الاعجاز التاريخي في شهادة القرآن بتحريف الكتاب المقدس

تقليص

عن الكاتب

تقليص

أبو أصيل اليمني اكتشف المزيد حول أبو أصيل اليمني
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أبو أصيل اليمني
    3- عضو نشيط

    • 28 يون, 2007
    • 351

    الاعجاز التاريخي في شهادة القرآن بتحريف الكتاب المقدس

    قال تعالى: (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىَ نُوراً وَهُدًى لّلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلّمْتُمْ مّا لَمْ تَعْلَمُوَاْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام:91]


    شرح الآية:

    لقد ظن بعض المفسرين أن هذه الآية تتحدث عن " كفار قريش " و لا تتحدث عن اليهود , وسبب ذلك يعود _ في نظرهم _ أن الآية تتحدث عن قوم يقولون " مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ " , واليهود كما هو معروف يؤمنون بأن الله_سبحانه_ قد أنزل التوراة على نبي الله موسى_عليه السلام_, وعلى آخرون, فلذلك كان المشركون هم الأقرب لهذا الإنكار , إذ أنهم ليسوا بأهل كتاب سابق كاليهود .

    ومع احترامنا الشديد لاجتهادات علمائنا الكرام , إلا أن ما وصلوا إليه كان "غير دقيق " .إذ أن الآية الكريمة شديدة الوضوح في أنها تعني "اليهود " وعلماء بني إسرائيل , ولا تعني المشركين على الإطلاق للأسباب التالية :


    1- سياق الآية وضمير المخاطب فيها لا يمكن أن يكون عن المشركين, فالآية تقول (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً )


    فلا يمكن على الإطلاق تصور أن المشركين كانت عندهم " قراطيس التوراة " وكانوا " يبدونها " للناس ويخفون كثيرا منها.


    2- أما بالنسبة للإشكال من أن اليهود لا يقولون " مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ " فمن السهل فهمه في إطار الأسلوب القرآني في آيات أخرى, والذي ينسب فيه قول صدر من شخص أو جماعة صغيرة من اليهود إلى اليهود جميعا, إذ أن القرآن لا يقول أن هذه عقيدة اليهود, بل يقول " إِذْ قَالُواْ " أي قاله أحد اليهود أو مجموعة منهم, فنسب إلى اليهود بسبب سكوتهم وتضامنهم المعنوي معهم, وعدم إنكارهم.ومن أمثلة ذلك قوله تعالى:(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ) [المائدة: 64], فالعقيدة اليهودية
    لا تعلم أبدا أن الله بخيل, ولكن الحسد جر بعضهم إلى قول أشياء منكرة بغرض مضايقة النبي (ص) وأتباعه. وبسبب سكوت اليهودوتضامنهم المعنوي معهم تحملوا جميعا إثم القول. ومن ذلك أيضا قوله تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ) [التوبة : 30] .


    إذا فهذه الآية من أفضل الآيات التي تتحدث عن التحريف الذي قام به اليهود في نصوصهم المقدسة. فهي تتحدث عن نوع من التحريف لم يعرف بدقه إلا في العصر الحديث, وهو "تحريف مخطوطات الكتاب المقدس", إذ أن هذا لم يظهر إلا في العصر الحديث وبعد اكتشاف الكثير من مخطوطات الكتاب المقدس ومقارنتها مع بعضها, وتطورها عبر القرون. فهذه الآية الكريمة إعجاز تاريخي فريد.

    وقوله تعالى (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً) و " القرطاس" في اللغة هو " الصحيفة التي يكتب فيها ", وقوله "قراطيس"أي صحف متفرقة, وليس مضموما معا في كتاب كامل بدليل إخفاء البعض وإظهار البعض الآخر. وهو ما ينطبق على المخطوطات المكتشفة التي تصلنا على شكل كتب ممزقة ووريقات متناثرة, وغير محددة في قانونيتها. وتضم كتبا ضمها اليهود للنص المقدس وكتبا غير معترف بها ونصوص أخرى, كما هو الحال في " مخطوطات البحر الميت " مثلا.

    قوله تعالى " تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ" تظهر بوضوح أنهم هم من جعلوه على شكل " قراطيس" متفرقة, وهي الهيئة التي لم يكن عليها الكتاب عندما أنزل. وقوله تعالى " تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً " الإخفاء هنا يقصد به إخفاء تلك "القراطيس" عن الناس. ولكن لماذا يتم إخفاؤها عن الناس ؟؟ لأنها تحتوي على نصوص أخرى تظهر حقائق لا يرغبون في ظهورها للناس. فالتحريف هنا مر بمرحلتين :

    أ- تغيير شكل الكتاب المنزل _عبر قرون من الزمن _ من كتاب صغير ,وصحف قليلة (أَمْ لَمْ يُنَبّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىَ) [النجم : 36] إلى مجموعة قراطيس متفرقة ومتناثرة هنا وهناك , يتم إخفاء الكثير منها, إن ذلك يشير بقوة إلى إعادة صياغة النصوص المقدسة.

    ب- إخفاء الغالبية العظمى من تلك القراطيس التي تحتوي نصوصا أخرى لم يوافق عليها الأحبار, وإظهار القليل منها فقط للناس.

    إن هذا الإخفاء الذي يتحدث عنه القرآن الكريم ينسجم تماما مع الحقائق التاريخية , فقد عرف تاريخ نصوص اليهود المقدس نوعا ما من ذلك النوع من الكتابات أطلق عليه " أبوكريفا " , تقول دائرة المعارف الكتابية حول ذلك :

    (الاسم أبوكريفا : عندما أطلقت كلمة " أبوكريفا " على الكتابات الدينية ، كانت تحمل معنى أنها قاصرة على دائرة معينة ضيقة ، لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يفهموها . فالكلمة بمعنى " خفي - غامض - مبهم - عويص " )_دائرة المعارف مادة "أبوكريفا".

    ويبقى السؤال الهام: ما مصير تلك القراطيس التي أخفيت عن الناس ؟؟. الجواب: لا يخبرنا القرآن الكريم بوضوح عن مصير تلك القراطيس والذي يبدوا أن بعضها قد دمر عبر الزمن وفقدت تحت تأثير الظروف, واستمر الحال كذلك على الأقل حتى بعثة النبي, يتضح ذلك من قول الله _سبحانه_:

    (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مّمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ)_[المائدة : 15].

    أما بالنسبة للمخطوطات الحالية للكتاب المقدس فالخبراء يجمعون الآن وبشكل كامل أنه لا يمكن أن نجد مخطوطتين متطابقتين تماما على الإطلاق .إن هذا يظهر الحجم الهائل الذي أضافته يد البشر إلى تلك " القراطيس " والى النصوص المقدسة فيها عبر القرون.

    --------------

    من كتابي القادم_ باذن الله تعالى_ : " موسوعة تحريف الكتاب المقدس".
  • متعلم
    5- عضو مجتهد

    حارس من حراس العقيدة
    عضو شرف المنتدى
    • 12 أكت, 2006
    • 778
    • مسلم

    #2
    1- سياق الآية وضمير المخاطب فيها لا يمكن أن يكون عن المشركين, فالآية تقول (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً )
    يُشكل على هذا القراءة الأخرى المتواترة { يبدونها } بالياء ، فيكون الخطاب للمشركين .

    وأيضـًا فإن سورة الأنعام نزلت بمكة ، والسياق واللحاق خطاب للمشركين .

    لذلك كان الراجح أن الآية تخاطب المشركين واليهود معــًا .

    وهذا نقل يفيدك في الموضوع بإذن الله .. قال ابن تيمية رحمه الله :

    (( والقرآن لا يحتج في مجادلته بمقدمة لمجرد تسليم الخصم بها ، كما هي الطريقة الجدلية عند أهل المنطق وغيرهم ، بل بالقضايا والمقدمات التي تسلمها الناس وهي برهانية.

    وإن كان بعضهم يسلمها وبعضهم ينازع فيها ، ذكر الدليل على صحتها ، كقوله : { وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم }

    فإن الخطاب لما كان مع من يقر بنبوة موسى من أهل الكتاب ومع من ينكرها من المشركين ، ذكر ذلك بقوله : { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى } ، وقد بين البراهين الدالة على صدق موسى في غير موضع .

    وعلى قراءة من قرأ { يبدونها } كابن كثير وأبي عمرو : جعلوا الخطاب مع المشركين ، وجعلوا قوله : { وعلمتم ما لم تعلموا } احتجاجا على المشركين بما جاء به محمد ؛ فالحجة على أولئك : نبوة موسى ، وعلى هؤلاء : نبوة محمد ، ولكل منهما من البراهين ما قد بين بعضه في غير موضع .

    وعلى قراءة الأكثرين بالتاء : هو خطاب لأهل الكتاب ، وقوله : { وعلمتم ما لم تعلموا } بيان لما جاءت به الأنبياء مما أنكروه ، فعلمهم الأنبياء ما لم يقبلوه ولم يعلموه ، فاستدل بما عرفوه من أخبار الأنبياء وما لم يعرفوه . ))

    (الفتاوى 19/ 166)

    فهي تتحدث عن نوع من التحريف لم يعرف بدقه إلا في العصر الحديث, وهو "تحريف مخطوطات الكتاب المقدس", إذ أن هذا لم يظهر إلا في العصر الحديث
    يُشكل على هذا أن (الشيخ رحمت الله هندي) في كتابه (إظهار الحق) أثبت أن المسلمين ليسوا أول من ادعى التحريف ، وأن الدعوى قائمة من قبل بعثة نبيهم عليه الصلاة والسلام .

    وخدشة أخرى في باقي كلامك ، وذلك أن الكلام عن تخالف المخطوطات ليس وليد العصر الحديث ، بل شهد العديد من علماء المسلمين بأنهم طالعوا مخطوطات لأسفار أهل الكتاب فوجدوها متخالفة .. لاحظ هنا أن الكتب في تلك العصور لم تكن إلا ما نسميه اليوم "مخطوطات" .

    تعليق

    • نصرة الإسلام
      المشرفة العامة
      على الأقسام الإسلامية

      • 17 مار, 2008
      • 14565
      • عبادة الله
      • مسلمة ولله الحمد

      #3
      طيب جزاكم الله خيراً أخى الكريم

      لكن هذه النقطة لا يمكن تجاوزها

      لقد ظن بعض المفسرين أن هذه الآية تتحدث عن " كفار قريش " و لا تتحدث عن اليهود , وسبب ذلك يعود _ في نظرهم _ أن الآية تتحدث عن قوم يقولون " مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ "
      والقول أن بعض اليهود هم من قالوا بذلك وليس كلهم
      فهل من اليهود ولو واحد فقط إدعى أن الله لم ينزل على بشر من شئ ؟؟؟ وما هو الدليل على ذلك ؟؟؟
      فكيف هو يهودى إذن ومن بنى إسرائيل ؟؟
      بارك الله فيك
      فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
      شرح السيرة النبوية للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيــــــــل.. أدلة وجود الله عز وجل ..هام لكل مسلم مُوَحِّد : 200 سؤال وجواب في العقيدة
      مـــاذا فعلتَ قبل تسجيلك الدخـول للمنتدى ؟؟.. ضيْفتنــــــــــــــــــــــــــا المسيحية ، الحجاب والنقـاب ، حكـم إلـهي أخفاه عنكم القساوسة .. هـل نحتـاج الديـن لنكـون صالحيـن ؟؟
      لمــاذا محمد هو آخر الرسل للإنس والجــن ؟؟ .. حوار شامل حول أسماء الله الحسنى هل هي صحيحة أم خطـأ أم غير مفهـومـــة؟!.. بمنـاسبة شهر رمضان ..للنساء فقط فقط فقط
      إلى كـل مسيحـي : مـواقف ومشـاكل وحلـول .. الثـــــــــــــــــــــــــالوث وإلغــاء العقـــــــــــــــــــل .. عِلْـم الرّجــال عِند أمــة محمــد تحَـدٍّ مفتوح للمسيحيـــــة!.. الصلـوات التـي يجب على المرأة قضاؤهــا
      أختي الحبيبة التي تريد خلع نقابها لأجل الامتحانات إسمعـي((هنا)) ... مشيئـــــــــــــــــــــة الله ومشيئـــــــــــــــــــــة العبد ... كتاب هام للأستاذ ياسر جبر : الرد المخرِس على زكريا بطرس
      خدعوك فقالوا : حد الرجم وحشية وهمجية !...إنتبـه / خطـأ شائع يقع فيه المسلمون عند صلاة التراويـح...أفيقـوا / حقيقـة المؤامـرة هنـا أيها المُغَيَّبون الواهمون...هل يحق لكل مسلم "الاجتهاد" في النصوص؟
      الغــــــزو التنصيـــــــــري على قناة فتافيت (Fatafeat) ... أشهر الفنانين يعترفون بأن الفن حرام و"فلوسه حرام" ... المنتقبة يتم التحرش بها! الغربيون لا يتحرشون ! زعموا .

      أيهــا المتشكـــــــــــــــــــــــــــك أتحــــــــــــــــــــــــداك أن تقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأ هذا الموضــــــــــوع ثم تشك بعدها في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
      <<<مؤامرة في المزرعة السعيدة>>>.||..<<< تأمــــــــــــــــــــلات في آيـــــــــــــــــــــــــــــات >>>
      ((( حازم أبو إسماعيل و"إخراج الناس من الظلمات إلى النور" )))

      تعليق

      • أبو أصيل اليمني
        3- عضو نشيط

        • 28 يون, 2007
        • 351

        #4
        السلام عليكم جميعا

        استاذي العزيز/ متعلم

        بارك الله تعالى فيك , ونفعنا بعلمك , وأعلم انني تشرفت جدا بردك وتوضيحك لي , فيكفيني فخرا ان شخصا في مثل مستواك العلمي التفت الى مقالي.


        1- أولا: لست أول من قال ان الخطاب موجه لأهل الكتاب من اليهود , فجل من المفسرين على هذا الفهم والتوجيه للآية الشريفة.


        2- ثانيا: لم استوعب معنى وسياق القراءة الثانية ( يبدونها) من حيث:

        أ- هل القراءة متواترة أم صحيحة ام شاذة؟

        ب_ كيف يكون السياق حينها؟: هكذا ( تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ يبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً )؟ وما معناه؟؟؟كيف يكون الابداء عند قوم والاخفاء عند قوم آخرين؟؟ ويظهر ذلك من اختلاف المخاطب؟؟



        ثالثا: أنا هنا لا أتطرق الى اول من قال بالتحريف , فقد شهد الوثنييون قبل ظهور النبي الكريم على تحريف أهل الكتاب لكتبهم , كما اورد ذلك العلامة رحمت الله الهندي , والدكتور بارت ايرمان كذلك , ولكني أتحدث عن علم ظهر حديثا , هو علم دراسة المخطوطات , وتقسيمها الى مجموعات , ودراسة تطورها , ونصوصها , وظهور علم النقد النصي لها . وإكتشاف مخطوطات تعود لما قبل نزول القرآن الكريم.

        ومن الطبيعي ان القدماء كانوا يقرأون في مخطوطات , ومن الطبيعي أن النصارى كان لديهم العديد منها , ويستعملونها ويقراونها. ومن الطبيعي كذلك ان تتم ملاحظة بعض الاختلافات في تلك النصوص. لكن ذلك لم سوى مجرد ملاحظات بسيطة ذكرها بعض العلماء لبعض أسفار التوراة , ولم يكن علما قائما بحد ذاته:

        1- لم يقم عالم بدراسة متخصصة لنصوص تلك المخطوطات, واظهار الامثلة العلمية على ذلك.

        2- لم يكن العلماء على دراية بمصطلح ( أبوكريفا) واشتقاقه التاريخي.

        3- لم تكن تلك المخطوطات ذات قيمة تاريخية في وقتها , ولم تتم المقارنة بمخطوطات أقدم تاريخيا. لاحظ ان الاية الشريفة تتحدث عن عادة قديمة, ومخطوطات قديمة لم تكن في حوزة أحد حينها , وتتحدث الاية عن حدوث ذلك قبل ظهور رسالة النبي الكريم , فلم يثبت أحد من العلماء شيء هذا. لكن اليوم مثلا لدى اكتشاف العلماء لمخطوطات تعود للقرن الاول ( مخطوطات البحر الميت) تأكد بصدق الاعجاز التاريخ الفريد للآية الشريفة , حيث تبين حدوث التحريف منذ القدم. وهو الشيء المتعذر حدوثة قبل الإكتشافات الاخيرة. ويؤكد حدوث التحريف قبل ظهور النبي الخاتم- عليه الصلاة والسلام.

        ---------------------------------------

        أختي الكريمة نصرة الاسلام: شكرا لك على طيب قولك.

        ولكن أختي ليس من الضروري إيراد دليل تاريخي لكل حدث في القرآن الكريم , فعدم النقل لا يعني العدم. وسبق أن ذكرنا أمثلة عن اسلوب القرآن الكريم. كما ان الرأي القائل أن الخطاب موجه لليهود ليس هو رأي وليد اللحظة , ولم يقله كاتب المقال فقط.

        أتمنى أن أكون قد أوضحت ما غمض, فإن أصبت فمن الله سبحانه, وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.

        في امان الله.

        تعليق

        • الأمير الأحمر
          مشرف شرف المنتدى

          • 29 أكت, 2008
          • 969
          • خاص
          • مسلم

          #5
          بسم الله الرحمن الرحيم

          السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

          جزاكم الله خيراً أخي الكريم. متابع إن شاء الله.

          لكن هل في ما سيتبع ما يتصل بقسم النصرانية العامة؟ أم ترى نقل الموضوع لمكان مناسب؟
          لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم


          Truth Knights' Forum - Comparative Religions in English

          مُنتدى الرّامي المُسلِم

          شاهد الآن - المسيحية للمسيحيين!

          قسم الرد على القص واللصق! - إستحالة تحريف الكتاب المقدس

          تعليق

          • نصرة الإسلام
            المشرفة العامة
            على الأقسام الإسلامية

            • 17 مار, 2008
            • 14565
            • عبادة الله
            • مسلمة ولله الحمد

            #6
            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
            أخى الكريم رشيد المليكى
            لم أعترض على أن يكون قول الله تعالى موجهاً لليهود أو للمشركين أو لكليهما معاً
            لكن تساؤلى كان بشأن قولك

            والذي ينسب فيه قول صدر من شخص أو جماعة صغيرة من اليهود إلى اليهود جميعا

            فقد إستغربت أن يكون ولو واحد من اليهود قد إدعى أن يكون الله ما أنزل على بشر من شئ !!!
            فمن الممكن أن يقول بعض اليهود أن يد الله مغلولة (وحاشاه)
            لكن الغريب أن ينكر الرسالة والوحى بعض اليهود أو حتى فرد واحد منهم !!!
            ولذا فقد سألتك هل ثبت أن واحداً قد قال تلك المقالة (لغرابتها) ؟؟؟
            فمهما بلغ جحود اليهود ونكرانهم وتحريفهم لكتاب الله , إلا أنه - فيما أعلم على الأقل - لم يُسْمَع أن أحدهم قد أنكر نزول الوحى على سيدنا موسى .

            بارك الله فيك ونفع بك
            فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِيۤ أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً
            شرح السيرة النبوية للشيخ حازم صلاح أبو إسماعيــــــــل.. أدلة وجود الله عز وجل ..هام لكل مسلم مُوَحِّد : 200 سؤال وجواب في العقيدة
            مـــاذا فعلتَ قبل تسجيلك الدخـول للمنتدى ؟؟.. ضيْفتنــــــــــــــــــــــــــا المسيحية ، الحجاب والنقـاب ، حكـم إلـهي أخفاه عنكم القساوسة .. هـل نحتـاج الديـن لنكـون صالحيـن ؟؟
            لمــاذا محمد هو آخر الرسل للإنس والجــن ؟؟ .. حوار شامل حول أسماء الله الحسنى هل هي صحيحة أم خطـأ أم غير مفهـومـــة؟!.. بمنـاسبة شهر رمضان ..للنساء فقط فقط فقط
            إلى كـل مسيحـي : مـواقف ومشـاكل وحلـول .. الثـــــــــــــــــــــــــالوث وإلغــاء العقـــــــــــــــــــل .. عِلْـم الرّجــال عِند أمــة محمــد تحَـدٍّ مفتوح للمسيحيـــــة!.. الصلـوات التـي يجب على المرأة قضاؤهــا
            أختي الحبيبة التي تريد خلع نقابها لأجل الامتحانات إسمعـي((هنا)) ... مشيئـــــــــــــــــــــة الله ومشيئـــــــــــــــــــــة العبد ... كتاب هام للأستاذ ياسر جبر : الرد المخرِس على زكريا بطرس
            خدعوك فقالوا : حد الرجم وحشية وهمجية !...إنتبـه / خطـأ شائع يقع فيه المسلمون عند صلاة التراويـح...أفيقـوا / حقيقـة المؤامـرة هنـا أيها المُغَيَّبون الواهمون...هل يحق لكل مسلم "الاجتهاد" في النصوص؟
            الغــــــزو التنصيـــــــــري على قناة فتافيت (Fatafeat) ... أشهر الفنانين يعترفون بأن الفن حرام و"فلوسه حرام" ... المنتقبة يتم التحرش بها! الغربيون لا يتحرشون ! زعموا .

            أيهــا المتشكـــــــــــــــــــــــــــك أتحــــــــــــــــــــــــداك أن تقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــرأ هذا الموضــــــــــوع ثم تشك بعدها في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم
            <<<مؤامرة في المزرعة السعيدة>>>.||..<<< تأمــــــــــــــــــــلات في آيـــــــــــــــــــــــــــــات >>>
            ((( حازم أبو إسماعيل و"إخراج الناس من الظلمات إلى النور" )))

            تعليق

            • متعلم
              5- عضو مجتهد

              حارس من حراس العقيدة
              عضو شرف المنتدى
              • 12 أكت, 2006
              • 778
              • مسلم

              #7
              جزاك الله خيرًا أخي (رشيد) على حسن ظنك بأخيك .

              بخصوص القراءة بالياء ، فهي متواترة - كما قلت لك - ضمن القراءات السبع ، ويمكنك الرجوع إلى معاجم القراءات أو كتبها أو كتب التفسير لتتأكد بنفسك ، وقد أغنيتك عن هذا إذ نقلت تقرير ابن تيمية للمسألة.

              والقراءة بالياء هنا ليست في لفظ { يبدونها } فقط، وإنما هي في الخطاب كله، أي { يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون كثيرًا}.

              ثم اعلم وفقك الله أن الشأن - في تنبيهي - ليس في كون الآية تتضمن خطابـًا لليهود أم لا .. وإنما الشأن أنك أنكرت تناولها للمشركين .

              لاحظ أخي الكريم أنك لم تكن محتاجـًا إلى إنكار تناولها للمشركين ، إذ يحصل مطلوبك بدون هذا الإنكار ..

              وذلك أن المفسرين وإن كانوا اختلفوا في أول الآية { وما قدروا الله ... إذ قالوا : ما أنزل ... } هل هم المشركون أم اليهود؟ .. إلا أنهم اتفقوا على أن { تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا } هم اليهود قولاً واحدًا . والفريق الذي ذهب إلى أن المشركين هم الذين قالوا { ما اأنزل الله ... } .. هذا الفريق لم ينكر أن { تجعلونه ... } خطابـًا لليهود على جهة استحضارهم على سبيل أسلوب الالتفات المعروف بلاغيـًا .

              فمطلوبك كان يتم بأسرع طريق لو أعرضت عن خلاف المفسرين بخصوص أول الآية، إذ غرضك { تجعلونه ... } ، وهي لليهود قولاً واحدًا .

              وكذا على القراءة بالياء المراد بـ { يجعلونه ... } هم اليهود قولاً واحدًا .



              نأتي الآن لمسألة أسبقية القرآن في القول بالتحريف ..

              مفاد كلامك - وفقك الله - أنك لا تتطرق هنا إلى أول من قال بالتحريف ، وإنما عن التفاصيل التي لم تنتج إلا بعد ولادة العلوم الحديثة المتعلقة بالمخطوطات وما شابه .

              فما زال السؤال أخي الكريم : أين أولية القرآن هنا أيضـًا ؟ .. إذ القرآن لم يذكر هذه التفاصيل التي أشرت إليها .

              فتحصل مما سبق :
              أن الأولية إذا كانت في دعوى التحريف ، عورض هذا بدعوى التحريف المنسوبة إلى طوائف قبل القرآن ..
              وإذا كانت الأولية في التفاصيل ، فالقرآن لم يذكر التفاصيل .


              ولكني أتحدث عن علم ظهر حديثا , هو علم دراسة المخطوطات , وتقسيمها الى مجموعات , ودراسة تطورها , ونصوصها , وظهور علم النقد النصي لها . وإكتشاف مخطوطات تعود لما قبل نزول القرآن الكريم.
              ... ... ...
              لم يقم عالم بدراسة متخصصة لنصوص تلك المخطوطات, واظهار الامثلة العلمية على ذلك.
              2- لم يكن العلماء على دراية بمصطلح ( أبوكريفا) واشتقاقه التاريخي.
              فالقرآن لم يذكر تقسيم المخطوطات إلى مجموعات ، ولا ضرب الأمثلة العلمية التفصيلية على ذلك ، ولا ذكر مصطلح (أبوكريفا) ولا بين اشتقاقه .. فإن كانت الأولية متعلقة بهذه التفاصيل ، فالقرآن لم يذكرها .. وإن كانت متعلقة بنتيجتها وهي القول بالتحريف ، عورض هذا بوجود دعوى التحريف قبله .

              لكن اليوم مثلا لدى اكتشاف العلماء لمخطوطات تعود للقرن الاول ( مخطوطات البحر الميت) تأكد بصدق الاعجاز التاريخ الفريد للآية الشريفة , حيث تبين حدوث التحريف منذ القدم. وهو الشيء المتعذر حدوثة قبل الإكتشافات الاخيرة.
              إن كانت الأولية في دعوى "حدوث التحريف منذ القدم"، فهو شيء لا يتعذر حدوثه إذا صح وجود دعوى التحريف قبل القرآن.
              وإن كانت الأولية في التفاصيل ، فالقرآن لم يذكر مخطوطات البحر الميت ولا غيرها .. كل ما أشار إليه القرآن هو التلاعب في الكتب التي نسميها اليوم مخطوطات .. وهو أمر ملازم لكل من ادعى التحريف قبل القرآن وبعده ، إذ هو مضمن في دعوى التحريف أصلاً .

              تعليق

              • أبو أصيل اليمني
                3- عضو نشيط

                • 28 يون, 2007
                • 351

                #8
                تعقيب...على تعقيب

                أحبتي الكرام

                السلام عليكم


                المعذرة على التأخير

                وبعد, يطيب لي أن أستمر معكم في هذا الحوار الطيب, وخاصة مع الأستاذ الكبير/ متعلم , وأختي الكريمة/ نصرة الإسلام. ومرحبا بانضمام مشرفنا العزيز/ الأمير الأحمر.

                أولا: هذا الحوار أقصد به وقبل شيء الاحتكاك بمن هم أعلى مني شرفا وعلما وسبقا في خدمة الإسلام العظيم, هذا الاحتكاك يزيد من علمي وخبرتي , وها قد أتيت بجرتي إلى بحركم أيها الحراس أغترف منه:


                لما رأيت القوم أقبل جمعهم إلى بحرك الطامي أتيت بجرّتي.


                ثانيا: جزاك الله تعالى خيرا أستاذي / متعلم على توضيحك لي بخصوص تواتر القراءة , ثم أسمح لي أن أوضح لك سبب تأكيدي أن الآية تخاطب المشركين, ولماذا أقدمت على ذلك؟. هناك إشكالات في اعتبار الآية الكريمة تخاطب المشركين:



                1 - القراء المتعارف عليها بالتاء (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً ) حيث أن المخاطب كما قلنا لا يمكن أن يكون المشركين , حيث سياق الآية الكريمة بتلك القراءة لا يسمح بوجود مخاطبين اثنين , إذ أمر الله سبحانه النبي بقوله( قل) أي قل لهم , ردا على دعواهم بإنكار تنزيل شيء من السماء. يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره :


                " ولكني أظنّ أن الذين تأوّلوا ذلك خبرا عن اليهود, وجدوا قوله: «قُلْ مَنْ الكتابَ الّذِي بِهِ مُوسَى نُورا وَهُدًى للنّاسِ يَجْعَلُونَهُ قَرَاطيسَ يُبْدُونَها ويُخْفُونَ كَثِيرا وعُلّمْتُمْ ما لَمْ تَعْلَمُوا أنْتُمْ وَلا آباؤكُمْ» فوجهوا تأويل ذلك إلى أنه لأهل التوراة, فقرءوه على وجه الخطاب لهم: تجعلونه قراطِيس تبدونها وتخفون كثيرا وعلّمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم فجعلوا ابتداء الاَية خبرا عنهم, إذ كانت خاتمتها خطابا لهم عندهم.)

                2- ما ورد في كتب التفسير من روايات تتحدث عن مقابلة النبي لبعض اليهود الذي صدر منهم هذا القول , ولا يمكن أن يكون ذلك إلا في المدينة, ولا اعتبار أن السورة مكية , إذ يمكن أن يكون منها آيات مدنية:

                أ‌- (حدثني المثنى, قال: حدثنا عبد الله بن صالح, قال: ثني معاوية, عن عليّ بن أبي طلحة, عن ابن عباس, قوله: ومَا قَدَروا اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ إذْ قَالُوا ما أنْزَلَ اللّه على بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ يعني: من بني إسرائيل. قالت اليهود: يا محمد أنزّل الله عليك كتابا؟ قال: «نعم» قالوا: والله ما أنزل الله من السماء كتابا. فأنزل الله: قُلْ يا محمد مَنْ أنْزَلَ الكِتَابَ الّذِي جاءَ بِهِ مُوسَى نُورا وَهُدًى الناس... إلى قوله: وَلا آباؤكُمْ قال: الله أنزله.)- تفسير الإمام الطبري رحمه الله تعالى.


                ب- (قوله تعالى: "إذ قالوا ما أنزل الله على بشر من شيء" قال ابن عباس وغيره: يعني مشركي قريش. وقال الحسن وسعيد بن جبير: الذي قاله أحد اليهود، قال: لم ينزل الله كتابا من السماء. قال السدي: اسمه فنحاص. وعن سعيد بن جبير أيضا قال: هو مالك بن الصيف، جاء يخاصم النبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: " أنشدك بالذي أنزل التوراة على موسى أما تجد في التوراة أن الله يبغض الحبر السمين"؟ وكان حبرا سمينا. فغضب وقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء. فقال له أصحابه الذين معه: ويحك! ولا على موسى؟ فقال: والله ما أنزل الله على بشر من شيء؛ فنزلت الآية )- تفسير الإمام القرطبي – رحمه الله تعالى.

                3- وحتى في حال القراءة بالياء فلا معنى لصرفها عن اليهود , إذ لو سلمنا أن الآية منذ بدايتها تعني اليهود ,ونزلت في المدينة , فالضمير بالياء يعود عليهم أيضا , إذ المخاطب هو النبي عليه الصلاة والسلام .

                لذلك كله _ أخي الكريم_ ظهر لي أن الآية عن اليهود منذ البداية , وكان لزاما علي أن ابتدأ بهذه النقطة , للحفاظ على وحدة الفكرة . كما أن المقال هو جزء من كتاب , وهذا الكتاب يتناول طرق صرف المنصرين للآيات القرآنية التي تؤكد تحريف الكتاب المقدس إلى معان أخرى. منها أن الآية خطابا للمشركين وليست خطابا لليهود , فإذا كان صدر الآية يخاطب المشركين , فوسطها كذلك :(تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَكَثِيراً ) , خاصة وأن القراءة في المصحف بالتاء , وهو مالا يصح.


                ثالثا: بخصوص الإعجاز التاريخي للآية الشريفة , وأسبقية القول بالتلاعب في المخطوطات لدى السابقين للإسلام. فأنت على حق أخي الكريم فيما ذهبت إليه من عدم وجود أسبقية للقول بالتحريف في هذه الآية الكريمة , فبارك الله تعالى فيك , ونفعني بنصحك وتوجيهك. لكن الآية لا تخلوا من إعجاز تأريخي :

                أ_ لاحظ أخي الكريم قوله تعالى (تجعلونه قراطيس) أي يغيرون شكله إلى قراطيس , فما هو الشكل السابق له؟؟. من المتعارف عليه اليوم أن أقدم أنواع الكتابة كانت الكتابة المسمارية حوالي 3000 ق.م. وهي نوع من الكتابة على الألواح الطينية , أو الحجرية. وهذا يتوافق تماما مع المدلول اللغوي لوصف التوراة بالصحف الأولى ( سورة الأعلى) , فالصحيفة هي الوجه المكتوب عليه, والراجح أنها الحجارة والألواح الطينية. فهذا بداية الدليل على التحريف , من تحول التوراة من ألواح حجرية وطينية إلى قراطيس كثيرة , لا تنسجم مع حجمها الصغير السابق. وتطرفت مدارس النقد للكتاب المقدس فأنكرت الكتابة رأسا , برغم وجود العديد من المسلات الحجرية.

                ب- لاحظ أخي الكريم مدى التطابق المدهش في تعريف دائرة المعارف الكتابية ( وهي خلاصة لدراسات عالمية) لكلمة ( أبوكريفا) وفضح الله سبحانه وتعالى لليهود, حيث اتهمهم الله سبحانه ( بالإخفاء) فقال: " وَتُخْفُونَ كَثِيراً ", وهو الشيء الذي أكدته دائرة المعارف لدى وضعها لخلاصة تعريفية للكلمة فقالت: " الاسم أبوكريفا : عندما أطلقت كلمة " أبوكريفا " على الكتابات الدينية ، كانت تحمل معنى أنهاقاصرة على دائرة معينة ضيقة، لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يفهموها . فالكلمة بمعنى " خفي - غامض - مبهم - عويص " _ دائرة المعارف مادة "أبوكريفا".. ولاحظ الخبث في تعريف دائرة المعارف عند قولها : " لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يفهموها" وكان الأولى أن تقول :" لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يطلعوا عليها " طالما وأنها ( خفية/ وقاصرة على دائرة معينة ضيقة).


                ج- ثم بعد ذلك تم اكتشاف المخطوطات الأثرية في البحر الميت , وبذلك توجت المعارف النظرية بالأدلة العلمية. فانظر كيف أخبرنا الله سبحانه وتعالى بالقصة في خمس كلمات فقط , وصدق الله العظيم.

                تعليق

                • متعلم
                  5- عضو مجتهد

                  حارس من حراس العقيدة
                  عضو شرف المنتدى
                  • 12 أكت, 2006
                  • 778
                  • مسلم

                  #9
                  الأخ (رشيد) وفقه الله ..

                  جزاك الله خيرًا على حسن ظنك بإخوتك.

                  إليك مزيدًا من المباحثة ..

                  هناك إشكالات في اعتبار الآية الكريمة تخاطب المشركين:
                  1 - القراء المتعارف عليها بالتاء (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً ) حيث أن المخاطب كما قلنا لا يمكن أن يكون المشركين
                  قال الآلوسي : (( ومن جعل ما تقدم للمشركين حمل هذا على الإلتفات لخطاب اليهود )) .

                  يقول الإمام الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره :
                  ... ... ... ... ...
                  الطبري رحمه الله لا يقول بأن الآية خطاب لليهود، وإنما هو يحاول كشف سبب الرأي المخالف له ، وأما قوله هو فهو أنها خطاب للمشركين ، فلو رجعت إلى الفقرة السابقة لما نقلت لوجدت قوله : (( وأولى هذه الأقوال بالصواب في تأويل ذلك، قول من قال: عني بقوله {وما قدروا الله حق قدره}: مشركو قريش.)) . ولذلك قال ابن كثير : (( قال ابن عباس ومجاهد وعبد الله بن كثير: نزلت في قريش. واختاره ابن جرير )) .

                  2- ما ورد في كتب التفسير من روايات تتحدث عن مقابلة النبي لبعض اليهود الذي صدر منهم هذا القول
                  هذا معارَض بالروايات الواردة عن بعض السلف بأنها نزلت في قريش كما مر بك . وإثبات طائفة من الروايات مع إنكار الأخرى من الصعوبة بمكان.
                  ولذلك كان الراجح عند كثير من العلماء كابن تيمية وغيره أنها خطاب للمشركين واليهود .

                  ولا اعتبار أن السورة مكية , إذ يمكن أن يكون منها آيات مدنية:
                  يلزم من (( يمكن أن يكون )) : (( يمكن ألا يكون )) . فنفس كلامك هنا يجوز أن تكون الآية مكية .
                  ثم كونها مكية أولى ، لأنه ظاهر السياق ، ولذلك احتج بهذا من جعلوها خطابـًا للمشركين ، كالطبري وغيره ، كابن عاشور الذي قال في قوله تعالى { وما قدروا الله حق قدره } : (( وجود واو العطف في مصدر هذه الجملة ينادي على أنها نزلت متناسقة مع الجمل التي قبلها، وأنها وإياها واردتان في غرض واحد هو إبطال مزاعم المشركين. فهذا عطف على جملة { فإن يكفر بها هؤلاء }، وأنها ليست ابتدائية في غرض آخر. فواو الضمير في قوله { قدروا } عائد على ما عاد إليه اسم الإشارة في قوله { هؤلاء } كما علمت آنفا. )) .

                  3- وحتى في حال القراءة بالياء فلا معنى لصرفها عن اليهود , إذ لو سلمنا أن الآية منذ بدايتها تعني اليهود ,ونزلت في المدينة , فالضمير بالياء يعود عليهم أيضا , إذ المخاطب هو النبي عليه الصلاة والسلام .
                  على قراءة { يبدونها } بالياء ، فلم يخالف أحد أنهم اليهود الذين فعلوا . إنما محل النزاع هل هم "المخاطبون" بها أم لا .
                  فعلى القراء بالياء { يبدونها } لا يكون الخطاب لليهود ؛ إذ أنها تتحدث عنهم بضمير الغائب ، فدل هذا على أن المخاطبين غيرهم .
                  وأما أن النبي عليه الصلاة والسلام هو المخاطب ، فهذا صحيح فيما يخص قوله تعالى { قل } .. لكن "القول" نفسه خطاب لغيره .
                  لاحظ أنه حتى على القراء بالياء { يبدونها } تبقى خاتمة القول خطابـًا بالتاء { وعلمتم } ..
                  وهذا معناه أن الخطاب بـ { وعلمتم } والقول كله ليس للنبي عليه الصلاة والسلام ..
                  ومعناه أيضـًا أن الخطاب هنا لغير اليهود المذكورين كغائبين .. فلزم أنهم المشركون .. هذا على القراءة بالياء .


                  وكان لزاما علي أن ابتدأ بهذه النقطة , للحفاظ على وحدة الفكرة
                  لا تظهر وجاهة هذا اللزوم. لأن "الفكرة" كامنة في قوله تعالى { تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا } ، وسواء على قراءة الياء أو التاء ، فقد اتفق العلماء والمفسرون على أن المراد هم اليهود قولاً واحدًا . فكان الأولى الاقتصار على هذا المتفق عليه ، دون الدخول في مسألة أخرى ليس عليها نفس الإجماع ، بخلاف أنها خارج الفكرة .

                  كما أن المقال هو جزء من كتاب , وهذا الكتاب يتناول طرق صرف المنصرين للآيات القرآنية التي تؤكد تحريف الكتاب المقدس إلى معان أخرى.
                  الأولى دومـًا هو التمثيل بالنماذج الواضحة المتفق عليها ، وأما تلك التي تحتاج إلى بحث وترجيح قبل استخدامها ، كالآية هنا وقولك أنها لا تقصد المشركين ، فهذه الأمثلة تضعف فكرتك ، بل تجعل القارئ يلتمس العذر للمنصرين ؛ لأنك تخبره بنفسك أن من المفسرين أنفسهم من قالوا بقول المنصرين ، فكأنك تسعى لالتماس العذر لهم لا إدانتهم .




                  أ_ لاحظ أخي الكريم قوله تعالى (تجعلونه قراطيس) أي يغيرون شكله إلى قراطيس , فما هو الشكل السابق له؟؟. من المتعارف عليه اليوم أن أقدم أنواع الكتابة كانت الكتابة المسمارية حوالي 3000 ق.م. وهي نوع من الكتابة على الألواح الطينية , أو الحجرية. وهذا يتوافق تماما مع المدلول اللغوي لوصف التوراة بالصحف الأولى ( سورة الأعلى) , فالصحيفة هي الوجه المكتوب عليه, والراجح أنها الحجارة والألواح الطينية. فهذا بداية الدليل على التحريف , من تحول التوراة من ألواح حجرية وطينية إلى قراطيس كثيرة , لا تنسجم مع حجمها الصغير السابق.
                  في كلامك أن لفظ "الصحف" أولى بالألواح الطينية من القراطيس .. وهذا مستبعد .. بل العكس أولى .. ألا ترى أن المفسرين فسروا { قراطيس } في آيتنا هنا بالصحف ؟! .. بل فسروا لفظ "الصحف" في آيات أخرى ، كقوله تعالى { صحفـًا منشرة } ، بالقراطيس . دع عنك أن الله لما وصف ما كتبه لموسى عليه السلام قال { وألقى الألواح } لا الصحف ولا القراطيس .

                  ثم في كلامك كأن العيب عليهم في تحول التوراة من الألواح إلى القراطيس الكثيرة ؛ إذ لازم ذلك عندك الزيادة نظرًا لأن حجم الألواح صغير والقراطيس الكثيرة كبيرة .

                  وهذا "التحول" ليس موجودًا في النص القرآني هنا ، لا ظاهرًا ولا استنباطـًا .

                  وأما قوله تعالى { تجعلونه قراطيس } فليس المراد ذمهم لأجل هذا فقط كما نبه المفسرون ، وإنما قال تعالى { تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا } ، فالذم على كامل الوصف لا على مجرد القراطيس .. فليس المراد أنها لم تكن قراطيس ثم جعلوها قراطيس فيستحقون الذم لأجل هذا .. كلا .. فهذا لم يقل به أحد من المفسرين والله أعلم .. وإنما المعنى أنها كانت قراطيس ، فهم جعلوها قسمين : قراطيس يبدونها ، وقراطيس كثيرة يخفونها .. هذا محل الذم .



                  لاحظ أخي الكريم مدى التطابق المدهش في تعريف دائرة المعارف الكتابية ( وهي خلاصة لدراسات عالمية) لكلمة ( أبوكريفا) وفضح الله سبحانه وتعالى لليهود, حيث اتهمهم الله سبحانه ( بالإخفاء) فقال: " وَتُخْفُونَ كَثِيراً ", وهو الشيء الذي أكدته دائرة المعارف لدى وضعها لخلاصة تعريفية للكلمة فقالت: " الاسم أبوكريفا : عندما أطلقت كلمة " أبوكريفا " على الكتابات الدينية ، كانت تحمل معنى أنهاقاصرة على دائرة معينة ضيقة، لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يفهموها . فالكلمة بمعنى " خفي - غامض - مبهم - عويص "_ دائرة المعارف مادة "أبوكريفا".. ولاحظ الخبث في تعريف دائرة المعارف عند قولها : " لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يفهموها" وكان الأولى أن تقول :" لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يطلعوا عليها " طالما وأنها ( خفية/ وقاصرة على دائرة معينة ضيقة).
                  أما اتهام (دائرة المعارف الكتابية) هنا بالخبث فغير ظاهر ، لأنهم نبهوا في نفس المحل على أن اللفظ شمل خفاء الشيء أيضـًا لا مجرد المعنى.

                  جاء في نفس الموضع بعد كلامك مباشرة : (( كان هناك نوعان من المعرفة عند اليونانيين القدماء : النوع الأول يشمل عقائد وطقوساً عامة لكل الناس ، أما النوع الثاني فكان يشمل عقائد وطقوساً غامضة عويصة لا يفهمها إلا فئة متمَّيزة خاصة ، ولذلك بقيت " مخفية " عن العامه . ...
                  ويمكن أن نفهم كيف بدأت مثل هذه الكتابات في الكنيسة الشرقية ، متى علمنا أن كثيرين من أتباع الفلسفة اليونانية ، قبلوا الإيمان المسيحي ، وكان من الطبيعي أن ينظروا إليه من خلال الفلسفة القديمة . وقد رأى الكثيرون منهم بعض المعاني الصوفية في الأسفار القانونيــــة ، فضمنوا هذه المعاني كتباً خاصة موجهة لفئة متميزة )) .

                  فبعدما أصلت (الدائرة) معنى اللفظ لغويـًا ، وأنه يشير إلى خفاء المعنى وغموضه ، ذكرت أنه عند استخدام اللفظ فعليـًا شملت دلالته "إخفاء" النص ذاته ، وبينوا العلاقة بين "خفاء" النص و"إخفائه" . فلا لوم عليهم هنا .

                  وأما أن اللفظة القرآنية { تخفون } نبهت على معنى "إخفاء النص" في "أبوكريفا" ، فبعيد يحتاج إلى مجهود في التقريب . وذلك أن "أبوكريفا" لو كانت هي إخفاء النص الصحيح الذي قصده القرآن ، لوجب أن نصوص "الأبوكريفا" هي المنزلة ، وهذا بعيد باتفاق .

                  لكن حتى لو قربنا البعيد وكانت اللفظة القرآنية منبهة على المعنى ، فهل في هذا إعجاز ؟! .. بالطبع لا .. لأن التنبيه على إخفاء النصوص لازم لدعوى التحريف ذاتها ، إذ لا يمكن اتهام شخص بالتحريف إلا وضمنه اتهامه بإخفاء القول الحق .. فسواء صدرت دعوى التحريف عن القرآن أو عن غيره ، فهي تتضمن تهمة إخفاء النصوص بلا ريب .


                  ج- ثم بعد ذلك تم اكتشاف المخطوطات الأثرية في البحر الميت , وبذلك توجت المعارف النظرية بالأدلة العلمية. فانظر كيف أخبرنا الله سبحانه وتعالى بالقصة في خمس كلمات فقط
                  أما مخطوطات البحر الميت ، فلم تفتح بابـًا كان مغلقـًا ، ولم تنبه على شيء كان مجهولاً بالكلية ، فإن تخالف المخطوطات أمر معروف قبل القرآن ذاته .

                  وأما أن القرآن أخبر بالقصة .. فالسؤال : أية قصة ؟! ..
                  إن كانت هي دعوى التحريف بتفاصيلها ، فهذه لم يخبر بها القرآن ..
                  وإن كانت هي دعوى التحريف إجمالاً بما تتضمنه من إخفاء ، فهذه كانت قبل القرآن ..

                  وأما إن كنت تقصد أن الإعجاز هنا هو في صياغة دعوى التحريف في خمس كلمات فقط ، فهذا يحتاج إلى بيان أوسع وأعمق مما ذكرتم ، لأن ما ذكرتموه من المعاني يمكن تأديتها بأقل من هذه الخمس .. وإنما تستبين بلاغة الإيجاز بتعديد المعاني أولاً، ثم بيان شمولها تحت الألفاظ المذكورة، وأن غيرها لا يقوم مقامها ، وهذا يحتاج إلى بيان شافٍ كما قلت.

                  وفقكم الله ورعاكم .

                  تعليق

                  • الأمير الأحمر
                    مشرف شرف المنتدى

                    • 29 أكت, 2008
                    • 969
                    • خاص
                    • مسلم

                    #10
                    بسم الله الرحمن الرحيم

                    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                    زادكم الله علماً وفضلاً إخوتي في الله. أنا مستمتع جداً بهذا النقاش الجميل الذي أتعلم منه بفضل الله ثم علمكم الكثير.

                    سأستأذنكم في نقل هذا النقاش الجميل إلى القسم الإسلامي حيث مكانه، وأنا متابع أيضاً إن شاء الله.

                    وفقكم الله وجعله في ميزان حسناتكم.
                    لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم


                    Truth Knights' Forum - Comparative Religions in English

                    مُنتدى الرّامي المُسلِم

                    شاهد الآن - المسيحية للمسيحيين!

                    قسم الرد على القص واللصق! - إستحالة تحريف الكتاب المقدس

                    تعليق

                    • أبو أصيل اليمني
                      3- عضو نشيط

                      • 28 يون, 2007
                      • 351

                      #11
                      توضيحات ضرورية

                      السلام عليكم

                      بارك الله تعالى فيك أخي الكريم

                      وعذرا على التأخير.

                      من اجل تحديد نطاق حوارنا الطيب , بحيث لا يخرج إلى قضايا جديدة متشعبة , أحاول أن أحصر ما تشعب من نقاش معك كالتالي:


                      أولا: نحن متفقان على أن الخلاف بين المفسرين في من هو المخاطب : (اليهود / المشركون / كلاهما )؟.

                      ثانيا: نحن متفقان على أن الحديث يدور حول تحريف اليهود للتوراة (في وسط الآية).

                      ثالثا: اختلافنا- أخي الكريم - يدور حول التالي:

                      أ- لزوم الإصرار على أن الآية تخاطب اليهود فقط , وكذلك صحة التوجيه بذلك ( معايير الترجيح ).

                      ب- ما هو نطاق ذم اليهود: هل هو فقط الإبداء والإخفاء لنصوص التوراة أم جعلها قراطيس أيضا؟؟

                      ج- هل (الصحف) تعني قراطيس أم ألواح حجرية؟؟

                      د- حول كلمة أبوكريفا , وموقف دائرة المعارف الكتابية , ومدلولات اكتشاف مخطوطات البحر الميت.


                      هذه أربعة مواضيع هي ما أراه من نقاط اختلاف بيننا إلى الآن , فإن كنت قد قصّرت في حصرها , فالنصيحة مطلوبة.

                      ------------------------------------------------------


                      الموضوع الأول:



                      لزوم الإصرار على أن الآية تخاطب اليهود فقط , وكذلك صحة التوجيه بذلك ( معايير الترجيح ).


                      إعلم أخي الكريم أن الاختلاف بين المفسرين القدامى رحمهم الله سبحانه , دار حول من هو المخاطب في هذه الآية الكريمة على ما أشرنا إليه آنفا , بل وأزيدك من الشعر بيتا أنهم اختلفوا حتى في خاتمتها أيضا هل هم المشركين أم اليهود أم المسلمين ؟. وأعني بذلك قوله تعالى : (وَعُلّمْتُمْ مّا لَمْ تَعْلَمُوَاْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ ) . وأنت قد اتخذت جانب من رجح أن الآية خطاب للمشركين, وكانت حجج من قال بذلك كالتالي:

                      1- أن الآية تتحدث عن قوم ينكرون الرسالات .

                      2- أن السورة مكية.

                      3- حرف العطف ( الواو) يدل على ما عطفت الآية عليه من قبل , أي الحديث عن المشركين.

                      4- القراءة المتواترة الأخرى بالياء.

                      هذه أخي الكريم هي خلاصة أدلة من قال بأن الآية الكريمة تخاطب المشركين , وإليك أخي الكريم الرد على هذه الأدلة :

                      1- بالنسبة للدليل الأول فقد بينا أن القول بإنكار الرسالات قد صدر من اليهود وليس من المشركين , وقد وردت الرويات المؤيدة لذلك . وقد شرحنا الأسلوب القرآني في اتهام فرد أو جماعة صغيرة من اليهود , وكيف نسب ذلك لليهود بصفة عامة , بسبب تضامنهم المعنوي مع القائل , وكيف أن القرآن الكريم قال : (إِذْ قَالُواْ) ولم يقر أنها عقيدة لديهم. وهذا الأسلوب كثير في القرآن الكريم , من ذلك قوله عزّ و جل عن جبريل- عليه السلام- : {إِذْ قَالَتِ الْمَلآئِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِّنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ }- آل عمران45. ومعروف أن جبريل هو القائل المبشر كما في سورة مريم عليها السلام.

                      أما قولك الكريم واعتراضك على الرويات التي تتحدث عن جماعة اليهود :

                      " هذا معارَض بالروايات الواردة عن بعض السلف بأنها نزلت في قريش كما مر بك . وإثبات طائفة من الروايات مع إنكار الأخرى من الصعوبة بمكان"

                      فهذا لا يصح من وجهين , فأولا لا يوجد روايات تحكي صدور ذلك القول من جماعة من المشركين , بل جاءت الرويات تحكي بوضوح وبأسماء واضحة عن جماعة يهود المدينة. نعم وردت أراء عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما أنها نزلت في المشركين , لأنهم ينكرون الرسالات عموما , لكن لا يوجد روايات على الإطلاق. الروايات في كتب التفسير تحكي عن اليهود فقط.

                      وثانيا: صحيح هناك بعض الصعوبات في الموضوع , ولكن لا يوجد صعوبة مانعة من الترجيح أخي الكريم.


                      وخلاصة الدليل الأول أن لكل فريق حجته , ولكن الرأي القائل أنها نزلت في اليهود أصح للأسباب التالية:

                      أ- الروايات التي تحكي بالتفصيل ما صدر من اليهود. ولا وجود لروايات مماثلة عن المشركين.

                      ب- القراءة الثابتة بالتاء , فهي مؤيده بقوة لمن قال أن الخطاب لليهود من أول الآية :

                      قد أوردنا قول الإمام الطبري رحمه الله تعالى الذي أوردناه سابقا , وبرغم أن الإمام الطبري رجح أن الخطاب للمشركين لا لليهود , إلا أن ذلك يرجع إلى قوله أن القراءة بالياء أصوب من التاء. ولكنه عند الحديث عن القراءة بالتاء اعترف بوضوح فكرة القائلين بخطابها لليهود.

                      ويقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى عند تفسير هذه الآية الكريمة :

                      "والوجه على قراءة التاء أن يكون كله لليهود، ويكون معنى "وعلمتم ما لم تعلموا" أي وعلمتم ما لم تكونوا تعلمونه أنتم ولا آباؤكم على وجه المن عليهم بإنزال التوراة ".

                      ويقول تفسير الجلالين :

                      "(وما قدروا) أي اليهود (الله حق قدره) أي ما عظموه حق عظمته أو ما عرفوه حق معرفته (إذ قالوا) للنبي صلى الله عليه وسلم وقد خاصموه في القرآن (ما أنزل الله على بشر من شيء قل) لهم (من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس يجعلونه) بالياء والتاء في المواضع الثلاثة ".

                      وسنتحدث بعد قليل عن وجه القراءة بالياء , وكيفية الجمع بين القراءتين.

                      -------------------------------

                      2- بالنسبة للدليل الثاني من أن السورة مكية , فقد سبق التوضيح لك أخي الكريم من انه لا يوجد مانع من أن تكون السورة مكية وفيها آيات مدنية , واعترضت أنت بالقول:

                      " يلزم من (( يمكن أن يكون )) : (( يمكن ألا يكون )) . فنفس كلامك هنا يجوز أن تكون الآية مكية ."


                      ونخرج من هذا أن هذا الدليل لا يصح , لتطرق الاحتمال إليه , إذ ما تطرقإليه الاحتمال، سقط به الاستدلال.


                      وبهذا يسقط دليل آخر من أدلة القائلين بترجيح الخطاب للمشركين , وسنتحدث بعد قليل عن سياق الآية الكريمة وعن ( واو) العطف فيها.

                      --------------------------




                      3- أما عن واو العطف في بداية الآية الكريمة , وأن سياق الحديث عن المشركين. فنجيب عليه بالتالي:


                      أ- يجوز في اللغة أن يكون الواو للابتداء لا للعطف.

                      ب- أما من حيث سياق الآيات , فالحديث عموما لا يحدد طرفا بعينه , ولو حدد طرفا بعينه لما وجد الخلاف أصلا. ولكن من حيث الآيات السابقة للآية الكريمة , فلا يوجد ما يعطي دلالة أكيدة أن الحديث كان عن المشركين , بل الحديث كان يدور حول أنبياء بني إسرائيل , وهو ما يعطي انطباعا أن الحديث كان عن بني إسرائيل أصلا:

                      " وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86) وَمِنْ آَبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (87) ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88) أُولَئِكَ الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) " الأنعام.

                      فهذه الآيات تنطق بسيرة أنبياء اليهود , ومنهم من رفضوه كعيسى , ويؤمر النبي الكريم بالاقتداء بهم , وأن لا ييأس من كفر الناس. ويظهر بوضوح الإشباع في الحديث عن أنبياء اليهود في الآيات السابقة.


                      فالسياق إن كان يؤيد فكرة , فهو يؤيد مجرى الحديث عن بني إسرائيل و اليهود , لا طرفا آخر.



                      ---------------------------------


                      4- وعن رابع الأدلة , ونعني بذلك القراءة بالياء في الآية الكريمة. فالرد على ذلك من وجوه :


                      الوجه الأول: سبق وقلنا أن القراء ة بالياء لا تنفي نزولها في اليهود , فالمخاطب هو النبي – صلى الله تعالى عليه وسلم – ويكون الحديث عنهم من أول الآية بصيغة الغائب , فيكون تقدير الآية :

                      " ما قدر اليهود الله سبحانه وتعالى حق القدر والتعظيم الذي يستحقه , عندما قالوا ( جماعة منهم) أن الله سبحانه لم ينزل شيء من الكتب إلى الناس , فقل لهم يا محمد : إذا فمن أنزل توراة موسى التي تؤمنون بها , والتي جعلتموها قراطيس, تبدون منها القليل وتخفون الكثير ".

                      فيكون الحديث عنهم بصيغة الغائب من أول الآية حتى نهايتها , ما عدى الخاتمة فهي خطاب للمسلمين , كما قال القرطبي رحمه الله تعالى :

                      "قوله "وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم" للمسلمين. وهذا يصح على قراءة من قرأ "يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون" بالياء "


                      فالقراء بالياء لا تنفي نزول الآية في اليهود من أي جهة , ولا تؤكد نزولها في المشركين كذلك, فكلا الوجوه جائزة .



                      الوجه الثاني: أن القراءة بالتاء واضحة كل الوضوح في جعل اليهود مخاطبين من أول الآية الكريمة , ونقلنا سابقا كلام بعض العلماء في ذلك. ولذلك واجه القائلون بنزول الآية في المشركين صعوبة أمام صيغة المخاطبة الواضحة , ولذلك لجئوا للقول بالالتفات في الآية الكريمة , أي انتقال صيغة المخاطب من شخصية إلى أخرى.

                      وهذا الأمر وإن كان صحيحا في اللغة , إلا انه يحمل الكثير من التكلف , فلا يصح الاحتجاج على قوم بعقائد من طائفة أخرى , فالمشركون إذا كانوا فعلا أصحاب القول (مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ) فكيف يحتج عليهم بعد ذلك بكتاب نزل من السماء ؟؟!!

                      دع عنك كون بعض المشركون كان يصدق بعض كلام اليهود , أو حتى يكن الاحترام لهم , فهذا ليس من باب الإيمان والعقائد بحيث يحتج بها على صاحبه , بل هو من باب أن المشركين كانوا يعترفون بأنهم أمة أميّة لا تقرأ ولا تكتب عكس اليهود أهل كتاب , أي أمة تقرأ وتكتب.

                      الوجه الثالث: سهولة الجمع بين مختلف القراءات. فالقائل بنزولها في المشركين , يترك ذلك في وسط الآية عند القراءة بالتاء , ويقول أن الخطاب صار لليهود , ثم يعود فيقدم رأيا مختلفا عند القراءة بالياء , فيقول أن جميع الخطاب للمشركين. لكن الرأي القائل بنزولها في اليهود لا يوجد فيه هذا التعارض. فهي نزلت في اليهود سواء كانت القراءة بالتاء أو بالياء.

                      ----------------------------------------


                      رابعا : سبق وقلت لك أخي الكريم , أن إصراري وتمسكي لكون الآية الكريمة نزلت في اليهود يعود لفائدتين :

                      أ- وحدة الفكرة وبساطتها: فاعتبار الآية من أولها تخاطب اليهود , خاصة وأن القراءة المنتشرة في المصاحف بالتاء , يخدم سهولة توصيل الفكرة , ووحدتها , بدون الدخول في تفاصيل الاختلافات بين المفسرين رحمهم الله تعالى , ويجنبنا كذلك التكلف بالحديث عن الالتفاف في الآية من مخاطب إلى آخر, خاصة ونحن غير مقتنعين بالفكرة. فقدمنا فكرة سهلة للقارئ , وأشرنا بهدوء إلى رأي بعض المفسرين . أما من الناحية العلمية فلم نخرج قط عن أراء المفسرين.


                      ب- قلت في مشاركتي السابقة أن المقال جزء من كتاب يرد على المنصرين وعادتهم في صرف معاني الآيات الكريمة التي تتحدث عن التحريف إلى معاني أخرى , مستغلين أدنى إشارة أو رأي حتى ولو كان ضعيفا وفاسدا للوصول إلى هدفهم وتقديم صورة مشوهة عن الآية. وإذ كان من الواجب على من كتب عن النصارى والرد عليهم أن يكون خبيرا بعاداتهم المشبوهة , واستخدام أقصى درجات الحذر والوضوح. كان من المنطقي تضعيف رأي قد يستخدم لغرض سيء , فقد يأتي أحدهم ويقول أن الآية خطابا للمشركين , ولا تعني اليهود. بل قد يهرج ويقول أن المشركين كان لديهم نسخ من توراة اليهود يخفونها ويظهرون بعضا منها عند النقاش مع النبي .

                      وقد تستغرب من هذا التهريج , ولكنه والله طريقتهم المعروفة , وكلنا يعلم ذلك جيدا.


                      أما قولك الكريم معترضا على ذلك : " فهذه الأمثلة تضعف فكرتك ، بل تجعل القارئ يلتمس العذر للمنصرين ؛لأنك تخبره بنفسك أن من المفسرين أنفسهم من قالوا بقول المنصرين ، فكأنك تسعىلالتماس العذر لهم لا إدانتهم . "


                      فيه من الظلم للمقال وصاحبه , فهؤلاء هم المنصرون وها هي كتبهم تستغل أدنى رأي لأي مفسر في إثبات حججهم , وهم ليسوا منتظرين لي أو لمقالي كي يؤكدوا آراءهم من تفاسير المسلمين. فهم قد فعلوا وما زالوا , وليس ببعيد عنا استشهادهم بتفاسير الجلالين والرازي وغيرهم.

                      أما مقالي يا أخي الكريم فلم أذكر فيه تطابق أقوال المفسرين مع أراء المنصرين. بل أوضحت لك ذلك في تعقيبي الذي كان ردا على تساؤلك. لذلك من الظلم قولك : " لأنك تخبره بنفسك أن من المفسرين أنفسهم من قالوا بقول المنصرين " !!!.

                      -------------------------------------------




                      الموضوع الثاني:




                      ما هو نطاق ذم اليهود: هل هو فقط الإبداء والإخفاء لنصوص التوراة أم جعلها قراطيس أيضا؟؟



                      كان من ضمن ما طرحتُ في تعقيبي أن قوله تعالى : " تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ" هو ذم لليهود , حيث هي إشارة إلى تحول التوراة من كتاب كتب على حجارة إلى كتاب كتب في قراطيس , ظلت تتكاثر تدريجيا حتى وصلت إلى قراطيس كثيرة جدا.
                      وقد اعترضت على ذلك أخي الكريم على ذلك بالقول:

                      " ثم في كلامك كأن العيب عليهم في تحول التوراة من الألواح إلى القراطيس الكثيرة ؛ إذ لازم ذلك عندك الزيادة نظرًا لأن حجم الألواح صغير والقراطيس الكثيرة كبيرة . وهذا "التحول" ليس موجودًا في النص القرآني هنا ، لا ظاهرًا ولا استنباطـًا.

                      وأما قوله تعالى { تجعلونه قراطيس } فليس المراد ذمهم لأجل هذا فقط كما نبه المفسرون ، وإنما قال تعالى { تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرًا } ، فالذم على كامل الوصف لا على مجرد القراطيس .. فليس المراد أنها لم تكن قراطيس ثم جعلوها قراطيس فيستحقون الذم لأجل هذا .. كلا .. فهذا لم يقل به أحد من المفسرين والله أعلم .. وإنما المعنى أنها كانت قراطيس ، فهم جعلوها قسمين : قراطيس يبدونها ، وقراطيس كثيرة يخفونها .. هذا محل الذم ." – انتهى.



                      والرد على هذا الاعتراض من وجوه :


                      الأول: إذا لم تكن جملة " تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ" ذما , فما هي إذا ؟. ما فائدتها في النص ؟؟. دعك من كونها تحكي وصفا لكتاب , بل السؤال هنا ما هو الغرض من ورودها ؟ ماذا تحمل من فائدة ( ذم / مدح / عتاب / تحذير...الخ) ؟؟؟؟


                      الثاني: جرى الأسلوب القرآني على عادة نسبة أفعال الخير إلى الله سبحانه , ونسبة العيب إلى العباد. ويؤكد النبي عليه الصلاة والسلام ذلك المعنى بالقول " الخير منك , والشر ليس إليك". وبرغم أن الله سبحانه وتعالى هو خالق الخير والشر , إلا انه لا تجوز نسبة الشر إليه سبحانه.

                      وهذا الأسلوب ظاهر في العديد من الآيات القرآنية الشريفة. ولكني هنا سوف أحصر أمثلتي لك على نفس الكلمة التي وردت في النص محل الخلاف , وهي ( يجعلون/ تجعلون ) حيث نسبت إلى العصاة حينما دلت على رفض الله سبحانه لعملهم:

                      1- {أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصْابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ }البقرة: 19.

                      2- {الَّذِينَ يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلـهاً آخَرَ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ }الحجر: 96.

                      3- {وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمَّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَفْتَرُونَ }النحل:56.

                      4- {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُم مَّا يَشْتَهُونَ }النحل:57.

                      5- {وَيَجْعَلُونَ لِلّهِ مَا يَكْرَهُونَ وَتَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنَى لاَ جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ الْنَّارَ وَأَنَّهُم مُّفْرَطُونَ }النحل:62.

                      6- {قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ }فصلت: 9.

                      7- {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ }الواقعة: 82.


                      ولكنها نسبت إلى الله سبحانه وتعالى عندما كان الفعل خيرا , حتى ولو كانت عقوبة للعصاة فهو خير كذلك , أو كانت تعني حقيقة هيئها الله سبحانه , أو تقريرا لحقيقة لفائدة واضحة :


                      1- " وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْر ٌ" – الحج: 36.

                      2- {وَقَوْمَ نُوحٍ لَّمَّا كَذَّبُوا الرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلنَّاسِ آيَةً وَأَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ عَذَاباً أَلِيماً }الفرقان: 37.

                      3- {وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ }القصص:41.

                      5- {فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ }العنكبوت: 15.

                      6- {وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ }السجدة: 23.

                      7- {وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنْ الْعُيُونِ }يس: 34.


                      فتأمل كيف نسب الله تعالى لهم الفعل في قوله سبحانه: { تجعلونه قراطيس } , ولو كان خيرا لقال : " جعلناه قراطيس" , كما نسب إليه ذلك في حق القرآن الكريم. فهو قد نسب إلى نفسه سبحانه ( جمع القرآن الكريم وبيانه ) بالرغم أنها من أفعال العباد ( القيامة) :


                      إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآَنَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآَنَهُ (18) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ (19)




                      ثالثا: لست الوحيد الذي فهم من قوله تعالى { تجعلونه قراطيس } الذم لليهود , بل طائفة من العلماء كذلك فهموا هذا أيضا. وتأمل معي ما قاله القرطبي رحمه الله سبحانه وتعالى في تفسيره:

                      " وجعلت التوراة صحفا فلذلك قال "قراطيس تبدونها" أي تبدون القراطيس. وهذا ذم لهم ؛ ولذلك كره العلماء كتب القرآن أجزاء."


                      ولماذا كره بعض العلماء كتابة القرآن في أجزاء؟؟ , لأنهم فهموا من قوله تعالى { تجعلونه قراطيس } أنه ذم لليهود , ولجعل الكتب المقدسة في قراطيس متناثرة. ولذلك كرهوا ذلك. ولم يكرهوا فقط الإبداء والإخفاء , بل كرهوا مجرد جعل القرآن أجزاء وقراطيس.


                      فتأمل أخي كيف نفيت أن يكون العلماء قد أشاروا إلى ذلك , بل حتى نفيت مجرد القدرة على الاستنباط!!!.


                      -------------------------------------


                      الموضوع الثالث:



                      هل (الصحف) تعني قراطيس أم ألواح حجرية؟؟



                      نقطة أخرى أثرت اعتراضا عليها عن استدلالي بوصفه تعالى للتوراة بصحف موسى , وأنها تعني الحجارة, فقلت :

                      " في كلامك أن لفظ "الصحف" أولى بالألواح الطينية من القراطيس .. وهذا مستبعد .. بل العكس أولى .. ألا ترى أن المفسرين فسروا { قراطيس } في آيتنا هنا بالصحف ؟! .. بل فسروا لفظ " الصحف " في آيات أخرى ، كقوله تعالى { صحفـًا منشرة } ، بالقراطيس . دع عنك أن الله لما وصف ما كتبه لموسى عليه السلام قال { وألقى الألواح } لا الصحف ولا القراطيس." .


                      اعتراضك أخي الكريم هنا مبني على فهم خاطئ لمعنى الصحف. فأنت ترى أنها تعني القراطيس فقط , وهذا خطأ.


                      فالصحف , ومفردها صحيفة تعني : الوجه الذي كتب عليه , سواء كان هذا الوجه لوحا طينيا أو حجريا أو ورقا ( قرطاسا ) :

                      1- " الصحيفة : ما يكتب فيه من ورق ونحوه. ويطلق على المكتوب فيها صحف . وفي التنزيل العزيز: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى . صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى" ...... وصحيفة الوجه بشرته. "– المعجم الوسيط.

                      2- " الصحيفة: التي يكتب فيها ، والجمع صَحائفُ وصُحُفٌ وصُحْفٌ. وفي التنزيل: إن هذا لفي الصُّحُفِ الأُولى صُحُفِ إبراهيم وموسى؛ يعني الكتب المنزلة عليهما، صلوات اللّه على نبينا وعليهما .................. يجوز أَن يكون جمع صحيفة التي هي بشرة جلده، ويجوز أَن يكون أَراد بالصحيف الصحيفة. والصَّحيف: وجْه الأَرض " – لسان العرب.


                      3- " صحف: الصاد والحاء والفاء أصل صحيح يدل على انبساط في شيء وسعة. يقال أن الصحيف : وجه الأرض , والصحيفة بشرة وجه الرجل.........قال الشيباني: الصّحاف مناقع صغار تتخذ للماء , الجمع صُحُف " – معجم مقاييس اللغة.


                      والصحيفة أخي الكريم قد تكون صفحة أيضا , والصفحة تجمع بنفس جمع الصحيفة في أحد صورها وهي " الصّحافُ " كما ذكر معجم مقاييس اللغة آنفا. وقد وردت في كتاب الله تعالى بمعنى " القصعةالعريضة " وهي من المعادن وليست من القراطيس.


                      وقد ترد الصحيفة والصفيحة بمعنى واحد كما في اللسان : " وصَفِيحةُ الوجه: بَشَرَةُ جلده. " وهي كما مر بك من معاني الصحيفة والصحف .

                      ويزيد صاحب لسان العرب المعنى إيضاحا :

                      " والصَّفِيحة: السيف العريض؛ وقال ابن سيده: الصَّفيحة من السيوف العريضُ. وصَفائِحُ الرأْس: قبائِلُه، واحِدتُها صَفيحة. والصفائح: حجارة رِقاقٌ عِراض، والواحد كالواحد................. وصَفائح الباب: أَلواحه. والصُّفَّاحُ من الإِبل: التي عظمت
                      أَسْنِمَتُها فكادَ سنامُ الناقة يأْخذ قَراها، جمعها صُفَّاحاتٌ وصَفافيح. وصَفْحَة الرجل: عُرْضُ صدرِه."


                      لذلك كله أخي الكريم جاز إطلاق الصحف على معنى غير القراطيس وعلى القراطيس أيضا كما ذكرت عن آية المدثر , فهي كل ما يمكن أن يكتب عليه , حتى عد العلماء وجه الأرض صحيفة كما أوضحنا. وكان الأولى بك أن تسأل عن سبب ترجيح ذلك , لا أن تنكر المعنى رأسا. وإنما ارتأينا أن معنى الصحف في الآية الكريمة يعني ما كتب عليه من الحجارة للأسباب التالية:


                      أ- تاريخيا: حسب ما لدينا من سجلات أثرية بشرية , وإذا اعتمدنا على التاريخ المفترض لزمن موسى عليه السلام حوالي 1500 قبل الميلاد , فلم تعرف البشرية غير الألواح الحجرية والطينية للكتابة. ولم تكن قد ظهرت أي كتابة على أي نوع من القراطيس. يظهر هذا بوضوح من عدم اكتشاف أي مواد كتابية أثرية أخرى.


                      تقول دائرة المعارف الكتابية ( مادة " كتب- كتابة) :
                      " ثانياً :مواد الكتابة: لقد استخدم الإنسان أي سطح أملس للكتابة عليه، فاستخدم :
                      (1)- الحجر: فكانت تنقر الكتابة علي سطوح الأحجار والصخور (انظرأي19: 24)سواء كانت علي شكل ألواح أو أعمدة أو مسلات أو سفوح جبال أو حوائط المعابد أو القبور (انظر إش22: 15-19)،أو أحجار المذابح (يش8: 32،تث27: 2و3). وقد نقش حمورابي شريعته علي لوحين "بأصبع الله" (خر32: 16)وكلمة "لوح" (وهي بنفس اللفظ في العبرية )تدل علي شكل اللوح المستطيل أكثر مما تشير إلي مادته.
                      (2)- ألواح الكتابة :لعل الألواح التي كتب عليها إشعياء (8: 1 ، 30: 8)، وحبقوق (2: 2)كانت من الخشب أو العاج ، لها حافة لحفظ طبقة الشمع التي كانت تغطي بها للكتابة عليها .وكان يمكن تثقيب هذه الألواح من أحد جوانبها ووصلها بمفصلات بغيرها لتكوين ما يشبه الكتاب . وأقدم صورة لهذه الألواح وجدت في "نمرود" (أشور). وترجع إلي نحو 705ق.م. وكانت أمثال هذه الألواح تستخدم في العصور اليونانية والرومانية (انظر لو1: 63).
                      (3)-القوالب الطينية : مثل تلك "اللبنة" التي رسم عليها حزقيال النبي مدينة أورشليم (حز4: 1). وكانت الكتابة علي القوالب الطينية واسعة الانتشار في بابل ، لعدم توفر الأحجار والصخور. "

                      ب - إشارات القرآن الكريم : يستخدم القرآن الكريم أوصافا تشير إلى قدم التوراة , وبعض المواد المستخدمة للكتابة. كما يقرنها بوصفها نوعا من الصحف مع صحف إبراهيم عليه السلام ( حوالي 2200 قبل الميلاد ) :
                      فتحدث عن الألواح التي حملها موسى معه عند لقاء الله سبحانه : {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ }الأعراف145
                      ولاحظ هنا كيف أطلق على الألواح نفس أوصاف التوراة المنزلة ( هدى ورحمة) :
                      {وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ }الأعراف154
                      كما قرنها مع صحف إبراهيم عليه السلام وهو الذي عاش في زمن موغل في القدم , وسماها الصحف الأولى , دلالة على مدى قدمها : {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى }


                      ج- إشارات التوراة الحالية : " وتكتب على الحجارة جميع كلمات هذا الناموس نقشا جيدا " – الخروج 8:27. (svd)


                      فلهذه الأسباب أخي الكريم رجحنا أن المقصود بالصحف في الآية الكريمة هي شيء مكتوب على ألواح طينية وحجرية. ولذلك أشار القرآن الكريم إلى أن عمليات تحويلها إلى قراطيس ساهم جدا في عمليات التحريف وسهولته.

                      ---------------------------------------------------



                      الموضوع الرابع:




                      حول كلمة أبوكريفا , وموقف دائرة المعارف الكتابية , ومدلولات اكتشاف مخطوطات البحر الميت.



                      إعلم أخي الكريم أن كثير من المراجع تعرف كلمة الأبوكريفا , وهي التي ظهرت في الأساس بعد الميلاد , واستعملت في الأساس للدلالة على الكتب التي رفضت لدى بعض الكنائس , عرفتها بمعنى " الإخفاء".

                      تقول الموسوعة المسيحية العربية الالكترونية :

                      " كلمة يونانية تعني "الخفي"، "السري"، المكتوم (سي 14 : 21؛ 39 :3-7). الأسفار الأبوكريفية هي كتابات يهوديّة ومسيحيّة ذات طابع سري ".

                      وحاول واضعوا قاموس ( isbe) – وهو في الغالب مصدر معلومات الدائرة – تعويم معنى الكلمة أكثر. لكنها كما قلنا في كثير من المراجع العالمية بمعنى أكثر تحديدا . كما أن إضافة معنى ( عويص – عسير الفهم) لتعريف الكلمة غير دقيق , إذ هاهي كثير من الكتابات الأبوكريفية لها نفس أسلوب الكتابات الأخرى التي تعرف بالقانونية , وتشبه كثيرا كتبات العهد القديم الحالية.


                      لكن هناك نقطة حول نطاق اعتراضي لدائرة المعارف , فقد كان اعتراضي محددا جدا بالقول:

                      " ولاحظ الخبث في تعريف دائرة المعارف عند قولها : " لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يفهموها" وكان الأولى أن تقول :" لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يطلعوا عليها " طالما وأنها ( خفية/ وقاصرة على دائرة معينة ضيقة ) ".


                      فكان النقد موجها لكلمات محددة حول تعريف الكلمة , ولم يتوسع نقدي إلى كامل مقال الدائرة .



                      ولذلك أنا أضع النص المعطى في دائرة المعارف , ثم النص المقترح بعد النقد , لنترك بعدها الحكم للقارئ ليختار:

                      1- نص الدائرة : " الاسم أبو كريفا : عندما أطلقت كلمة " أبو كريفا " على الكتابات الدينية ، كانت تحمل معنى أنها قاصرة على دائرة معينة ضيقة ، لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يفهموها . "

                      2- النص المقترح: " الاسم أبو كريفا : عندما أطلقت كلمة " أبو كريفا " على الكتابات الدينية ، كانت تحمل معنى أنها قاصرة على دائرة معينة ضيقة ، لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يطلعوا عليها . ".


                      وأما اعتراضك أخي الكريم بالقول:

                      " وأما أن اللفظة القرآنية { تخفون } نبهت على معنى "إخفاء النص" في "أبوكريفا" ، فبعيد يحتاج إلى مجهود في التقريب . وذلك أن "أبوكريفا" لو كانت هي إخفاء النص الصحيح الذي قصده القرآن ، لوجب أن نصوص "الأبوكريفا" هي المنزلة ، وهذا بعيد باتفاق".

                      يا أخي الكريم أنا لم أقل أن اللفظة القرآنية نبهت على معنى أبوكريفا , بل قلت أن الآيات الكريمة تنبه إلى ظاهرة أخفاء النصوص لدى اليهود , وأن هذه الدعوى القرآنية يشهد لها التاريخ اليهودي الذي عرف أيضا معنى الإخفاء في النصوص , واستشهدت بمعنى الأبوكريفا اللغوي.


                      ثم هناك خلاف في المفاهيم بين النص الصحيح في المفهوم الإسلامي , وبين النص الصحيح في المفهوم المسيحي واليهودي. فلا تلازم في كون أن الآيات الكريمة تشهد لصحة النصوص غير الأبوكريفا , ومعنى كلمة مخفي , هذا من جهة .

                      من جهة أخرى فإن جملة (تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً) لا تعود على التوراة ( وهي النص الصحيح) , بل على القراطيس المحرفة. فصح أن الإبداء والإخفاء أيضا يشمل النصوص المحرفة أيضا, والنص الصحيح ليس هو القراطيس كما قدمنا.


                      ------------------


                      قولك الكريم : "أما مخطوطات البحر الميت ، فلم تفتح بابـًا كان مغلقـًا ، ولم تنبه على شيء كانمجهولاً بالكلية ، فإن تخالف المخطوطات أمر معروف قبل القرآن ذاته ."


                      اسمح لي أن أخالفك أيضا في بعض أوجه هذا الاعتراض. فكما قلنا سابقا أن مصطلح الأبوكريفا اليوناني إنما ظهر على يد المسيحيين . وكان في الأساس موجها من بعض آباء الكنيسة لحصر تلك الكتب المعترف بها وغير المعترف بها. أي أن المصطلح استخدم في الأساس في العصر المسيحي. ولم يكن الاهتمام منصبا حينها على الكتابات السرية المخفية اليهودية , ما عدى تلك السبعة الكتب الزائدة في السبعينية, وهي لم تكن مخفية.


                      فلذلك فان اكتشاف مخطوطات البحر الميت أظهر للعلماء معاني الإخفاء لدى الكتابات اليهودية في أروع صورها حتى الآن:

                      أ- ظهور كتب أخرى غير الكتب السبعة , وهي كتب لم تكن معروفة لأحد قبل ذلك , سوى معرفة نظرية فقط. فقد كانت مخفية.

                      ب – الاختلافات بين نصوص التوراة الحالية ونصوص البحر الميت , واختفاء سفر استير من بينها.

                      ج- الجماعة نفسها التي تمتلك المخطوطات لم يعرف عنها العلماء شيئا من قبل , نعم حاول البعض إطلاق اسم الاسينين عليها , أو لقب ( الايبونين = الفقراء ) , لكن الجماعة كانت على ما يبدوا تتخفى عن الآخرين , ومنعزلة.

                      د- الجماعة يهودية بالإجماع , ومع أنها عاشت في القرن الأول إلا أن مجرد ذكر للمسيح عليه السلام في كتاباتها لم يحدث . بمعنى أن سيرة ووجود النبي الكريم لا يرد في هذه المخطوطات , هل تم إخفاء الإشارة إليه؟؟


                      ----------------------------------


                      في الختام أرجوا المعذرة عن الإطالة , والتأخير.



                      وأتمنى أن أكون قد أوضحت ما غمض, فإن أصبت فمن الله سبحانه, وإن أخطأت فمن نفسي والشيطان.

                      تعليق

                      • متعلم
                        5- عضو مجتهد

                        حارس من حراس العقيدة
                        عضو شرف المنتدى
                        • 12 أكت, 2006
                        • 778
                        • مسلم

                        #12
                        جزاك الله خيرًا على حسن ظنك بأخيك. وقد طالعت ما كتبت سريعــًا. وسأعاود قريبـًا القراءة والتعليق بإذن الله.

                        تعليق

                        • متعلم
                          5- عضو مجتهد

                          حارس من حراس العقيدة
                          عضو شرف المنتدى
                          • 12 أكت, 2006
                          • 778
                          • مسلم

                          #13
                          أخي "رشيد" وفقه الله..


                          الموضوع الأول : من المخاطب في الآية ؟

                          وأنت قد اتخذت جانب من رجح أن الآية خطاب للمشركين
                          بل جانب من رجح أن الآية خطاب للمشركين واليهود.

                          نعم وردت أراء عن ابن عباس ومجاهد وغيرهما أنها نزلت في المشركين , لأنهم ينكرون الرسالات عموما , لكن لا يوجد روايات على الإطلاق.
                          أولاً : هي روايات عنهم ولو أوصلت إلى آراء.
                          ثانيـًا : من أين جزمت بأنها مجرد رأي منهم لا خبر ؟
                          ثالثـًا : حتى لو كانت آراءً فهي صالحة في معارضة الأخبار.


                          الرأي القائل أنها نزلت في اليهود أصح للأسباب التالية:
                          أ- الروايات التي تحكي بالتفصيل ما صدر من اليهود. ولا وجود لروايات مماثلة عن المشركين.
                          ب- القراءة الثابتة بالتاء , فهي مؤيده بقوة لمن قال أن الخطاب لليهود من أول الآية

                          أما الروايات فلا يُشترط تعيين القائل وحكاية التفاصيل، وأمثال هذا كثيرة على طول القرآن وعرضه.
                          وأما القراءة بالتاء، فقد وضعنا سابقـًا قول الآلوسي : (( ومن جعل ما تقدم للمشركين حمل هذا على الإلتفات لخطاب اليهود )) .


                          2- بالنسبة للدليل الثاني من أن السورة مكية , فقد سبق التوضيح لك أخي الكريم من انه لا يوجد مانع من أن تكون السورة مكية وفيها آيات مدنية , واعترضت أنت بالقول:
                          "يلزم من (( يمكن أن يكون )) : (( يمكن ألا يكون )) . فنفس كلامك هنا يجوز أن تكون الآية مكية ."
                          ونخرج من هذا أن هذا الدليل لا يصح , لتطرق الاحتمال إليه , إذ ما تطرقإليه الاحتمال، سقط به الاستدلال.
                          لكن يبقى استصحاب الأصل وظاهر السياق. والأصل هنا المكية. وظاهر السياق مخاطبة المشركين.
                          وقد نبهت على هذا بقولي سابقـًا : (( ثم كونها مكية أولى ، لأنه ظاهر السياق )).


                          بخصوص الدليل الثالث تقول :

                          3- أما عن واو العطف في بداية الآية الكريمة ...
                          أ- يجوز في اللغة أن يكون الواو للابتداء لا للعطف.
                          "يجوز في اللغة أن يكون" معناها "يجوز في اللغة ألا يكون".
                          فإن قلت : فهذا يبطل الاحتجاج بالواو هنا.
                          قلت: يبقى ظاهر السياق. وهو الاستمرار في مخاطبة المشركين.


                          من حيث الآيات السابقة للآية الكريمة , فلا يوجد ما يعطي دلالة أكيدة أن الحديث كان عن المشركين , بل الحديث كان يدور حول أنبياء بني إسرائيل , وهو ما يعطي انطباعا أن الحديث كان عن بني إسرائيل أصلا:
                          "الحديث عن" ليس هو "الحديث إلى" بارك الله فيكم.

                          في الآيات التي أوردتها قوله تعالى : { فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ }

                          فقوله { يكفر بها هؤلاء } مشركو مكة باتفاق. وهم الأولى أن يستمر السياق معهم. وكذا مخاطبته لهم بعدها : { قل لا أسألكم }. فإذا قال بعد هذا { وما قدروا الله } كان الأظهر أنهم المشركون.

                          والسياق أوسع من الآيات التي تفضلتم بذكرها. فلو راجعته بشكل أوسع لعرفت أنه صريح في مخاطبة المشركين.

                          ثم إن السورة مكية ، ومعلوم أن القرآن المكي كان يخاطب المشركين.

                          ولذلك لم يقل أحد بأن السياق لغير المشركين، حتى الذين قالوا بمخاطبة اليهود لم ينكروا أن السياق لغير المشركين. ولذلك اضطروا إلى القول بمدنية هذه الآية خاصة.


                          4- وعن رابع الأدلة , ونعني بذلك القراءة بالياء في الآية الكريمة. فالرد على ذلك من وجوه :
                          الوجه الأول: سبق وقلنا أن القراءة بالياء لا تنفي نزولها في اليهود , فالمخاطب هو النبي – صلى الله تعالى عليه وسلم – ويكون الحديث عنهم من أول الآية بصيغة الغائب , فيكون تقدير الآية :
                          " ما قدر اليهود الله سبحانه وتعالى حق القدر والتعظيم الذي يستحقه , عندما قالوا ( جماعة منهم) أن الله سبحانه لم ينزل شيء من الكتب إلى الناس , فقل لهم يا محمد : إذا فمن أنزل توراة موسى التي تؤمنون بها , والتي جعلتموها قراطيس, تبدون منها القليل وتخفون الكثير ".
                          المخاطب بـ { قل } هو النبي باتفاق. لكن المخاطب بـ { يبدونها } لا يمكن أن يكون اليهود. إذ كيف يجتمع الغيبة والخطاب في الكلمة الواحدة ؟

                          ولذلك خانكم القلم - بارك الله فيكم - فعدلتم في ترجمة الآية عن ضمير الغيبة إلى الخطاب : (( جعلتموها قراطيس تبدون منها القليل وتخفون )) .. وكان حقها لو التزمتم الغيبة : (( جعلوها .. يبدون .. ويخفون )) ، لكن قلمكم سبقكم إلى الصواب.

                          فلا يصح الاحتجاج على قوم بعقائد من طائفة أخرى , فالمشركون إذا كانوا فعلا أصحاب القول (مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ) فكيف يحتج عليهم بعد ذلك بكتاب نزل من السماء ؟؟!!
                          قد أجابوا عن هذا ، كما قال ابن تيمية مثلاً : (( فإن الخطاب لما كان مع من يقر بنبوة موسى من أهل الكتاب ومع من ينكرها من المشركين ، ذكر ذلك بقوله : { قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى } ، وقد بين البراهين الدالة على صدق موسى في غير موضع. )).

                          رابعا : سبق وقلت لك أخي الكريم , أن إصراري وتمسكي لكون الآية الكريمة نزلت في اليهود يعود لفائدتين :
                          أ- وحدة الفكرة وبساطتها: فاعتبار الآية من أولها تخاطب اليهود , خاصة وأن القراءة المنتشرة في المصاحف بالتاء , يخدم سهولة توصيل الفكرة , ووحدتها , بدون الدخول في تفاصيل الاختلافات بين المفسرين رحمهم الله تعالى
                          كيف لم تدخل في اختلافات المفسرين وقد سردتها وحاولت الترجيح ؟!
                          كان الأسلم بارك الله فيكم أن تقتصر على مطلوبك فقط، دون الدخول في اختلاف يعطي العذر لخصمك، دعك من أن القارئ قد لا يوافقك على ترجيحك.


                          أما مقالي يا أخي الكريم فلم أذكر فيه تطابق أقوال المفسرين مع أراء المنصرين.
                          بل فعلت غفر الله لنا ولكم.
                          راجع قولك : (( وهذا الكتاب يتناول طرق صرف المنصرين للآيات القرآنية التي تؤكد تحريف الكتاب المقدس إلى معان أخرى. منها أن الآية خطابا للمشركين وليست خطابا لليهود )).

                          فقد نسبت للمنصرين القول بأن الآية خطاب للمشركين، وأن هذا القول مثال على طرق المنصرين في صرف الآيات القرآنية، مع علمك وعلمنا بأن هذا قول لبعض المفسرين بالفعل.

                          وهذا القول - الذي نسبته للمنصرين ولبعض المفسرين - ليس قولاً شاذًا ولا ظاهر البطلان حتى تجعله مثالاً على تلاعب المنصرين.
                          وبإمكان أي نصراني أن يقول لك : إذا كان المنصرون متلاعبين لأنهم قالوا بهذا، فكل مفسريكم الذين قالوا بهذا كانوا متلاعبين أيضـًا.

                          من أجل ذلك نصحت لك بأن تبتعد عن التمثيل بهذا على طرق المنصرين، فهناك أمثلة أوضح على تلاعبهم وفيها الغنية كل الغنية.


                          ================================================== ===========


                          الموضوع الثاني : هل الذم لمجرد جعلهم قراطيس ؟

                          لم تكن جملة " تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ" ذما , فما هي إذا ؟. ما فائدتها في النص ؟؟
                          تعرف فائدتها لو حذفتها ، أعني لو قلت : من الذي أنزل الكتاب ... تبدونها وتخفون كثيرًا.
                          والذم ليس على مجرد جعل الكتاب قراطيس ، بل على أنهم فعلوا هذا للإبداء والإخفاء.

                          ومثال هذا قولك : فلان قسم سبيكة الذهب إلى أجزاء ليسهل عليه سرقة بعضها.
                          فليس تقسيم السبيكة هو محل الذم بمجرده، وليس كل من قسم سبيكة مذموم.

                          وكذا قولك : فلان قسم العنب ليجعل بعضه خمرًا ويأكل بعضه.
                          فليس المذموم مجرد تقسيم العنب.

                          ومن هذا قوله تعالى عن قوم نوح لما دعاهم : { جعلوا أصابهم في آذانهم }
                          فليس المذموم مجرد سد الآذان ، وإنما المذموم فعل هذا في مقابلة الدعوة إلى الله.
                          يبين هذا أنه ورد عن السلف أن واحدهم ربما سد أذنيه عن سماع المعازف.


                          جرى الأسلوب القرآني على عادة نسبة أفعال الخير إلى الله سبحانه , ونسبة العيب إلى العباد.
                          هذا إن كان عيبـًا. وهو محل نزاع هنا.
                          أقول : محل نزاع أي بيني وبينك وإلا فلا أعلم أحدًا من المفسرين قال بقولك والله أعلم.

                          واحتجاجك بهذه القاعدة هنا يدل على فهمك الخاطئ لها ، وكأنك فهمتها كالتالي :
                          كل ما نُسب إلى الله فهو من أفعال الخير، وكل ما نسب إلى العباد فهو من العيب.
                          والنصف الأول صحيح، والآخر غير صحيح.

                          فقد ينسب القرآن - والسنة - إلى العباد أفعال الخير.

                          وإنما المقصود من القاعدة، أن المكروه لا ننسبه لله تأدبًا وإنما للعباد. وهذا لا يعارض جواز نسبة الخير للعباد.


                          سوف أحصر أمثلتي لك على نفس الكلمة التي وردت في النص محل الخلاف , وهي ( يجعلون/ تجعلون ) حيث نسبت إلى العصاة حينما دلت على رفض الله سبحانه لعملهم:
                          أولاً : لا يجوز هنا التمسك بصيغة الجمع في الخطاب والغيبة فقط، بل المفترض أن يكون التركيز على الجذر اللغوي "جعل" أينما تصرف، والتمسك بصيغة الجمع لو حصل فسيكون مجرد تحكم لا سبب له. ولا أحسبكم تتمسكون هنا بهذا والله حسيبكم.

                          ثانيـًا : الجذر "جعل" نُسب في القرآن إلى غير العصاة أيضـًا، ولم يدل دومـًا على رفض الله بل على غير ذلك أحيانـًا.
                          أضع هنا ما وجدته، وإن كان قليلاً لكنه يكفي :

                          1 - { وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا } [النحل/91]
                          في (التفسير الميسر) : (( وقد جعلتم الله عليكم كفيلا وضامنًا حين عاهدتموه )).
                          فنسب إلى العباد فعلاً حسنـًا بقوله { جعلتم }.

                          2 - { وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ (26) إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ (27) وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (28) } [الزخرف/26-28]
                          في (التفسير الميسر) : (( وجعل إبراهيم عليه السلام كلمة التوحيد(لا إله إلا الله) باقية في مَن بعده؛ لعلهم يرجعون إلى طاعة ربهم وتوحيده، ويتوبون من كفرهم وذنوبهم )).
                          فنسب إلى إبراهيم عليه السلام فعلاً حسنــًا بقوله { وجعل }.

                          3 - وعن الخليل أيضـًا عليه السلام : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ (58) } [الأنبياء/58]
                          في (التفسير الميسر) : (( فحطم إبراهيم الأصنام وجعلها قطعًا صغيرة )).

                          4 - وعن يوسف عليه السلام : { فَلَمَّا جَهَّزَهُمْ بِجَهَازِهِمْ جَعَلَ السِّقَايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ (70) } [يوسف/70]

                          5 - وعن ذي القرنين : { حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا } (الكهف 96).

                          6 - { وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ (41) مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلَّا جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ (42) } [الذاريات/41، 42]


                          وقد يأتي في صيغة الطلب، بل وقد يكون قائله كافرًا ساعتها، ومع هذا لا يدل على رفض الله لهذا "الجعل" ..

                          7 - { قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) } [يوسف/55]

                          8 - { وَقَالَ لِفِتْيَانِهِ اجْعَلُوا بِضَاعَتَهُمْ فِي رِحَالِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَعْرِفُونَهَا إِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمْ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (62) } [يوسف/62]

                          9 - { قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا (95)} الكهف.

                          10 - { فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) } [طه/58]

                          فتبين بهذه الأمثلة ، وإن قلت ، أن استعمال "جعل" مع العباد مع العصاة فقط أو في الذم فقط ليس من خصائص الأسلوب القرآني.



                          ثالثا: لست الوحيد الذي فهم من قوله تعالى { تجعلونه قراطيس } الذم لليهود , بل طائفة من العلماء كذلك فهموا هذا أيضا.
                          هل وجدت غير القرطبي أخي الكريم ؟ .. هذا استفهام لا إنكار.

                          وتأمل معي ما قاله القرطبي رحمه الله سبحانه وتعالى في تفسيره:
                          "وجعلت التوراة صحفا فلذلك قال "قراطيس تبدونها" أي تبدون القراطيس. وهذا ذم لهم ؛ ولذلك كره العلماء كتب القرآن أجزاء."
                          ليس في كلام القرطبي أن الذم لمجرد تفرقة التوراة في الصحف، وإنما الذم لمآل هذا.
                          وقوله (( وهذا ذم لهم )) فالمشار إليه هنا هو كامل الفعل لا مجرد جعلها قراطيس.
                          ولو تمسكت بالحرفية هنا ما نفعتك، لأن أقرب مذكور هو "قراطيس تبدونها"، ومعلوم أن الذم ليس لما أبدوه وإنما لما أخفوه.

                          وأما كراهة كتب القرآن أجزاء، فليست كراهة التحريم، وإلا فما زالت أجزاء القرآن في القديم والحديث أمام أعين العلماء بلا نكير.

                          وإنما كرهوا هذه التجزئة، لأن أهل الكتاب اتخذوها وسيلة لكتم الحق، فخشوا أن يكون في المسلمين من يفعل هذا. ولذلك لم يحرموها لأنها في نفسها ليست موطن الذم، وإنما لما تبعها من صنيع أهل الكتاب.


                          ================================================== ===========

                          الموضوع الثالث : الصحف أولى بالألواح الطينية أم القراطيس ؟


                          اعتراضك أخي الكريم هنا مبني على فهم خاطئ لمعنى الصحف. فأنت ترى أنها تعني القراطيس فقط , وهذا خطأ.
                          لم أقل أنها تعني القراطيس فقط بارك الله فيكم. بل قلت (( في كلامك أن لفظ "الصحف" أولى بالألواح الطينية من القراطيس ... العكس أولى )).

                          هذا ، ولم أكن أنكرت صراحة تناول لفظ "الصحف" للألواح الطينية، واكتفيت "بالأولى" الذي يحقق مرادي. لكن أزيد هنا فأقول صراحة :
                          لفظ "الصحف" لا يتناول الألواح الطينية والله أعلم.
                          شجعني على هذا ما نقلتموه من كتب اللغة. فليس فيها شاهد واحد أن العرب أطلقت على الألواح الطينية لفظ "الصحف".


                          وإنما ارتأينا أن معنى الصحف في الآية الكريمة يعني ما كتب عليه من الحجارة للأسباب التالية:
                          أ- تاريخيا: حسب ما لدينا من سجلات أثرية بشرية , وإذا اعتمدنا على التاريخ المفترض لزمن موسى عليه السلام حوالي 1500 قبل الميلاد , فلم تعرف البشرية غير الألواح الحجرية والطينية للكتابة. ولم تكن قد ظهرت أي كتابة على أي نوع من القراطيس. يظهر هذا بوضوح من عدم اكتشاف أي مواد كتابية أثرية أخرى.
                          تقول دائرة المعارف الكتابية ( مادة " كتب- كتابة) : ...
                          عدم العلم ليس علمـًا بالعدم. وقد نكتشف آثارًا في المستقبل تنفي هذا.

                          أما دائرة المعارف الكتابية، أنت نقلت ثلاث فقرات فقط، ستجد الرابعة عن البردي وهي تقول : : (( كان استخدامه واسع الانتشار في مصر منذ أقدم العصور )).
                          والبردي مادة صالحة تمامـًا ليكون صحفـًا وقراطيس.


                          وفي المادة التي تليها (كتب - كتابا) تجد ما يلي :
                          (( وفى فلسطين حل الورق المصنوع من نبات البردى ... محل جلود الحيوانات، وأصبح أهم مادة للكتابة فى زمن خروج بنى إسرائيل من مصر، بل اكتشفت فى مقابر سقارة رسالة تدل على أن ورق البردى استخدم فى مصر منذ عصر الأسرات الأولى (حوالى 2470-2270 ق.م.)، بل هناك اشارات إليه فى أقدم نصوص الأهرامات (نحو3200 ق.م). )).

                          ولذلك قالوا في مادة (سفر التكوين) :
                          (( الوثائق القديمة في فلسطين قد ضاعت تماماً ... فلو أنهم استخدموا الفخار أو الأحجار، لبقيت كتاباتهم، ولكنهم كتبوا على البردي والجلود ))


                          وفي كتاب (شبهات وهمية) عند مقدمة التوراة :
                          (( 1 - قال جريبو في رسالته التي كتبها على رسالة شمبوليون الشهير (أول من قرأ اللغة الهيروغليفية) إن موسى النبي كان يكتب على البردي. ويوجد في متحف «تورين» بردية مكتوبة بالقلم المصري، تشتمل على وثيقة مكتوبة في عهد تحتمس الثالث الذي كان قبل موسى بقرنين. وهذا يبرهن أن الكتابة كانت معروفة قبل عصر موسى.
                          2 - في المتحف البريطاني رسالة على البردي، كتبها كاهن مصري اسمه «أحميس» تاريخها 3400 ق م، وعنوانها «حل المشكلات» وهي مجموع مسائل حسابية وهندسية بالكسور والدوائر ومقاييس الهرم وبعض مثلثات وإشارات جبرية. وهذه الرسالة بخط اليد وتُلقَّب برسالة «رند». )).



                          ب - إشارات القرآن الكريم : يستخدم القرآن الكريم أوصافا تشير إلى قدم التوراة , وبعض المواد المستخدمة للكتابة. كما يقرنها بوصفها نوعا من الصحف مع صحف إبراهيم عليه السلام ( حوالي 2200 قبل الميلاد ) :
                          فتحدث عن الألواح التي حملها موسى معه عند لقاء الله سبحانه : {وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ }الأعراف145
                          1 - ليس في الآية إطلاق لفظ "الصحف" على الألواح الطينية.

                          2 - ليس معنى أن الله كتب التوراة لموسى في ألواح، أنها ستظل كذلك، بل يمكن للمؤمنين في زمانه نسخها في مواد مختلفة دونما حرج، كما كان الصحابة ينسخون لأنفسهم القرآن فيما تيسر لهم من مواد للكتابة.

                          3 - قوله تعالى { صحف إبراهيم وموسى } ليس فيه إطلاق "صحف" على "الألواح"، بل أطلقت على التوراة باعتبار ما كتبت عليه بعد الألواح.

                          ج- إشارات التوراة الحالية : " وتكتب على الحجارة جميع كلمات هذا الناموس نقشا جيدا " – الخروج 8:27. (svd)
                          كتابتها هكذا أول الأمر لا يعني أنها ظلت تكتب على نفس المادة، بل يغير المؤمنون مواد الكتابة دونما تحريف ولا إنكار عليهم.


                          وأضيف في آخر هذه المسألة نكتة :
                          أن الإخبار في الآية { تجعلونها قراطيس } يدخل فيها يهود المدينة دخولاً أوليـًا ، ومعلوم أنهم لم يكونوا إبان البعثة يكتبون التوراة في ألواح طينية دون الورق والقراطيس.


                          ================================================== ===========

                          الموضوع الرابع : هل كانت دائرة المعارف الكتابية خبيثة ؟ وهل نبهت { تخفون } القرآنية على الأبوكريفا ؟


                          بخصوص اتهام دائرة المعارف بالخبث لأنها نبهت على خفاء المعنى دون خفاء الشيء تقول :
                          فكان النقد موجها لكلمات محددة حول تعريف الكلمة , ولم يتوسع نقدي إلى كامل مقال الدائرة .
                          هذا لا يسوغ اتهامها بالخبث بارك الله فيكم.
                          لو جاز هذا لجاز لكل أحد أن يتهم القرآن بأنه ينهى عن الصلاة { ولا تقربوا الصلاة } ، فإذا قلنا له : أكمل ، قال كان نقدي موجهـًا لكلمات محددة.


                          الآيات الكريمة تنبه إلى ظاهرة أخفاء النصوص لدى اليهود , وأن هذه الدعوى القرآنية يشهد لها التاريخ اليهودي الذي عرف أيضا معنى الإخفاء في النصوص , واستشهدت بمعنى الأبوكريفا اللغوي.
                          الإخفاء في النصوص الذي عرفته يهود، وعُبر عنه بالأبوكريفا ، فيه صحة النصوص التي أخفيت، والقرآن لا يقر بهذه الصحة لهذه النصوص.

                          وحتى لو كنت تعبر عن "معنى الإخفاء في النصوص" عمومـًا، فليس في هذا إعجاز، لأن التنبيه على إخفاء النصوص لازم لدعوى التحريف ذاتها ، إذ لا يمكن اتهام شخص بالتحريف إلا وضمنه اتهامه بإخفاء القول الحق .. فسواء صدرت دعوى التحريف عن القرآن أو عن غيره ، فهي تتضمن تهمة إخفاء النصوص بلا ريب .


                          مصطلح الأبوكريفا اليوناني إنما ظهر على يد المسيحيين. وكان في الأساس موجها من بعض آباء الكنيسة لحصر تلك الكتب المعترف بها وغير المعترف بها. أي أن المصطلح استخدم في الأساس في العصر المسيحي. ولم يكن الاهتمام منصبا حينها على الكتابات السرية المخفية اليهودية , ما عدى تلك السبعة الكتب الزائدة في السبعينية, وهي لم تكن مخفية.
                          هذا لو صح ، لا ينافي قولي (( تخالف المخطوطات أمر معروف قبل القرآن )).


                          اكتشاف مخطوطات البحر الميت أظهر للعلماء معاني الإخفاء لدى الكتابات اليهودية في أروع صورها
                          حتى لو سلمنا بهذه التعابير الإنشائية، فهي لا تنفي أن تخالف المخطوطات معروف قبل اكتشاف مخطوطات البحر الميت، بل قبل القرآن ذاته.

                          ولا نرفض هنا أن يمدنا هذا الاكتشاف بمزيد من التفاصيل ، لكن هذا شيء ، والزعم بأن البشرية لم تعرف هذا الباب قبل الاكتشاف شيء آخر، بل عرفته قبل القرآن ذاته.



                          تعليق

                          • أبو أصيل اليمني
                            3- عضو نشيط

                            • 28 يون, 2007
                            • 351

                            #14
                            أخي وأستاذي الكريم / متعلم حفظه الله تعالى.

                            السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

                            بارك الله تعالى فيك , ونفعنا بعلمك ونصحك وتوجيهك.


                            ورزقنا وإياك الإخلاص............... وبعد:


                            حسن جدا هو ما وضعنا فيه القارئ الكريم من تنوع للمعلومات واختلافها الطيب مما يثري فعلا الموضوع من مختلف النواحي العلمية.


                            وأظن أننا بنقاشنا المثمر _ بإذن الله تعالى _ قد قدمنا صورا متنوعة ومفعمة لمن أراد تقرير شيء في هذا الموضوع.

                            واعلم أخي الكريم أني كلما كتبت تعقيبا شعرت بالحرج لسببين اثنين:


                            أولا: رغبتي في عدم شغل وقتكم في موضع عادي مثل هذا , ونحن أحوج ما نكون إلى الاستفادة منكم ومن قلمكم في مواضيع أهم , فلا حرمنا الله تعالى من قلمكم وعلمكم.


                            وثانيا: ما جرأتي على مواصلة النقاش معكم إلا من باب ( قد يوجد في النهر ما لا يوجد في البحر ) وإلا فلا نتصور أن نبلغ نحن فقراء العلم والعمل قعر بحركم يوما ما.


                            فرويدا بأخيك , ورفقا به, وتحمل ما صدر منه من مظنة علم , فالقصد هو التعلم منكم , لا التعليم.


                            فإن تحقق مرادي منكم , ونلت شفاعة الصبر على المبتدئين , فاسمح لي أن أذكر بعض الملاحظات السريعة على بعض الأمور:



                            1- قولك الكريم : " ولذلك كان الراجح عند كثير من العلماء كابن تيمية وغيره أنها خطاب للمشركين واليهود " .


                            هذا يعارضه ما نقله ما نقله الإمام الرازي رحمه الله تعالى في تفسيره:


                            " فالقول الأول: إن هذه الآية نزلت في حق اليهود وهو القول المشهور عند الجمهور "


                            وقال الألوسي رحمه الله تعالى :

                            " واختلف في قائلي ذلك القول الشنيع ، فأخرج أبو الشيخ عن مجاهد أنهم مشركو قريش . والجمهور على أنهم اليهود ومرادهم من ذلك الطعن في رسالته صلى الله عليه وسلم على سبيل المبالغة ".


                            وقال الإمام الزمخشري رحمه الله تعالى:

                            " والقائلون هم اليهود بدليل قراءة من قرأ‏:‏ ‏{‏تجعلونه ‏{‏بالتاء‏.‏ وكذلك ‏{‏تبدونها وَتُخْفُونَ ‏{‏وإنما قالوا ذلك مبالغة في إنكار إنزال القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فألزموا ما لا بد لهم من الإقرار به من إنزال التوراة على موسى عليه السلام وأدرج تحت الإلزام توبيخهم وأن نعي عليهم سوء جهلهم لكتابهم وتحريفهم لما بداء بعض وإخفاء بعض "



                            2- قولك الكريم: " فعلى القراء بالياء { يبدونها } لا يكون الخطاب لليهود ؛ إذ أنها تتحدث عنهم بضمير الغائب ، فدل هذا على أن المخاطبين غيرهم"

                            نعم سبق وذكرنا وجه الجمع بين القراءتين في ذلك. وقلنا بأن المخاطب هو النبي الكريم, ولكنها نزلت في المدينة في حق اليهود. وجزاك الله تعالى خيرا على تصويبك لي في صياغة تقدير الآية. ففعلا قصدت صياغتها بالياء , لكني سهوت فصغتها بالتاء , وبذلك ساهمت في تعميق المشكلة ضدي.

                            كما أشكر لك نسبة الخطاء إلى ( قلمي) , وتعبيرك الجميل ( سبقكم قلمكم إلى الصواب) فكأني وقلمي نتسابق على الحق , فبارك الله تعالى فيك. والحقيقة أني أنا المخطئ , وهذا ديدن فقراء العلم من أمثالي.


                            3- قولك الكريم : " وهذا معناه أن الخطاب بـ { وعلمتم } والقول كله ليس للنبي عليه الصلاة والسلام .. ومعناه أيضـًا أن الخطاب هنا لغير اليهود المذكورين كغائبين .. فلزم أنهم المشركون .. هذا على القراءة بالياء".


                            سبق ونقلنا اختلاف العلماء في المراد بالمخاطب في قوله ( وعلمتم...) , حتى ذكر بعضهم أن المراد هم المسلمون , كما نقلنا عن القرطبي رحمه الله تعالى : " "قوله "وعلمتم ما لم تعلموا أنتم ولا آباؤكم" للمسلمين. وهذا يصح على قراءة من قرأ "يجعلونه قراطيس يبدونها ويخفون" بالياء." "

                            وذكر البعض أنهم اليهود وأنه التفات إليهم , وذكر البعض أنهم المشركون .


                            ولخوف الإطالة لنقلنا لكم الكثير من أقوال العلماء فيها على وجه القراءة بالياء , فلا يظهر وجه للزوم في ذلك بارك الله تعالى فيكم.


                            4- ما زلت مصرا أخي الكريم على أن غرضي الأساس هو الحفاظ على وحدة الفكرة في مقالي ( الأصلي). والقول بتشتت الفكرة عند ترجيح نزولها في حق المشركين ليس رأي كاتب المقال فقط , بل سبقه في ذلك جمهور العلماء , وهم من يروا أن الآية نزلت في اليهود. وبرغم وجود ردود من الطرف الأخر ( وقد بسطها الإمام الرازي رحمه الله تعالى ) إلا أن تخلخل وحدة الفكرة ما زال قائما , يقول الإمام الرازي:


                            " فمن المعلوم بالضرورة أن هذه الأحوال لا تليق إلا باليهود، وهو قول من يقول: إن أول الآية خطاب مع الكفار ، وآخرها خطاب مع اليهود فاسد ، لأنه يوجب تفكيك نظم الآية وفساد تركيبها، وذلك لا يليق بأحسن الكلام فضلاً عن كلام رب العالمين، فهذا تقرير الإشكال على هذا القول." – تفسير الرازي.

                            هذا وقد دفع الإمام الرازي وأجاب عن هذا القول فيما بعد , إلا أني تبعت رأي الجمهور , والحفاظ على وحدة الفكرة في النص الشريف .


                            وقال صاحب البحر المحيط:


                            " وتتناسق قراءة التاء مع قوله : ( علمتم ) ومن قال : إن المنكرين العرب أو كفار قريش لم يمكن جعل الخطاب لهم ، بل يكون قد اعترض بني إسرائيل فقال : خلال السؤال والجواب : تجعلونه أنتم يا بني إسرائيل قراطيس ومثل هذا يبعد وقوعه لأن فيه تفكيكاً لنظم الآية وتركيبها ، حيث جعل الكلام أولاً خطاباً مع الكفار وآخراً خطاباً مع اليهود وقد أجيب بأن الجميع لما اشتركوا في إنكار نبوة الرسول ، جاء بعض الكلام خطاباً للعرب وبعضه خطاباً لبني إسرائيل ، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء على الغيبة في الثلاثة"


                            وكما قال الإمام الألوسي رحمه الله تعالى :


                            " ولا يرد أن هذه السورة مكية والمناظرات التي وقعت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين اليهود كلها مدنية فلا يتأتى القول بأن الآية نزلت في اليهود لما أخرج أبو الشيخ عن سفيان والكلبي أن هذه الآية مدنية ، واستشكل أيضاً قول مجاهد بأن مشركي قريش كما ينكرون رسالة النبي صلى الله عليه وسلم ينكرون رسالة سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فكيف يحسن إيراد هذا الإلزام عليهم . ودفع بأن ذلك لما أنه كان إنزال التوراة من المشاهير الذائعة ولذلك كانوا يقولون : { لَوْ أَنَّا أُنزِلَ عَلَيْنَا الكتاب لَكُنَّا أهدى مِنْهُمْ } [ الأنعام : 157 ] حسن إلزامهم بما ذكر ، ومع هذا ما ذهب إليه الجمهور أحرى بالقبول . "


                            والراجح عندي أن المشركون (طائفة منهم ) كانوا يلجئون إلى الإشارة إلى موسى وكتابه باحترام ليس بغرض الإيمان , وإنما بغرض التقليل من مستوى رسالة النبي الكريم عبر مقابلتها مع رسالة موسى ( عليهما السلام) , ولكن الأصل أنهم كافرون بالجميع كما قال الله سبحانه وتعالى :

                            {فَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِندِنَا قَالُوا لَوْلَا أُوتِيَ مِثْلَ مَا أُوتِيَ مُوسَى أَوَلَمْ يَكْفُرُوا بِمَا أُوتِيَ مُوسَى مِن قَبْلُ قَالُوا سِحْرَانِ تَظَاهَرَا وَقَالُوا إِنَّا بِكُلٍّ كَافِرُونَ }- القصص:48.


                            5- اعتراضك الكريم : " كيف لم تدخل في اختلافات المفسرين وقد سردتها وحاولت الترجيح ؟! " . أخي الكريم إنما قلت : " بدون الدخول في تفاصيل الاختلافات بين المفسرين رحمهم الله تعالى " فأشرت إليها بحكم الأمانة العلمية , ولغرض دفع سوء استخدام مسبق, لكني لم أدخل في التفاصيل إلا في تعقيباتي عليك, أما مقالي الأصلي فليس فيه تفاصيل , بل هو بسط خفيف مع ترجيح سريع.



                            6- قلت في تعقيبي السابق : " أما مقالي يا أخي الكريم فلم أذكر فيه تطابق أقوال المفسرين مع أراء المنصرين. " لكن اعترضت على ذلك بالقول :

                            " بل فعلت غفر الله لنا ولكم. راجع قولك : (( وهذا الكتاب يتناول طرق صرفالمنصرين للآيات القرآنية التي تؤكد تحريف الكتاب المقدس إلى معان أخرى. منها أنالآية خطابا للمشركين وليست خطابا لليهود." .


                            والظاهر أن هناك عدم توضيح مني , فأنا أقصد يا أخي الكريم مقالي ( الأصلي) , أي مشاركتي الأولى التي بدأت بها. وقولي الذي اقتبسته من كلامي جاء في تعقيبي الثاني عليكم. فعذرا على ذلك.


                            7- أوضحت لك أخي الكريم أنه لا توجد روايات خبرية عن من قال أنها نزلت في المشركين , وأن الأولى أخذ الرويات الخبرية التي وردت تفصيلا. فاعترضت بثلاث ملاحظات :


                            أ- " هي روايات عنهم ولو أوصلت إلى آراء." : بل هي أراء مفسرين , وليست روايات فيها قصة معينة.


                            ب- "من أين جزمت بأنها مجرد رأي منهم لا خبر ؟" : هذا ظاهرها يا أخي , ولو كان هناك روايات لما أغفلها المفسرون , أو الصحابة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين, على الأقل في معارضة روايات اليهود.


                            ج- " حتى لو كانت آراءً فهي صالحة في معارضة الأخبار." : بل الخبر الخاص يقيد العام يا أخي الكريم , والوضوح أولى من الغموض , والحادثة المعروفة أولى من الإجمال في القول.


                            والحقيقة كنت أهاب رأي ابن عباس في هذا الموضوع , فقد ذكره ابن كثير ممن قال بنزولها في المشركين. لكني وجدت رأيا مختلفا لابن عباس رضي الله تعالى عنه بنزولها في اليهود أورده بعض المفسرين :


                            * " قال ابن عباس: إن مالك بن الصيف كان من أحبار اليهود ورؤسائهم، " – تفسير الإمام الرازي.


                            * " نزلت في اليهود قاله ابن عباس ومحمد بن كعب ، أو في مالك بن الصيف اليهودي "- البحر المحيطلأبي حيان الأندلسي.


                            وبذلك يظهر أن هناك قولين بابن عباس رحمه الله تعالى.



                            8- بخصوص سياق الآية أخي الكريم , ذكرت لكم أن السياق تحدث عن بني إسرائيل بإسهاب , فاعترضتم على ذلك بالقول:


                            " "الحديث عن" ليس هو "الحديث إلى" بارك الله فيكم. في الآيات التي أوردتها قوله تعالى : { فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْوَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89) أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ } فقوله { يكفر بها هؤلاء } مشركومكة باتفاق. وهم الأولى أن يستمر السياق معهم. وكذا مخاطبته لهم بعدها : ( قل لا أسألكم ) "انتهى.


                            فيا أخي الكريم مازال السياق " الحديث عن " في قوله تعالى : " يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ " وكذلك قوله تعالى : " أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ" , وليس في السياق أن " الحديث إلى " المشركين , بل " الحديث إلى " النبي الكريم عن المشركين , وعن أنبياء بني إسرائيل كذلك فهم المعنيين بالقول : " أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ".



                            9- وعن جملة " تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ" سألتك عن فائدتها في النص. ولم أسألك عن فحوى وجودها. وبمعنى آخر نقول :


                            * وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ : عتاب منه سبحانه وتعالى لليهود , ونفي لتقديرهم حق التقدير لله سبحانه.

                            * إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ : فضح وتوضيح القول الذي صدر منهم واستحقوا عليه العتاب.

                            * قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُورًا وَهُدًى لِلنَّاسِ: استفهام استنكاري منه سبحانه لليهود , ودليل ضدهم.

                            * تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ: ذم لهم منه سبحانه , وقد جاء لفظ القراطيس في صيغة جمع النكرة , وكذا الفعل منسوبا لهم لزيادة الذم.


                            فالمراد كان الاستفسار عن رأيك في المعنى المستفاد من جملة : " تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ ". إذا لم يكن ذما فما هو؟


                            ولو أردنا الفائدة عن الحذف لطلبنا حذف اللفظ محل النزاع , وهو " تجعلونه" , وهو الفعل الذي نسب إليهم وأضيف إلى جمع نكرة ( قراطيس) في محل الذم كما أوضحنا رأينا بذلك.



                            10- قولك الكريم حول عادة نسبة العيب إلى العباد في نصوص القرآن الكريم : " واحتجاجك بهذه القاعدة هنا يدل على فهمك الخاطئ لها ، وكأنك فهمتها كالتالي : كل ما نُسب إلى الله فهو من أفعال الخير، وكل ما نسب إلى العباد فهو من العيب. والنصف الأول صحيح، والآخر غير صحيح. فقد ينسب القرآن - والسنة - إلىالعباد أفعال الخير. ". انتهى.



                            لا يا أخي أنا لم أفهمها هكذا بارك الله تعالى لنا فيك. بل قد صح نسبة الخير إلى النبي والصحابة وغير واحد من الناس. إنما عنيت الآيات التي وردت في سياق الذم للعباد. والأمثلة التي أوردتها لك كانت كافية لبيان ذلك. وأن هذه الآية الكريمة المتنازع عليها جاءت في إطار الذم بالاتفاق, ولذلك كانت الجملة محل النزاع ذما.


                            ولذلك لم توفق بارك الله تعالى فيك في إيراد الأمثلة لمعنى ( جعل) في آيات ظاهرها المدح للناس , أو نقلها الله تعالى على لسان كافرين. فجميعها لم تأتي في إطار الذم , بل جاءت في إطار المدح أو الإخبار في قصة.


                            11- قولك الكريم: " هل وجدت غير القرطبي أخي الكريم ؟ .. هذا استفهام لاإنكار." : نقلنا قول القرطبي رحمه الله تعالى , ولو تأملت قوله لعلمت انه يذكر ذلك عن طائفة من العلماء.


                            يقول الإمام الرازي رحمه الله تعالى وقد شعر أن جملة " تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ " في محل الذم :

                            " فإن قيل: إن كل كتاب فلا بد وأن يودع في القراطيس، فإذا كان الأمر كذلك في كل الكتب، فما السبب، في أن حكى الله تعالى هذا المعنى في معرض الذم لهم. قلنا: الذم لم يقع على هذا المعنى فقط ، بل المراد أنهم لما جعلوه قراطيس، وفرقوه وبعضوه، لا جرم قدروا على إبداء البعض، وإخفاء البعض، وهو الذي فيه صفة محمد عليه الصلاة والسلام."




                            ونحن نتفق معه تماما , فالجملة جاءت ذما : لنفسها , ولعلتها. والوسائل تأخذ أحكام المقاصد.


                            ولذلك قال الإمام الألوسي رحمه الله تعالى: " ثم إن وصف الكتاب بالوصول إليهم لزيادة التقريع وتشديد التبكيت "


                            وفي تفسير أبو السعود رحمه الله تعالى :


                            " { تَجْعَلُونَهُ قَرٰطِيسَ } أي تضعونه في قراطيسَ مقطَّعةٍ، وورَقاتٍ مفرَّقة، بحذف الجارِّ بناءً على تشبـيه القراطيس بالظرف المُبْهم، أو تجعلونه نفسَ القراطيس المقطعة، وفيه زيادةُ توبـيخٍ لهم بسوء صنيعِهم كأنهم أخرجوه من جنس الكتاب ونزّلوه منزلةَ القراطيسِ الخاليةِ عن الكتابة "


                            12- ثم قدمت مجموعة اعتراضات , استعرضها هنا مع الجواب عليها:


                            * " ليس في كلام القرطبي أن الذم لمجرد تفرقة التوراة في الصحف، وإنما الذم لمآل هذا." : بل فيه أخي الكريم , وكيف وقد سألتني عن علماء آخرين قالوا مثل قوله !!.


                            * " وقوله (( وهذا ذم لهم )) فالمشار إليه هنا هو كامل الفعل لا مجرد جعلها قراطيس. ولو تمسكت بالحرفية هنا ما نفعتك، لأن أقرب مذكور هو "قراطيس تبدونها"، ومعلومأن الذم ليس لما أبدوه وإنما لما أخفوه.": نعم الذم للفعل ولعلته أيضا. وفي الآية أن تحول التوراة من الشكل الحجري إلى القراطيس ساهم في سهولة تحريفها بالزيادة أو النقص. وأنت تخالفني في هذا الفهم.


                            وغير صحيح أن الذم ليس لما أبدوه وإنما لما أخفوه , فقد يبدون باطلا , ويخفون الحق , ويبدون حقا ويخفون باطلا , حسب مصلحتهم في ذلك , فالذم شمل الكل , وانتقد الرغبة في الانتقائية لدى اليهود.


                            *" وإنما كرهوا هذه التجزئة، لأن أهل الكتاب اتخذوها وسيلة لكتم الحق، فخشوا أن يكونفي المسلمين من يفعل هذا.ولذلك لم يحرموها لأنها في نفسها ليست موطن الذم، وإنمالما تبعها من صنيع أهل الكتاب": نعم يا أخي الكريم , لكن الوسائل تأخذ أحكام المقاصد كما تعرف. إذ أن تحول التوراة من الحجارة إلى القراطيس لم يكن قصده متابعة التطور لفن الكتابة فقط , بل سهل لهم الإخفاء والإبداء , ولو كان خيرا لكانوا أظهروا كامل القراطيس والمخطوطات , ولم يخفوا جزء ويبدوا آخر.



                            13- قولك الكريم : " ولم أكن أنكرت صراحة تناول لفظ "الصحف" للألواح الطينية، واكتفيت "بالأولى" الذييحقق مرادي. لكن أزيد هنا فأقول صراحة : لفظ "الصحف" لا يتناول الألواح الطينيةوالله أعلم. شجعني على هذا ما نقلتموه من كتب اللغة. فليس فيها شاهد واحد أنالعرب أطلقت على الألواح الطينية لفظ "الصحف".".


                            بل ما نقلناه أخي الكريم يفيد أن الصحف تعني " الوجه / أو السطح" وذلك لإمكانية الكتابة عليه. ولذلك ذكر العلماء معاني متعددة لمعنى صفحة :


                            وجه الأرض صفحة ( فما بالك بحجارتها وطينها) , بشرة الرجل صفحة , صدر الرجل صفحة...الخ . فظهر أن كل وجه هو صفحة .


                            ولذلك يقال حتى اليوم " صفحة الماء / صفحة السماء " وغير ذلك كثير .



                            فلا تنازع بيننا في إطلاق لفظ صفحة على كل وجه , وهذا يشمل ألواح الحجارة والطين , وهو ما كان مستخدم فعلا للكتابة القديمة. وفي النهاية لك أن تتمسك برأيك إن شئت , ولي أن أتمسك بكلام كتب اللغة بجواز ذلك.





                            14- اعتراضاتك التاريخية الكريمة حول مواد الكتابة القديمة أستعرضها تباعا مع الجواب عليها:


                            * ما نقلته عن دائرة المعارف الكتابية : " وفى فلسطين حل الورق المصنوع من نبات البردي ... محل جلود الحيوانات، وأصبح أهممادة للكتابة في زمن خروج بني إسرائيل من مصر، بل اكتشفت في مقابر سقارة رسالة تدلعلى أن ورق البردي استخدم في مصر منذ عصر الأسرات الأولى (حوالي 2470-2270 ق.م.)،بل هناك إشارات إليه في أقدم نصوص الأهرامات (نحو3200 ق.م" :


                            نعم أخي الكريم استخدم ورق البردي في مصر فقط منذ فترة مبكرة , وكان يستخدم لأغراض متنوعة وليس للكتابة فقط. لكنه للأسف لم يستخدم خارج مصر إلا بعد 1000قبل الميلاد , أي بعد التاريخ المفترض لموسى عليه السلام , وبعيدا عن مكان نزول التوراة المفترض:



                            " وحوالي العام الألف قبل الميلاد، استخدمت أوراق البردي في خارج حدود مصر" – دائرة المعارف – مادة " بردي".


                            والصحيح أن بني إسرائيل استخدموا الحجارة والالواح لكتابة التوراة وليس أوراق البردي , وهذا يظهر جليا للآتي


                            أ- ورق البردي لم ينموا خارج مصر , سوى بعد 1000قبل الميلاد, ومن المعلوم أن بني إسرائيل عاشوا بعد الخروج خارج مصر, وبتأريخ أقدم.


                            ب- عاش بنو إسرائيل حياة تيه ورحيل مستمر دون استقرار إلى وفاة موسى عليه السلام , وتحضير ورق البردي وصناعته تتطلب زراعة وظروفا خاصة , هذا إن وجد أصلا.


                            ج- عاش بنو إسرائيل معظم عمر موسى في الصحراء, سواء صحراء سيناء أم صحراء التيه ( البرية) , فلا يتصور نمو نباتات وتحضير صناعة الورق في الصحراء.


                            د- أشار القرآن الكريم إلى وضعهم الزراعي الفقير , وعدم نمو النباتات لديهم , بعد ما كانوا في مصر أرض الزراعة, فأمرهم بالهبوط مرة أخرى إلى مصر (البقرة :61.):


                            "وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ "



                            * قولك الكريم : " ولذلك قالوا في مادة (سفر التكوين) : (( الوثائق القديمة في فلسطين قد ضاعتتماماً ... فلو أنهم استخدموا الفخار أو الأحجار، لبقيت كتاباتهم، ولكنهم كتبوا علىالبردي والجلود".


                            إعلم أخي الكريم أن رأي دائرة المعارف هذا يرجع إلى سببين :


                            أولا: تصور أن عدد بني إسرائيل كان كبيرا كما ذكرت التوراة , فلذلك تصوروا أن آثارهم كانت باقية بسبب عددهم الذي يصل إلى أكثر من أربعمائة ألف وأكثر. وهذا كما تعلم من الأخطاء التاريخية للعهد القديم , وقد أخبرنا الله سبحانه وتعالى عنهم بالقول على لسان أعدائهم : " إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ" –الشعراء:54.


                            ثانيا: تتهرب دائرة المعارف الكتابية _ والنصارى عموما_ من حقيقة أن كتابة التوراة تمت على حجارة وألواح , بغرض الهروب من الفرق الهائل في حجم التوراة الحالية , وحجمها على الحجارة.


                            وهم بذلك يعارضون حقائق التاريخ , بل وإشارات التوراة نفسها , بل ويعارضون أنفسهم حين قالوا عن ورق البردي : " البردي: لا يذكر البردي في الكتاب المقدس كمادة للكتابة عليها ".


                            وبرغم أن التوراة تشير بوضوح إلى استخدام الحجارة للكتابة إلا أنهم قالوا أن ذلك مقتصر على اللوحين فقط . وتنفي التوراة ذلك أيضا بإشارتها إلى ألواح أخرى فتقول: " " قال لي الرب : انحت لك لوحين من حجر مثل الأولين واصعد إلى الجبل واصنع لك تابوتا من خشب " ( تث 10 : 1 ).


                            ولذلك قال العلامة رحمت الله تعالى تعليقا على فقرة التوراة في كتابه إظهار الحق:


                            " فعلم أن حجم التوراة كان بحيث لو كتب على حجارة المذبح لكان المذبح يسع ذلك، فلو كانت التوراة عبارة عن هذه الكتب الخمسة لما أمكن ذلك فالظاهر كما قلت في الأمر الرابع."

                            لذلك لن تجد دليلا واحد على أن موسى كتب التوراة على ورق أو جلود حيونات , بل هي تخرصات تخالف حقائق التاريخ.


                            ملاحظة سريعة: تأخر كثيرا استخدام الجلود في الكتابة , كما هو عليه معظم المراجع العلمية.


                            * نقلت عن كتاب ( شبهات وهمية) التالي ( وأنا هنا أعتمد على نقلك) :


                            " في المتحف البريطاني رسالة على البردي، كتبها كاهن مصري اسمه «أحميس» تاريخها 3400ق م، وعنوانها «حل المشكلات» وهي مجموع مسائل حسابية وهندسية بالكسور والدوائرومقاييس الهرم وبعض مثلثات وإشارات جبرية. وهذه الرسالة بخط اليد وتُلقَّب برسالة «رند»."

                            أقول أخي الكريم يجب الحذر عند النقل من أهل الكتاب , ليس في أخبارهم الدينية فقط , بل في دفاعاتهم أيضا. فقد وقع صاحب الكتاب ( هداه الله سبحانه ) في عدة أخطاء:


                            أ- نسب زمن البردية إلى تاريخ قديم جدا , فقد ذكر أنها تعود إلى 3400 قبل الميلاد , وهذا غير صحيح.


                            تقول موسوعة المعرفة الالكترونية : " بردية أحمس أو بردية رايند الرياضية Rhind Mathematical Papyrus هي بردية يرجع تاريخها إلى ما بين عام ألفين وألف وسبعمائة قبل الميلاد,ولكن هذه البردية نفسها تشير إلى كتابات رياضية أقدم منها بخمسمائة عام "


                            أما الموسوعة العربية العالمية , وهي الأدق في نظري, فتظهر صورتها وتعود بها إلى القرن السادس عشر قبل الميلاد:




                            ب - ومن عجائب القس صاحب الكتاب أنه نسب وقتها إلى زمن لم تكن فيه حتى أبجدية , بل كانت الكتابة فيها بالصور فقط , فكيف وبها بعض المعادلات , تقول الموسوعة العربية العالمية:


                            "قدماء المصريين. استخدموا نظامًا يتكون من مئات منالعلامات، تمثل كلماتٍ كاملة أو مقاطع. وكانتالكتابةالمصرية التياستخدمت قبل عام 3000 ق.م، عبارة عن كتابة صورية. أما من الناحية البنائية، فقدكانتالكتابةعبارةعن كتابة كَلِمية أو مقطعية " – مادة " الألفباء".


                            ج- ادعى القس أن فيها مقاييس الهرم , والصحيح أنها مجرد رسم لأحد الحقول:


                            تقول موسوعة المعرفة : " وهي تحسب سعة مخزن للغلال أو مساحة حقل وتضرب لهذا الحساب أمثلة"


                            أما الموسوعة العربية العالمية فتقول عنها كما يظهر في الصورة :


                            " ترجع ورقة البردي هذه إلى القرن السادس عشر قبل الميلاد , وتوضح حساب مساحة أحد الحقول"


                            ولذلك وجب الحذر في النقل من هذا الكتاب وصاحبه. والصحيح كما قلناه سابقا من رجوح كتابة التوراة على حجارة وألواح في قديم عهدها.


                            وقولك الكريم : " كتابتها هكذا أول الأمر لا يعني أنها ظلت تكتب على نفس المادة، بل يغير المؤمنونمواد الكتابة دونما تحريف ولا إنكار عليهم. "


                            اتفق فيه معك تماما , وليتهم نقلوها كما هي من الحجارة من دون تحريف, لكنهم حرفوا فذموا لهذا.



                            15- قولك الكريم : " أن الإخبار في الآية { تجعلونها قراطيس } يدخل فيها يهود المدينة دخولاً أوليـًا ،ومعلوم أنهم لم يكونوا إبان البعثة يكتبون التوراة في ألواح طينية دون الورقوالقراطيس. "


                            نعلم جيدا أن هناك نوعين من الحديث عن اليهود , عام وخاص. فالعام ما دخل فيه اليهود كلهم عبر التاريخ , كالحديث عن قتل الأنبياء وقسوة القلب والتحريف. ونوع خاص نزل لحادثة خاصة وقعت في المدينة , فنزلت آيات كريمة توضح المسألة , كحادثة رجم الزاني.


                            وقولك الكريم هذا كأنك تؤيد به قول القائلين أن التحريف تم بعد بعثة النبي فقط ؟!!


                            16- ردك الكريم على اتهامي لدائرة المعارف بالخبث فقلت :


                            " هذا لا يسوغ اتهامها بالخبث بارك الله فيكم. لو جاز هذا لجاز لكل أحد أن يتهمالقرآن بأنه ينهى عن الصلاة { ولا تقربوا الصلاة } ، فإذا قلنا له : أكمل ، قال كاننقدي موجهـًا لكلمات محددة."



                            معذرة أخي الكريم , فقد كان نقدي موجها لجملة تامة المعنى , وموضحا فيه مكان الخطاء , من ادعائهم أن معنى أبوكريفا يشمل أيضا ( عويص وغير مفهوم ) , وقلنا أن هذه الكتابات الابوكريفية أمامنا وتشبه كتابات التوراة الحالية في أسلوب كتابتها , وجميعها يحتاج إلى تفسير. فلا لزوم أساسا لمعنى ( عويص غير مفهوم ) إلا بغرض تمييع الكلمة للهروب من حقيقة تاريخية تؤكد إخفاء نصوص المخطوطات عن الناس.

                            ولذلك أجمعت بقية المراجع العلمية على معنى واحد لكلمة أبوكريفا , وهي معنى ( الخفي/ السري).


                            وقد كفيتك مؤنة النقاش في ذلك فتركت الحكم للقارئ الكريم بعد أن وضعت النصين أمامه.



                            17 – قولك الكريم : " حتى لو سلمنا بهذه التعابير الإنشائية، فهي لا تنفي أن تخالف المخطوطات معروف قبلاكتشاف مخطوطات البحر الميت، بل قبل القرآن ذاته. "


                            أخي الكريم أنا أتكلم هنا عن البعد التاريخي للموضوع , واعلم أن بداية الاتهام بتحريف كتب أهل الكتاب جاء بعد العصر المسيحي , ولم يرد قبل ذلك حسب علمي , وكان هذا الاتهام لمعارضة المسيحيين من قبل الوثنيين . لكنهم لم يملكوا دليلا ماديا على ذك وقتها.


                            وقد وافق القرآن الكريم دعوى التحريف هذه , لكنه في هذه الاية تحدث عن مرحلة تاريخية متقدمة , ابتدات من تحول التوراة من نصوص حجرية وألواح الى قراطيس غير مضبوطة , الى اخفاء نصوص واظهار نصوص أخرى.



                            فاكتشاف دليل تاريخي قديم , من قبل وجود تلك الدعاوى أصلا , يعزز من صحة البعد التاريخي للدعوى القرآنية.



                            =============


                            وفقكم الله تعالى ورعاكم , ونفعنا بعلمكم ونصحكم , وسدد على طريق الخير خطاكم.



                            والسلام عليكم ورحمة اله وبركاته.

                            تعليق

                            • abubakr_3
                              مشرف عام

                              • 15 يون, 2006
                              • 849
                              • مسلم

                              #15
                              اخوانى فى الله الأستاذ رشيد الكليكى، والأستاذ متعلم
                              السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
                              زادكما الله علما ، ونفع بكما

                              فى الحقيقة أنا لم أقرأ هذا الموضوع كاملا، ومازلت قيد القراءة، لكن أثارتنى نقطة ذكرها الأخر رشيد المليكى فى المداخلة الثامنة، وهى تقول:
                              اقتباس
                              ======================
                              لاحظ أخي الكريم قوله تعالى (تجعلونه قراطيس) أي يغيرون شكله إلى قراطيس , فما هو الشكل السابق له؟؟. من المتعارف عليه اليوم أن أقدم أنواع الكتابة كانت الكتابة المسمارية حوالي 3000 ق.م. وهي نوع من الكتابة على الألواح الطينية , أو الحجرية. وهذا يتوافق تماما مع المدلول اللغوي لوصف التوراة بالصحف الأولى ( سورة الأعلى)
                              ======================

                              فهل تريد أن تقول إن التوراة كتبت عام 3000 قبل الميلاد؟

                              وهل تتبنى الرأى القائل إن موسى كان يعيش فى هذا الزمن أو حتى قبل ذلك، وما يسمونه ما قبل الأسرات؟

                              فمن المتعارف عليه اليوم أن موسى كان يعيش فى زمن رمسيس الثانى وابنه مرينبتاح أى حوالى 1800 ق.م.، وكان فى هذا الزمن تنتشر أوراق البردى انتشارًا كبيرًا فى مصر وغيرها. فما حاجة بنى إسرائيل إلى كتابة كتابهم على ألواح حجرية، فى الوقت الذى يمكنهم حمل ورقة أو عدة أوراق سهلة الحمل والوقوف أمام الشعب للقراءة منها؟

                              ألا يمكننا أن نفهم أن الله تعالى أنزل على موسى عليه السلام الألواح الحجرية، ومنها نسخوا صحائفهم، فأخفوا بعض ما فيها أثناء النسخ، أو بعض الصحف أو الكتب كاملة؟

                              بارك الله فى علمكم ونفعنا به
                              abubakr_3

                              تعليق

                              مواضيع ذات صلة

                              تقليص

                              المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
                              ابتدأ بواسطة الفقير لله 3, 14 أكت, 2024, 04:59 ص
                              ردود 0
                              29 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة الفقير لله 3
                              بواسطة الفقير لله 3
                              ابتدأ بواسطة الفقير لله 3, 3 أكت, 2024, 11:34 م
                              رد 1
                              19 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة الفقير لله 3
                              بواسطة الفقير لله 3
                              ابتدأ بواسطة الفقير لله 3, 28 سبت, 2024, 02:37 م
                              رد 1
                              26 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة الفقير لله 3
                              بواسطة الفقير لله 3
                              ابتدأ بواسطة الفقير لله 3, 28 سبت, 2024, 12:04 م
                              ردود 0
                              19 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة الفقير لله 3
                              بواسطة الفقير لله 3
                              ابتدأ بواسطة مُسلِمَة, 5 يون, 2024, 04:11 ص
                              ردود 0
                              63 مشاهدات
                              0 ردود الفعل
                              آخر مشاركة مُسلِمَة
                              بواسطة مُسلِمَة
                              يعمل...