لا خلاف على أن الشتم والسباب ليس خلق المسلم، وكذلك القتل وسفك الدماء ليس من خلق المسلم. ولكن عندما يدعو داعي الجهاد، فإن قتال أعداء الله ذروة سنام الإسلام، وكذلك قد يكون للحدة والشدة والإغلاظ في الكلام مكان عند الحديث مع أهل الكفر وعند الكلام مع أهل البدع. وحسبك رد الصديق رضي الله عنه على سهيل بن عمرو في صلح الحديبية وهو رد في غاية الشدة. وكذلك ردود أهل العلم على أهل البدع قديما وحديثا فالشعبي رحمه الله وصفه الرافضة بالغباء والحماقة، وأهل العلم رموا غير واحد من أهل الكلام بالزندقة.
وأما عن تعميم الكلام على الفرق الضالة ، فالشافعي رحمه الله نعت الرافضة بالكذب وحكم في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال.
وأنا أحمد لك قصدك إن كان ما ترمي له بكلامك هو الإحسان في الدعوة والتحلي بالخلق الرفيع، وهذا أمر أشد على يدك عليه ولا يخالفك فيه أحد. ولكن للدعوة فقه، فعندما يكون الأدب وحسن الكلام ولين الجانب على صورة التخاذل والمداهنة والتفريط في حمى الدين فلا رفق ولا لين، وكما بينت لك، ففي صلح الحديبية حين قال سهيل بن عمرو للنبي صلى الله عليه وسلم أن الصحابة الذين اتبعوه أشواب من الناس -يريد أن يحقر من أمرهم-، رد عليه أبو بكر رضي الله عنه ردا شديد الغلظة والحديث مشهور، فما أتكر النبي صلى الله عليه وسلم كلمة أبي بكر رضي الله عنه لأنها جاءت في محلها فهي ذود عن الدين وبيان أن لهم قوة وأنهم أهل ثبات عند اللقاء.
ولكن هذا لا يمنع أن ما اقتبسته أنا من كلامك -وبعض مما لم أقتبسه- يحتاج لتحرير لأنه إن سلمنا لك بسلامة القصد فهو يحتمل أن يفهم منه أن الرد دوما يكون بالكلام اللين وأن الكلام في أهل البدع غير مستحب وأن السكوت على الفرق الضالة مندوب وهذه كلها نتائج باطلة بل هي معول هدم للسنة ومادة بناء للبدعة، فلولا جهاد أهل العلم لأهل البدع والمشركين من اليهود والنصارى باللسان والقلم لما صفت لنا عقيدة التوحيد من زخم أهل البدع الذي تفوح رائحته من كتب التاريخ، بل ولا زلنا نرتشف مرارة من يقول اللين مع هؤلاء .
فالحذر الحذر، وتدبر فيما سطرت آنفا وما سطرته لك الآن، وأسأل الله لي ولك الهداية.
تعليق