تهافت التاريخ التوراتى:
إلى هنا يكون قد تأكد لنا أن هذا الكتاب الذى تقدسه عزيزى القمص مرقس عزيز ليس كتاب الله، وأنه قد تحرف، وأثبتُ لك التحريف بأساليب عديدة، من ناحية المتن، ومن ناحية السند، وبتضارب عقائد الكتاب نفسه، وبوجود أخطاء بيِّنة أقرها علماء نصوص الكتاب، وغيرها المترجمون ، فى طبعاتهم المختلفة، وباعتراف آباء الكنيسة الأول، وباعتراف دوائر المعارف العالمية، وباعتراف دائرة المعارف الكتابية، وباعتراف الأنبا شنودة، وباعتراف مقدمة الكتاب الذى تقدسه، وباعتراف الرب نفسه فى الكتاب المنسوب إليه!، ثم عن تجاهل اسم الرب فى هذا الكتاب وحذفه عن عمد!
وقبل أن نتكلم عن مكة وبكة لنا تساؤل بسيط: هل حدد العلماء كل الأماكن الجغرافية التى تناولها الكتاب بالذكر بدقة؟ وهل صدق تاريخ العهد القديم وممالكه؟
فى الحقيقة لا.
يقول العلمانى الدكتور بشار خليف فى مقاله (التوراة .. انتحالات وتزييف) على شبكة النت: «فقد أجمعت الدراسات الأنثروبولوجية والأثنولوجية على استحالة رد شعب من الشعوب إلى جد واحد.. ونحن نعتقد أن أخذ كتّاب التوراة بمفهوم العنصر كان طبيعيًا كون أنهم بقوا على خصائصهم الرعوية القبلية بما يحتم البحث عن جدّ تؤدى له فروض القداسة.
وعليه فلا عجب مثلاً أن نجد في التوراة – سفر التكوين، أن العيلاميين واللوديين اُعتبروا ساميين وما هم بذلك. وأن الكنعانيين عُدّوا من الكاشيين، وأن الحثيين من ذرية كنعان أما العموريون فهم حاميون !.»
«والغريب أن كتّاب التوراة لم يعوا حقيقة التسلسل الزمني والتاريخي. فإن كان ابراهيم التوراتي الذين يتحدرون منه هو "آرامياً تائهاً" كما ورد في سفر التكوين فإن الحقيقة العلمية تقول أن في هذا الزمن لم يكن ثمة تواجد للآراميين في المشرق العربي بما يعطي دليلاً أكيداً على أن كتابة التوراة حصلت في الألف الأول قبل الميلاد.»
«أيضاً ذكر سفر التكوين أن ابراهيم التوراتي كان في مدينة أور الرافدية لكن الحقائق الأثرية والتاريخية تؤكد أن أور دمرت على يد العيلاميين سنة /2008 / ق. م. ولم تقم لها قائمة بعد ذلك.»
«كما تم وصف مدينة أور بأنها كلدانية والمعلوم أن الكلدانيين يعودون إلى منتصف الألف الأول قبل الميلاد أي زمن تدوين التوراة.»
«كذلك فإن المشرق العربي مع مطالع الألف الثاني قبل الميلاد / الزمن المفترض لابراهيم التوراتي / كان يعجّ بالمدن والفاعلية الحضارية ولعل وثائق هذه الفترة تتعدى نصف مليون وثيقة مسمارية من كافة مواقع المشرق بحيث أنها لم تشر إلى وجود ابراهيم التوراتي ومغامراته وقصة عبوره إلى فلسطين.
وعلى هذا بتنا نفهم مقولة الباحث" إيسفيليت": "أن التوراة لم تكن تاريخاً تحول إلى خيال بل خيالاً تحول إلى تاريخ" (1) [الترقيم هذا فى مقال الدكتور]
أما ماير فيقول: "إن كامل سفر التكوين برواياته عن الآباء والأسلاف / ابراهيم – اسحاق – يعقوب / لبني إسرائيل لا علاقة له بالتاريخ ويجب تصنيفه في زمرة الخيال الأدبي" (2)
وينضم ماك كارتر إلى نقطة متقدمة في الإيضاح في نقده لقصة اختلاق ابراهيم التوراتي والآباء التوراتيين حيث يقول: "علينا أن نكون حذرين في دراستنا لروايات الآباء التوراتيين، فهذه الروايات إيديولوجيا وليست تاريخاً. لقد صيغت في الألف الأول قبل الميلاد / أثناء السبي / من أجل التأسيس اللاهوتي والسياسي للشعب الإسرائيلي. لهذا لا يمكن التعامل معها كتاريخ بأي معنى من المعاني الحديثة لهذه الكلمة" (3)
ويذكر الهولندي "هوفت جزر" في كتابه "الوعود الإلهية للآباء الثلاثة":
"إن كل الوعود التي جاءت على لسان ابراهيم واسحاق ويعقوب بالأرض، تعود إلى وقت واحد في عصر متأخر جداً من زمن الآباء / المفترض/. وكانت هذه الوعود تظهر من قبل أحبار اليهود أثناء الأزمات والأخطار التي كانت تهدد وجودهم. ومعظم هذه الروايات كتبت أثناء السبي البابلي" (4).»
ويواصل الدكتور بشار خليف قائلاً: «ومن المغالطات الكبرى في سفر التكوين هو ذكر كُتَّاب التوراة أن الجَمَل كان موجوداً لدى ابراهيم واسحاق ويعقوب في الزمن المفترض لهم /1900ق.م/، ولكن من المعروف أن ظهور الجمل واستخدامه لم يحصل إلا في القرن الثاني عشر قبل الميلاد أي بعد حوالي 700 سنة.»
وأضيف على كلام الدكتور بشار خليف قائلا: إن لهذا ليثبت بالدليل القاطع أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب كانوا يسكنون مكة والجزيرة العربية مكان انتشار الجمل وركوبه، حيث يوجد أيضًا بئر زمزم ، الذى يسميه الكتاب (بئر الله الحى).
«ويشير "كاسيدوفسكي" إلى أن الأمانة التاريخية كانت غريبة على كتّاب التوراة، حيث استخدموا الأساطير التي تتوارثها الأجيال / المشرقية / شفهياً كي يثبتوا أن يهوه هو الذي يتحكم بمصير شعبه المختار منذ أيام ابراهيم. ولكن لحسن الحظ / والقول لكاسيدوفسكي / عند العلماء والباحثين أن الكهنة لم يستطيعوا أن يكونوا منطقيين في عملهم التحويري والتحريضي هذا، فقد تركوا في النصوص التوراتية الكثير من التفصيلات التي أعطتها صلة وثيقة مع ثقافة الرافدين.
ويصل للقول: لقد كانت ثقافات السومريين والأكاديين والآشوريين والبابليين هي الأصول القديمة لتلك التفصيلات (5).»
ويقول الدكتور ظافر مقدادى فى مقاله (القدس بين التوراة وعلم الآثار الحديث): «قالت الباحثة ”مارغريت ستينر“: إن بلدة أورشليم أُسِّسَت في بداية القرن التاسع قبل الميلاد،ولا علاقة لداود وسليمان بها). وقالت أيضًا: (لم يكن هناك اي مدينة لكي يحتلها داود...و ان تاريخ أورشليم يجب اعادة كتابته).» ومعنى ذلك تكذيب ما يسمونها التوراة فيما روته عن روايات الكهنة والقصاصين.
وأضاف قائلاً: «أما عالم الاثار الإسرائيلي (زئيف هرتسوغ) فقال: (انه بعد الجهود الجبارة في مضمار التنقيب عن اسرائيل القديمة توصل علماء الاثار الى نتيجة مخيفة: لم يكن هناك اي شئ على الاطلاق، حكايات الاباء مجرد اساطير، لم نهبط من مصر، لم نحتل فلسطين، ولا ذكر لامبراطورية داود وسليمان)»
ويقول توماس طومسون أستاذ علم الآثار فى جامعة ماركويت فى ميلووكى بالولايات المتحدة الأمريكية في كتابه "الماضي الخرافي – التوراة والتاريخ": "لقد بات واضحاً الآن أن الثقة السابقة في وجهة النظر القائلة بأن كتاب التوراة هو وثيقة تاريخية هي في طور الانهيار. فقد تم التعبير عن الشك الواسع الانتشار ليس فقط حول تاريخية آباء سفر التكوين بل تاريخية القصص حول موسى ويشوع والقضاة أيضاً".» (6)
«ويشير الباحث "سارنا" sarna في معرض نفيه لأسطورة الخروج من مصر:
"إن خلاصة البحث الأكاديمي حول مسألة تاريخية قصة الخروج، تشير إلى أن الرواية التوراتية تقف وحيدة دون سند من شاهد خارجي، كما أنها مليئة بالتعقيدات الداخلية التي يصعب حلها. كل هذا لا يساعدنا على وضع أحداث هذه القصة ضمن إطار تاريخي. يضاف إلى ذلك أن النص التوراتي يحتم محددات داخلية ذاتية ناشئة عن مقاصد وأهداف المؤلفين التوراتيين، فهؤلاء لم يكونوا يكتبون تاريخاً وإنما يعملون على إيراد تفسيرات لاهوتية لأحداث تاريخية منتقاة. وقد تمت صياغة هذه الروايات بما يتلاءم مع هذه المقاصد والأهداف. ومن هنا فإننا يجب أن نقرأها ونستخدمها تبعاً لذلك.»
ويصل فى نهاية الأبحاث والحفريات الأثارية إلى هذه النتيجة: «وفي النتيجة يمكن النظر إلى أن ما كتبه الأحبار في سفر الخروج لا يعدو كونه حكايا وخبرات اختزنوها أثناء تجوال العبرانيين بين شمال الجزيرة العربية وسيناء وأطراف كنعان بحيث أسدلوا عليها رداءاً إلهياً وأسقطوها على شخصية مفترضة هي موسى الذي جعلوه نبياً كتب الأسفار الخمسة الأولى من التوراة.»
«والغريب أن يرد في سفر التثنية/ الإصحاح الرابع والثلاثين – السطر العاشر / أنه "لم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى". ولكن الحقائق العلمية تؤكد أن كلمة "نبي" لم تدخل قاموس اللغة اليهودية القديمة إلا في زمن متأخر جداً عن عهد موسى المفترض في التوراة!.»
وخلص الدكتور بشار خليف إلى قوله: و«الجدير ذكره هنا هو أن التقليد الديني في أوروبا أكد طوال قرون طويلة أن موسى هو مؤلف الكتب الخمسة الأولى من التوراة، ولكن عندما تجرأ الفيلسوف اليهودي سبينوزا (1632-1677)م وأعلن عن شكّه في صحة ذلك التقليد تم طرده من الكنيسة / أمستردام / وأعلنته هرطقياً. وقد سبق سبينوزا إلى هذا الكثير من الفلاسفة والعلماء أمثال: فيلون ويوسف فلافي وابن عزرا وأوريل وداكوست وغيرهم.»
«وينفي بدوره وليم ديفر روايات الآباء والخروج ويشوع حيث يقول:
"إننا لا نستطيع اليوم أن نبحث عن التاريخ في روايات الآباء والخروج ويشوع. وبصورة خاصة فإن إثبات الفتح العسكري لأرض كنعان/ كما ورد في سفر يشوع / قد غدا مجهولاً لا طائل منه بعد أن جاءت كل الشواهد الأثرية مناقضة له".(13)»
يواصل الدكتور بشار خليف قائلاً: «الجدير ذكره هنا هو أن سفر يشوع يتحدث عن اقتحام عسكري لبلاد كنعان من قبل العبرانيين، في حين أن سفر القضاة يتحدث عن دخول سلمي لهم إلى كنعان.»
ويقول الدكتور ظافر مقدادى فى مقاله (القدس بين التوراة وعلم الآثار الحديث): «وبعد سنين من المسح والدراسة توصلوا لنتيجة مفادها ان المسح لا يشير الى احتمالية قيام مدن (او حتى بلدات) في منطقة اورشليم قبل عصر الحديد الثاني (اي قبل 1000 ق.م)، الأمر الذي دفع فنكلشتاين، وهو مدير كلية الآثار في تل ابيب، في نهاية المطاف للقول: (أبحاثنا صفعت بشدة مشايخ الصهيونية الذين انشأوا إسرائيل والذين يريدوننا كما (ايغال يادين) ان نحمل لهم ما يؤكد النص لا العكس).»
وتوصلت ستينر إلى أن «بلدة أورشليم أُسِّسَت في بداية القرن التاسع قبل الميلاد، ولا علاقة لداودوسليمان بها). وقالت ايضا: (لم يكن هناك اي مدينة لكي يحتلها داود...و ان تاريخأورشليم يجب اعادة كتابته).
أما عالم الاثار الإسرائيلي (زئيف هرتسوغ) فقال: (انه بعد الجهود الجبارة في مضمار التنقيب عن اسرائيل القديمة توصل علماء الاثار الىنتيجة مخيفة: لم يكن هناك اي شئ على الاطلاق، حكايات الاباء مجرد اساطير، لم نهبطمن مصر، لم نحتل فلسطين، ولا ذكر لامبراطورية داود وسليمان)». مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك دراسة تعتمد أن مصر التى كان بها بنو إسرائيل هى قرية أو بلدة فى اليمن، وقت أن كانت واقعة تحت السيادة المصرية وحكم فرعون. (الراية القطرية 14/1/2006)
ويقول باحث التاريخ الدكتور ياسين سويد فى مقاله (تزوير التوراة): «ويرى سبينوزا أن المعلومات التاريخية عن الكتاب المقدس، "ناقصة، بل وكاذبة"، وان الأسس التي تقوم عليها معرفة هذا الكتاب "غير كافية، ليس فقط من حيث الكم" بحيث لم نستطيع ان نقيمها بشكل صحيح، "بل إنها، أيضًا، معيبة من حيث الكيف"، ولكن الناس المتشبثين بآرائهم الدينية يرفضون "أن يصحح أحد آراءهم" هذه، بل إنهم "يدافعون بعناد" عن هذه الآراء، مهما كانت مغلوطة ومشوشة، كما يدافعون عن "الاحكام المسبقة… التي يتمسكون بها باسم الدين". وهكذا لم يعد العقل مقبولا "إلا عند عدد قليل نسبيًا"»
«واستنادا إلى هذه النظريات، يثيرسبينوزا تساؤلات مهمة حول اسفار العهد القديم عموما، واسفار التوراة خصوصا، ثم يقرر ما يلي، معتمدا في تقريره على (ابن عزرا): "ان موسى ليس هو مؤلف الاسفار الخمسة (التوراة) بل ان مؤلفها شخص اخر عاش بعد بزمن طويل، وأن موسى كتب سفرا مختلفا»
ونقلا بتصرف بسيط عن الدكتور ياسين فى مقاله سابق الذكر: واستند اسبينوزا فى بحثه هذا إلى البراهين التالية:
1- ”لميكتب موسى u مقدمة التثنية لأنه لم يعبر الاردن.“
2- ”كان سفر موسى u في حجمه، أقل بكثير من الأسفار الخمسة“ (فقد كتب السفر كله على حافة مذبح واحد، كما سبق لى أن بيَّنت ، ووفقالما جاء في التثنية 27: 3 ويشوع 8: 32)
3- يحكى سفر التثنية بصيغة الغائب عن موسى u ففيه على سبيل المثال: قال موسى لله، وذهب موسى، وكلم الرب موسى، ودعا الرب موسى، وغضب موسى على ضباط الجيش وكتب موسى u هذه التوراة .. إلخ: (9وَكَتَبَ مُوسَى هَذِهِ التَّوْرَاةَ وَسَلمَهَا لِلكَهَنَةِ بَنِي لاوِي حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ وَلِجَمِيعِ شُيُوخِ إِسْرَائِيل.) تثنية 31: 9، بالاضافة إلى انسفر التثنية قد روى قصة وفاة موسى ودفنه، وهي قصة لا بد من أن تكون خارجة عن نطاقأعمال موسى u.
4- عندما يتحدثالراوى، في سفر التكوين (الاصحاح 12) عن رحلة ابراهيم u فى أرض كنعان، يقول: «والكنعانيون حينئذ في الارض» مما يدل على أنهم، أي الكنعانيين، لم يكونوافي هذه الارض عندما كتب هذا الكلام، مما يعني ان هذا الكلام قد كتب بعد موسى، وبعد أن طرد الكنعانيون ولم يعودوا يشغلون هذه المناطق"، وبالتالي، فإن الراوي ”لم يكن موسى، لان الكنعانيين في زمان موسى، كانوا لا يزالون يملكون هذه الارض.“
5-ورد في سفر التكوين (22: 14) أن "جبل موريا سمي جبل الله" إلا أن ذلك الجبل لم يحملهذا الاسم "إلا بعد الشروع فى بناء المعبد"
ويستطرد سبينوزا: ”والواقع أن موسى لا يشير إلى أي مكان اختاره الله، بل إنه تنبأ بأن الله سيختار، بعد ذلك، مكاناسيطلق عليه اسم الله.“
6- ورد في سفر التثنية (3: 11) عبارة خاصة بعوج ملكباشان: "وعوج هذا هو، وحده، بقي من الرفائيين، وسريره سرير من حديد، أو ليس هو في ربة بني عمون؟ طوله تسع اذرع وعرضه اربع اذرع بذراع الرجل؟ ”وتدل هذه الاضافة“بوضوح تام، على أن من كتب هذه الأسفار عاش بعد موسى بمدة طويلة وفضلا عن ذلك، فلاشك في أنه لم يعثر على هذا السرير الحديدى إلا في عصر داوود الذي استولى على الرباط(ربة عمون) كما يروي صموئيل الثاني (12: 30).
7- وردت في أسفار التوراة أسماء أُطلقت على أمكنة لم تعرف بها في عهد موسى، بل عرفت بعده بزمن طويل، مثل ما ورد في سفر التكوين أن إبراهيم تبع أعداءه حتى «دان»: (14فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ أَنَّ أَخَاهُ سُبِيَ جَرَّ غِلْمَانَهُ الْمُتَمَرِّنِينَ وِلْدَانَ بَيْتِهِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَتَبِعَهُمْ إِلَى دَانَ.) تكوين 14: 14. ولم تحمل "دان" هذا الاسم إلا بعد موت يشوعبمدة طويلة، كما ورد في سفر القضاة: (وصعدوا وحلّوا في قرية يعاريم في يهوذا. لذلك دعوا ذلك المكان محلّة دان الى هذا اليوم. هوذا هي وراء قرية يعاريم.) القضاة 18: 12 ، (ودعوا اسم المدينة دان باسم دان ابيهم الذي ولد لاسرائيل. ولكن اسم المدينة اولا لايش.) القضاة 18: 29
8- كثيرا ما يتجاوز الراوي، في رواياته في أسفار التوراة، حياة موسى u، كأن يروي، في سفر الخروج أن بني إسرائيل أكلوا (... الْمَنَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى جَاءُوا إِلَى أَرْضٍ عَامِرَةٍ. أَكَلُوا الْمَنَّ حَتَّى جَاءُوا إِلَى طَرَفِ أَرْضِ كَنْعَانَ)الخروج 16: 35 حيث (12وَانْقَطَعَ الْمَنُّ فِي الْغَدِ عِنْدَ أَكْلِهِمْ مِنْ غَلَّةِ الأَرْضِ, وَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَنٌّ. فَأَكَلُوا مِنْ مَحْصُولِ أَرْضِ كَنْعَانَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ.) يشوع 5: 12، ومعلوم أن موسى قد مات قبل دخول العبرانيين إلى أرض كنعان وأكلهم من غلتها.
أو أن يروى في سفر (التكوين 36: 31) عن ملوك بنى إسرائيل الذين حكموا أرض أدوم (31وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْمُلُوكُ الَّذِينَ مَلَكُوا فِي أَرْضِ أَدُومَ قَبْلَمَا مَلَكَ مَلِكٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.) ومعلوم أنه لم يخضع الأدوميين لحكم العبرانيين إلا زمن داود، أى بعد موسى بحوالى 540 سنة، حيث جعل داود (فِي أَدُومَ مُحَافِظِينَ. وَضَعَ مُحَافِظِينَ فِي أَدُومَ كُلِّهَا. وَكَانَ جَمِيعُ الأَدُومِيِّينَ عَبِيداً لِدَاوُدَ. ...) صموئيل الثانى 8: 14، مما يؤكد أن كاتب سفر التكوين قد عاش بعدداود.
وعن مملكة داود وسليمان «يقول الباحث الفرنسي "بيير روسي": "إن التاريخ المصنوع للعبرانين خارج النصوص التوراتية هو الصمت الكلي المطبق. فلا الكتابات المنقوشة على الآثار ولا القوانين ولا الدساتير تكشف أثراً قليلاً للعبرانيين. فعلى آلاف النصوص المسمارية أو المصرية أو مكتبة أوغاريت أو نينوى، وحتى في النقوش الآرامية. في ذلك كله لا تذكر كلمة عبري وأشهر ملوك التوراة هما داود وسليمان لم يصبحا قط موضوع وقائع تاريخية. ليس هناك أبداً ذكر للملحمة والوقائع الحربية المعزّوة لعبور العبرانيين. فالعدم كامل، مثلما هو قطعي وجازم ".(14)»
«بعد هذا، حريّ بنا مثلاً أن نلاحظ أن شيخ القبيلة العبرانية / وليس الملك / شاؤول والذي ألصق به التوراة في حوالي / 1020 /ق.م صفة شيخ بدوي في خيمة قرب بلدة جبعة شمال القدس.. سوف يكون في حوالي/932/ ق.م بانياً للمدن المسوّرة والهياكل الضخمة حسب التوراة، علماً أن هذه الفترة كانت تشهد تشرذم هذه القبائل وتفتتها.
وبدوره الباحث لينش يشكك في وجود المملكة العبرانية لداود وسليمان حيث يقول: "إنني شخصياً أجد هذه الأفكار غير قابلة للتصديق إلى حد بعيد، حيث لا توجد أي آثار تدل على وجود سليمان وداود أو حدوث أي من الأحداث المرتبطة به " (15).»
ويقول "زئيف هرتسوغ" المؤرخ "الإسرائيلي" المناهض للمزاعم التوراتية: «ان جميع الروايات التوراتية وحروب بني "اسرائيل" بقيادة "يشوع بن نون" لا تستند الى أي واقع حقيقي.»
ويقول عن المدن الكنعانية: «تبالغ التوراة كثيرا في تصوير قوة تحصينات المدن الكنعانية التي يقال بان بني "اسرائيل" قد غزوها: ”مدن كبيرة ومحصنة ومرتفعة حتى السماء"(السفر 9ـ1)“ في حين اظهرت جميع المكتشفات الاثرية انمدن تلك المرحلة لم تكن تحتمي باية تحصينات عدا قصر الحاكم والامير. الى ذلك فانالثقافة المعمارية التي كانت سائدة في فلسطين عند نهاية العصر البرونزي لم تكن تضع احتمالات الغزو العسكري في حساباتها.. كما يؤكد "هرتسوغ" بان الوصف التوراتي لا يتطابق اطلاقا مع الواقع الجيوسياسي للمنطقة. ذلك ان فلسطين كانت في الواقع تحت السيطرة المصرية وقد ظلت كذلك حتى منتصف القرن الثاني عشر بعد الميلاد. اضافة الىان المراكز الادارية المصرية كانت واقعة في غزة ويافا وبيت شيئان، ومن المستغرب ان التوراة لم تذكر اطلاقا ذلك الوجود المصري في نصوصها المزعومة.»
الأمر الذى دعا (هرتسوغ) إلى القول: «يبدو وكأن كاتب التوراة، وزملاءه الذين قاموا بمراجعة ما كتب، لم يكونوا على معرفة بتلك الحقائق التاريخية التي لا تحتاج الى دلائل.»
«ويناقش توماس طومسون في كتابه "التوراة والتاريخ – الماضي الخرافي" مرويات المملكة العبرانية لداود وسليمان، بحيث يقول: "أن تلك الصور/ التوراتية / لا مكان لها في أوصاف الماضي التاريخي الحقيقي، إننا نعرفها فقط كقصة وما نعرفه حول هذه القصص لا يشجعنا على معاملتها كما لو أنها تاريخية. ولا يتوافر دليل على وجود ملكية متحدة، ولا دليل على وجود عاصمة في أورشليم أو على وجود أي قوة سياسية موحدة ومتماسكة هيمنت على فلسطين الغربية، ناهيك عن إمبراطورية بالحجم الذي تصنعه الحكايات الأسطورية. ولا يوجد أي دليل على وجود ملوك يدعون شاؤول وداود وسليمان" (17).»
«وهذا ما دفع بالباحثة والمنقبة "مارغريت شتاينر" بعد أن أجرت دراساتها على اللقى الأثرية في موقع أورشليم للقول: "لم يكن / للملك / داود مدينة ليعمرها في مطلع القرن العاشر ويجعلها عاصمة للمملكة الموحدة، لأن مثل هذه المدينة لم تكن موجودة في ذلك الزمن. كما أن الوصف الذي نجده في أسفار التوراة لمدينة أورشليم لا ينطبق إلا على مدينة القرن السابع" (18).»
ويقول زئيف هرتسوغ: «فمن الواضح ان (قدس داوود وسليمان) كانت مدينة صغيرة مع قلعة صغيرة مخصصة لقصر الملك ـ هذا اذا كانت قدقامت بالفعل ـ إنما يمكن الجزم بصورة قاطعة بأن القدس لم تكن إطلاقا عاصمة مملكة كبيرة كما تذكر المزاعم التوراتية.»
ويضيف هرتسوغ قائلاً: «يبدو أن الذين قاموا بكتابة نصوص التوراة كانوا يعرفون قدس القرن الثامن قبل الميلاد بجدرانها وبثقافتها الغنية التي تم العثور على بقايا آثارية دالة عليها في أنحاء مختلفة من القدس بواسطة التنقيبات الآثارية في المدينة.. وهذا ما جعل هؤلاء الكتاب المزورين يخترعون قصة المملكة "الإسرائيلية" المتحدة. إضافة إلى أن مدينة القدس لم تكتسب دورها المهم سوى بعد تدمير السامرة، منافستها الشمالية، في العام 722 قبل الميلاد».
ويضيف أيضًا قائلاً: «إن معظم الإسرائيليين والعلماء الباحثين التوراتيين الذين قاموا بأبحاث وحفريات لتعزيز واقعية قصص العهد القديم يوافقون على حقيقة أن مراحل تشكل الشعب اليهودي كانت مختلفة تماما عن ما ورد في التوراة. لكن المجتمع الإسرائيلي ليس مستعدا بعد لمناقشة موضوع كهذا وهو يفضل تجاهل كامل المسألة برمتها.» وأضيف عليه قائلا: إن المسيحيين فى العالم العربى
ويقول باحث التاريخ الدكتور ياسين سويد فى مقاله (تزوير التوراة): إن”طومسون“ يعتمد على نظرية ”ويلهاوزن“ في «الفرضية الوثائقية» التي ترى أنه يجب فهم ”المصادر الأربعة للأسفار الخمسة الأولى“ من العهد القديم على أنها وثائق أدبية تم تأليفها وقت كتابتها، وهي انعكاس صادق لفهم ومعرفة مؤلفيها وعالمهم، وعلى هذا فلا يمكن اعتبارها تاريخا يعتد به، كما انه لا يمكن الاستفادة منها لاعادة تشكيل تاريخ "اسرائيل" القديم، السابق على وقت تأليفها.
ويقول الباحث السورى فراس سواح فى حواره مع جريدة ”الوطن“ السورية عن سؤال المحاور القائل: «تروي التوراة في سفر يشوع عملية تدمير ثلاث مدن كبرى وإحراقها وقتلسكانها عن بكرة أبيهم وهي مدن أريحا وعاي وحاصور. فماذا تقول نتائج التنقيبالاركيولوجي في هذا؟»
يجيب فراس سواح قائلاً: «فيما يتعلق بأريحا، تعطي التوراة وصفًا دراميًا حيًّالاقتحام المدينة وتدميرها. فبعد الدوران حول السور ست مرات حاملين تابوت العهد،تسقط الأسوار من تلقاء ذاتها أمام الإسرائيليين الذين يدخلون المدينة ويقتلون من فيها من رجل وامرأة وطفل وشيخ وبقر وغنم وحمير.
وقد فسر بعض المؤرخين سقوط أريحا على أنه نتيجة زلزال نسبه المهاجمون إلى معجزة من الرب. ولكن لعلم الآثار رأيًامختلفًا في هذا الموضوع. فرغم أن الزلازل كانت متكررة الوقوع في فلسطين. وأن سورأريحا قد تصدع بسببها أكثر من مرة، إلا أن كلا من آثار الدمار الزلزالية في أريحاتعود إلى أزمنة سابقة بكثير للتاريخ المفترض لاجتياحالإسرائيليين. وقد ثبت أن آخرالزلازل المدمرة قد وقع في العصر البرونزي الأول حوالي عام 2300ق.م وأن المدينة قدبنيت مجددًا في العصر البرونزي الوسيط حوالي عام 1900 حيث استمرت الحياة فيها إلىعام 1560 ثم هجرت تمامًا. وعندما عادت الحياة إليها في العصر البرونزي الأخيرانتعشت جزئيًا لفترة قصيرة، ولكن دون أسوار أو تحصينات ، فتهجر قبل نهاية عام1300ق.م ، ويغمرها النسيان إلى ما بعد العصر الحديدي الأول خلال مطلع الألف الأولق.م أي أنه لم يكن هناك مدينة اسمها أريحا عندما دخل الإسرائيليون إلى فلسطين حوالي1200ق.م.
وفيما يتعلق بمدينة عاي تشير البينات الآثارية إلى أن المدينة قد انتهتتمامًا قبل ألف عام من وصول الإسرائيليين، وعلى ذلك فإن أوائلهم لم يسمعوا إلابذكرى تلك المدينة العظيمة التي ازدهرت في مطلع العصر البرونزي. وتم الكشف فيالمستويات العليا لموقع المدينة على قرية صغيرة غير ذات شأن تعود إلى عصر الحديدالأول، أي بعد فترة لا بأس بها من دخول الإسرائيليين.
أما مدينة حاصور ، فتدلالتنقيبات الأثرية في الموقع على أن المدينة قد دمرت تماماً في نهاية القرن الرابع عشر ق.م. وهو التدمير الذي يتطابق في تاريخه مع حملة الفرعون سيتي على سوريا الجنوبية ثم أعيد بناء المدينة مباشرةً لتحترق وتدمر بعد فترة قصيرة دون أن تصل حياتها إلى أواخر القرن الثالث عشر، وتعاصر فترة دخول الإسرائيليين، وقد كشف في موقع المدينة على قرية صغيرة تعود إلى العصر الحديدي الأول. في مطلع الألف الأولق.م.
من هذه الأمثلة الثلاثة ومن مطابقة بقية الرواية التوراتية لاقتحام فلسطينعلى نتائج التنقيب الاركيولوجى. نستنتج أن مؤلفي التوراة قد ضموا في رواية واحدةأزمنة وأحداثاً متباعدة لا يربطها رابط، وصاغوها ضمن تسلسل زمني فشكلوا منها روايةمتماسكة من بدايات توافدهم في أرض كنعان.»
يواصل المحاور لفراس سواح بسؤال عن مدى صدق ما يحكيه الكتاب الذى تقدسه عزيزى القمص عن كيفية اقتحام بنى إسرائيل أرض كنعان واستيلائهم على فلسطين، فيقول: «بعدسفر يشوع الذي وصف اقتحام القبائل الإسرائيلية الإثني عشر أرض كنعان واستيلائها علىفلسطين الداخلية كاملة، نجد سفر القضاة يعطينا صورة مختلفة عن تلك القبائلالمنتصرة؟»
فأجاب فراس سواح قائلا: «بعد الاستقرار في الأرض الجديدة ، نجد أن القادمين الجدد ليسوا إلا جماعات مفككة منقسمة إلى فريقين متخاصمين هما القبائل الشمالية والقبائل الجنوبية، وأن خطاً من المدن الكنعانية القوية تشكله أورشليم وجازر وعجلون ، يفصلبين المجموعتين ويمنع اتصالهما ، وإن كثيراً من المدن الكنعانية التي من المفترضأنها وقعت أيدي الإسرائيليين إبان اجتياحهم ، تعيش حياتها الطبيعية كمدن مستقلة، كما نجد أن منتصري الأمس ليسوا إلا فرقاً مستضعفة واقعة تحت نير جيرانهم الفلستيين، يضطهدونهم ويسومونهم سوء العذاب.
ويفسر المؤرخون من ذوي الاتجاه التوراتي هذا الواقع المتناقض تفسيرات أكثر تناقضاً وأقرب إلى النفس اللاهوتي منها إلى المنطقالتاريخي. ولنقرأ على سبيل المثال ما يقوله عالم اللغات القديمة اللامع البروفيسور سيروس هـ. غوردن في كتابه الشرق الأدنى القديم الذي أفرد ثلثيه لتاريخ بني إسرائيلفي معرض تفسيره لأحوال الإسرائيليين في عصر القضاة يقول غوردن: عند اقتحام أرض كنعان لم يمارس الإسرائيليون عملية إبادة كاملة للكنعانيين ولم يطردوهم من أرضهم ومدنهم.»
فقارن هذا بما يقوله الكتاب من إبادة جماعية لأهل البلاد الأصليين: (21وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ, مِنْ طِفْلٍ وَشَيْخٍ - حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ.) يشوع 6: 21
يواصل فراس سواح قائلاً: «لقد دام عصر القضاة أكثر من قرنين من الزمان، ومع ذلك لم يستطع علم الآثار تقديم أي دليل على وجود الإسرائيليين خلالهذه الفترة في فلسطين. فإما أن يكون القادمون الجدد على جانب كبير من الهمجيةوالتخلف إلى درجة لم تمكنهم من التأثير بجيرانهم المتطورين وتطوير ثقافة خاصة بهمخلال قرنين من الزمن وهذه فرصة أقرب إلى المستحيل ، أو أن هؤلاء القادمين المفترضينلم يكن لهم وجود تاريخي قط.»
أما ”كيث وايتلام“ أستاذ العلوم الكتابية فى قسم الدراسات اللاهوتية في جامعة "ستيرلينغ" في سكوتلاندا، أصدر كتابه "اختراع (إسرائيل) وحجب فلسطين" سنة 1996 في كلّ من نيويورك ولندن في نفس الوقت. اتفق فيه مع طومسون في كثير من الاستنتاجات ويشير إلى أن هناك عمليّة طمس ممنهجة لكثير من الدلالات التاريخية للمكتشفات الأثرية ومحاولة لتفسيرها بطريقة مغلوطة في أغلب الأحيان.
كما يُركِّز وايتلام على البعد السياسي من وراء محاولات الطمس والتفسير المغلوط للتاريخ ، حيث يذكر «أن تاريخ (إسرائيل) المخترَع في حقل الدراسات التوراتية كان وما زال صياغة لغوية وأيديولوجية لما كان ينبغي أن تكون الممالك اليهودية عليه، وليس ما كانت عليه في الواقع».
وبهذا قال أيضًا هذا السيد بروشى المسئول المتقاعد عن مخطوطات البحر الميت فى (كذبة السامية وحقيقة الفينيقية) ص32، الذى أكد أن مدينة أريحا أُخليت من بداية القرن 15 ق.م إلى نحو القرن 11 ق.م ، أى لم تكن مأهولة بالسكان الذين قتلهم الرب ورماهم بالحجارة كما تدع رواية يشوع (10: 11-)، وأنه لم تكن هناك مدن باسم عاى وجازور وأريحا، بل لم يكن الداخل بحاجة إلى تدمير وقتل الآهلين!!! وذلك بسبب وجود جفاف طويل الأمد حل على المنطقة فى العصر البرونزى الأخير، مما تسبب فى مجاعات وإنهيار إقتصادى وسياسى واسع النطاق فى الحوض الساحلى للبحر المتوسط، توافق بدوره مع تغيير عالمى فى المناخ. وذلك كما ينقل أحمد الدبش عن توماس طومسون ص167 من (التاريخ القديم للشعب الإسرائيلى).
ويواصل الدبش استشهاداته بعلماء الآثار ص79 من كتابه السابق قائلاً: فهذا هو جيمس بريتشارد يؤكد بعد تنقيبه فى فلسطين: «أن كل التناقضات الواضحة التى كشفت عنها نتائج التنقيب الأثرى فى (أريحا) وغيرها من المواقع التى تحدث عنها سفر يشوع تدل على أننا نسير فى طريق مسدود فى محاولة العثور على شواهد أثرية لإثبات الروايات التقليدية عن الفتوحات الإسرائيلية».
وهذا ما أكده عالم الآثار الإسرائيلى بجامعة تل أبيب البروفيسور الإسرائيلى يسرائيل فنكلشتاين ونشرته جريدة القدس العربى ، بتاريخ 15/4/1999. وأقره ”لامك“، وعالم الآثار الإسرائيلى ”زئيف هرتسوغ“، والدكتور ”عفيف بهنسى“ المدير العام السابق للآثار فى سورية، والأب ”مايكل برير“ الذى يرى أن الرواية التوراتية لا يمكن الدفاع عن صدقها، ويؤكد أكثر من ذلك على أن هناك ثمة إجماع علمى بأن القصة الكتابية التى تصف فترة الاحتلال التوطنى جاءت عن طريق المؤلفين الذين كتبوها بعد عدة قرون.
الأمر الذى يؤكد قولنا أنهم كتبوا كتابًا من عند أنفسهم ونسبوه لله، يبتغون به مكاسب دنيوية. {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} (79) سورة البقرة
(كَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ حُكَمَاءُ وَلَدَيْكُمْ شَرِيعَةَ الرَّبِّ بَيْنَمَا حَوَّلَهَا قَلَمُ الْكَتَبَةِ المُخَادِعُ إِلَى أُكْذُوبَةٍ؟) إرمياء 8: 8
(4اَللهُ أَفْتَخِرُ بِكَلاَمِهِ. عَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُهُ بِي الْبَشَرُ! 5الْيَوْمَ كُلَّهُ يُحَرِّفُونَ كَلاَمِي. عَلَيَّ كُلُّ أَفْكَارِهِمْ بِالشَّرِّ.) مزمور 56: 4-5
مع الأخذ فى الاعتبار أننا لا ننكر وجود هذه الأنبياء، ولا نشكك فى جهادهم أو قيامهم بواجباتهم على أكمل وجه، ولا نطعن مثلهم فى أخلاقهم الرفيعة، ولكن نُشكك متضامنين مع علماء الآثار فى كون هذه الأحداث تمت فى الأماكن التى افترضها كُتَّاب كتب التوراة، أو بالشكل البربرى الذى تحكيه كتبهم، أو أن تكون هذه الكتب إلهامية بوحى الله. ولكننا نؤمن بأن هذه الروايات التوراتية كتبت فى القرن الخامس قبل الميلاد من الذاكرة، فخلطوا أشخاصًا بأحداث ، وخلطوا فيها الزمان مع المكان لأغراضهم السياسية الاستعمارية الدينية، كما يقول وايتلام. فلا نستبعد مطلقًا أن يترجموا لفظة (بكة) إلى أرض البكاء، أو تُهامة إلى تهوم، أو الإسلام إلى السلام..
لذلك خلص البروفيسور توماس طومسون فى كتابه (التاريخ القديم للشعب الإسرائيلى) ص277 وما بعدها إلى أن: «أى محاولة لكتابة تاريخ فلسطين فى أواخر الألف الثانية قبل الميلاد، أو بدايات الألف الأولى قبل الميلاد، على الضوء التام لمصادر الكتاب المقدس، لتبدو على الفور محاولة فاشلة وميئوس منها، بل يُمكن اعتبارها محاولة هزلية بالكامل، وتبعث على الضحك والفكاهة. إن قصص العهد القديم ما هى إلا مأثورات وحكايات كتبت أثناء القرن الثانى قبل الميلاد. وإنه مضيعة للوقت أن يحاول أى إنسان أن يُثبت مثل هذه الأحداث التوراتية من خلال علم الآثار القديمة، فالعهد القديم ليس له أى قيمة كمصدر تاريخى.»
وقد توصل العلامة كيث وايتلام بعد أن راجع المؤلفات التى تعاملت مع تاريخ فلسطين القديم، وأدرك مدى توغل يد الاستشراق فى هذه الكتابات أى «أن صورة إسرائيل كما وردت فى معظم فصول الكتاب العبرى، ليست إلا قصة خيالية، أى تلفيق للتاريخ»، وذلك ص49 فى كتابه (تلفيق إسرائيل التوراتية .. طمس التاريخ الفلسطينى). نقلا عن أحمد الدبش (كنعان وملوك بنى إسرائيل فى جزيرة العرب)
وفى ص19 من الكتاب السابق يقول الدبش: (لقد تم إخضاع اللقى الآثارية فى المشرق العربى، وبالتالى تاريخ بلادنا فلسطين، لمصلحة الخطابين السياسى والكتابى وهدفهما بعدما ثبت لنا أن «أصول التنقيبات الآثارية الحديثة، منذ دخول نابليون إلى مصر، على أنها مكيدة دولية، استخدمت القوى الغربية من خلالها الماضى الكتابى والكنوز الأثرية التى فى المنطقة من أجل سعيها لتحقيق المكاسب السياسية، ولإضفاء الشرعية على مصالحها الإمبريالية» وذلك نقلا عن كيث وليتلام فى كتابه (تلفيق إسرائيل التوراتية .. طمس التاريخ الفلسطينى) ص37.
ويواصل الدبش قائلا: «وانطلاقًا من حقيقة غياب أية لقى آثارية واضحة تحسم بأن فلسطين احتضنت تجربة بنى إسرائيل، فقد رأينا أن حركة التاريخ التوراتى لا تنسجم مع جغرافية المنطقة من العراق إلى الشام وإلى مصر، وأن الخطاب الكتابى لفق جغرافية التوراة». (كنعان وملوك بنى إسرائيل فى جزيرة العرب) ص20.
وبذلك فهو يوافق وايتلام فى قوله: إنه كثيرًا ما جرى إفراغ فلسطين والتاريخ الفلسطينى من أى معنى حقيقى، أى جرى تجريدها من الصفة التاريخية. وهى سرقة تاريخ شعب وأمة ونسبتها إلى يهوه. وهكذا يبجلون إلههم!! (السابق ص19)
يواصل الدبش ص23 فى كتابه السابق قائلاً: «يتفق معظم علماء الآثار التوراتيين، ... على أن نشوء إسرائيل القديمة فى بلادنا فلسطين تم نحو 1200 ق.م، وهى الفترة الانتقالية الواقعة بين أواخر العصر البرونزى وأوائل العصر الحديدى. ... وهى الفترة التى يفترض أن تكون إسرائيل (المزعومة) تلك قد سيطرت فيها على فلسطين. .... ... ومن الجدير بالذكر أن تومس طمسن [توماس طومسون] وزملاء آخرين له، يتفقون على رفض فرضية الغزو [أى رواية العهد القديم بشأن غزو بنى إسرائيل لفلسطين] ويضيفون القول: ”إن معاينة فلنكشتاين (الآثارية) توضح بشكل كامل أن نظرية الغزو ميتة .. وللأسباب الآتية:
[1] العديد من المواقع لم تكن مأهولة فى فترة نهاية العصر البرونزى المتأخر؛
[2] العديد من المواقع هجرت فى نهاية تلك الفترة الزمنية لكنَّها لم تتعرض للتدمير.
[3] العديد من المواقع العائدة للعصر البرونزى استمرت قائمة فى العصر الحديدى الأول،
[4] وتلك المواقع العائدة للعصر البرونزى المتأخر التى لم تظهر فيها آثار تدمير، كانت مهجورة لفترة طويلة بعد الدمار الذى لحق بها سكنها الناس مجددًا.»
ونصل من كل هذا إلى أن بنى إسرائيل حرفوا التوراة من أجل مصالحهم السياسية الدنيوية. فهمشوا فلسطين، وطمسوا حضارته، وادعوا أنهم مهجرين نازحين من بحر إيجة أو جزيرة تكريت، ليعطوا لأنفسهم الحق فى احتلال أرضهم، بل أيدوا ذلك بما كتبه أحبارهم فى كتابهم.
والأمرُّ من ذلك أنهم غيروا فى صفات ربهم ليتناسب مع أهوائهم. فجعلوه إلهًا عنصريُا خاصًا بهم وحدهم، وغيروا اسمه، واصطنعوا لهم تاريخًا لا وجود له إلا فى كتابهم الذى يسمونه الكتاب المقدس، حتى صرخ اللورد بولينجبروك قائلا عن التوراة: «إنها لوصمة بحق الله، وظلم بحق البشر، أن ينظر إلى هذا التداخل الرث بجدية، فقد تشابكت فيها السابقات تشابكًا يتسم بدرجة عالية من التشويش، أو بمستوى رفيع من الشفاعة والقبح».
إلى هنا يكون قد تأكد لنا أن هذا الكتاب الذى تقدسه عزيزى القمص مرقس عزيز ليس كتاب الله، وأنه قد تحرف، وأثبتُ لك التحريف بأساليب عديدة، من ناحية المتن، ومن ناحية السند، وبتضارب عقائد الكتاب نفسه، وبوجود أخطاء بيِّنة أقرها علماء نصوص الكتاب، وغيرها المترجمون ، فى طبعاتهم المختلفة، وباعتراف آباء الكنيسة الأول، وباعتراف دوائر المعارف العالمية، وباعتراف دائرة المعارف الكتابية، وباعتراف الأنبا شنودة، وباعتراف مقدمة الكتاب الذى تقدسه، وباعتراف الرب نفسه فى الكتاب المنسوب إليه!، ثم عن تجاهل اسم الرب فى هذا الكتاب وحذفه عن عمد!
وقبل أن نتكلم عن مكة وبكة لنا تساؤل بسيط: هل حدد العلماء كل الأماكن الجغرافية التى تناولها الكتاب بالذكر بدقة؟ وهل صدق تاريخ العهد القديم وممالكه؟
فى الحقيقة لا.
يقول العلمانى الدكتور بشار خليف فى مقاله (التوراة .. انتحالات وتزييف) على شبكة النت: «فقد أجمعت الدراسات الأنثروبولوجية والأثنولوجية على استحالة رد شعب من الشعوب إلى جد واحد.. ونحن نعتقد أن أخذ كتّاب التوراة بمفهوم العنصر كان طبيعيًا كون أنهم بقوا على خصائصهم الرعوية القبلية بما يحتم البحث عن جدّ تؤدى له فروض القداسة.
وعليه فلا عجب مثلاً أن نجد في التوراة – سفر التكوين، أن العيلاميين واللوديين اُعتبروا ساميين وما هم بذلك. وأن الكنعانيين عُدّوا من الكاشيين، وأن الحثيين من ذرية كنعان أما العموريون فهم حاميون !.»
«والغريب أن كتّاب التوراة لم يعوا حقيقة التسلسل الزمني والتاريخي. فإن كان ابراهيم التوراتي الذين يتحدرون منه هو "آرامياً تائهاً" كما ورد في سفر التكوين فإن الحقيقة العلمية تقول أن في هذا الزمن لم يكن ثمة تواجد للآراميين في المشرق العربي بما يعطي دليلاً أكيداً على أن كتابة التوراة حصلت في الألف الأول قبل الميلاد.»
«أيضاً ذكر سفر التكوين أن ابراهيم التوراتي كان في مدينة أور الرافدية لكن الحقائق الأثرية والتاريخية تؤكد أن أور دمرت على يد العيلاميين سنة /2008 / ق. م. ولم تقم لها قائمة بعد ذلك.»
«كما تم وصف مدينة أور بأنها كلدانية والمعلوم أن الكلدانيين يعودون إلى منتصف الألف الأول قبل الميلاد أي زمن تدوين التوراة.»
«كذلك فإن المشرق العربي مع مطالع الألف الثاني قبل الميلاد / الزمن المفترض لابراهيم التوراتي / كان يعجّ بالمدن والفاعلية الحضارية ولعل وثائق هذه الفترة تتعدى نصف مليون وثيقة مسمارية من كافة مواقع المشرق بحيث أنها لم تشر إلى وجود ابراهيم التوراتي ومغامراته وقصة عبوره إلى فلسطين.
وعلى هذا بتنا نفهم مقولة الباحث" إيسفيليت": "أن التوراة لم تكن تاريخاً تحول إلى خيال بل خيالاً تحول إلى تاريخ" (1) [الترقيم هذا فى مقال الدكتور]
أما ماير فيقول: "إن كامل سفر التكوين برواياته عن الآباء والأسلاف / ابراهيم – اسحاق – يعقوب / لبني إسرائيل لا علاقة له بالتاريخ ويجب تصنيفه في زمرة الخيال الأدبي" (2)
وينضم ماك كارتر إلى نقطة متقدمة في الإيضاح في نقده لقصة اختلاق ابراهيم التوراتي والآباء التوراتيين حيث يقول: "علينا أن نكون حذرين في دراستنا لروايات الآباء التوراتيين، فهذه الروايات إيديولوجيا وليست تاريخاً. لقد صيغت في الألف الأول قبل الميلاد / أثناء السبي / من أجل التأسيس اللاهوتي والسياسي للشعب الإسرائيلي. لهذا لا يمكن التعامل معها كتاريخ بأي معنى من المعاني الحديثة لهذه الكلمة" (3)
ويذكر الهولندي "هوفت جزر" في كتابه "الوعود الإلهية للآباء الثلاثة":
"إن كل الوعود التي جاءت على لسان ابراهيم واسحاق ويعقوب بالأرض، تعود إلى وقت واحد في عصر متأخر جداً من زمن الآباء / المفترض/. وكانت هذه الوعود تظهر من قبل أحبار اليهود أثناء الأزمات والأخطار التي كانت تهدد وجودهم. ومعظم هذه الروايات كتبت أثناء السبي البابلي" (4).»
ويواصل الدكتور بشار خليف قائلاً: «ومن المغالطات الكبرى في سفر التكوين هو ذكر كُتَّاب التوراة أن الجَمَل كان موجوداً لدى ابراهيم واسحاق ويعقوب في الزمن المفترض لهم /1900ق.م/، ولكن من المعروف أن ظهور الجمل واستخدامه لم يحصل إلا في القرن الثاني عشر قبل الميلاد أي بعد حوالي 700 سنة.»
وأضيف على كلام الدكتور بشار خليف قائلا: إن لهذا ليثبت بالدليل القاطع أن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب كانوا يسكنون مكة والجزيرة العربية مكان انتشار الجمل وركوبه، حيث يوجد أيضًا بئر زمزم ، الذى يسميه الكتاب (بئر الله الحى).
«ويشير "كاسيدوفسكي" إلى أن الأمانة التاريخية كانت غريبة على كتّاب التوراة، حيث استخدموا الأساطير التي تتوارثها الأجيال / المشرقية / شفهياً كي يثبتوا أن يهوه هو الذي يتحكم بمصير شعبه المختار منذ أيام ابراهيم. ولكن لحسن الحظ / والقول لكاسيدوفسكي / عند العلماء والباحثين أن الكهنة لم يستطيعوا أن يكونوا منطقيين في عملهم التحويري والتحريضي هذا، فقد تركوا في النصوص التوراتية الكثير من التفصيلات التي أعطتها صلة وثيقة مع ثقافة الرافدين.
ويصل للقول: لقد كانت ثقافات السومريين والأكاديين والآشوريين والبابليين هي الأصول القديمة لتلك التفصيلات (5).»
ويقول الدكتور ظافر مقدادى فى مقاله (القدس بين التوراة وعلم الآثار الحديث): «قالت الباحثة ”مارغريت ستينر“: إن بلدة أورشليم أُسِّسَت في بداية القرن التاسع قبل الميلاد،ولا علاقة لداود وسليمان بها). وقالت أيضًا: (لم يكن هناك اي مدينة لكي يحتلها داود...و ان تاريخ أورشليم يجب اعادة كتابته).» ومعنى ذلك تكذيب ما يسمونها التوراة فيما روته عن روايات الكهنة والقصاصين.
وأضاف قائلاً: «أما عالم الاثار الإسرائيلي (زئيف هرتسوغ) فقال: (انه بعد الجهود الجبارة في مضمار التنقيب عن اسرائيل القديمة توصل علماء الاثار الى نتيجة مخيفة: لم يكن هناك اي شئ على الاطلاق، حكايات الاباء مجرد اساطير، لم نهبط من مصر، لم نحتل فلسطين، ولا ذكر لامبراطورية داود وسليمان)»
ويقول توماس طومسون أستاذ علم الآثار فى جامعة ماركويت فى ميلووكى بالولايات المتحدة الأمريكية في كتابه "الماضي الخرافي – التوراة والتاريخ": "لقد بات واضحاً الآن أن الثقة السابقة في وجهة النظر القائلة بأن كتاب التوراة هو وثيقة تاريخية هي في طور الانهيار. فقد تم التعبير عن الشك الواسع الانتشار ليس فقط حول تاريخية آباء سفر التكوين بل تاريخية القصص حول موسى ويشوع والقضاة أيضاً".» (6)
«ويشير الباحث "سارنا" sarna في معرض نفيه لأسطورة الخروج من مصر:
"إن خلاصة البحث الأكاديمي حول مسألة تاريخية قصة الخروج، تشير إلى أن الرواية التوراتية تقف وحيدة دون سند من شاهد خارجي، كما أنها مليئة بالتعقيدات الداخلية التي يصعب حلها. كل هذا لا يساعدنا على وضع أحداث هذه القصة ضمن إطار تاريخي. يضاف إلى ذلك أن النص التوراتي يحتم محددات داخلية ذاتية ناشئة عن مقاصد وأهداف المؤلفين التوراتيين، فهؤلاء لم يكونوا يكتبون تاريخاً وإنما يعملون على إيراد تفسيرات لاهوتية لأحداث تاريخية منتقاة. وقد تمت صياغة هذه الروايات بما يتلاءم مع هذه المقاصد والأهداف. ومن هنا فإننا يجب أن نقرأها ونستخدمها تبعاً لذلك.»
ويصل فى نهاية الأبحاث والحفريات الأثارية إلى هذه النتيجة: «وفي النتيجة يمكن النظر إلى أن ما كتبه الأحبار في سفر الخروج لا يعدو كونه حكايا وخبرات اختزنوها أثناء تجوال العبرانيين بين شمال الجزيرة العربية وسيناء وأطراف كنعان بحيث أسدلوا عليها رداءاً إلهياً وأسقطوها على شخصية مفترضة هي موسى الذي جعلوه نبياً كتب الأسفار الخمسة الأولى من التوراة.»
«والغريب أن يرد في سفر التثنية/ الإصحاح الرابع والثلاثين – السطر العاشر / أنه "لم يقم بعد نبي في إسرائيل مثل موسى". ولكن الحقائق العلمية تؤكد أن كلمة "نبي" لم تدخل قاموس اللغة اليهودية القديمة إلا في زمن متأخر جداً عن عهد موسى المفترض في التوراة!.»
وخلص الدكتور بشار خليف إلى قوله: و«الجدير ذكره هنا هو أن التقليد الديني في أوروبا أكد طوال قرون طويلة أن موسى هو مؤلف الكتب الخمسة الأولى من التوراة، ولكن عندما تجرأ الفيلسوف اليهودي سبينوزا (1632-1677)م وأعلن عن شكّه في صحة ذلك التقليد تم طرده من الكنيسة / أمستردام / وأعلنته هرطقياً. وقد سبق سبينوزا إلى هذا الكثير من الفلاسفة والعلماء أمثال: فيلون ويوسف فلافي وابن عزرا وأوريل وداكوست وغيرهم.»
«وينفي بدوره وليم ديفر روايات الآباء والخروج ويشوع حيث يقول:
"إننا لا نستطيع اليوم أن نبحث عن التاريخ في روايات الآباء والخروج ويشوع. وبصورة خاصة فإن إثبات الفتح العسكري لأرض كنعان/ كما ورد في سفر يشوع / قد غدا مجهولاً لا طائل منه بعد أن جاءت كل الشواهد الأثرية مناقضة له".(13)»
يواصل الدكتور بشار خليف قائلاً: «الجدير ذكره هنا هو أن سفر يشوع يتحدث عن اقتحام عسكري لبلاد كنعان من قبل العبرانيين، في حين أن سفر القضاة يتحدث عن دخول سلمي لهم إلى كنعان.»
ويقول الدكتور ظافر مقدادى فى مقاله (القدس بين التوراة وعلم الآثار الحديث): «وبعد سنين من المسح والدراسة توصلوا لنتيجة مفادها ان المسح لا يشير الى احتمالية قيام مدن (او حتى بلدات) في منطقة اورشليم قبل عصر الحديد الثاني (اي قبل 1000 ق.م)، الأمر الذي دفع فنكلشتاين، وهو مدير كلية الآثار في تل ابيب، في نهاية المطاف للقول: (أبحاثنا صفعت بشدة مشايخ الصهيونية الذين انشأوا إسرائيل والذين يريدوننا كما (ايغال يادين) ان نحمل لهم ما يؤكد النص لا العكس).»
وتوصلت ستينر إلى أن «بلدة أورشليم أُسِّسَت في بداية القرن التاسع قبل الميلاد، ولا علاقة لداودوسليمان بها). وقالت ايضا: (لم يكن هناك اي مدينة لكي يحتلها داود...و ان تاريخأورشليم يجب اعادة كتابته).
أما عالم الاثار الإسرائيلي (زئيف هرتسوغ) فقال: (انه بعد الجهود الجبارة في مضمار التنقيب عن اسرائيل القديمة توصل علماء الاثار الىنتيجة مخيفة: لم يكن هناك اي شئ على الاطلاق، حكايات الاباء مجرد اساطير، لم نهبطمن مصر، لم نحتل فلسطين، ولا ذكر لامبراطورية داود وسليمان)». مع الأخذ فى الاعتبار أن هناك دراسة تعتمد أن مصر التى كان بها بنو إسرائيل هى قرية أو بلدة فى اليمن، وقت أن كانت واقعة تحت السيادة المصرية وحكم فرعون. (الراية القطرية 14/1/2006)
ويقول باحث التاريخ الدكتور ياسين سويد فى مقاله (تزوير التوراة): «ويرى سبينوزا أن المعلومات التاريخية عن الكتاب المقدس، "ناقصة، بل وكاذبة"، وان الأسس التي تقوم عليها معرفة هذا الكتاب "غير كافية، ليس فقط من حيث الكم" بحيث لم نستطيع ان نقيمها بشكل صحيح، "بل إنها، أيضًا، معيبة من حيث الكيف"، ولكن الناس المتشبثين بآرائهم الدينية يرفضون "أن يصحح أحد آراءهم" هذه، بل إنهم "يدافعون بعناد" عن هذه الآراء، مهما كانت مغلوطة ومشوشة، كما يدافعون عن "الاحكام المسبقة… التي يتمسكون بها باسم الدين". وهكذا لم يعد العقل مقبولا "إلا عند عدد قليل نسبيًا"»
«واستنادا إلى هذه النظريات، يثيرسبينوزا تساؤلات مهمة حول اسفار العهد القديم عموما، واسفار التوراة خصوصا، ثم يقرر ما يلي، معتمدا في تقريره على (ابن عزرا): "ان موسى ليس هو مؤلف الاسفار الخمسة (التوراة) بل ان مؤلفها شخص اخر عاش بعد بزمن طويل، وأن موسى كتب سفرا مختلفا»
ونقلا بتصرف بسيط عن الدكتور ياسين فى مقاله سابق الذكر: واستند اسبينوزا فى بحثه هذا إلى البراهين التالية:
1- ”لميكتب موسى u مقدمة التثنية لأنه لم يعبر الاردن.“
2- ”كان سفر موسى u في حجمه، أقل بكثير من الأسفار الخمسة“ (فقد كتب السفر كله على حافة مذبح واحد، كما سبق لى أن بيَّنت ، ووفقالما جاء في التثنية 27: 3 ويشوع 8: 32)
3- يحكى سفر التثنية بصيغة الغائب عن موسى u ففيه على سبيل المثال: قال موسى لله، وذهب موسى، وكلم الرب موسى، ودعا الرب موسى، وغضب موسى على ضباط الجيش وكتب موسى u هذه التوراة .. إلخ: (9وَكَتَبَ مُوسَى هَذِهِ التَّوْرَاةَ وَسَلمَهَا لِلكَهَنَةِ بَنِي لاوِي حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ وَلِجَمِيعِ شُيُوخِ إِسْرَائِيل.) تثنية 31: 9، بالاضافة إلى انسفر التثنية قد روى قصة وفاة موسى ودفنه، وهي قصة لا بد من أن تكون خارجة عن نطاقأعمال موسى u.
4- عندما يتحدثالراوى، في سفر التكوين (الاصحاح 12) عن رحلة ابراهيم u فى أرض كنعان، يقول: «والكنعانيون حينئذ في الارض» مما يدل على أنهم، أي الكنعانيين، لم يكونوافي هذه الارض عندما كتب هذا الكلام، مما يعني ان هذا الكلام قد كتب بعد موسى، وبعد أن طرد الكنعانيون ولم يعودوا يشغلون هذه المناطق"، وبالتالي، فإن الراوي ”لم يكن موسى، لان الكنعانيين في زمان موسى، كانوا لا يزالون يملكون هذه الارض.“
5-ورد في سفر التكوين (22: 14) أن "جبل موريا سمي جبل الله" إلا أن ذلك الجبل لم يحملهذا الاسم "إلا بعد الشروع فى بناء المعبد"
ويستطرد سبينوزا: ”والواقع أن موسى لا يشير إلى أي مكان اختاره الله، بل إنه تنبأ بأن الله سيختار، بعد ذلك، مكاناسيطلق عليه اسم الله.“
6- ورد في سفر التثنية (3: 11) عبارة خاصة بعوج ملكباشان: "وعوج هذا هو، وحده، بقي من الرفائيين، وسريره سرير من حديد، أو ليس هو في ربة بني عمون؟ طوله تسع اذرع وعرضه اربع اذرع بذراع الرجل؟ ”وتدل هذه الاضافة“بوضوح تام، على أن من كتب هذه الأسفار عاش بعد موسى بمدة طويلة وفضلا عن ذلك، فلاشك في أنه لم يعثر على هذا السرير الحديدى إلا في عصر داوود الذي استولى على الرباط(ربة عمون) كما يروي صموئيل الثاني (12: 30).
7- وردت في أسفار التوراة أسماء أُطلقت على أمكنة لم تعرف بها في عهد موسى، بل عرفت بعده بزمن طويل، مثل ما ورد في سفر التكوين أن إبراهيم تبع أعداءه حتى «دان»: (14فَلَمَّا سَمِعَ أَبْرَامُ أَنَّ أَخَاهُ سُبِيَ جَرَّ غِلْمَانَهُ الْمُتَمَرِّنِينَ وِلْدَانَ بَيْتِهِ ثَلاَثَ مِئَةٍ وَثَمَانِيَةَ عَشَرَ وَتَبِعَهُمْ إِلَى دَانَ.) تكوين 14: 14. ولم تحمل "دان" هذا الاسم إلا بعد موت يشوعبمدة طويلة، كما ورد في سفر القضاة: (وصعدوا وحلّوا في قرية يعاريم في يهوذا. لذلك دعوا ذلك المكان محلّة دان الى هذا اليوم. هوذا هي وراء قرية يعاريم.) القضاة 18: 12 ، (ودعوا اسم المدينة دان باسم دان ابيهم الذي ولد لاسرائيل. ولكن اسم المدينة اولا لايش.) القضاة 18: 29
8- كثيرا ما يتجاوز الراوي، في رواياته في أسفار التوراة، حياة موسى u، كأن يروي، في سفر الخروج أن بني إسرائيل أكلوا (... الْمَنَّ أَرْبَعِينَ سَنَةً حَتَّى جَاءُوا إِلَى أَرْضٍ عَامِرَةٍ. أَكَلُوا الْمَنَّ حَتَّى جَاءُوا إِلَى طَرَفِ أَرْضِ كَنْعَانَ)الخروج 16: 35 حيث (12وَانْقَطَعَ الْمَنُّ فِي الْغَدِ عِنْدَ أَكْلِهِمْ مِنْ غَلَّةِ الأَرْضِ, وَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ مَنٌّ. فَأَكَلُوا مِنْ مَحْصُولِ أَرْضِ كَنْعَانَ فِي تِلْكَ السَّنَةِ.) يشوع 5: 12، ومعلوم أن موسى قد مات قبل دخول العبرانيين إلى أرض كنعان وأكلهم من غلتها.
أو أن يروى في سفر (التكوين 36: 31) عن ملوك بنى إسرائيل الذين حكموا أرض أدوم (31وَهَؤُلاَءِ هُمُ الْمُلُوكُ الَّذِينَ مَلَكُوا فِي أَرْضِ أَدُومَ قَبْلَمَا مَلَكَ مَلِكٌ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ.) ومعلوم أنه لم يخضع الأدوميين لحكم العبرانيين إلا زمن داود، أى بعد موسى بحوالى 540 سنة، حيث جعل داود (فِي أَدُومَ مُحَافِظِينَ. وَضَعَ مُحَافِظِينَ فِي أَدُومَ كُلِّهَا. وَكَانَ جَمِيعُ الأَدُومِيِّينَ عَبِيداً لِدَاوُدَ. ...) صموئيل الثانى 8: 14، مما يؤكد أن كاتب سفر التكوين قد عاش بعدداود.
وعن مملكة داود وسليمان «يقول الباحث الفرنسي "بيير روسي": "إن التاريخ المصنوع للعبرانين خارج النصوص التوراتية هو الصمت الكلي المطبق. فلا الكتابات المنقوشة على الآثار ولا القوانين ولا الدساتير تكشف أثراً قليلاً للعبرانيين. فعلى آلاف النصوص المسمارية أو المصرية أو مكتبة أوغاريت أو نينوى، وحتى في النقوش الآرامية. في ذلك كله لا تذكر كلمة عبري وأشهر ملوك التوراة هما داود وسليمان لم يصبحا قط موضوع وقائع تاريخية. ليس هناك أبداً ذكر للملحمة والوقائع الحربية المعزّوة لعبور العبرانيين. فالعدم كامل، مثلما هو قطعي وجازم ".(14)»
«بعد هذا، حريّ بنا مثلاً أن نلاحظ أن شيخ القبيلة العبرانية / وليس الملك / شاؤول والذي ألصق به التوراة في حوالي / 1020 /ق.م صفة شيخ بدوي في خيمة قرب بلدة جبعة شمال القدس.. سوف يكون في حوالي/932/ ق.م بانياً للمدن المسوّرة والهياكل الضخمة حسب التوراة، علماً أن هذه الفترة كانت تشهد تشرذم هذه القبائل وتفتتها.
وبدوره الباحث لينش يشكك في وجود المملكة العبرانية لداود وسليمان حيث يقول: "إنني شخصياً أجد هذه الأفكار غير قابلة للتصديق إلى حد بعيد، حيث لا توجد أي آثار تدل على وجود سليمان وداود أو حدوث أي من الأحداث المرتبطة به " (15).»
ويقول "زئيف هرتسوغ" المؤرخ "الإسرائيلي" المناهض للمزاعم التوراتية: «ان جميع الروايات التوراتية وحروب بني "اسرائيل" بقيادة "يشوع بن نون" لا تستند الى أي واقع حقيقي.»
ويقول عن المدن الكنعانية: «تبالغ التوراة كثيرا في تصوير قوة تحصينات المدن الكنعانية التي يقال بان بني "اسرائيل" قد غزوها: ”مدن كبيرة ومحصنة ومرتفعة حتى السماء"(السفر 9ـ1)“ في حين اظهرت جميع المكتشفات الاثرية انمدن تلك المرحلة لم تكن تحتمي باية تحصينات عدا قصر الحاكم والامير. الى ذلك فانالثقافة المعمارية التي كانت سائدة في فلسطين عند نهاية العصر البرونزي لم تكن تضع احتمالات الغزو العسكري في حساباتها.. كما يؤكد "هرتسوغ" بان الوصف التوراتي لا يتطابق اطلاقا مع الواقع الجيوسياسي للمنطقة. ذلك ان فلسطين كانت في الواقع تحت السيطرة المصرية وقد ظلت كذلك حتى منتصف القرن الثاني عشر بعد الميلاد. اضافة الىان المراكز الادارية المصرية كانت واقعة في غزة ويافا وبيت شيئان، ومن المستغرب ان التوراة لم تذكر اطلاقا ذلك الوجود المصري في نصوصها المزعومة.»
الأمر الذى دعا (هرتسوغ) إلى القول: «يبدو وكأن كاتب التوراة، وزملاءه الذين قاموا بمراجعة ما كتب، لم يكونوا على معرفة بتلك الحقائق التاريخية التي لا تحتاج الى دلائل.»
«ويناقش توماس طومسون في كتابه "التوراة والتاريخ – الماضي الخرافي" مرويات المملكة العبرانية لداود وسليمان، بحيث يقول: "أن تلك الصور/ التوراتية / لا مكان لها في أوصاف الماضي التاريخي الحقيقي، إننا نعرفها فقط كقصة وما نعرفه حول هذه القصص لا يشجعنا على معاملتها كما لو أنها تاريخية. ولا يتوافر دليل على وجود ملكية متحدة، ولا دليل على وجود عاصمة في أورشليم أو على وجود أي قوة سياسية موحدة ومتماسكة هيمنت على فلسطين الغربية، ناهيك عن إمبراطورية بالحجم الذي تصنعه الحكايات الأسطورية. ولا يوجد أي دليل على وجود ملوك يدعون شاؤول وداود وسليمان" (17).»
«وهذا ما دفع بالباحثة والمنقبة "مارغريت شتاينر" بعد أن أجرت دراساتها على اللقى الأثرية في موقع أورشليم للقول: "لم يكن / للملك / داود مدينة ليعمرها في مطلع القرن العاشر ويجعلها عاصمة للمملكة الموحدة، لأن مثل هذه المدينة لم تكن موجودة في ذلك الزمن. كما أن الوصف الذي نجده في أسفار التوراة لمدينة أورشليم لا ينطبق إلا على مدينة القرن السابع" (18).»
ويقول زئيف هرتسوغ: «فمن الواضح ان (قدس داوود وسليمان) كانت مدينة صغيرة مع قلعة صغيرة مخصصة لقصر الملك ـ هذا اذا كانت قدقامت بالفعل ـ إنما يمكن الجزم بصورة قاطعة بأن القدس لم تكن إطلاقا عاصمة مملكة كبيرة كما تذكر المزاعم التوراتية.»
ويضيف هرتسوغ قائلاً: «يبدو أن الذين قاموا بكتابة نصوص التوراة كانوا يعرفون قدس القرن الثامن قبل الميلاد بجدرانها وبثقافتها الغنية التي تم العثور على بقايا آثارية دالة عليها في أنحاء مختلفة من القدس بواسطة التنقيبات الآثارية في المدينة.. وهذا ما جعل هؤلاء الكتاب المزورين يخترعون قصة المملكة "الإسرائيلية" المتحدة. إضافة إلى أن مدينة القدس لم تكتسب دورها المهم سوى بعد تدمير السامرة، منافستها الشمالية، في العام 722 قبل الميلاد».
ويضيف أيضًا قائلاً: «إن معظم الإسرائيليين والعلماء الباحثين التوراتيين الذين قاموا بأبحاث وحفريات لتعزيز واقعية قصص العهد القديم يوافقون على حقيقة أن مراحل تشكل الشعب اليهودي كانت مختلفة تماما عن ما ورد في التوراة. لكن المجتمع الإسرائيلي ليس مستعدا بعد لمناقشة موضوع كهذا وهو يفضل تجاهل كامل المسألة برمتها.» وأضيف عليه قائلا: إن المسيحيين فى العالم العربى
ويقول باحث التاريخ الدكتور ياسين سويد فى مقاله (تزوير التوراة): إن”طومسون“ يعتمد على نظرية ”ويلهاوزن“ في «الفرضية الوثائقية» التي ترى أنه يجب فهم ”المصادر الأربعة للأسفار الخمسة الأولى“ من العهد القديم على أنها وثائق أدبية تم تأليفها وقت كتابتها، وهي انعكاس صادق لفهم ومعرفة مؤلفيها وعالمهم، وعلى هذا فلا يمكن اعتبارها تاريخا يعتد به، كما انه لا يمكن الاستفادة منها لاعادة تشكيل تاريخ "اسرائيل" القديم، السابق على وقت تأليفها.
ويقول الباحث السورى فراس سواح فى حواره مع جريدة ”الوطن“ السورية عن سؤال المحاور القائل: «تروي التوراة في سفر يشوع عملية تدمير ثلاث مدن كبرى وإحراقها وقتلسكانها عن بكرة أبيهم وهي مدن أريحا وعاي وحاصور. فماذا تقول نتائج التنقيبالاركيولوجي في هذا؟»
يجيب فراس سواح قائلاً: «فيما يتعلق بأريحا، تعطي التوراة وصفًا دراميًا حيًّالاقتحام المدينة وتدميرها. فبعد الدوران حول السور ست مرات حاملين تابوت العهد،تسقط الأسوار من تلقاء ذاتها أمام الإسرائيليين الذين يدخلون المدينة ويقتلون من فيها من رجل وامرأة وطفل وشيخ وبقر وغنم وحمير.
وقد فسر بعض المؤرخين سقوط أريحا على أنه نتيجة زلزال نسبه المهاجمون إلى معجزة من الرب. ولكن لعلم الآثار رأيًامختلفًا في هذا الموضوع. فرغم أن الزلازل كانت متكررة الوقوع في فلسطين. وأن سورأريحا قد تصدع بسببها أكثر من مرة، إلا أن كلا من آثار الدمار الزلزالية في أريحاتعود إلى أزمنة سابقة بكثير للتاريخ المفترض لاجتياحالإسرائيليين. وقد ثبت أن آخرالزلازل المدمرة قد وقع في العصر البرونزي الأول حوالي عام 2300ق.م وأن المدينة قدبنيت مجددًا في العصر البرونزي الوسيط حوالي عام 1900 حيث استمرت الحياة فيها إلىعام 1560 ثم هجرت تمامًا. وعندما عادت الحياة إليها في العصر البرونزي الأخيرانتعشت جزئيًا لفترة قصيرة، ولكن دون أسوار أو تحصينات ، فتهجر قبل نهاية عام1300ق.م ، ويغمرها النسيان إلى ما بعد العصر الحديدي الأول خلال مطلع الألف الأولق.م أي أنه لم يكن هناك مدينة اسمها أريحا عندما دخل الإسرائيليون إلى فلسطين حوالي1200ق.م.
وفيما يتعلق بمدينة عاي تشير البينات الآثارية إلى أن المدينة قد انتهتتمامًا قبل ألف عام من وصول الإسرائيليين، وعلى ذلك فإن أوائلهم لم يسمعوا إلابذكرى تلك المدينة العظيمة التي ازدهرت في مطلع العصر البرونزي. وتم الكشف فيالمستويات العليا لموقع المدينة على قرية صغيرة غير ذات شأن تعود إلى عصر الحديدالأول، أي بعد فترة لا بأس بها من دخول الإسرائيليين.
أما مدينة حاصور ، فتدلالتنقيبات الأثرية في الموقع على أن المدينة قد دمرت تماماً في نهاية القرن الرابع عشر ق.م. وهو التدمير الذي يتطابق في تاريخه مع حملة الفرعون سيتي على سوريا الجنوبية ثم أعيد بناء المدينة مباشرةً لتحترق وتدمر بعد فترة قصيرة دون أن تصل حياتها إلى أواخر القرن الثالث عشر، وتعاصر فترة دخول الإسرائيليين، وقد كشف في موقع المدينة على قرية صغيرة تعود إلى العصر الحديدي الأول. في مطلع الألف الأولق.م.
من هذه الأمثلة الثلاثة ومن مطابقة بقية الرواية التوراتية لاقتحام فلسطينعلى نتائج التنقيب الاركيولوجى. نستنتج أن مؤلفي التوراة قد ضموا في رواية واحدةأزمنة وأحداثاً متباعدة لا يربطها رابط، وصاغوها ضمن تسلسل زمني فشكلوا منها روايةمتماسكة من بدايات توافدهم في أرض كنعان.»
يواصل المحاور لفراس سواح بسؤال عن مدى صدق ما يحكيه الكتاب الذى تقدسه عزيزى القمص عن كيفية اقتحام بنى إسرائيل أرض كنعان واستيلائهم على فلسطين، فيقول: «بعدسفر يشوع الذي وصف اقتحام القبائل الإسرائيلية الإثني عشر أرض كنعان واستيلائها علىفلسطين الداخلية كاملة، نجد سفر القضاة يعطينا صورة مختلفة عن تلك القبائلالمنتصرة؟»
فأجاب فراس سواح قائلا: «بعد الاستقرار في الأرض الجديدة ، نجد أن القادمين الجدد ليسوا إلا جماعات مفككة منقسمة إلى فريقين متخاصمين هما القبائل الشمالية والقبائل الجنوبية، وأن خطاً من المدن الكنعانية القوية تشكله أورشليم وجازر وعجلون ، يفصلبين المجموعتين ويمنع اتصالهما ، وإن كثيراً من المدن الكنعانية التي من المفترضأنها وقعت أيدي الإسرائيليين إبان اجتياحهم ، تعيش حياتها الطبيعية كمدن مستقلة، كما نجد أن منتصري الأمس ليسوا إلا فرقاً مستضعفة واقعة تحت نير جيرانهم الفلستيين، يضطهدونهم ويسومونهم سوء العذاب.
ويفسر المؤرخون من ذوي الاتجاه التوراتي هذا الواقع المتناقض تفسيرات أكثر تناقضاً وأقرب إلى النفس اللاهوتي منها إلى المنطقالتاريخي. ولنقرأ على سبيل المثال ما يقوله عالم اللغات القديمة اللامع البروفيسور سيروس هـ. غوردن في كتابه الشرق الأدنى القديم الذي أفرد ثلثيه لتاريخ بني إسرائيلفي معرض تفسيره لأحوال الإسرائيليين في عصر القضاة يقول غوردن: عند اقتحام أرض كنعان لم يمارس الإسرائيليون عملية إبادة كاملة للكنعانيين ولم يطردوهم من أرضهم ومدنهم.»
فقارن هذا بما يقوله الكتاب من إبادة جماعية لأهل البلاد الأصليين: (21وَحَرَّمُوا كُلَّ مَا فِي الْمَدِينَةِ مِنْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ, مِنْ طِفْلٍ وَشَيْخٍ - حَتَّى الْبَقَرَ وَالْغَنَمَ وَالْحَمِيرَ بِحَدِّ السَّيْفِ.) يشوع 6: 21
يواصل فراس سواح قائلاً: «لقد دام عصر القضاة أكثر من قرنين من الزمان، ومع ذلك لم يستطع علم الآثار تقديم أي دليل على وجود الإسرائيليين خلالهذه الفترة في فلسطين. فإما أن يكون القادمون الجدد على جانب كبير من الهمجيةوالتخلف إلى درجة لم تمكنهم من التأثير بجيرانهم المتطورين وتطوير ثقافة خاصة بهمخلال قرنين من الزمن وهذه فرصة أقرب إلى المستحيل ، أو أن هؤلاء القادمين المفترضينلم يكن لهم وجود تاريخي قط.»
أما ”كيث وايتلام“ أستاذ العلوم الكتابية فى قسم الدراسات اللاهوتية في جامعة "ستيرلينغ" في سكوتلاندا، أصدر كتابه "اختراع (إسرائيل) وحجب فلسطين" سنة 1996 في كلّ من نيويورك ولندن في نفس الوقت. اتفق فيه مع طومسون في كثير من الاستنتاجات ويشير إلى أن هناك عمليّة طمس ممنهجة لكثير من الدلالات التاريخية للمكتشفات الأثرية ومحاولة لتفسيرها بطريقة مغلوطة في أغلب الأحيان.
كما يُركِّز وايتلام على البعد السياسي من وراء محاولات الطمس والتفسير المغلوط للتاريخ ، حيث يذكر «أن تاريخ (إسرائيل) المخترَع في حقل الدراسات التوراتية كان وما زال صياغة لغوية وأيديولوجية لما كان ينبغي أن تكون الممالك اليهودية عليه، وليس ما كانت عليه في الواقع».
وبهذا قال أيضًا هذا السيد بروشى المسئول المتقاعد عن مخطوطات البحر الميت فى (كذبة السامية وحقيقة الفينيقية) ص32، الذى أكد أن مدينة أريحا أُخليت من بداية القرن 15 ق.م إلى نحو القرن 11 ق.م ، أى لم تكن مأهولة بالسكان الذين قتلهم الرب ورماهم بالحجارة كما تدع رواية يشوع (10: 11-)، وأنه لم تكن هناك مدن باسم عاى وجازور وأريحا، بل لم يكن الداخل بحاجة إلى تدمير وقتل الآهلين!!! وذلك بسبب وجود جفاف طويل الأمد حل على المنطقة فى العصر البرونزى الأخير، مما تسبب فى مجاعات وإنهيار إقتصادى وسياسى واسع النطاق فى الحوض الساحلى للبحر المتوسط، توافق بدوره مع تغيير عالمى فى المناخ. وذلك كما ينقل أحمد الدبش عن توماس طومسون ص167 من (التاريخ القديم للشعب الإسرائيلى).
ويواصل الدبش استشهاداته بعلماء الآثار ص79 من كتابه السابق قائلاً: فهذا هو جيمس بريتشارد يؤكد بعد تنقيبه فى فلسطين: «أن كل التناقضات الواضحة التى كشفت عنها نتائج التنقيب الأثرى فى (أريحا) وغيرها من المواقع التى تحدث عنها سفر يشوع تدل على أننا نسير فى طريق مسدود فى محاولة العثور على شواهد أثرية لإثبات الروايات التقليدية عن الفتوحات الإسرائيلية».
وهذا ما أكده عالم الآثار الإسرائيلى بجامعة تل أبيب البروفيسور الإسرائيلى يسرائيل فنكلشتاين ونشرته جريدة القدس العربى ، بتاريخ 15/4/1999. وأقره ”لامك“، وعالم الآثار الإسرائيلى ”زئيف هرتسوغ“، والدكتور ”عفيف بهنسى“ المدير العام السابق للآثار فى سورية، والأب ”مايكل برير“ الذى يرى أن الرواية التوراتية لا يمكن الدفاع عن صدقها، ويؤكد أكثر من ذلك على أن هناك ثمة إجماع علمى بأن القصة الكتابية التى تصف فترة الاحتلال التوطنى جاءت عن طريق المؤلفين الذين كتبوها بعد عدة قرون.
الأمر الذى يؤكد قولنا أنهم كتبوا كتابًا من عند أنفسهم ونسبوه لله، يبتغون به مكاسب دنيوية. {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ} (79) سورة البقرة
(كَيْفَ تَدَّعُونَ أَنَّكُمْ حُكَمَاءُ وَلَدَيْكُمْ شَرِيعَةَ الرَّبِّ بَيْنَمَا حَوَّلَهَا قَلَمُ الْكَتَبَةِ المُخَادِعُ إِلَى أُكْذُوبَةٍ؟) إرمياء 8: 8
(4اَللهُ أَفْتَخِرُ بِكَلاَمِهِ. عَلَى اللهِ تَوَكَّلْتُ فَلاَ أَخَافُ. مَاذَا يَصْنَعُهُ بِي الْبَشَرُ! 5الْيَوْمَ كُلَّهُ يُحَرِّفُونَ كَلاَمِي. عَلَيَّ كُلُّ أَفْكَارِهِمْ بِالشَّرِّ.) مزمور 56: 4-5
مع الأخذ فى الاعتبار أننا لا ننكر وجود هذه الأنبياء، ولا نشكك فى جهادهم أو قيامهم بواجباتهم على أكمل وجه، ولا نطعن مثلهم فى أخلاقهم الرفيعة، ولكن نُشكك متضامنين مع علماء الآثار فى كون هذه الأحداث تمت فى الأماكن التى افترضها كُتَّاب كتب التوراة، أو بالشكل البربرى الذى تحكيه كتبهم، أو أن تكون هذه الكتب إلهامية بوحى الله. ولكننا نؤمن بأن هذه الروايات التوراتية كتبت فى القرن الخامس قبل الميلاد من الذاكرة، فخلطوا أشخاصًا بأحداث ، وخلطوا فيها الزمان مع المكان لأغراضهم السياسية الاستعمارية الدينية، كما يقول وايتلام. فلا نستبعد مطلقًا أن يترجموا لفظة (بكة) إلى أرض البكاء، أو تُهامة إلى تهوم، أو الإسلام إلى السلام..
لذلك خلص البروفيسور توماس طومسون فى كتابه (التاريخ القديم للشعب الإسرائيلى) ص277 وما بعدها إلى أن: «أى محاولة لكتابة تاريخ فلسطين فى أواخر الألف الثانية قبل الميلاد، أو بدايات الألف الأولى قبل الميلاد، على الضوء التام لمصادر الكتاب المقدس، لتبدو على الفور محاولة فاشلة وميئوس منها، بل يُمكن اعتبارها محاولة هزلية بالكامل، وتبعث على الضحك والفكاهة. إن قصص العهد القديم ما هى إلا مأثورات وحكايات كتبت أثناء القرن الثانى قبل الميلاد. وإنه مضيعة للوقت أن يحاول أى إنسان أن يُثبت مثل هذه الأحداث التوراتية من خلال علم الآثار القديمة، فالعهد القديم ليس له أى قيمة كمصدر تاريخى.»
وقد توصل العلامة كيث وايتلام بعد أن راجع المؤلفات التى تعاملت مع تاريخ فلسطين القديم، وأدرك مدى توغل يد الاستشراق فى هذه الكتابات أى «أن صورة إسرائيل كما وردت فى معظم فصول الكتاب العبرى، ليست إلا قصة خيالية، أى تلفيق للتاريخ»، وذلك ص49 فى كتابه (تلفيق إسرائيل التوراتية .. طمس التاريخ الفلسطينى). نقلا عن أحمد الدبش (كنعان وملوك بنى إسرائيل فى جزيرة العرب)
وفى ص19 من الكتاب السابق يقول الدبش: (لقد تم إخضاع اللقى الآثارية فى المشرق العربى، وبالتالى تاريخ بلادنا فلسطين، لمصلحة الخطابين السياسى والكتابى وهدفهما بعدما ثبت لنا أن «أصول التنقيبات الآثارية الحديثة، منذ دخول نابليون إلى مصر، على أنها مكيدة دولية، استخدمت القوى الغربية من خلالها الماضى الكتابى والكنوز الأثرية التى فى المنطقة من أجل سعيها لتحقيق المكاسب السياسية، ولإضفاء الشرعية على مصالحها الإمبريالية» وذلك نقلا عن كيث وليتلام فى كتابه (تلفيق إسرائيل التوراتية .. طمس التاريخ الفلسطينى) ص37.
ويواصل الدبش قائلا: «وانطلاقًا من حقيقة غياب أية لقى آثارية واضحة تحسم بأن فلسطين احتضنت تجربة بنى إسرائيل، فقد رأينا أن حركة التاريخ التوراتى لا تنسجم مع جغرافية المنطقة من العراق إلى الشام وإلى مصر، وأن الخطاب الكتابى لفق جغرافية التوراة». (كنعان وملوك بنى إسرائيل فى جزيرة العرب) ص20.
وبذلك فهو يوافق وايتلام فى قوله: إنه كثيرًا ما جرى إفراغ فلسطين والتاريخ الفلسطينى من أى معنى حقيقى، أى جرى تجريدها من الصفة التاريخية. وهى سرقة تاريخ شعب وأمة ونسبتها إلى يهوه. وهكذا يبجلون إلههم!! (السابق ص19)
يواصل الدبش ص23 فى كتابه السابق قائلاً: «يتفق معظم علماء الآثار التوراتيين، ... على أن نشوء إسرائيل القديمة فى بلادنا فلسطين تم نحو 1200 ق.م، وهى الفترة الانتقالية الواقعة بين أواخر العصر البرونزى وأوائل العصر الحديدى. ... وهى الفترة التى يفترض أن تكون إسرائيل (المزعومة) تلك قد سيطرت فيها على فلسطين. .... ... ومن الجدير بالذكر أن تومس طمسن [توماس طومسون] وزملاء آخرين له، يتفقون على رفض فرضية الغزو [أى رواية العهد القديم بشأن غزو بنى إسرائيل لفلسطين] ويضيفون القول: ”إن معاينة فلنكشتاين (الآثارية) توضح بشكل كامل أن نظرية الغزو ميتة .. وللأسباب الآتية:
[1] العديد من المواقع لم تكن مأهولة فى فترة نهاية العصر البرونزى المتأخر؛
[2] العديد من المواقع هجرت فى نهاية تلك الفترة الزمنية لكنَّها لم تتعرض للتدمير.
[3] العديد من المواقع العائدة للعصر البرونزى استمرت قائمة فى العصر الحديدى الأول،
[4] وتلك المواقع العائدة للعصر البرونزى المتأخر التى لم تظهر فيها آثار تدمير، كانت مهجورة لفترة طويلة بعد الدمار الذى لحق بها سكنها الناس مجددًا.»
ونصل من كل هذا إلى أن بنى إسرائيل حرفوا التوراة من أجل مصالحهم السياسية الدنيوية. فهمشوا فلسطين، وطمسوا حضارته، وادعوا أنهم مهجرين نازحين من بحر إيجة أو جزيرة تكريت، ليعطوا لأنفسهم الحق فى احتلال أرضهم، بل أيدوا ذلك بما كتبه أحبارهم فى كتابهم.
والأمرُّ من ذلك أنهم غيروا فى صفات ربهم ليتناسب مع أهوائهم. فجعلوه إلهًا عنصريُا خاصًا بهم وحدهم، وغيروا اسمه، واصطنعوا لهم تاريخًا لا وجود له إلا فى كتابهم الذى يسمونه الكتاب المقدس، حتى صرخ اللورد بولينجبروك قائلا عن التوراة: «إنها لوصمة بحق الله، وظلم بحق البشر، أن ينظر إلى هذا التداخل الرث بجدية، فقد تشابكت فيها السابقات تشابكًا يتسم بدرجة عالية من التشويش، أو بمستوى رفيع من الشفاعة والقبح».
* * *
لكن هل عدم وجود تعضيد آثارى للتوراة يدل على أنها محرفة؟
فى الحقيقة أنا لم أكتف بهذا الجانب فقط فى البحث لإثبات التحريف فى التوراة، ولكن هذا الجانب من التحريف يُثبت فقط أن المحرفين كانت لهم أهداف سياسية استعمارية، تهدف فى النهاية إلى السيطرة والسيادة على من حولهم. ولك أن تستعيد فى ذاكرتك وصف يسوع لهم عن حبهم للسيادة دون وجه حق: (6وَيُحِبُّونَ الْمُتَّكَأَ الأَوَّلَ فِي الْوَلاَئِمِ وَالْمَجَالِسَ الأُولَى فِي الْمَجَامِعِ 7وَالتَّحِيَّاتِ فِي الأَسْوَاقِ وَأَنْ يَدْعُوَهُمُ النَّاسُ: سَيِّدِي سَيِّدِي!) متى 23: 6-7
يدلل على ذلك محاولتهم إغلاق ملكوت الله أمام الداخلين، إشاعتهم أن المسِّيِّا سيأتى من نسل داود، وادعاؤهم أن عيسى u من نسل داود (وقد أثبت أنه هارونى فى «عيسى ليس المسيح الذى تفسيره المسِّيِّا»، كما أفرد له العميد مهندس جمال الدين شرقاوى كتابًا يحمل اسم: «هارونى أم داودى، ومعه الرد على اعتراض الدكتور القس صموئيل فريز»)، ليغلقوا الطريق أمام الداخلين فى دين المسِّيِّا، عندما يأتى، لذلك قال لهم يسوع: (13«لَكِنْ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ لأَنَّكُمْ تُغْلِقُونَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ قُدَّامَ النَّاسِ فَلاَ تَدْخُلُونَ أَنْتُمْ وَلاَ تَدَعُونَ الدَّاخِلِينَ يَدْخُلُونَ!) متى 23: 13
يدلل على ذلك قتلهم الأنبياء، واعتراف الرب أنهم حرفوا كتابه، ولم يكونوا أمناء عليه، ولا على علاقتهم بالرب نفسه.
ونؤكد تحريفها مرة بعد مرات عن طريق طرح هذه التساؤلات:
أليس عدم وجود اسم الله فيها يدل على أنها محرفة؟
أليس عدم وجود كلمة يسوع فى أصول كتب الأناجيل يدل على أنها محرفة؟
أليس كون يسوع هارونى وليس داودى يدل على أنها محرفة؟
أليس ذكر معطيات مبالغ فيها وغير حقيقية يثبت أنها محرفة؟
أليس عدم وجود سور لأريحا فى وقت هجوم يشوع بن نون يُكذِّب قول الكتاب فى إلتفاف بنى إسرائيل حول السور سبع مرات لفتحها؟
أليس ادعاءاتهم أن أعداد بنى إسرائيل وقت الخروج من مصر بهذا العدد المذكور فى سفر الخروج يثبت تحريفهم للتوراة، حيث إن برية سيناء لا يمكنها أن تُطعم ما يقدره المؤرخون بحوالى 2 مليون من قوم موسى؟
إن إثبات وجود التحريف يهدف إلى أنهم غير أمناء، وأنهم حرفوه مثل قتلهم أنبيائهم، حفاظًا على مجد شخصى، ورفضًا للإنصياع لله تعالى، وتمهيدًا لرفض النبى المثيل لموسى والذى بشر به سفر التثنية 18: 18-20، وأنبأ به دانيال وإشعياء وغيرهم من الأنبياء. وعلى ذلك فإن طمس ما يدل على هذا النبى أو إلغاز اسمه أو مكان خروجه، كان من أول ما استهدفه التحريف، حفاظًا على مكانتهم التى تبوَّؤها يومًا ما.
وهم أغبياء وغلاظ الرقبة، أغبياء لأنهم لا يريدون أن يفهموا أنهم لن يستطيعوا أن يمنعوا فضل الله أو رحمته لأحد من عبيده: {... وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَآدَّ لِفَضْلِهِ يُصَيبُ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} (107) سورة يونس
{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (32) سورة التوبة
{يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (8) سورة الصف
وقال لهم عيسى u: (... وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي)يوحنا 10: 29
* * *
تعليق