الزواج في ضوء تحديات الواقع 3isam al 3alami

تقليص

عن الكاتب

تقليص

tamslamt moslim اكتشف المزيد حول tamslamt
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • tamslamt
    0- عضو حديث
    • 25 ماي, 2009
    • 5
    • etudian
    • moslim

    الزواج في ضوء تحديات الواقع 3isam al 3alami

    مقدمة:
    الحمد لله الذي أحل النكاح، وحرم السفاح، وملأ بيوت المؤمنين بالمسرة والأفراح، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبيًا عن أمته ورسولا عن دعوته ورسالته.
    وبعد: فإن ديننا محارَبٌ من كل جانب ومستهدف من كل جهة، فلم يترك أعداؤنا صغيرة ولا كبيرة إلا فعلوها للإطاحة بخيريَّة هذه الأمة...فحاولوا وما زالوا يحاولون تدمير لبنة المجتمع الأساسية، وآخر ما تبقى لهذه الأمة من حصون وهي الأسرة التي ما زالت متماسكة رغم ما توجه نحوها من سهام داخلية وخارجية معلومة وغير معلومة... (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين)(1).
    فالأسرة هي عماد هذه الأمة وركيزتها الأساسية، فبثباتها وتماسكها تَثْبُت السُّقُفُ والجدران، فيحصن كل ما بداخلها من إنسان، فلا تخترقه السهام المسمومة ولا تفسده الأقوال المذمومة، ولكن لن تنشأ هذه الأسرة المتماسكة إلا بعلاقة شرعية بين رجل وامرأة على سبيل الدوام والاستمرار، وهي ضرورة لبناء مجتمع متماسك متآزرـ وهذا هو الزواج الشرعي ـ أمَّا مَا نسمعه اليوم من الأنكحة الفاسدة فلا يتحقق منها الهدف والمبتغى.
    ولقد اعتنى الإسلام بهذه العلاقة عناية فائقة واهتم بها اهتماما بالغا ليس كأي علاقة إنسانية أخرى، حيث اهتم بكل مرحلة من مراحلها... فرغب فيها أيما ترغيب... أما ما نراه اليوم من تعسير وتشديد وجهل بهذه الفضيلة، يجعل العزوف باديًّا في صفوف الشباب... وهذا ينعكس سلبا على مجتمعاتنا بصفة خاصة، وعلى الأمة بصفة عامة. فكان اختياري لهذا العنوان"الزواج بين الترغيب في شريعة الإسلام والتحولات المعاصرة"، لأهميته وجهل الكثير منا بأحكامه، ولِمَا يتصل به من المشكلات الإجتماعية التي يتمنى كل مخلص وناصح لدينه وأمته أن يُيَسر حلها، فإن المشكلات كلما طُرقت وأُلقيت الأضواء عليها تيسر حلها، وإذا تناساها الناس وأغمضوا عيونهم، بقيت كما هي أو زادت غموضًا وإشكالاً(2).
    1ـ سورة الأنفال:30.
    2ـ الزواج: لفضيلة الشيخ العلامة"محمد بن صالح العثيمين"ـ بتصرف ـ ص:10.
    وقد عقدت لهذا الموضوع مقدمة وفصلين وخاتمة :
    ففي المقدمة ذكرت ما يسعى إليه الأعداء لهدم أعمدتنا من الداخل، وأعطيت من خلالها لمحة لترغيب الإسلام في الزواج والهدف والمبتغى منه.
    أما الفصل الأول: فقد خصصته للتعريف بالزواج وبيان مشروعيته وحكمته وصفته الشرعية.
    وقسمته إلى أربعة مباحث:
    1ـ تعريف الزواج من حيث اللغة والإصطلاح.
    2 ـ مشروعيته.
    3 ـ الحكمة من مشروعيته.
    4 ـ صفته الشرعية، وهي الأحكام الخمسة التي تعتري الزواج.
    أما الفصل الثاني: فقد تحدثت فيه عن ترغيب الإسلام في الزواج في ضوء تحديات الواقع المعاصر.
    وقسمته إلى ثلاثة مباحث:
    1ـ ترغيب الإسلام في الزواج .
    2 ـ الأسباب والعراقيل التي أحْجَِمت الشباب عن الزواج في عصرنا الحالي.
    3 ـ بعض الحلول الفقهية في نظر العلماء.
    وأنهيت موضوعي بخاتمة ذكرت فيها الجانب الذي ضيعته الأمة فضاعت، وهجرته فأذبها الله لليهود إخوة القردة والخنازير... فبدونه لا عزة لنا ولا كرامة، به أعز الله أسلافنا فحولهم من رعاة للإبل والغنم، إلى قادة للشعوب والأمم.
    وذيلت في الأخير هذا البحث بلائحة للمصادر والمراجع التي استعنت بها في إنجازه، ثم بفهرس للمواضيع راجيًّا أن يكون ذلك غير مخل ولا ممل، وفي الأخير لا يسعني إلا أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى أستاذنا الفاضل "د.محمد عز العرب برحيلي" الذي لم يبخل علي بنصائحه القيمة وتوجيهاته النيرة، فأسأل الله العظيم رب العرش العظيم، أن يجعل عمله خالصا لوجهه الكريم صوابا على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
    ـ آمين ـ
    ـ عصام العلمي ـ












    توطئة:
    ليس الغرض من هذه التوطئة سَرْدُ بعض الأحداث والأساليب التي كانت سائدة في المجتمعات القديمة قبل ظهور الإسلام فحسب، بل الغرض الأسمى من ذكرها هو إظهار عظمة هذا الدين الإسلامي الحنيف في تشريعاته السمحة والمكانة التي أعطاها لكل من الرجل والمرأة(أي الزوج والزوجة)على حد سواء ومدى إنصافه لكل منهما في حياتهم الزوجية(1).
    كما هو معلوم أن المجتمعات قديما كانت تعيش فوضى عارمة، من جور حكام وفساد نظام وانعدام الأمن والسلام،وهذه بعض ما كانت عليه تلك الأسر قبل الإسلام:
    * لقد ساد في الهند نظام البهرتي والزميني وما زالا حتى اليوم لهما تأثير كبير على حياة الشعب الهندي وتفكيره فالأول خاص بطبقة البراهمة وهي التي يعطي فيها الرجل ابنته للزوج برغبته الكاملة وبدون أي مقابل أما الآخر فهو الزواج الريشي يكون المقابل رأسين من البقر كهدية للفتاة لا مهرا ولا ثمنا (2) .وهناك نظام يباح فيه إشتراك جماعة من الرجال في زوجة واحدة(3) .
    * وفي جنوب الهند وعلى الحدود الشمالية كان يباح للإخوة أن يشتركوا في زوجة واحدة ولا يزال هذا النظام متبعا إلى الوقت الحاضر في بعض القبائل وإذا لم يكن للشاب إخوة فإنه قلما يجد زوجة له (4).
    * وفي عشائر الرّيدي الهندية جرت العادة أن تزوج المرأة ما بين السادسة عشرة والعشرين من عمرها بطفل في الخامسة ويعد هذا: الزوج الشرعي النظري فتحتاج إلى زوج عملي فيكون عمه أو إبن عمه أو أبوه أحيانا وجميع ما تأتي به من الأولاد يلحق بزوجها الشرعي فإذا بلغ الزوج وجد المرأة وقد وهن عظمها وأدركتها الشيخوخة فيتصل بإحدى زوجات أولاده أو أقاربه الصغار ويصبح زوجها العملي إلى جانب زوجها الشرعي ويقوم بنفس الدور الذي قام به غيره مع زوجته وهو صغير...وهكذا(5).
    * ومما كان شائعا أيضا عند قدماء اليونان و العرب في الجاهلية و عند الهنود وغيرهم أن


    1-محمد متولي الصباغ: "الإيضاح في أحكام النكاح"-بتصرف- ص:15
    2- محمد صالح السيد عدنان الموسوي:المرأة في الإسلام ج:1 ص:52
    3- الإيضاح في أحكام النكاح ص:15 وسماه ب:"إشتراك الزوجية مع عدد الأزواج"
    4-نفسه ص:16.
    5-نفسه ص:16
    تزوج المرأة لرجل واحد ولكن يباح لغيره أن يتصل بها فترة محددة قبل الزواج أو ما يعرف ب:"نكاح اللإستبضاع"(1).
    * أما في أوروبا فكان الزواج منبعثا عن المصلحة والرغبة في النفع المادي و توسيع الإقطاعية
    وكان يتم على الفتاة أحيانا وهي بعد في سن الخامسة خلافا لما قدرته الكنيسة أن يكون الحد الأدنى للزواج في سن الفتاة اثنتي عشرة سنة(2).
    * أمااليهود فكانوا لا يقدمون صداقا للمرأة بل يشتريها الرجل من أبيها عند نكاحها لأن المهر كان يدفع لأبيها أو لأخيها على أنه ثمن لها ثم تصير مملوكة لزوجها وهو سيدها المطلق فإذا مات زوجها ورثها وارثه(لأنها تصبح جزءًا من التركة ) وله أن يبيعها أويضعها(3).
    وكان الزواج بالأخت شائعًا عندهم كما يُبيحون زواج بنت الأخ وبنت الأخت وبنت امرأة الأب ...وأحلوا زواج المتعة ومارسوه...(4).
    وكانت المرأة في القانون الروماني أشبه شئ بالرقيق ومعنى زواجها أن يبيعها الأب بثمن يتراضى عليه الطرفان فيسلمها الأب للزوج أمَةً لاحول لها ولا قوة، فهي تنتقل من سلطان الأب إلى سلطان الزوج كما تنتقل الدابة من مِلْك رجل لحيازة آخر وللزوج عليها السيادة المطلقة فله أن يبيعها ويُؤجرها ويعيرها ويقتلها إذا شاء وليس لها حق معه في أن تملك شيئا(5) .
    وهذا أيضًا ما كان يفعل بالمرأة الفارسية فهو متصرف فيها ولا تُسمح لها أي دعوى فيما يجري عليها زوجها (6).
    أما في سومار: فلا يرجع أمر زواج الفتاة إلى الأب بل تحشر مع أندادها إلى الكاهن فيجعلهن في معبد واحد وبيعهن وكل من اشترى فتاة كان عليه أن يتزوج بها(7).
    وقد جاء في حديث أُم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن النكاح في الجاهلية مما يدل على أن هذا النظام كان متبعًا كذلك عند العرب قبل الإسلام، ذلك إذ تقول:"كان الرجل يقول
    1-نفسه ص: 17.أما الإستبضاع:فهو أن تستبضع من غيره وذلك لنيل الولد فقط، فلا يطأها زوجها حتى تضع الولد منه.(أنظر الإيضاح في أحكام النكاح)ص:18.
    2-المرأة في الإسلام ج1 ص:52.
    3-نفسه ج1ص:23.
    4- نفسه ج1ص:54.
    5-نفسه ج1ص:57.
    6-أنظر "المرأة في الإسلام" ج1ص:41.
    7-المرأة في الإسلام ج1ص:40.
    لامرأته إذا طهرت من طمثها(1) أرسلي إلى فلان فاستبضعي(أي الجماع) منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه"(2).
    * وقد ذكر الشيخ سيد سابق في "فقه السنة" وغيره أنواعًا أخرى من الأنكحة التي هدمها الإسلام(3).
    وبعد ظهور الإسلام إنتهى زمن الإستبداد والظلم والجور، ونَظّم الزواج وجَعل في البُضْع الأجور، فهدم كل الأنكحة الفاسدة وأعطى للزواج نظامًا يسير عليه فاجتمع شمل الأسر وأنعمت المرأة بحريتها وأصبحت الحياة تدب من جديد في الأوساط المسلمة التي كادت أن تلحق بالأمم والشعوب البائدة بسبب الإنحلال والفوضى التي استفحلت بشكل كبير.
    وقد أورد محمد صالح عدنان الموسوي في كتابه "المرأة في الإسلام "أن هذا الدين الإسلامي هو منقذ الأمم السابقة واللاحقة من مستنقع الرذائل فقال: "والذي أحدث هذا الإنقلاب العظيم في هذه الأوضاع لامن الجهة القانونية العملية فقط، بل من الجهة الفكرية والعملية أيضًاهو الدين الإسلامي...إن النظام الإسلامي جعل المرأة من نوع الرجل مماثلة في الإنسانية وبناء المجتمع قال تعالى:(يا أيّها النّاس اتقُوا ربّكم الّذي خلقكم مّن نّفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرًا ونساءً...)(4)...ولذلك شرَّع الزواج والتلاحم بينهما لامتداد النسل البشري والنوع الإنساني، قال تعالى:(ومن آياته أن خلق لكم من انفُسكُمُ, أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مّودة ًورحمة...)(5)، فالزوج يرادف العدل والزوجة تهدأ وتسكن عند زوجها فكل منهما سكن للآخر...وكل منهما خلق لخدمة الحياة الإنسانية واستمرارها"(6).







    1-حيضها.
    2- جزء من حديث طويل للبخاري في صحيحه:كتاب النكاح "باب من قال لا نكاح إلا بولي..." رقم:60 المجلد4ج7ص:26.
    ولأبي داود في سننه:تفريغ أبواب الطلاق "باب في وجوه النكاح التي كان يتناكح بها أهل الجاهلية" رقم:2272،ج2ص:290.
    3- أنظر" فقه السنة" المجلد:2 ص:6-7، وكذلك "الفقه المالكي الميسر"لوهبة الزحيلي المجلد:2ص:8-9-10، والإيضاح ص:17.
    4-سورة النساء:1.
    5- سورة الروم:21
    6-المرأة في الإسلام ج1ص:(60-62).
    الفصل الأول:
    تعريف الزواج وبيان مشروعيته وحكمته وصفته الشرعية
    الفصل الأول: تعريف الزواج وبيان مشروعيته وحكمته وصفته الشرعية.
    المبحث الأول: تعريف الزواج لغة واصطلاحًا.
    تكاد المعاجم العربية تجمع على أن مصطلح "زوج" من حيث الإستعمال اللغوي يقصد به الإزدواج والإقتران والإرتباط والضم والتداخل، فقد ورد في معجم مقاييس اللغة لابن فارس (ت395ﻫـ) في مادة "زوج" ما يلي: "الزاي والواو والجيم أصل يدل على مقارنة شئ لشئ، من ذلك (الزوج زوج المرأة والمرأة زوج بعلها، وهو الفصيح، قال الله جل ثناؤه: (اسكن أنت وزوجك الجنة)(1) ..."(2). وقد جاء في "لسان العرب"لابن منظور المصري (ت 711ﻫـ): "...وزوج الشئ بالشئ، وزوجه إليه: قرنه وفي التنزيل:(وزوجناهم بحور عين)(3)...تقول عندي من هذا أزواج أي أمثال...وكذلك الزوج المرأة والزوج المرء، قد تناسب بعقد النكاح، وقوله تعالى:(أو يزوجهم ذكرانًا وإناثًا)(4) أي يقرنهم وكل شئ إقترن أحدهما بالآخر: فهما زوجان"(5). وشبيه بهذا ما ورد في القاموس المحيط للفيروزابادي(الزوج البعل والزوجة، وخلاف الفرد... (وزوجناهم بحور عين): قرناهم. والأزواج القرناء، وتزوجه النوم :خالطه"(6).أما إذا تصفحنا المعاجم في مصطلح "نكح" فلا يكاد يخرج عن معنى "زوج" فقد ورد في "لسان العرب" لابن منظور مادة "نكح":(...نكح فلان امرأة إذا تزوجها، ونكحها ينكحها :باضعها، وقال الأعمش في نكح بمعنى تزوج، وقال الأزهري: أصل النكاح في كلام العرب الوطء. وقيل للتزوج نكاح لأنه سبب للوطء المباح...)(7). أما ابن فارس فقد ذكر ما يلي: "النون والكاف والحاء أصل واحد وهو البضاع، ونكح ينكح. وامرأة ناكح في بني فلان أي ذات زوج منهم. والنكاح يكون العقد دون الوطء، يقال نكحت: تزوجت، وأنكحت غيري"(8).




    1- سورة البقرة: 34.
    2- أحمد ابن فارس: معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر، ج3ص:35.
    3- سورة الدخان: 51.
    4-سورة الزخرف:47.
    5-ابن منظور: لسان العرب، دار صادر-بيروت- المجلد 2ص:293.
    6-الفيروزابادي: القاموس المحيط،- دار الجيل- ج:الأول/ص:199.
    7-ابن منظور: لسان العرب دار الفكر المجلد 2 ص:625.
    8- ابن فارس:معجم مقاييس اللغة، تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر، ج5 ص: 475-474
    وفي القاموس المحيط للفيروزابادي: "النكاح : الوطء والعقد له، ...ونكح النعاس عينه :غلبها ونكح المطر الأرض اعتمد عليها..."(1).
    ويكون بمعنى عقد التزويج، ويكون بمعنى وطء الزوجة، قال أبو علي الفارسي(ت377ﻫـ): "فرقت العرب فرقًا لطيفا يعرف به موضع العقد من الوطء فإذا قالوا: نكح فلانة أو بنت فلان أرادوا عقد التزويج، وإذا قالوا نكح امرأته أو زوجته لم يريدوا إلا الجماع والوطء"(2).
    وتستعمل كلمة النكاح في معنى الزواج وهو الكثير في لغة القرآن الكريم وحديث النبي صلى الله عليه وسلم وكلام الفقهاء(3).
    إذًا هذا من جهة اللغة وهو ما سيكون حاضرًا في المعنى الاصطلاحي أيضًا: - إنه ميثاق ترابط وترابط شرعي بين رجل وامرأة على وجه الدوام، غايته الإحصان والعفاف وإنشاء أسرة مستقرة برعاية الزوجين...(4).
    وهو عهد وميثاق بين الزوجين يربط بينهما برابط المودة والرحمة مدى الحياة ويحكم العلاقة حتى يصيرا شخصًا واحدًا، يدافع كل منهما عن الآخر ويألم كل منهما بألم الآخر وقد أرشد إلى ذلك قوله تعالى: (هُنّ لبَاسٌ لّكُم وأنتُم لباسٌ لّهُنّ(5))(6).
    وهو عقد وضعه الشارع يفيد حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر على الوجه المشروع وعلى سبيل القصد والتقييد بالقصد ليَلاّ يشمل العقد الذي يفيد الحل ضمنيًّا، كملك اليمين يثبت بشراء أو هبة أو ميراث...وقد أفاد هذا التعريف الشرعي الأمور الآتية:
    - أن الزوج مختص بالإستمتاع بزوجته دون غيره، فلا يَحِل لغير زوجها الإستمتاع بها ما دامت في عصمته.
    - أنه بمجرد تمام العقد بين الزوجين يحل للزوج الإستمتاع بزوجته على الوجه المشروع، بعد أن كان ذلك محرمًا قبل عقد الزواج.



    1-الفروزابادي:القاموس المحيط – دار الجيل- ج:الأول/ص:363.
    2-ابن حجر "فتح البارئ" كتاب النكاح، ج9 ص:105. وذكره محمد بن صالح العثيمين "الزواج" ص:11.
    3- علي حسب الله: الزواج في الشريعة الإسلامية ص:7.
    4- منشورات الزمن: ثورة هادئة من مدونة الأحوال الشخصية الى مدونة الأسرة ص:237.
    5-البقرة: 233.
    6-بدران أبو العينين بدران:" الزواج والطلاق في الإسلام" ص:11
    - أن استمتاع الزوج غير مقصود على زوجته فله أن يستمتع بغيرها من زوجات في الحد المقرر شرعًا وهو أربعة زوجات، أما المرأة فمحظور عليها تعدد الأزواج حتى لا تختلط الأنساب(1).
    المبحث الثاني: مشروعيته.
    فالزواج سنة من سنن المرسلين ودأب الصالحين ودعا إليه رب العالمين فقال سبحانه:(ولقد اَرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم, أزواجًا وذُرّيّةً)(2).
    إذا فهو أمر مسنون وردت آيات وأحاديث نبوية كثيرة ترغب فيه وتدعو إليه، منها:
    قوله تعالى:(ومن آياته أن خلق لكم من انفسكم, أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون)(3).
    وقوله سبحانه:(وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم, إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم)(4).
    وقوله عز وجل:(والله جعل لكم من اَنفسكم, أزواجًا وجعل لكم مّن اَزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يومنون وبنعمة الله هم يكفرون)(5).
    وقوله صلى الله عليه وسلم:(يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة(6)فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)(7).
    وحديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال:(جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها، فقالوا: وأين نحن من النبي صلى الله عليه وسلم قد غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر،قال أحدهم أما أنا فإني أصلي الليل أبدًا، وقال آخر أنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال آجر أنا أعتزل النساء فلا أتزوج أبدا. فجاء



    1- بدران أبو العينين بدران-الزواج والطلاق في الإسلام- ص:10.
    2- الرعد:39.
    3- الروم:21.
    4- النور:32.
    5- النحل:72.
    6- سأتطرق لها بالتفصيل-إنشاء الله تعالى- في الفصل الثاني(ترغيب الإسلام في الزواج).
    7- صحيح البخاري: كتاب النكاح "باب من لم يستطع الباءة فليصم" رقم:4 المجلد:4،ج:7،ص:4.
    وصحيح مسلم: كتاب النكاح "باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه إليه..." رقم:1400 المجلد:2،ص:1017.
    رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنتم الذي قلتم كذا وكذا أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني)(1).
    وهذه الآيات والأحاديث على سبيل الإيجاز لا الحصر، أما الإجماع فقد أجمع العلماء على مشروعية الزواج وطلبه(2)، فالإسلام حث على الزواج ورغب فيه لتحقيق الإنسجام والتكامل والتعاون بين الجنسين، أما الرهبانية فهي مجافية للنزعة الغريزية الإنسانية بين الجنسين ومناقضة للهدف العام من وجود النوع الإنساني واستمراره وتزايده(3)، وقد علق ابن حجر(ت852) على الحديث السابق قائلا:" ولمح بذلك إلى طريق الرهبانية فإنهم الذين ابتدعوا التشديد كما وصفهم الله تعالى وقد عابهم بأنهم ما وفوه بما التزموه، وطريقة النبي صلى الله عليه وسلم الحنيفة السمحة فيفطر ليتقوى على الصوم وينام ليتقوى على القيام ويتزوج لكسر الشهوة وإعفاف النفس وتكثير النسل"(4).
    المبحث الثالث: الحكمة من مشروعيته.
    لقد فضل الله سبحانه وتعالى الإنسان وأعطاه نظاما راقيا جعله ينظم حياته الجنسية وفق وسيلة راقية تبعده عن الحيوانية وتجعل اتصاله الجنسي يعبر عن التكريم الذي كرمه الله به(5)، فهو مظهر من مظاهر الرقي الإنساني وهو راحة للنفس العالية لإقامة دعائم الأسرة التي هي عماد هذه الأمة.
    وحكمته في الإسلام ليس قضاء الوطر الجنسي فحسب بل الغرض منه أسمى من ذلك وأكبر، لما فيه من فضائل إجتماعية ونفسية لأنه رباط الأسرة ودعامة العمران(6)فهو حصانة منعة ولباس العفة وسياج الكرامة الإنسانية وعون على الغنى...يكون الطريق لعصمة المسلم من الإنحراف ويحفظه من جموح شهواته الجنسية التي تتحكم فيه، وبه يكمل دين المرء المسلم وبه تتم سعادته، وحفظ صحته وماله، لأنه يعينه على أن يغض بصره ويعف نفسه ويصون جوارحه


    1-صحيح البخاري: كتاب النكاح"باب الترغيب في النكاح " الرقم:1 المجلد4 ج7ص:2.
    صحيح مسلم:كتاب النكاح"باب استحباب النكاح لمن تاقت نفسه اليه..."الرقم:1401م2ص:1020.
    2- وهبة الزحيلي: الفقه المالكي الميسر ج2 ص:16.
    3- نفسه: ج2 ص:12.
    4- ابن حجر:فتح الباري "كتاب النكاح"ج9 ص:105.
    5- يوسف علي بديوي وأحمد علي جمعة:الأسرة في العالم المعاصر،ص:376.
    6-محمد الصباغ:الإيضاح في أحكام النكاح ص:24 –بتصرف-.
    من المحرمات كما أنه يجد متنفسا لشهواته في الحلال(1).
    وبالنكاح تنمو الصلات الإجتماعية وتترابط الأسر وتتسع دائرة الألفة والمودة، وقد تساعد المصاهرة على محو العداوات المتأصلة بين المتخاصمة وتدوم المحبة بسببه(2).
    ولولاه للزم أحد الأمرين: فناء الإنسان أو وجود إنسان ناشئ من سفاح لا يُعرف له أصل ولا يقوم على أخلاق(3).
    والزواج يغرس في الإنسان كثيرا من الصفات النبيلة والأخلاق الحميدة منها حب الغير والإيثار على النفس والشعور بالمسؤولية(4)،ولم تقتصر منافع الزواج على الحياة الدنيوية فقط إنما بعدت إلى ما بعد الموت، فإن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث ومنها: ولد صالح يدعو له، ولا يكون الولد إلا بالزواج لأن دعاء الولد من أسباب الرحمة والثواب في الآخرة(5).
    فهذه الحكم على سبيل الإيجاز والإختصار وإلا فهي كثيرة لا تعد ولا تحصى وهذا ناتج عن قصور عقولنا من إدراك كل الحكم الشرعية، إذ أن كل ما شُرّع ففيه منافع ومصالح وحكم عظيمة لهذا الإنسان الذي اختاره الله لعمارة هذا الكون.
    المبحث الرابع: صفة الزواج الشرعية(6).
    يراد بالصفة الشرعية ما يحكم به الشارع على أفعال الإنسان أو أقواله من وجوب أو حرمة أو إباحة أو ندب أو غير ذلك، وحكمه يختلف باختلاف حال الزوج وطبيعته البشرية وقدرته المالية، وقد قال الفقهاء:أن الزواج تعتريه الأحكام الخمسة:
    - فيكون سنة مؤكدة إذا كان المرء قادرًاعلى مطالب الزواج المالية بثروة في يده أو عمل يقدر عليه معتدل الطبيعة البشرية واثقا من إقامة العدل في معاملة الزوجة، وهذا الكثير في أحوال الناس ويثاب عليه حينئذ إذا نوى به تحصين النفس وتحصيل الولد.
    - ويكون واجبًا إذا كان المرء قادرًا على مطالبه المالية، واثقا من إقامة العدل في معاملة المرأة، ولكنه يخشى الوقوع في الزنا لو لم يتزوج.


    1- محمد الصباغ:الإيضاح ص:24 - بتصرف-
    2- نفسه: ص:24.
    3- محمد بن صالح العثيمين: الزواج ص:32.
    4-بدران أبو العينين: الزواج والطلاق في الإسلام ص:13.
    5-نفسه:- بتصرف- ص:13.
    6-أنظر مثلا: - علي حسب الله:الزواج في الشريعة الإسلامية ص:(14-15-16).
    - بدران أبو العينين:الزواج والطلاق في الإسلام ص:(15-16-17-18).
    وكذلك فقه السنة- للسيد سابق – المجلد:2 ص:(12-13-14).
    - ويكون فرضًا إذا كان قادرًا على المطالب المالية، واثقًا من إقامة العدل في المعاملة ومتحققا من الوقوع في الزنا لو لم يتزوج.
    - ويكون مكروهًا إذا كان قادرا على المطالب المالية معتدل الطبيعة البشرية ولكنه يخشى أن يجور في معاملة امرأته إن تزوج.
    - ويكون حرامًا إذا تحقق من الوقوع في الجور لو تزوج.
    ولكن إذا تعارض ما يجعل الزواج فرضا وما يجعله حراما كما إذا تيقن شخص أنه سيرتكب معصية إن لم يتزوج وتيقن أنه سيظلم زوجته ولا يحسن معاملتها ومعاشرتها إن تزوج؟.
    فقال العلماء: إن من حاله ذلك يجب أن يجاهد نفسه ولا يدخر جهدا في تهذيب نفسه وتقويمها وإصلاح أخلاقه حتى لا يظلم زوجته كما يجب عليه أن يحارب نزعات نفسه الأمارة بالسوء ويقاوم شهواته ويعمل لإضعافها والحد منها بالصوم وغيره حتى لايقع في معصية الزنا إن لم يتزوج، دل على ذلك قوله تعالى:(وليستعفف الذين لايجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله)(1).فإن معناه ليجتهد في العفة وكسر الشهوة حتى لا يرتكب الفاحشة. وقوله صلى الله عليه وسلم:(يا معشر الشباب...الحديث)(2)فقد أوضح أن الصوم هو العلاج الناجع لمثل هذه الحالة لما فيه من تهذيب النفوس وقمع الشهوات(3)، والمسلم الذي تربى على مبادئ الإسلام لا ينبغي أن يفسد مزاجه إلى حد اجتماع هاتين الرذيلتين فيه، وعليه أن يجاهد نفسه ليبتعد عن كل المحرمات(4).


    1-النور:32، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله- إثر استعراضه لهذه الآية:"والله سبحانه وتعالى لا يخلف وعده، ومن وعده الله بالغنى فطوبى له وحسن مآب" موسوعة فقه السنة-فقه النساء-لابن تيمية ص:8.
    2- سبق تخريجه في ص:10.
    3- بدران أبو العينين: الزواج والطلاق في الإسلام ص:18.
    4- علي حسب الله: الزواج في الشريعة الإسلامية ص:17.
    الفصل الثاني:
    ترغيب الإسلام في الزواج في ضوء تحديات الواقع المعاصر
    الفصل الثاني: ترغيب الإسلام في الزواج في ضوء تحديات الواقع المعاصر.
    المبحث الأول: ترغيب الإسلام في الزواج.
    الزواج في الإسلام مرغب فيه أتم الترغيب ومحضوض عليه آكد الحض، إلى جانب أنه أمر فطري مركوز في الطبيعة الإنسانية يسعى الإنسان إليه بدافع الفطرة(1)، فلا عجب إذا ما شعر الرجل في كيانه الحسي بفراغ لا يملأه إلا اللقاء بالمرأة، كما أنه لا غرابة في أن تشعر المرأة بقلق في وجدانها لا يهدأ حتى تجد الصلة بالرجل، وذلك هو النكاح...الوسيلة الشريفة للإتصال بين الرجل والمرأة وبصورة تليق بمكانة الإنسان وكرامته(2).
    إن الرغبة الحسية سواء من الرجل للمرأة أو من المرأة للرجل هي إحساس عضوي مثلها مثل الإحساس بالجوع والإحساس بالعطش والأُوَار(3)، يقول العلامة رشيد رضا(1856/1935)في كتابه"حقوق النساء في الإسلام":"إن السكون النفسي الجنسي بين الزوجين هو تعبير بليغ عن شعور الشوق واللذة والحب الذي يجده كل منهما باتصلهما، وإفضاء أحدهما إلى الآخر الذي تتم به إنسانيتهما، وبه يزول أعظم اضطراب فطري في القلب والعقل ولا ترتاح النفس وتطمئن في سريرتها من دونه"(4). ومن ذلك كانت العشرة الزوجية والحياة الأسرية محوطة بسياج حصين منيع يدفع عنها هوج العواصف والزلازل(5)، فاهتم بها الإسلام اهتمامًا بالغا وعناية فائقة ليست كأي علاقة إنسانية أخرى، حيث اهتم بكل مرحلة من مراحل هذه العلاقة( الخطبة-عدد الزوجات-المحرمات...).
    وقد أمر الشرع الحنيف به أمرًا أكيدا لمن خشي العنت والزنى وعده بعض الأئمة الفقهاء من قسم العبادات(6)وقال الإمام الفقيه أبو زيد الدبوسي-رحمه الله تعالى-:"قال علماؤنا:النكاح أفضل من التخلي لعبادة الله تعالى"(7)، وقال الإمام الشافعي رحمه الله:"التخلي للعبادة أفضل إلا أن


    1- عبد الفتاح أبو غدة: صفحات من صبر العلماء ص:282.
    2- محمد متولي الصباغ: الإيضاح في أحكام النكاح ص:22.
    3- موسوعة فقه السنة-لابن تيمية- ص:7، والأُوار:حر النار والشمس والعطش والدخان واللهب والجنون، ج.أُورٌ، وأرض أورة كفرحة: شديدتُه (القاموس المحيط-للفيروزبادي- ج:الأول/ ص:379).
    4- الأسرة المسلمة في العالم المعاصر: ص:367.
    5- موسوعة فقه السنة: ص:9.
    6- صفحات من صبر العلماء: ص:282.
    7- نفسه: ص:282.
    تتوق نفسك إلى النساء، ولا يجد الصبر على التخلي"(1)، ولهذا قال العلماء :"إن التزوج مع الشهوة أفضل من نوافل العبادات"، لما يترتب عليه من المصالح الكثيرة والآثار الحميدة(2).
    وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحثُّ أصحابه على الزواج ويحضهم للإسراع به وترك الوحدة والعزلة فيقول النبي صلوات ربي وسلامه عليه:(انكحوا فإني مكاثر بكم)(3)، وعن أبي نجيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من كان موسرًا لأن ينكح ثُمّ لم ينكح فليس مني)(4).
    بل حتى الصحابة رضي الله عنهم يرغبون بعضهم بعضًا في هذه العبادة العظيمة، عن سعيد بن جبير قال: قال لي ابن عباس:(هل تزوجت ؟ قلت: لا، قال: تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء)(5).
    فالزواج سبيل إلى الغنى كما أسلفنا وقد قال الشيخ محمد متولي الصباغ أثناء ذكره لقوله تعالى:(إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله) وهذا المعنى القرآني يلفت النظر إلى أن الله تبارك وتعالى يجعل من النكاح سبيلا إلى الغنى(6)، وفي تفسير هذه الآية يقول الإمام القرطبي(ت671 ):"وهذا وعد بالغنى للمتزوجين طلبا رضى الله واعتصاما من معاصيه، وقال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح...هذه الآية دليل على تزويج الفقير ولا يقول كيف أتزوج وليس لي مال فإن رزقه على الله"(7).
    وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(ثلاثة حق على الله عونه: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف)(8)، وقال فاروق الأمة عمر بن الخطاب رضي الله عنه:(عجبت لمن يطلب الغنى ولم
    يتزوج)(9)وقال ابن مسعود رضي الله عنه:"لو لم يبقى من أجلي إلا عشرة أيام وأعلم أني أموت


    1- عبد الفتاح أبو غدة: صفحات من صبر العلماء- ص:282.
    2- محمد بن صالح العثيمين:الزواج- ص:12.
    3-سنن ابن ماجة: كتاب النكاح-باب تزويج الحرائر الولود- رقم:1863، ج:1 ص:227.
    4- سنن البيهقي: كتاب النكاح –باب الرغبة في النكاح- ج:7 ص:78.وقال: هذا حديث مرسل.
    5-صحيح البخاري:كتاب النكاح –باب كثرة النساء- رقم:7 م:4 ج7 ص:5.
    6-محمد متولي الصباغ:الإيضاح ،ص:23.
    7-الجامع لأحكام القرآن: ج:12 ص:241-242.
    8-سنن الترمذي:أبواب فضائل الجهاد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم "باب ما جاء في المجاهد والمكاتب والناكح وعون الله إياهم" رقم1706 ج3 ص:103.
    سنن النسائي: كتاب الجهاد "فضل الروحة في سبيل الله عز وجل"(بزيادة: ثلاثة كلهم...)ج:6 ص:15.
    9- أنظر: الإيضاح في أحكام النكاح، ص:23.والجامع:للقرطبي ج:12 ص:241.
    في آخرها، ولي طول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة"(1).
    وأغلب الذين تعرضوا لشرح "الباءة" المذكورة في الحديث لم يجعلوها مقيدة بالإستطاعة المالية فقط ولكن قدروها بالعجز الجنسي أيضًا فقد ورد في" سبل السلام" للإمام الصنعاني(1099/1186) قوله:"اختلف العلماء في المراد بالباءة، والأصح أن المراد بها الجماع: فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرة على مؤنة النكاح فليتزوج، ومن لم يستطع الجماع لعجزه على مؤنته فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر مائه كما يقطع الوجاء"(2).
    أما القرطبي فوقف عند قوله تعالى:(وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله) بقوله:"...فأمر الله تعالى بهذه الآية كل من تعذر عليه النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر أن يستعفف، ثم لما كان أغلب الموانع على النكاح عدم المال وعد بالإغناء من فضله فيرزقه ما يتزوج به، أو يجد امرأة ترضى باليسير من الصداق، أو تزول عنه شهوة النساء"(3).
    وهذا شيخ الإسلام ابن تيمية(ت728) يرى رأيا آخر بقوله:"و(استطاعة النكاح) هو القدرة على المؤونة وليس هو القدرة على الوطء، فإن الحديث إنما هو خطاب للقادر على فعل الوطء ولهذا أمر من لم يستطع أن يصوم، فإنه له وجاء ومن لا مال له: هل يستحب أن يقترض ويتزوج؟ فيه نزاع في مذهب الإمام أحمد وغيره، وقد قال الله تعالى:(وليستعفف الذين لا يجدون نكاحا حتى يغنيهم الله من فضله) وأما الرجل الصالح فهو القائم بما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده"(4).
    لقد رغب الإسلام في الزواج وحث عليه لأنه متعلق بذات الإنسان الذي كرمه الله تعالى في قوله:(ولقد كرمنا بني آدم)(5)ولهذا أسماه ميثاقا غليظا في قوله سبحانه:(وأخذن منكم ميثاقا غليظا)(6) لكن الكثير من شبابنا يفضلون العزلة والتخلي عن الزواج؟ والغريب أنك تجد الواحد



    1-ذكره محمد متولي الصباغ في "الإيضاح" ص:24.
    2. الإمام الصنعاني: سبل السلام- باب النكاح- الحديث الأول،ج:3، ص:192.
    3- الجامع لأحكام القرآن:ج12 ص:243.
    4-- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: المجلد:32، ص:6.
    5- الإسراء:70.
    6- النساء:21.
    منهم يحتج بأن هناك علماء عزاب لم يتزوجوا...؟؟ وهذا صحيح ولكن ما الذي جعل هؤلاء العلماء يتبتلون(1) ويتركون النساء؟؟ يجيب الشيخ عبد الفتاح أبو غدّة في" الصفحات" قائلا:"وما عزب بهم عن الزواج المركوز في الفطرة الى العزوبة التي لا تجهل مصاعبها ومتاعبها، إلا الشوق المتزايد للعلم الذي اشتعلت هممهم به تعلقا وحبا وتحصيلا وجمعا ونشرا وتدوينا، حتى غدا العلم منهم بمنزلة الروح من الجسد...ولا يطيقون التنازل عن تحصيل أدنى قسط منه يمكنهم تحصيله، فصار العلم منهم بموقع الغذاء والدواء جميعا"(2). ويضيف قائلا في موضع آخر:"فإن غريزة الشهوة إذا استيقظت في الإنسان العزب شتتت عليه الفكر والرأي وأقلقت منه العين والنفس وقد تزحزحه عن الجادة والإستقامة، وتهوي به إلى السقوط في هوة الإهانة والهلاك"(3).
    وهذا هو حال الشباب اليوم مشتت الذهن والتفكير، منعدم الهدف والمصير، همه إشباع غرائزه بأي وسيلة كانت ولو في الحرام(4).
    فيجب على الإنسان أن يحافظ على كرامته التي أنعم الله بها عليه ليرقى بها إلى مستوى المقربين منه سبحانه، ولا ينزل إلى مستوى البهيمية التي يعدهم بها عدو الله والبشرية،لقوله تعالى:(الشيطان يعدُكُم الفقرَ ويامُرُكُم بالفحشاء والله يعدكم مغفرَةً منه وفَضلاً، والله واسع عليم)(5).



    1- التبتل: الإنقطاع عن النساء وترك الزواج،وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن التبتل في الحديث الذي رواه البخاري بسنده عن سعد بن أبي وقاص قال:" رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا". كتاب النكاح-باب ما يكره من التبتل والخصاء- رقم:11 المجلد:4 ج:7 ص:6.
    2- ص:286.
    3- ص:283.
    4- مع العلم بأن هناك شريحة لابأس بها من الشباب يحبون الفضيلة وينبذون الرذيلة(والحمد لله).
    5- البقرة:267.
    ...هكذا يدعو الإسلام إلى الدخول في بوثقة العفة والطهر، ويرغب في ما يصون كرامة الإنسان المتطلع للكمال والذي لا يليق به أن يتشبه بالحيوان...؟ ولكن ما نراه في عصرنا الحالي من تعسير وتشديد على هذا الإنسان، يجعله حائرًا بين الإقبال على الفضيلة وتحدي الصعاب أو الإستسلام للرذيلة واتباع ما يمليه عليه عدو البشرية الذي يعده الفقر ويزين له عمل السوء، ويحول دونه ودون إنشاء أسرة متكاملة تسودها المودة والرحمة والسكينة والإطمئنان.
    إذًا فتأخر الزواج أو العزوف عنه ظاهرة تفشت في العالم بأسره، وخصوصا في العالم العربي وفي عموم الشرق الأوسط، وهي تهدد حصوننا من الداخل، إن أعداء الأمة لا يكفيهم إبادة الشعوب وإراقة دماء الشهداء وسلب خيراتهم وممتلكاتهم...بل حاولوا تدمير لبنة المجتمع الإساسية وهي آخر ما تبقى لهذه الأمة من حصون وهي الأسرة التي ما زالت متماسكة أمام جميع الهجمات الموجهة نحوها.
    المبحث الثاني: أسباب العزوف عن الزواج في عصرنا الحالي.
    ...دق ناقوس الخطر... فالنسب المهولة والإحصائيات المتزايدة في عدد الشباب العازفين عن الزواج والشابات العوانس تنذر بالخطر... فهذه الظاهرة لا تأتي عبثًا ولا جزافا وإنما تفشت في أوساطنا العربية والإسلامية لدوافع وأسباب استعصت على الدول البحث في حلها وإزالتها من جذورها.
    فالأسباب متنوعة بتنوع المعني بالأمر، فهذا يشتكي من ضائقة اقتصادية (إما عاطل، أو يبحث عن عمل...أو من ذوي الدخل القليل...) والآخر لايكترث لأنه وجد البديل(في الحرام ولا من رادع يردعه أو يزجره...) أما هذه فتفضل استكمال الدراسة والحصول على الشهادة العليا... فتبقى الهموم والمشاكل كما هي، فما هي هذه الأسباب؟ وكيف يمكننا علاج هذه الظاهرة؟؟.
    معظم الظواهر التي استعصى علينا حلها نصنعها بأنفسنا أو نشارك بشكل كبير في خلقها، لذا كان حري بي أن أذكر ما تأتى لي جمعه - بفضل الله سبحانه- من الأسباب التي تفشت في عصرنا الحالي، من تقاليد وأعراف، أو تجاهل وإجحاف، أو تشديد وإسراف...جعلت الشباب يحجمون عن الزواج ويساهمون في رفع حصيلة العزوف في مجتمعاتنا:
    أوردت آخر الإحصائيات(1)(2007/06/22) أن هذه الظاهرة تتزايد نسبها بشكل فضيع في


    1-. http://www.free-syria.com/loadarticle.php?articleid=19663

    العالم العربي والإسلامي بشكل خاص...وهي كالتالي:
    - نسبة العنوسة في دول الخليج واليمن 35%، ممن بلغن سن الزواج وتجاوزن عمر 35 سنة.
    - نسبة العنوسة في الأردن 5% ممن بلغن سنة الزواج، وتجاوزن عمر 35 سنة. وتقول الإحصائيات إن نحو 71 ألف فتاة تجاوزن سن الثلاثين، و85 ألف شاب تجاوزوا 30 من عمرهم دون زواج.
    - نسبة العازفين عن الزواج في لبنان من الجنسين 90%، ممن هم بين 25- 30 عاماً. - نسبة العنوسة في فلسطين 1% ممن بلغن سن الزواج وتجاوزن عمر35 سنة. أعلى نسبة عنوسة في العراق، إذ بلغت 85% ممن بلغن سنة الزواج وتجاوزن عمر 35 سنة.
    - يبلغ عدد العوانس في سورية 700 ألف امرأة، وتقول الدراسات إن 50% من الشباب السوري أعزب و60% من الفتيات السوريات عازبات.
    - ثلث سكان الجزائر عوانس وعزاب‏ ممن بلغوا سن الزواج وتجاوزوها.
    - نسبة العزاب ‏20%‏ في كلٍّ من السودان والصومال، ممن بلغوا سن الزواج وتجاوزوها.
    وكشفت آخر الإحصائيات(1) الرسمية التي وردت في التعداد العام للسكان التي أجرته الحكومة في أواخر عام 2004 أن نسبة العنوسة في تونس بلغت38% عام 2004 ليرتفع
    عدد العازبات إلى أكثر من مليون و300 ألف إمرأة من مجموع نحو أربعة ملايين و 900 أنثى في البلاد مقارنة مع نحو 990 ألف عازبة عام 1994.
    - مصر تسعة ملايين عانس وربع مليون حالة طلاق: كشف أحدث تقدير إحصائي مصري للعام 2003 عن أن أعداد الشبان والشابات الذين لم يتزوجوا بعد، رغم بلوغهم سن 35 عاما، قد بلغ قرابة تسعة ملايين نسمة من بين عدد سكان مصر الذي يقترب من 69 مليون نسمة وذكر التقرير أن العدد الإجمالي للعوانس بلغ ثمانية ملايين و962 ألفا و213 نسمة، من بينهم خمسة ملايين و233 ألفا و806 من الذكور وثلاثة ملايين و728 ألفا و407 من الإناث.
    ويقول خبراء مصريون أنه رغم أن هذا الرقم يتشابه مع الأرقام الصادرة عن ذات الجهاز



    1- مجلة الأصيلة: العدد الأول- ص: 33.
    الحكومي المعني بإحصاء سكان مصر كل عام( إحصاء 2001 أكد أن عدد العوانس رجالا
    ونساء في حدود ثمانية ملايين و962 ألفا، فهو لا يعني بالضرورة أن النسبة لم تتغير، ولكنها تزيد بالنظر إلى تزايد عدد السكان في مصر، بمقدار مليون أو أكثر منذ الإحصاء الأخير).
    ... حتى وصل الأمر إلى حد تقديم نواب في البرلمان أسئلة للحكومة يطلبون فيها بالكشف عن
    الخطط الحكومية للتعامل مع ظاهرة تزايد نسبة العنوسة(1).
    ... وتشير آخر المعطيات الرقمية إلى أن نسبة العازبات والعزاب في الفئة العمرية 15-19 سنة و20 -24 سنة أصبحت تناهز100% حسب الإحصاء الأخير لسنة 2004، وقد سجل المغرب خلال السنوات الأخيرة تحولات فيما يتعلق بالسن عند الرجال عكس ما كان خلال الستينيات حيث الفتيات تتزوجن في سن17 والذكور عند24 سنة(2).
    إذا فهذه الأرقام المفرطة توحي بأن هناك خطرا على هذه الأمة، فتأخر الزواج أو العزوف عنه يعني تأخرا في بناء المجتمع أو توقفا عن البناء فيه وبالتلي انهياره وإن كان في قمة الرخاء الإقتصادي والإجتماعي...
    أما الأسباب التي سنتحدث عنها-إنشاء الله- فيمكن حصرها في أسباب إجتماعية واقتصادية وفكرية ودينية:
    1ـ الأسباب الإجتماعية:
    -غياب دور الأسرة في توعية أبنائها وإعدادهم لتحمل المسؤولية بما فيها الزواج.
    -غياب دور المؤسسات الإجتماعية والهيئات غير الحكومية في محاولة إيجاد حلول علمية.
    -الإستسلام لما يبثه الإعلام من مفاهيم مغلوطة عن الزواج ومتطلباته.
    -بعض العادات والتقاليد-الجامدة وغير المرنة- غير المستلهمة من الدين ساهمت في تأخر سن الزواج ولو بشكل جزئي.
    2ـ الأسباب الإقتصادية:
    - منها الواقع الحقيقي المتمثل في الإرتفاع الفعلي في تكاليف الزواج خاصة مع ازدياد معدلات البطالة، وعدم وجود فرص عمل حقيقية أمام الشباب وانخفاظ مستوى الدخل.


    1- جريدة التجديد: العدد563 ص:16.

    http://www.free-syria.com/loadarticle.php?articleid=19663 2-
    - ومنها ما صنعناه نحن بأنفسنا ثم فرضناه كأمر واقع وهو المغالاة في المهور ومتطلبات الزواج، حيث غابت فكرة الأسرة التي تبدأ بحياة بسيطة ثم تنمو تدريجيًّا.
    3ـ الأسباب الفكرية والدينية:
    نجد بعض المساهمين في بناء وصياغة فكر المجتمع إما تجاهلَ المشكلة تماما أو على العكس كان سببا في تفاقمها سواء كان ذلك من طرف وسائل الإعلام خاصة التلفاز والصحف والمجلات والسينما...
    إن غياب البعد الديني ساهم كثيرا في تفاقم المشكلة(1)، حيث نجد عند بعض من ينسبون إلى الإسلام لا يعتبرون الدين والخلق إذا أتاهم من له منصب فان أو أجرة زائلة فيهرعون إليه ويحاولون بشتى الوسائل لإرضائه، وإبقائه بقربهم فيعتقدون أن هذا المعيار هو الذي من أجْله أعز الله البشرية.
    هذه أهم الأسباب التي ساهمت بشكل كبير في تضخم هذا الداء وتفشيه في مجتمعاتنا، وفي نفس الموضوع يقول د.وهبة الزحيلي :"وأما ظاهرة الإحجام عن الزواج في عصرنا فسببها تعقيد متطلبات الزواج ووضع العقبات في طريقه، مثل غلاء المهور وإيثار الإستقلال في المعيشة والبيت وعدم السكن مع الأهل، والتأثر بالمظاهر وإقامة الحفلات ذات الكلفة الكبيرة، وكثرة النفقات التي ترهق الزوج وحب الترف والإسراف والتعلق بالمغريات وعدم الرضا بالقليل والصبر على شظف العيش وكل ذلك أوقع الشباب والفتيات في آلام العزوبة أو الإنحلال الأخلاقي"(2).
    بالإضافة إلى هذه الأسباب، فقد تفشى في مجتمعنا ما يسمى ب "الإنفتاح على العالم" ويكمن في ما يلي: المدونة الجديدة- تفشي ظاهرة الطلاق- وتحرر المرأة وانفتاحها على الغرب.
    1- المدونة:
    أما مدونة الأسرة الجديدة فالكثير من الشباب ممن صادفتهم يجعلونها عقبة في وجوههم وسببا من أسباب تفضيلهم العزوف على تحمل المسؤولية وخصوصا في بعض بنودها، فيقول"ط.ع": "أما مسألة(إلغاء) التعدد أو تقييده بضوابط صارمة فهي قضية تساهم في تزايد نسبة العنوسة


    1- جريدة المساء: العدد38 ص:17 – من كلام: الأستاد الخليفة المحرزي(الإستشاري الأسري).
    2- الفقه المالكي الميسر: المجلد:2 ص:18.
    ويكون ذلك هضما لحق المرأة التي أوجب الله لها التمتع به"، وهذا ما أشار إليه الأستاذ"رشيد أبو
    ثور" في مجلة المنعطف حيث قال:"...فلو سئلت كل عانس هل تفضل الزواج من رجل متزوج أم البقاء على عنوستها فستعرب كل عفيفة بدون تردد عن رغبتها في الزواج، لدى لا يكون السعي وراء إلغاء التعدد سوى إهدار لحق هؤلاء في العفة والزواج والإنجاب والأمومة، وتعريضهن بالتالي للوقوع في المحذور"(1).
    ويضيف آخر قائلا:" إن تحديد سن الزواج في الثامنة عشر(18) يَحْرِمُ الكثير من الفتيات عن ممارسة حقهن المشروع قبل هذا السن، وكما هو معلوم أن في المناطق البدوية وبعض المدن تُزوَّج الفتاة في سن مبكر(أي: قبل18)، وبالتالي فهذا التحديد قد يؤدي بها إلى العنوسة وضياع حقها التي ترغب فيه كل عفيفة"(2).
    2-الطلاق:
    وهذا ما تفشى في معظم العائلات في السنين القليلة الماضية حيث كشفت آخر الإحصايات لسنة 2007 أن عدد المطلقين في المغرب بلغ ما مجموعه 49232 حالة ما بين الطلاق والتطليق(3)، وهذا ما أقلق بعض الشباب وجعل الخوف والحذر باديا في نفوسهم ففضلوا الإحجام عن الزواج، يقول المهدي بن مبروك(وهو باحث إجتماعي تونسي):" إن نسب الطلاق المرتفعة جعلت هناك حذرا وعزوفا متزايدا لدى الفتيات والفتيان على حد سواء"(4).
    ولكن لو علم الشباب أسباب فشل الزواج في عصرنا لما أحجمهم ذلك عنه أبدًا، فلو نظرنا في الأصل الذي بنيت عليه تلك العلاقات لكشفنا عن الخلل ولمَا أصابتنا الفتنة والفساد الكبير الذي حذرنا منه أصدق الخلق حبيب الحق، صلى الله عليه وسلم حين قال:(إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)(5).
    3- تحرر المرأة:
    حيث تعد العنصر النشيط في هذا البلد وتَشْغَلُ حيزا مهما وبنسبة كبيرة في مناصب الشغل بالمغرب، وهذا ما يجعل الكثير من الشباب يرفضون الزواج بهن، يقول المهدي بن مبروك:" هناك تحولات قيمية في المجتمع حيث برزت أشكال جديدة للإشباع العاطفي وتراجعت قيمة



    1- مجلة المنعطف: العدد 15/16 ص:116.
    2- وكثيرا ما نسمع بمصطلح(الأمهات العازبات) وأكثرهن نسبة اللواتي لم يتجاوز سنهن18عامًا.
    4- مجلة الأصيلة: العدد الأول ص:33.
    5- سنن الترمذي:أبواب النكاح –باب ما جاء في من ترضون دينه فزوجوه- رقم:1090 ج:2 ص:274.
    الأسرة والزواج مقارنة بالأنماط الأخرى من العيش" وأضاف قائلا:"...إلى جانب التفتح الكبيرعلى حضارات غربية مما جعل الزواج يتراجع في أولويات الفتاة...لحساب الدراسة والتحرر المادي والمعنوي"(1).
    غير أن تكاليف الزواج المرتفعة وشروط العائلات المجحفة وتفضيل العديد من الفتيات مواصلة دراستهن الجامعية أسباب لا يمكن تجاهلها في تراجع إقبال الذكور على الزواج وتفضيلهن حياة العزاب في مواجهة تحديات المستقبل"(2).
    وفي نفس الموضوع أوردت مجلة الأصيلة أن بعض الشباب الجامعيين صرحوا بأن الفتاة الجامعية غير مرغوب فيها لأنها"لا تسمع الكلام"و"متحررة أكثر من اللازم"و"تنفق مرتبها على مظهرها"و"لا تقبل النقاش"وتعتبر أنها مثقفة وفوق النقد والمساءلة، أما الفتيات فيجمعن على أن الشهادات هي الأساس وأن لابديل عن العمل(3).
    وإليكم إرتسامات بعض الشباب في الموضوع، فتشير حليمة إلى أن متطلبات المرأة العصرية أصبحت معقدة جدا فيما يخص مؤسسة الزواج، فالنظرة للموضوع تغيرت ككل لم يعد البيت والزوج والأولاد الحلم المنتظر، فالتحصيل العلمي والوظيفة المرموقة منحا المرأة غير المتزوجة، الشعور بلذة النجاح التي يصعب –أحيانا- التخلي عنها في سبيل الزوج والأولاد"(4).
    وتقول الطالبة ميادة.خ:"الرجل في مجتمعنا الشرقي يبحث عن زوجة صغيرة لا تناقشه، يستطيع أن يسيرها كيف ما يشاء ويجعلها تلبي أوامره دون اعتراض، فالرجل يسعى دائما للسيطرة على زوجته. من الممكن في البداية أن يكون راضيا عن دراستها، وذاك ظاهريا فقط، أما بعد الزواج فغالبا ما يغير رأيه، لذلك نجد في مجتمعنا حالات كثيرة من الطلاق المبكر بعد الزواج. وأنا أبحث عن الدراسة والثقافة الذين سأجدهما حتما في الجامعة،التي تساعدني وتجعلني إنسانة متزنة، والتي تشعرني بكياني، أما الزواج فيأتي في المرتبة الثانية"(5).


    1- مجلة الأصيلة: العددالأول، ص:33.
    2- نفسه: ص:33.
    3- نفسه: ص:30.
    4- جريدة المساء: العددالأول، ص:17.
    5- مجلة الأصيلة: العدد الأول، ص:30.
    أما رنا فتقول:" لن أتزوج مطلقا في هذه السن لأنني لست مدركة بعدُ لحجم المسؤولية، فالجامعة هي التي تعطيني فكرا واعيا وثقافة عميقة، وكل ما يقال عن عنوسة الفتاة المثقفة لا أهتم به لأنه لا أساس له، فهي أقوال صادرة عن أناس لا يستطيعون التمييز بين العنوسة وتأخر الزواج"(1).
    وتقول الطالبة ميساء:"رأيي أن الزواج لا يمنع من إكمال الدراسة، ولكن هذا الرأي نسبي، فإذا كان الزوج واعيا ومثقفا ومتفهما سيقبل الأمر، وإن لم يكن كذلك فأنا حتما لن أقبل به"(2).
    وتؤيدها الطالبة ز.د. فتتحدث عن إمكانية الزواج أثناء الجامعة، فتقول:" أنا مع الجامعة، ومع أن تكمل الفتاة دراستها، ولكن من الممكن أن يتقدم للفتاة في هذه المرحلة زوج، وفي حال رفضها تكون قد أضاعت على نفسها فرصة من الممكن ألا تعوض. فارتباطي بشخص مناسب لن يكون عائقا أمام الحصول على الشهادة، لأن شرطي الأول سيكون إكمال دراستي، ولكن لابد أن يوافق هذا الزواج في هذه الحالة بعض التقصير في الدراسة"(3).
    يتدخل عبد الرحمان قائلا:"إن ما نراه الآن من تردد وامتناع عن إنشاء أسرة في نظر بعضهن له مايبرره فلكل فرد الحق في اختيار الطريق الذي يناسب شخصيته ودوره في تنمية وخدمة المجتمع وكثيرات هن اللواتي يرين في الزواج جملة قيود تشل حركتهن وتحول دون تحقيق بعض طموحاتهن وأهدافهن فيرفضن فكرة الإرتباط جملة وتفصيلا"(4).
    وهذه "ر.إ" ترى أن الزواج هو الإستقرار وأن الدراسة تسبب القلق حين قالت:" الزواج يقدم الإستقرار للفتاة على عكس الدراسة التي تسبب لها قلقا مستمرا لن يهدأ إلا بعد الحصول على الشهادة، وهذا يكون بعد سنوات كثيرة تكون فيها الفتاة قد كبرت، ويظهر جيل جديد من الفتيات الصغيرات اللواتي يفضلهن الرجل الشرقي، فيذهب للزواج منهن، لذلك أفضل الزواج على إتمام دراستي.لماذا التعب إذا كانت النتيجة هي العنوسة؟؟(5).
    1- مجلة الأصيلة:العدد الأول، ص:30.
    2- نفسه: ص:30.
    3- نفسه: ص:30
    4- جريدة المساء: العدد:38، ص:17.
    5- مجلة الأصيلة: العدد الأول، ص:30.
    وتؤيدها غادة بقولها:" كل مايهم الجل أن تعرف المرأة كيف تطبخ وتنظف المنزل، وكيف توفر له كل متطلبات الراحة، وهذه الأمور تجيدها الفتاة العادية وربما أكثر من الجامعية، لذلك فالجامعة لن تقدم لي فرصتي في الزواج الناجح"(1).
    وتضيف حليمة قائلة:" أرى أن كل شئ في هذه الحياة له طعم مميز، النجاح في العمل والنجاح في الحياة الزوجية والنجاح كأم لكن قد تضطرنا الظروف لتأجيل خطوة على حساب خطوة أخرى، فقد يشكل الزواج أو الأولاد في البداية حائلا دون التقدم العلمي أو المهني، إلا أن هذا لا ينقص أبدا من شأن السعادة التي تتحقق مع الإستقرار العائلي فلكل شئ وقت والتخلي عن حلم لحساب حلم آخر هو خطأ كبير قد لاتعذر خسائره إلا بعد فوات الأوان، أضف إلى ذلك أن انتظار فارس الأحلام الخالي من العيوب هو كانتظار النحلة لوردة خالية من الأشواك، فلا يوجد إنسان كامل المهم هو وجود المودة والتفاهم بين الطرفين مما سيخلق نجاحا عائليا وما يتبعه من نجاحات مهنية وعلمية فالإرتباط بالرجل الواعي المتفهم المناسب يعطي المرأة دفعة وقدرة لتحقيق كل ما تريده"(2).
    هذا الخوف الذي ينتاب الفتيات من الزواج إنما يعود أولا وأخيرا إلى القصور في احتوائهن وتغيير نظرتهن لمفهوم الزواج ومساعدتهن على تخطي العقبات التي ترمى أمامهن، فلا يمكن أن نحُد من ظاهرة العنوسة الإختيارية بالجلوس مكتوفي الأيدي دون حراك فالمسؤولية تقع على الجميع في علاج المشكلة واقتلاعها من جذورها(3).
    أما بعضهن فيتأسفن على حالهن وما ضيعن من الفرص في عز الشباب، فهذه فاطمة لم تظن أنها في يوم من الأيام سيتجاوز سنها الثلاثين ولا تحظى بزوج يحميها وأبناء يؤنسون وحدتها، غير أنها تؤمن بأن كل شئ -قسمة ونصيب- تقول فاطمة والأسى يبدو على محياها:" منذ أن بلغت سن الخامسة عشرة سنة والشباب يطلبون يدي، غير أنني كنت أرفض لأنني كنت أريد إكمال دراستي ولما أتممت الدراسة بدأت أفكر في الحصول على عمل، وكلما أتى شاب يكون ردي"لن أتزوج حتى أجد عملا" ثم تابعت فاطمة قولها وهي تتأسف:" لكن لما وجدت عملا لم يطرق بابي إلا شباب يريدون مني أن أترك عملي وأتفرغ للبيت"(4).


    1- مجلة الأصيلة: العدد الأول، ص:30.
    2- جريدة المساء: العدد38، ص:17.
    3- نفسه: ص:17.
    http://www.free-syria.com/loadarticle.php?articleid=196634-

    أما سلوى التي تجاوزت39 من العمر ولم تتزوج بعد(وهي موظفة في بنك) تقول:" إن تأخر سن الزواج متفش خصوصا في المدن الكبرى، حيث تفضل أغلب الفتيات بناء مستقبلهن قبل أي ارتباط خوفا مما قد يخفيه الزمن من مفاجآت" وتضيف سلوى بحسرة غير خافية:" أنا غير محظوظة... لو يعد بي الزمن لن أختار نفس الطريق سأفضل الرجل على العمل، في هذه السن المتأخرة نكتشف نحن الفتيات أهمية وجود الرجل في حياتنا وينتفي أي شئ مقابل الإحساس بالدفء الأسري"(1).
    وتدفع فتيات أخريات بأن اختيار نمط عيش يتسم بالتحرر والسعي للزواج بعد قصص حب هي أحد أهم أسباب تفشي العنوسة والزواج المتأخر لدى عدد كبير منهن، وتقول نادية التي تجاوزت الثلاثين(وهي عاملة بإحدى الإدارات):" اخترت أن أتزوج عن حب ورفضت العديد ممن تقدموا لي غير أن الرجل الذي امتدت علاقتي به نحو سبع سنوات اختار أن يتزوج قريبته في الأخير، وأن يرضى عائلته وتركني أتخبط في وحدتي وعنوستي" وأضافت:" لقد ندمت لأني اخترت هذا النمط من العيش وأضعت سنوات غالية من عمري"(2).
    أما لبنى التي تجاوزت35 عاما فترى أسبابا أخرى فتقول:" لا يمكن الجزم بأن الإنسان هو الذي يتحكم في زواجه المبكر أو المتأخر، فأنا مثلا تقدم لخطبتي العددمن الشباب ولا أقدم أي شروط مادية تعجيزية أو أي شئ، كما أن أسرتي متفهمة لواقع الشباب المغربي، وكثيرا ما يقع الإتفاق بيني وبين أحدهم على الزواج وترتيباته غير أني أفاجأ في آخر لحظة بعدم عودة الخطيب"(3)(وربما كان هذا الخطيب من النوع الذي يدقق في أدق تفاصيل البنت، أريدها جميلة جدا أريدها كذا... بل ويتلاشى للأسف السؤال عن الدين والأخلاق والنسب والطيب).
    لكن يبقى الكثير ممن كرمهم الله وفضلهم الله على كثير ممن خلق تفضيلا، لكنهم أزالوا لباس الفضيلة وارتدوا ثوب الرذيلة، فسقطوا في مستنقع المغريات وغفلوا عن أوامر رب الأرض والسماوات، فاعتقدوا أنهم وجدوا البديل؟؟ ولكن لا بديل عن حياة الطهر إلا الزواج؟؟.

    1- مجلة الأصيلة:العدد الأول، ص:33.
    2- نفسه، ص:33.

    المبحث الثالث: الحلول الفقهية في نظر العلماء.
    إذًا فبعد معرفة جملة من الأسباب التي أدت إلى تضخم هذا الداء يسهل علينا استنباط الحلول واستخراجها... لكن يصعب علينا تطبيقها في الواقع المعاصر، إلا إذا تظافرت الجهود واتحدت الآراء من كل جهة(مؤسسات حكومية وغير حكومية...) فيساهم كل واحد في التقليص من نسب هذه الظاهرة؟؟ ولمالا واقتلاعها من جذورها نهائيا.
    من أهم الحلول التي أجمع عليها العلماء والتي يجب اتباعها وجعلها منهجا وسبيلا نسلكه وهي الرجوع إلى دين الله: فالرجوع إلى دين الله يعني الدخول في حياة الطهر والعفاف فيهون كل حاجز على الشاب، ويظهر للفتاة طريق الصواب، فيتخطا الصعاب، ويتعاونا على المحن والكرب.
    وإليكم ما قاله د.وهبة الزحيلي إثر حديثه عن هذه الظاهرة:"... فكان لابد من تبسيط أمور الزواج وتيسير سبله، سواء من قبل الرجل والمرأة، وإظهار الرغبة في العفة والقناعة، وترك المغالات في تكاليف الزواج ومظاهره، والنظر إلى الحياة في ضوء الواقع والإمكانيات المتاحة فإن أغلب الناس هم من ذوي الدخل المتوسط أوالقليل، وإذا تشدد الأهل في مطالب الزوج بالنسبة للبنات ينعكس ذلك حتما على مطالب الآخرين بالنسبة للأولاد الذكور"(1).
    ويضيف قائلا:" وُيحسَن وجود تجمعات تعاونية بين الأسر لتيسير الزواج، وإذا كانت الدولة غنية فعليها مساعدة الراغبين في الزواج بتوفير المسكن وتقديم القروض الطويلة الأجل من غير فوائد، والهبات الممكنة والإسهام في خفض نفقات المعيشة، وتشجيع الزواج والحد من غلاء المهور وإعطاء المكافآت للمتزوجين"(2).
    أما مسألة الغلاء في المهور فيستحسن الوقوف عندها لما لها من آثار سلبية على كل شاب يريد العفاف، فيقول شيخ الإسلام ابن تيمية(ت728ﻫ):" السنة تخفيف الصداق وأن لا يزيد على نساء النبي صلى الله عليه وسلم وبناته، فقد روت عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:(إن من أعظم النساء بركة أيسرهن مؤنة)(3)... وخطب عمر بن


    1- الفقه المالكي الميسر: المجلد:1، ص:18.
    2- نفسه: م 2، ص:18.
    3- سنن البيهقي: كتاب الصداق –باب ما يستحب من القصد في الصداق- ج7 ص:235.

    الخطاب الناس فقال:(ألا لاتغالوا في مهور النساء، فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم النبي صلى الله عليه وسلم، ما أصدق امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من اثنتي عشرة أوقية)(1)"(2).
    ويقول الشيخ محمد متولي الصباغ:"...ولو كان حفنة من قمح ومِن يُمْن المرأة قلة مهرها وتسهيل أمرها وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج السيدة عائشة رضي الله عنها على مهر قيمته ما يوازي دينارا، وتزوج السيدة أم سلمة رضي الله عنها على مهر قدره ربع دينار وأثاث بيت عبارة عن رَحَى يَدِِ وجَرَّةٌ ووِسَادَةٌ، وزوّج ابنته السيدة فاطمة الزهراء رضي الله عنها وهي سيدة نساء أهل الجنة لعلي بن أبي طالب وهو سيد رجال أهل الجنة على درع(قميص حرب)، وكان أثاث بيتها هينا لا عناء فيه..." فعلق قائلا:" فهذه الصورة من الزواج النبوي تبين لك أن سعادة المرأة في الرضا باليسير من المهر وأن أول شؤمها أن يكثر صداقها...والحكمة في ذلك أن المغالات في المهور وتكاليف الزواج تصرف الراغبين في الزواج عنه، ولا يخفى ما في هذه الأعراض من المفاسد الخُلقية والإجتماعية..."(3).
    ويضيف شيخ الإسلام ابن تيمية قائلا:" وما يفعله بعض أهل الجفاء والخيلاء والرياء من تكثير المهر للرياء والفخر وهم لا يقصدون أخذه من الزوج وهو أن لا يعطيهم إياه، فهذا مخالف للسنة خارج عن الشريعة"(4).
    ويضيف أيضًا:"...فمن دعته نفسه إلى أن يزيد صداق ابنته على صداق بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم اللواتي هن خير خلق الله في كل فضيلة وهن أفضل نساء العالمين في كل صفة فهو جاهل أحمق، وكذلك صداق أمهات المؤمنين وهذا مع القدرة واليسار فأما الفقير ونحوه فلا ينبغي له أن يصدق المرأة إلا مع ما يقدرعلى وفائه من غير مشقة... ومن كان له يسار ووجد فأحب أن يعطي امرأته صداقا كثيرا فلا بأس بذلك(5)، كما قال الله تعالى:(وآتيتم, إحداهن قنطارا فلا تاخذوا منه شئًا)(6).

    1- سنن الترمذي: أبواب النكاح-باب ما جاء في مهور النساء- رقم:1122 ج:2 ص:121.
    2- من فتاوى شيخ الإسلام: المجلد32 ص:193.
    3- الإيضاح في أحكام النكاح، ص:69.
    4- فتاوى شيخ الإسلام، م:32 ص:193.
    5-نفسه: م32، ص:193.
    6- سورة النساء:20.
    إذا فهذه مسؤولية الآباء(أو الأولياء) فكل واحد يجب أن يراعي مصلحة الفتاة قبل كل شئ، فهي أمانة عنده يجب عليه رعايتها ووضعها في محلها، ولا يحل له احتكارها لأغراضه الشخصية أو تزويجها بغير كفئها من أجل طمع فيما يُدفع إليه، فإن هذا من الخيانة، وقال الله تعالى:(ياأيها الذين ءامنوا لا تخونواْ الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون)(1)، وقال تعالى:(إن الله لا يحب كل خوان كفور)(2)، وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(كلكم راع، وكلكم مسؤول عن راعيته)(3).
    فهذه الحلول المقترحة ليست على سبيل الحصر، بل هي على سبيل الذكر والإيجاز وإلا فهناك حلول أخرى... وقصدي مما ذكرت هو إظهار ما تفشى في العصر الحالي والذي يدور على ألسنة الشباب الذين يرغبون في إشاعة الفضيلة التي قل في زمننا من يدافع عنها.
    لقد دعى الإسلام أتباعه إلى التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل فرغبهم في العلاقات الشرعية التي ينشأ منها جيل يستحق أن يكون خليفة في الأرض كما أشار إلى ذلك القرآن الكريم، أما السؤال(4) الذي يفرض نفسه فهو:
    في خضم هذه الموجة العارمة من التعري والتبرج كيف يمكن للشباب أن يتماسكوا ويكفوا أنفسهم عن اتباع هذه المغريات والإغواءات خصوصا وأن الكثير منهم يشتكون من ضائقة اقتصادية والتي لا تسمح لهم بالإتصال الشرعي الجنس الآخر في علاقة طبيعية مطمئنة؟؟؟
    *يجيب عنه د.مصطفى بن حمزة قائلا:" في حالة التبرج هاته التي يحس فيها الشباب أن لهم رغبة بالإتصال الجنسي مع الآخر ولكنه يعاني ما يعاني من هذه الإغراءات، أنواع الفجور الموجودة في الشوارع كلها تغري وتجذب الإنسان؟وهو لا يستطيع أن يتزوج فما هو الحل؟
    الحل هو أن يستمر على العفاف لأنه وهو يعاني ما يعاني ولكنه في نفس الأمر يسلم في



    1- سورة الأنفال:27.
    2- سورة الحج:38.
    3- صحيح البخاري: كتاب النكاح- باب المرأة راعية في بيت زوجها- رقم:130 م:4 ج:7 ص:56.
    صحيح مسلم: كتاب الإمارة –باب فضيلة الإمام العادل وعقوبة الجائر والحث...- رقم:1869 ج:3 ص:1459.
    سنن أبي داود: كتاب الخراج والإمارة والفئ-باب ما يلزم الإمام في حق الرعية- رقم:2428 ج:3 ص:130.
    وغيرهم، واللفظ للبخاري.
    4- هذا السؤال عرض على د. مصطفى بن حمزة، في درسه الراتب ليوم السبت-مسجد الأمة- وجدة.
    دينه، يسلم في عرضه، يسلم في ماله، يسلم في جسده، هؤلاء الذين ارتموا في مستنقع الرذيلة والفجور واتبعو هذا الطريق...انظروا إلى الآفات التي أصابت الغرب، انظروا إلى الإختلالات التي ألمت بمجتمعاتهم، انظروا إلى الأسر كيف أصبحت تتكون وتمر بمراحل من الفجور(أي المرأة تمر بمرحلة من الفجور والشاب يمر بمرحلة من الفجور وفي الأخير يجتمعان فأي أسرة تنشأ على الشك والتخوف)، فالشاب يتزوج امرأة من هذا النوع وهو يتخوف أن تخونه، هاته الأمراض التي استفحلت وشاعت وأصبح الناس يرقعون لها حلول... فخسِروا أعراضهم وقيمهم ومروءاتهم وكذلك خسروا أموالهم...
    إذا يجب على المسلمين العودة الى دين الله، فإذا عادت الأمة إلى الدين حلت المشاكل الإقتصادية، فإن معظم المشاكل الإقتصادية سببها الخيانة وانعدام الأمانة... السرقة الغش التخوف... فلذلك لا يتعاونون ولا يتساعدون ولا يشتركون فأصبح الإنسان حريصا على اللصوصية والسرقة...
    الرجوع الى دين الله لنحل مشكلة البطالة إذن الآن عشرات المشاكل يمكن أن تحل بهذه الطريقة.
    أما قضية الزواج فيجب أن تعود إلى البساطة وإلى الأصل، فهذا التضييق والتعقيد لمصلحة من؟؟
    فهذه مسؤولية الآباء؟ إذا جاءه رجل من أهل الدين فيجب أن يبادر إلى تزويجه بابنته ولو كان في الحد الأدنى من العيش ولو في بيت بعيد...المهم أن تتأسس الأسرة وتكون مبنية على المودة والرحمة... فتعنس المرأة فبدل أن يلتقيا في حصن وفي نطاق شرعي... يلتقيان في الحدائق وأماكن الفسق والفجور... والظروف الآن صعبة جدا ظروف ضاغطة، فالآباء يجب أن يغيروا كثيرا من مفهومهم وآرائهم... ونبذ هذه الأساليب التي يبتدعها المسرفون وعباد الشهوات الذين يسُنُّون كل يوم في الأعراس والحفلات الجديدة ما يتعلق بها ضعاف النفوس فهي في الحقيقة تحارب الزواج وتدعو إلى الفسق والفجور...




    خاتمة:
    إن ما نعاني منه اليوم من انتشار الفتن وتفشي الفساد، وحيرة الشباب وظهور الشواذ، لن يحل بمقالة ولا بسطور، فهو ناتج عن العديد من المشكلات التربوية والاقتصادية والاجتماعية التي ترسخت في مجتمعاتنا...
    والذي ينبغي التركيز عليه هو الجانب التربوي حيث إن هذا الأخير له مفعوله الكبير في استقامة المرء، والذي بصلاحه تصلح الأسرة التي هي أساس الأمة، فيسري الصلاح في الأمة كلها...فنجني ثمار الخوف والمراقبة في الشاب، فيكون واعيا بأحكام النكاح، نابذًا لما حرم الله عليه من السفاح... فنلمس فيه التقي الذي إذا أحب زوجته أكرمها وإذا أبغضها لم يظلمها... ونستشعر في الأخرى التي إذا نظر إليها سرته وإذا أمرها أطاعته وإذا غاب عنها حفظته... فيكون الدين هو المتحكم في زمام الأمور كلها(الغضب والفرح-العسر واليسر-الضيق والسعة...) والسائد في أوساط أمتنا الإسلامية.
    ...أذا فما هو حظ التربية الإسلامية في بيوتنا و مدارسنا وجامعاتنا و معاهدنا؟.
    واللهَ نسأل أن يصلح حالنا وأحوالنا وألا يجعل حظنا من ديننا أقوالنا.
    وأن يصلح أئمتنا وولاة أمورنا ...
    وأن يصلح نياتنا وأعمالنا وأن يحصن فروجنا، ويطهر قلوبنا ويغفر ذنوبنا ويستر عيوبنا ويختم بالباقيات الصالحات أعمالنا...
    والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. –آمين-

    1* القرآن الكريم: (برواية ورش), دار المصحف "بيروت".
    2*الإيضاح في أحكام النكاح: محمد متولي الصباغ, طبع بالمطبعة الفنية "مكتبة مدبولي" ط:1990.
    3* ثورة هادئة:من مدونة الأحوال الشخصية الى مدونة الأسرة "منشورات الزمن".
    4*الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله القرطبي, الجزء12 "دار الفكر.
    5*الزواج في الشريعة الإسلامية: علي حسب الله, "دار الفكر العربي".
    6*الزواج والطلاق في الإسلام: د.بدران أبو العينين بدران, "مؤسسة شباب الجامعة" الإسكندرية.
    7*الزواج: لفضيلة الشيخ ـ محمد بن صالح العثيمين ـ "دار الألباني للنشر والتوزيع"
    ط:الأولى:1423 /2002م.
    8*سبل السلام:(شرح بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام: للحافظ ابن حجر العسقلاني)، للإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني/تحقيق:القاضي الشيخ محمد الدالي بلطة, ج:3 "المكتبة العصرية" ط:1427 /2006م.
    9*سنن ابن ماجة: للإمام الحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزويني ابن ماجة, ج الأول دار إحياء التراث العربي/تحقيق: "محمد فؤاد عبد الباقي" ط:1395/1975م.
    10*سنن أبي داود: الإمام الحافظ أبي داود سليمان ين الأشعث السجستاني الأزدي, المجلد 2و3 المكتبة العصرية "صيدا بيروت" بدون طبعة /تحقيق:"محمد محيي الدين عبد الحميد".
    11*سنن الترمذي: الجامع الصحيح, الإمام أبو عيسى محمد بن سوْرَة الترمذي, الجزء 2، دار الفكر/تحقيق وتصحيح: عبد الرحمان محمد عثمان.
    12*السنن الكبرى:لإمام المحدثين الحافظ الجليل أبي بكر أحمد البيهقي,ج:7 "دار الفكر".
    13*سنن النسائي: بشرح الحافظ جلال الدين السيوطي وحاشية الإمام السندي,الجزء5و6, دار إحياء التراث العربي"بيروت".
    14* صحيح البخاري:للإمام أبي عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي,المجلد 3 ج:(5،6) دار الفكر"بيروت" ط: 1401 /1981م.
    15*صحيح مسلم:للإمام أبي الحسن مسلم بن الحجاج, المجلد2 و3, دار إحياء التراث العربي "بيروت لبنان" /تحقيق:"محمد فؤاد عبد الباقي".
    16*صفحات من صبر العلماء: عبد الفتاح أبو غدة, "مكتبة المطبوعات الإسلامية" ط: 1424 /2003م.
    17*فتح الباري شرح صحيح البخاري:للإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني, المجلد9 "دار الفكر".
    18*فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية, المجلد:32, جمع ترتيب:عبد الرحمن بن محمد بن قاسم بمساعدة ابنه محمد. طبع وإخراج:المكتبة التعليمية السعودية بالمغرب.
    19*فقه السنة: للشيخ السيد سابق, المجلد:2 ـ نظام الأسرة والحدود والجنايات ـ دار الفكر، ط:الرابعة:1403/1983م.
    20*الفقه المالكي الميسر: وهبة الزحيلي "دار الكلم الطيب" المجلد:2, ط:الثالثة: 1426ﻫ /2005م.
    21*القاموس المحيط: للفيروزابادي, المجلد:1،" دار الجيل" المؤسسة العربية للطباعة والنشر- بيروت/لبنان
    22*لسان العرب: للإمام العلامة أبي الفضل جمال الدين محمد بن منظور الإفريقي المصري, المجلد:2 "دار الفكر" بيروت.
    23*معجم مقاييس اللغة: لأبي الحسن أحمد بن فارس بن زكرياء, المجلد:(3و5) "دار الفكر" /تحقيق: محمد عبد السلام هارون.
    24*المرأة في الإسلام: محمد صالح السيد عدنان الموسوي, الجزء: الأول, "مؤسسة الإنشاد العربي" ط:1997.
    25*المرأة المسلمة في العالم المعاصرـ واقعها وتحدياتها ـ (يوسف علي بديوي و أحمد خليل جمعة), "اليمامة" ط: الأولى: 1422 /2002م.
    26*موسوعة فقه السنةـ فقه النساء ـ للإمام ابن تيمية /تحقيق ودراسة وتعليق: د. السيد الجميلي, "دار الفكر العربي" ط:الأولى/1998.

    فهرس المجلات والجرائد:
    *مجلة الأصيلة: العدد الأول ـ يوليوز, غشت, شتنبرـ 2006.
    *مجلة المنعطف: العدد 15/16.
    *جريدة التجديد: العدد 563 الأربعاء 12 ذي القعدة 1423ﻫ /15يناير2003. *جريدة المساء: العدد 38 الخميس 02/11/2006.
    *http://www.free-syria.com/loadarticle.php?articleid=19663.


مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة فارس الميـدان, 5 أغس, 2024, 07:27 م
رد 1
65 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة فارس الميـدان
ابتدأ بواسطة وداد رجائي, 15 يون, 2024, 04:22 م
ردود 0
34 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة وداد رجائي
بواسطة وداد رجائي
ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 9 يون, 2024, 03:56 ص
ردود 0
32 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة *اسلامي عزي*
بواسطة *اسلامي عزي*
ابتدأ بواسطة عاشق طيبة, 26 ينا, 2023, 02:58 م
ردود 0
57 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة عاشق طيبة
بواسطة عاشق طيبة
ابتدأ بواسطة عطيه الدماطى, 23 ينا, 2023, 12:27 ص
ردود 0
89 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة عطيه الدماطى
يعمل...