أضرار الخمر على الجهاز التنفسي
د. شبيب بن علي الحاضري
الجهاز التنفسي آية من آيات الله المعجزة؛ التي ترينا عظمة الخالق وقدرته - سبحانه - على إبداع خلقه وإتقانه لكل شيء، قال تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (النمل: 88).
هذا الجهاز الحيوي: أعضاؤه قليلة، لكن أعماله جليلة.. يبدأ بالأنف، فالبلعوم، فالحنجرة فالقصبة الهوائية، فالشعب الهوائية، وينتهي بالرئتين.
إنه جهاز التكرير في الجسم، يمده بالأكسجين وينتزع منه ثاني أكسيد الكربون، وأي عطب في هذا الجهاز يؤثر على حياة كل خلية في هذا الجسم.
* فماذا تفعل الخمر مع أعضاء هذا الجهاز الحساس؟
(1) الأنف:
إنه المكيف الرباني، الذي هيأ الله فيه أغشية مخاطية تدفيء الهواء البارد، وترطب الهواء الساخن، ليس هذا فحسب، بل حباه الله بشعيرات تحجز الأتربة والأوساخ وتمنعها من الدخول إلى المجاري التنفسية.
والأنف كما نعلم هو عضو الشم في جسم الإنسان بواسطته يستطيع المرء التميز بين الروائح المختلفة، وقد وجد أن الإدمان على تعاطي الخمور يضعف تلك الحاسة المهمة مما قد يؤدي في النهاية إلى فقد تلك النعمة التي أنعم الله بها على هذا الإنسان.
كما تتسبب الخمر في إصابة الأنف بالورم الفقاعي (Rhinophyma) أو ما يعرف بأنف السكير، حيث يحدث تشوه بالغ في الأنف قد يحتاج معه الأمر إلى إجراء عملية تجميل.
(2) البلعوم:
هو الممر الذي يتفرع منه كل من المريء (الذي يقوم بتوصيل الطعام إلى المعدة) والحنجرة والقصبة الهوائية (اللتين تقومان بتوصيل الهواء إلى الرئتين).
ولكن كيف يتم التحكم في ذهاب كل من الطعام والهواء دون أن يخطئ كل منهما الطريق؟
إنها عناية البارئ جل في علاه وقدرته على إبداع الخلق وتقديره الحكيم، قال تعالى:
(قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَىْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه: 49، 50)
فلقد جعل المولى ـ سبحانه وتعالى ـ حارساً أميناً على هذين الممرين الحيويين يعرف بلسان المزمار (Epiglottis).
وتتجلى قدرة الخالق العظيم ـ سبحانه وتعالى ـ في الدقة المتناهية لهذا العضو الحساس، فلو أن أحدنا أراد أن يبلع لقمة أو حتى أن يبلع ريقه، فإن لسان المزمار يقوم بغلق منافذ الحنجرة والقصبة الهوائية، حتى لا يتسرب شيء من الطعام أو الريق إلى الرئتين فيغص بهما الإنسان ويسببان له اختناقاً وربما التهاباً رئوياً، في حين لو أراد أحدنا أن يتنفس فإن هذا العضو يقوم بغلق مجرى الطعام ليدخل الهواء سهلاً إلى الرئتين عن طريق الحنجرة.. فسبحان الخالق العظيم القائل: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ) (لقمان: 11).
وهذا العضو يستلهم أوامره بإذن الله من الجهاز العصبي، الأمر الذي ينتج عنه عدم قدرة الجهاز العصبي على إرسال الأوامر إلى ذلك الحارس الأمين؛ فلا يستطيع أن يقوم بالمهمة التي هيأه الله لها، فلذا نجد شارب الخمر كثيراً يغص بريقه أو بلقمة صغيرة مما يؤدي إلى إصابته بالاختناق والسعال الحاد وربما الموت.
وتتسبب الخمر إلى جانب ذلك بإصابة البلعوم بالالتهابات المتكررة (Pharyngitis) والتي تجعل المريض يكره حياته نتيجة لتكررها حيث يصاب بصعوبة في البلع بشكل دائم، إلى غير ذلك من الأعراض.
وقد أثبتت الأبحاث العلمية دور الكحول في الإصابة بسرطان البلعوم.
(3) الحنجرة:
عضو صغير لا يتعدى طولها (5سم).. إلا أن دورها ليس بالأمر السهل. فعند حركة البلع ترتفع الحنجرة فتساعد بذلك على سهولة حركة لسان المزمار.. فينغلق بذلك منفذ القصبة الهوائية وينفتح المريء، كما أنها تقوم بوظيفة عظيمة في عملية الكلام نظراً لاحتوائها على الحبال الصوتية.
ولكن ما تأثير الكحول على الحنجرة؟
من الملاحظ أنه عندما يصل شارب الخمر إلى مرحلة السكر فإنه يفقد السيطرة على سلوكه، وتتحرر بذلك القيود التي كانت تكبح جماحه، فيبدأ بالصراخ بصوت عال، ويكثر من الكلام وربما الغناء، وكل ذلك يؤدي إلى إصابة الحنجرة بالالتهاب الحاد إذا تكرر هذا الأمر، كما أن الحنجرة تلتهب من جراء طعم الكحول اللاذع والحاد، فلذا نلاحظ أن المدمن كثيراً ما يصاب بسعال دائم وبحة وخشونة في صوته، وذلك بسبب تورم الحبال الصوتية نتيجة للالتهاب؛ الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى ضعف مقاومتها تجاه الجراثيم، فتصبح فريسة سهلة لأنواع عديدة من هذه الجراثيم وخصوصاً بكتريا السل.
كما يؤثر الكحول في الإصابة بسرطان الحنجرة.
كيف تؤثر الخمر على القصبة الهوائية؟
يتسبب الكحول في إصابة القصبة الهوائية وتفرعاتها بالأمراض التالية:
أ ـ التهاب القصبات المزمن (chronic bronchitis):
لقد لاحظ الباحثون كثرة انتشار التهاب القصبات المزمن لدى المدمنين على الخمور، حيث يصاب المدمن بنوبات من السعال الشديد والمستمر مصحوباً في غالب الأحيان ببلغم (sputum)، وقد يكون هذا البلغم مخلوطاً بدم أحياناً. كما يعاني المريض من ضيق في صدره يجعله غير قادر على التنفس بشكل طبيعي.
ويرجع العلماء سبب انتشار هذا المرض لدى المدمنين إلى الآتي:
1ـ العلاقة الحميمة والصداقة الوطيدة التي تربط إدمان الخمور بعادة التدخين، حيث إنه من النادر أن نجد مدمناً على الخمر لا يدخن.
2ـ تكرر إصابة القصبات بالالتهاب نتيجة لتكرر إصابة المدمن باستنشاق (Aspiration) الأجسام الغريبة من ريق وطعام وجراثيم وغيرها، كما يساعد في ذلك تأثر منعكس السعال (cough refiex) الذي يتأثراً بالغاً.
3ـ سوء التغذية الذي يصيب معظم المدمنين.
ب ـ توسع القصبات (Bronchiectasis):
يحدث هذا المرض نتيجة لتكرر إصابة المدمن بالالتهابات الرئوية وتراكم الإفرازات التي تؤدي إلى انسداد القصبات، ومن ثم إصابتها بالإنتانات مما يؤدي في النهاية إلى تأثر تلك القصبات وفقدانها لقوامها فتتوسع توسعاً لا يمكن بعده أن تعود لحالتها الأولى. وذلك التوسع يؤدي إلى مشكلات عديدة بالنسبة للمريض؛ حيث تزداد نوبات السعال حدة وتكرراً، كما يزداد إفراز البلغم من المريض بشكل كثيف، وقد يرافق السعال خروج كمية من الدم (Haemoptysis)، ويتعرض معها المريض للإصابة بالتهاب القصبات بشكل متكرر، ونتيجة لذلك تنقلب حياة المريض إلى جحيم لا يطاق ـ فالحمد الله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من خلقه.
ج ـ هبوط في عملية التنفس (Respiratory failure):
لقد وجد الباحثون أن الإدمان على الكحول يتسبب في رفع نسبة حدوث هبوط (فشل) عملية التنفس عند المصابين باعتلال الرئة الانسدادية المزمن (COPD).
وذلك للأسباب التالية:
(1) التأثير السمي المباشر للكحول على مراكز التنفس في الدماغ مما يؤدي إلى تثبيطها.
(2) دور الكحول في إصابة المدمن بالالتهابات الرئوية المتكررة.
(3) يعتبر مدمنو الخمور هم أكثر الناس عرضة للكسور التي تصيب أضلاع القفص الصدري، وخصوصاً عند تماديهم في الشراب، مما يؤدي إلى إعاقة دور القفص الصدري في عملية التنفس.
(4) تعرض عضلات التنفس للضعف نتيجة لنقص الفوسفات (Hypophosphatemia) الذي تحتاجه العضلات، وقد سجل الباحث (نيومان وزملاؤه) حالتين لهبوط التنفس نتيجة لنقص الفوسفات الناتج عن تعاطي الخمور.
(5) انسداد الحنجرة الذي ينتج عن اعتلال العصب الحرقفي العاشر (المبهم) عند الكحولي (Alcoholic vagal neuropathy)، والذي يصاحب انحلال المخيخ الحاد (Acute cerebellar degeneration) عند المدمنين على تعاطي الخمور. وقد سجلت حالة لهبوط التنفس عند أحد المدمنين على الكحول يبلغ من العمر ستاً وأربعين عاماً.
(5) الرئتان:
هما نهاية المطاف للجهاز التنفسي.. محميتان ـ بفضل الله ـ داخل القفص الصدري، وتشبه الرئتان في شكليهما الإسفنج إلى حد بعيد، وتعتبر الرئة اليمني أكبر حجماً من اليسرى، وتنقسم إلى ثلاثة فصوص في حين أن الرئة اليسرى تنقسم إلى فصين فقط.
وجهاز التنقية (الرئتان) يقوم بإمداد الدم بالأكسجين اللازم للخلايا وسحب ثاني أكسيد الكربون، وذلك من خلال الدورة الرئوية (الصغرى). وتتم هذه العملية في دقة محكمة وإبداع منظم لتظهر عظمة الخالق العظيم ـ سبحانه وتعالى.
فماذا تفعل الخمر بالرئتين؟
لقد كان الباحثان (بورش) و (دي باسكويل) هما أول من وصف اعتلال الرئة الكحولي (Alcoholic lung disease)، بعد أن وجدا تغيرات هستولوجية في البنية الهيكلية للرئتين من جراء الإدمان على الكحول.
وقد أثبتت بعض الأبحاث تأثير إدمان الكحول على الوظائف الفسيولوجية للرئتين وخصوصاً قدرة الرئتين على استيعاب أحجام معينة من الغازات (Lung volumes)، والسعة الانتشارية للغازات (Diffusing capacity).
كما يتسبب الكحول بتأثيره السام في تقليل كمية الأكسجين (Hypoxia) في الدم ورفع نسبة ثاني أكسيد الكربون (Hypercapnia)، لذا نجد أن الرئتين تحاولان التخلص من هذا السم الخبيث، لهذا تشم رائحة الكحول في زفير السكير.
ويستطيع الإنسان من خلال جهاز خاص أن يعرف نسبة تركيز الكحول في دم السكير، وهذا الجهاز يستخدمه رجال المرور في أوروبا وأمريكا، حيث تحدد نسبة معينة للكحول في دماء السائقين لا ينبغي تعديها.
كما لوحظ أنه عند ارتفاع شارب الخمر إلى مكان مرتفع أو صعوده في الطائرة إلى ارتفاعات شاهقة، فإن الكحول يتسبب في نقص الأكسجين بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى إصابته بالاختناق وربما الموت.. ولذا فإن تعليمات الطيران في الولايات المتحدة تحظر على الطيارين تناول أية مشروبات كحولية قبل طيرانهم بثماني ساعات، كما تفيد بعض التقارير بأن (44%) من حوادث الطيارين غير التجاريين سببها شرب الخمر، رغم أن نسبة الكحول في دمائهم لم تزد عن (4%) (أقل من أربعة كؤوس في ثلاث ساعات).
وهناك تحليل علمي يؤكد بأنه إذا كان وزن الشخص (72) كيلو غراماً وشرب (8) أوقيات من الويسكي أو (96) من البيرة في ظرف ساعتين وجب أن تمر عليه (10) ساعات قبل أن تعود نسبة الكحول في دمه إلى درجة الصفر.
كما يتسبب الكحول في العديد من الأمراض التي تصيب الرئتين، منها:
أ ـ التهاب الرئة الاستنشاقي (Aspiration pneumonia):
لقد هيأ المولى ـ جل في علاه ـ من وسائل الحماية للرئتين ما يجعلهما في مأمن ـ بإذن الله ـ من دخول أي جسم غريب.. ومن تلكم الوسائل:
1 ـ منعكس السعال (Cough reflex) الذي يعمل على طرد أي جسم غريب يدخل إلى المجاري التنفسية بسرعة فائقة.
2 ـ حركة الشعيرات التي تمتد على طوال الجهاز التنفسي، والتي تعمل كسد منيع في وجه الأجسام الغريبة، حيث تدفعها إلى خارج الجهاز التنفسي، كما يلعب السائل المخاطي دوراً مهماً في الحد من تقدم هذه الأجسام ومن ثم لفظها إلى الخارج.
3 ـ دور لسان المزمار والحنجرة ـ كما سبق شرحه.
4 ـ خاصية البلع (البلعمة) (Phagocytosis) التي تتمتع بها كريات الدم البيضاء والبالعات الحويصلية الكبيرة (Alveolar macrophages) والتي تستطيع ـ بفضل الله ـ تحطيم أي جسم غريب يصل إلى الرئتين.
كل تلك الوسائل التي هيأها الله ـ تعالى ـ لتطهير الرئتين والدفاع عنهما تتأثر تأثراً بالغاً بالكحول مما يجعل المدمنين على الخمور هم أكثر الناس عرضة للإنتانات والأمراض الرئوية الأخرى.
وليس هذا فحسب، بل تشترك عوامل أخرى في التأثير على الرئتين من جراء تعاطي الخمور، ومنها:
1 ـ انخفاض قدرة المدمن على مقاومة الأمراض، وذلك لتأثير الكحول على خاصية البلع ـ كما ذكرنا سابقاً ـ بالإضافة إلى تأثير الكحول على حركة كريات الدم البيضاء والبالعات الحويصلية الكبيرة ومنعها من التوجه إلى أماكن العدو، وانخفاض تكوين الأجسام المضادة.
2 ـ يتسبب الكحول في نقص الأحماض الدهنية التي تعتبر مصدراً لتكوين الدهون للحويصلات الهوائية (الأنساخ) وبذا يمكن أن يحدث تحطم لا رجعي في الهيكل البنيوي للرئتين.
وتفيد الإحصاءات الطبية أن نحو (10%) من حالات التهاب الرئة الاستنشاقي كانت بسبب الإدمان على الخمور.
فعندما يشرب السكير حتى الثمالة يصبح أكثر عرضة للتقيؤ ومن ثم استنشاق ذلك القيء وأخيراً وصوله إلى الرئتين. فإذا كان القيء من العصارة الهضمية التي تحتوي على حامض الهيدروكلوريك، فإن وصولها إلى الرئتين يتسبب في ضعف شديد في التنفس مع ضيق واختناق وربما الوفاة بالصدمة.
وبالرغم من الرعاية الطبية الفائقة لتلك الحالات إلا أن نسبة الوفيات تتراوح بين (30 ـ 6%).
كما يمكن أن يغص السكير بلقمة أو بأي جسم غريب؛ الأمر الذي يؤدي إلى انسداد الحنجرة إذا كانت اللقمة كبيرة، فيصاب السكير بالاختناق ويزرق بدنه وقد تكون نهايته.
ب ـ الالتهابات الرئوية البكتيرية (Bacterial pneumonia):
تنتشر الالتهابات الرئوية البكتيرية عند المدمنين على الخمور نتيجة للأسباب التالية:
1 ـ تأثر عملية تطهير الرئتين من الأجسام الغريبة ـ كما سبق وأن شرحنا.
2 ـ ضعف المناعة عند المدمن في مقاومة الأمراض.
3 ـ تأثر الفم بالكحول وخصوصاً اللثة والأسنان مما يؤدي إلى تكاثر الجراثيم التي تجد مرتعاً خصباً لها على الأسنان المتعفنة والمتسوسة، مما يهيء الفرصة لوصول تلك الجراثيم إلى الرئتين وإصابتهما بالالتهابات المتكررة.
4 ـ سوء التغذية المصاحب للإدمان على الخمور.
وتفيد المصادر الطبية أن نسبة حدوث الوفيات بسبب الالتهابات الرئوية البكتيرية عند المدمنين تفوق ثلاثة أضعاف النسبة عند غيرهم من غير المدمنين.
كما يذكر التقرير الصادر عن الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا عام 1987م، ما يلي: (لابد أن يوجه الأطباء سؤالاً إلى كل المرضى الذين يعانون من الالتهابات الرئوية، هل أنت ممن يتعاطى الكحول أم لا؟).
وتسوق لنا المجلة الطبية لأمريكا الشمالية بعض الإحصاءات والدراسات التي أجريت بهذا الصدد، نذكر منها:
* تشكل الالتهابات الرئوية الناتجة عن المكورات السبحية الرئوية (Streptococcus pneumoniae)، نحو (80%) من مجموعة الالتهابات الرئوية البكتيرية.
وقد أثبتت إحدى الدراسات أن الإدمان على الكحول كان سبباً في وفاة ثلاثين حالة من بين سبع وثلاثين حالة التهاب رئوي في إحدى الولايات.
* وجد الباحثان (شميث) و (دي لنت) من خلال متابعتهما لنحو (6478) مدمن ومدمنة أصيبوا بالالتهاب الرئوي ولفترة (14) عاماً ـ وذلك أثناء ترددهم على عيادة مكافحة الإدمان في تورنتو بكندا ـ وجدا أن نسبة الوفيات من جراء الالتهابات الرئوية فاقت ثلاثة أضعاف عند الرجال وسبعة عند النساء مقارنة بغير المدمنين.
* وجد الباحثان (كابس) و (كولمان) أن نسبة الوفيات من جراء الالتهابات الرئوية عند أولئك الذي يتعاطون الكحول بكميات كبيرة تقدر بنحو (49.9%) في حين بلغت عند أولئك الذين يتعاطونها بكميات معتدلة نحو (34.4%)، أما أولئك الذين يتعاطونها بكميات قليلة فقد بلغت نسبة الوفيات فيهم نحو (22.5%).
* في دراسة أجراها الباحث (دورف وزملاؤه) على نحو (148) مصاباً بالالتهابات الرئوية عولجوا في أحد المستشفيات الأمريكية ـ وجد أن الإدمان على الكحول كان سبباً في إصابة (35%) من إجمالي عدد المرضى.
أما الباحثان (كومت) و (جاتش) فقد وضعا تقريراً عن (37) جثة ـ توفي أصحابها بسبب الالتهابات الرئوية ـ حيث وجدا أن (30) جثة كانت لمدمنين على الكحول، وأن (22) منهم توفوا في اليوم الأول من دخولهم المستشفى.
* وفي دراسة قام بها (وينترباوير وزملاؤه) لنحو (158) مريضاً تكرر تنويمهم في أحد المستشفيات الأمريكية بسبب تكرر إصابتهم بالالتهابات الرئوية، حيث وجد أن (63) منهم (40%) كان الكحول هو السبب في إصابتهم بالالتهابات المتكررة.
* يؤكد الباحثان (آدمز) و (جوردان) من كلية الطب بجامعة كاليفورنيا أن عدداً من الذين أصيبوا بالالتهابات الرئوية قد تعاطوا الكحول بكثرة قبل إصابتهم بأيام أو أسابيع.
والجدير بالذكر أنه توجد عدة أنواع أخرى من البكتيريا يمكن أن تصيب المدمنين بالالتهابات الرئوية ومنها: الكلبسيلا (klebsiella)، والاشريكية القولونية (E. coli)ن والبكتريا الزائفة (Pseudomonas)، والبكتيريا المتقلبة (Proteus)، والبكتيريا العنقودية (Staphyl0ococcus)، والمستدمية النزلية (H. influenzae) والليوجونيلا (Ligionella)، والبكتيريا اللاهوائية (Anaerobic bacteria).
وبالرغم من التقدم الباهر في استخدام المضادات الحيوية في علاج الالتهابات الرئوية، إلا أن نسبة الوفيات ما تزال مرتفعة في أوساط مدمني الخمور.
ويعزا سبب ذلك إلى أن أعراض المرض لا تظهر بشكل واضح عند المدمنين، بل إن الفحوصات تظهر علامات غير واضحة وغير مؤكدة، مما يجعل التشخيص معها متعذراً، الأمر الذي يعطي فرصة سانحة لاستفحال المرض، بالإضافة إلى أن المدمن لا يقدر مدى خطورة المرض لأنه لا يكاد يفيق من سكره حتى يعود إليه مرة ثانية دون أن يدرك ما يجرى في رئتيه.
والخطير في الالتهابات الرئوية أنها يمكن أن تتسبب في مضاعفات خطيرة منها: هبوط وفشل في التنفس، وتكون خراجات، والتهاب السحايا، والتهاب شغاف القلب (Endocarditis).
ج ـ خراج الرئة (Lung abscess):
تتكون خراجات الرئة كنتيجة لمضاعفات الالتهابات الرئوية وتوسع القصبات الهوائية عند مدمني الخمور، وذلك نتيجة لما يحدث من تهتك وتآكل لأنسجة الرئتين.
وتفيد الإحصاءات الطبية أن الكحول هو المسؤول الأول عن تكون هذه الخراجات عند نحو (30 ـ 70%) من مجموع الحالات.
أما أسباب تكونها فهي نفس الأسباب التي سبق ذكرها عند الحديث عن الالتهابات الرئوية.
أما الأعراض التي تظهر فتتمثل في ارتفاع درجة الحرارة مع قشعريرة وزيادة في التعرق وألم في الصدر، وسعال جاف قد يصاحبه بلغم قيحي، ولابد من العلاج بشكل مكثف.
ومن مضاعفات المرض انتشار هذه الالتهابات إلى الرئة غير المصابة بالإضافة إلى التهاب غشاء الجنب؛ وربما التهاب غشاء التامور المحيط بالقلب والذي قد يؤدي إلى الوفاة إذا لم يعالج المريض. وقد ينتقل القيح طريق الدم ليصل إلى أماكن عدة مثل الدماغ والكلية والكبد فتتكون خراجات في تلك الأعضاء.
د ـ مرض الدرن (السل Tuberculosis):
تعتبر الصداقة وطيدة وقديمة بين مرض السل والإدمان على الكحول.
ويرجع سبب ذلك إلى سوء التغذية وانخفاض القدرة المناعية عند المدمنين.
لذا فإن هناك مقولة طبية شائعة بين الأطباء مفادها أنك إذا وجدت مرضاً في الرئة عند مدمن الخمر ففكر أولاً بمرض السل.
وفي عدة دراسات أجريت في العديد من بلدان العالم ومنها: الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والدنمارك واستراليا ويوغسلافيا (سابقاً) ثبت بالدليل القاطع ارتفاع نسبة الإصابة بمرض السل لدى متعاطي الخمور، فقد وجد من بين تلك الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة أن (22.2) حالة من بين كل ألف مدمن يعانون من السل الرئوي مقارنة مع (0.4) حالة من بين كل ألف من الأشخاص العاديين.
أما في كندا فقد أثبتت الدراسة التي قام بها الباحث (أولين وزملاؤه) على بعض المساجين، أن نسبة انتشار مرض السل في أوساط المساجين من المدمنين تفوق (16) مرة نسبة انتشاره عند نفس العدد من المساجين من غير المدمنين على الكحول.
كما يتعرض المدمنون وخصوصاً أولئك المصابين بتليف الكبد للإصابة بالتهاب الصفاق الدرني (T.B.peritonitis). حيث يشعر المريض بانتفاخ وألم في بطنه مع ارتفاع في حرارة جسمه.
ومن بين المشكلات التي تواجه الأطباء في علاج مرضى السل المدمنين على الكحول ما يلي:
1 ـ عدم التزام المدمن بالسير على خطة العلاج.
2 ـ إذا أدخل المدمن إلى المستشفى، فإنه لا يلتزم بقوانين المستشفى ولا بالنصائح الطبية، بل نجده يحاول الخروج من المستشفى دون موافقة الطبيب.
3 ـ عند خروجه من المستشفى لا يلتزم المدمن بالاستمرار على العلاج، والجدير بالذكر أن علاج مرض السل يتطلب فترة طويلة (6 ـ 9 أشهر)، يتناول خلالها كمية كبيرة من الأدوية يومياً.
4 ـ يفقد الطبيب متابعة سير المرض عند المدمنين وذلك لعدم زيارتهم للطبيب بشكل دوري.
ونتيجة لعدم الاستمرار على العلاج وعدم أخذ المدمن للجرعة الكافية من العلاج، فإن البكتيريا المسببة لهذا المرض تصبح لديها مناعة ضد هذه الأدوية، ومن ثم يصعب القضاء عليها مما يؤدي إلى انتشار المرض، لذا فإن معظم الأوساط الطبية تكاد تجمع على دور مدمني الخمر في نشر داء السل في المجتمع.
والمعلوم طبياً أن هذا المرض يمكن أن يصيب معظم أجزاء الجسم إذا انتشر الميكروب عن طريق الدم.
وليس هذا فحسب، بل إن الكحول يزيد من الآثار الجانبية الناتجة عن بعض الأدوية المستخدمة في مكافحة السل. وخير مثال على ذلك ما يحدثه الكحول من زيادة في إصابة الكبد بالالتهاب مع استخدام عقار الأيزونايزايد (lsoniazide)، حيث ارتفعت نسبة الإصابة عند المدمنين بمعدل أربعة أضعاف مقارنة بغيرها من غير المدمنين، وهذا السبب دفع بعض الأطباء إلى عدم استخدام هذا العقار كعلاج وقائي عند المدمنين.
هـ ـ توقف التنفس أثناء النوم (Sleep abnea):
أثبتت بعض الدراسات الطبية أن ارتفاع نسبة توقف التنفس أثناء النوم يمكن أن تحدث نتيجة احتساء كمية كبيرة من الكحول قبل النوم.
ويعود السبب في ذلك إلى تأثير الكحول التثبيطي على الجهاز العصبي.
و ـ المضاعفات الرئوية التي تحدث نتيجة تليف الكبد الكحولي:
1ـ نقص الأكسجين في الدم (Hypoxemia):
ويعتبر من أهم المضاعفات التي تنتج عن تليف الكبد الناتج عن الإدمان على تعاطي الخمور، ومن أسباب حدوث نقص الأكسجين ما يلي:
أ ـ استسقاء البطن (الحبن) (Ascites)، حيث تنتفخ البطن بشكل كبير فيصبح التنفس عسيراً على المريض، مما يؤدي إلى تضيق المجاري التنفسية، فتقل بذلك كمية الأكسجين الواصلة إلى الدم.
ب ـ الارتشاح البلوري (Pleural effusion). حيث تتجمع السوائل حول الرئتين مما يعيق عملية تبادل الغازات بين الحويصلات الهوائية (الأسناخ) والأوعية الدموية الرئوية.
ج ـ تكون تحويلات دموية (Vascular shunts) في داخل الرئتين مما يجعل الدم يتحاشى المرور (bypass) في الأوعية الدموية الرئوية التي جعلها الله تعالى محيطة بكل حويصلة هوائية حتى يتم تبادل الغازات بينهما في نظام بديع محكم، قال تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (النمل: 88) فإذا حيل بين عملية التبادل هذه، فإن تشبع الدم بالأكسجين يقل، مما ينتج عنه نقص الأكسجين لدى جميع خلايا الجسم.
2ـ القلوية التنفسية (Respiratory Alkalosis):
وتحدث غالباً نتيجة إصابة المدمن بنوبات من التنفس السريع (Hyper ventilation) مما ينتج عن ذلك طرد كمية كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، والذي يلعب دوراً مهماً في تعادل قلوية الدم.
وتكون نتيجة ذلك نقص الصوديوم والكالسيوم والماغنسيوم الأمر الذي يؤدي إلى إصابة المريض بالتشنج والتكزز.
وقد لوحظ حدوث هذه الحالة لدى مدمني الخمور عند توقفهم المفاجئ عن تعاطي الخمور بعشر ساعات.
3 ـ التهاب الحويصلات الهوائية التليفي: (Fibrosing alveolitis):
4 ـ ارتفاع ضغط الدم في الدورة الدموية الرئوية: (Pulmonary hypertension):
ز ـ المضاعفات الرئوية التي تحدث نتيجة التهاب البنكرياس:
يتسبب التهاب البنكرياس الناتج عن تعاطي الخمور في إصابة (9 ـ 13%) من مدمني الخمور بوذمة الرئتين الحادة (Acute pulmonary edema) والتي تعرف بمتلازمة إعاقة التنفس عند الكبار (ARDS)، والتي قد تؤدي إلى هبوط وفشل في عملية التنفس، وتكون الوفاة قاب قوسين أو أدنى من المريض ـ بإذن الله.
ويعود سبب ذلك إلى تأثير أنزيمات البنكرياس ـ التي تحررت في الدم نتيجة لالتهاب البنكرياس ـ والتي تقوم بتدمير كل نسيج يقف في طريقها ومن ضمنها أنسجة الرئتين.
هوامش:
د. محمد نجيب محمود عمر: ما لا تعرفه عن الكحول بيروت، دار ميوزيك للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع.
Pattison & Kaufman: Encyclpedic Hand Book Of Alcoholism. New York Gardner Press. 1982.
Medical Clinics of North America, Ethyl Alcohol and Disease, Jan 1984. Vol. 68.
Royal College of physicians: The Medical Consequences of Alcohol Abuse.
د. شبيب بن علي الحاضري
الجهاز التنفسي آية من آيات الله المعجزة؛ التي ترينا عظمة الخالق وقدرته - سبحانه - على إبداع خلقه وإتقانه لكل شيء، قال تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (النمل: 88).
هذا الجهاز الحيوي: أعضاؤه قليلة، لكن أعماله جليلة.. يبدأ بالأنف، فالبلعوم، فالحنجرة فالقصبة الهوائية، فالشعب الهوائية، وينتهي بالرئتين.
إنه جهاز التكرير في الجسم، يمده بالأكسجين وينتزع منه ثاني أكسيد الكربون، وأي عطب في هذا الجهاز يؤثر على حياة كل خلية في هذا الجسم.
* فماذا تفعل الخمر مع أعضاء هذا الجهاز الحساس؟
(1) الأنف:
إنه المكيف الرباني، الذي هيأ الله فيه أغشية مخاطية تدفيء الهواء البارد، وترطب الهواء الساخن، ليس هذا فحسب، بل حباه الله بشعيرات تحجز الأتربة والأوساخ وتمنعها من الدخول إلى المجاري التنفسية.
والأنف كما نعلم هو عضو الشم في جسم الإنسان بواسطته يستطيع المرء التميز بين الروائح المختلفة، وقد وجد أن الإدمان على تعاطي الخمور يضعف تلك الحاسة المهمة مما قد يؤدي في النهاية إلى فقد تلك النعمة التي أنعم الله بها على هذا الإنسان.
كما تتسبب الخمر في إصابة الأنف بالورم الفقاعي (Rhinophyma) أو ما يعرف بأنف السكير، حيث يحدث تشوه بالغ في الأنف قد يحتاج معه الأمر إلى إجراء عملية تجميل.
(2) البلعوم:
هو الممر الذي يتفرع منه كل من المريء (الذي يقوم بتوصيل الطعام إلى المعدة) والحنجرة والقصبة الهوائية (اللتين تقومان بتوصيل الهواء إلى الرئتين).
ولكن كيف يتم التحكم في ذهاب كل من الطعام والهواء دون أن يخطئ كل منهما الطريق؟
إنها عناية البارئ جل في علاه وقدرته على إبداع الخلق وتقديره الحكيم، قال تعالى:
(قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَىْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى) (طه: 49، 50)
فلقد جعل المولى ـ سبحانه وتعالى ـ حارساً أميناً على هذين الممرين الحيويين يعرف بلسان المزمار (Epiglottis).
وتتجلى قدرة الخالق العظيم ـ سبحانه وتعالى ـ في الدقة المتناهية لهذا العضو الحساس، فلو أن أحدنا أراد أن يبلع لقمة أو حتى أن يبلع ريقه، فإن لسان المزمار يقوم بغلق منافذ الحنجرة والقصبة الهوائية، حتى لا يتسرب شيء من الطعام أو الريق إلى الرئتين فيغص بهما الإنسان ويسببان له اختناقاً وربما التهاباً رئوياً، في حين لو أراد أحدنا أن يتنفس فإن هذا العضو يقوم بغلق مجرى الطعام ليدخل الهواء سهلاً إلى الرئتين عن طريق الحنجرة.. فسبحان الخالق العظيم القائل: (هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِن دُونِهِ) (لقمان: 11).
وهذا العضو يستلهم أوامره بإذن الله من الجهاز العصبي، الأمر الذي ينتج عنه عدم قدرة الجهاز العصبي على إرسال الأوامر إلى ذلك الحارس الأمين؛ فلا يستطيع أن يقوم بالمهمة التي هيأه الله لها، فلذا نجد شارب الخمر كثيراً يغص بريقه أو بلقمة صغيرة مما يؤدي إلى إصابته بالاختناق والسعال الحاد وربما الموت.
وتتسبب الخمر إلى جانب ذلك بإصابة البلعوم بالالتهابات المتكررة (Pharyngitis) والتي تجعل المريض يكره حياته نتيجة لتكررها حيث يصاب بصعوبة في البلع بشكل دائم، إلى غير ذلك من الأعراض.
وقد أثبتت الأبحاث العلمية دور الكحول في الإصابة بسرطان البلعوم.
(3) الحنجرة:
عضو صغير لا يتعدى طولها (5سم).. إلا أن دورها ليس بالأمر السهل. فعند حركة البلع ترتفع الحنجرة فتساعد بذلك على سهولة حركة لسان المزمار.. فينغلق بذلك منفذ القصبة الهوائية وينفتح المريء، كما أنها تقوم بوظيفة عظيمة في عملية الكلام نظراً لاحتوائها على الحبال الصوتية.
ولكن ما تأثير الكحول على الحنجرة؟
من الملاحظ أنه عندما يصل شارب الخمر إلى مرحلة السكر فإنه يفقد السيطرة على سلوكه، وتتحرر بذلك القيود التي كانت تكبح جماحه، فيبدأ بالصراخ بصوت عال، ويكثر من الكلام وربما الغناء، وكل ذلك يؤدي إلى إصابة الحنجرة بالالتهاب الحاد إذا تكرر هذا الأمر، كما أن الحنجرة تلتهب من جراء طعم الكحول اللاذع والحاد، فلذا نلاحظ أن المدمن كثيراً ما يصاب بسعال دائم وبحة وخشونة في صوته، وذلك بسبب تورم الحبال الصوتية نتيجة للالتهاب؛ الأمر الذي يؤدي في النهاية إلى ضعف مقاومتها تجاه الجراثيم، فتصبح فريسة سهلة لأنواع عديدة من هذه الجراثيم وخصوصاً بكتريا السل.
كما يؤثر الكحول في الإصابة بسرطان الحنجرة.
كيف تؤثر الخمر على القصبة الهوائية؟
يتسبب الكحول في إصابة القصبة الهوائية وتفرعاتها بالأمراض التالية:
أ ـ التهاب القصبات المزمن (chronic bronchitis):
لقد لاحظ الباحثون كثرة انتشار التهاب القصبات المزمن لدى المدمنين على الخمور، حيث يصاب المدمن بنوبات من السعال الشديد والمستمر مصحوباً في غالب الأحيان ببلغم (sputum)، وقد يكون هذا البلغم مخلوطاً بدم أحياناً. كما يعاني المريض من ضيق في صدره يجعله غير قادر على التنفس بشكل طبيعي.
ويرجع العلماء سبب انتشار هذا المرض لدى المدمنين إلى الآتي:
1ـ العلاقة الحميمة والصداقة الوطيدة التي تربط إدمان الخمور بعادة التدخين، حيث إنه من النادر أن نجد مدمناً على الخمر لا يدخن.
2ـ تكرر إصابة القصبات بالالتهاب نتيجة لتكرر إصابة المدمن باستنشاق (Aspiration) الأجسام الغريبة من ريق وطعام وجراثيم وغيرها، كما يساعد في ذلك تأثر منعكس السعال (cough refiex) الذي يتأثراً بالغاً.
3ـ سوء التغذية الذي يصيب معظم المدمنين.
ب ـ توسع القصبات (Bronchiectasis):
يحدث هذا المرض نتيجة لتكرر إصابة المدمن بالالتهابات الرئوية وتراكم الإفرازات التي تؤدي إلى انسداد القصبات، ومن ثم إصابتها بالإنتانات مما يؤدي في النهاية إلى تأثر تلك القصبات وفقدانها لقوامها فتتوسع توسعاً لا يمكن بعده أن تعود لحالتها الأولى. وذلك التوسع يؤدي إلى مشكلات عديدة بالنسبة للمريض؛ حيث تزداد نوبات السعال حدة وتكرراً، كما يزداد إفراز البلغم من المريض بشكل كثيف، وقد يرافق السعال خروج كمية من الدم (Haemoptysis)، ويتعرض معها المريض للإصابة بالتهاب القصبات بشكل متكرر، ونتيجة لذلك تنقلب حياة المريض إلى جحيم لا يطاق ـ فالحمد الله الذي عافانا مما ابتلى به كثيراً من خلقه.
ج ـ هبوط في عملية التنفس (Respiratory failure):
لقد وجد الباحثون أن الإدمان على الكحول يتسبب في رفع نسبة حدوث هبوط (فشل) عملية التنفس عند المصابين باعتلال الرئة الانسدادية المزمن (COPD).
وذلك للأسباب التالية:
(1) التأثير السمي المباشر للكحول على مراكز التنفس في الدماغ مما يؤدي إلى تثبيطها.
(2) دور الكحول في إصابة المدمن بالالتهابات الرئوية المتكررة.
(3) يعتبر مدمنو الخمور هم أكثر الناس عرضة للكسور التي تصيب أضلاع القفص الصدري، وخصوصاً عند تماديهم في الشراب، مما يؤدي إلى إعاقة دور القفص الصدري في عملية التنفس.
(4) تعرض عضلات التنفس للضعف نتيجة لنقص الفوسفات (Hypophosphatemia) الذي تحتاجه العضلات، وقد سجل الباحث (نيومان وزملاؤه) حالتين لهبوط التنفس نتيجة لنقص الفوسفات الناتج عن تعاطي الخمور.
(5) انسداد الحنجرة الذي ينتج عن اعتلال العصب الحرقفي العاشر (المبهم) عند الكحولي (Alcoholic vagal neuropathy)، والذي يصاحب انحلال المخيخ الحاد (Acute cerebellar degeneration) عند المدمنين على تعاطي الخمور. وقد سجلت حالة لهبوط التنفس عند أحد المدمنين على الكحول يبلغ من العمر ستاً وأربعين عاماً.
(5) الرئتان:
هما نهاية المطاف للجهاز التنفسي.. محميتان ـ بفضل الله ـ داخل القفص الصدري، وتشبه الرئتان في شكليهما الإسفنج إلى حد بعيد، وتعتبر الرئة اليمني أكبر حجماً من اليسرى، وتنقسم إلى ثلاثة فصوص في حين أن الرئة اليسرى تنقسم إلى فصين فقط.
وجهاز التنقية (الرئتان) يقوم بإمداد الدم بالأكسجين اللازم للخلايا وسحب ثاني أكسيد الكربون، وذلك من خلال الدورة الرئوية (الصغرى). وتتم هذه العملية في دقة محكمة وإبداع منظم لتظهر عظمة الخالق العظيم ـ سبحانه وتعالى.
فماذا تفعل الخمر بالرئتين؟
لقد كان الباحثان (بورش) و (دي باسكويل) هما أول من وصف اعتلال الرئة الكحولي (Alcoholic lung disease)، بعد أن وجدا تغيرات هستولوجية في البنية الهيكلية للرئتين من جراء الإدمان على الكحول.
وقد أثبتت بعض الأبحاث تأثير إدمان الكحول على الوظائف الفسيولوجية للرئتين وخصوصاً قدرة الرئتين على استيعاب أحجام معينة من الغازات (Lung volumes)، والسعة الانتشارية للغازات (Diffusing capacity).
كما يتسبب الكحول بتأثيره السام في تقليل كمية الأكسجين (Hypoxia) في الدم ورفع نسبة ثاني أكسيد الكربون (Hypercapnia)، لذا نجد أن الرئتين تحاولان التخلص من هذا السم الخبيث، لهذا تشم رائحة الكحول في زفير السكير.
ويستطيع الإنسان من خلال جهاز خاص أن يعرف نسبة تركيز الكحول في دم السكير، وهذا الجهاز يستخدمه رجال المرور في أوروبا وأمريكا، حيث تحدد نسبة معينة للكحول في دماء السائقين لا ينبغي تعديها.
كما لوحظ أنه عند ارتفاع شارب الخمر إلى مكان مرتفع أو صعوده في الطائرة إلى ارتفاعات شاهقة، فإن الكحول يتسبب في نقص الأكسجين بشكل كبير، مما قد يؤدي إلى إصابته بالاختناق وربما الموت.. ولذا فإن تعليمات الطيران في الولايات المتحدة تحظر على الطيارين تناول أية مشروبات كحولية قبل طيرانهم بثماني ساعات، كما تفيد بعض التقارير بأن (44%) من حوادث الطيارين غير التجاريين سببها شرب الخمر، رغم أن نسبة الكحول في دمائهم لم تزد عن (4%) (أقل من أربعة كؤوس في ثلاث ساعات).
وهناك تحليل علمي يؤكد بأنه إذا كان وزن الشخص (72) كيلو غراماً وشرب (8) أوقيات من الويسكي أو (96) من البيرة في ظرف ساعتين وجب أن تمر عليه (10) ساعات قبل أن تعود نسبة الكحول في دمه إلى درجة الصفر.
كما يتسبب الكحول في العديد من الأمراض التي تصيب الرئتين، منها:
أ ـ التهاب الرئة الاستنشاقي (Aspiration pneumonia):
لقد هيأ المولى ـ جل في علاه ـ من وسائل الحماية للرئتين ما يجعلهما في مأمن ـ بإذن الله ـ من دخول أي جسم غريب.. ومن تلكم الوسائل:
1 ـ منعكس السعال (Cough reflex) الذي يعمل على طرد أي جسم غريب يدخل إلى المجاري التنفسية بسرعة فائقة.
2 ـ حركة الشعيرات التي تمتد على طوال الجهاز التنفسي، والتي تعمل كسد منيع في وجه الأجسام الغريبة، حيث تدفعها إلى خارج الجهاز التنفسي، كما يلعب السائل المخاطي دوراً مهماً في الحد من تقدم هذه الأجسام ومن ثم لفظها إلى الخارج.
3 ـ دور لسان المزمار والحنجرة ـ كما سبق شرحه.
4 ـ خاصية البلع (البلعمة) (Phagocytosis) التي تتمتع بها كريات الدم البيضاء والبالعات الحويصلية الكبيرة (Alveolar macrophages) والتي تستطيع ـ بفضل الله ـ تحطيم أي جسم غريب يصل إلى الرئتين.
كل تلك الوسائل التي هيأها الله ـ تعالى ـ لتطهير الرئتين والدفاع عنهما تتأثر تأثراً بالغاً بالكحول مما يجعل المدمنين على الخمور هم أكثر الناس عرضة للإنتانات والأمراض الرئوية الأخرى.
وليس هذا فحسب، بل تشترك عوامل أخرى في التأثير على الرئتين من جراء تعاطي الخمور، ومنها:
1 ـ انخفاض قدرة المدمن على مقاومة الأمراض، وذلك لتأثير الكحول على خاصية البلع ـ كما ذكرنا سابقاً ـ بالإضافة إلى تأثير الكحول على حركة كريات الدم البيضاء والبالعات الحويصلية الكبيرة ومنعها من التوجه إلى أماكن العدو، وانخفاض تكوين الأجسام المضادة.
2 ـ يتسبب الكحول في نقص الأحماض الدهنية التي تعتبر مصدراً لتكوين الدهون للحويصلات الهوائية (الأنساخ) وبذا يمكن أن يحدث تحطم لا رجعي في الهيكل البنيوي للرئتين.
وتفيد الإحصاءات الطبية أن نحو (10%) من حالات التهاب الرئة الاستنشاقي كانت بسبب الإدمان على الخمور.
فعندما يشرب السكير حتى الثمالة يصبح أكثر عرضة للتقيؤ ومن ثم استنشاق ذلك القيء وأخيراً وصوله إلى الرئتين. فإذا كان القيء من العصارة الهضمية التي تحتوي على حامض الهيدروكلوريك، فإن وصولها إلى الرئتين يتسبب في ضعف شديد في التنفس مع ضيق واختناق وربما الوفاة بالصدمة.
وبالرغم من الرعاية الطبية الفائقة لتلك الحالات إلا أن نسبة الوفيات تتراوح بين (30 ـ 6%).
كما يمكن أن يغص السكير بلقمة أو بأي جسم غريب؛ الأمر الذي يؤدي إلى انسداد الحنجرة إذا كانت اللقمة كبيرة، فيصاب السكير بالاختناق ويزرق بدنه وقد تكون نهايته.
ب ـ الالتهابات الرئوية البكتيرية (Bacterial pneumonia):
تنتشر الالتهابات الرئوية البكتيرية عند المدمنين على الخمور نتيجة للأسباب التالية:
1 ـ تأثر عملية تطهير الرئتين من الأجسام الغريبة ـ كما سبق وأن شرحنا.
2 ـ ضعف المناعة عند المدمن في مقاومة الأمراض.
3 ـ تأثر الفم بالكحول وخصوصاً اللثة والأسنان مما يؤدي إلى تكاثر الجراثيم التي تجد مرتعاً خصباً لها على الأسنان المتعفنة والمتسوسة، مما يهيء الفرصة لوصول تلك الجراثيم إلى الرئتين وإصابتهما بالالتهابات المتكررة.
4 ـ سوء التغذية المصاحب للإدمان على الخمور.
وتفيد المصادر الطبية أن نسبة حدوث الوفيات بسبب الالتهابات الرئوية البكتيرية عند المدمنين تفوق ثلاثة أضعاف النسبة عند غيرهم من غير المدمنين.
كما يذكر التقرير الصادر عن الكلية الملكية للأطباء في بريطانيا عام 1987م، ما يلي: (لابد أن يوجه الأطباء سؤالاً إلى كل المرضى الذين يعانون من الالتهابات الرئوية، هل أنت ممن يتعاطى الكحول أم لا؟).
وتسوق لنا المجلة الطبية لأمريكا الشمالية بعض الإحصاءات والدراسات التي أجريت بهذا الصدد، نذكر منها:
* تشكل الالتهابات الرئوية الناتجة عن المكورات السبحية الرئوية (Streptococcus pneumoniae)، نحو (80%) من مجموعة الالتهابات الرئوية البكتيرية.
وقد أثبتت إحدى الدراسات أن الإدمان على الكحول كان سبباً في وفاة ثلاثين حالة من بين سبع وثلاثين حالة التهاب رئوي في إحدى الولايات.
* وجد الباحثان (شميث) و (دي لنت) من خلال متابعتهما لنحو (6478) مدمن ومدمنة أصيبوا بالالتهاب الرئوي ولفترة (14) عاماً ـ وذلك أثناء ترددهم على عيادة مكافحة الإدمان في تورنتو بكندا ـ وجدا أن نسبة الوفيات من جراء الالتهابات الرئوية فاقت ثلاثة أضعاف عند الرجال وسبعة عند النساء مقارنة بغير المدمنين.
* وجد الباحثان (كابس) و (كولمان) أن نسبة الوفيات من جراء الالتهابات الرئوية عند أولئك الذي يتعاطون الكحول بكميات كبيرة تقدر بنحو (49.9%) في حين بلغت عند أولئك الذين يتعاطونها بكميات معتدلة نحو (34.4%)، أما أولئك الذين يتعاطونها بكميات قليلة فقد بلغت نسبة الوفيات فيهم نحو (22.5%).
* في دراسة أجراها الباحث (دورف وزملاؤه) على نحو (148) مصاباً بالالتهابات الرئوية عولجوا في أحد المستشفيات الأمريكية ـ وجد أن الإدمان على الكحول كان سبباً في إصابة (35%) من إجمالي عدد المرضى.
أما الباحثان (كومت) و (جاتش) فقد وضعا تقريراً عن (37) جثة ـ توفي أصحابها بسبب الالتهابات الرئوية ـ حيث وجدا أن (30) جثة كانت لمدمنين على الكحول، وأن (22) منهم توفوا في اليوم الأول من دخولهم المستشفى.
* وفي دراسة قام بها (وينترباوير وزملاؤه) لنحو (158) مريضاً تكرر تنويمهم في أحد المستشفيات الأمريكية بسبب تكرر إصابتهم بالالتهابات الرئوية، حيث وجد أن (63) منهم (40%) كان الكحول هو السبب في إصابتهم بالالتهابات المتكررة.
* يؤكد الباحثان (آدمز) و (جوردان) من كلية الطب بجامعة كاليفورنيا أن عدداً من الذين أصيبوا بالالتهابات الرئوية قد تعاطوا الكحول بكثرة قبل إصابتهم بأيام أو أسابيع.
والجدير بالذكر أنه توجد عدة أنواع أخرى من البكتيريا يمكن أن تصيب المدمنين بالالتهابات الرئوية ومنها: الكلبسيلا (klebsiella)، والاشريكية القولونية (E. coli)ن والبكتريا الزائفة (Pseudomonas)، والبكتيريا المتقلبة (Proteus)، والبكتيريا العنقودية (Staphyl0ococcus)، والمستدمية النزلية (H. influenzae) والليوجونيلا (Ligionella)، والبكتيريا اللاهوائية (Anaerobic bacteria).
وبالرغم من التقدم الباهر في استخدام المضادات الحيوية في علاج الالتهابات الرئوية، إلا أن نسبة الوفيات ما تزال مرتفعة في أوساط مدمني الخمور.
ويعزا سبب ذلك إلى أن أعراض المرض لا تظهر بشكل واضح عند المدمنين، بل إن الفحوصات تظهر علامات غير واضحة وغير مؤكدة، مما يجعل التشخيص معها متعذراً، الأمر الذي يعطي فرصة سانحة لاستفحال المرض، بالإضافة إلى أن المدمن لا يقدر مدى خطورة المرض لأنه لا يكاد يفيق من سكره حتى يعود إليه مرة ثانية دون أن يدرك ما يجرى في رئتيه.
والخطير في الالتهابات الرئوية أنها يمكن أن تتسبب في مضاعفات خطيرة منها: هبوط وفشل في التنفس، وتكون خراجات، والتهاب السحايا، والتهاب شغاف القلب (Endocarditis).
ج ـ خراج الرئة (Lung abscess):
تتكون خراجات الرئة كنتيجة لمضاعفات الالتهابات الرئوية وتوسع القصبات الهوائية عند مدمني الخمور، وذلك نتيجة لما يحدث من تهتك وتآكل لأنسجة الرئتين.
وتفيد الإحصاءات الطبية أن الكحول هو المسؤول الأول عن تكون هذه الخراجات عند نحو (30 ـ 70%) من مجموع الحالات.
أما أسباب تكونها فهي نفس الأسباب التي سبق ذكرها عند الحديث عن الالتهابات الرئوية.
أما الأعراض التي تظهر فتتمثل في ارتفاع درجة الحرارة مع قشعريرة وزيادة في التعرق وألم في الصدر، وسعال جاف قد يصاحبه بلغم قيحي، ولابد من العلاج بشكل مكثف.
ومن مضاعفات المرض انتشار هذه الالتهابات إلى الرئة غير المصابة بالإضافة إلى التهاب غشاء الجنب؛ وربما التهاب غشاء التامور المحيط بالقلب والذي قد يؤدي إلى الوفاة إذا لم يعالج المريض. وقد ينتقل القيح طريق الدم ليصل إلى أماكن عدة مثل الدماغ والكلية والكبد فتتكون خراجات في تلك الأعضاء.
د ـ مرض الدرن (السل Tuberculosis):
تعتبر الصداقة وطيدة وقديمة بين مرض السل والإدمان على الكحول.
ويرجع سبب ذلك إلى سوء التغذية وانخفاض القدرة المناعية عند المدمنين.
لذا فإن هناك مقولة طبية شائعة بين الأطباء مفادها أنك إذا وجدت مرضاً في الرئة عند مدمن الخمر ففكر أولاً بمرض السل.
وفي عدة دراسات أجريت في العديد من بلدان العالم ومنها: الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا والدنمارك واستراليا ويوغسلافيا (سابقاً) ثبت بالدليل القاطع ارتفاع نسبة الإصابة بمرض السل لدى متعاطي الخمور، فقد وجد من بين تلك الدراسات التي أجريت في الولايات المتحدة أن (22.2) حالة من بين كل ألف مدمن يعانون من السل الرئوي مقارنة مع (0.4) حالة من بين كل ألف من الأشخاص العاديين.
أما في كندا فقد أثبتت الدراسة التي قام بها الباحث (أولين وزملاؤه) على بعض المساجين، أن نسبة انتشار مرض السل في أوساط المساجين من المدمنين تفوق (16) مرة نسبة انتشاره عند نفس العدد من المساجين من غير المدمنين على الكحول.
كما يتعرض المدمنون وخصوصاً أولئك المصابين بتليف الكبد للإصابة بالتهاب الصفاق الدرني (T.B.peritonitis). حيث يشعر المريض بانتفاخ وألم في بطنه مع ارتفاع في حرارة جسمه.
ومن بين المشكلات التي تواجه الأطباء في علاج مرضى السل المدمنين على الكحول ما يلي:
1 ـ عدم التزام المدمن بالسير على خطة العلاج.
2 ـ إذا أدخل المدمن إلى المستشفى، فإنه لا يلتزم بقوانين المستشفى ولا بالنصائح الطبية، بل نجده يحاول الخروج من المستشفى دون موافقة الطبيب.
3 ـ عند خروجه من المستشفى لا يلتزم المدمن بالاستمرار على العلاج، والجدير بالذكر أن علاج مرض السل يتطلب فترة طويلة (6 ـ 9 أشهر)، يتناول خلالها كمية كبيرة من الأدوية يومياً.
4 ـ يفقد الطبيب متابعة سير المرض عند المدمنين وذلك لعدم زيارتهم للطبيب بشكل دوري.
ونتيجة لعدم الاستمرار على العلاج وعدم أخذ المدمن للجرعة الكافية من العلاج، فإن البكتيريا المسببة لهذا المرض تصبح لديها مناعة ضد هذه الأدوية، ومن ثم يصعب القضاء عليها مما يؤدي إلى انتشار المرض، لذا فإن معظم الأوساط الطبية تكاد تجمع على دور مدمني الخمر في نشر داء السل في المجتمع.
والمعلوم طبياً أن هذا المرض يمكن أن يصيب معظم أجزاء الجسم إذا انتشر الميكروب عن طريق الدم.
وليس هذا فحسب، بل إن الكحول يزيد من الآثار الجانبية الناتجة عن بعض الأدوية المستخدمة في مكافحة السل. وخير مثال على ذلك ما يحدثه الكحول من زيادة في إصابة الكبد بالالتهاب مع استخدام عقار الأيزونايزايد (lsoniazide)، حيث ارتفعت نسبة الإصابة عند المدمنين بمعدل أربعة أضعاف مقارنة بغيرها من غير المدمنين، وهذا السبب دفع بعض الأطباء إلى عدم استخدام هذا العقار كعلاج وقائي عند المدمنين.
هـ ـ توقف التنفس أثناء النوم (Sleep abnea):
أثبتت بعض الدراسات الطبية أن ارتفاع نسبة توقف التنفس أثناء النوم يمكن أن تحدث نتيجة احتساء كمية كبيرة من الكحول قبل النوم.
ويعود السبب في ذلك إلى تأثير الكحول التثبيطي على الجهاز العصبي.
و ـ المضاعفات الرئوية التي تحدث نتيجة تليف الكبد الكحولي:
1ـ نقص الأكسجين في الدم (Hypoxemia):
ويعتبر من أهم المضاعفات التي تنتج عن تليف الكبد الناتج عن الإدمان على تعاطي الخمور، ومن أسباب حدوث نقص الأكسجين ما يلي:
أ ـ استسقاء البطن (الحبن) (Ascites)، حيث تنتفخ البطن بشكل كبير فيصبح التنفس عسيراً على المريض، مما يؤدي إلى تضيق المجاري التنفسية، فتقل بذلك كمية الأكسجين الواصلة إلى الدم.
ب ـ الارتشاح البلوري (Pleural effusion). حيث تتجمع السوائل حول الرئتين مما يعيق عملية تبادل الغازات بين الحويصلات الهوائية (الأسناخ) والأوعية الدموية الرئوية.
ج ـ تكون تحويلات دموية (Vascular shunts) في داخل الرئتين مما يجعل الدم يتحاشى المرور (bypass) في الأوعية الدموية الرئوية التي جعلها الله تعالى محيطة بكل حويصلة هوائية حتى يتم تبادل الغازات بينهما في نظام بديع محكم، قال تعالى: (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) (النمل: 88) فإذا حيل بين عملية التبادل هذه، فإن تشبع الدم بالأكسجين يقل، مما ينتج عنه نقص الأكسجين لدى جميع خلايا الجسم.
2ـ القلوية التنفسية (Respiratory Alkalosis):
وتحدث غالباً نتيجة إصابة المدمن بنوبات من التنفس السريع (Hyper ventilation) مما ينتج عن ذلك طرد كمية كبيرة من غاز ثاني أكسيد الكربون، والذي يلعب دوراً مهماً في تعادل قلوية الدم.
وتكون نتيجة ذلك نقص الصوديوم والكالسيوم والماغنسيوم الأمر الذي يؤدي إلى إصابة المريض بالتشنج والتكزز.
وقد لوحظ حدوث هذه الحالة لدى مدمني الخمور عند توقفهم المفاجئ عن تعاطي الخمور بعشر ساعات.
3 ـ التهاب الحويصلات الهوائية التليفي: (Fibrosing alveolitis):
4 ـ ارتفاع ضغط الدم في الدورة الدموية الرئوية: (Pulmonary hypertension):
ز ـ المضاعفات الرئوية التي تحدث نتيجة التهاب البنكرياس:
يتسبب التهاب البنكرياس الناتج عن تعاطي الخمور في إصابة (9 ـ 13%) من مدمني الخمور بوذمة الرئتين الحادة (Acute pulmonary edema) والتي تعرف بمتلازمة إعاقة التنفس عند الكبار (ARDS)، والتي قد تؤدي إلى هبوط وفشل في عملية التنفس، وتكون الوفاة قاب قوسين أو أدنى من المريض ـ بإذن الله.
ويعود سبب ذلك إلى تأثير أنزيمات البنكرياس ـ التي تحررت في الدم نتيجة لالتهاب البنكرياس ـ والتي تقوم بتدمير كل نسيج يقف في طريقها ومن ضمنها أنسجة الرئتين.
هوامش:
د. محمد نجيب محمود عمر: ما لا تعرفه عن الكحول بيروت، دار ميوزيك للصحافة والطباعة والنشر والتوزيع.
Pattison & Kaufman: Encyclpedic Hand Book Of Alcoholism. New York Gardner Press. 1982.
Medical Clinics of North America, Ethyl Alcohol and Disease, Jan 1984. Vol. 68.
Royal College of physicians: The Medical Consequences of Alcohol Abuse.
تعليق