان كما يلي :
                          1 - لا مشاحة في تصور العقل للكمال اللامتناهي لأنه متناه غير كامل وتكثير الواحد بالقسمة العقلية أمر مسلم به ولكن هذا التصور لا يكفي في إثبات وجوده وقول ديكارت أن تصور الكامل اللامتناهي يستحيل على فرض كونه غير موجود : مردود بما تقرر في المنطق انه لا حجر في التصورات !
                          ألا ترى أن التصور فيه متسع للموجود والمعدوم ؟ وإذن فالوجود وجودان : وجود في التصور ووجود في الخارج أي الواقع ومعنى هذا أن الذهن يتصور المعدوم موجودا فيكون موجودا في الذهن معدوما في الواقع .
                          2 - ما يثبته هذا البرهان الوجودي هو استحالة اعتقادنا أن الله غير موجود وان وجود الله شيء لا ينفصل في تفكيرنا عن اتصافه بالكمال ولكن البديهي : أن عدم قدرتنا على الاعتقاد في عدم وجود الله : ليس سببا وجيها للاستدلال على وجود الله وان عدم هذا الانفصال في تفكيرنا لا يثبت أن هناك عدم انفصال في الواقع !
                          3 - غير مسلم لأهل الدليل الوجودي أن الوجود صفة كمال لأن كلمة موجود وهي تبدو وكأنها محمول ألا أنها في الحق ليست من المحمولات إن الوجود معناه وضع الذات ،
                          قال كانت :
                          « إن تصور عشرة دولارات شيء والقول بأن لدينا عشرة دولارات في محفظتنا شيء آخر ومن الناحية التصورية لا اختلاف بين الدولارات العشرة الموجودة والدولارات العشرة المتصورة والاختلاف الوحيد هو أن الأولى موجودة بينما الدولارات العشرة المتصورة التي تتصف بنفس الخصائص وبنفس صفات المال غير موجودة .
                          4 - إثبات وجود الله يتوقف على كونه جامع كل كمال وإثبات جمعه كل كمال يتوقف على كونه موجودا فهذا دور ومصادرة على المطلوب لأن النتيجة هكذا : « الله موجود لأنه موجـود » ! وفي قواعد المنطق « صدق القضية الموجبة مشروط بوجود موضوعها » .
                          5 - ديكارت مخطئ في تصوره « لا متناهيا » لأنه يمتنع على العقل تصور اللامتناهي .
                          قال أبو عبد الرحمن :
                          الإيمان بوجود الله ووحدانيته وكماله فطرة ضرورية ، والإيمان بالله يغني عن الأدلة المنطقية ولكننا نرى هذه الأدلة تفيد في إقناع من تغيرات فطرته واعتورت عقله الشبه ، وما أكثر هذا الصنف اليوم ، والإيمان بوجود الله هو معتقد من سلمت فطرته كما أنه معتقد العلماء البارزين في التشريح والطب والنبات أما الإلحاد وخاصة في شرقنا العربي فهو مزلة الفقاقيع الذين تعالوا على الفطرة ، ولم يصلوا إلى مستوى العارفين بأسرار هذا الكون المكتشفين حقائقه من علماء الطبيعة ، فتساقطوا حيارى تائهين بسطحيتهم وتعاظمهم معا والإيمان بوجود الله : تضمنه لنا لفتات القرآن الكريم الشرعية ، وإنما بدأت بالدليل الاونطولوجي وهو - على قوة ما فيه من إقناع - من اضعف الأدلة لأصعد بعقول الشاكين من القوي فالأقوى .
                          ودليلي على أن الإيمان دين العلماء تلك النصوص الكثيرة من كلمات هؤلاء المختصين في شتى معارف الطبيعة يوجبون فيها الاعتقاد بإله خالق له الكمال المطلق . وهذا « يوري جاجارين » رائد الفضاء الأول يعلن هذه الحقيقة بشاهد عقله لا برؤية بصره لما سأله الملحدون : هل رأيت الله ؟!
                          والإيمان بالله سندلل عليه في مباحثنا الأولى بشتى الدلائل ، ثم نعقد مجالس لمناظرة من يعترفون بخالق غير الله كالمادة العمياء أو المصادفة أو الطبيعة ، وذلك في أبحاثنا الأخيرة ولقد تعلمت من جدل شيخي أبي محمد « الأنصاف » فأمتحن الأدلة التي يصح الاستدلال بها على معتقدي فلا أركن إلا إلى أصلبها وأقواها وأظهرها ، وسأحتفي بالاعتراض الجيد الواقعي وسأمتحنه أيضا حتى أعرف وجهه لأن المراد من طول الجدل غربلة الأدلة وأرجو الله أن يثقل بذلك موازيني إذا لقيته وأنا أفقر ما أكون إلى عفوه ورحمته . وحري بمن طلب الحقيقة أن لا يشوي سهمه !
                          لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                          حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                          قل خيرًا او اصمت



                          تعليق

                          • سدرة
                            10- عضو متميز
                            عضو مجموعة الأخوات

                            حارس من حراس العقيدة
                            • 28 ينا, 2013
                            • 1791
                            • مسلمه

                            #58
                            رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                            وهذا البحث في إثبات وجود الله وإن طالت ذيوله ليس إلا مقدمة لما كتبه غيرنا وما سنكتبه نحن من مباحث في التشريع لا في العقيدة . لأن المستعيضين بدين الله غيره لا يعترفون بأن الدين حق حتى نقيم عليهم الحجة بأن الله حق ولهذا قال بعض الملاحدة : إذا ثبت وجود الله سهل الإيمان بكل شيء !
                            مناقشة الاعتراض الأول :
                            موجز هذا الاعتراض أن تصور الكامل اللامتناهي لا يلزم وقوعه ، لأن الذهن يتصور المعدوم موجودا ولا حجر في التصورات ، فمعنى هذا :
                            أن الكامل اللامتناهي أي الموجود بطبيعة الحال قد لا يكون كاملا كمالا متناهيا موجودا إلا في الذهن ذهن ديكارت أو غيره ، ولا يلزم أن يكون موجودا في الواقع إلا بدليل آخر دليل غير مجرد هذا التصور !
                            فاتضح أن الدليل الانطولوجي لا يفيد وحده إثبات وجود الله بل إن وجود الله إذا ثبت بدليل آخر فان هذا الدليل الوجودي يفيد في إثبات أن لله صفات الكمال إلا أننا بصدد إثبات وجود الله لا إثبات صفاته .
                            قال أبو عبد الرحمن : هذا اعتراض مستقيم ، ولسنا ننقده من ضعف في بنيته إلا انه اعتراض على غير دعوى ديكارت اعني أن وجه الخطأ في هذا الاعتراض :
                            « شيء واحد هو سوء الفهم لدليل ديكارت »
                            هذا الاعتراض يدفع فهمهم الذي فهموه من دليل ديكارت ولكنه لا يقوى على دفع ما فهمه ديكارت وأبو عبد الرحمن معا من دليل ديكارت نفسه !
                            ان ديكارت وأبا عبد الرحمن عرفا أن من طبيعة فكرهما النقص لأنهما يشكان ، ولأنهما يترقيان للكمال ويطلبانه ، فتيقنا أن هناك كمالا مطلقا لا متناهيا وليس هذا مجرد خيال ، ولكنه حكم واقعي مستمد من طبيعة العقل وتصوراته وقد قلنا : إن القسمة العقلية أي تكثير الواحد بحصر الاحتمالات من ظاهريات الفكر . ومثار الغلط عند « كانت» - بالإضافة إلى سؤ الفهم لهذا الدليل - شيء آخر هو « القياس مع الفارق » .
                            الا ترى أن « كانت » يقيس فكرة الكامل اللامتناهي في عقل ديكارت بمسألة الدنانير فقال :
                            إذا تصورت عشرة دنانير لم يلزم من ذلك أن تكون تلك العشرة موجودة فوجود الشيء المتصور غير محتوم .
                            وجوابي عن هذا :
                            أن وجود الشيء المتصور غير محتوم دعوى صحيحة ، ولكن نقول أيضا ماتحتم تصوره لابد أن يكون موجودا فعشرة الدنانير غير محتوم تصورها فوجودها أيضا غير محتوم أما الكمال المطلق فتصورنا له محتوم ، فان من أمعن النظر في تدرجات الكمال في الظواهر الكونية لزمه حتما أن يتصور الكمال المطلق ، لان طلب العلة الكافية من قوانين العقل في بحثه عن حقيقة قال « لايبنتز » في « الموندولوجيا » التي عربها الدكتور جورج طعمه ص 121 « أن عمليات تعقلنا تقوم على مبدأين كبيرين مبدأ التناقض الذي بالاستناد إليه نحكم بالخطأ على ما احتوى تناقضا وبالصحة على ما هو مضاد أو مناقض للخطأ ومبدأ العلة الكافية ، الذي بالاستناد إليه نعتبر أن أي أمر واقع لا يمكن أن يوجد أو يتحقق بالفعل وأية قضية لا يمكن أن تكون صحيحة إلا إذا كانت هناك علة كافية أوجبت وجودها على هذا الشكل دون سواه ، مع انه في أكثر الأحيان لا يمكننا مطلقا أن نعرف هذه العلل » اهـ
                            والعقل لما أدرك نقصه وترقى للكمال تيقن انه يستمد هذا الكمال من كمال مطلق فوضح الفرق بين المسألتين اللتين لم يفرق بينهما « كانت » .
                            وقد أجاب الأستاذ العقاد بجواب آخر ولكنه غير ناهض فقال : « نستطيع أن نتصور عشرة دنانير دون أن نستلزم وجودها في الحقيقة ولكننا لا نستطيع أن نتصور كمالا لا مزيد عليه ثم نتصور في الوقت نفسه نقصا لا مزيد عليه لأنه معدوم » أهـ .
                            قال أبو عبد الرحمن :
                            هذا وارد في غير محل النزاع ، لأن «كانت» وغيره من نقاد الانطولوجي لم يفصلوا بين « الكامل اللامتناهي » وبين « وجوده » في التصور ، فجائز أن نتصور كمالا « لا مزيد عليه » بأن يكون موجودا ، وان لا نتصور نقصا ( لا مزيد عليه ) بان يكون معدوما ولعل من الأنسب أن أحاور العقاد بلسان « عمانوئيل كانت » فاليكم ذلك الحوار :
                            قال العقاد :
                            لا نستطيع أن نتصور كمالا لا مزيد عليه ثم نتصوره في الوقت نفسه نقصا لا مزيد عليه .
                            قال أبو عبد الرحمن :
                            معنى هذا أننا إذا تصورنا كمالا لا مزيد عليه فلابد أن نتصوره موجودا لان المعدوم غير كامل .
                            فقال « كانت » :
                            نعم هذا صحيح ولكن لسنا في هذا ننازع ، بل نتفق معك على أن من تصور الكامل المطلق فلابد أن يتصوره موجودا ولكن اليقين ثم أن « الكمال » اللامتناهي والوجود ثابتان في التصور فان أردت أيها العقاد أن يكون اعتراضك في محل النزاع فقل : لا نستطيع أن نتصور كمالا لا مزيد عليه ثم لا يكون موجودا في الواقع ، لأننا ننازع في الدلالة على الوجود في الواقع !
                            أما قولك : لا نستطيع أن نتصور كمالا لا مزيد عليه ثم نتصوره في الوقت نفسه نقصا لا مزيد عليه لأنه معدوم فغير وارد علينا لأننا لم نحجر عليك تصورك !!
                            قال ابو عبد الرحمن :
                            وقول « كانت » : لا يلزم ثبوت اللامتناهي الكامل في الواقع بمجرد تصورنا له صحيح ومسلم به ونحن ( وعود الضمير إلى أصحاب الاونطولوجي ) لم نقل أن ثبوت الكامل واقعا كان بمجرد تصورنا له بل كان بحتمية ذلك التصور فتصورنا للكمال المطلق إجباري والذي حتم تصوره هو ثبوته ووجوده ، وتصورنا لعشرة دنانير اختياري .
                            لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                            حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                            قل خيرًا او اصمت



                            تعليق

                            • سدرة
                              10- عضو متميز
                              عضو مجموعة الأخوات

                              حارس من حراس العقيدة
                              • 28 ينا, 2013
                              • 1791
                              • مسلمه

                              #59
                              رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                              وأيضا : فليست فكرة الكامل اللامتناهي مجرد تصور ولا مجرد حتمية التصور ، بل هي شهادة العقل ولمسه بعض الحقيقة فلما رأينا بعض الكمال عرفنا يقينا أن الكمال المطلق أو كل الكمال موجود .
                              قال الأستاذ العقاد عن الدليل الوجودي الذي أدافع الآن عن صحته : « والبرهان في الواقع أقوى وامتن من أن ينال بمثل هذا الانتقاد « ويعني بهذا الانتقاد : انتقاد كانت . » .
                              قال أبو عبد الرحمن :
                              هذه الدعوى صحيحة ولكن العقاد رحمه الله لم يقم عليها البرهان القوي ولولا نقضي لاعتراض « كانت » لأصبح الدليل الوجودي بمجرد حجة العقاد متهافتا .
                              أما الشيخ مصطفى صبري فلم يعجبنا رفضه هذا الدليل ولا اعتراضه عليه ، وقد احكمنا الرد عليه في نقضنا لدليل « كانت » ، وعيب الشيخ مصطفى : انه أسير عبارات المنطق الأرسطي الصوري أما الذي يستخدم المنطق في جدله ولكنه يستعلي على قيوده فهو الذي لا يخدعه التمويه .
                              ويدفع قولهم : بأن فكرة الكامل اللامتناهي مجرد تصور في الذهن : أن الكمال غير المطلق الذي عرفه ديكارت من نفسه يستلزم وجود كمال مطلق فهذا اللزوم العقلي هو في الحقيقة فكرة الكامل اللامتناهي ، لأن من قوانين العقل طلب العلة الكافية كما نقلنا عن « لايبتز » آنفا .
                              اما أن هذا الدليل يحتاج إلى دليل « العلية » فهذا له مجال نقاش يأتي في حينه .
                              قال أبو عبد الرحمن :
                              وحجة « كانت » وغيره من نقاد الانطولوجي في قوله : لا يلزم من وجود المتصور في الذهن وجود في الواقع : بديهة عقلية لفت إليها شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته القيمة « حقيقة مذهب الاتحاديين ( ص 62 ) من المسائل والرسائل التي جمعها محمد رشيد رضا وحققها فقال :
                              « الأمور التي نعلمها نحن ونتصورها إما نافين لها أو مثبتين لها في الخارج أو مترددين ليس بمجرد تصورنا يكون لأعيانها ثبوت في الخارج عن علمنا وأذهاننا كما نتصور جبل ياقوت وبحر زئبق وإنسانا من ذهب وفرسا من حجر ، فثبوت الشيء في العلم والتقدير ليس هو ثبوته عينة في الخارج بل العالم يعلم بشيء ويتكلم به ويكتبه وليس لذاته في الخارج ثبوت ولا وجود أصلا » .
                              قال أبو عبد الرحمن :
                              وقد أبنا فيما سبق : أن الذي يستلزم وجود التصور : هو حتمية تصوره ، وهذه الحتمية متمثلة في طبيعة العقل الذي لا يقف عند درجة قاصرة من درجات الكمال وهو يلمس الكمال غير المطلق في هذا الوجود ، وسنزيد التدليل على هذا عند إثباتنا حقيقة الأفكار الفطرية ونحن أيضا مضطرون للدفاع عن هذا الدليل الوجودي بنقاشنا فلسفة التجريبيين الانجليز من أمثال « لوك » و « باركلي » و « هيوم » و « جون استوارت مل » الذين كانت فلسفتهم رد فعل لقول العقلانيين - ديكارت وسبينوزا ولايبنتز - بمدركات « قبلية » أي الأفكار الفطرية فهم يردونها ويسمونها « بالباطل النير » لأنها غير مستمدة من الخبرة الحسية .
                              قال أبو عبد الرحمن :
                              والذي نلزم به التجريبيين من البراهين يضيق عنه جلد ألفي بعير ، كما اعتاد شيخنا أن يقول !
                              دفاع عن هذا المنهج :
                              وقبل أن امضي في رد الاعتراضات الأخرى وذكر كافة الدلائل العقلية المثبتة لوجود الله : أحب أن ادفع عن نفسي قالة ربما لا تكون محمودة وهي أن الذي يبدأ بالادراكات النفسية من عقلية وحسية في الاستدلال على حقيقة الإلوهية يخالف منهج السلف وهذا ما قرره عبقري الإسلام الكبير أبو العباس احمد بن تيمية - رحمه - فقال : « وأما الطريقة الفلسفية الكلامية فأنهم ابتدأوا بنفوسهم فجعلوها هي الأصل الذي يفرعون عليه والأساس الذي يبنون عليه ، فتكلموا في إدراكهم للعلم انه تارة يكون بالحس وتارة بالعقل وتارة بهما فمتكلمة الإسلام غرضهم في الغالب إنما هو إثبات صانع العالم والصفات التي بها تثبت النبوة على طريقهم ثم إذا اثبتوا النبوة تلقوا منها السمعيات وهي الكتاب والسنة والإجماع وفروع ذلك ، ثم ذكر طرق الطبيعيين في إثباتهم واجب الوجود ابتداء من جهة أن الوجود لابد فيه من واجب ثم قال : وهذه الطرق فيها فساد كثير من جهة الوسائل والمقاصد فحاصلها بعد التعب الكثير والسلامة خير قليل ، فهي لحم جمل غث على رأس جبل وعر لا سهل فيرتقي ولا سمين فينتقل ، وهذه الطرق كثيرة المقدمات ينقطع السالكون فيها كثيرا قبل الوصول ومقدماتها في الغالب إما مشتبهة يقع النزاع فيها وإما خفية لا يدركها إلا الأذكياء ، وهؤلاء الفلاسفة لا يتفق منهم اثنان على جميع مقدمات دليل إلا نادرا فكل واحد له طريقة في الاستدلال " أهـ .. ( الفتاوى : جمع ابن قاسم ج 2 ص 20 - 22 ) بتصرف واختصار .
                              لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                              حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                              قل خيرًا او اصمت



                              تعليق

                              • سدرة
                                10- عضو متميز
                                عضو مجموعة الأخوات

                                حارس من حراس العقيدة
                                • 28 ينا, 2013
                                • 1791
                                • مسلمه

                                #60
                                رد: تفريغ كتاب ( لن تلحد ) لإبن عقيل الظاهري

                                وكان شيخ الإسلام قد قرر قبل ذلك وقبل أن يولد ديكارت بقرون ( أن الإيمان بالله فطري ضروري ، وذلك اشد رسوخا في النفس من مبدأ العلم الرياضي ، كقولنا أن الواحد نصف الاثنين ) ( الفتاوى ج 2 ص 15- 16 ) .
                                وما لاحظه شيخ الإسلام في الفلسفة القديمة لاحظناه في الفلسفة الحديثة فكل واحد من هؤلاء الفلاسفة له طريق خاصة في الاستدلال كديكارت وسبينوزا ولايبنتز وكانت وباسكال وهيجل وشيلنج وغيرهم وغيرهم لا تجدهم يتفقون على طريقة وكل المخالفين لمنهج السلف من فلاسفة المسلمين ومتكلميهم في اضطراب وتفرق واختلاف كثير ، لا تجد الاتفاق في الأصول عند احد غير أهل السنة والجماعة .
                                ويتضح مما سبق : أن العيب في الاعتناء بالأدلة النظرية ينحصر فيما يلي :
                                1 - تقديم الادراكات النفسية على ضرورة الفطرة والواجب إتباع طريقة النبيين في الدعوة إلى شهادة أن لا إله إلا الله بمقتضى الفطرة .
                                2 - فساد المقاصد في طرق الفلاسفة فهي مزلة قدم وفيها تعب ، ثم على فرض السلامة فخيرها قليل .
                                3 - فساد وسائلها لأن مقدماتها إما مشتبهة وإما خفية .
                                4 - وطرقهم إتباع للظن لأنه لا يتفق منهم اثنان على طريق واحد .
                                قال أبو عبد الرحمن :
                                فمن لا يعمل ويؤذيه أن يعمل الناس قد ينال منا بهذه الأمور وأنني مجيب بما يلي :
                                1 - أنني شديد الإيمان بصحة الطريقة السلفية طريقة النبيين والتدليل على ذلك بأنني « مسلم » كاف .
                                2 - سأعقد فصلا خاصا عن ( دليل الفطرة ) وانه يقيني لأنه لا يحتمل مرجوحا وسأعقد فصلا آخر في تزييف دعوى مخالفي الطريق النبوية القائلين لا يصح الإيمان إلا بعد شك ونظر .
                                3 - لم يكن إيماني بالله وملائكته وكتبه ورسله - ولله الحمد - موقوفا على هذه الأدلة العقلية ، وظاهرة ذلك أنني أقرأ الدليل الإلحادي على قوته فأعلم يقينا انه مموه فأكشف عن زيفه بمدد من الله ثم من إيماني المسبق القائم على الفطرة والنصوص الشرعية .
                                4 - إيماني الفطري أنتج لي أن الباطل فيما عداه ، وانه يستحيل أن يخالفه نظر صحيح البتة فعمدت إلى هذه البراهين العقلية انقدها وازنها بمحك الإيمان الفطري الضروري فما صح ألحقناه بدليل الفطرة ، وما كان خطأ اوضحناه وحررنا العقول من اسره فأية محظور ثم ؟!
                                5 - سأضبط قوانين العقل بضوابطه المستمدة من طبيعته وواقعة المشهود حتى لا يضل ويتبدد ويضيع هباء في اللامحدود .
                                6 - أن طريق الدعوة إلى الله يختلف باختلاف كل زمان وأهله فالأميون الذين دعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الإيمان بالله لم تتفتح أذهانهم إلى الشبه الإلحادية المجللة الأفق اليوم في عصر العلم ، فإذا اتجهنا إلى مقومات تلك الشبه ننقدها ونغربلها فإنما نحاول رد الملحدين إلى فطرتهم .
                                ونحن في كل ذلك نستمد من حقائق الدين ، وإنما يخاف على من تصدى لهذا الأمر وقد غطشت الشبه نور فطرته ووقف إيمانه على ما يصح له من نظر عقلي لم يضبطه بقيوده .
                                7 - نحن المسلمين الفطريين اسعد بنظر العقل الصحيح من أولئك التائهين ، فلنسلطه على تقعيداتهم أو مقدماتهم الخفية المشبوهة .
                                8 - ان شنآننا على اليهود مثلا لا يمنعنا من قول « لا إله إلا الله » لو قالوها هم . فكذلك طرق المتفلسفة لا نرد ما كنا من خير قليل إذا كانت طرقهم في جملتها فاسدة وكنا عليهم من الساخطين .

                                * * *
                                لا اله إلا الله ، محمد رسول الله

                                حكمة هذا اليوم والذي بعده :
                                قل خيرًا او اصمت



                                تعليق

                                مواضيع ذات صلة

                                تقليص

                                المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 10 ساعات
                                ردود 0
                                5 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 10 ساعات
                                ردود 0
                                5 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 11 ساعات
                                ردود 0
                                8 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 13 ساعات
                                ردود 0
                                9 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 13 ساعات
                                ردود 0
                                7 مشاهدات
                                0 ردود الفعل
                                آخر مشاركة *اسلامي عزي*
                                بواسطة *اسلامي عزي*
                                يعمل...