من أوجه الإعجاز العلمي في الصيام

تقليص

عن الكاتب

تقليص

وليد المسلم مسلم اكتشف المزيد حول وليد المسلم
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 1 (0 أعضاء و 1 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • وليد المسلم
    مشرف عام

    • 11 يون, 2006
    • 762
    • مسلم

    من أوجه الإعجاز العلمي في الصيام

    من أوجه الإعجاز العلمي في الصيام

    د. عبد الجواد الصاوي باحث بهيئة الإعجاز العلمي

    يعتقد كثير من الناس أن للصيام تأثيراً سلبياً على صحتهم، وينظرون إلى أجسامهم نظرتهم إلى الآلة الصماء، التي لا تعمل إلا بالوقود، وقد اصطلحوا على أن تناول ثلاث وجبات يومياً، أمر ضروري لحفظ حياتهم، وأن ترك وجبة طعام واحدة سيكون لها من الأضرار والأخطار الشيء الكثير كنتيجة طبيعية للجهل العلمي، بطبيعة الصيام الإسلامي وفوائده المحققة وفي هذه المقالة سنلقي الضوء على أوجه الإعجاز العلمي في الصيام.

    الوجه الأول: الوقاية من العلل والأمراض:

    أخبر الله سبحانه وتعالى أنه فرض علينا الصيام وعلى كل أهل الملل قبلنا، لنكتسب به التقوى الإيمانية التي تحجزنا عن المعاصي والآثام، ولنتوقى به كثيراً من الأمراض والعلل الجسمية والنفسية، قال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } [ البقرة 183] وقال صلى الله عليه وسلم " الصيام جنة " أي وقاية وستر (الحديث رواه مسلم 2/807 رقم 163، وأحمد 2/283، والنسائي 4/163).

    وقد ثبت من خلال الأبحاث الطبية بعض الفوائد الوقائية للصيام ضد كثير من الأمراض والعلل الجسمية والنفسية، منها على سبيل المثال لا الحصر:

    1- يقوي الصيام جهاز المناعة، فيقي الجسم من أمراض كثيرة، حيث يتحسن المؤشر الوظيفي للخلايا اللمفاوية عشرة أضعاف، كما تزداد نسبة الخلايا المسئولة عن المناعة النوعية (Tlymphocytes) زيادة كبيرة، كما ترتفع بعض أنواع الأجسام المضادة في الجسم، وتنشط الردود المناعية نتيجة لزيادة البروتين الدهني منخفض الكثافة (2- Riyad Albiby and Ahmed Elkadi, A Priliminary Report on efects of Islamic fasting on lipoproteins and immunity. the joumal of JMA vol 17. 188, page 84).

    2- الوقاية من مرض السمنة وأخطارها، حيث إنه من المعتقد أن السمنة كما قد تنتج عن خلل في تمثيل الغذاء، فقد تتسبب عن ضغوط بيئية أو نفسية أو اجتماعية، وقد تتضافر هذه العوامل جميعاً في حدوثها، وقد يؤدي الاضطراب النفسي إلى خلل في التمثيل الغذائي، وكل هذه العوامل التي يمكن أن تنجم عنها السمنة، يمكن الوقاية منها بالصوم من خلال الاستقرار النفسي والعقلي الذي يتحقق بالصوم نتيجة الجو الإيماني الذي يحيط بالصائم، وكثرة العبادة والذكر، وقراءة القرآن، والبعد عن الانفعال والتوتر، وضبط النوازع والرغبات، وتوجيه الطاقات النفسية والجسمية توجيهاً إيجابياً نافعاً.

    3- يقي الصيام الجسم من تكون حصيات الكلى، إذ يرفع معدل الصوديوم في الدم فيمنع تبلور أملاح الكالسيوم، كما أن زيادة مادة البولينا في البول، تساعد في عدم ترسب أملاح البول، التي تكون حصيات المسالك البولية(د. فاهم عبد الرحيم وآخرون. تاثير الصيام الإسلامي على مرضى الكلى والمسالك البولية، نشرة الطب الإسلامي، العدد الرابع - أعمال وأبحاث المؤتمر العالمي الرابع عن الطب الإسلامي - منظمة الطب الإسلامي، الكويت، 1407هـ - 1986، ص707-714).

    4-يقي الصيام الجسم من أخطار السموم المتراكمة في خلاياه، وبين أنسجته، من جراء تناول الأطعمة، وبين أنسجته، من جراء تناول الأطعمة، وخصوصاً المحفوظة والمصنعة منها وتناول الأدوية واستنشاق الهواء الملوث بهذه السموم (الصيام معجزة علمية. د. عبد الجواد الصاوي ص 1223، 144 - 1413هـ - 1992م ط 1 دار القبلة).

    5- يخفف الصيام ويهدئ ثورة الغريزة الجنسية، وخصوصاً عند الشباب، وبذلك يقي الجسم من الإضرابات النفسية والجمسية، والانحرافات السلوكية، وذلك تحقيقاً للإعجاز في حديث النبي صلى الله عليه وسلم " يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء" إذا التزم الشاب الصيام وأكثر منه وذلك لقوله النبي صلى الله عليه وسلم " فعليه بالصوم " أي فليكثر من الصوم المتواصل (K. Inesh, Beitins, Thomas, Badger et al (1981) Reproductive Function during Faasting -Men.J. of clin endocrin and Metabol. 53: 258 - 266) على الغدد الجنسية وكانت له نتائ إيجابية وسلط الضوء على وجه الإعجاز في هذا الحديث الشريف وقد وجد أن الإكثار من الصوم مع الاعتدال في الطعام والشراب، وبذل الجهد المعتاد يقترب من الصيام المتواصل، ويجني الشاب فائدته في تثبيط غرائزه المتأججه بيسر، كما لا يتعرض إلى أخطار هذا النوع من الصيام. وهذا البحث يجلي بوضوح الإعجاز في قول النبي صلى الله عليه وسلم " فإنه له وجاء" من وجهين:

    الأول: الإشارة إلى أن الخصيتين هما مكان إنتاج عوامل الإثارة الجنسية، حيث أن معنى الوجاء أن ترض أنثيا الفحل ( خصيتاه ) رضاً شديداً، يذهب شهوة الجماع، ويتنزل في قطعة منزلة الخصي (3) وقد ثبت أن في الخصيتين خلايا متخصصة في إنتاج هرمون التيستوستيرون (Testosterone) وهو الهرمون المحرك والمثير للرغبة الجنسية، وأن قطع الخصيتين (الخصي) يذهب هذه الرغبة، ويخمدها تماماً.

    الثاني: إن الإكثار من الصوم مثبط للرغبة الجنسية وكابح لها، وقد ثبت في هذا البحث هبوط مستوى هرمون الذكورة ( التيستوستيرون)، هبوطاً كبيراً أثناء الصيام المتواصل، بل وبعد إعادة التغذية بثلاثة أيام، ثم ارتفع ارتفاعاً كبيراً بعد ذلك، وهذا يؤكد أن الصيام له القدرة على كبح الرغبة الجنسية مع تحسينها بعد ذلك، وهذا يؤكد فائدة الصوم في زيادة الخصوبة عند الرجل بعد الإفطار.

    الصيام يقوي جهاز المناعة ويقي الجسم من تكون حصيات الكلى.

    الوجه الثاني: { وأن تصوموا خير لكم }

    بعد أن أخبرنا الله سبحانه وتعالى، وأخبرنا رسوله صلى الله عليه وسلم أن الصيام يحقق لنا وقاية من العلل الجسمية والنفسية، ويشكل حاجزاً وستراً لنا من عقاب الله، أخبرنا جل في علاه أن في الصيام خيراً ليس للأصحاء المقيمين فقط، بل أيضاً للمرضى والمسافرين، والذين يستطيعون الصوم بمشقة، ككبار السن ومن في حكمهم، قال تعالى{ أياماً معدودات في من كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 184] أي فضيلة الصوم وفوائده (محاسن التأويل للقاسمي 2/87). وذلك لعموم اللفظ في قوله تعالى: { وأن تصوموا خير لكم }.

    وقد تجلت هذه الفوائد واستقر خبرها في زماننا هذا، لمن أوجب الله عليهم الصيام، ولمن أطاقوه من أهل الرخص، الذين يستطيعون تناول وجبتي الفطور والسحور كالأصحاء.

    بعض الأمراض الخطرة التي كان يخشى عليها من الصيام:

    * كان وما زال الأطباء يعتقدون أن الصيام يؤثر على مرضى المسالك البولية، وخصوصاً الذين يعانون من تكوين الحصيات، أو الذين يعانون من تكوين الحصيات، أو الذين يعانون من فضل كلوي فينصحون مرضاهم بالفطر وتناول كميات كبيرة من السوائل.

    وقد ثبت خلاف ذلك، إذ ربما كان الصيام سبباً في عدم تكون بعض الحصيات، وإذابة بعض الأملاح، ولم يؤثر الصيام مطلقاً حتى علي من يعانون أخطر الأمراض الجهاز البولي، وهو مرض الفشل الكلوي مع الغسيل المتكرر (3).

    5- كان يعتقد أن الفقدان النسبي لسوائل الجسم، وانخفاض عدد ضربات القلب، وزيادة الإجهاد أثناء الصوم يؤثر تأثيراً سلبياً على التحكم في منع تجلد الدم، وهو من أخر الأمراض، وقد ثبت أن الصيام الإسلامي لا يؤثر على ذلك في المرضى الذين يتناولون الجرعات المحددة من العلاج (Jalal Saour, Does Ramadan fasting complicate anticoagulant therapy ? Fasting: its efcts on health and diseases basic principles and clinical practice (Abstracts ) college of Medicine Kong Saud University. Riydh, December /1990. 5).

    * ثبت أن الصيام لا يشكل خطراً على معظم مرضى السكر، إن لم يكن يفيد الكثيرين منهم ( Sulimami RA. Famuyiwa FO, Laagan MA. Diabetes mellitus and Ramadan fasting (1988): the need for critical appraisal. Diabetic Medicine 8:549-552.).

    بعض الأمراض التي يعالجها الصيام

    يعالج الصيام عدداً من الأمراض الخطيرة أهمها:

    أ- الأمراض الناتجة عن السمنة: كمرض تصلب الشرايين، وضغط الدم، وبعض أمراض القلب (3).

    ب- يعالج بعض أمراض الدورة الدموية الطرفية مثل: مرض الرينود (Raynaud’s disease ) ومرض برجر (S.M. Bakir (1991) Can fasting in Ramadan help in some periphral vascular diseases ? JIMA: VOL. 23: 163 - 164. ).

    جـ- يعالج الصيام المتواصل ( الطبي ) مرض إلتهاب المفاصل المزمن ( الروماتويد ) (A N N. Mariuden. 1. Trang. N venizelos, and pamblad. (1983) Neutrophil functions and clinical performance after total fasting in patients with rheumatis. Annals of rheumatic diseases. 42: 54 - 51).

    د- يعالج الصيام الإسلامي ارتفاع حموضة المعدة، وبالتالي يساعد في التئام قرحة المعدة مع العلاج المناسب (Muazzam MG., Ali M. N. and Husain A. (1963) Observations on the effects of Ramadan Fasting on Gasric acidity. The Meducus, 25:228. ).

    هـ- لا يسبب الصيام أي خطر على المرضعات، أو الحوامل، ولا يغير من التركيب الكيميائي، أو التبدلات الاستقلابية في الجسم عند المرضعات، وخلال الشهور الأولى والمتوسطة من الحمل.( Prentice, AM ; prentice, A, Lamb WH, Lunn PG: (1983) Austins, Hum Nutr clin Nutr 37 (4) 283 - 94. ).

    فوائد أخرى تجنى بالصوم:

    1- يمكن الصيام آليات الهضم والامتصاص في الجهاز الهضمي وملحقاته، من أداء وظائفها على أتم وأكمل وجه، وذلك بعدم إدخال الطعام والشراب على الوجبة الغذائية، أثناء هضمها وامتصاصها.

    كما يتيح الصيام راحة فسيولوجية للجهاز الهضمي وملحقاته، وذلك بمنع تناول الطعام والشراب لفترة زمنية، تتراوح من 9 - 11 ساعة بعد امتصاص الغذاء كما تستريح آليات الامتصاص في الأمعاء طوال هذه الفترة من الصيام (3).

    وتتمكن الانقباضات الخاصة (Migrating Motor Complex ) بتنظيف الأمعاء، من عملها المستمر دون توقف (M.Y. Sukkar, H. A. El-Munshid & M.S. M. Ardawi 1993, “ Concise Human Physiology” Blackwell Scientific Publication, Oxford, pp 175 - 181).

    2- يمكن الصيام الغدد الصماء ذات العلاقة بعمليات الاستقلاب، في فترة ما بعد الامتصاص، ومن أداء وظائفها، في تنظيم وإفراز هرموناتها الحيوية على أتم حال، وذلك بتنشيط آليات التثبيط والتنبيه لها يومياً، ولفترة دورية ثابتة، ومتغيرة طوال العام، وبالتالي يحصل توازن بين الهرمونات المتضادة في العمل، مثل هرموني: النمو والإنسولين، كهرمونات بناء من ناحية، وهرموني: الجلوكاجون والكوريتزول، كهرمونات هدم من ناحية أخرى، والذي يتوقف على توازنها الدقيق، تركيز الأحماض الأمينية في الدم، توازن الاستقلاب (3).

    3- ينشط الصيام آليات الاستقلاب أو التمثيل الغذائي في البناء والهدم للجلوكوز والدهون، والبروتينات في الخلايا، لتقوم بوظائفها على أكمل وجه.

    4- أما إذا اقتصر الجسم على البناء فقط، وكان همه التخزين للغذاء في داخله، فإن آليات البناء تغلب آليات الهدم، فيعتري الأخيرة - لعدم استعمالها بكامل طاقتها -، وهن تدريجي، تظهر ملامحه عند تعرض الجسم لشدة مفاجئة، بانقطاع الطعام عنه في الصحة، أو المرض، فقد لا يستطيع هذا الإنسان مواصلة حياته، أو مقاومة مرضه (3).

    5- يحسن الصيام خصوبة المرأة والرجل على السواء (Husan Nastrat and Mansour Suliman, Effect of Ramadan fasting on plasma progeserone and prolactin. Islamic international conferance on Islamic legalation & the Current Medical problms 2-3 Fib 987 Cairo - Egypt)) S.M.A. Abbas and A. H. Basalamah Effects of Ramadan Fast on Male Fertility (1986) , Archives of Andrology, 16: 161 - 166 ).

    6- يستفيد الإنسان من العطش أثناء الصيام استفادة كبيرة، حيث يساعد في إمداد الجسم بالطاقة، وتحسين القدرة على التعلم، وتقوية الذاكرة (3).

    7- تتهدم الخلايا المريضة والضعيفة في الجسم عندما يتغلب الهدم على البناء أثناء الصيام، وتتجدد الخلايا أثناء مرحلة البناء (3).

    8- كذلك فإن أداء الصيام الإسلامي طاعة لله وخشوعاً له، ورجاء فيما عنده سبحانه من الأجر والمثوبة، لعمل ذو فائدة جمة لنفس الإنسان وجسمه، حيث يبث في النفس السكينة والطمأنينة، وينعكس هذا بدوره على آليات الاستقلاب فيجعلها تتم في أوفق وأيسر وأنفع السبل، مما يعود بالنفع والفائدة على الجسم (3)

    إن الصيام كاقتناع فكري وممارسة عملية، يقوي لدى الإنسان كثيراً من جوانبه النفسية، فيقوي لديه الصبر، والجلد، وقوة الإرادة، وضبط النوازع والرغبات، ويضفي على نفسه السكينة والرضا والفرح... وقد أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: " للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره، وإذا لقي ربه فرح بصومه " (1) متفق عليه.

    9- ثبت بالدليل العلمي القاطع أن الصيام الإسلامي ليس له أي تأثير سلبي على الآداء العضلي وتحمل المجهود البدني، بل بالعكس أظهرت نتائج البحث القيم الذي أجراه الدكتور أحمد القاضي وزملاؤه (دليل جديد على الإعجاز العلمي لحديث " صوموا تصحوا " وأية { وإن تصوموا خير لكم } بالولايات المتحدة الأمريكية أن درجة تحمل المجهود البدني وبالتالي كفاءة الآداء العضلي قد ازداد بنسبة 200% عند 30% من أفراد التجربة، و7% عند 40% منهم، وتحسنت سرعة دقات القلب بمقدار 9%، كما تحسنت درجة الشعور بإرهاق الساقين بقمدار 11%.( د. أحمد القاضي - معهد الطب الإسلامي للتعليم والبحوث - بنماسيتي - فلوريدا - الولايات المتحدة)

    وهذا يبطل المفهوم الشائع عند كثير من الناس من أن الصيام يضعف المجهود البدني، ويؤثر على النشاط فيقضون معظم النهار في النوم والكسل.

    الوجه الثالث: يسر الصيام الإسلامي وسهولته:


    تشير الدراسات العلمية المحققة، في وظائف أعضاء الجسم، أثناء مراحل التجويع، إلى يسر الصيام الإسلامي وسهولته، تحقيقاً لقوله تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر} [ البقرة:185] وفي تفسير الآية قال الرازي: إن الله تعالى أوجب الصوم على سبيل السهولة واليسر، وما أوجبه إلا في مدة قليلة من السنة، ثم ما أوجب هذا القليل على المريض ولا على المسافر (التفسير الكبير للرازي 2/82 ط3 دار الباز).

    كما يتجلى يسر الصيام الإسلامي في إمداد الجسم بجميع احتياجاته الغذائية، وعدم حرمانه من كل ما هو لازم ومفيد له، فالإنسان في هذا الصيام، يمتنع عن الطعام والشراب فترة زمنية محدودة، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، وله حرية المطعم والمشرب من جميع الأغذية والأشربة المباحة ليلاً، ويعتبر الصيام الإسلامي بهذا تغييراً لمواعيد تناول الطعام والشراب فحسب فلم يفرض الله سبحانه الانقطاع الكلي عن الطعام لمدد طويلة، أو حتى لمدة يوم وليلة، تيسيراً وتخفيفاً على أمة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، وقد تجلى هذا اليسر بعد تقدم وسائل المعرفة والتقنية في هذا العصر.

    فقد قسمت المراجع الطبية التجويع إلى ثلاث مراحل: مرحلة مبكرة، ومتوسطة، وطويلة الأجل (J. Hywel Thomas and Brian Gillham, Will’s Biochemical Basis of Medicine - 2nd Edition, (1989), Landon. pp 97-114 , 272-79).

    وتقع المرحلة المبكرة بعد نهاية فترة امتصاص آخر وجبة ( أي بعد حوالي 5 ساعات من الأكل ) وحتى نهاية فترة ما بعد الامتصاص والتي تتراوح مدتها حوالي 12 ساعة، وقد تمتد إلى 40 ساعة عند بعض العلماء، في هذه الفترة يقع الصيام الإسلامي كما يقع في فترة امتصاص الغذاء، وهذه الفترة من الانقطاع عن الطعام آمنة تماماً بالمقاييس العلمية، فالجلوكوز هو الوقود الوحيد للمخ، والدهون لا تتأكسد بالقدر الذي يولد أجساماً كيتونية بالدم أثناء هذه الفترة، كما لا يستهلك البروتين في إنتاج الطاقة بالقدر الذي يحدث خللاً في التوازن النتروجيني في الجسم. مما حدا ببعض العلماء أن يسقط فترة ما بعد الامتصاص من مراحل التجويع أصلاً، وهذه الحقيقة تجعل الصيام الإسلامي متفرداً في يسره وسهولته عكس مراحل التجويع الأخرى.

    من خلال عرض الحقائق السابقة، ندرك أن مدة الصيام الإسلامي والتي تتراوح من 12-16 ساعة في المتوسط، يقع جزء منها في فترة الامتصاص، ويقع معظمها في فترة ما بعد الامتصاص، ويتوفر فيها تنشيط جميع آليات الامتصاص والاستقلاب بتوازن، فتنشط آلية تحلل الجليكوجين، وأكسدة الدهون، وتحللها وتحلل البروتين، وتكوين الجلوكوز الجديد منه، ولا يحدث للجسم البشري أي خلل في أي وظيفة من وظائفه، فلا تتأكسد الدهون بالقدر الذي يولد أجساماً كيتونية تضر بالجسم، ولا يحدث توازن نتروجيني سلبي لتوازن استقلاب البروتين، ويعتمد المخ البشري، وخلايا الدم الحمراء، والجهاز العصبي، على الجلوكوز وحده للحصول منه على الطاقة بينما التجويع أو الصيام الطبي - القصير والطويل منه - لا يقف عند تنشيط هذه الآليات، بل يشتد حتى يحدث خللاً في بعض وظائف الجسم.

    يعتبر الصيام الإسلامي تمثيلاً غذائياً فريداً، إذ يشتمل على مرحلتي البناء والهدم، فبعد وجبتي الإفطار والسحور، يبدأ البناء للمركبات الهامة في الخلايا، وتجديد المواد المختزنة، والتي استهلكت في إنتاج الطاقة، وبعد فترة امتصاص وجبة السحور، يبدأ الهدم، فيتحلل المخزون الغذائي من الجليكوجين والدهون، ليمد الجسم بالطاقة اللازمة، أثناء الحركة والنشاط في نهار الصيام (3).

    لذلك كان تأكيد النبي صلى الله عليه وسلم وحثه على ضرورة تناول وجبة السحور، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ تسحروا فإن في السحور بركة " متفق عليه.

    وذلك لإمداد الجسم بوجبة بناء يستمر لمدة 4 ساعات، محسوبة من زمن الانقطاع عن الطعام، وبهذا أيضاً يمكن تقليص فترة ما بعد الامتصاص إلى أقل زمن ممكن، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على تعجيل الفطر حيث قال: " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر - متفق عليه " وتأخير السحور فقد روى عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال: " تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قمنا إلى الصلاة، قيل: كم كان بينهما ؟ قال خمسون آية " (متفق عليه)

    وهذا من شأنه تقليص فترة الصيام أيضاً إلى أقل حد ممكن، حتى لا يتجاوز فترة ما بعد الامتصاص ما أمكن، وبالتالي فإن الصيام الإسلامي لا يسبب شدة، ولا يشكل ضغطاً نفسياً ضاراً على الجسم البشري، بحال من الأحوال.

    وبناء على هذه الحقائق يمكننا أن نؤكد أن الذي يتوقف أثناء الصيام، هو عمليات الهضم والامتصاص، وليست عمليات التغذية، فخلايا الجسم تعمل بصورة طبيعية، فخلايا الجسم تعمل بصورة طبيعية، وتحصل على جميع احتياجاتها اللازمة لها، من هذا المخزون بعد تحلله، والذي يعتبر هضماً داخل الخلية، فيتحول الجليكوجين إلى سكر الجلوكوز، والدسم والبروتينات إلى أحماض دهنية وأحماض أمينية، بفعل شبكة معقدة من الإنزيمات، والتفاعلات الكيمائية الحيوية الدقيقة، والتي يقف الإنسان أمامها مشدوهاً معترفاً بجلال الله وعلمه، وعظيم قدرته وإحكام صنعه. فمن أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم أن في الصيام وقاية للإنسان من أضرار نفسية وجسدية؟ ومن أخبره أن فيه منافع وفوائد يجنيها الأصحاء؟ بل ومن يستطيع الصيام من المرضى وأصحاب الأعذار !! ومن أخبره صلى الله عليه وسلم بأن الصيام سهل ميسور، لا يضر بالجسم ولا يجهد بالنفس؟ ومن أطلعه على أن كثرة الصوم تثبط الرغبة الجنسية؟ وتخفف من حدتها وثورتها خصوصاً عند الشباب !! فيصير الشباب آمناً من الاضطرابات الغريزية النفسية، ومحصناً ضد الانحرافات السلوكية !! وخصوصاً أنه نشأ في بيئة لا تعرف هذا الصيام ولا تمارسه. " إنه الله.. آمنت بالله "
    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 29 ديس, 2019, 04:05 م.
  • وليد المسلم
    مشرف عام

    • 11 يون, 2006
    • 762
    • مسلم

    #2
    الصيام.. وأثره على وظائف الكبد

    الصيام.. وأثره على وظائف الكبد

    د. عبدالجواد الصاوي

    للكبد وظائف وأنشطة عديدة، فهو أكبر غدة داخل الجسم البشري، وهو المصنع الهائل الذي يقوم بتصنيع وتخزين مواد حيوية هامة لا تبنى خلايا الجسم بدونها، كما يقوم بعمليات دقيقة ومنسقة لحفظ الحياة من العطب أو الدمار، وفي هذا المقال سنلقي الضوء فقط على عمليتين حيويتين للكبد تنشط آليتهما بوضوح خلال ممارسة الصيام الإسلامي وينعكس أثرهما على كل خلايا الجسم نشاطًا وعافية، وفي هذا شهادة بأن تشريع الصيام للبشر إنما كان لمنفعتهم في الدنيا والآخرة.

    العملية الأولى: تجدد خلايا الجسم

    اقتضت حكمة الله تعالى أن يحدث التغيير والتبديل في كل شيء وفق سنة ثابتة، فقد اقتضت هذه السنة في جسم الإنسان أن يتبدل محتوى خلاياه على الأقل كل ستة أشهر، وبعض الأنسجة تتجدد خلاياها في فترات قصيرة تعد بالأيام، والأسابيع، مع الاحتفاظ بالشكل الخارجي الجيني، وتتغير خلايا جسم الإنسان وتتبدل، فتهرم خلايا ثم تموت، وتنشأ أخرى جديدة تواصل مسيرة الحياة، هكذا باطّراد، حتى يأتي أجل الإنسان، إن عدد الخلايا التي تموت في الثانية الواحدة في جسم الإنسان يصل إلى 125 مليون خلية(1)، وأكثر من هذا العدد يتجدد يوميٌّا في سن النمو، ومثله في وسط العمر، ثم يقل عدد الخلايا المتجددة مع تقدم السن، تبلغ خلايا الكبد من 200 - 300 مليار خلية تتجدد كل أربعة شهور، وتعتبر هذه الخلايا من أهم وأنشط خلايا الجسم، وتقدم أجلّ وأعظم الخدمات في تجديد وإصلاح خلايا الجسم كله، إذ تقوم بإنتاج بروتينات البلازما كلها تقريبا (من 30 - 50 جم يوميٌّا)، وتكوين الأحماض الأمينية المختلفة، بعمليات التحول الداخلي وتحويل البروتين والدهن والكربوهيدرات كل منها للآخر، وتقديمها لخلايا الجسم، حسب احتياجها، وصناعة الجلوكوز وتخزينه لحفظ تركيزه في الدم، وأكسدة الجلوكوز والأحماض الدهنية بمعدلات مرتفعة لإمداد الجسم وخلاياه بالطاقة اللازمة في البناء والتجديد (41)، إذ تحتوي كل خلية كبدية من الوحدات المولدة للطاقة (Mitochondria) انظر شكل (1) حوالي 1000 وحدة، كما تكون الخلايا الكبدية الكوليسترول، والدهون الفوسفاتية، التي تدخل في تركيب جدر الخلايا، وفي المركبات الدقيقة داخل الخلية، وفي العديد من المركبات الكيميائية الهامة، واللازمة لوظيفة الخلية، كما تقوم خلايا الكبد بصناعة إنزيمات حيوية وهامة لخلايا الجسم، كخميرة الفوسفاتاز القلوية (AIKaline Phosphatase)، والتي بدونها لا تستخدم الطاقة المتولدة من الجلوكوز والأكسجين، ولا يتم عدد كثير من عمليات الخمائر والهرمونات وتبادل الشوارد(3)، فيتأثر تجدد الخلايا وتضطرب وظائفها، كما تقدم خلايا الكبد خدمة جليلة في بناء الخلايا الجديدة، حيث تختزن في داخلها عددًا من المعادن والفيتامينات الهامة واللازمة في تجديد خلايا الجسم كالحديد والنحاس وفيتامين أ، ب2، ب12، وفيتامين د، وتقدم خلايا الكبد أيضًا أعظم الخدمات في تجديد الخلايا، حيث تزيل من الجسم المواد السامة والتي تعرقل هذا التجديد، أو حتى تدمر الخلايا نفسها، كما في مادة الأمونيا والتي تسمم خلايا المخ، وتدخل مريض تليف الكبد في غيبوبة تامة.
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	image.png 
مشاهدات:	30 
الحجم:	77.9 كيلوبايت 
الهوية:	828875


    مجمع الأحماض الأمينية:

    تشكل الأحماض الأمينية البنية الأساسية في الخلايا، وفي الصيام الإسلامي تتجمع هذه الأحماض القادمة من الغذاء مع الأحماض الناتجة من عملية الهدم، في مجمع الأحماض الأمينية في الكبد (Amino Acid Pool)، ويحدث فيها تحول داخلي واسع النطاق، وتدخل في دورة السترات (citrate CycI)، وتتم إعادة توزيعها بعد عملية التحول الداخلي (Interconversion)، ودمجها في جزيئات أخرى، كالبيورين (Purines)، والبيريميدين، أو البروفرين (Prophyrins)، ويصنع منها كل أنواع البروتينات الخلوية، وبروتين البلازما، والهرمونات، وغير ذلك من المركبات الحيوية، انظر شكل (2)، أما أثناء التجويع أو ما يسمّى بالصوم الطبي فتتحول معظم الأحماض الأمينية القادمة من العضلات وأغلبها حمض الألانين، تتحول إلى جلوكوز الدم، وقد يستعمل جزء منها لتركيب البروتين، أو تتم أكسدته لإنتاج الطاقة بعد أن يتحول إلى أحماض أكسوجينية (Oxoacids)(4)
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	image.png 
مشاهدات:	37 
الحجم:	255.7 كيلوبايت 
الهوية:	828876


    وبهذا التبدل والتحول الذي يحدث داخل هذه الأحماض الأمينية المتجمعة من الغذاء، وعمليات الهدم للخلايا أثناء الصيام يعاد تشكيلها ثم توزع حسب احتياجات خلايا الجسم، فيتاح بهذا لبنات جديدة للخلايا ترمم بناءها، وترفع كفاءتها الوظيفية، مما يعود على الجسم البشري بالصحة، والنماء، والعافية، وهذا لا يحدث في التجويع أو الصيام الطبي، حيث الهدم المستمر لمكونات الخلايا، وحيث الحرمان من الأحماض الأمينية الأساسية، فعندما تعود بعض اللبنات القديمة لإعادة الترميم تتداعى القوى، ويصير الجسم عرضة للأسقام، أو الهلاك، فنقص حمض أميني أساسي واحد يدخل في تركيب بروتين خاص ـ يجعل هذا البروتين لا يتكون، والأعجب من ذلك أن بقية الأحماض الأمينية التي يتكون منها هذا البروتين تتهدم وتدمر(5).
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	image.png 
مشاهدات:	37 
الحجم:	55.7 كيلوبايت 
الهوية:	828877


    شكل (2): يبين مجمع الأحماض الأمينية وكيف تتجمع هذه الأحماض في مجمع عام وكيف تتكون منها

    مركبات جديدة وكيف تتحول إلى مجمع الاستقلاب العام ومركباته.

    كما أن إمداد الجسم بالأحماض الدهنية الأساسية (Essential Fatty Acids) في الغذاء له دور هام في تكوين الدهون الفوسفاتية، (Phospholipids) والتي مع الدهن العادي (Triacylglycerol) تدخل في تركيب البروتينات الشحمية، (Lipoprotiens) ويقوم النوع منخفض الكثافة جدٌّا منها (very low density lipoprotien) بنقل الدهون الفوسفاتية والكوليسترول من أماكن تصنيعها بالكبد، إلى جميع خلايا الجسم، حيث تدخل في تركيب جدر الخلايا الجديدة، وتكوين بعض مركباتها الهامة، ويعرقل هذه العملية الحيوية كل من:الأكل الغني جدٌّا بالدهون، والحرمان المطلق من الغذاء، كما في حالة التجويع، حيث تتجمع كميات كبيرة من الدهون في الكبد تجعله غير قادر على تصنيع الدهون الفوسفاتية والبروتين بمعدل يكفي لتصنيع البروتين الشحمي، فلا تنتقل الدهون من الكبد إلى أنحاء الجسم، لتشارك في بناء الخلايا الجديدة، وتتراكم فيه، وقد تصيبه بحالة التشمع الكبدي، (4) (Fatty Liver) فتضطرب وظائفه، وينعكس هذا بالقطع على تجدد خلاياه هو أولاً، ثم على خلايا الجسم كله. إن الصيام الإسلامي هو وحده النظام الغذائي الأمثل في تحسين الكفاءة الوظيفية للكبد، حيث يمده بالأحماض الدهنية والأمينية الأساسية، خلال وجبتي الإفطار والسحور، فتتكون لبنات البروتين، والدهون الفوسفاتية والكوليسترول وغيرها، لبناء الخلايا الجديدة، وتنظيف خلايا الكبد من الدهون التي تجمعت فيه بعد الغذاء، خلال نهار الصوم، فيستحيل بذلك أن يصاب الكبد بعطب التشمع الكبدي، أو تضطرب وظائفه، بعدم تكوين المادة الناقلة للدهون منه، وهي الدهن الشحمي منخفض الكثافة جدٌّا (VLDL) والذي يعرقل تكونها التجويع، أو كثرة الأكل الغني بالدهون كما بينَّا.

    وعلى هذا يمكن أن نستنتج أن الصيام الإسلامي يمتلك دورًا فعالاً في الحفاظ على نشاط ووظائف خلايا الكبد، وبالتالي يؤثر بدرجة كبيرة في سرعة تجدد خلايا الكبد، وكل خلايا الجسد، وهو ما لا يفعله الصيام الطبي ولا الترف في الطعام الغني بالدهون.

    العملية الثانية: تخليص الجسم من السموم

    يتعرض الجسم البشري لكثير من المواد الضارة، والسموم التي قد تتراكم في أنسجته، وأغلب هذه المواد تأتي للجسم عبر الغذاء الذي يتناوله بكثرة، خصوصًا في هذا العصر، الذي عمّت فيه الرفاهية مجتمعات كثيرة، وحدث وفر هائل في الأطعمة بأنواعها المختلفة، وتقدمت وسائل التقنية في تحسينها وتهيئتها وإغراء الناس بها، فانكب الناس يلتهمونها بنهم، مما كان له أكبر الأثر في إحداث الخلل لكثير من العمليات الحيوية داخل خلايا الجسم، وظهر ـ نتيجة لذلك ـ ما يسمي بأمراض الحضارة: كالسمنة، وتصلب الشرايين، وارتفاع الضغط الدموي، وجلطات القلب والمخ والرئة، ومرض السرطان، وأمراض الحساسية والمناعة. وتذكر المراجع الطبي (5) أن جميع الأطعمة تقريبًا في هذا الزمان تحتوي على كميات قليلة من المواد السامة، وهذه المواد تضاف للطعام أثناء إعداده، أو حفظه: كالنكهات، والألوان، ومضادات الأكسدة، والمواد الحافظة، أو الإضافات الكيميائية للنبات أو الحيوان: كمنشطات النمو، والمضادات الحيوية، والمخصبات، أو مشتقاتها، وتحتوي بعض النباتات في تركيبها على بعض المواد الضارة، كما أن عددًا كبيرًا من الأطعمة تحتوي على نسبة من الكائنات الدقيقة، التي تفرز سمومها فيها وتعرضها للتلوث(4)، هذا بالإضافة إلى السموم التي نستنشقها مع الهواء، من عوادم السيارات، وغازات المصانع، وسموم الأدوية التي يتناولها الناس بغير ضابط، إلى غير ذلك من سموم الكائنات الدقيقة، التي تقطن في أجسامنا بأعداد الوصف والحصر، وأخيرًا مخلفات الاحتراق الداخلي للخلايا، والتي تسبح في الدم، كغاز ثاني أكسيد الكربون، واليوريا، والكرياتينين، والأمونيا، والكبريتات، وحمض اليوريك.. إلخ، ومخلفات الغذاء المهضوم، والغازات السامة التي تنتج من تخمره وتعفنه، مثل الأندول والسكاتول والفينول(1).

    كل هذه السموم جعل الله ـ سبحانه وتعالى ـ للجسم منها فَرَجًا ومخرجًا، فيقوم الكبد ـ وهو الجهاز الرئيس في تنظيف الجسم من السموم ـ بإبطال مفعول كثير من هذه المواد السامة، بل قد يحولها إلى مواد نافعة، مثل: اليوريا، والكرياتين، وأملاح الأمونيا، غير أن للكبد جهدًا وطاقة محدودة، وقد يعتري خلاياه بعض الخلل لأسباب مرضية، أو لأسباب طبيعية كتقدم السن فيترسب جزء من هذه المواد السامة في أنسجة الجسم، خصوصًا في المخازن الدهنية شكل(3).
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	image.png 
مشاهدات:	37 
الحجم:	161.5 كيلوبايت 
الهوية:	828878


    شكل (3): خلايا دهنية ممتلئة بالدهون حيث تخزن السموم

    وتذكر المراجع الطبية(4)، أن الكبد يقوم بتحويل مجموعة واسعة من الجزيئات السُّمِّيَّة، والتي غالبًا ما تقبل الذوبان في الشحوم، إلى جزيئات تذوب في الماء غير سامة، يمكن أن يفرزها الكبد عن طريق الجهاز الهضمي، أو تخرج عن طريق الكلى.

    وفي الصيام تتحول كميات هائلة من الشحوم المختزنة في الجسم إلى الكبد، حتى تؤكسد، وينتفع بها، وتستخرج منها السموم الذائبة فيها، وتزال سُمِّيَّتها ويتخلص منها مع نفايات الجسد شكل(4). كما أن هذه الدهون المتجمعة أثناء الصيام في الكبد، والقادمة من مخازنها المختلفة، يساعد ما فيها من الكوليسترول على التحكم وزيادة إنتاج مركبات الصفراء في الكبد، والتي بدورها تقوم بإذابة مثل هذه المواد السامة، والتخلص منها مع البراز. ويؤدي الصيام خدمة جليلة للخلايا الكبدية، بأكسدته للأحماض الدهنية، فيخلص هذه الخلايا من مخزونها من الدهون، وبالتالي تنشط هذه الخلايا، وتقوم بدورها خير قيام، فتعادل كثيرًا من المواد السامة، بإضافة حمض الكبريت أو حمض الجلوكونيك، حتى تصبح غير فعالة ويتخلص منها الجسم.
    اضغط على الصورة لعرض أكبر. 

الإسم:	image.png 
مشاهدات:	35 
الحجم:	38.4 كيلوبايت 
الهوية:	828879


    شكل (4): تحلل الدهون وتحرر الطاقة منها حيث يتخلص الجسم من السموم المختزنة بها

    كما يقوم الكبد بالتهام أية مواد دقيقة، كدقائق الكربون التي تصل إلى الدم ببلعمة جزيئاتها، بواسطة خلايا خاصة تسمى خلايا (كوبفر)، والتي تبطن الجيوب الكبدية، ويتم إفرازها مع الصفراء.

    وأثناء الصيام يكون نشاط هذه الخلايا في أعلى معدل كفاءتها، للقيام بوظائفها، فتقوم بالتهام البكتريا، بعد أن تهاجمها الأجسام المضادة المتراصة(5). وبما أن عمليات الهدم (Catabolism) في الكبد أثناء الصيام تغلب عمليات البناء في التمثيل الغذائي، فإن فرصة طرح السموم المتراكمة في خلايا الجسم تزداد خلال هذه الفترة، ويزداد أيضًا نشاط الخلايا الكبدية في إزالة سُمِّيَّة كثير من المواد السامة، وهكذا يعتبر الصيام شهادة صحية لأجهزة الجسم بالسلامة. وصدق الله العليم الخبير القائل: }وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{(6) أي فضيلة الصوم وفوائده.

    يقول الدكتور (ماك فادون) وهو من الأطباء العالميين الذين اهتموا بدراسة الصوم وأثره: (إن كل إنسان يحتاج إلى الصوم، وإن لم يكن مريضًا، لأن سموم الأغذية والأدوية تجتمع في الجسم، فتجعله كالمريض وتثقله، فيقل نشاطه، فإذا صام الإنسان تخلص من أعباء هذه السموم، وشعر بنشاط وقوة لا عهد له بهما من قبل)(2).


    _____________________________________
    المراجع:

    1 ـ حامد محمد حامد. رحلة الإيمان في جسم الإنسان ـ دار القلم ـ دمشق ـ ط1، 1411هـ ـ 1991م.

    2 ـ نجيب الكيلاني. الصوم والصحة، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط1، 1987م.

    3 ـ حكمت عبدالكريم فريحات. الوجيز في علم وظائف الأعضاء، دار البشير. عمان ط1، 1407هـ ـ 1986م. ص201 ـ 233.

    4 ـ محمد جمال الدين القاسمي. محاسن التأويل، المجلد الثاني، ج3، ط2، دار الفكر، 1398هـ ـ 1978م. ج3، ص87.

    5 ـ عبدالجواد الصاوي، الصيام معجزة علمية، الطبعة الثانية 1422هـ، مطابع رابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة.

    6 ـ سورة البقرة الآية 184.

    j.Hywel Thomas And Brian Gillham, Will,s, Biochemicel Basis Of Medicine, 2nd Edition, (1989).Landon. PP 97 - 114 ,272 - 79.

    Chaffee And Lyfil. Basic Physiology And Anatomy 4rthEdition (1980). J.B Lippincott company, philadelphia. PP 421 - 71.

    William F. Ganong. Review Of Medical Physiology. 15th Edition 1991. Appleton & Lange, Los Altos, California
    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 27 يون, 2021, 10:10 م.

    تعليق

    • حسام الدين
      2- عضو مشارك
      حارس من حراس العقيدة

      • 22 يون, 2006
      • 248

      #3
      بالصوم نتحكم في غددنا الصماء فنكبح غرائزنا

      بحث علمى شيق ورائع

      بحث علمي: بالصوم نتحكم في غددنا الصماء فنكبح غرائزنا


      - العلم الحديث يؤكد أن القلق يؤدي إلى الإصابة بالقرحة وتصلب الشرايين.
      - معنى [على الذين يطيقونه] أي يتحملونه بمشقة قد تؤدي إلى التهلكة.
      - هناك تغذية داخلية للصائم عن طريق الكبد والدهون التي في الحوايا.
      - الصوم يدرب الإنسان على التحكم في جوارحه الخارجية وجوانحه الداخلية.
      - التقوى هي المحصلة النهائية لسيطرة الإنسان على جوارحه وجوانحه.
      - السفر بالطائرات أشد من الجوع والعطش لما فيه من توتر وقلق.

      منى محروس


      مفكرة الإسلام: 'نظرات علمية في آيات الصوم' كان موضوع البحث العلمي الذي أعده د. عفيفي محمود عفيفي الأستاذ بكلية العلوم جامعة المنصورة والخبير بمجمع اللغة العربية وفيه يعرف الصوم من وجهة النظر البيولوجية بأنه 'امتناع إرادي عن بعض مقومات الحياة المتاحة والمباحة'.

      فلا بد أن يكون الأمر الممتنع عنه من مقومات الحياة والبقاء.. ولا بد أن يكون في وقت الصيام مباحا وفي غير وقت الصيام متاحا. ثم يمتنع عنه الإنسان طواعية لكي يحسب صائما. ومقومات الحياة إما أن تكون مقومات حياة الفرد وأولها الطعام والشراب. وإما أن تكون مقومات بقاء النوع وهي التناسل ووسيلته المعروفة هي التواصل الجنسي.

      وهذه الأمور الثلاثة لأنها متصلة ببقاء الفرد وبقاء النوع جعلها الله في كل كائن حي وجعل بداخله نزعة قوية لممارستها بيولوجيا.. ومن هنا كان الامتحان بالامتناع طواعية عن هذه الأمور الثلاثة التي تمثل هيكل الصوم.


      التفسير العلمي لقوله تعالى [لعلكم تتقون]

      وكانت الوقفة الأولى مع قوله تعالى [يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون].

      فقال إن الصوم سيطرة على الجوارح والجوانح.. فالجوارح هي أعضاء الحس وأعضاء الحركة الخارجية ، أما الجوانح فهي ما يوجد داخل تجاويف الجسم وفي أحشائه من مستقبلات داخلية خفية اكتشفت مؤخرا وسميت 'بروبريسبتورز' لكي نميز بينها وبين 'ريسبتورز' أي المستقبلات الخارجية الموجودة في الأذن والعين والأنف . والفرق بين الاثنين أن المستقبلات الخارجية تصل ما بين العالم الخارجي وبين الجهاز العصبي المركزي [المخ] ، حيث أنه يوجد في المخ مركز للإبصار ومركز للشم ومركز للنطق.. وهذه المراكز تتصل بالجوارح عن طريق أعصاب. فالجوارح تستقبل من العالم الخارجي أما الجوانح التي هي خاضعة للمستقبلات الداخلية فلا صلة لها إطلاقا بالعالم الخارجي وتدار عن طريق جهاز عصبي آخر معاون يسمى الجهاز العصبي التلقائي أو الذاتي إما يؤثر في الجوانح مباشرة أو عن طريق وسيط هو الغدد الصم التي تفرز الهرمونات مثل الهرمونات الجنسية وهرمون الأدرينالين الذي يزيد من إفراز السكر في حالة الجوع والغضب. وهكذا فإن أعمال الجوانح تدار تلقائيا. وإن كان البعض يخطئ ويقول لا إراديا... لأنه ثبت علميا أن إرادة الإنسان تستطيع أن تتحكم في كل حناياه الداخلية.. وهكذا فإن سيطرة الإنسان على جوارحه الخارجية وجوارحه الداخلية هي الوسيلة المؤدية إلى النجاح في عملية الصوم.

      فالله سبحانه أخذ على نفسه ألا يكلف نفسا إلا وسعها.. فلم يأمرنا بغض البصر إلا بعد أن جعل العضلات المحركة للجفنين إرادية ، ولم يأمرنا بالصيام إلا بعد أن جعل العضلات المحركة للفم وأعضاء البطن والإمساك والأخذ والعطاء إرادية.. ومن هنا كان من السهل علينا أن نؤدي عملية السيطرة على الجوارح الخارجية لأنها في مقدورنا.

      لكن هل الجوانح الداخلية التي تخضع للغدد الصم والتي قال عنها الفرويديون إن الإنسان عبد لهذه الغرائز ولا يستطيع أن يتحكم فيها... هل هي لا إرادية ؟. إن الإجابة بالنفي فهي تسير تلقائيا أي أنه لا داعي للرجوع للإرادة العليا في المخ لأداء أشياء ضرورية لا بد أن تتم حتى أثناء نوم الإنسان مثل ضربات القلب والتنفس والهضم. ففي هذه الأمور لا مركزية في التنفيذ لكن ليس معناها اللامركزية في التخطيط والسيطرة. فهي أعمال تسير تلقائية كما يدير كل محافظ عمله في دائرة حكمه المحلي لكن عند اللزوم هناك مجلس للمحافظين ورئيس وزراء ورئيس جمهورية. وهناك على ذلك شواهد تشريحية تتمثل في أن الجهاز العصبي الذاتي أو التلقائي الذي يؤثر مباشرة أو عن طريق غير مباشر في الجوانح الداخلية متصل بالجهاز العصبي المركزي [الموجود في المخ والذي يتحكم في الإرادة] عن طريق وصلات عصبية في كل مناطق الجسم وظيفتها أن تسير فيها الإشارات العصبية عند اللزوم لمرور الأوامر الصادرة من جهاز الإرادة العليا إلى الأحشاء الداخلية عند اللزوم. ثم أن الغدد الصماء التي تفرز الهرمونات التي تؤثر في العمليات الحيوية والفسيولوجية لا تسير على هواها وإنما لها رئيسي هو الغدة النخامية التي تستطيع أن تحد مثلا من إفراز هرمون جنسي أو من إفراز هرمون الغضب .. ووظيفة الغدة النخامية إما أن تثبط الغدة المفرزة لهذا الهرمون أو تسلط عليها غدة مضادة لتفرز هرمونا مضادا. والغدة النخامية فوقها رئيس هي الأخرى وإن كان أصغر حجما وهو الجسم المهادي الذي يقع في حجر نصفي الكرة المخية وهو بذلك يقع في ميدان تتقاطع فيه السيالات العصبية وأي إشارة من الأذن أو العين أو غيرها في اتجاه المخ ، أو أي إشارة من المخ لليد أو الرجل أو غيرها تمر عليه وأي إشارة من المخ لأي جزء من الجهاز العصبي التلقائي سوف تمر عليه.

      ووضع الجسم المهادي في هذا المكان بالقرب من مركز الإرادة في المخ ليس عبثا وإنما لكي يمكن الإنسان عند اللزوم من أن يسيطر أو يتدرب على السيطرة على جوانحه الداخلية مثلما سيطر على جوارحه الخارجية. ولنفترض أن إنسانا رأى منظرا أثاره جنسيا فمن الممكن أن يجره تصاعديا إلى الزنا ولكن من الممكن عن طريق التحكم في الجوارح الخارجية بغض البصر وصرف الذهن إلى أشياء أخرى وشغل اللسان بالحديث الطيب يستطيع أن يمنع المؤثرات الخارجية ،فإن نشأت داخليا من أحد الهرمونات قام هذا الشرطي الأمين [الجسم المهادي] بإصدار أمر للغدة النخامية لكي تفرز هرمونا مضادا للهرمون المنشط للرغبة الجنسية. وإذا تعرض إنسان لما يكره فالشيء البسيط هنا أن يخرج الأدرينالين من الغدة فوق الكلوية فيمتلئ الدم بالجلوكوز والطاقة فتجحظ العينان ويزداد التنفس وضربات القلب ويشعر الإنسان بالرغبة في البطش. ولو تمهل قليلا وأعطى فرصة للجسم المهادي كي يعمل فسوف يصدر التعليمات للغدة النخامية أن تثبط الأدرينالين أو تأمر غدة أخرى بإفراز مضاد له وهنا يهدأ الإنسان ويزول غضبه.


      وهكذا كان الله سبحانه عادلا حين أمرنا بصيانة الجوانح الداخلية والسيطرة على الجوارح الخارجية بأن زودنا بالوسائل التي تمكننا من ذلك.. والنتيجة من هذا كله هو الخشوع والطمأنينة والتفكير في الخالق. وهذه كلها تؤدي إلى خشية الله التي هي لب التقوى. فالصيام كتبه الله علينا لا لنحقق الرشاقة أو نشعر بالفقير ، فكل هذه أمور فرعية لكن الهدف الرئيسي هو التقوى ووسيلتها القدرة على السيطرة على الجوارح والجوانح ومراعاة ومراقبة الله تعالى.

      صيام المسلمين أصعب من صيام غيرهم

      ثم انتقل د. عفيفي إلى قوله تعالى [أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم هن لباس لكم وأنتم لباس لهن علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر].

      فقال إن من صاموا قبلنا من اليهود والنصارى كانوا يمتنعون عن الاتصال الجنسي بزوجاتهم طوال فترة الصوم ، واليهود وصلوا إلى ذروة تقديس المادة وعبادتها ، ولذلك فمن البديهي أن تأتي النصرانية بالروحانية والرهبانية إلى أقصى مدى لكي تواجه هذه المادية ، لكن الإسلام جاء وسطا.. فهو دين التوسط والاعتدال ومواجهة الإنسان بطبيعته الترابية وغرائزه. فالإسلام دين معاملة الغرائز التي أودعها الله في الإنسان وترويضها وكبح جماحها والتحكم فيها وليس إهمالها.

      والمسلمون الأوائل من منظور هذه الآية نظروا من حولهم إلى صيام أهل الكتاب فوجدوهم لا يأكلون اللحم ولا يقربون النساء.. وكانوا يكتفون بوجبة واحدة عند الغروب ويمتنعون عن الأكل حتى غروب اليوم التالي .

      وقد علم الله ما في نفوس المسلمين الأوائل فأراد ألا يشق عيهم فأباح لهم ليلة الصيام الرفث إلى نسائهم كما أباح لهم الأكل والشرب طوال الليل وحتى الفجر. إنني بمناقشتي مع أحد النصارى قال لي إن صيامكم سهل لأن الله أحل لكم أشياء كثيرة.. فقلت له إن الصائم النصراني محروم من عشرة أحماض أمينية أساسية ليست موجودة في الأغذية النباتية ولا توجد إلا في الأغذية الحيوانية والتي يؤدي الحرمان المستمر منها إلى نقص الخصوبة ونقص المناعة ونقص اللياقة البدنية.. وهكذا أكون قد جردت العبد من سلاحه تماما. أما المسلم الصائم فيقول لعدوه أمسك سلاحك وسوف أحاربك محاربة الفرسان. ثم أيهما يحتاج إلى قوة مقاومة كثر أن نكبح الشهوة الجنسية في جسم أطفئت فيه من الأصل الرغبة عن طريق الحرمان من عناصر أساسية لازمة للخصوبة أم أن أقاوم هذه الرغبة في جسم حصل على كل عناصره ولكنه يصرف هذه الطافة في أعمال بنائية وإنشائية؟

      إن الإسلام يتعامل بواقعية مع الغرائز على أنها حصان يجب أن نمطتيه ونلجمه ونقوده إلى حيث نريد ولا يقودنا هو إلى حيث يريد.

      المرض والسفر نظيران

      ثم توقف الباحث عند قول الله تعالى: [ومن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر]. فقال لقد لفت نظري أن الآية السابقة على هذه الآية مباشرة تقول [فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر].. فهناك تأكيد بتكرار نفس النص الحرفي. ومعنى ذلك أن المرض والسفر نظيران وحكمهما واحد في هذا الخصوص. فهناك أمر ظاهري يجمع بين السفر والمرض وهو المشقة على الجسم والتي تجعله غير قادر على تحمل الجوع والعطش. في الزمن الأول كان السفر بالإبل قطعة من العذاب ،ففي الطريق رياح وعواصف رملية وقطاع طرق وحر شديد أو برودة عالية. أما اليوم فهناك الطائرات المكيفة والمقاعد المريحة والوجبات الجميلة والترفيه الممتع. فهل نستطيع أن نلغي إفطار المسافر نتيجة للمشقة ترتيبا على هذه الراحة؟ إننا نقول لا.. لأن المشقة البدنية هي الجزء الظاهر من التناظر بين السفر والمرض. أم التشابه الداخلي والذي كشف عنه حديثا علم طب المجتمع فهو أن القلق الذي يعتري المسافر هو أول أسباب الإصابة بقرحة المعدة والاثنى عشر وتصلب الشرايين وأمراض القلب وهي أهم أمراض العصر. وهي مما يسببه القلق من أمراض عضوية. لكن هناك أمراض نفسية بدنية في ذات الوقت وتؤدي في النهاية إلى أمراض عضوية نتيجة التعرض للاكتئاب والقلق. لقد أجروا استطلاعا في نيويورك تلك المدينة الأكثر تنوعا في المواطنين من حيث جنسياتهم ومهنهم وعقائدهم وثقافاتهم وسبب إقامتهم ،فاتضح أن نسبة الإصابة بالقرحة وتصلب الشرايين كانت بين رجال المال والأعمال ورجال الاستيراد والتصدير ولاعبي القمار أعلى بكثير من غيرهم. إن السبب في ذلك هو القلق فهم مشغولون بالمال والسفر والبورصة ولا يعرفون الله ولا الصلاة ولا الصيام. إنهم في حالة سفر وقلق. وكانت أقل نسبة للإصابة بهذين المرضين بين المزارعين وصغار الموظفين والذين يؤمنون بديانة سماوية. ولو عرضنا هذه المعلومات على علم طب المجتمع لوجدناه يقول إن القلق والتوتر والاكتئاب يؤثر على الجهاز العصبي الذاتي فيحدث خللا هرمونيا. والهرمونات تؤثر على الأحشاء الداخلية فتزيد من إفراز حمض الهيدروكلوريك في المعدة فتحدث القرحة أو تزيد إفراز الكوليسترول فيحدث تصلب الشرايين.. وهكذا.

      القرآن يسبق العلم الحديث

      إن القرآن قد سبق العلم الحديث بألف وأربعمائة عام في أنه وصل إلى جوهر التناظر بين المرض والسفر.. وهذا الجوهر ليس هو المشقة البدنية وحدها وإنما ما يعتري المسافر من قلق وتوتر إذا تكرر أدى به إلى الإصابة بأمراض عضوية. ولنا في هذا السياق وقفة بيانية لغوية فالآية الكريمة تقول [فمن كان مريضا أو على سفر] ولم تقل مسافرا. فتعبير أو على سفر تعبير خطير لأنه يعبر عن حالة الانتظار والقلق وعدم الاستقرار عند المسافر الذي مازال عابر سبيل ومعرض للانتظار في الترانزيت بالساعات الطويلة يقضيها كلها في توتر وقلق ومعرض لحوادث الإرهاب وخطف الطائرات وتفجيرها. وكل هذه أمور تجعل القلق عنده في أعلى مستوى ويمكن أن يؤثر عليه داخليا ويصيبه بأشد الأمراض .

      والقرآن والسنة لم يحددا مسافة الرحلة المرخصة للفطر ولا مدتها وتركا ذلك لفقهاء كل عصر حسب الأوضاع والعلوم السائدة في عصرهم ليتعاونوا مع علماء النفس والطب وطب المجتمع وغيرهم لتحديد مدة السفر وطوله والوسيلة المستخدمة كي يصلوا على إعطاء الرخصة بالفطر.


      الفرق بين الطاقة والإطاقة

      ثم انتقل د. عفيفي إلى قوله تعالى [وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين] فقال إنه مما يؤسف له أن البعض يفسر ذلك فيقول أنا لا أطيق صعود السلم يعني لا أتحمله ففسر يطيق بأن معناها يتحمل. وهذا خطأ فإذا كان يطيق بمعنى يتحمل لكان الأجدر بمن يطيق أن يصوم وليس أن يفطر ويخرج الفدية. وإذا كان هذا الإنسان لا يطيق لكان الأولى ألا يكلفه الله أصلا. لكن الصحيح أن الفعل يطيق مصدره 'إطاقة' وليس 'طاقة' والفعل يطيق بضم الياء وليس بفتحها ، والإطاقة غير الطاقة ، فما دام الإنسان في دمه جلوكوز يكفي لأداء نشاط معين فحتى لو كانت معدته خالية فهو يستطيع أن يقوم بكل الأنشطة البدنية والذهنية. فالإنسان إذا جاع أو عطش فلديه القدرة على التحكم في الإحساس بالجوع والعطش. فإذا أصبح ومعدته خالية فلو آثر الراحة ونام سيصيبه الكسل أكثر.. أما إذا تحرك فإن الدم سيجري وينزح معه الجلوكوز من الكبد وهذا يعطي الطاقة للإنسان فيشعر بالانتعاش.. ولذلك فإن الصائم يكون في بداية يوم الصيام شاعرا بالوخم رغم أن وقت سحوره لم يمض عليه إلا قليلا ، ولكنه وقبل الإفطار بساعتين يكون نشيطا ، والسبب هو التغذية الداخلية عن طريق الجلوكوز المخزن في الكبد ، والجلوكوز حينما يحترق ويتأكسد فإن الهيدروجين الموجود فيه يمد الجسم بالماء فتحدث السقيا الداخلية. وهكذا يكون للصائم طعام داخلي وسقيا داخلية. أما إذا تخلص الكبد من كل الجلايكوجين الموجود فيه فلن يكون هناك جلوكوز وهذا نادرا ما يحدث ،ففي هذه الحالة يأخذ الجسم من الدهون المتراكمة بين الحوايا وهي دهون إذا اختزنت أكثر من اللازم تتحول إلى سموم. فيأخذ منها الجسم ويحرقها ويحصل منها على ضعف ما ينتجه الجلوكوز المخزن في الكبد. ومنها يستطيع الصائم أن يستمر لأيام بدون طعام أو شراب.

      وحينما ينتهي رصيد الإنسان المخزون من النشويات المخزونة في الكبد والدهون المخزونة في الحوايا وبين الأحشاء يكون الجسم في هذه الحالة لا يزال في حدود الطاقة. أما إذا انتهى هذا وذاك والإنسان محروم من الطعام كما في المجاعات يبدأ الجسم في الاعتداء على رأسماله وهو البروتين فيحدث ضمور العضلات ونحول الجسم. وفي هذه الحالة نكون قد تخطينا مجال الطاقة ودخلنا مجال الإطاقة وألقينا بأنفسنا إلى التهلكة.

      وهكذا فإن معنى قوله تعالى [وعلى الذين يطيقونه] أي يتحملونه بصعوبة قد تؤدي بهم على التهلكة.. فالإطاقة إذن مرحلة بين الطاقة والعجز.
      *الإسلام دين الله به تستقيم الحياه*

      تعليق

      • الشرقاوى
        حارس مؤسس

        • 9 يون, 2006
        • 5442
        • مدير نفسي
        • مسلم

        #4
        جزاك الله خيرا
        الـ SHARKـاوي
        إستراتيجيتي في تجاهل السفهاء:
        ذبحهم بالتهميش، وإلغاء وجودهم المزعج على هذا الكوكب، بعدوى الأفكار،
        فالأفكار قبل الأشخاص، لأن الأفكار لها أجنحة، فأصيبهم بعدواها الجميلة. وهذا الواقع المظلم الذي نعيش سيتغير بالأفكار،
        فنحن في عصر التنوير والإعصار المعرفي، ولا بد للمريض أن يصح، ولا بد للجاهل أن يتعلم، ولا بد لمن لا يتغير، أن يجبره الواقع على التغير،
        ولا بد لمن تحكمه الأموات، الغائب عن الوعي، أن يستيقظ من نومة أهل الكهف أو يبقى نائما دون أثر، لا يحكم الأحياء!

        تعليق

        • حسام الدين
          2- عضو مشارك
          حارس من حراس العقيدة

          • 22 يون, 2006
          • 248

          #5
          المشاركة الأصلية بواسطة الشرقاوى
          جزاك الله خيرا

          وجزاكم الله عنا خير الجزاء
          *الإسلام دين الله به تستقيم الحياه*

          تعليق

          • y.e.g
            0- عضو حديث
            • 10 يول, 2006
            • 4

            #6
            جزك الله خيرا

            تعليق

            • a7med
              2- عضو مشارك

              حارس من حراس العقيدة
              • 27 أغس, 2006
              • 137

              #7
              جزاك الله خيرا اخي في الله حسام الدين

              فكل يوم يثبت لنا العلم ان ما جاء بالقران حق وانه هو كلام الله الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

              وقد صدق ربنا جل وعلاه لما قال بسم الله الرحمن الرحيم

              أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا

              فمن نعم الله علينا تلك العبادات من صلاة وصوم وغيرها من العبادات فتلك العبادات اثبت العلم ان لها فوائد للإنسان

              فنجد مثلا الكثير والكثير من فائدة الصلاة والصوم

              وها هو هذا البحث العلمي الذي تفضل به اخونا حسام الدين في طرحه يثبت ان القران هو كلام الله الحق

              وهذا نــــــــــــــــــــــــــــــــــداء إلي الزملاء النصاري فكروا جيدا وانظروا وقارنوا بين الانجيل المحرف وبين كلام الله القران الذي لا ياتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه

              وانظروا إلي القران الشامل الجامع فنجد به آيات الاعجاز العلمي الذي قالها القران منذ اكثر من 1400 سنة ولم يكتشفها العلم الحديث الا الان ....... مع ان القران الكريم قالها منذ 1400 سنة ( يا سبحان الله ) منذ اكثر من 1400 سنة يقول القران آياته والناس في غفلة عنه وهم مشغولون ببوليس ويوحنا ومرقص وبطرس وهؤلاء القساوسة الذين ضلوا واضلوا

              واخيرا جزاك الله خيرا اخانا حسام الدين

              والحمد الله علي نعمة الاسلام وكفي بها نعمة

              أشهد ان لا اله إلا الله وأشهد ان محمد عبده ورسوله

              تعليق

              • THE FOG
                2- عضو مشارك
                • 17 أغس, 2006
                • 158
                • student

                #8
                جزاكم الله خيرا وبارك فيكم


                أعظم كلمة. ....الله

                أنقى الحب. . .الحب في الله ورسوله

                تعليق

                • الفيتوري
                  مشرف النصرانية ومن لبنات التأسيس للمنتدى

                  • 10 يون, 2006
                  • 1422
                  • مسلم

                  #9
                  جزاك الله خيرا
                  بوركت وبورك منقولك .

                  تعليق

                  مواضيع ذات صلة

                  تقليص

                  المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                  ابتدأ بواسطة أبو تيميه الحنبلي, منذ 4 يوم
                  ردود 0
                  14 مشاهدات
                  0 ردود الفعل
                  آخر مشاركة أبو تيميه الحنبلي
                  ابتدأ بواسطة أبو تيميه الحنبلي, منذ 5 يوم
                  ردود 0
                  12 مشاهدات
                  0 ردود الفعل
                  آخر مشاركة أبو تيميه الحنبلي
                  ابتدأ بواسطة أبو تيميه الحنبلي, منذ 5 يوم
                  ردود 0
                  10 مشاهدات
                  0 ردود الفعل
                  آخر مشاركة أبو تيميه الحنبلي
                  ابتدأ بواسطة أبو تيميه الحنبلي, منذ 5 يوم
                  ردود 0
                  11 مشاهدات
                  0 ردود الفعل
                  آخر مشاركة أبو تيميه الحنبلي
                  ابتدأ بواسطة فارس الميـدان, 30 أغس, 2024, 04:54 ص
                  ردود 38
                  671 مشاهدات
                  0 ردود الفعل
                  آخر مشاركة فارس الميـدان
                  يعمل...