السلام عليكم و رحمة الله و بركاته............
هجمة جديدة من الاوغاد النصارى حول الشهر الكريم الذي انزل فيه القرآن شهر رمضان.........
حيث يقولون ان صيام شهر رمضان عادة وثنية من قبل الاسلام........
و يستدلون بهذا من القرآن بهذه الاية((كتب عليكم الصيام كما كتب على اللذين من قبلكم....))
ماذا نقول لهؤلاء الاوغاد المدلسين المدنسين لديننا الحبيب, لشهرنا الكريم...؟؟؟
ويستدلون ان ايضا ان (الصابئين) الذين ذكروا في القرآن انهم كانو يعبدون النجوم و الكواكب و كانت لهم ما يأتي:
و يستدلون ايضا بما يسمى (دائرة المعارف الإسلامية)!!!! الذي هو اصلا مؤلف من قبل المستشرقين و المتعصبين على الاسلام و طبعاً والذي يستدل به الكذاب اللئيم (حرامي العلقة) القمص زكريا خنفس بطرس.......
الرد على الشبهة :
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اما بعد
وقفات على صيام من قبلنا
هذه بعض وقفات على صيام من قبلنا من اليهود والنصارى التي أخبرنا الله عنها في قوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } .
روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إذا سمعت الله يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فارع لها سمعك؛ فإنها خير تُؤمر به أو شر تنهى عنه"
وروي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال: "لذة (يا) في النداء تزيل تعب العبادة والعناء".
1- كان أهل الكتاب يصومون اليوم العاشر من شهر محرم الموافق لليوم العاشر من شهر أكتوبر (تشرين الثاني) فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجدهم يصومونه فسألهم عن ذلك، فقالوا: هذا يوم نجَّى الله فيه موسى وقومه من فرعون فنحن نصومه شكراً لله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه » وأمره يقتضي الوجوب فكان صيام عاشوراء واجباً حتى نُسخ بنزول آية البقرة الموجبة لصيام شهر رمضان فصار صيامه سنةً ندب إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّتَه قبل موته بأيام حيث قال: « إذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صمنا اليوم التاسع » فلم يأت العام المقبل حتى توفي صلى الله عليه وسلم .
2- وكان اليهود يصومون يومي الخميس والإثنين؛ اعتقاداً منهم بأنَّ موسى عليه السلام صعد جبل سيناء يوم الخميس ونزل منه يوم الإثنين، فنحن وإن وافقناهم في صيام هذين اليومين فقد خالفناهم بالسبب والعلة أما السبب فتشريع صيامهما من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأما العلة فقد ذكرت في الحديث « فهما يومان تُفتح فيهما أبواب السماء وتعرض الأعمال على الرب » فنحب أن تعرض عليه أعمالنا ونحن صيام، ثم إنَّ قول اليهود إنَّ موسى صعد الجبل ونزل دعوى باطلة بدليل قوله تعالى : { فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى } والوادي غير الجبل، ثم كيف يأمره الله بصعود الجبل وهو يعلم سبحانه أنه سيندكّ ، قال تعالى : { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } .
3- وكان أهل الكتاب يبحثون عن أفضل يوم من أيام الأسبوع ليتفرغوا فيه للعبادة فلم يهتدوا إليه وبعد جهد جهيد اتخذ اليهود يوم السبت معللين ذلك بأن الله استراح فيه - تعالى الله عن ذلك - بعد خلق السموات والأرض، واتخذت النصارى يوم الأحد، وقد هدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى ذلك اليوم وهو يوم الجمعة كما جاء في الحديث الصحيح: « أضل الله من كان قبلنا فكان لليهود السبت وللنصارى الأحد وهدانا الله ليوم الجمعة فنحن الآخرون الأولون يوم القيامة » وهذا اليوم (الجمعة) يوم خلق الله فيه آدم، وأسجد له الملائكة، وأهبطه إلى الأرض، وفيه ساعة لا يوافقها عبد قائم يدعو إلا غفر له، وفيه تقوم الساعة...
4- وكان أهل الكتاب يواصلون الصيام إلى منتصف الليل أو قريباً منه فلا يفطرون حتى تشتبك النجوم في السماء وربما واصلوا الليل مع النهار، فجاء شرعنا باليسر وذلك بالمبادرة والإسراع بالإفطار وتأخير السحور، والنهي عن الوصال ففي الحديث الصحيح « ما زال الناس بخير ما عجَّلوا الإفطار وأخروا السحور » و « فصل ما بيننا وبين أهل الكتاب أكلة السحر » .
5- كانوا يعتقدون أنَّ الشياطين تدخل في عصاة بني آدم ولا تخرج منهم إلا بالصوم، وهذا غير صحيح فإن الشياطين تتلبس بالإنس سواء كانوا عصاة أو مطيعين ولا يمكن أن يقصر دخول الجن بالإنس على المعصية فضلاً أن يخرج بالطاعة، وإنما يضيق الشيطان بالطاعة ويتمادى ويفرح بالمعصية، والصيام من أعظم الطاعات التي يضيّق بها عليه، قال صلى الله عليه وسلم : « إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا عليه بالصيام » .
تحريف أهل الكتاب للصيام:
عندما فرض الله عليهم الصيام ثلاثين يوماً وصادف حراً شديداً تضايقوا منه فاجتمع علماؤهم ورؤساؤهم فجعلوه في فصل الربيع بين الشتاء والصيف وهذا هو النسيء الذي حرَّمه الله في القرآن ثم إنهم زادوا فيه عشرة أيام كفارة لضيقهم فصار الصيام عندهم أربعين يوماً، ثم إن ملكاً من ملوكهم اشتكى مرضاً نزل به فنذر لله إن برأ من وجعه أن يزيد في صومه أسبوعاً فبرأ فصار يصومها أي (47) يوماً، فلما توفي أمر الملك الذي جاء بعده بصيام ثلاثة أيام فصارت أيام الصيام (50) يوماً موزعة على أشهر السنة.
كيف يصوم اليهود والنصارى اليوم:
عند اليهود: نوعان من الصيام:
الأول: صوم إجباري (جماعي) أربعة أيام حسب الأحوال يحددها الرهبان والرؤساء:
- صيام يوم للتكفير عن الخطية العامة المعروف بـ: (يوم الغفران).
- يصام يوم قبل أن يدخل الجيش في حرب مع العدو.
- يصام يوم إذا مات الملك أو الرئيس.
- يصام يوم لتوقي كارثة متوقعة تحصل للناس.
والثاني: صوم اختياري (فردي) طلباً للتوبة حيناً وتجنباً للسوء والضرر حيناً آخر.
أما الصيام عند النصارى: فأيامه تختلف باختلاف الكنائس (الكاثولوكية - البروتستانتية - الأرثوثكسية) وباختلاف الأجيال والطبائع والبلاد.
يتفق النصارى في كل كنائسهم على صيام يوم واحد يسمونه (عيد المسيح) يصومونه قبل حلول (عيد الفصح) الذي يحتفلون به قبل نهاية السنة الميلادية لعيسى - عليه السلام كما يزعمون - بخمسة أيام - أي يوم 25 ديسمبر من كل عام - وهو عندهم أهم من عيد الميلاد نفسه.
وتختلف هذه الكنائس بصيام أيام أخرى كصوم يوم واحد لكل عيد من أعيادهم: كعيد الصليب والرسل والعذراء والفِطاس والأربعين يوماً حولت عند بعضهم إلى أربعين ساعة فقط.
عن أي شيء يمتنعون أثناء صيامهم؟
يمتنعون عن الأكل والشرب والجماع من منتصف الليل حتى الظهر هذا للشيوخ المسنين والضعفاء أما القادرون فيلزمهم الإمساك إلى قبل غروب الشمس بساعة واحدة، وهذا الامتناع إنما يكون فقط عن أكل اللحم وما ينتج من الحيوان مما لونه أبيض كبياض البيض والزبدة واللبن وما عدا ذلك يجوز طبخه وأكله بشرط ألا يطبخ إلا بزيت نباتي.
وفي صوم يوم الميلاد: يجوز فيه أكل السمك وأنواع الفاكهة لا غير.
ومن الملاحظ في الصيام عند المتدينين من اليهود والنصارى في العصور المتأخرة شدة الاختلاف والنزاع بينهم فاليهود يحرمون صوم يوم الأحد ويفضلون صوم يوم السبت والنصارى بخلافهم يفضلون صوم يوم الأحد ويحرمون صوم يوم السبت كما كان اليهود في السابق يصومون يومي الإثنين والخميس فخالفهم النصارى ونقلوا صيام هذين اليومين إلى يومي الأربعاء والجمعة، وما كان هذا النزاع ليقع بينهم لو لم يتبعوا الهوى ويحرفوا الكلم عن مواضعه وصدق الله العظيم: { وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } وقال: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ } .
وكلمة (لعل) في آية البقرة { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } بمعنى لام التعليل، أي فرض عليكم صيام رمضان لتتقوا الله فيما أمركم به أو نهاكم عنه ومن ذلك أحكام الصيام.
أو هي تفيد الترجي والتوقع وذلك بالنسبة للعبد أما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك كله والمعنى: كتب الله عليكم الصيام كما كتبه على من سبقكم رجاء أن تتقوا ربكم فتعبدونه بما شرع لكم.
والتقوى هي أن يجعل العبد بينه وبين ما يكره وقاية وحاجز، وقد قربها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتمثيل حسي فذات يوم دخل هو وعبدالله بن مسعود في مخاضة (وحل) من الأرض فشمر عن ثوبه واعتمد على إحدى رجليه ورفع الأخرى وقال: التقوى هكذا فاحذر أن يدفعك أحد فتنزلق.
فظهر أن التقوى في الآية دوام مراقبة الله بالبعد عن معاصيه والعمل بما يرضيه واجتناب تحريفات اليهود وتأويلات النصارى ومن والاهم في أحكام الصيام وغيرها.
اللهم ثبتنا على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، آمين.
بيان أن كل من اتبع نبياً فهو على حق
والصابئون علم على أمة ورد ذكرها في القرآن، كما في قوله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية هذه الأصناف الأربعة: الأول: المؤمنون، وهم كل من آمن بالرسل، ولكن يختصون كثيراً بمن اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم، الثاني: الذين هادوا، ولم يقل: اليهود؛ وذلك لأن الذين هادوا هم الذين قالوا: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف:156] فهم الآيبون التائبون العائدون إلى الله؛ لأن (هدنا) بمعنى: تبنا أو عدنا؛ فإن أصول اللغة العربية والعبرية متقاربة، وهذه الكلمة مما هو مشترك بين اللغتين، فالله عز وجل أراد هنا الآيبين إلى الله، لا اليهود كلهم.
الثالث: النصارى، وهم الذين اتبعوا عيسى عليه السلام، الرابع: الصابئون.
وإذا نظرنا إلى ظاهر الآية -بغض النظر عن اختلاف العلماء في تفسيرها- فهمنا أن كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فإن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجره ولا يحبط عمله، فله أجره عند ربه، ولا خوف عليه ولا هو يحزن، وله العاقبة الحسنى، وعمله مقبول ما دام مؤمناً بالله واليوم الآخر، عاملاً بالصالحات، سواء كان من الذين آمنوا أو من الذين هادوا أو من النصارى أو من الصابئين ، وبناءً على هذا: فإن كل من آمن بنبي من الأنبياء، واتبع شرعه ودينه الذي جاء به؛ فإن الله تعالى لا يضيع عمله، سواء اتبع موسى وهم الذين هادوا، أو اتبع عيسى وهم النصارى، أو اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم وهم الذين آمنوا.
إذاً: من اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم مؤمناً بالله واليوم الآخر، عاملاً للصالحات، فله أجره عند ربه ولا خوف عليه ولا هو يحزن، وهكذا من اتبع موسى وكذلك عيسى عليهما السلام.
والذي يترجح من هذا ويظهر أن الصابئين هم من اتبع نبياً من الأنبياء، وعبد الله على شريعته، ولقي الله مؤمناً به غير مشرك، عاملاً بالأعمال الصالحة.
وقد اختلف السلف والمفسرون رحمهم الله في معنى الصابئين، ولعل مرجع الاختلاف هو أنهم نظروا إلى أن الصابئين عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم كانت تطلق على كل من فارق دينه إلى دين آخر، لكن لو نظرنا إلى الصابئين بغض النظر عن هذا، فإن كل نبي اتبعه قوم مؤمنون فإنهم مقبولون عند الله.
والذي يترجح أن الصابئين هم مَنْ عبد الله على دين إبراهيم عليه السلام، وقد قال بعض السلف : إنهم قوم من أهل الكتاب يقرءون الزبور، والزبور إنما أنزله الله عز وجل على داود، قال تعالى: وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا [النساء:163]، لكن الراجح أنهم من آمن بصحف إبراهيم عليه السلام؛ لأن داود عليه السلام كان من قوم موسى، من بني إسرائيل، ومن أتباع شريعة التوراة.
الصابئون عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم
إذاً: سبب الخلاف هو أنهم نظروا إلى الصابئين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقبل مبعثه أيضاً، فإن الصابئين -من الناحية الجغرافية التاريخية- قوم يسكنون في بلاد الشام في جهة حران شمال العراق ، ولذلك يقال لهم: الحرانيون، أو الحرنانيون.
ففي ذلك الوقت عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى عند مبعث موسى وعيسى عليهما السلام، وإلى اليوم يوجد منهم بقايا وهم كفار مشركون، كما أن اليهود والنصارى كفار مشركون.
لكن المقصود من الآية: أن كل من آمن بنبي واتبعه فهو مقبول عند الله، أما من ابتدع وانحرف ووقع في الشرك من أتباع أي نبي كان؛ فهو كافر مشرك. فرسالة إبراهيم عليه السلام -مثلاً- من آمن بها واتبعها فهو مؤمن، أما بعد أن بعث الله تعالى موسى في بني إسرائيل، فيجب على كل أحدٍ من بني إسرائيل أن يؤمن بموسى، وأن يتبع دينه، وبعد أن أرسل الله تعالى في بني إسرائيل عيسى عليه السلام، وجب على كل إسرائيلي أن يؤمن به، وبعد أن بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم، وجب على كل من بلغ من البشر أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم. ولو أن رجلاً آمن بعيسى عليه السلام على التوحيد الذي جاء به، ثم أدرك دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فآمن بها، كان له أجره مرتين، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى لا يضيع أجر من اتبع نبياً وبقي على التوحيد الذي جاء به نبيه، فإذا بُعِث بعده نبي ناسخ لشرعه، وجب اتباع شريعة ذلك النبي الناسخ.
الصابئة هم عبدة الكواكب وأرباب السحر
إذاً: الصابئون أمة موجودة في جهة حران ، ويعبدون الهياكل وهي الكواكب، وعلمهم التنجيم، وهذا مما يرجح أنهم قوم إبراهيم عليه السلام؛ لأن إبراهيم عليه السلام في مناظرته لهم -كما في سورة الأنعام- يتبين أنهم كانوا يعبدون الكواكب، قال تعالى: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام:76] إلى آخر الآيات.. فهم قوم يعبدون الكواكب، ويسمون عبدة الكواكب، أو الهياكل، فقد بنوا هياكل للمشتري والمريخ والزهرة وعطارد وعبدوها من دون الله.
ثم أخذوا يتعلمون التنجيم، وبقوا على ذلك في الإسلام، وهم معروفون في التاريخ الإسلامي، ومنهم الأديب أبو هلال الصابئ ، وقد كان موجوداً أيام الدولة العباسية، ومن أشهر من ذكر منهم في التاريخ الإسلامي أبو معشر المنجم -وهو من المشهورين بالتنجيم- وهو الذي ورَّث هو وأصحابه علم التنجيم، وضرب الرمل، والتعلق بالهياكل وبعبادتها -ورثوا ذلك لمن أخذه عنهم من ضلال الصوفية وأمثالهم، ولهذا نجد أن كتب التصوف التي اعتنت بالسحر والشعوذة والدجل ينتهي سندها إلى الصابئين ، كما فعل البوني صاحب شمس المعارف ، وأمثاله، ثم إنهم ينسبون علومهم تلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى آل البيت، وحاشاهم من ذلك! وإنما هي في الحقيقة من علوم الصابئين الذين مزجوا بين التفلسف وبين عبادة الأصنام والهياكل وبين التنجيم.
الصابئة عند الشهرستاني هم الروحانيون
ومن أكثر من تحدث عن الصابئين وأطال الحديث فيهم الشهرستاني في كتابه الملل والنحل ، وقد عقد مناظرة بين الصابئين وبين الحنفاء، وعلى مذهبه فـالصابئون هم الرَّوحانيون أو الرُّوحانيون -يجوز الأمران كما قال الشهرستاني - وهم عبدة الهياكل، وهم الذين لا يؤمنون بالأنبياء ولا بالماديات، وإنما هم روحانيون يتعلقون بالروحانيات.
فمن أسباب كفرهم -عياذاً بالله- وتكذيبهم للأنبياء: أن الأنبياء بشر ماديون، وهم لا يعترفون إلا بالعوالم الروحانية، فيبنون الهياكل الدنيوية للعوالم الروحانية بزعمهم! ولهذا فإنهم قد يعبدون الملائكة، وقد يطلق عليهم عبَّاد الملائكة.
وقد ذكر ذلك بعض السلف ، كما في تفسير الإمام الطبري أو ابن كثير ، فمن السلف من قال: هم قوم يعبدون الملائكة، ومنهم من قال: هم من أهل الكتاب، ومنهم من قال: هم قوم لا يدينون بدين، فليسوا من المجوس ، ولا من اليهود، ولا من النصارى، وإنما هم على فطرتهم، يقولون: لا إله إلاَّ الله، ويقرون بالله عز وجل، ويوحدونه، ولا يتبعون أي دين، وهذا القول هو الذي رجحه الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى، ورجح بعض السلف أنهم من المجوس أقرب.
ولا خلاف في الحقيقة بين من قال: إنهم أقرب إلى المجوس ، أو أقرب إلى أهل الكتاب، أو عبدة الملائكة، أو الكواكب، فكل هذا قد وقع بعد انحرافهم، ومن قال: إنهم مؤمنون وليسوا يهوداً ولا نصارى، ولا مجوساً ، فيعني: ما كانوا عليه قبل ذلك، فقد كانوا على دين إبراهيم عليه السلام.
والمعنى الآخر الذي قد يفهم من كلام ابن كثير رحمه الله وغيره: أن هؤلاء قد يكونون أشبه بأهل الفترة، فما عرفوا الله، ولا عرفوا رسولاً، ولا عرفوا شريعة، لكنهم مؤمنون بفطرتهم وعقولهم بأن لهذا الكون إلهاً واحداً، وأنه وحده مستحق للعبادة، لكن ليس لهم دين يدينون به.
وحالهم في هذا يختلف عن حال الصابئين الموجودين فعلاً، حتى الذين كانوا موجودين في عهد الشهرستاني ، فإنهم كانوا يعبدون الكواكب ويشتغلون بالتنجيم، وقد اشتهر عنهم نفيهم للصفات، وعنهم تلقى بعض نفاة الصفات مذهبهم.
الصابئون في التاريخ الأوروبي
وهذا الاتجاه وهو: الإيمان بإله من غير اتباع دين، هو اتجاه عالمي موجود في الأديان القديمة وفي العصر الحديث، والآن يوجد لهذا الاتجاه أتباع في أوروبا ، وقد كثر أتباعه في القرن الثامن عشر بعد أن ظهرت الكشوفات العلمية -وخاصة نظرية نيوتن - فمن خلال ما عرفوه عن الأرض وعن المجموعة الشمسية، وعن الجاذبية؛ تبين لهم كذب وتناقض ما في أناجيلهم، فكفروا بـالنصرانية ، ولم يدخلوا في اليهودية ؛ وذلك لأنهما شيء واحد، فإن النصرانية تؤمن بالتوراة، وكذلك فإن اليهودية لن تقبلهم، ولم يسلموا، فقد منعهم من ذلك الكبر، ومنعتهم دعاية البابوات التي غطوا بها أوروبا طوال قرون كثيرة، وهي أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- كذاب ودجال ومفترٍ، فوصفوه بأقبح ما يمكن من الصفات، وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك! وأن المسلمين أحط أمة، وأنهم وثنيون ومشركون... إلخ، فرأوا أن يتدينوا بهذا الدين، وهم مشهورون جداً، ومعروفون في التاريخ الأوروبي.
ويسمون بـالمؤلهين ، أي: الذين يؤمنون بإله، لكن ليسوا على دين النصارى، وبعضهم يترجمها فيقول: الربوبيون ، أي: الذين يؤمنون بتوحيد الربوبية، فيؤمنون بالرب لكن لا يتدينون بالدين الذي جاء به، وهذا المذهب اسمه في لغتهم (الدايزم )، أي: الإيمان بإله مع إنكار الشرائع، أو مع إنكار الوحي والرسالات.
ومن أمثلتهم: جان جاك روسو ، العالم الشهير في علم التربية والسياسة والاقتصاد، وغيرها من العلوم.
ومنهم: الأديب والشاعر الفرنسي فولتير ، ومنهم: الكاتب الفرنسي المشهور ديدرو ، صاحب الموسوعة ، وهي أول موسوعة علمية حديثة عرفها الغرب، وأمثالهم. يقول هؤلاء: إن الإله الذي تؤمن به الكنيسة لا وجود له، فلا يمكن أن نصدق أن الثلاثة واحد، والواحد ثلاثة، وأن هذا الواحد نزل إلى الأرض فقتل وصلب! وأيضاً لا يمكن أن نصدق أن هذا الكون جاء من غير إله. قالوا: إذاً نؤمن بإله الطبيعة، ولهذا اعتزل روسو في مقاطعة سافوي ، وكتب كتاب راهب سافوي ، ويعني به: أنا راهب الطبيعة، لست منعزلاً في صومعة كرهبان النصارى، بل منعزل في أحضان الطبيعة، ويعبد هذا الرب الذي يقول عنه: نؤمن به ولم يكلفنا بأي التزامات، بل تركنا نعبده ونخطط كما نريد، ولهذا قال: نضع بديلاً عن الدين وعن الشريعة شريعة يصطلح عليها البشر، فوضع مبدأ العقد الاجتماعي، وألف كتابه : العقد الاجتماعي . ولهذا فإن نظريات الحكم الحديثة، ونظريات الاقتصاد والتربية، تعتمد على هذه النظرية أو تذكرها -على الأقل- كتاريخ، وهي نظرية العقد الاجتماعي.
إذاً: هؤلاء ممن يمكن أن نسميهم بهذا المفهوم الصابئين ؛ وذلك لأنهم تركوا ما عليه أقوامهم من الدين، ولم يتبعوا أي شرع.
وقريش عندما كانت تسمي محمداً صلى الله عليه وسلم الصابئ، وكانت تسمي أتباعه الصُباة، كانت تعني بذلك هذا المعنى، أي: الذين خالفوا ما عليه الناس من دين.
طائفة السيخ أصلها فرقة صابئة
وهناك دين في الهند أصله ناشئ عن هذه الفكرة الصابئة، وهي الاعتراف بإله واحد يعبد دون الالتزام بشرع من الشرائع، هذا الدين هو دين السيخ ، أو السيك ، فإن أصل هذا الدين: أن رجلاً من الهندوس -وهم عبدة الأبقار- اسمه: نانك ، هذا الرجل كان هندوسياً، ثم أخذ يفكر فوجد أن هذا الدين باطل؛ إذ كيف يكون البراهمة خلقوا من رأس الرب، والكاشتر خلقوا من ذراع الرب، والويش خلقوا من فخذ الرب، والشودر خلقوا من قدم الرب؟! أربع طبقات متمايزة، وكيف تكون البقرة إلهاً؟! أمور لا يقبلها العقل!!
فكَّر في هذا فوجد أن هذه وثنية لا تليق، وقال: لابد أن يكون لهذا الكون إله حق يعبد، فقال له بعض الهندوس : إنك كافر بدين الهندوس ، وكلامك قريب من كلام المسلمين.
فبدأ يبحث حتى جاء إلى بلاد الإسلام، وقيل: إنه ذهب إلى كربلاء ، وقيل: إنه وصل إلى مكة أيضاً، وأخذ يطوف في الهند وباكستان وهو يبحث عن الدين الإسلامي.
ومع ذلك لم يعتنق الإسلام؛ وذلك لأنه خرج من دين الهندوس الذين يعبدون البقر، فوجد المسلمين يعبدون الأصنام وهي القبور.. فسأل: لماذا تفعلون هذا؟ فقالوا: نحن لا نعبدها؛ لأننا مسلمون، إنما هي واسطة بيننا وبين الله. فقال: كذلك الهندوس يقولون: هناك واسطة بين الإله وبين العباد، ثم سمع بمذهب الشيعة فذهب إلى كربلاء ، فإذا الشرك الأكبر!! ثم وجد شيخاً من مشايخ الطرق الصوفية اسمه: سيد حسين درويش ، فقال له: عندي الدين الصحيح، وهو وحدة الوجود، فعلمه هذا المذهب القائل: إن الله هو الكون والكون هو الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً!
فقال هذا الرجل: نحن هربنا من عبادة اثنين وثلاثة وأربعة... في الهند والآن نعبد كل شيء! فلم يهتد إلى شيء، وفي الأخير قال: لقد عرفت الدين الصحيح، فوضع ديناً جديداً، ودعا أتباعه إليه، ويقوم هذا الدين على أن المعبود إله واحد لا شريك له، وليس مثل البشر، ولا يتمثل بالبشر، وليس هو أصنام ولا بقر... ثم أخذ يفصل لهم الشرائع، فأخذ بعض ما عند المسلمين، وبعض ما عند الهندوس ، وبعض ما عند اليهود، وكتب من ذلك كتاباً يسيرون عليه، وبقي أتباعه أشبه بالفرقة الصوفية ؛ لأن هناك تقارباً بينهم وبين القائلين بوحدة الوجود، وإن كانوا لم يقولوا بهذا القول كما هو، لكنها أصبحت كأنها فرقة من الفرق.
ثم جاء الإنجليز المجرمون، الذين هم أجرم أمة في التاريخ قبل الأمريكان في السياسة والتخطيط، فعرفوا كيف يدمرون جميع الشعوب بالتفرق، فلما جاءوا إلى الهند أوجدوا القاديانية ، والعليكرية ، نسبة إلى جامعة عليكرة، وهي طائفة تتبع السير أحمد خان ، وفرقوا بين الهندوس والمسلمين، وفرقوا بين طبقات الهندوس ، وفرقوا بين المسلمين مع بعضهم، فوجدوا هذه الفرقة -السيخ - فتبنوها وأيدوها، وقد كانوا يعيشون في مناطق جبلية وعرة، فجاء أحد خلفائهم وقال: لابد أن نترك اسم الراهب -وهو الاسم الذي كانوا يتسمون به- ونتسمى بـ(سنق) وهو الأسد، فنحن الآن أسود، فحولهم إلى جماعة محاربة، فأقلقت الدول إلى اليوم، فأصبحوا من أشد الناس عتواً وحرباً وجلاداً.
الشاهد: أن أصل دينهم هو نانك الصابئ الذي قال: أؤمن بإله واحد، ولا أتقيد بأي شريعة، بل أضع ديناً يخالف جميع الأديان، فوضع لهم ما أراد من الشرائع.
مما سبق نستطيع أن نقول: إن هؤلاء الذين خالفوا أديان الناس، وتعبَّدوا الإله بلا دين وبلا شرع معين، هم من الصابئين .
التعريف العام للصابئة
وبهذا التعريف العام لكلمة (صابئ)، يدخل تحتها كل من كان كذلك، ويدخل تحتها أصحاب الفترات، وأصحاب الجزر النائية، أو المناطق البعيدة، ممن قد يؤمن بالله أو بإله واحد لكن لا يعبده بشيء.
ثم بعد ذلك منهم من يكون على الحق ومنهم من يكون على الباطل، فعلى التعريف الأول: من كان ملتزماً بما في صحف إبراهيم عليه السلام متبعاً لها، فهو مؤمن وعلى الحق، ومن وقع في الشرك -كما هو حال الصابئة اليوم ومنذ عصور طويلة- فهو مشرك وإن انتسب إليها وسمى نفسه صابئاً.
إنكار الصابئة لعلم الله بالجزئيات
وقول الصابئة في مسألة علم الله كقول الفلاسفة ، فإنهم بحكم تعلمهم للحكمة -كما تسمى- أو الفلسفة، واطلاعهم على كتب التنجيم والسحر وكتب الفلك، اطلعوا على كتب اليونان والرومان، وبعضهم من أصول يونانية ورومانية أيضاً؛ فاختلطت وامتزجت هذه العلوم لديهم، فأصبح كلامهم فيه كثير من كلام فلاسفة اليونان .
فمما اتفقت فيه عقيدتهم مسألة إنكار علم الله تعالى بالجزئيات، وإثبات علمه بالكليات فقط، وعلى هذا الفلاسفة .-
هجمة جديدة من الاوغاد النصارى حول الشهر الكريم الذي انزل فيه القرآن شهر رمضان.........
حيث يقولون ان صيام شهر رمضان عادة وثنية من قبل الاسلام........
و يستدلون بهذا من القرآن بهذه الاية((كتب عليكم الصيام كما كتب على اللذين من قبلكم....))
ماذا نقول لهؤلاء الاوغاد المدلسين المدنسين لديننا الحبيب, لشهرنا الكريم...؟؟؟
ويستدلون ان ايضا ان (الصابئين) الذين ذكروا في القرآن انهم كانو يعبدون النجوم و الكواكب و كانت لهم ما يأتي:
- وللصابئين عبادات، منها سبع صلوات، منهن خمس توافق صلوات المسلمين
- وصلاتهم كصلاة المسلمين من النية.
- ولهم الصلاة على الميت بلا ركوع ولا سجود.
- ويصومون ثلاثين يوماً وإن نقص الشهر الهلالي صاموا تسعاً وعشرين يوماً.
- وكانوا يراعون في صومهم الفطر والهلال.
- ويصومون من ربع الليل الأخير إِلى غروب قرص الشمس.
- ويعظمون بيت مكة"
و يستدلون ايضا بما يسمى (دائرة المعارف الإسلامية)!!!! الذي هو اصلا مؤلف من قبل المستشرقين و المتعصبين على الاسلام و طبعاً والذي يستدل به الكذاب اللئيم (حرامي العلقة) القمص زكريا خنفس بطرس.......
الرد على الشبهة :
ان الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادى له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اما بعد
وقفات على صيام من قبلنا
هذه بعض وقفات على صيام من قبلنا من اليهود والنصارى التي أخبرنا الله عنها في قوله { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } .
روي عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إذا سمعت الله يقول: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فارع لها سمعك؛ فإنها خير تُؤمر به أو شر تنهى عنه"
وروي عن جعفر الصادق رضي الله عنه أنه قال: "لذة (يا) في النداء تزيل تعب العبادة والعناء".
1- كان أهل الكتاب يصومون اليوم العاشر من شهر محرم الموافق لليوم العاشر من شهر أكتوبر (تشرين الثاني) فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة وجدهم يصومونه فسألهم عن ذلك، فقالوا: هذا يوم نجَّى الله فيه موسى وقومه من فرعون فنحن نصومه شكراً لله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : « نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه » وأمره يقتضي الوجوب فكان صيام عاشوراء واجباً حتى نُسخ بنزول آية البقرة الموجبة لصيام شهر رمضان فصار صيامه سنةً ندب إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أمَّتَه قبل موته بأيام حيث قال: « إذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صمنا اليوم التاسع » فلم يأت العام المقبل حتى توفي صلى الله عليه وسلم .
2- وكان اليهود يصومون يومي الخميس والإثنين؛ اعتقاداً منهم بأنَّ موسى عليه السلام صعد جبل سيناء يوم الخميس ونزل منه يوم الإثنين، فنحن وإن وافقناهم في صيام هذين اليومين فقد خالفناهم بالسبب والعلة أما السبب فتشريع صيامهما من نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وأما العلة فقد ذكرت في الحديث « فهما يومان تُفتح فيهما أبواب السماء وتعرض الأعمال على الرب » فنحب أن تعرض عليه أعمالنا ونحن صيام، ثم إنَّ قول اليهود إنَّ موسى صعد الجبل ونزل دعوى باطلة بدليل قوله تعالى : { فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى } والوادي غير الجبل، ثم كيف يأمره الله بصعود الجبل وهو يعلم سبحانه أنه سيندكّ ، قال تعالى : { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنْ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنْ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ } .
3- وكان أهل الكتاب يبحثون عن أفضل يوم من أيام الأسبوع ليتفرغوا فيه للعبادة فلم يهتدوا إليه وبعد جهد جهيد اتخذ اليهود يوم السبت معللين ذلك بأن الله استراح فيه - تعالى الله عن ذلك - بعد خلق السموات والأرض، واتخذت النصارى يوم الأحد، وقد هدى الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى ذلك اليوم وهو يوم الجمعة كما جاء في الحديث الصحيح: « أضل الله من كان قبلنا فكان لليهود السبت وللنصارى الأحد وهدانا الله ليوم الجمعة فنحن الآخرون الأولون يوم القيامة » وهذا اليوم (الجمعة) يوم خلق الله فيه آدم، وأسجد له الملائكة، وأهبطه إلى الأرض، وفيه ساعة لا يوافقها عبد قائم يدعو إلا غفر له، وفيه تقوم الساعة...
4- وكان أهل الكتاب يواصلون الصيام إلى منتصف الليل أو قريباً منه فلا يفطرون حتى تشتبك النجوم في السماء وربما واصلوا الليل مع النهار، فجاء شرعنا باليسر وذلك بالمبادرة والإسراع بالإفطار وتأخير السحور، والنهي عن الوصال ففي الحديث الصحيح « ما زال الناس بخير ما عجَّلوا الإفطار وأخروا السحور » و « فصل ما بيننا وبين أهل الكتاب أكلة السحر » .
5- كانوا يعتقدون أنَّ الشياطين تدخل في عصاة بني آدم ولا تخرج منهم إلا بالصوم، وهذا غير صحيح فإن الشياطين تتلبس بالإنس سواء كانوا عصاة أو مطيعين ولا يمكن أن يقصر دخول الجن بالإنس على المعصية فضلاً أن يخرج بالطاعة، وإنما يضيق الشيطان بالطاعة ويتمادى ويفرح بالمعصية، والصيام من أعظم الطاعات التي يضيّق بها عليه، قال صلى الله عليه وسلم : « إنَّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا عليه بالصيام » .
تحريف أهل الكتاب للصيام:
عندما فرض الله عليهم الصيام ثلاثين يوماً وصادف حراً شديداً تضايقوا منه فاجتمع علماؤهم ورؤساؤهم فجعلوه في فصل الربيع بين الشتاء والصيف وهذا هو النسيء الذي حرَّمه الله في القرآن ثم إنهم زادوا فيه عشرة أيام كفارة لضيقهم فصار الصيام عندهم أربعين يوماً، ثم إن ملكاً من ملوكهم اشتكى مرضاً نزل به فنذر لله إن برأ من وجعه أن يزيد في صومه أسبوعاً فبرأ فصار يصومها أي (47) يوماً، فلما توفي أمر الملك الذي جاء بعده بصيام ثلاثة أيام فصارت أيام الصيام (50) يوماً موزعة على أشهر السنة.
كيف يصوم اليهود والنصارى اليوم:
عند اليهود: نوعان من الصيام:
الأول: صوم إجباري (جماعي) أربعة أيام حسب الأحوال يحددها الرهبان والرؤساء:
- صيام يوم للتكفير عن الخطية العامة المعروف بـ: (يوم الغفران).
- يصام يوم قبل أن يدخل الجيش في حرب مع العدو.
- يصام يوم إذا مات الملك أو الرئيس.
- يصام يوم لتوقي كارثة متوقعة تحصل للناس.
والثاني: صوم اختياري (فردي) طلباً للتوبة حيناً وتجنباً للسوء والضرر حيناً آخر.
أما الصيام عند النصارى: فأيامه تختلف باختلاف الكنائس (الكاثولوكية - البروتستانتية - الأرثوثكسية) وباختلاف الأجيال والطبائع والبلاد.
يتفق النصارى في كل كنائسهم على صيام يوم واحد يسمونه (عيد المسيح) يصومونه قبل حلول (عيد الفصح) الذي يحتفلون به قبل نهاية السنة الميلادية لعيسى - عليه السلام كما يزعمون - بخمسة أيام - أي يوم 25 ديسمبر من كل عام - وهو عندهم أهم من عيد الميلاد نفسه.
وتختلف هذه الكنائس بصيام أيام أخرى كصوم يوم واحد لكل عيد من أعيادهم: كعيد الصليب والرسل والعذراء والفِطاس والأربعين يوماً حولت عند بعضهم إلى أربعين ساعة فقط.
عن أي شيء يمتنعون أثناء صيامهم؟
يمتنعون عن الأكل والشرب والجماع من منتصف الليل حتى الظهر هذا للشيوخ المسنين والضعفاء أما القادرون فيلزمهم الإمساك إلى قبل غروب الشمس بساعة واحدة، وهذا الامتناع إنما يكون فقط عن أكل اللحم وما ينتج من الحيوان مما لونه أبيض كبياض البيض والزبدة واللبن وما عدا ذلك يجوز طبخه وأكله بشرط ألا يطبخ إلا بزيت نباتي.
وفي صوم يوم الميلاد: يجوز فيه أكل السمك وأنواع الفاكهة لا غير.
ومن الملاحظ في الصيام عند المتدينين من اليهود والنصارى في العصور المتأخرة شدة الاختلاف والنزاع بينهم فاليهود يحرمون صوم يوم الأحد ويفضلون صوم يوم السبت والنصارى بخلافهم يفضلون صوم يوم الأحد ويحرمون صوم يوم السبت كما كان اليهود في السابق يصومون يومي الإثنين والخميس فخالفهم النصارى ونقلوا صيام هذين اليومين إلى يومي الأربعاء والجمعة، وما كان هذا النزاع ليقع بينهم لو لم يتبعوا الهوى ويحرفوا الكلم عن مواضعه وصدق الله العظيم: { وَقَالَتْ الْيَهُودُ لَيْسَتْ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتْ النَّصَارَى لَيْسَتْ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ فَاللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } وقال: { وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ } .
وكلمة (لعل) في آية البقرة { لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } بمعنى لام التعليل، أي فرض عليكم صيام رمضان لتتقوا الله فيما أمركم به أو نهاكم عنه ومن ذلك أحكام الصيام.
أو هي تفيد الترجي والتوقع وذلك بالنسبة للعبد أما الله سبحانه فهو منزه عن ذلك كله والمعنى: كتب الله عليكم الصيام كما كتبه على من سبقكم رجاء أن تتقوا ربكم فتعبدونه بما شرع لكم.
والتقوى هي أن يجعل العبد بينه وبين ما يكره وقاية وحاجز، وقد قربها عمر بن الخطاب رضي الله عنه بتمثيل حسي فذات يوم دخل هو وعبدالله بن مسعود في مخاضة (وحل) من الأرض فشمر عن ثوبه واعتمد على إحدى رجليه ورفع الأخرى وقال: التقوى هكذا فاحذر أن يدفعك أحد فتنزلق.
فظهر أن التقوى في الآية دوام مراقبة الله بالبعد عن معاصيه والعمل بما يرضيه واجتناب تحريفات اليهود وتأويلات النصارى ومن والاهم في أحكام الصيام وغيرها.
اللهم ثبتنا على القول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، آمين.
بيان أن كل من اتبع نبياً فهو على حق
والصابئون علم على أمة ورد ذكرها في القرآن، كما في قوله تبارك وتعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [البقرة:62]، فقد ذكر الله سبحانه وتعالى في هذه الآية هذه الأصناف الأربعة: الأول: المؤمنون، وهم كل من آمن بالرسل، ولكن يختصون كثيراً بمن اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم، الثاني: الذين هادوا، ولم يقل: اليهود؛ وذلك لأن الذين هادوا هم الذين قالوا: إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ [الأعراف:156] فهم الآيبون التائبون العائدون إلى الله؛ لأن (هدنا) بمعنى: تبنا أو عدنا؛ فإن أصول اللغة العربية والعبرية متقاربة، وهذه الكلمة مما هو مشترك بين اللغتين، فالله عز وجل أراد هنا الآيبين إلى الله، لا اليهود كلهم.
الثالث: النصارى، وهم الذين اتبعوا عيسى عليه السلام، الرابع: الصابئون.
وإذا نظرنا إلى ظاهر الآية -بغض النظر عن اختلاف العلماء في تفسيرها- فهمنا أن كل من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فإن الله سبحانه وتعالى لا يضيع أجره ولا يحبط عمله، فله أجره عند ربه، ولا خوف عليه ولا هو يحزن، وله العاقبة الحسنى، وعمله مقبول ما دام مؤمناً بالله واليوم الآخر، عاملاً بالصالحات، سواء كان من الذين آمنوا أو من الذين هادوا أو من النصارى أو من الصابئين ، وبناءً على هذا: فإن كل من آمن بنبي من الأنبياء، واتبع شرعه ودينه الذي جاء به؛ فإن الله تعالى لا يضيع عمله، سواء اتبع موسى وهم الذين هادوا، أو اتبع عيسى وهم النصارى، أو اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم وهم الذين آمنوا.
إذاً: من اتبع محمداً صلى الله عليه وسلم مؤمناً بالله واليوم الآخر، عاملاً للصالحات، فله أجره عند ربه ولا خوف عليه ولا هو يحزن، وهكذا من اتبع موسى وكذلك عيسى عليهما السلام.
والذي يترجح من هذا ويظهر أن الصابئين هم من اتبع نبياً من الأنبياء، وعبد الله على شريعته، ولقي الله مؤمناً به غير مشرك، عاملاً بالأعمال الصالحة.
وقد اختلف السلف والمفسرون رحمهم الله في معنى الصابئين، ولعل مرجع الاختلاف هو أنهم نظروا إلى أن الصابئين عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم كانت تطلق على كل من فارق دينه إلى دين آخر، لكن لو نظرنا إلى الصابئين بغض النظر عن هذا، فإن كل نبي اتبعه قوم مؤمنون فإنهم مقبولون عند الله.
والذي يترجح أن الصابئين هم مَنْ عبد الله على دين إبراهيم عليه السلام، وقد قال بعض السلف : إنهم قوم من أهل الكتاب يقرءون الزبور، والزبور إنما أنزله الله عز وجل على داود، قال تعالى: وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا [النساء:163]، لكن الراجح أنهم من آمن بصحف إبراهيم عليه السلام؛ لأن داود عليه السلام كان من قوم موسى، من بني إسرائيل، ومن أتباع شريعة التوراة.
الصابئون عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم
إذاً: سبب الخلاف هو أنهم نظروا إلى الصابئين في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقبل مبعثه أيضاً، فإن الصابئين -من الناحية الجغرافية التاريخية- قوم يسكنون في بلاد الشام في جهة حران شمال العراق ، ولذلك يقال لهم: الحرانيون، أو الحرنانيون.
ففي ذلك الوقت عند مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وحتى عند مبعث موسى وعيسى عليهما السلام، وإلى اليوم يوجد منهم بقايا وهم كفار مشركون، كما أن اليهود والنصارى كفار مشركون.
لكن المقصود من الآية: أن كل من آمن بنبي واتبعه فهو مقبول عند الله، أما من ابتدع وانحرف ووقع في الشرك من أتباع أي نبي كان؛ فهو كافر مشرك. فرسالة إبراهيم عليه السلام -مثلاً- من آمن بها واتبعها فهو مؤمن، أما بعد أن بعث الله تعالى موسى في بني إسرائيل، فيجب على كل أحدٍ من بني إسرائيل أن يؤمن بموسى، وأن يتبع دينه، وبعد أن أرسل الله تعالى في بني إسرائيل عيسى عليه السلام، وجب على كل إسرائيلي أن يؤمن به، وبعد أن بعث الله تعالى محمداً صلى الله عليه وسلم، وجب على كل من بلغ من البشر أن يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم. ولو أن رجلاً آمن بعيسى عليه السلام على التوحيد الذي جاء به، ثم أدرك دعوة النبي صلى الله عليه وسلم فآمن بها، كان له أجره مرتين، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن الله تعالى لا يضيع أجر من اتبع نبياً وبقي على التوحيد الذي جاء به نبيه، فإذا بُعِث بعده نبي ناسخ لشرعه، وجب اتباع شريعة ذلك النبي الناسخ.
الصابئة هم عبدة الكواكب وأرباب السحر
إذاً: الصابئون أمة موجودة في جهة حران ، ويعبدون الهياكل وهي الكواكب، وعلمهم التنجيم، وهذا مما يرجح أنهم قوم إبراهيم عليه السلام؛ لأن إبراهيم عليه السلام في مناظرته لهم -كما في سورة الأنعام- يتبين أنهم كانوا يعبدون الكواكب، قال تعالى: فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ [الأنعام:76] إلى آخر الآيات.. فهم قوم يعبدون الكواكب، ويسمون عبدة الكواكب، أو الهياكل، فقد بنوا هياكل للمشتري والمريخ والزهرة وعطارد وعبدوها من دون الله.
ثم أخذوا يتعلمون التنجيم، وبقوا على ذلك في الإسلام، وهم معروفون في التاريخ الإسلامي، ومنهم الأديب أبو هلال الصابئ ، وقد كان موجوداً أيام الدولة العباسية، ومن أشهر من ذكر منهم في التاريخ الإسلامي أبو معشر المنجم -وهو من المشهورين بالتنجيم- وهو الذي ورَّث هو وأصحابه علم التنجيم، وضرب الرمل، والتعلق بالهياكل وبعبادتها -ورثوا ذلك لمن أخذه عنهم من ضلال الصوفية وأمثالهم، ولهذا نجد أن كتب التصوف التي اعتنت بالسحر والشعوذة والدجل ينتهي سندها إلى الصابئين ، كما فعل البوني صاحب شمس المعارف ، وأمثاله، ثم إنهم ينسبون علومهم تلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإلى آل البيت، وحاشاهم من ذلك! وإنما هي في الحقيقة من علوم الصابئين الذين مزجوا بين التفلسف وبين عبادة الأصنام والهياكل وبين التنجيم.
الصابئة عند الشهرستاني هم الروحانيون
ومن أكثر من تحدث عن الصابئين وأطال الحديث فيهم الشهرستاني في كتابه الملل والنحل ، وقد عقد مناظرة بين الصابئين وبين الحنفاء، وعلى مذهبه فـالصابئون هم الرَّوحانيون أو الرُّوحانيون -يجوز الأمران كما قال الشهرستاني - وهم عبدة الهياكل، وهم الذين لا يؤمنون بالأنبياء ولا بالماديات، وإنما هم روحانيون يتعلقون بالروحانيات.
فمن أسباب كفرهم -عياذاً بالله- وتكذيبهم للأنبياء: أن الأنبياء بشر ماديون، وهم لا يعترفون إلا بالعوالم الروحانية، فيبنون الهياكل الدنيوية للعوالم الروحانية بزعمهم! ولهذا فإنهم قد يعبدون الملائكة، وقد يطلق عليهم عبَّاد الملائكة.
وقد ذكر ذلك بعض السلف ، كما في تفسير الإمام الطبري أو ابن كثير ، فمن السلف من قال: هم قوم يعبدون الملائكة، ومنهم من قال: هم من أهل الكتاب، ومنهم من قال: هم قوم لا يدينون بدين، فليسوا من المجوس ، ولا من اليهود، ولا من النصارى، وإنما هم على فطرتهم، يقولون: لا إله إلاَّ الله، ويقرون بالله عز وجل، ويوحدونه، ولا يتبعون أي دين، وهذا القول هو الذي رجحه الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى، ورجح بعض السلف أنهم من المجوس أقرب.
ولا خلاف في الحقيقة بين من قال: إنهم أقرب إلى المجوس ، أو أقرب إلى أهل الكتاب، أو عبدة الملائكة، أو الكواكب، فكل هذا قد وقع بعد انحرافهم، ومن قال: إنهم مؤمنون وليسوا يهوداً ولا نصارى، ولا مجوساً ، فيعني: ما كانوا عليه قبل ذلك، فقد كانوا على دين إبراهيم عليه السلام.
والمعنى الآخر الذي قد يفهم من كلام ابن كثير رحمه الله وغيره: أن هؤلاء قد يكونون أشبه بأهل الفترة، فما عرفوا الله، ولا عرفوا رسولاً، ولا عرفوا شريعة، لكنهم مؤمنون بفطرتهم وعقولهم بأن لهذا الكون إلهاً واحداً، وأنه وحده مستحق للعبادة، لكن ليس لهم دين يدينون به.
وحالهم في هذا يختلف عن حال الصابئين الموجودين فعلاً، حتى الذين كانوا موجودين في عهد الشهرستاني ، فإنهم كانوا يعبدون الكواكب ويشتغلون بالتنجيم، وقد اشتهر عنهم نفيهم للصفات، وعنهم تلقى بعض نفاة الصفات مذهبهم.
الصابئون في التاريخ الأوروبي
وهذا الاتجاه وهو: الإيمان بإله من غير اتباع دين، هو اتجاه عالمي موجود في الأديان القديمة وفي العصر الحديث، والآن يوجد لهذا الاتجاه أتباع في أوروبا ، وقد كثر أتباعه في القرن الثامن عشر بعد أن ظهرت الكشوفات العلمية -وخاصة نظرية نيوتن - فمن خلال ما عرفوه عن الأرض وعن المجموعة الشمسية، وعن الجاذبية؛ تبين لهم كذب وتناقض ما في أناجيلهم، فكفروا بـالنصرانية ، ولم يدخلوا في اليهودية ؛ وذلك لأنهما شيء واحد، فإن النصرانية تؤمن بالتوراة، وكذلك فإن اليهودية لن تقبلهم، ولم يسلموا، فقد منعهم من ذلك الكبر، ومنعتهم دعاية البابوات التي غطوا بها أوروبا طوال قرون كثيرة، وهي أن محمداً -صلى الله عليه وسلم- كذاب ودجال ومفترٍ، فوصفوه بأقبح ما يمكن من الصفات، وحاشاه صلى الله عليه وسلم من ذلك! وأن المسلمين أحط أمة، وأنهم وثنيون ومشركون... إلخ، فرأوا أن يتدينوا بهذا الدين، وهم مشهورون جداً، ومعروفون في التاريخ الأوروبي.
ويسمون بـالمؤلهين ، أي: الذين يؤمنون بإله، لكن ليسوا على دين النصارى، وبعضهم يترجمها فيقول: الربوبيون ، أي: الذين يؤمنون بتوحيد الربوبية، فيؤمنون بالرب لكن لا يتدينون بالدين الذي جاء به، وهذا المذهب اسمه في لغتهم (الدايزم )، أي: الإيمان بإله مع إنكار الشرائع، أو مع إنكار الوحي والرسالات.
ومن أمثلتهم: جان جاك روسو ، العالم الشهير في علم التربية والسياسة والاقتصاد، وغيرها من العلوم.
ومنهم: الأديب والشاعر الفرنسي فولتير ، ومنهم: الكاتب الفرنسي المشهور ديدرو ، صاحب الموسوعة ، وهي أول موسوعة علمية حديثة عرفها الغرب، وأمثالهم. يقول هؤلاء: إن الإله الذي تؤمن به الكنيسة لا وجود له، فلا يمكن أن نصدق أن الثلاثة واحد، والواحد ثلاثة، وأن هذا الواحد نزل إلى الأرض فقتل وصلب! وأيضاً لا يمكن أن نصدق أن هذا الكون جاء من غير إله. قالوا: إذاً نؤمن بإله الطبيعة، ولهذا اعتزل روسو في مقاطعة سافوي ، وكتب كتاب راهب سافوي ، ويعني به: أنا راهب الطبيعة، لست منعزلاً في صومعة كرهبان النصارى، بل منعزل في أحضان الطبيعة، ويعبد هذا الرب الذي يقول عنه: نؤمن به ولم يكلفنا بأي التزامات، بل تركنا نعبده ونخطط كما نريد، ولهذا قال: نضع بديلاً عن الدين وعن الشريعة شريعة يصطلح عليها البشر، فوضع مبدأ العقد الاجتماعي، وألف كتابه : العقد الاجتماعي . ولهذا فإن نظريات الحكم الحديثة، ونظريات الاقتصاد والتربية، تعتمد على هذه النظرية أو تذكرها -على الأقل- كتاريخ، وهي نظرية العقد الاجتماعي.
إذاً: هؤلاء ممن يمكن أن نسميهم بهذا المفهوم الصابئين ؛ وذلك لأنهم تركوا ما عليه أقوامهم من الدين، ولم يتبعوا أي شرع.
وقريش عندما كانت تسمي محمداً صلى الله عليه وسلم الصابئ، وكانت تسمي أتباعه الصُباة، كانت تعني بذلك هذا المعنى، أي: الذين خالفوا ما عليه الناس من دين.
طائفة السيخ أصلها فرقة صابئة
وهناك دين في الهند أصله ناشئ عن هذه الفكرة الصابئة، وهي الاعتراف بإله واحد يعبد دون الالتزام بشرع من الشرائع، هذا الدين هو دين السيخ ، أو السيك ، فإن أصل هذا الدين: أن رجلاً من الهندوس -وهم عبدة الأبقار- اسمه: نانك ، هذا الرجل كان هندوسياً، ثم أخذ يفكر فوجد أن هذا الدين باطل؛ إذ كيف يكون البراهمة خلقوا من رأس الرب، والكاشتر خلقوا من ذراع الرب، والويش خلقوا من فخذ الرب، والشودر خلقوا من قدم الرب؟! أربع طبقات متمايزة، وكيف تكون البقرة إلهاً؟! أمور لا يقبلها العقل!!
فكَّر في هذا فوجد أن هذه وثنية لا تليق، وقال: لابد أن يكون لهذا الكون إله حق يعبد، فقال له بعض الهندوس : إنك كافر بدين الهندوس ، وكلامك قريب من كلام المسلمين.
فبدأ يبحث حتى جاء إلى بلاد الإسلام، وقيل: إنه ذهب إلى كربلاء ، وقيل: إنه وصل إلى مكة أيضاً، وأخذ يطوف في الهند وباكستان وهو يبحث عن الدين الإسلامي.
ومع ذلك لم يعتنق الإسلام؛ وذلك لأنه خرج من دين الهندوس الذين يعبدون البقر، فوجد المسلمين يعبدون الأصنام وهي القبور.. فسأل: لماذا تفعلون هذا؟ فقالوا: نحن لا نعبدها؛ لأننا مسلمون، إنما هي واسطة بيننا وبين الله. فقال: كذلك الهندوس يقولون: هناك واسطة بين الإله وبين العباد، ثم سمع بمذهب الشيعة فذهب إلى كربلاء ، فإذا الشرك الأكبر!! ثم وجد شيخاً من مشايخ الطرق الصوفية اسمه: سيد حسين درويش ، فقال له: عندي الدين الصحيح، وهو وحدة الوجود، فعلمه هذا المذهب القائل: إن الله هو الكون والكون هو الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً!
فقال هذا الرجل: نحن هربنا من عبادة اثنين وثلاثة وأربعة... في الهند والآن نعبد كل شيء! فلم يهتد إلى شيء، وفي الأخير قال: لقد عرفت الدين الصحيح، فوضع ديناً جديداً، ودعا أتباعه إليه، ويقوم هذا الدين على أن المعبود إله واحد لا شريك له، وليس مثل البشر، ولا يتمثل بالبشر، وليس هو أصنام ولا بقر... ثم أخذ يفصل لهم الشرائع، فأخذ بعض ما عند المسلمين، وبعض ما عند الهندوس ، وبعض ما عند اليهود، وكتب من ذلك كتاباً يسيرون عليه، وبقي أتباعه أشبه بالفرقة الصوفية ؛ لأن هناك تقارباً بينهم وبين القائلين بوحدة الوجود، وإن كانوا لم يقولوا بهذا القول كما هو، لكنها أصبحت كأنها فرقة من الفرق.
ثم جاء الإنجليز المجرمون، الذين هم أجرم أمة في التاريخ قبل الأمريكان في السياسة والتخطيط، فعرفوا كيف يدمرون جميع الشعوب بالتفرق، فلما جاءوا إلى الهند أوجدوا القاديانية ، والعليكرية ، نسبة إلى جامعة عليكرة، وهي طائفة تتبع السير أحمد خان ، وفرقوا بين الهندوس والمسلمين، وفرقوا بين طبقات الهندوس ، وفرقوا بين المسلمين مع بعضهم، فوجدوا هذه الفرقة -السيخ - فتبنوها وأيدوها، وقد كانوا يعيشون في مناطق جبلية وعرة، فجاء أحد خلفائهم وقال: لابد أن نترك اسم الراهب -وهو الاسم الذي كانوا يتسمون به- ونتسمى بـ(سنق) وهو الأسد، فنحن الآن أسود، فحولهم إلى جماعة محاربة، فأقلقت الدول إلى اليوم، فأصبحوا من أشد الناس عتواً وحرباً وجلاداً.
الشاهد: أن أصل دينهم هو نانك الصابئ الذي قال: أؤمن بإله واحد، ولا أتقيد بأي شريعة، بل أضع ديناً يخالف جميع الأديان، فوضع لهم ما أراد من الشرائع.
مما سبق نستطيع أن نقول: إن هؤلاء الذين خالفوا أديان الناس، وتعبَّدوا الإله بلا دين وبلا شرع معين، هم من الصابئين .
التعريف العام للصابئة
وبهذا التعريف العام لكلمة (صابئ)، يدخل تحتها كل من كان كذلك، ويدخل تحتها أصحاب الفترات، وأصحاب الجزر النائية، أو المناطق البعيدة، ممن قد يؤمن بالله أو بإله واحد لكن لا يعبده بشيء.
ثم بعد ذلك منهم من يكون على الحق ومنهم من يكون على الباطل، فعلى التعريف الأول: من كان ملتزماً بما في صحف إبراهيم عليه السلام متبعاً لها، فهو مؤمن وعلى الحق، ومن وقع في الشرك -كما هو حال الصابئة اليوم ومنذ عصور طويلة- فهو مشرك وإن انتسب إليها وسمى نفسه صابئاً.
إنكار الصابئة لعلم الله بالجزئيات
وقول الصابئة في مسألة علم الله كقول الفلاسفة ، فإنهم بحكم تعلمهم للحكمة -كما تسمى- أو الفلسفة، واطلاعهم على كتب التنجيم والسحر وكتب الفلك، اطلعوا على كتب اليونان والرومان، وبعضهم من أصول يونانية ورومانية أيضاً؛ فاختلطت وامتزجت هذه العلوم لديهم، فأصبح كلامهم فيه كثير من كلام فلاسفة اليونان .
فمما اتفقت فيه عقيدتهم مسألة إنكار علم الله تعالى بالجزئيات، وإثبات علمه بالكليات فقط، وعلى هذا الفلاسفة .-
تعليق