سورة من مثله
إذا كنت ممن يشتم ويسب إذا ما عُرِض عليه سؤال يشكك في اعتقاد ما ويرفض أن يقارع الحجة بالحجة فلا حاجة لك بأن تقرأ الموضوع أصلا، فإن هذا الموضوع موجه إلى من يؤمن إيمانا مبنيا على الدليل والبرهان لا على الهوى والتقليد.
تحدانا المسلمون بأن نأتي بسورة من مثل القرآن ونحن قبلنا التحدي. وسنأتيكم بسورة من مثل سورة الكوثر فبينوا لنا إن كان بوسعكم وجه قصور السورة التي سنأتيكم بها عن أن تكون مثل سورة الكوثر بل خيرا منها، "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين".
إنا أعطيناك الأَنـْفـَس * فزَكِّ لربك وانـْعَسْ * إن مُبغِضـَكَ هو الأخنـَس*
الإشراف
فهذه سورة خير من سورة الكوثر وبيان ذلك فيما يأتي:لا تضع أسم الله العلى عنواناً لكلامك المتهافت
الإشراف
قولنا الأنفس أبلغ من قوله الكوثر وذلك من وجهين. الأول: أن إعطاء الأنفس يدل على عِظـَم وكرم المُعطي بما لا يدل عليه إعطاء الكوثر لأن المعطي أعطى أنفس الأشياء لا أكثرها فحسب كالكوثر، وفي هذا إظهار لعظيم الكرم والجود. الثاني: أن إعطاء الأنفس يدل على رفعة منزلة المُعطى بما لا يدل عليها إعطاء الكوثر وذلك لاستحقاقه أن يعطى أنفس الأشياء وليس شيئا نفيسا فقط.
مزيد بيان
لفظة الكوثر تدل على الشيئ الكثير ولا يلزم منها أبدا أن يكون في هذا الكثير أنفس الأشياء أو أعلى نعيم بل ولا أن يكون نفيسا فهي على وزن فوعل ومشتقة من كثر والواو زائدة، وليست على صيغ التفضيل كأفعل وعليه فلا يلزم منها أن يعطي أكثر الأشياء ولو لزم هذا لما لزم أن يكون أكثر المعطى خيرا، وقد يكون الكثير زهيدا، و روي في الأثر "أومن قلةٍ نحن يا رسول الله؟ قال بل كثير لكنكم غثاء كغثاء السيل". وهذا مما يعلم من لغة العرب.
ثم إن لفظ الكوثر مجمل مبين بالحديث لا بذاته، وأنت إن أقررت بهذا لزمك أن تستدل على إعجاز لفظة الكوثر بما هو خارج عن النص، أي أن القرآن لم يبين معنى الكوثر وهل هو كثير زهيد أم كثير نفيس وهل فيه أزهد الأشياء أم أنفسها، وبهذا أظهرت ضعف بلاغة لفظة الكوثر.
وأي إعجاز هذا الذي في لفظة لم يفهم المراد منها الصحابةُ؟! كما جاء في الحديث في صحيح مسلم أن رسول الإسلام سأل: "هل تدرون ما الكوثر؟" فقلنا: الله ورسوله أعلم؟! ...
ولا ينعكس هذا على لفظة "الأنفس" بأن يقال إنها مجملة، فإن في إجملها إعجاز ذلك أننا لم نبين ما هو الأنفس لأن الكلام يعجز عن الوصف، وليس في الجنة مما في الدنيا إلا الأسماء، ولكن أخبرتنا بلاغة اللفظة أن المُعطى هو أعظم شيء قيمة وأكثر ما يرغب فيه، وهذا يكفي للإشارة إلى عظمه وحسنه فكل ما سيخطر ببالك فقيمة المُعطى أعظم منه .
قولنا فزَكِّ أبلغ من قوله فصلِّ أو قوله وانحر. بيان ذلك أن الزكاة تشمل تزكية النفس وتزكية المال، والأول يكون بالصلاة والذكر والدعاء ونحوها والثاني يكون بأنواع الصدقة من انفاق الذهب والفضة والنحر، فجمع بين العبادة البدنية (الصلاة) والمالية (النحر) وزاد عليها في لفظة واحدة. فلا أبلغ ولا أجزل.
أما قولنا وأنعَس ففيه من البلاغة ومعاني العبادة ما لا تجده في سورة الكوثر؛ فالنعاس لغة النوم أو السِّنة من غير نوم. فعلى المعنى الأول يكون فيه من الملاطفة والرحمة ما فيه وذلك بأن أمره بعد أن يزكي نفسه بأنواع العبادة أن ينام ويرتاح فإن لبدن الإنسان عليه حق، والنعاس بهذا المعنى نعمة عظيمة أنعمها الله على المجاهدين في سبيله، وذلك في قوله "إذ يغشيكم النعاس أمنة منه" وكان النبي يقول لمن يقوم الليل ولا ينام "أما أنا فأقوم وأنام". وفي الآية إشارة إلى أن نوم الإنسان من العبادة التي أمر الله بها عباده وذلك إن كان مع أداء الطاعات وقيام المرء بالواجبات فإنه بوسطة النوم يتقوى الإنسان على طاعة الله، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. فأين هذه البلاغة والفصاحة والملاطفة والرحمة والتنوع في بيان أنواع العبادة في سورة الكوثر؟
وعلى المعنى الثاني وهو السِّنة من غير نوم فيُحمَل على الحض على السهر والقيام في سبيل الله وهي عبادة شريفة عظيمة فقد أمر جل شأنه عبده أن يَنـْعَس لربه فيسهر الليل في مناجاته والصلاة له، ويسهر الليل مدافعا عن الثغور في سبيله فإنه في مثل هذا المقام لا يخلد الإنسان للنوم وإنما يبقى يقظا ساهرا على حماية المؤمنين وفي هذا جاء الحديث "عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله"، وهذا حال الصحابة وهم ينتظرون النبي ليخرج إليهم ويصلي بهم فقد كانت تخفق رؤوسهم وهم ينتظرون الصلاة. وتأمل أثر هذه الكلمة في قلب المجاهد أو المنتظر للصلاة الذي قام في الليل لله جل وعلا وقرأ "فزكِّ لربك وانعس" وكم من الحلاوة سيجد في قلبه من لذة العبادة.
مزيد بيان
إن اعترض أحدهم بقوله إن النعاس فعل لا أرادي فكيف يأمر به؟ قلنا إنما ذُكِرَ النعاس وأريد سببه وهو السهر وهذا من المجاز وهو من ضروب البلاغة، وفائدتة أنه لو أمره بالسهر لذهب المعنى الأول للنعاس وهو النوم فكان هذا المجاز شاملا للنوم وللسهر في طاعة الله معا. وهو مجاز علاقتة المسبَّبِيَّةُ. لذا قلنا فيسهر في مناجاته والصلاة له، وسهر الليل مدافعا عن الثغور...
أما قولنا الأخنس فأبلغ من قوله الأبتر وذلك لأنه بالإضافة إلى أن مبغضه مختف وغائب وكأنه غير موجود لذلته وهوانِهِ، شبهه بما بالشيطان الخناس وذلك مبالغة في إظهار خزية وهوانه وأنه من شياطين الإنس.
مزيد بيان
بيان عَوَر هذا الأخنس بتشبيهه بالشيطان وأي عيب أعظم من هذا؟! وفيه كفاية لما كان له قلب أو ألقى السمع وهو بصير، وأما أن فيه معنى الخفاء، فإنه أحقر من أن يذكر عيبه، وهذا مبالغة في بيان وضاعته وخسته فلا يذكر أصلا ومن هذا قول الشاعر
ولو كنت امرأ يهجا هجونا ولكن ضاق فتر عن مسيري
فإن اعترض أحدهم أنا نصب قوالبنا في قوالب سورة الكوثر فما الضير فيه؟ جئنا بنفس القالب ووضعنا فيه من الدرر ما لم يملك واضع القالب عن أن يأتي بمثله
فبان بهذا أن لفظة الأخنس أبلغ في إيصال الذم من لفظة الأبتر وللحق الحمد والمنة
تعليق