قال تعالى: (وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الّذِي جَآءَ بِهِ مُوسَىَ نُوراً وَهُدًى لّلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلّمْتُمْ مّا لَمْ تَعْلَمُوَاْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام:91]
شرح الآية:
لقد ظن بعض المفسرين أن هذه الآية تتحدث عن " كفار قريش " و لا تتحدث عن اليهود , وسبب ذلك يعود _ في نظرهم _ أن الآية تتحدث عن قوم يقولون " مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ " , واليهود كما هو معروف يؤمنون بأن الله_سبحانه_ قد أنزل التوراة على نبي الله موسى_عليه السلام_, وعلى آخرون, فلذلك كان المشركون هم الأقرب لهذا الإنكار , إذ أنهم ليسوا بأهل كتاب سابق كاليهود .
ومع احترامنا الشديد لاجتهادات علمائنا الكرام , إلا أن ما وصلوا إليه كان "غير دقيق " .إذ أن الآية الكريمة شديدة الوضوح في أنها تعني "اليهود " وعلماء بني إسرائيل , ولا تعني المشركين على الإطلاق للأسباب التالية :
1- سياق الآية وضمير المخاطب فيها لا يمكن أن يكون عن المشركين, فالآية تقول (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً )
فلا يمكن على الإطلاق تصور أن المشركين كانت عندهم " قراطيس التوراة " وكانوا " يبدونها " للناس ويخفون كثيرا منها.
2- أما بالنسبة للإشكال من أن اليهود لا يقولون " مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ " فمن السهل فهمه في إطار الأسلوب القرآني في آيات أخرى, والذي ينسب فيه قول صدر من شخص أو جماعة صغيرة من اليهود إلى اليهود جميعا, إذ أن القرآن لا يقول أن هذه عقيدة اليهود, بل يقول " إِذْ قَالُواْ " أي قاله أحد اليهود أو مجموعة منهم, فنسب إلى اليهود بسبب سكوتهم وتضامنهم المعنوي معهم, وعدم إنكارهم.ومن أمثلة ذلك قوله تعالى:(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ) [المائدة: 64], فالعقيدة اليهودية
لا تعلم أبدا أن الله بخيل, ولكن الحسد جر بعضهم إلى قول أشياء منكرة بغرض مضايقة النبي (ص) وأتباعه. وبسبب سكوت اليهودوتضامنهم المعنوي معهم تحملوا جميعا إثم القول. ومن ذلك أيضا قوله تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ) [التوبة : 30] .
إذا فهذه الآية من أفضل الآيات التي تتحدث عن التحريف الذي قام به اليهود في نصوصهم المقدسة. فهي تتحدث عن نوع من التحريف لم يعرف بدقه إلا في العصر الحديث, وهو "تحريف مخطوطات الكتاب المقدس", إذ أن هذا لم يظهر إلا في العصر الحديث وبعد اكتشاف الكثير من مخطوطات الكتاب المقدس ومقارنتها مع بعضها, وتطورها عبر القرون. فهذه الآية الكريمة إعجاز تاريخي فريد.
وقوله تعالى (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً) و " القرطاس" في اللغة هو " الصحيفة التي يكتب فيها ", وقوله "قراطيس"أي صحف متفرقة, وليس مضموما معا في كتاب كامل بدليل إخفاء البعض وإظهار البعض الآخر. وهو ما ينطبق على المخطوطات المكتشفة التي تصلنا على شكل كتب ممزقة ووريقات متناثرة, وغير محددة في قانونيتها. وتضم كتبا ضمها اليهود للنص المقدس وكتبا غير معترف بها ونصوص أخرى, كما هو الحال في " مخطوطات البحر الميت " مثلا.
قوله تعالى " تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ" تظهر بوضوح أنهم هم من جعلوه على شكل " قراطيس" متفرقة, وهي الهيئة التي لم يكن عليها الكتاب عندما أنزل. وقوله تعالى " تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً " الإخفاء هنا يقصد به إخفاء تلك "القراطيس" عن الناس. ولكن لماذا يتم إخفاؤها عن الناس ؟؟ لأنها تحتوي على نصوص أخرى تظهر حقائق لا يرغبون في ظهورها للناس. فالتحريف هنا مر بمرحلتين :
أ- تغيير شكل الكتاب المنزل _عبر قرون من الزمن _ من كتاب صغير ,وصحف قليلة (أَمْ لَمْ يُنَبّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىَ) [النجم : 36] إلى مجموعة قراطيس متفرقة ومتناثرة هنا وهناك , يتم إخفاء الكثير منها, إن ذلك يشير بقوة إلى إعادة صياغة النصوص المقدسة.
ب- إخفاء الغالبية العظمى من تلك القراطيس التي تحتوي نصوصا أخرى لم يوافق عليها الأحبار, وإظهار القليل منها فقط للناس.
إن هذا الإخفاء الذي يتحدث عنه القرآن الكريم ينسجم تماما مع الحقائق التاريخية , فقد عرف تاريخ نصوص اليهود المقدس نوعا ما من ذلك النوع من الكتابات أطلق عليه " أبوكريفا " , تقول دائرة المعارف الكتابية حول ذلك :
(الاسم أبوكريفا : عندما أطلقت كلمة " أبوكريفا " على الكتابات الدينية ، كانت تحمل معنى أنها قاصرة على دائرة معينة ضيقة ، لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يفهموها . فالكلمة بمعنى " خفي - غامض - مبهم - عويص " )_دائرة المعارف مادة "أبوكريفا".
ويبقى السؤال الهام: ما مصير تلك القراطيس التي أخفيت عن الناس ؟؟. الجواب: لا يخبرنا القرآن الكريم بوضوح عن مصير تلك القراطيس والذي يبدوا أن بعضها قد دمر عبر الزمن وفقدت تحت تأثير الظروف, واستمر الحال كذلك على الأقل حتى بعثة النبي, يتضح ذلك من قول الله _سبحانه_:
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مّمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ)_[المائدة : 15].
أما بالنسبة للمخطوطات الحالية للكتاب المقدس فالخبراء يجمعون الآن وبشكل كامل أنه لا يمكن أن نجد مخطوطتين متطابقتين تماما على الإطلاق .إن هذا يظهر الحجم الهائل الذي أضافته يد البشر إلى تلك " القراطيس " والى النصوص المقدسة فيها عبر القرون.
--------------
من كتابي القادم_ باذن الله تعالى_ : " موسوعة تحريف الكتاب المقدس".
شرح الآية:
لقد ظن بعض المفسرين أن هذه الآية تتحدث عن " كفار قريش " و لا تتحدث عن اليهود , وسبب ذلك يعود _ في نظرهم _ أن الآية تتحدث عن قوم يقولون " مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ " , واليهود كما هو معروف يؤمنون بأن الله_سبحانه_ قد أنزل التوراة على نبي الله موسى_عليه السلام_, وعلى آخرون, فلذلك كان المشركون هم الأقرب لهذا الإنكار , إذ أنهم ليسوا بأهل كتاب سابق كاليهود .
ومع احترامنا الشديد لاجتهادات علمائنا الكرام , إلا أن ما وصلوا إليه كان "غير دقيق " .إذ أن الآية الكريمة شديدة الوضوح في أنها تعني "اليهود " وعلماء بني إسرائيل , ولا تعني المشركين على الإطلاق للأسباب التالية :
1- سياق الآية وضمير المخاطب فيها لا يمكن أن يكون عن المشركين, فالآية تقول (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً )
فلا يمكن على الإطلاق تصور أن المشركين كانت عندهم " قراطيس التوراة " وكانوا " يبدونها " للناس ويخفون كثيرا منها.
2- أما بالنسبة للإشكال من أن اليهود لا يقولون " مَآ أَنزَلَ اللّهُ عَلَىَ بَشَرٍ مّن شَيْءٍ " فمن السهل فهمه في إطار الأسلوب القرآني في آيات أخرى, والذي ينسب فيه قول صدر من شخص أو جماعة صغيرة من اليهود إلى اليهود جميعا, إذ أن القرآن لا يقول أن هذه عقيدة اليهود, بل يقول " إِذْ قَالُواْ " أي قاله أحد اليهود أو مجموعة منهم, فنسب إلى اليهود بسبب سكوتهم وتضامنهم المعنوي معهم, وعدم إنكارهم.ومن أمثلة ذلك قوله تعالى:(وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ) [المائدة: 64], فالعقيدة اليهودية
لا تعلم أبدا أن الله بخيل, ولكن الحسد جر بعضهم إلى قول أشياء منكرة بغرض مضايقة النبي (ص) وأتباعه. وبسبب سكوت اليهودوتضامنهم المعنوي معهم تحملوا جميعا إثم القول. ومن ذلك أيضا قوله تعالى : (وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ) [التوبة : 30] .
إذا فهذه الآية من أفضل الآيات التي تتحدث عن التحريف الذي قام به اليهود في نصوصهم المقدسة. فهي تتحدث عن نوع من التحريف لم يعرف بدقه إلا في العصر الحديث, وهو "تحريف مخطوطات الكتاب المقدس", إذ أن هذا لم يظهر إلا في العصر الحديث وبعد اكتشاف الكثير من مخطوطات الكتاب المقدس ومقارنتها مع بعضها, وتطورها عبر القرون. فهذه الآية الكريمة إعجاز تاريخي فريد.
وقوله تعالى (تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً) و " القرطاس" في اللغة هو " الصحيفة التي يكتب فيها ", وقوله "قراطيس"أي صحف متفرقة, وليس مضموما معا في كتاب كامل بدليل إخفاء البعض وإظهار البعض الآخر. وهو ما ينطبق على المخطوطات المكتشفة التي تصلنا على شكل كتب ممزقة ووريقات متناثرة, وغير محددة في قانونيتها. وتضم كتبا ضمها اليهود للنص المقدس وكتبا غير معترف بها ونصوص أخرى, كما هو الحال في " مخطوطات البحر الميت " مثلا.
قوله تعالى " تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ" تظهر بوضوح أنهم هم من جعلوه على شكل " قراطيس" متفرقة, وهي الهيئة التي لم يكن عليها الكتاب عندما أنزل. وقوله تعالى " تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً " الإخفاء هنا يقصد به إخفاء تلك "القراطيس" عن الناس. ولكن لماذا يتم إخفاؤها عن الناس ؟؟ لأنها تحتوي على نصوص أخرى تظهر حقائق لا يرغبون في ظهورها للناس. فالتحريف هنا مر بمرحلتين :
أ- تغيير شكل الكتاب المنزل _عبر قرون من الزمن _ من كتاب صغير ,وصحف قليلة (أَمْ لَمْ يُنَبّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىَ) [النجم : 36] إلى مجموعة قراطيس متفرقة ومتناثرة هنا وهناك , يتم إخفاء الكثير منها, إن ذلك يشير بقوة إلى إعادة صياغة النصوص المقدسة.
ب- إخفاء الغالبية العظمى من تلك القراطيس التي تحتوي نصوصا أخرى لم يوافق عليها الأحبار, وإظهار القليل منها فقط للناس.
إن هذا الإخفاء الذي يتحدث عنه القرآن الكريم ينسجم تماما مع الحقائق التاريخية , فقد عرف تاريخ نصوص اليهود المقدس نوعا ما من ذلك النوع من الكتابات أطلق عليه " أبوكريفا " , تقول دائرة المعارف الكتابية حول ذلك :
(الاسم أبوكريفا : عندما أطلقت كلمة " أبوكريفا " على الكتابات الدينية ، كانت تحمل معنى أنها قاصرة على دائرة معينة ضيقة ، لا يمكن لمن هم خارج هذه الدائرة أن يفهموها . فالكلمة بمعنى " خفي - غامض - مبهم - عويص " )_دائرة المعارف مادة "أبوكريفا".
ويبقى السؤال الهام: ما مصير تلك القراطيس التي أخفيت عن الناس ؟؟. الجواب: لا يخبرنا القرآن الكريم بوضوح عن مصير تلك القراطيس والذي يبدوا أن بعضها قد دمر عبر الزمن وفقدت تحت تأثير الظروف, واستمر الحال كذلك على الأقل حتى بعثة النبي, يتضح ذلك من قول الله _سبحانه_:
(يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَآءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ كَثِيراً مّمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ)_[المائدة : 15].
أما بالنسبة للمخطوطات الحالية للكتاب المقدس فالخبراء يجمعون الآن وبشكل كامل أنه لا يمكن أن نجد مخطوطتين متطابقتين تماما على الإطلاق .إن هذا يظهر الحجم الهائل الذي أضافته يد البشر إلى تلك " القراطيس " والى النصوص المقدسة فيها عبر القرون.
--------------
من كتابي القادم_ باذن الله تعالى_ : " موسوعة تحريف الكتاب المقدس".
تعليق