د. يوسف زيدان يكتب: بهتان البهتان فيما يتوهمه المطران (١)- زمن المحبة

تقليص

عن الكاتب

تقليص

Ahmed_Negm اكتشف المزيد حول Ahmed_Negm
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 1 (0 أعضاء و 1 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • Ahmed_Negm
    5- عضو مجتهد
    • 14 أغس, 2007
    • 889

    #16
    قدرى أننى ولدت وعشت أيام المواجهة الأخيرة

    بين نهاية عصر العقل وبداية عصر الدين




    لقد ظلمت الوثنية ومورس عليها التحقير والإستهزاء من قبل أتباع الديانة الجديدة , يا لمدينتى الجميلة أراك وقد حل بك الخراب والفوضى , أرى يوميا وأنا ذاهبة إلى مقرمحاضراتى اليومية بقايا المركز الرئيسى للعبادة التى كانت يوماً تتمتع بالحيوية عبرأجيال وقرون من سيادة الحضارة , هناك حيث أمتد يوماً الحرم الهائل والرائع لمعبد السرابيوم





    ينتصب اليوم عمود معزول واحد فقط

    أجل....
    لا يوجد سوى عامود واحد ولاشىء اخر





    ما جئت لألقى سلاما بل سيفاً ّ!


    يسوع





    يا أبناء الله يا أحباء يسوع الحى إن مدينتكم هذة هى مدينة الرب العظمى على أرضها عاش الاباء وسالت دماء الشهداء وقامت دعائم الديانة وقد طهرناها من اليهود المطرودين أعاننا الرب على طردهم وتطهير مدينتة منهم ولكن أذيال الوثنيين الأنجاس مازالت تثير غبار الفتن فى ديارنا , إنهم يعيثون حولنا فسادا وهرطقة , يريدون إعادة بيت الأوثان الكبيرالذى أنهدم على رؤوسهم قبل سنين , يودون تعمير مدرستهم المهجورة التى تبث الضلال فى العقول لكن الرب يا جند الرب لن يرضى بذلك أبدا ولسوف يحبط مساعيهم الدنيئة بأيديكم أنتم مادمتم بحق جنود الرب , لقد صدق ربنا يسوع المسيح حين نطق بلسان من نور فقال : الحق يطهركم ! فتطهروا يا ابناء الرب وطهروا ارضكم من دنس أهل الاوثان , أقطعوا ألسنة الناطقين بالشر , ألقوهم مع معاصيهم فى البحر وأعلموا ان ربنا المسيح يسوع كان يحدثنا نحن أبناؤة فى كل زمان لما قال : ما جئت لألقى سلاما بل سيفاً ّ!


    البابا كيرلس









    بسم الرب سوف نطهر ارض الرب




    عند الكنيسة الصغيرة فى منتصف الشارع المؤدى من المسرح الكبير إلى الميناء الشرقى سارت عربتى ذات الحصانين تنهب الأرض , كان هذا هو يوم الأحد المشئوم , مرت عربتى بجوار أحد الكنائس التى يخطب بها كيرلس , أرى جموع غفيرة من البشر تخرج من الكنيسة فى حالة من الهياج الشديد أرتجت معها بيوت المؤمنين من علو الهتافات , أزداد إهتياج الجماهير الغفيرة حدا بلغ الجنون مرددين ورائة عباراتة النارية بدون تفكير , أنظر من عربتى الى الخارج فأرى بعض الناس يقفون على اسطح البيوت يلوحون بالصلبان ويقذفون العربة بالحجارة
    العربة تجرى من دون قائد ؟!!!!
    أعتقد أننى وحدى فى العربة الان


    ............................................


    اهم ما تمتاز بة الجماعة وجود روح عامة تجعل جميع أفرادها يشعرون ويفكرون بكيفية تخالف تمام المخالفة الكيفية التى يشعر ويعمل بها كل واحد منهم على انفرادة والسبب فى ذلك أن الناس يتفاوتون فى عقولهم ولكنهم يتشابهون فى مشعارهم الفطرية فاذا انضم بعضهم الى بعض غلبت صفاهم المشتركة على صفاتهم الخاصة وانزوت شخصياتهم الفردية تحت الشخصية العامة واصبح الحكم فى الجماعة للمشاعر ولم يبق للعقل عليها سلطان فهى تندفع بمشاعرها ولا تستطيع ان تقف لتفكر فاذا اجتمع افرادها واحس كل واحد بالقوة التى اكتسبها من اجتماعة بغيرة ثم راى ان تلك المسئولية التى تحكم اعمالة وهو فرد قد زالت عنة تقريبا بحكم اندماجة فى الجماعة وسرت الية فوق كل ذلك عدوى المتحمسين من زملائة واصابتة تلك النوبة المغناطيسية التى تستولى عادة على عواطف الجماهير فاسال الله السلامة لعبادة من شر ما خلق فليست تلك الا عاصفة بشرية عاتية والويل كل الويل لما تجرر فوقة أذيالها


    المستشار حسن جلال

    ..............................................


    لتقرأ معى الوصف القادم من رواية عزازيل ليوسف زيدان


    فهو اقرب الى الواقعة الحقيقية باسلوب رائع





    جئناك يا عاهرة يا عدوة الرب


    التقط بطرس السكين الطويلة الصدئة , راة سائق عربة هيباتيا , فقفز كالجرذان وجرى متواريا بين جدران البيوت , كان بامكان السائق ان يسرع بحصانية فى الشارع الكبير , وما كان لأحد ان يلحق بالعربة , لكنة هرب ولم يحاول احدهم ان يلحق بة , ظل الحصانان يسيران مرتبكين , حتى أوقفهما بطرس بذراعة الملوحة بالسكين .... أطلت هيباتيا برأسها الملكى من شباك العربة , كانت عيناها فزعة مما تراة حولها , انعقد حاجباها وكادت تقول شيئا لولا ان بطرس زعق فيها : جئناك يا عاهرة يا عدو الرب .

    امتدت نحوها يدة الناهشة وأيد أخرى ناهشة ايضا حتى صارت كانها ترتقى نحو السحاب فوق اذرعهم المشرعة


    وبدأ الرعب فى وضح النهار


    الايادى الممدودة كالنصال منها ما فتح باب العربة ومنها ما شد ذيل الثوب الحريرى ومنها ما جذب هيباتيا من ذراعها فألقاها على الارض , انفلت شعرها الطويل الذى كان ملفوفاً كالتاج فوق راسها فانشب فية بطرس اصابعة ولوى الخصلات حول معصمة , فصرخت فصاح :بأسم الرب سوف نطهر ارض الرب , سحبها بطرس من شعرها الى وسط الشارع , وحوله اتباعة من جند الرب يهللون .

    حاولت هيباتيا ان تقوم , فرفسها احدهم فى جنبها , فتكومت , ولم تقو على الصراخ , اعادها بطرس الى تمددها على الأرض بجذبة قوية من يدة الممسكة بشعرها الطويل . الجذبة القوية انتزعت خصلات من شعرها فرماها , نفضها من يدة , ودس السكين فى الزنار الملفوف حول وسطة , وامسك شعرها بكلتا قبضتية , وسحبها خلفة .. ومن خلفة اخذ جند الرب يهتفون هتافة , ويهللون لة , وهو يجر ذبيحتة .

    كنت لحظتها واقفا على رصيف الشارع ,. مثل مسمار صدىء . لما وصلوا قبالتى نظر بطرس ناحيتى بوجة ضبع ضخم , وتهلل وهو يقول : ايها الراهب المبارك , اليوم نطهر ارض الرب .. وبينما هى تتأرجح من ورائة على الارض , تقلبت هيباتيا , استدار وجهها نحو موضعى . نظرت الى بعين مصعوقة , ووجة تكاد الدماء منة تنفجر , حدقت فى وجهى لحظتها فأدركت انها عرفتنى مع اننى كنت فى الزى الكنسى !


    مدت ذراعيها ناحيتى وصاحت مستصرخة بى


    يا أخى


    تقدمت الى منتصف الشارع خطوتين , حتى كادت اصابعى تلمس اطراف اصابعها الممدودة نحوى .
    كان بطرس القارىء يلهث منتشياً وهو يمضى ناحية البحر ساحباً غنيمتة . وكان البقية يتجمعون حول فريستهم , مثلما تجتمع الذئاب حول غزال رضيع .. لما اوشكت اصابع هيباتيا ان تعلق بيدى الممدودة اليها , امدت يد نهشت كم ثوبها , فتطوحت كفها بعيداً عنى , وتمزق الثوب فى اليد الناهشة , فرفعة الناهش ولوح بة , وهو يزعق بعبارة بطرس :




    باسم الرب , سوف نطهرأرض الرب ..





    العبارة التى صارت يومها أنشودة للمجد الرخيص



    من بعيد , اقبلت امرأة حاسرة الرأس كانت تصرخ وهى تقبل نحونا مسرعة فزعة قائلة :


    يا أختاة .. ياجنود الرومان ..



    أغثنا يا سرابيس !




    المرأة المسرعة نحونا كان ثوبها وشعرها يرفان ورائها وكنا قد اقتربنا من ناحية البحر .. أقبلت المرأة تجرى نحو الجمع حتى أرتمت فوق هيباتيا , ظانة انها بذلك سوف تحميها فكان ما كان متوقعا. أندثت فيها الاذرع فرفعتها عن هيباتيا وألقتها بقوة الى جانب الطريق , أصطدم رأسها بالرصيف , وأنسحج وجهها , فتلطخ بالدم والتراب . حاولت المرأة ان تقوم , فضربها أحدهم على رأسها بخشبة عتية , بأطرافها مسامير فترنحت المرأة وسقطت من فورها على ظهرها أمامى , والدم يتفجر من أنفها وفمها , ويلطخ ثوبها . عند سقوطها أمامى صرخت من هول المفاجأة فقد عرفتها .. هى لم تعرفنى , فقد كانت تنتفض وهى تلفظ اخر انفاسها وهكذا ماتت أوكتافيا يوم الهول , تحت أقدامى من دون ان ترانى .

    رجعت خطوات حتى ألتصق ظهرى بجدار بيت قديم , لم أستطع انتزاع عينى عن جثة أوكتافيا التى اهاجت دماؤها الصخب , فاشتدت بجند الرب تلك الحمى التى تتملك الذئاب حين توقع صيداً . صارت عيونهم الجاحظة مثل عيون المسعورين , وهاجت بواطنهم طلبا لمزيد من الدم والإفتراس , تجمعوا فوق هيباتيا , حين وقف بطرس ليلتقط انفاسة أمتدت الى يدها يد مازعة , ثم امتدت اياد اخرى الى صدر ردائها الحريرى الذى تهرأ , واتسخ بالدماء والتراب , أمسكوا برداء الثوب المطرز وشدوا فلم ينخلع وكاد بطرس يقع فوق هيباتيا من شدة الشدة المباغتة , لكنة سرعان ما عاد واستعاد توازنة , ومضى يجر ذبيحتة , ومن ورائة انحنى اتباعة محاولين اقتناص رداء هيباتيا ..



    هيباتيا .. استاذة الزمان .. النقية .. القديسة ..


    التى عانت الام الشهيد وفاقت بعذابها كل عذاب







    على ناصية الطريق الممتد بحذاء البحر صاحت عجوز شمطاء



    وهى تلوح بصليب , أسحلوا العاهرة




    وكأن العجوز نطقت بأمر إلهى






    توقف بطرس فجأة , وتوقف اتباعة , ثم تصايحوا بصرخات مجلجلة , تركت جثة أوكتافيا ورائى , ولحقت بهم مبهوتاً , املا ان تفلت هيباتيا من ايديهم , او يأتى جنود الحاكم فيخلصوها منهم أو تقع معجزة من السماء .. أو ..

    كنت غير بعيد عنهم وغير قريب , فرأيت نتيجة ما أوحت بة المرأة الشمطاء .. رأيت .. انهالت الايدى على ثوب هيباتيا فمزعتة .. الرداء الحريرى تنازعوة حتى انتزعوة عن جسمها , ومن بعدة انتزعوا ما تحتة من ملابس كانت تحيط بجسمها بإحكام . كانوا يلتزون بنهش القطع الداخلية ويصرخون , وكانت العجوز تصرخ فيهم كالمهووس : أسحلوها


    وكانت هيباتيا تصرخ يا اهل الاسكندرية !

    وكان البعيدون عن الوصول الى جسمها , يصرخون , العاهرة , الساحرة ! .. وحدى أنا , كنت صامتاً




    صارت هيباتيا عارية تماماً ومتكومة حول عريها تماماً


    ويائسة من الخلاص تماماً




    ومهانة تماماً


    لا اعرف من اين اتوا بالحبل الخشن الذى لفوة حول معصمها وأرخوة لمترين أو ثلاثة , ثم راحوا يجرونها بة وهى معلقة من معصمها .. وهكذا عرفت يومها معنى كلمة السحل التى أوحت بة المرأة الى بطرس القارىء واتباعة .

    شوارع الإسكندرية تفترشها بلاطات حجرية متجاورة , تحمى الطرقات أيام الشتاء من توحل الأرض بسبب المطر . البلاطات متجاورة لكنها غير متلاحمة , وحوافها حادة بفعل طبيعتها الصلبة , فإذا جر عليها أى شىء مزقنة وإن كان ذا قشر قشرتة , وإن كان إنساناً كشطتة .. وهكذا سحلوا هيباتيا المعلقة بحبلهم الخشن الممدة على الأرض , حتى تسحج جلدها وتقرح لحمها .

    وسط الصخور المتناثرة عند حافة الميناء الشرقى , خلف كنيسة قيصرون التى كانت فى السابق معبداً , ثم صارت بيتاً للرب يقرأ فية بطرس الأنجيل كل يوم !

    كانت هناك كومة من أصداف البحر . لم أر أول من ألتقط منها واحدة , وجاء بها نحو هيباتيا , فاللذين رأيتهم كانوا كثيرين . كلهم أمسكوا الصدف , وأنهالوا على فريستهم .. قشروا بالأصداف جلدها عن لحمها ..


    علا صراخها حتى ترددت أصداؤة


    فى سماء العاصمة التعيسة



    عاصمة الله العظمى , عاصمة الملح والقسوة


    الذئاب انتزعوا الحبل من يد بطرس وهم يتصايحون , وجروا هيباتيا بعدما صارت قطعة , بل قطعاً من اللحم الأحمر المتهرىء . عند بوابة المعبد المهجور الذى بطرف الحى الملكى البرخيون ألقوها فوق كومة كبيرة من قطع الخشب , وبعدما صارت جثة هامدة .. ثم .. أشعلوا النار علا اللهب , وتطاير الشرر ..


    وسكتت صرخات هيباتيا بعدما بلغ نحيبها من فرط الألم عنان السماء




    حيث كان الله والملائكة والشيطان يشاهدون ما يجرى



    ولا يفعلان شيئاً


    المصادر :

    قصة الحضارة / قيصر والمسيح : ول ديورانت

    هيباشيا السكندرية : بقلم مارى إيلين ويث

    الوثنية والمسيحية : ألكسندر كرافتشوك

    رواية عزازيل : يوسف زيدان

    الثورة الفرنسية : حسن جلال

    شبكة الإنترنت


    نقلا عن مدونة "هرطقة".

    تعليق

    • Ahmed_Negm
      5- عضو مجتهد
      • 14 أغس, 2007
      • 889

      #17
      إضغط هنا لتحميل رواية عزازيل

      تعليق

      • Ahmed_Negm
        5- عضو مجتهد
        • 14 أغس, 2007
        • 889

        #18
        إعلان فيلم Agora الذى سيعرض قريبا و هو عن حياة هيباتيا:

        http://www.youtube.com/watch?v=keEUHbSSPkI&feature=fvw

        الموقع الرسمى:

        http://agorathemovie.com/

        تعليق

        • Ahmed_Negm
          5- عضو مجتهد
          • 14 أغس, 2007
          • 889

          #19


          (هيباتيا) ... الفيلسوفة الإغريقية التي أثارت شجون الأدب والفن في العصر الحديث

          الاحد27-9-2009

          بيانكا ماضيّة

          إن رواية "عزازيل" للكاتب د. يوسف زيدان، هذه الرواية التاريخية الفلسفية التي تعد حقاً من روائع الأدب العربي، الرواية الممتعة التي تذوب فيها الخيوط الواهية بين الحقيقة والخيال، تعد عملاً روائياً ضخماً،


          تنطلق من التأريخ والتوثيق لتخلق فضاء من الحكايات والأوهام والأخيلة، في سعي صاحبها إلى سرد التاريخ ومحاكمته وقراءته عبر رؤية نقدية معاصرة، وقد استغرق زيدان في العمل عليها أكثر من ثلاثين عاماً، حتى نال جائزة البوكر العربية للعام 2009 بعد أن أثارت من الجدل والحوار ما أثارته في مصر، وبعد أن دخلت مناطق شائكة في السياسة والدين والأخلاق، فالجدل الذي حازت عليه لم تحصل عليه أي رواية في العصر الحديث، وقد نفدت منها ست طبعات كاملة في إقبال غير مسبوق على فن الرواية في العالم العربي.‏
          رواية "عزازيل" قسمها د. زيدان إلى ثلاثين رقّاً بحسب عدد اللفائف (الرقوق) التي اكتشفت في الخرائب الأثرية الواقعة إلى جهة الشمال الشمال الغربي من مدينة حلب (كما تقول مقدمة المترجم في الرواية).‏
          بعد أن قرأت هذه الرواية، توقفت عند الرِّق التاسع وهو الذي عنونه زيدان بـ (شقيقة يسوع) لأتمعّن في قصة مقتل "هيباتيا" hypatia التي وردت في هذا الرِّق، وقد صوّر زيدان هذا المشهد على لسان الراهب هيبا بمنتهى التأثير، حيث القسوة والوحشية من الذين قتلوها وسحلوها على أرض شوارع الإسكندرية، ويقصد بطرس القارئ الذي خرج من كنيسة الإسكندرية بعد أن سمع عظة البابا كيرلس وهو يدعو إلى تطهير أرض الإسكندرية من أعداء الرب، مشيراً في ثنايا حديثه _ أي البابا كيرلس- إلى أن " أذيال الوثنيين الأنجاس، مازالت تثير غبار الفتن في ديارنا، إنهم يعيثون حولنا فساداً وهرطقة، يخوضون في أسرار كنيستنا مستهزئين، ويسخرون مما لايعرفون، ويلعبون في مواطن الجد ليشوهوا إيمانكم القويم" .‏
          ذلك أن الرواية ترتكز على أحداث تاريخية حقيقية وموثقة عن فترة الصراعات المذهبية بين كنيسة الإسكندرية ككنيسة حافظت على الدوام على أسس العقيدة المسيحية وبين المنتمين إلى عقائد مسيحية أخرى كالنسطورية والآريوسية والذين تعدهم كنيسة الإسكندرية من المهرطقين المحرفين لأصول العقيدة المسيحية، فقد كان الخلاف بينها آنذاك قائماً على طبيعة السيد المسيح وطبيعة أمه السيدة العذراء.‏
          وبغض النظر عن الخلافات التي سبقت وتوالت بعد فوز الرواية، من قبل الكنيسة القبطية في الإسكندرية، فإن مشهد مقتل هيباتيا الذي احتوى أيضاً مقتل "أوكتافيا" المرأة الوثنية التي أغوت الراهب "هيبا" وأحبّته، كان من أشد مشاهد الرواية تأثيراً في النفس، لما فيه من قسوة وبطش وتنكيل بجسد هذه الفيلسوفة، وقد استغرق هذا الوصف في الرواية ست صفحات منها.‏
          يقول الراهب هيبا في "عزازيل" واصفاً هذا المشهد بالقول: "تجمعوا فوق هيباتيا، حين وقف بطرس ليلتقط أنفاسه. امتدت إلى يدها يد مازعة، ثم امتدت أياد أخرى إلى صدر ردائها الحريري الذي تهرّأ، واتسخ بالدماء والتراب.. أمسكوا بإطار الثوب المطرز وشدوا فلم ينخلع، وكاد بطرس يقع فوق هيباتيا من شدة الشدّة المباغتة، لكنه سرعان ماعاد واستعاد توازنه، ومضى يجر ذبيحته، ومن ورائه انحنى أتباعه محاولين اقتناص رداء هيباتيا .. هيباتيا .. أستاذة الزمان .. النقية .. المقدسة .. الربة التي عانت آلام الشهيد، وفاقت بعذابها كل عذاب" إلى أن يقول وهو يصور سماعه صرخة امرأة عجوز شمطاء بأن يسحلوها: "انهالت الأيدي على ثوب هيباتيا فمزّعته.. الرداء الحريري تنازعوه حتى انتزعوه عن جسمها، ومن بعده انتزعوا ماتحته من ملابس كانت تحيط بجسمها بإحكام. كانوا يلتذّون بنهش القطع الداخلية ويصرخون، وكانت العجوز تصرخ فيهم كالمهووس:اسحلوها!" ثم يصف لنا سحلها فوق شوارع الإسكندرية وتقشير جلدها بالأصداف، ومن ثم حرقها قائلاً: " كانت هناك كومة من أصداف البحر. لم أر أول من التقط منها واحدة، وجاء بها نحو هيباتيا، فالذين رأيتهم كانوا كثيرين. كلهم أمسكوا الصدف، وانهالوا على فريستهم.. قشروا بالأصداف جلدها عن لحمها.. علا صراخها حتى ترددت أصداؤه في سماء العاصمة التعيسة، عاصمة الله العظمى، عاصمة الملح والقسوة". إلى أن يقول "وجروا هيباتيا بعدما صارت قطعة، بل قطعاً من اللحم الأحمر المتهرئ. عند بوابة المعبد المهجور الذي بطرف الحي الملكي البرخيون ألقوها فوق كومة كبيرة من قطع الخشب، وبعدما صارت جثة هامدة .. ثم .. أشعلوا النار.. علا اللهب، وتطاير الشرر .. وسكتت صرخات هيباتيا بعدما بلغ نحيبها من فرط الألم عنان السماء".‏
          إن هذا المشهد المؤثر الذي احتوته صفحات "عزازيل" وهذه الشخصية المرموقة لعالمة فيلسوفة انتهت نهاية مأساوية، كغيرها من العلماء والفلاسفة الذين كانت نظرياتهم وأفكارهم وتعاليمهم تخالف ماكان معتقداً في أزمانهم، جعلاني أبحث عما ورد عنها، فهي تلك الفيلسوفة الإسكندرانية الإغريقية التي كانت أول عالمة في التاريخ الإنساني، فـ "هيباتيا" نشأت وتثقفت في مصر، هي أستاذة الزمان (كما جاء في "عزازيل") وبعد مقتلها لم يظهر اسم عالم فرد في تاريخ العلم الإنساني طيلة خمسة قرون.‏
          وُلدت في عام 370 بعد الميلاد، وعاشت إبان العهد الروماني مع بداية انتشار الدين المسيحي في العالم، وهي ابنة الفيلسوف الفيثاغوري ثيون الذي نشأ بدوره فى مصر وتعلم بها، وكان آخر زملاء متحف الإسكندرية "السيزاريوم" الذي كان إما ملاصقاً لمكتبة الإسكندرية أو بداخلها.‏
          ازدادت شهرة "هيباتيا" في مجالات العلم والفلسفة، فقد كانت عالمة رياضيات ومنطق وفلك، عرفت بدفاعها عن "مبدأ العلم ضد الدين".‏
          يقول عنها معاصرها المؤرخ المسيحي سقراط: "هي من الصفوة نشأة وثقافة وقد استثمرت مواهبها الخارقة في الاستزادة من العلم، فأحرزت في العلوم سبقاً فاقت به كل فلاسفة عصرها، وقد توج هذا السبق بشرف آخر، أنها كانت رئيسة جامعة الإسكندرية، وقد شغلت هذا المنصب عن جدارة، حتى اجتذبت شهرتها إليها عدداً لا يحصى من طلاب الحياة العقلية من مصر وخارج مصر، وبحكم منصبها كانت على صلة بكثير من الرجال، ولكن ذلك لم ينل في شيء من طهرها وعفتها، فظلت فوق الريبة والشك من أعدائها وأصدقائها على السواء، ولكنها كانت وثنية، فكان المتعصبون من المسيحيين يحنقون عليها ويرونها العقبة الكأداء فى سبيل انتشار المسيحية".‏
          ويقول كارل ساجان صاحب كتاب الكون عن هيباتيا "إنها آخر بريق لشعاع علم بزخ من الإسكندرية".‏
          بينما يقول عنها إدوارد جيبون.. أعظم المؤرخين الإنجليز : "هذه العذراء.. صاحبة الجمال الأسطوري كانت في منتهى التواضع على الرغم من جمالها، وعلمها، وشهرتها!".‏
          فهي إذن صاحبة رصانة وجمال، وقد وصفها الراهب هيبا بطل رواية "عزازيل" وصفاً جميلاً بقوله : "هيباتيا .. أكاد إذ أكتب اسمها الآن، أراها أمامي وقد وقفت على منصة الصالة الفسيحة، وكأنها كائن سماوي هبط إلى الأرض من الخيال الإلهي، ليبشر بخبر رباني رحيم. كانت لهيباتيا تلك الهيئة التي تخيلتها دوماً ليسوع المسيح، جامعة بين الرقة والجلال.. في عينيها زرقة خفيفة ورمادية، وفيها شفافية. في جبهتها اتساع ونور سماوي، وفي ثوبها الهفهاف ووقفتها، وقار يماثل مايحف بالآلهة من بهاء".‏
          وحول هذه الفيلسوفة العالمة قدم رائد الدراسات المقارنة الدكتور محمد غنيمي هلال رسالة بالفرنسية إلى جامعة السوربون سنة 1952 بعنوان (موضوع هيباتيا فى الأدبين الفرنسي والإنجليزي من القرن الثامن عشر إلى القرن العشرين) – حسبما أشار الدكتور أحمد درويش في موقع الشروق المصري - وفي هذه الرسالة إشارات إلى آراء قس مسيحي يدعى سيزنيوس، وكان تلميذاً لهيباتيا، ويعمل في ليبيا، واحتفظ التاريخ ببعض رسائله المليئة بالتقدير لهيباتيا، ومن الكتابات التاريخية القديمة التي كانت مصدراً لما أثاره كتاب عصر النهضة حول شخصية (هيباتيا) كتابات المؤرخ جاك باسناج (1623 - 1725) التي كانت مصدراً من مصادر كتابات فولتير عنها، إلا أن الكتابات الأوروبية الأدبية الخالصة عن هيباتيا بدأت في القرن الثامن عشر، إذ طبع الكاتب الإنجليزي جون تولاند (1620 - 1722) عام 1720 كتاباً عن تاريخ هيباتيا، ويقول فيه عنها: "حسب النساء اعتداداً بقيمتهن، أن تكون من بينهن امرأة مثلها في تلك الدرجة من الكمال.. ولديهن من بواعث الفخر والاعتداء بقيمتهن أكثر مما لدى الرجال من بواعث الخجل والعار أن يكون من بينهم متوحش لا يرق لمثل هذا الجمال وذلك الطهر، وذلك العلم الرحيب الآفاق".‏
          وكذلك كتب موريس باور روايته (البطولة الفائقة) عن هيباتيا سنة 1852، ولم يهمل الإشارة إليها أي كاتب كتب عن الإسكندرية القديمة.‏
          كما كتب القس البروتستانتي الإنجليزي "كنجسلي" رواية (هيباتيا) التي حاول فيها تبرئة البابا كيرلس من تهمة قتل هيباتيا لكنه في نفس الوقت يرسم صورة رائعة لهيباتيا، تعد من أجمل ما كتب عنها في أدبيات عصر النهضة – كما يقول الدكتور درويش – إذ يقول "كنجسلي" فيها:‏
          " على كرسي صغير أمام منضدة فوقها مخطوطة، كانت تقرأ امرأة في حوالي الخامسة والعشرين من عمرها، كأنها الإلهة الوصية على هذا المعبد الصغير، ملابسها في انسجام تام من بساطة الحجرة، ومع أثاثها الكلاسيكي في ثوب قديم يوناني الطراز، أبيض كالثلج يتدلى حتى قدميها، ويصل حتى أعلى عنقها، ملابسها خالية من كل حلية سوى عصابتين أرجوانيتين دون الجبهة، وحذاء ذهبي مزركش في قدميها، وشبكة ذهبية تمسك بشعرها من الأمام والخلف.. وذلك الشعر الذي يشبه آلهة أثينا نفسها في لونه وغزارته وتموجه، ويبدو في عينيها الرماديتين حزن عميق، وعلى شفتيها الحادتين المقوستين، فيض من الوعي المقهور.. تدرس وتقرأ وتدون ملحوظاتها حتى ليحسها الرائي، إحدى صور الآثار القديمة البارزة".‏
          وقد قرأت مؤخراً خبراً عن صدور رواية جديدة عن دار حرية الفكر العربي بمصر، بطلتها (هيباتيا) بعد النجاح الكبير لرواية يوسف زيدان "عزازيل" .‏
          وكذلك احتفت السينما العالمية بقصة هذه الفيلسوفة، ففي مهرجان كان 2009 تم عرض فيلم (أغورا) للمخرج الإسباني اليخاندرو امينابار، معيدًا الالتفات إلى مصر في القرن الخامس بعد الميلاد بهذا الفيلم الذي تناول التطرف الديني ودعا إلى التسامح. حيث ركّز الفيلم الذي تجري أحداثه في الإسكندرية في أواخر أيام الإمبراطورية الرومانية على الصراع الدامي الذي دارت رحاه بين الوثنيين واليهود من جهة؛ والمسيحيين الذين تمكنوا من تولي السلطة تدريجيًّا في منطقة البحر المتوسط. وينطلق الفيلم مع مشهد تدمير المسيحيين واليهود لمكتبة الإسكندرية الثانية. أما مكتبة الإسكندرية الأولى فقد دمرها يوليوس قيصر.‏
          ويتطرق امينابار إلى تلك الحقبة المتوترة حيث انتفى توازن القوى بين الطوائف الدينية من خلال سرد سيرة الفيلسوفة هيباتيا.‏
          والمعروف أن هيباتيا عالمة فلك أيضا، وضعتها أبحاثها حول النظام الشمسي في مواجهة مع الكنيسة، قبل ألف سنة على اكتشافات غاليليوس. وتؤدي الممثلة البريطانية "ريتشل فايس" دور هيباتيا المرأة الوحيدة وسط عالم ذكوري، التي تتعرض للاضطهاد لأن أبحاثها العلمية تشكك في الإيمان المسيحي، حيث في تلك الفترة كانت المدينة غارقة في مواجهات دموية بين الطوائف الدينية وتشهد عمليات رجم ومذابح. وانتهى الأمر بانتصار المسيحيين الذين وضعوا حدًّا لإرث العصور القديمة الذي تدافع عنه هيباتيا.‏
          كانت "هيباتيا" أولى شهيدات الحكمة والفلسفة، كما أنها ساهمت في تأليف شرح كتاب SYNTAXIS لبطليموس إلى جانب أبيها ثيون الذي أقر ذلك في كتابه هذا، إلا أنه لمن المؤسف أن لم يبق من مؤلفاتها شيء.‏
          كانت عالمة رياضيات وفلك في الأصل، ثم انتقلت من الرياضيات إلى الفلسفة، وتعتبر أفلاطون أستاذها ومعلمها، وقد عينت أستاذة ومدرسة الفلسفة وهي لم تتعد الخامسة والعشرين من العمر، وبلغ من حبها للفلسفة أنها كانت تقف في الشوارع وتشرح لكل من يسألها النقاط الصعبة في كتب أفلاطون وأرسطو.‏
          هذه الشخصية الفريدة في عصرها، شهيدة الحكمة والفلسفة، وهذا الحدث التاريخي في مصر، جعلا الكثيرين يفكرون في توظيفهما فنياً (روائياً وسينمائياً) على الرغم مما أثارته في القرن الخامس الميلادي أو في القرن الحادي والعشرين. ولكن ماهي دلالاته ولماذا تم توظيفه الآن؟ لاشك في أن للموضوع دلالة أعمق مما كتبه زيدان، فلم يكن يقصد زيدان بطرس القارئ بعينه أو البابا كيرلس بذاته في هذه الرواية، أو كل شخصية عنيفة في الرواية، وإنما هو قدم نماذج من طائفة ليشير إلى مفهوم التعصب والعنف الذي يتحول إلى إرهاب، ذلك أن المبدأ في خطاب العنف واحد في كل العصور والأزمنة، ونتائجه متشابهة في كل الديانات والعقائد، وما أصاب الكثيرين من قتل وحشي وتنكيل وتعذيب وقتل وذبح، إن في ذاك الزمان أو غيره، لا يختلف في جوهره، فآليات الخطاب واحدة، ومفرداته متشابهة متقاربة.‏

          http://jamahir.alwehda.gov.sy/_View_...20090926200418

          تعليق

          مواضيع ذات صلة

          تقليص

          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
          ابتدأ بواسطة مصر المسلمة, 1 أبر, 2022, 09:56 م
          ردود 0
          1,031 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة مصر المسلمة
          بواسطة مصر المسلمة
          ابتدأ بواسطة spider_oxxo, 28 أبر, 2008, 01:08 ص
          ردود 7
          5,029 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة ابنة صلاح الدين
          ابتدأ بواسطة Ahmed_Negm, 2 نوف, 2010, 08:47 م
          رد 1
          2,750 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة Ahmed_Negm
          بواسطة Ahmed_Negm
          ابتدأ بواسطة الشرقاوى, 22 سبت, 2010, 12:26 ص
          ردود 0
          1,733 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة الشرقاوى
          بواسطة الشرقاوى
          ابتدأ بواسطة fares_273, 19 سبت, 2008, 06:08 ص
          ردود 5
          5,411 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة karam_144
          بواسطة karam_144
          ابتدأ بواسطة Ahmed_Negm, 17 أبر, 2009, 02:20 ص
          ردود 2
          2,178 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة Ahmed_Negm
          بواسطة Ahmed_Negm
          ابتدأ بواسطة سيف الكلمة, 21 فبر, 2007, 03:40 م
          ردود 14
          4,246 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة سيف الكلمة
          بواسطة سيف الكلمة
          ابتدأ بواسطة الراجى رضا الله, 10 أكت, 2024, 01:41 ص
          رد 1
          16 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة الراجى رضا الله
          ابتدأ بواسطة ابن النعمان, 1 مار, 2010, 10:25 ص
          ردود 0
          5,590 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة ابن النعمان
          بواسطة ابن النعمان
          ابتدأ بواسطة د. نيو, 3 ماي, 2018, 03:41 ص
          ردود 3
          702 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة د. نيو
          بواسطة د. نيو

          مواضيع من نفس المنتدى الحالي

          تقليص

          المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
          ابتدأ بواسطة محب المصطفى, 2 أغس, 2014, 01:20 ص
          ردود 321
          21,336 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة الفضة
          بواسطة الفضة
          ابتدأ بواسطة (((ساره))), 24 يون, 2010, 11:51 م
          ردود 291
          71,881 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة عاشق طيبة
          بواسطة عاشق طيبة
          ابتدأ بواسطة د.أمير عبدالله, 27 ديس, 2006, 11:31 م
          ردود 268
          92,053 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة الفضة
          بواسطة الفضة
          ابتدأ بواسطة Alaa El-Din, 25 مار, 2007, 01:49 م
          ردود 260
          95,309 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة smrsaadd
          بواسطة smrsaadd
          ابتدأ بواسطة elmasy7_7byby, 2 أبر, 2010, 01:51 م
          ردود 219
          32,824 مشاهدات
          0 ردود الفعل
          آخر مشاركة محب المصطفى
          بواسطة محب المصطفى
          يعمل...