بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فإن الدعاء هو الرغبة إلى الله - تعالى - والتوجه إليه، في تحقيق المطلوب، أو دفع المكروه، والابتهال إليه في ذلك إما بالسؤال، أو بالخضوع والتذلل، والرجاء والخوف والطمع.
وهو يشمل دعاء المسألة ودعاء العبادة، ولقد عبر عن الدعاء في القرآن بألفاظ كثيرة منها: النداء، فقد ورد في كتاب رب العالمين النداء بهذا المعنى، يقول - سبحانه -: {ولقد نادانا نوح فلنعم المجيبون} [الصافات: 75]، ويقول جل شأنه: وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين<< [الأنبياء: 83]، ويأتي كذلك بلفظ الجؤار في قوله - تعالى -: {وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون} [النحل: 53]، قال مجاهد: تجأرون: أي تتضرعون دعاء، وأتي أيضا عقب الابتهال في قوله - تعالى -: {ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين} [آل عمران: 61]، قال الزجاج: الابتهال هو المبالغة في الدعاء، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا ابتهل في الدعاء رفع يديه مدا. [أخرجه الطبراني في الدعاء]
وإن لم يكن رمضان هو شهر الدعاء، ففي أي شهر يكون الدعاء؟
بيد أنه يجب على العبد أن يراعي عند تضرعه لربه ومناجاته في هذا الشهر الكريم آداب الدعاء حتى تتحقق له الإجابة، فرب العالمين قال:{ وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان فليستجيبوا لي وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون} [البقرة: 186]
فالله حيي كريم يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا، كما أخبر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكيف بمن شفتاه ذابلة عطشا طاعة لربه - سبحانه - إذا ناجى ربه على هذا الحال؟
آداب الدعاء
الأدب الأول:
أن يختار لدعائه أوقات الإجابة، التي منها:
1- وقت السحر: وهو الثلث الأخير من الليل، حيث ينزل رب العالمين نزولا يليق بذاته - سبحانه - وينادي خلقه: «هل من مستغفر فأغفر له، هل من داع فأجيبه». وفي هذا يقول - صلى الله عليه وسلم -: «إن في الليل لساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله - تعالى -فيها خيرا من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه الله، وذلك في كل ليلة». [رواه مسلم]
2 - في السجود: فأقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، يقول جل شأنه: {واسجد واقترب} [العلق]، ويقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أما السجود فاجتهدوا في الدعاء فجدير أن يستجاب لكم». [رواه مسلم]
3 - عند الأذان: وفي هذا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «إذا نادى المنادي فتحت أبواب السماء واستجيب الدعاء». [صحيح الجامع 818]
4 - بين الأذان والإقامة: فالدعاء بين النداء للصلاة وإقامتها مستجاب؛ لذا أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالدعاء في هذا التوقيت، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «الدعاء بين الأذان والإقامة مستجاب فادعوا». [صحيح الجامع 3405]
5 - آخر ساعة من نهار يوم الجمعة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يوم الجمعة اثنتا عشرة ساعة، منها ساعة لا يوجد عبد مسلم يسأل الله فيها شيئا إلا آتاه الله، فالتمسوها آخر ساعة بعد العصر». [صحيح الجامع 8190]
6- دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب لا يرد، ويوكل الله به ملكا يقول له: ولك بمثل.
7- عدم العجلة، وفي ذلك يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «يستجاب لأحدكم ما لم يعجل، يقول: دعوت فلم يستجب لي». [متفق عليه]
8- دعاء الصائم، لا سيما في رمضان عند تفتيح أبواب السماء وتفتيح أبواب الجنان وتغليق أبواب النيران، فالعلاقة دائمة بين كل ذلك وبين استجابة الدعاء.
الأدب الثاني:
أن يدعو مستقبل القبلة ويرفع يديه في ذل وتضرع لثبوت ذلك كله عن النبي - صلى الله عليه وسلم- .
الأدب الثالث:
عدم رفع الصوت والتعدي في الدعاء، فإن الداعي يدعو من يسمع دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء، وفي هذا يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أيها الناس، إن الذي تدعون ليس بأصم ولا غائب». [متفق عليه]
الأدب الرابع:
لا يتكلف الداعي السجع في الدعاء، إذ أنه يدعو بلسان الذلة والافتقار لا بلسان الفصاحة والبلاغة، وفي هذا ننبه إخواننا الذين يتكلفون في الدعاء الألفاظ المسجوعة لينالوا إعجاب من يدعون لهم فيدعون بغير المأثور لا لشيء إلا للطرب والتهييج ويخشى حبوط العمل لتلك النية غير الخالصة.
الأدب الخامس:
اليقين والجزم وصدق الرجاء، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب لاه غافل». [صحيح الجامع 245]
فتعزم المسألة وتعظم الرغبة، فإن الله - سبحانه - لا يعظم عليه شي. وأن لا يمنعه شعوره بالمعصية من التضرع إلى الله والتذلل له:
قال سفيان بن عيينة: لا يمنعن أحدكم من الدعاء ما يعلم من نفسه؛ فإن الله - عز وجل - أجاب دعاء شر الخلق إبليس لعنه الله: {قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون (36) قال فإنك من المنظرين} [الحجر: 36، 37].
الأدب السادس:
أن يلح في المسألة ويعظمها ويكرر الدعاء ثلاثا، قال ابن مسعود - رضي الله عنه -: «كان - صلى الله عليه وسلم - إذا دعا دعا ثلاثا، وإذا سأل سأل ثلاثا، وفي هذا يقول - صلى الله عليه وسلم-: «إذا سأل أحدكم فليكثر فإنما يسأل ربه». [صحيح الجامع 591]
الأدب السابع:
أن يفتتح الدعاء بذكر الله والثناء عليه ثم يصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكل دعاء محجوب حتى يصلي الداعي على النبي - صلى الله عليه وسلم- . قال أبو سليمان الداراني: «من أراد أن يسأل الله حاجة فليبدأ بالصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم يسأل حاجته، ثم يختم بالصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم-، فإن الله - عز وجل - يقبل الصلاتين وهو أكرم من أن يدع ما بينهما».
الأدب الثامن:
وهو من أهم تلك الآداب من فعله فهو أهل للإجابة وهو رد المظالم إلى أهلها، وفي هذا يقول مالك بن دينار - رحمه الله -: «إنكم تستبطئون المطر وأنا استبطئ الحجارة».
فيا أيها الصائم، في ظل شهر الأنس بالقرب من ربك، وفي ظل شهر النفحات والبركات أكثر من رفع يديك إلى ربك، فمن تعود طرق الباب يوشك أن يفتح له. ورب العالمين يحب من عبده أن يلح عليه في الدعاء، كما يغضب - سبحانه - ممن ترك سؤاله، قال - صلى الله عليه وسلم -: «إنه من لم يسأل الله يغضب عليه». [صحيح الجامع 2418]
فمن سره أن يستجيب الله له عند الشدائد والكرب فليكثر في حال الرخاء، يقول - سبحانه -: {فلولا أنه كان من المسبحين (143) للبث في بطنه إلى يوم يبعثون}، نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، وأن يتقبل منا الدعاء في شهر النفحات.
والله من وراء القصد.
تعليق