عمرو بن العاص فاتح مصر أنصف المصريين ورد للأقباط حريتهم الدينية
السبت, 22 أغسطس 2009
لا زال الفتح الاسلامى لمصر يثير بعض الجدل من حين لآخر وأحدث هذا الجدل الذى بدأ منذ شهر ولا يزال مستمرا بمناسبة صدور رواية « عزازيل» للمؤلف الدكتور يوسف زيدان التى استخدم فيها مخطوطات قبطية في نقد التعصب المسيحي ضد بعض الكهان فبادر أحد الأقباط بالرد عليه في رواية تتناول الفتح الاسلامى لمصر بكثير من الظلم والتشويه مدعياً أن الأقباط اضطهدوا وقتلوا على يد الجيش الاسلامى بقيادة عمرو بن العاص.
والقراءة التاريخية المنصفة لعلاقة مصر بالإسلام والفتح الاسلامى كفيلة بالرد على هذه الادعاءات التى ترفضها القاعدة العريضة من أقباط مصر..
وبداية العلاقة كانت بالخطاب الشهير من رسول الله إلى المقوقس العظيم القبط فى العام السابع من الهجرة الذى قال فيه صلى الله علية وسلم : من محمد رسول الله إلى المقوقس عظيم القبط سلام على من اتبع الهدى .. أما بعد فإنى أدعوك بدعاية الإسلام فاسلم تسلم .. واسلم يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت فعليك إثم القبط ... يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله.
وعلى الرغم من أن المقوقس تردد فى قبول الدعوة الإسلامية إلا أن رده على خطاب الرسول كان معتدلاً إذ قال فيه: «لمحمد بن عبد الله من المقوقس عظيم القبط .. أما بعد .. فقد قرأت كتابك وفهمت ما ذكرت فيه وما تدعو إليه .. وقد علمت أن نبياً بقى وكنت أظن أنه يخرج من الشام وقد أكرمت رسولك وبعثت إليك بجاريتين لهما مكان فى القبط العظيم» وكانت إحدى الجاريتين السيدة مارية التى أنجبت للرسول الكريم ولده إبراهيم وهو الأمر الذي دعم صلة النسب مع المصريين ومهد للفتح الاسلامى لمصر.
وفى العام التاسع عشر الهجرى وبعد الانتصار الاسلامى على الروم ببلاد الشام عرض عمرو بن العاص على الخليفة عمر بن الخطاب أمر فتح مصر الذي وافق بعد تردد وقال لابن العاص : سر وأنا مستخير الله فى سيرك وسيأتيك كتابي سريعاً إن شاء الله فإن أدركك كتابي آمرك فيه بالانصراف من مصر قبل ان تدخلها أو شيئا من أرضها فانصرف وان أنت دخلتها قبل أن يأتيك كتابي فأمض لوجهك واستعن بالله واستنصره» .. ومضى عمرو بن العاص ودخل مصر دون أن يصله كتاب الخليفة حيث بنى الفسطاط أول مدينة إسلامية عربية فى مصر وأسس أول جامع بها عرف باسم عمرو بن العاص الذي لا يزال شامخاً حتى اليوم.
وحمل أول تقرير من عمرو بن العاص للخليفة عمر بن الخطاب حقيقة هامة وهى أن الفتح الاسلامى لمصر وضع حداً للسيادة الرومانية ثم البيزنطية على مصر والتى اتسمت بالتشريعات المجحفة للمصريين وحرمانهم من إدارة شؤون بلادهم فضلاً عن حركات الاضطهاد الديني الذى تميزت به فترة ما قبل الفتح .
وقد برز مشهد تاريخي يرمز إلى موقف حضاري عبر عنه قائد الفتح عندما خيّر المصريين بين الإسلام والبقاء على دينهم فمن اسلم منهم صار له ما للمسلمين من الحقوق وعليه ما عليهم من الواجبات ومن بقى على دينه فرض عليه جزية صغيرة مقدارها ديناران على من بلغ الحلم منهم . والأهم من ذلك تلك السياسة الحكيمة التى اعتمدها عمرو بن العاص عندما آثر إطلاق الحرية الدينية للأقباط فبعد فتحه حصن نابليون كتب بيده عهداً للأقباط بحماية كنيستهم ولعن كل من يجرؤ من المسلمين على إخراجهم منها , كما كتب عهد أمان للبطريرك بنيامين ورده إلى كرسيه بعد أن أبعد عنه أكثر من عشر سنوات وأمر باستقباله عندما قدم للإسكندرية أحسن استقبال وألقى بنيامين على مسامع عمرو بن العاص خطاباً ضمنه الاقتراحات التى رآها ضرورية لحفظ كيان الكنيسة فتقبلها ابن العاص ومنحه السلطة المطلقة فى إدارة شؤون الأقباط .. وفى ذلك بقول بنيامين: لقد وجدت فى مدينة الإسكندرية زمن النجاة والطمأنينة اللتين كنت أنشدها بعد الاضطهادات والمظالم التى قام بتمثيلها الظلمة المارقون .هذه المواقف الحضارية التى شهدتها حقبة الفتح الاسلامى مهدت لمصر الأرضية الصالحة لتعايش انسانى يوفّر حياة بعيدة عن التعصب المقيت ونبذ الآخر وإن كان مخالفاً فى العقيدة والدين .
http://www.al-madina.com/node/171897
تعليق