الصبغة البشرية للانجيل
22 يونيو, 2009 01:33 م
بسم الله الرحمان الرحيم نستفتح ،و بهديه نهتدي. وبما جاء به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم نسترشد، ونستضيء سائلين الله عز وجل أن يجنبنا الزلل. ويلهمنا الصواب. ويوجهنا إلى ما يحبه ويرضاه.
فإنّ حكمة الله عز وجل اقتضت أن يرسل رسلا إلى الناس، لكي لا يكون على الله حجة بعد الرسل. كما اقتضت حكمته كذلك أن يوحي إلى كل نبي بكتاب جعله نورا، وهدى للناس ليخرجهم من عبادة العباد، إلى عبادة ربّ العباد، ومن ظلمات الجهل إلى نور الله وهديه، إلا أن الناس انحرفوا عن هدى الله، وخرجوا من نور الله إلى ظلمات الغيّ والضلال، وانسلخوا من عبادة الله إلى عبادة الأحجار، والأشخاص، وألّهوا مالا يملك لهم ضرا، ولا نفعا، بل وصلوا إلى حد تحريف الكتب المنزلة على أنبيائهم، ورسلهم، فأدخلوا فيها الزيادة، والنقصان، والتبديل، والتغيير، إلى أن أصبحت لا تحمل الهدى، والنور، والرحمة: والموعظة لأهلها فضلا عن غيرهم، فلم تكن قادرة على الإصلاح،ولم ينج من هذا التحريف إلا كتاب سماوي واحد هو القرآن الكريم، لسبب واحد هو أن الله عز وجل وكّل حفظه إلى نفسه. عكس الكتب الأخرى التي وكّل حفظها إلى الربانيين، والأحبار، فلم يضطلعوا بهذه المهمة بل منهم من حرف، ومنهم من ساعد على ذلك.[1]
ونظرا للأسباب التي سأذكرها قريبا، وبعد تفكير طويل، وقع اختياري على هذا الموضوع، ألا هو: الصبغة البشرية للإنجيل من خلال المقارنة بين إنجيل لوقا، وإنجيل متّى. وهذه الأسباب هي كالتالي:
1)- إن هذا الكتاب-الإنجيل- يحتل المركز الأساس في الحضارة الغربية.
2)- إن دراسة المسيحية أمر يفرض نفسه، خصوصا في الآونة الأخيرة، لأن الديانة اليهودية- المسيحية- حسب تعبير رجاء غارودي : هي الميراث الثاني للفكر الغربي بعد الميراث اليوناني. وفي هذا الصدد يقول كريستيان بوني:" لم تعد التوراة تتخذ ككتاب كنيسة، ولكن كعنصر من عناصر تقافتنا"[2] ونفس الكلام يقال عن الإنجيل.
3)- إن فهم الخلفيات المتحكمة في خطابات، وقرارات الرؤساء الغربيين، والباباوات..يتوقف على معرفة مضامين الإنجيل.
يقول بوش: "إن العناية الإلهية هي التي اختارتني لحرب العراق[3]، وفي هذا الصدد، فقد جاء في كتاب" قرن من العار" مايلي:" إن مجازر الهنود الحمر كانت بإرادة من الله.[4]
4)- إن الصحف اليومية، والمجلات لا تنفك تتحدث عن الحركات التبشيرية التي تتصارع على المغرب خصوصا، والعالم الإسلامي عموما. وهذه بعضها:
* شبابنا والتبشير المسيحي[5]
* أعياد الميلاد وسيلة لتنصير مسلمي فرنسا.[6]
* مغاربة يتمردون على الإسلام.[7]
* التنصير حركة دائبة والمسلمون غائبون.[8]
* المتنصرون المغاربة يعملون على إنضاج شروط تأسيس حزب سياسي يجمعهم كلهم.[9]
5)- خطورة هذا الكتاب على المسلمين عامة.[10]
6)- الانفتاح الحديث الذي يشير إلى استعداد بعض المسلمين لقبول رسالة المسيح.[11]
7)- أن كثيرا من رواد الشعر الحديث، في السنوات الأخيرة قد أوغلو في استخدام الألفاظ الأربعة (الخطيئة، الفداء، الصلب، الخلاص) وهي مصطلحات تحمل دلالات نصرانية.
8)- بعض الحقائق عن إفريقيا تقول:
ثم جمع مبلغ 139 ألف مليون دولار أمريكي في أمريكا لأغراض الكنيسة، ثم تجنيد 3968100 مبشر نصراني خلال نفس ا لسنة.،وزع من الإنجيل 112564400 نسخة.
بلغ عدد محطات الإذاعية، والتلفزيون النصراني 1620 محطة.
وهذه الإحصائية مأخوذة من المجلة الدولية لأبحاث التنصير الأمريكيةالعدد1 مجلة 11- 1987م.[12]
وهذه الأسباب كلها جعلت منه موضوعا لا يخلو من صعوبة وتعقيد. إلا أنني بحول الله وعونه، وقوته، وتوجيه أستاذي لخضر زحوط سأتغلب على كل عاتق، وسيصبح الصعب- إن شاء الله- هينا، والمبهم واضح المعالم.
أما الخطوات المتبعة في هذا البحث المتواضع فهي كالتالي:
لقد قسمت البحث إلى:
- مقدمة.
- مدخل.
- ثلاثة فصول.
- ولقد اتبعت هذا المنهج في تناولي للحوادث:
1- عنوان الحادثة يكون أحيانا من اختياري، وتارة آخذ عنوان متّى
- استعراض نص الحادثة في كل من إنجيل متى، ولوقا.
- - المقارنة: وتكون فيما يلي:
- ترتيب الحادثة.
- عدد آيات الحادثة.
- باقي الإتلافات المتعلقة بالمضمون.
4- التعليقات.
و كملاحظة فأنني لم أتناول جميع الحوادث، وإنما تناولت الأهم منها فقط.
تمهيد
إن الله عز وجل أنزل على عبده، ورسوله عيسى ابن مريم كتابا اسمه الإنجيل، ولكن هذا الإنجيل لا وجود له حاليا في أية لغة من اللغات، ولا بأي شكل من الأشكال.
والموجود حاليا هو ما يسمى بالعهد الجديد، وهو يتكون من أربعة أناجيل: متى ومرقس. ولوقا، ويوحنا. كما يحتوي على رسائل لتلاميذ عيسى، وتلاميذ تلاميذه. بالإضافة إلى أعمال الرسل.
ولم تكن الأناجيل في البداية أربعة فقط، بل زادت عن المائة[13]، ولكن معظمها تجاهلته الكنيسة، وأهملته لمنافاتها للعقائد، والطقوس التي قبلتها تلك المجامع.[14] وعندما جاء عيسى عليه السلام برسالته لم يقصد تقديم دين جديد، بل جاء لتعزيز شريعة موسى، وحث الناس على المحبة، والزهد، والتسامح، وفعل الخير. كما جاء ليبشر بقدوم النبي محمد عليه الصلاة والسلام. يقول الله تعالى :(ومبشرا برسول ياتي من بعدي اسمه أحمد). [15]
إن لفظة "إنجيل"، تعني البشارة[16] وإن عيسى جاء لبني إسرائيل فقط.
ولكن تعاليم عيسى لم تبق كما هي، ولم يبق هذا الإنجيل محفوظا. فقد حدثت أحداث كثيرة غيرت تعاليم المسيح عيسى بن مريم لذلك نذكر ملاحظات أهمها:
1- ضاع إنجيل عيسى، الإنجيل الذي أنزله الله عليه.
2- ظهرت عشرات الأناجيل المتعارضة، وكل إنجيل يصّر على أن روايته هي الصحيحة.
3- ضاعت مخطوطات الأناجيل الأصلية.
2- ظهرت أناجيل مترجمة من أصول مفقودة، كما حصل لإنجيل متى الذي كتب بالآرامية، ثم فقد الأصل ألأرامي، فظهرت الترجمة اليونانية.[17]
3- استبعدت الكنيسة الأناجيل غير المعتمدة في نظرها، وحكمت ببطلانها.[18]
ورغم هذا ، فإنه لا زال المسيحيون يعتبرون الإنجيل كتابا مقدسا، ففي مناظرة بين جيمس سواجرت، وأحمد ديدات. قال سواجرت: إن الإنسان هو الذي كتب الإنجيل بوحي من الله.
فهل الإنجيل كلمة الله؟ هذا هو السؤال الذي سأجيب عليه من خلال المقارنة بين إنجيل متى وإنجيل لوقا – إن شاء الله-
إن مدخل أي كتاب يدعي الوحي هو السند. ذلك الأمر الذي لا يستقيم حال أي ذلك الكتاب إلا به. إذ عليه تتوقف صحة نسبة الكتاب إلى صاحبه، أو عدم نسبته.
وحول أهمية السند يقول الإمام البيقوني:
وكل مالم يتصل بحال إسناده منقطع الأوصال
والإسناد من الدين. ولو لا الإسناد لقال من شاء: ما شاء[19]
والإنجيل ككتاب مقدس حسب زعمهم. لا ينبغي أن يخرج عن هذه القاعدة، أي وجود السند.
إلا أن الطامة الكبرى أنني عندما تصفحت هذا الكتاب لم أجد بين دفتيه السند. والسند عنه اللغويون هو الرفع،[20] أو ضم كلمة إلى أخرى على وجه إفادة المعنى[21]
أما في الاصطلاح هو الإخبار عن طريق المتن[22]
وعلى هذا فالسند مجموعة من الرجال الذين رو و الخبر من أوله إلى آخره. و أسنده كل واحد إلى من سمع منه حتى وصل إلينا.
ويجيب القسى فرنج الإنجليزي بقوله: إن سند كتب العهد الجديد موجود في كلام القدماء، موجود في كتب آباءنا الكرام.[23] ولكن فندر لم يعرض لنا هذا السند ولو من غير مرجع. وإذا افترضنا أنه جاء به فهو مطالب ببيان صحته وتواتره، ولأجل أن يكون الكتاب حجة يجب أن تكون نسبة الكتاب إلى صاحبه أي عيسى عليه السلام بالطريق القطعي، كما أنه إن وجد هذا السند يجب التحقق من رجال السند بما يلي:
1- استقامة الدين ومروءة الراوي[24]
2- اتصال الأزمنة بين طبقات الرواة[25]
3- اللقاء و المعاصرة[26]
وهذا ما لايوجد في الكتاب المقدس، إذ إن السند مفقود أصلا، كما أن الإنجيليين الذين كتبوه لا يمكن لنا التحقق من سيرتهم، لنعرف مدى استقامتهم، ومروءتهم، وقد حاولت جاهدا أن أحصل على سيرتهم من أي مصدر كان، ولكن للأسف لم أعثر عليها. بل حتى الذين نسبت إليهم كتابة هذا الكتاب ليس أمرا قطعيا. وغالبا ما اصطدم بعبارة التي يفترض فيه .
كما أني لا أستطيع أن أبرهن على اتصال الأزمة بين طبقات الرواة[27] لأن السند أصلا مفقودا، وهو الذي يتيح لي معرفة مدى اتصال الأزنة بينهم، أو انقطاعها معتمدا في ذلك على التاريخ، فنقول فلا ن سمع من فلان. أو فلان أخذ عن فلان، ولكن الأمر ليس كذلك إذ غدت رواية الأناجيل كحكاية مجهولة عن مجهول. وهذا جنس إسناد الأكاذيب. فلو قيل من هؤلاء الرواة؟ وما زامانهم؟ وما أسماؤهم؟، لم نعرف عنهم شيئا، وأخبار المجهولين لا تقبل شهادة، ولا رواية. والمجهول عندنا لا يحتج به.[28] وعليه فلإنجيل فاقد لأهم ما يجعله منسوبا نسبة صحيحة إلى عيسى عليه السلام. وإثباتا للصبغة البشرية لإنجيل فإنني عمدت إلى إجراء المقارنة بين إنجيل متى ، وإنجيل لوقا معتمدا على القاعدة الربانية." ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"[29]
وفي هذه المقارنة سأركّز إن شاء الله على التناقض الكائن في الإنجيل الواحد. وبنيه، وبين إنجيل آخر.
وكما هو معلوم، فالأناجيل المختارة أربعة: إنجيل متى، وإنجيل لوقا، فإنجيل مرقس، ثم إنجيل يوحنا.[30]
وبالنسبة لهذا الاختيار، فإن مرده إلى ملتقى نيقية، والذي ارتقى بالأناجيل الأربعة إلى درجة وجوب تقديسها دون غيرها.[31]
و قبل الشروع في هذا البحث فإن طبيعته تستلزم أن أوضح بعض المفاهيم التي ستشكل المفتاح لفهم الإنجيل.
و مادمت أتحدث عن التحريف، فأنا ملزم أن أصوغ تعريفا جامعا مانعا له. لنحتكم إليه عند الضرورة.
- التحريف عند اللغويين هو الميل.[32] وتحريف الكلام عن موضعه تغييره[33]
وفي الاصطلاح هو: التغيير الواقع في كلام الله سواء كان بسبب الزيادة، أو النقصان، أو تبديل بعض الألفاظ ببعض آخر.[34]
- الكتاب المقدس: مجموعة كتب مختلفة جدا تنسب إلى مؤلفين كثر بعضها وضع بالعبرية أو باليونانية، وهي تنتمي إلى أشد الفنون الأدبية إختلافا كالرواية التاريخية، ومجموعة قوانين، والصلاة، والقصيدة الشعرية والرسالة، والقصص. وعموم فمواضيع الإنجيل هو: القصص، العقيدة، الشريعة والأخلاق، الزواج[35]
- ويعتقد المسيحيون اعتقادا جازما أنها كتب مقدسة. والقدس بسكون الدال، وضمها تعني الطهر.[36] والتقديس، التطهير، والأرض المقدسة، المطهر[37]
والكتاب المقدس معناه: المطهر. وقد سمعت من "أبو إسلام"[38] قوله عن الكتاب المقدس معناه" أن حروفه، وألفاظه، وكلماته، وجمله، وعبارته مقدسة ولا يمكن بأي حال من الأحوال تغييرها، أو تحريفها.
- الإصحاح (ص-ح-ح) {مص. أصح}. الإصحاح من التوراة. والإنجيل يعني الفصل[39]وكل إصحاح يتآلف من أعداد. أو آيات. فيقال إصحاح كذا آية كذا. ويكتب هكذا الإصحاح 4: 3-4 ويقرأ الإصحاح الرابع الآيات من ثلاثة إلى أربعة.
- المسيح: اسم عبراني أو سرياني[40] وهو عيسى عليه السلام : وسمى ذلك لأنه مسح الأرض، ولم يسكن[41]
- الرسل الاثنا عشر: الحواريون. أي أصحاب عيسى عليه السلام[42] والحواري الناصر[43]
- يسوع: معناه مخلص.[44]
- الفصح: 1-ذكرى خروج اليهود من مصر. 2- عيد تذكار النصارى لقيامة المسيح من الموت[45]
- العبرانيون: اليهود[46]
- الشريعة: ماشرعه الله تعالى. وسنه لعباده من عقائد، وأحكام، وقوانين.[47]
- الروح القدس: أحد الأقانيم الثلاثة. الأب. الابن. روح القدس.[48]
- الفرّيسيون والربّانيون، أهم فرق اليهود، وأكبرها قديما. وحديثا، ويطلقون على أنفسهم الإخوة، أو الأحبار، أو الرفاق. أما كلمة الفرنسيون تعني المعتزلة. ويظهر أن خصومهم هم الذين أطلقوا عليهم هذا اللقب. وهم يكرهونه.[49]
وكلمة فرّيسيون مأخوذة من الكلمة العبرية "تيروشيم" وهم فرقة دينية وحزب سياسي.[50]
- أورشليم: مدينة القدس.[51]
- الصدوقيين: فرقة يهودية. أنشأها عنان بن داود أحد علماء اليهود في بغداد في أواخر القرن 8 بعد الميلاد. ويتمسكون بما جاء في العهد القديم وحده. وعدم الاعتراف بأحكام التلمود. وتعاليم الربانيين، والحانامات[52]
الفصل الأول
*المبحث الأول: قضية نسب يسوع المسيح.
* المبحث الثاني: قضية ميلاد يسوع المسيح.
* المبحث الثالث: قضية معمودية يوحنّا للمسيح.
* المبحث الرابع: قضية تجربة المسيح مع إبليس
* المبحث الخامس: قضية الموعظة على الجبل.
* المبحث السادس: قضية الملح والنور.
* المبحث السابع: قضية الانتقام.
* المبحث الثامن: قضية شفاء خادم الضابط.
* المبحث التاسع: قضية شفاء حماة بطرس.
* المبحث العاشر: قضية الاستئذان.
* المبحث الحاد عشر: قضية يسوع يهدئ العاصفة.
*ا لمبحث الثاني عشر: قضية يسوع يبرئ رجلا فيه شياطين.
* المبحث الثالث عشر: قضية يسوع يدعو متى.
* المبحث الرابع عشر: قضية إحياء صبية، وشفاء امرأة.
22 يونيو, 2009 01:33 م
بسم الله الرحمان الرحيم نستفتح ،و بهديه نهتدي. وبما جاء به رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم نسترشد، ونستضيء سائلين الله عز وجل أن يجنبنا الزلل. ويلهمنا الصواب. ويوجهنا إلى ما يحبه ويرضاه.
فاللهم لا علم لنا، إلا ما علمتنا. ولا فهم لنا إلا ما فهمتنا، ولا حول لنا ولا قوة لنا إلا بك.
وبعد:فإنّ حكمة الله عز وجل اقتضت أن يرسل رسلا إلى الناس، لكي لا يكون على الله حجة بعد الرسل. كما اقتضت حكمته كذلك أن يوحي إلى كل نبي بكتاب جعله نورا، وهدى للناس ليخرجهم من عبادة العباد، إلى عبادة ربّ العباد، ومن ظلمات الجهل إلى نور الله وهديه، إلا أن الناس انحرفوا عن هدى الله، وخرجوا من نور الله إلى ظلمات الغيّ والضلال، وانسلخوا من عبادة الله إلى عبادة الأحجار، والأشخاص، وألّهوا مالا يملك لهم ضرا، ولا نفعا، بل وصلوا إلى حد تحريف الكتب المنزلة على أنبيائهم، ورسلهم، فأدخلوا فيها الزيادة، والنقصان، والتبديل، والتغيير، إلى أن أصبحت لا تحمل الهدى، والنور، والرحمة: والموعظة لأهلها فضلا عن غيرهم، فلم تكن قادرة على الإصلاح،ولم ينج من هذا التحريف إلا كتاب سماوي واحد هو القرآن الكريم، لسبب واحد هو أن الله عز وجل وكّل حفظه إلى نفسه. عكس الكتب الأخرى التي وكّل حفظها إلى الربانيين، والأحبار، فلم يضطلعوا بهذه المهمة بل منهم من حرف، ومنهم من ساعد على ذلك.[1]
ونظرا للأسباب التي سأذكرها قريبا، وبعد تفكير طويل، وقع اختياري على هذا الموضوع، ألا هو: الصبغة البشرية للإنجيل من خلال المقارنة بين إنجيل لوقا، وإنجيل متّى. وهذه الأسباب هي كالتالي:
1)- إن هذا الكتاب-الإنجيل- يحتل المركز الأساس في الحضارة الغربية.
2)- إن دراسة المسيحية أمر يفرض نفسه، خصوصا في الآونة الأخيرة، لأن الديانة اليهودية- المسيحية- حسب تعبير رجاء غارودي : هي الميراث الثاني للفكر الغربي بعد الميراث اليوناني. وفي هذا الصدد يقول كريستيان بوني:" لم تعد التوراة تتخذ ككتاب كنيسة، ولكن كعنصر من عناصر تقافتنا"[2] ونفس الكلام يقال عن الإنجيل.
3)- إن فهم الخلفيات المتحكمة في خطابات، وقرارات الرؤساء الغربيين، والباباوات..يتوقف على معرفة مضامين الإنجيل.
يقول بوش: "إن العناية الإلهية هي التي اختارتني لحرب العراق[3]، وفي هذا الصدد، فقد جاء في كتاب" قرن من العار" مايلي:" إن مجازر الهنود الحمر كانت بإرادة من الله.[4]
4)- إن الصحف اليومية، والمجلات لا تنفك تتحدث عن الحركات التبشيرية التي تتصارع على المغرب خصوصا، والعالم الإسلامي عموما. وهذه بعضها:
* شبابنا والتبشير المسيحي[5]
* أعياد الميلاد وسيلة لتنصير مسلمي فرنسا.[6]
* مغاربة يتمردون على الإسلام.[7]
* التنصير حركة دائبة والمسلمون غائبون.[8]
* المتنصرون المغاربة يعملون على إنضاج شروط تأسيس حزب سياسي يجمعهم كلهم.[9]
5)- خطورة هذا الكتاب على المسلمين عامة.[10]
6)- الانفتاح الحديث الذي يشير إلى استعداد بعض المسلمين لقبول رسالة المسيح.[11]
7)- أن كثيرا من رواد الشعر الحديث، في السنوات الأخيرة قد أوغلو في استخدام الألفاظ الأربعة (الخطيئة، الفداء، الصلب، الخلاص) وهي مصطلحات تحمل دلالات نصرانية.
8)- بعض الحقائق عن إفريقيا تقول:
ثم جمع مبلغ 139 ألف مليون دولار أمريكي في أمريكا لأغراض الكنيسة، ثم تجنيد 3968100 مبشر نصراني خلال نفس ا لسنة.،وزع من الإنجيل 112564400 نسخة.
بلغ عدد محطات الإذاعية، والتلفزيون النصراني 1620 محطة.
وهذه الإحصائية مأخوذة من المجلة الدولية لأبحاث التنصير الأمريكيةالعدد1 مجلة 11- 1987م.[12]
وهذه الأسباب كلها جعلت منه موضوعا لا يخلو من صعوبة وتعقيد. إلا أنني بحول الله وعونه، وقوته، وتوجيه أستاذي لخضر زحوط سأتغلب على كل عاتق، وسيصبح الصعب- إن شاء الله- هينا، والمبهم واضح المعالم.
أما الخطوات المتبعة في هذا البحث المتواضع فهي كالتالي:
لقد قسمت البحث إلى:
- مقدمة.
- مدخل.
- ثلاثة فصول.
- ولقد اتبعت هذا المنهج في تناولي للحوادث:
1- عنوان الحادثة يكون أحيانا من اختياري، وتارة آخذ عنوان متّى
- استعراض نص الحادثة في كل من إنجيل متى، ولوقا.
- - المقارنة: وتكون فيما يلي:
- ترتيب الحادثة.
- عدد آيات الحادثة.
- باقي الإتلافات المتعلقة بالمضمون.
4- التعليقات.
و كملاحظة فأنني لم أتناول جميع الحوادث، وإنما تناولت الأهم منها فقط.
تمهيد
إن الله عز وجل أنزل على عبده، ورسوله عيسى ابن مريم كتابا اسمه الإنجيل، ولكن هذا الإنجيل لا وجود له حاليا في أية لغة من اللغات، ولا بأي شكل من الأشكال.
والموجود حاليا هو ما يسمى بالعهد الجديد، وهو يتكون من أربعة أناجيل: متى ومرقس. ولوقا، ويوحنا. كما يحتوي على رسائل لتلاميذ عيسى، وتلاميذ تلاميذه. بالإضافة إلى أعمال الرسل.
ولم تكن الأناجيل في البداية أربعة فقط، بل زادت عن المائة[13]، ولكن معظمها تجاهلته الكنيسة، وأهملته لمنافاتها للعقائد، والطقوس التي قبلتها تلك المجامع.[14] وعندما جاء عيسى عليه السلام برسالته لم يقصد تقديم دين جديد، بل جاء لتعزيز شريعة موسى، وحث الناس على المحبة، والزهد، والتسامح، وفعل الخير. كما جاء ليبشر بقدوم النبي محمد عليه الصلاة والسلام. يقول الله تعالى :(ومبشرا برسول ياتي من بعدي اسمه أحمد). [15]
إن لفظة "إنجيل"، تعني البشارة[16] وإن عيسى جاء لبني إسرائيل فقط.
ولكن تعاليم عيسى لم تبق كما هي، ولم يبق هذا الإنجيل محفوظا. فقد حدثت أحداث كثيرة غيرت تعاليم المسيح عيسى بن مريم لذلك نذكر ملاحظات أهمها:
1- ضاع إنجيل عيسى، الإنجيل الذي أنزله الله عليه.
2- ظهرت عشرات الأناجيل المتعارضة، وكل إنجيل يصّر على أن روايته هي الصحيحة.
3- ضاعت مخطوطات الأناجيل الأصلية.
2- ظهرت أناجيل مترجمة من أصول مفقودة، كما حصل لإنجيل متى الذي كتب بالآرامية، ثم فقد الأصل ألأرامي، فظهرت الترجمة اليونانية.[17]
3- استبعدت الكنيسة الأناجيل غير المعتمدة في نظرها، وحكمت ببطلانها.[18]
ورغم هذا ، فإنه لا زال المسيحيون يعتبرون الإنجيل كتابا مقدسا، ففي مناظرة بين جيمس سواجرت، وأحمد ديدات. قال سواجرت: إن الإنسان هو الذي كتب الإنجيل بوحي من الله.
فهل الإنجيل كلمة الله؟ هذا هو السؤال الذي سأجيب عليه من خلال المقارنة بين إنجيل متى وإنجيل لوقا – إن شاء الله-
إن مدخل أي كتاب يدعي الوحي هو السند. ذلك الأمر الذي لا يستقيم حال أي ذلك الكتاب إلا به. إذ عليه تتوقف صحة نسبة الكتاب إلى صاحبه، أو عدم نسبته.
وحول أهمية السند يقول الإمام البيقوني:
وكل مالم يتصل بحال إسناده منقطع الأوصال
والإسناد من الدين. ولو لا الإسناد لقال من شاء: ما شاء[19]
والإنجيل ككتاب مقدس حسب زعمهم. لا ينبغي أن يخرج عن هذه القاعدة، أي وجود السند.
إلا أن الطامة الكبرى أنني عندما تصفحت هذا الكتاب لم أجد بين دفتيه السند. والسند عنه اللغويون هو الرفع،[20] أو ضم كلمة إلى أخرى على وجه إفادة المعنى[21]
أما في الاصطلاح هو الإخبار عن طريق المتن[22]
وعلى هذا فالسند مجموعة من الرجال الذين رو و الخبر من أوله إلى آخره. و أسنده كل واحد إلى من سمع منه حتى وصل إلينا.
ويجيب القسى فرنج الإنجليزي بقوله: إن سند كتب العهد الجديد موجود في كلام القدماء، موجود في كتب آباءنا الكرام.[23] ولكن فندر لم يعرض لنا هذا السند ولو من غير مرجع. وإذا افترضنا أنه جاء به فهو مطالب ببيان صحته وتواتره، ولأجل أن يكون الكتاب حجة يجب أن تكون نسبة الكتاب إلى صاحبه أي عيسى عليه السلام بالطريق القطعي، كما أنه إن وجد هذا السند يجب التحقق من رجال السند بما يلي:
1- استقامة الدين ومروءة الراوي[24]
2- اتصال الأزمنة بين طبقات الرواة[25]
3- اللقاء و المعاصرة[26]
وهذا ما لايوجد في الكتاب المقدس، إذ إن السند مفقود أصلا، كما أن الإنجيليين الذين كتبوه لا يمكن لنا التحقق من سيرتهم، لنعرف مدى استقامتهم، ومروءتهم، وقد حاولت جاهدا أن أحصل على سيرتهم من أي مصدر كان، ولكن للأسف لم أعثر عليها. بل حتى الذين نسبت إليهم كتابة هذا الكتاب ليس أمرا قطعيا. وغالبا ما اصطدم بعبارة التي يفترض فيه .
كما أني لا أستطيع أن أبرهن على اتصال الأزمة بين طبقات الرواة[27] لأن السند أصلا مفقودا، وهو الذي يتيح لي معرفة مدى اتصال الأزنة بينهم، أو انقطاعها معتمدا في ذلك على التاريخ، فنقول فلا ن سمع من فلان. أو فلان أخذ عن فلان، ولكن الأمر ليس كذلك إذ غدت رواية الأناجيل كحكاية مجهولة عن مجهول. وهذا جنس إسناد الأكاذيب. فلو قيل من هؤلاء الرواة؟ وما زامانهم؟ وما أسماؤهم؟، لم نعرف عنهم شيئا، وأخبار المجهولين لا تقبل شهادة، ولا رواية. والمجهول عندنا لا يحتج به.[28] وعليه فلإنجيل فاقد لأهم ما يجعله منسوبا نسبة صحيحة إلى عيسى عليه السلام. وإثباتا للصبغة البشرية لإنجيل فإنني عمدت إلى إجراء المقارنة بين إنجيل متى ، وإنجيل لوقا معتمدا على القاعدة الربانية." ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا"[29]
وفي هذه المقارنة سأركّز إن شاء الله على التناقض الكائن في الإنجيل الواحد. وبنيه، وبين إنجيل آخر.
وكما هو معلوم، فالأناجيل المختارة أربعة: إنجيل متى، وإنجيل لوقا، فإنجيل مرقس، ثم إنجيل يوحنا.[30]
وبالنسبة لهذا الاختيار، فإن مرده إلى ملتقى نيقية، والذي ارتقى بالأناجيل الأربعة إلى درجة وجوب تقديسها دون غيرها.[31]
و قبل الشروع في هذا البحث فإن طبيعته تستلزم أن أوضح بعض المفاهيم التي ستشكل المفتاح لفهم الإنجيل.
و مادمت أتحدث عن التحريف، فأنا ملزم أن أصوغ تعريفا جامعا مانعا له. لنحتكم إليه عند الضرورة.
- التحريف عند اللغويين هو الميل.[32] وتحريف الكلام عن موضعه تغييره[33]
وفي الاصطلاح هو: التغيير الواقع في كلام الله سواء كان بسبب الزيادة، أو النقصان، أو تبديل بعض الألفاظ ببعض آخر.[34]
- الكتاب المقدس: مجموعة كتب مختلفة جدا تنسب إلى مؤلفين كثر بعضها وضع بالعبرية أو باليونانية، وهي تنتمي إلى أشد الفنون الأدبية إختلافا كالرواية التاريخية، ومجموعة قوانين، والصلاة، والقصيدة الشعرية والرسالة، والقصص. وعموم فمواضيع الإنجيل هو: القصص، العقيدة، الشريعة والأخلاق، الزواج[35]
- ويعتقد المسيحيون اعتقادا جازما أنها كتب مقدسة. والقدس بسكون الدال، وضمها تعني الطهر.[36] والتقديس، التطهير، والأرض المقدسة، المطهر[37]
والكتاب المقدس معناه: المطهر. وقد سمعت من "أبو إسلام"[38] قوله عن الكتاب المقدس معناه" أن حروفه، وألفاظه، وكلماته، وجمله، وعبارته مقدسة ولا يمكن بأي حال من الأحوال تغييرها، أو تحريفها.
- الإصحاح (ص-ح-ح) {مص. أصح}. الإصحاح من التوراة. والإنجيل يعني الفصل[39]وكل إصحاح يتآلف من أعداد. أو آيات. فيقال إصحاح كذا آية كذا. ويكتب هكذا الإصحاح 4: 3-4 ويقرأ الإصحاح الرابع الآيات من ثلاثة إلى أربعة.
- المسيح: اسم عبراني أو سرياني[40] وهو عيسى عليه السلام : وسمى ذلك لأنه مسح الأرض، ولم يسكن[41]
- الرسل الاثنا عشر: الحواريون. أي أصحاب عيسى عليه السلام[42] والحواري الناصر[43]
- يسوع: معناه مخلص.[44]
- الفصح: 1-ذكرى خروج اليهود من مصر. 2- عيد تذكار النصارى لقيامة المسيح من الموت[45]
- العبرانيون: اليهود[46]
- الشريعة: ماشرعه الله تعالى. وسنه لعباده من عقائد، وأحكام، وقوانين.[47]
- الروح القدس: أحد الأقانيم الثلاثة. الأب. الابن. روح القدس.[48]
- الفرّيسيون والربّانيون، أهم فرق اليهود، وأكبرها قديما. وحديثا، ويطلقون على أنفسهم الإخوة، أو الأحبار، أو الرفاق. أما كلمة الفرنسيون تعني المعتزلة. ويظهر أن خصومهم هم الذين أطلقوا عليهم هذا اللقب. وهم يكرهونه.[49]
وكلمة فرّيسيون مأخوذة من الكلمة العبرية "تيروشيم" وهم فرقة دينية وحزب سياسي.[50]
- أورشليم: مدينة القدس.[51]
- الصدوقيين: فرقة يهودية. أنشأها عنان بن داود أحد علماء اليهود في بغداد في أواخر القرن 8 بعد الميلاد. ويتمسكون بما جاء في العهد القديم وحده. وعدم الاعتراف بأحكام التلمود. وتعاليم الربانيين، والحانامات[52]
الفصل الأول
قضايا إنجيل متى من الإصحاح الأول إلى الإصحاح الحادي عشر ومقارنتها بمثيلاتها في إنجيل لوقا.
* المبحث الثاني: قضية ميلاد يسوع المسيح.
* المبحث الثالث: قضية معمودية يوحنّا للمسيح.
* المبحث الرابع: قضية تجربة المسيح مع إبليس
* المبحث الخامس: قضية الموعظة على الجبل.
* المبحث السادس: قضية الملح والنور.
* المبحث السابع: قضية الانتقام.
* المبحث الثامن: قضية شفاء خادم الضابط.
* المبحث التاسع: قضية شفاء حماة بطرس.
* المبحث العاشر: قضية الاستئذان.
* المبحث الحاد عشر: قضية يسوع يهدئ العاصفة.
*ا لمبحث الثاني عشر: قضية يسوع يبرئ رجلا فيه شياطين.
* المبحث الثالث عشر: قضية يسوع يدعو متى.
* المبحث الرابع عشر: قضية إحياء صبية، وشفاء امرأة.
تعليق