في كثير من فقرات الكتاب المقدس تفتقد فقراته إلى المعلومة المفيدة والتي تستثمر الحدث التاريخي لهدف ديني، بل فيه ما تجده في كتب الإثارة والمتعة الرخيصة واللهو البعيد عن العبرة والفائدة.
فما الفائدة والثمرة من قبل بعض هذه الحكايات الواردة فيه؟
ما الفائدة من قصة زنا يهوذا بكنته ثامار بعد أن زوجها أبناءه واحداً بعد واحد، ثم زنى بها وهو لا يعرفها، فلما عرف بحملها أراد أن يحدها فقال: " أخرجوها فتحرق " فلما علم أن زناها وحملها منه، قال " هي أبر مني " (انظر التكوين 38/1 – 26 )
أين المغزى من القصة، امرأة مات عنها أزواجها واحداً بعد آخر، عاقبهم الرب لأنهم كانوا يعزلون عنها في الجماع، ثم زنت بوالدهم، ونتج عن هذا السفاح ابنان، أحدهما فارص ( أحد أجداد المسيح كما في سلسلة نسب المسيح في متى)….، ثم تمضي القصة بلا عقوبة ولا وعيد ….
فهل كان العزل مستحقاً للموت، بينما لا عقوبة ولا حد على جريمة زنا المحارم، ثم كان هؤلاء ( أبطال القصة ) أجداداً لابن الله الوحيد، ففي نسب المسيح أنه من أبناء فارص ابن يهوذا وثامار (انظر متى 1/2 ).
وفي قصة أخرى تخلو عن العبرة والفائدة تقول التوراة: " ونذر يفتاح نذراً للرب قائلاً : إن دفعت بني عمون ليدي، فالخارج الذي يخرج من أبواب بيتي للقائي عند رجوعي بالسلامة من عند عمون يكون للرب وأصعده محرقة " فلما انتصر استقبلته ابنته مهنئة وكانت أول مستقبليه فذبحها "ففعل بها نذره الذي نذر". ( القضاة 11/30 - 40 ) ما فائدة القصة لو كانت صحيحة، لماذا يخلدها الله في كتابه؟.
ومن العبث أيضاً ذلك الحوار الذي سجلته أسفار التوراة: "عاد بنو إسرائيل أيضاً، وبكوا، وقالوا: من يطعمنا لحماً، قد تذكرنا السمك الذي كنا نأكله في مصر مجاناً والقثاء والبطيخ والكرّاث والبصل والثوم. والآن قد يبست أنفسنا، ليس شيء غير أن أعيننا إلى هذا المنّ، وأما المنّ فكان كبزر الكزبرة، ومنظره كمنظر المقل، كان الشعب يطوفون ليلتقطوه، ثم يطحنونه بالرحى، أو يدقونه في الهاون، ويطبخونه في القدور، ويعملونه ملات، وكان طعمه كطعم قطائف بزيت" (العدد 11/5-8).
ونحوه في قصة الطفل المسلوق الذي اتفقت أمه وجارتها على أكل ابنيهما في جوع السامرة "وكان جوع شديد في السامرة...فقالت: إن هذه المرأة قد قالت لي: هاتي ابنك، فنأكله اليوم، ثم نأكل ابني غداً. فسلقنا ابني وأكلناه، ثم قلت لها في اليوم الآخر، هاتي ابنك، فنأكله، فخبأت ابنها" (ملوك (1) 6/25-29).
ويمتد عبث الأسفار إلى أسفار الحكمة والشعر، والتي من المفترض أن نقرأ في ثناياها الحكمة، فإذا بنا نقرأ "لكل شيء زمان، ولكل أمر تحت السموات وقت، للولادة وقت وللموت وقت، للغرس وقت ولقلع المغروس وقت، للبكاء وقت، وللضحك وقت، وللنوح وقت، وللرقص وقت، لتفريق الحجارة، وقت ولجمع الحجارة وقت، للمعانقة وقت، وللانفصال عن المعانقة وقت، للتمزيق وقت، وللتخييط وقت" (الجامعة1/3).
معلومات تاريخية لا قيمة لها
ومن ذلك تلك المعلومات التاريخية التي تبلغ 90% من موضوعات الأسفار المقدسة، والكثير منها معلومات تافهة لا تفيد حتى من الناحية التاريخية، من ذلك ما ورد في سفر صموئيل " فبادرت أبيجال وأخذت مائتي رغيف خبز وزقي خمر، وخمسة خرفان مهيئة، وخمس كيلات من الفريك، ومائتي عنقود من الزبيب، ومائتي قرص من التين، ووضعتها على الحمير " ( صموئيل (1) 25/18)، فما الذي أفاد البشرية معرفة ذلك.
وفي سفر الأيام ( (1) 24 - 27 ) يعرض لنا قائمة طويلة لوكلاء داود وولاته، فما علاقة ذلك بوحي الله؟
وفي سفر الملوك الأول إصحاحان كاملان في وصف الهيكل وطوله وعرضه وسماكته وارتفاعه وعدد نوافذه وأبوابه......وتفاصيل تزعم التوراة أنها المواصفات التي يريدها الرب لمسكنه الأبدي (انظر ملوك (1) 6/1 - 7/51 ).
ثم في موضع آخر تقول: " هل يسكن الله حقاً على الأرض، هوذا السموات وسماء السموات لا تسعك، فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت" (ملوك(1) 8/27)
وفي أخبار الأيام الأول ست عشرة صفحة كلها أنساب لآدم وأحفاده وإبراهيم وذريته (انظر الأيام 1/1 - 9/44 ).
ثم قائمة أخرى بأسماء العائدين من بابل حسب عائلاتهم، وأعداد كل عائلة إضافة لأعداد حميرهم وجمالهم و....... (انظر عزرا 2/1 - 67 ).
كما ثمة قوائم أخرى بأعداد الجيوش والبوابين من كل سبط، وعدد كل جيش و.... (انظر الأيام 23/1 - 27/34 ).
وفي سفر الخروج يأمر موسى بصناعة التابوت بمواصفات دقيقة تستمر تسع صفحات، فهل وحي ينزل بذلك كله وغيره مما يطول المقام بتتبعه.
قصور الأسفار في القضايا الدينية
ويبحث الباحثون عن ذكر يوم القيامة والجنة والنار والبعث والنشور في أسفار التوراة الخمسة فلا يجدون نصاً صريحاً واحداً، وأقرب نص في الدلالة على يوم القيامة ما جاء في سفر التثنية "أليس ذلك مكنوزاً عندي مختوماً عليه في خزائني، لي النقمة والجزاء في وقت تزل أقدامهم " (التثنية 32/34 - 35 )، وهو - كما ترى - محتمل الدلالة، غير مصرح بها، ولو أمعنت فيما قبله وبعده لرأيت أنه يتحدث عن يوم أرضي يعاقبهم الله فيه.
كما لا تجد في التوراة – على ما فيها من إطناب في أمور لا أهمية لها- وصفاً لكيفية الصلاة يأمر به الرب، كما لا يرد فيها اسمه الأعظم كما في التوراة إلا نادراً فقد جاء في إرمياء: " فيعرفون أن اسمي : يهوه " ( إرميا 16/21)، وأول مرة ظهر فيها هذا الاسم في سفر الخروج ( 3/15 ) ثم يختفي من أسفار التوراة إلى أن ظهر في سفر إرمياء المذكور، وما عدا ذلك فإن الكتاب يذكر الله باسم: السيد، الرب، الإله. ويغفل اسمه الأعظم!
التكرار الممجوج
وتقع الأسفار في التكرار الحرفي لبعض الأحداث، فهل نسي الله أو الروح القدس أنه أملاه قبل، وانظر كنموذج للتكرار الممجوج ما ورد في الإصحاحات 25 - 30 من الخروج وصف دقيق لخيمة الاجتماع كما أمر الرب أن تكون.
ثم تكرر الوصف بتمامه لما استدعى موسى بصلئيل واهولياب للتنفيذ، واستغرقت الإعادة الإصحاحات ( 36 - 40 ). وكان يغني عن ذلك كله لو قال ( وبصلئيل بن أروى صنع كل ما أمر به الرب موسى ومعه أهولياب بن أخيساماك ).
كما يقع كتاب العهد القديم أو كتَّابه فيما نسميه سرقة أدبية كما في ذكر نص ثم إعادته في موضع آخر، ومنه :تطابق ملوك (2) 19/1 - 12 مع أشعيا 37/1 - 12 كلمة بكلمة، وحرفاً بحرف، بل وشولة بشولة.
ويعلل كبير قساوسة السويد شوبرج هذا التماثل، فيقول: " هذه هي عظمة الكتاب ".
وتكرر هذا النقل في إصحاحات أخرى مع تغيير بسيط لا يذكر في بعض الكلمات (انظر أيام (1) 17، وصموئيل (2) 7 )، وانظر ( أيام (1) 18، وصموئيل (2) 8 )، وانظر ( أيام (1) 19، وصموئيل (2) 10 )، وانظر (ملوك (1) 8، وأيام (2) 6)، وغير ذلك.
مبالغات وأخبار خرافية
كما تحوي أسفار التوراة أخباراً هي للخرافة أقرب منها للأخبار المعقولة، ومن ذلك قصص شمشون الجبار وخصلات شعره التي كانت سبباً في أعاجيبه وقوته وانتصاراته، ومن أعاجيبه أنه بينما هو يمشي " إذ بشبل أسد يزمجر للقائه، فحل عليه روح الرب، فشقه كشق الجدي، وليس في يده شيء " ( القضاة 14/5 - 6 )، وهذا الذي حل عليه روح الرب يذكر سفر القضاة قصة زناه مع العاهرة الغزية. (انظر القضاة 16/1).
وأيضاً لما ربطه قومه وسلموه للفلسطينيين موثقاً " فحل الوثاق عن يديه، ووجد لحي حمار طرياً، فمد يده، وأخذه، وضرب به ألف رجل. فقال شمشون بلحيّ حمار كومّةُ كومتين، بلحي حمار قتلت ألف رجل " (القضاة 15/14-16).
ومن غرائب شمشون وعجائبه ما صنعه بحقول الفلسطينيين، حيث أحضر ثلاث مائة من أبناء آوى، وربط ذيول بعضهم ببعض، ثم أشعل بها النار، وأطلقهم في حقول الفلسطينيين، فأحرقوها انتقاماً من زوجته الفلسطينية التي هجرته، فكيف جمع هذه الثعالب! وكيف ربطهم! قصة جد غريبة. (انظر القضاة 15/4-6).
وليس أغرب منها ما صنعه بباب مدينة غزة، حيث " قيل للغزّيين قد أتى شمشون إلى هنا، فأحاطوا به وكمنوا له الليل كله عند باب المدينة، فهدأوا الليل كله قائلين: عند ضوء الصباح نقتله، فاضطجع شمشون إلى نصف الليل، ثم قام في نصف الليل وأخذ مصراعي باب المدينة والقائمتين، وقلعهما مع العارضة، ووضعها على كتفيه، وصعد بها إلى رأس الجبل الذي مقابل حبرون" (القضاة 16/2-4)، إلى غير ذلك من أخبار شمشون الجبار (انظر القضاة 14-16).
وكما يبالغ البشر في عرض بطولاتهم تبالغ التوراة وهي تتحدث عن بني إسرائيل وأعدادهم وبطولاتهم، ومن ذلك قصة ويشبعام، فقد قتل ثلاثمائة دفعة واحدة، وبهزة رمح " يشبعام بن حكموني رئيس الثوالث، هو هزّ رمحه على ثلاث مائة قتلهم دفعة واحدة " ( أيام (1) 11/11).
لكن شمجر بن عناة قتل من الفلسطينيين ستمائة رجل بمنساس البقر" وكان بعده شمجر بن عناة فضرب من الفلسطينيين ست مائة رجل بمنساس البقر " (القضاة 3/31). كيف يحصل هذا ؟ كيف لم يهربوا ؟ هل انتظر كل منهم دوره ؟!!
لكن البطل يوشيبا أعظم منهما فقد " هز رمحه على ثمانمائة قتلهم دفعة واحدة " (صموئيل (2) 23/8 ) فكم كان طول هذا الرمح؟ وكيف تم هذا ؟!!
ومثله المبالغة في عرض كل ما يتعلق ببني إسرائيل " كان طعام سليمان لليوم الواحد ثلاثين كرّ سميذ، وستين كرّ دقيق، وعشر ثيران مسمنة، وعشرين ثوراً من المراعي، ومائة خروف عدا الأيائل واليمامير والأوز المسمن " ( ملوك (1) 4/22 - 23). ونحوه كثير....
لكن الكاتب لأسفار التوراة يمتاز ككثير من المؤلفين باللياقة والاحترام، فيعتذر لقرائه عن تقصيره في الكتابة، وذلك في آخر كتابه ، فيقول في خاتمة سفر المكابيين الثاني (آخر أسفار التوراة الكاثوليكية) :" إن كنت قد أحسنت التأليف ، وأصبت الغرض ، فذلك ما كنت أتمنى ، وإن كان قد لحقني الوهن والتقصير فإني قد بذلت وسعي ، ثم كما أن شرب الخمر وحدها أو شرب الماء وحده مضر ، وإنما تطيب الخمر ممزوجة بالماء وتعقب لذة وطرباً ، كذلك تنميق الكلام على هذا الأسلوب يطرب مسامع مطالعي التأليف " ( المكابيين (2) 15/39 - 40 ).
ولعل مراده الاعتذار عن بعض العبارات الركيكة التي صدرت عن مجموعة مؤلفي هذا الكتاب والتي حار المحققون في فهم المراد منها، ومن ذلك قولهم على لسان دانيال النبي: " كنت نائماً ثلاثة أسابيع أيام! " ( دانيال 10/2 )، فكلمة أيام لا معنى لها ، ومثله ما نسبوه للنبي حزقيال " فذهبتُ مراً في حرارة روحي " ( حزقيال 3/14)، ومثله ما جاء سفر أشعيا النبي، وجزم المفسر آدم كلارك أن به سقطاً وتحريفاً، "الذين يذكرونك في طرقك، ها أنت سخطت إذ أخطانا، هي إلى الأبد فنخلص " ( أشعيا 64/5 ) وغيرها من مبهمات الكتاب ...
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...
تعليق