عفوًا قداسة البابا.. هذا هو محمد

تقليص

عن الكاتب

تقليص

أم البنات اكتشف المزيد حول أم البنات
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • أم البنات
    1- عضو جديد
    • 8 يون, 2006
    • 57

    عفوًا قداسة البابا.. هذا هو محمد

    عفوًا قداسة البابا.. هذا هو محمد


    د. خــالد الطـراولي **

    هل يمكن أن يكون محمد صلى الله عليه وسلم نكرة حتى نواصل تقديمه إلى الناس؟ هل يمكن أن يكون هذا الرجل العالمي مجهولاً عند الناس، ويدين بديانته خمس سكان الأرض؟ هل يعقل أن تغيب شخصية هذا النبي الكريم عن البعض، وهي التي لم يترك جانب منها خاص أو عام، وفي أصغر تفصيلاته، إلا ملأت الكتب والمعاجم، واستوطنت الصدور وملأت الأفاق؟ هل يعقل ألا يعرف قداسة البابا قصة هذا الرجل الطيب، وما حمله للبشرية من جديد وتجاوز للقديم، ومن ورائه قصة أمة وقصة دين؟

    سوف نبني على حسن النوايا وندعو قداسة البابا، لمرافقتنا في هذه الرحلة القصيرة، نحو جانب بسيط من حياة هذا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وتعامله مع الآخر.

    وسنقتصر على مشاهد تروي العلاقة التي أفرزها مجيئه الكريم على التقارب بين أتباع عيسى عليه السلام وأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وهي محطة نخالها إحدى هذه التعبيرات الإنسانية، لهذا الرجل الصالح عليه الصلاة السلام ومحبته؛ للتعارف والتقارب بين الأمم والشعوب، وبين الثقافات والأديان.

    تبجيل وتشريف

    كانت آل عمران -ثاني أكبر السور القرآنية- تحمل اسم أسرة المسيح عليه السلام، ثم تفاجئنا سورة تحمل اسم العذراء -السيدة مريم عليها السلام- تشريفًا وتكريمًا لها، ولن تجد في المقابل اسم فاطمة ولا خديجة ولا عائشة ولا الحسن ولا الحسين، كعناوين بارزة أو ذكرًا مباشرًا، وهم من البيت النبوي وأقرب الناس إلى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.

    وذكر القرآن الكريم سيدنا عيسى عليه السلام بالاسم 25 مرة، بينما لم يذكر محمد صلى الله عليه وسلم إلا 5 مرات! ولن تجد أحداثًا خاصة وعصيبة مرّ بها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من موت أم وأبناء وبنات وزوجة وجدّ وأعوام حزن وفراق، وسوف تجد بالمقابل سردًا تفصيليًّا لمولد المسيح عليه السلام من قبل الإنشاء إلى حد الرفع.

    هذا القرآن الذي جاء به محمد صلى الله عليه وسلم جعل من النصارى أقرب الناس إلى المسلمين: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّا نَصَارَىٰ ذٰلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ} (المائدة: 82).

    وهذه الدعوة القرآنية تأكيد مباشر على خاصية الرهبنة والرحمة والمحبة والتواضع في قوم عيسى عليه السلام، ودعوة للعدل المتبادل بين قوم عيسى عليه السلام، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم حيث تسطّر المودة أحلى إطار إنساني لها.

    وسنتجاوز آيات التبجيل والتمجيد والتكريم للمسيح وأمه الصديقة التي ملأت أرجاء القرآن، لترسو سفينتنا على هذا التعظيم الذي حمله هذا النبي الكريم نحو المسيح، بأن تنبأ له بالعودة إلى الأرض في آخر الزمان؛ ليحمل مشعل الإسلام، ويواصل المشوار دفاعًا عن المؤمنين.

    هلال وصليب

    وكان لقاء عجيبًا الذي جمع هذا الرجل الطيب عليه الصلاة والسلام مع نصارى نجران، حيث جاءوا إلى المدينة والرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في قوته وبين أهله وذويه، وجاء القوم من بلادهم وهم ضعاف ينظرون ماذا سيفعل بهم هذا الرسول الذي لا يؤمنون ببعثته.

    ودخل 60 فردًا على الرسول صلى الله عليه وسلم في مسجده، وهم يلبسون أحلى ما رأى الناس حتى قيل لم نرَ وفدًا مثلهم، ولم يغضب الرسول صلى الله عليه وسلم لهذا الاستعراض وهذه الجلبة وهو في محرابه، بل استقبلهم داخل مسجده وبجانب محرابه، وفي موطن عبادته وتوحيده.

    ولما حان وقت صلاتهم، اتجهوا نحو المشرق، وأرادوا أداءها في المسجد، وفي اتجاه مخالف لاتجاه المسلمين.. تثليث وصلبان وصلاة مغايرة في مقابل التوحيد وصاحب الرسالة، ورفض الصحابة هذه الإثارة، ولعلّ البعض رآها استفزازًا.

    ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قَبِل ذلك، وطلب من أصحابه الأفاضل السماح للضيوف الكرام أداء صلواتهم في المسجد، على مرمى عين صاحب الرسالة؛ احترامًا لعيسى وآل عيسى وأتباع عيسى عليه السلام.

    ولقد بقي هذا الجمع يسكن المسجد لأيام، في ضيافة النبي صلى الله عليه وسلم، يأكلون ويشربون ويصلون وينامون، دون إزعاج أو مضايقة أو منع أو تنديد.. هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم!.

    إخوة ومواطنة

    ولقد كان النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يعود المرضى من غير المسلمين، ويزور جيرانه، ولو لم يكونوا من أصحاب ديانته، ولا يبخل على الإحسان إلى محتاجهم. وقد وقف ذات يوم عند مرور جنازة احترامًا لجثمان الميت، فقيل له إنها جنازة يهودي، فقال عليه الصلاة والسلام: "أليست نفسًا".. تذكيرًا بأصل الخِلقة وتكريم الخلق على اختلاف مشاربهم وأجناسهم وأديانهم وثقافاتهم.

    قال الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم: "يا أيها الناس.. إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم} ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: فيبلغ الشاهد الغائب".

    ولن يقف هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام موقف المحايد أو الشامت أو الداعي إلى الخلاص، ممن رفض دينه وعايشه في وطن، علت فيه قيم المواطنة على انتماءات العقيدة والجنس، وغلبت فيه لغة حقوق الإنسان مهما غربت أو شرقت وجهته الدينية، فكان دستور المدينة تعبيرًا فريدًا وإفرازًا نوعيًّا وإنشاء قانونيًّا جديدًا، جمع تحت بنوده أمة محمد والأمم الأخرى التي تساكنه نفس الوطن لها ما لهم وعليها ما عليهم.

    ولن يتوقف هذا المدد الإنساني الذي حمله محمد صلى الله عليه وسلم بين دفتي رسالته، بل تجاوزه إلى اعتبار ديني غليظ، يصبح فيه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم سندًا روحيًّا مباشرًا لأهل الديانات الأخرى، إذا طالهم ظلم أو حيف أو انتقاص: "ألا من ظلم معاهدًا أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس؛ فأنا حجيجه يوم القيامة".. هذا هو محمد صلى الله عليه وسلم!.

    لقد كان في كتاب النبي الكريم إلى أهل نجران: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ}، وهذه الآية تبني علاقة الاحترام والتعارف بين الأديان والثقافات والتي حملها رجل جاء رحمة للعالمين!.. هذا يا قداسة البابا هو محمد صلى الله عليه وسلم!
    التعديل الأخير تم بواسطة د.أمير عبدالله; 10 يون, 2024, 08:20 ص.
    [frame="2 80"]"ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل الله به الكفر" [/frame]
  • الفيتوري
    مشرف النصرانية ومن لبنات التأسيس للمنتدى

    • 10 يون, 2006
    • 1422
    • مسلم

    #2
    ولكن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قَبِل ذلك، وطلب من أصحابه الأفاضل السماح للضيوف الكرام أداء صلواتهم في المسجد، على مرمى عين صاحب الرسالة؛ احترامًا لعيسى وآل عيسى وأتباع عيسى عليه السلام.
    عجبت لكاتب هذه المقاله
    وكأنه يعترف بالنصرانيه انها دين
    كيف يكون تكريم عيسى عليه السلام واحترامه بقبول صلاة التثليث الوثنيه .
    هل هذا هو دين عيسى .
    انهم ليس اتباع عيسى اصلا .
    اكتفي بهذا ...

    نورت المنتدى اختنا ام البنات .

    تعليق

    • Alaa El-Din
      مشرف عام مساعد

      • 12 يول, 2006
      • 3296
      • مسلم

      #3
      أعترض على تسمية البابا بقداسة البابا لأنه ما لوش قداسه .
      ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ
      [ النحل الآية 125]


      وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ [ الأنعام الآية 108]


      تعليق

      • elbamby709

        #4
        (لقد كان في كتاب النبي الكريم إلى أهل نجران) هل القرآن هو كتاب النبي أم كتاب الله سبحانه وتعالى يجب أن نعي تلك الأشياء والكلمات الصغيرة لأن أعداء الدين يستخدمونها ضدنا

        تعليق

        • م. عمـرو المصري
          مشرف شرفي , لقسم نقد المخطوطات

          • 22 يول, 2006
          • 1280
          • مسلم

          #5
          بارك الله فيكم اخي الحبيب ونفع بكم

          وهذا مقال شيخ الأزهر الخامس والأخير ردا على بابا الفاتيكان . المنشور اليوم في الأهرام

          هـذا هو الإسـلام
          حـوارهـادئ مع قداسة بابا الفاتيكان‏5‏
          بقلم فضيلة الإمام الأكبر‏:‏ د‏.‏ محمد سيد طنطاوي
          شيخ الأزهـــــر

          هذا هو المقال الخامس ـ والأخير ـ ياقداسة البابا الذي أحب ان أوجهه الي قداستك بعد أن حدثتك في المقال الأول عن أن الاسلام قد انتشر عن طريق الاقناع والاختيار‏,‏ وليس عن طريق الاكراه والاجبار‏,‏ كما زعم الجاهلون‏.‏

          وبعد ان حدثتك في المقال الثاني عن أن الجهاد في الاسلام قد شرع للدفاع عن النفس والمال والدين والكرامة الانسانية‏,‏ ولم يشرع للعدوان علي الآمنين‏,‏ كما قال من في قلوبهم مرض‏.‏

          وبعد ان حدثتك في المقال الثالث عن أن محمدا ـ صلي الله عليه وسلم ـ قد أتي للانسانية بكل خير‏,‏ وبكل ماهو حق‏,‏ وبكل ماهو بر‏..‏ وأن ماقاله القيصر البيزنطي من أن محمدا ـ صلي الله عليه وسلم ـ لم يأت الا بالشر هو قول باطل وبعد ان حدثتك في المقال الرابع عن العقيدة في شريعة الاسلام‏,‏ وعن أن الاسلام دين يحترم العقل الانساني‏,‏ ويجعله أساسا للتكليف‏,‏ فلا تكليف ولا مسئولية علي غير العقلاء‏.‏

          وفي هذا المقال الخامس ـ والأخير ـ أحب ان أوضح لقداستك منزلة الحوار في شريعة الاسلام بعد أن رأيتك في محاضرتك التي ألقيتها في احدي الجامعات الألمانية في السابع عشر من شهر سبتمبر سنة‏2006‏ م‏,‏ تؤكد أهمية الحوار وتقول ـ قداستك ـ في ختام هذه المحاضرة‏:‏ وهكذا ينبغي لنا أن ندعو للحوار بين الحضارات‏,‏ في رحابة العقلانية الواسعة

          وتقول بعبارة اخري‏:‏ وعلينا أن ندعو للحوار بين الحضارات في إطار العقلانية الرحبة

          وتقول قداستك في عبارة ثالثة‏:‏ والأمر يتطلب الوصول إلي حوار صريح مع مختلف الثقافات وهذه احدي المهام الكبري للجامعات

          وإني ـ ياقداسة البابا ـ أؤيدك كل التأييد في وجوب فتح باب الحوار بين الثقافات والحضارات والهيئات العلمية والدينية‏..‏ علي أوسع نطاق‏..‏

          وسيكون حديثي معك ـ قداسة البابا ـ في هذا المقال الخامس والأخير مقصورا علي مايأتي‏:‏

          أ ـ أهمية الحوار ـ ب ـ أسس الحوار ـ جـ ـ مفردات الحوار
          أـ أما أهمية الحوار فتتجلي في أنه مادامت هناك حياة وأحياء فلا بد ان يكون هناك حوار فيما بينهم‏,‏ إذ لايستطيع انسان أن يعيش في عزلة عن غيره‏,‏ وإنما هو في حاجة الي غيره في بيعه وفي شرائه‏,‏ في أخذه وفي عطائه‏,‏ في بيان فكر‏,‏ وآرائه‏..‏

          فالحياة من مستلزماتها الأساسية‏:‏ الحوار والنقاش والجدال والخلاف بين الأفراد‏,‏ وبين الجماعات‏,‏ وبين الدول‏,‏ وبين الشعوب‏..‏

          بين المتخصصين في الجوانب الدينية‏,‏ أو السياسية‏,‏ أو الاقتصادية‏,‏ أو الاجتماعية‏,‏ أو العلمية‏,‏ أو غير ذلك من مختلف التخصصات والاتجاهات‏.‏

          ولقد أشار القرآن الكريم في كثير من آياته‏,‏ إلي أن الحوار بين الناس‏,‏ من المقاصد الأساسية التي لاغني لهم عنها في حياتهم‏..‏

          ومن هذه الآيات قوله ـ عز وجل ـ‏:‏ ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا‏,‏ ان أكرمكم عند الله أتقاكم ان الله عليم خبير‏.‏
          [‏ سورة الحجرات‏:‏ الآية‏13]‏

          والمعني‏:‏ ياأيها الناس إنا أوجدناكم جميعا من أب واحد ومن أم واحدة‏,‏ هما آدم وحواء‏,‏ فأنتم جميعا تنتسبون الي أصل واحد‏,‏ وجعلناكم عن طريق التناسل شعوبا كثيرة العدد‏,‏ وقبائل تتفرع عن هذه الشعوب‏.‏

          واقتضت حكمتنا ان نجعلكم كذلك‏:‏ ليعرف بعضكم بعضا‏,‏ ولتتواصلوا فيما بينكم‏,‏ وللتعاونوا علي قضاء مصالحكم‏,‏ وتحقيق مطالبكم‏,‏ وللتحاوروا فيما يهمكم من شئون حياتكم‏,‏ وأمور دنياكم

          واعلموا ـ أيضا ـ أن الله ـ تعالي ـ عليم بكل أحوالكم‏,‏ خبير بما تكتمونه أو تعلنونه من أقوال أو أفعال‏.‏

          ومما يدل دلالة واضحة علي أهمية الحوار‏,‏ أنك تقرأ القرآن الكريم‏,‏ فتري علي رأس الأساليب الحكيمة والبليغة التي استعملها القرآن الكريم لاحقاق الحق‏,‏ وابطال الباطل‏,‏ أسلوب الحوار والجدال والمناقشة العقلية‏,‏ التي تجعل كل ذي عقل سليم‏,‏ يؤمن ايمانا راسخا‏,‏ بأن لهذا الكون الها واحدا‏,‏ قادرا عليما‏,‏ حكيما‏,‏ وألا له الخلق والأمر‏,‏ تبارك الله رب العالمين

          كما يدل علي أهمية الحوار‏,‏ أن مادة القول وما اشتق منها‏,‏ كقال‏,‏ وقل‏,‏ وقالوا‏..‏ هذه المادة التي تدل علي التحاور‏,‏ والجدال‏,‏ والمناقشة‏,‏ والمراجعة‏,‏ بين الناس في أمور كثيرة من شئون دينهم ودنياهم‏,‏ قد تكررت في القرآن الكريم مئات المرات‏..‏

          فمثلا لفظ قال قد تكرر في القرآن الكريم اكثر من خمسمائة مرة‏.‏ ومن ذلك قوله ـ سبحانه ـ‏:‏ ألم تر إلي الذي حاج ابراهيم في ربه ان آتاه الله الملك‏,‏ إذ قال ابراهيم ربي الذي يحيي ويميت قال أنا أحيي وأميت‏,‏ قال إبراهيم فإن الله يأتي بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب‏,‏ فبهت الذي كفر‏,‏ والله لايهدي القوم الظالمين
          سورة البقرة‏:‏ الآية‏258.‏

          ولفظ قل تكرر في القرآن أكثر من ثلاثمائة مرة‏,‏ ومن ذلك قوله ـ سبحانه ـ قل أي شئ اكبر شهادة‏,‏ قل الله شهيد بيني وبينكم‏,‏ وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ‏,‏ أئنكم لتشهدون أن مع الله آلهة أخري قل لاأشهد‏,‏ قل انما هو إله واحد‏,‏ وإنني برئ مما تشركون‏.‏
          ‏(‏سورة الأنعام‏:‏ الآية‏19)‏

          ولفظ قالوا قد تكرر ـ أيضا ـ في القرآن اكثر من ثلاثمائة مرة‏,‏ ومن ذلك قوله ـ عز وجل ـ وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه‏,‏ بل له ما في السموات والأرض كل له قانتون‏.‏ بديع السموات والأرض وإذا قضي أمرا فإنما يقول له كن فيكون‏.‏
          ‏[‏سورة البقرة‏:‏ الأيتان‏117,116]‏

          والخلاصة‏:‏ أن الحوار بين الناس في أمور دينهم ودنياهم‏,‏ من الأمور اللازمة لهم لزوم الطعام والشراب‏,‏ وما يشبههما من ضرورات الحياة‏.‏
          ب ـ وأما أسس الحوار وأصوله التي يجب أن يقوم عليها فمن أهمها‏:‏

          ‏1‏ـ الصدق‏:‏ ولقد ساق القرآن الكريم ألوانا من المحاورات التي دارت بين الرسل ـ عليهم الصلاة والسلام ـ وبين أقوامهم‏.‏

          وعندما نتدبر هذه المحاورات نري أن الرسل الكرام‏,‏ لم ينطقوا إلا بالصدق الذي لا يحوم حوله كذب أو ريبة لنستمع علي سبيل المثال ـ إلي جانب من المحاورات الطويلة التي دارت بين موسي ـ عليه السلام ـ وبين فرعون‏.‏
          لقد قال فرعون لموسي ـ عليه السلام ـ خلال إحدي المحاورات‏:‏ يا موسي‏:[‏ من ربكما‏]‏؟ فأجابه موسي ـ عليه السلام ـ بقوله‏:[‏ ربنا الذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدي‏]‏
          ‏[‏سورة طه‏:‏ الأية‏50]‏

          أي‏:‏ قال له موسي ـ عليه السلام ـ يا فرعون‏,‏ ربنا جميعا هو الله‏,‏ الذي أعطي كل مخلوق من مخلوقاته‏,‏ الصورة التي تناسبه‏,‏ والهيئة التي تتحقق معها منفعته ومصلحته‏,‏ ثم هداه إلي وظيفة التي خلقه من أجلها‏,‏ وأمده بالملكات وبالوسائل التي تحقق هذه الوظيفة‏.‏

          ولا شك أن هذا الجواب من موسي ـ عليه السلام ـ علي فرعون‏,‏ هو عين الصدق والحق‏.‏

          ثم وجه فرعون إلي موسي ـ عليه السلام ـ سؤالا أخر فقال له‏:[‏ فما بال القرون الأولي‏]‏؟ أي‏:‏ قال فرعون لموسي ـ عليه السلام ـ‏:‏ أخبرني ما حال الأقوام الذين سبقوني؟

          فأجابه موسي ـ عليه السلام بقوله‏:[‏ علمها عند ربي في كتاب لايضل ربي ولاينسي‏]‏ أي‏:‏ قال موسي ـ عليه السلام ـ لفرعون‏:‏ علم أحوال الأمم الماضية محفوظ عند ربي وحده في كتاب هو اللوح المحفوظ‏,‏ واعلم يا فرعون أن ربي لا يخطيء في علمه‏,‏ ولا ينسي شيئا‏.‏

          ولا شك أن هذا الجواب ـ أيضا ـ من موسي علي فرعون‏,‏ يمثل أسمي ألوان الصدق والحكمة وهكذا الرسل الكرام يردون علي من يحاورهم بالرد الصادق‏,‏ والحق الناصح‏.‏

          ‏2‏ـ الموضوعية‏:‏ ونقصد بها عدم الخروج عن الموضوع الذي هو محل النزاع والحوار لأن آفة كثير من الناس أنهم اذاناقشوا وحاوروا غيرهم في موضوع معين‏,‏ تعمدوا أن يسلكوا ما يسمي في هذه الأيام بخلط الأوراق‏.‏

          وإنك لتقرأ القرآن الكريم‏,‏ فتري الرسل الكرام وهم يحاورون اقوامهم‏,‏ لا يخرجون في ردهم عليهم عن صميم موضوع الحوار‏.‏

          واستمع ـ علي سبيل المثال ـ إلي القرآن الكريم‏,‏ وهو يقص علينا ما قاله قوم نوح ـ عليه السلام ـ له‏,‏ وما رد به عليهم‏.‏

          لقد دعاهم إلي إخلاص العبادة لله ـ تعالي ـ وحده‏,‏ فقالوا له بكل تطاول واستهزاء‏[‏ إنا لنراك في ضلال مبين‏]‏ فيرد عليهم بهذا الرد الحكيم‏:[‏ يا قوم ليس بي ضلالة‏,‏ ولكني رسول من رب العالمين أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم‏,‏ وأعلم من الله مالا تعلمون‏].‏
          ‏[‏سورة الأعراف‏:‏ الآيات‏.60‏ ـ‏62]‏

          وقوم هود ـ عليه السلام ـ يدعوهم نبيهم هود ـ أيضا ـ إلي عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام‏,‏ فيقولون له في حوارهم معه‏:[‏ إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين‏][‏ سورة الأعراف‏:66]‏ فيرد عليهم بهذا الرد الحكيم وهو يحاورهم فيقول لهم‏:[‏ يا قوم ليس بي سفاهة ولكني رسول من رب العالمين‏.‏ أبلغكم رسالات ربي وأنا لكم ناصح أمين‏]‏
          وهكذا نجد الرسل الكرام وهم يحاورون أقوامهم‏,‏ يرشدونهم إلي طريق الحق بأبلغ أسلوب‏,‏ وبأحكم بيان‏,‏ ولا يخرجون في حوارهم معهم عن موضوع الحوار‏,‏ بل يسلكون معهم هذا الطريق الحكيم‏,‏ ألا وهو التزام الموضوعية عند خلافهم مع غيرهم في مسألة من المسائل الدينية أو الدنيوية‏,‏ وهذا الالتزام للموضوعية هو أهم أصول الحوار السليم‏.‏

          ‏3‏ـ أن يقصد بالحوار الوصول إلي الحق والصواب‏,‏ وليس التباهي أو طلب الشهرة‏...‏
          وذلك لأن العقلاء في حوارهم فيما بينهم لا يقصدون إلا الوصول إلي الحقيقة‏,‏ حتي ولو كان هذا الوصول علي يد الطرف المخالف‏..‏

          وهذا ما نراه واضحا في اختلاف الصحابة‏,‏ وفي حوارهم في كثير من المسائل والقضايا‏..‏
          ومن أمثلة ذلك‏:‏ تلك المحاورة التي دارت بين أبي بكر وعمر ـ ـ في مسألة جمع القرآن‏,‏ بعد وفاة النبي ـ صلي الله عليه وسلم‏,‏ فقد توقف أبو بكر في أول الأمر‏,‏ فلما أقنعه عمر برأيه‏,‏ ما كان من أبي بكر إلا الموافقة علي رأي عمر‏..‏

          والأمر علي عكس ذلك في قتال المرتدين الذي فرقوا بين الصلاة وبين الزكاة‏,‏ وقالوا‏:‏ نصلي ولا نزكي‏,‏ وأصر أبو بكر علي قتالهم‏,‏ بينما عارض عمر في قتالهم في أول الأمر‏,‏ فلما تبين له بعد المحاورة أن رأي أبي بكر هو الصواب‏,‏ رجع إلي رأي أبي بكر‏.‏

          وهكذا العقلاء يكونون عند الحوار في طلب الوصول إلي الحق كناشد الضالة ـ كما يقول الإمام الغزالي ـ لا فرق عندهم في أن يحصل علي هذه الدابة الشاردة فلان أو فلان‏,‏ وانما الذي يهمهم هو الحصول عليها‏.‏

          ولقد أراد عمر ـ رضي الله عنه ـ في إحدي خطبه أن يحدد المهور في الزواج‏,‏ فردت عليه امرأة وقالت كيف ذلك يا عمر وقد قال الله ـ تعالي ـ‏:[‏ وآتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا‏...]‏ فما كان من عمر ـ رضي الله عنه ـ إلا أن رجع عن رأيه وقال‏:‏ أصابت امرأة وأخطأ عمر‏.‏

          ورحم الله الإمام الشافعي فقد قال‏:‏ ما حاورت أحدا إلا وتمنيت أن يظهر الله الحق علي لساني أو علي لسانه‏.‏

          ‏4‏ـ التواضع‏:‏ وهذه الفضيلة تعد من ألزم اللوازم لنجاح الحوار‏,‏ بينما التعالي والغرور بين المتحاورين يؤدي الي سد الأبواب المفتوحة‏...‏
          ولقد ساق لنا القرآن الكريم ألوانا من الحوار المبني علي التواضع فكانت نتيجته النجاح والسداد‏...‏

          انظر ـ علي سبيل المثال ـ للحوار البديع الذي دار بين نبي الله سليمان عليه السلام وبين الهدهد‏,‏ ان سليمان ـ عليه السلام ـ يتفقد جنده فلا يري من بينهم الهدهد فيقول‏:‏ مالي لا أري الهدهد أم كان من الغائبين‏,‏ لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين‏(‏ سورة النمل‏:‏ الاية‏21,20)‏

          ويأتي الهدهد من رحلته بعد قليل فيقول لسليمان عليه السلام وهو الملك النبي بكل شجاعة‏:‏ أحطت بما لم تحط به‏,‏ وجئتك من سبأ بنبأ يقين‏..‏ اني وجدت إمرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم‏..‏

          وهكذا نري الجندي الصغير في الدولة التي يظلها العدل والايمان‏,‏ لايمنعه صغره ان يرد علي الحاكم الكبير وهو يحاوره‏,‏ وان يدافع عن نفسه بكل حرية وشجاعة‏,‏ ونري ان الحاكم الكبير يقابل الرد عليه من الصغير بكل تواضع‏,‏ ويفسح له المجال في ان يدلي بكل حججه‏,‏ وان يضعها موضع التحقيق والاختبار‏..‏

          ان الحوار الذي يقوم علي التواضع والاحترام المتبادل بين الاطراف‏..‏ يوصل في الأعم الأغلب الي النجاح أما الحوار الذي يكون مبعثه الغرور والتعالي‏..‏ فمن المستبعد ان يأتي بنتيجة تؤدي الي الوفاق‏.‏

          والعقلاء عندما يرون المحاورة مع المغرورين تؤدي الي الافساد لا إلي الاصلاح يبتعدون عنها‏,‏ ويفوضون امرهم الي الله تعالي ولسان حالهم يقول‏:‏ جلوا صارما‏,‏ واتوا باطلا‏,‏ وقالوا أصبنا‏,‏ فقلنا نعم‏!!‏

          جـ ـ هذه هي بعض أسس الحوار وأصوله‏,‏ وقد فصلنا الحديث عنها في كتابنا أدب الحوار في الاسلام‏.‏
          أما مفردات الحوار في شريعة الاسلام‏,‏ فتمتاز باتساع دائرتها‏,‏ ووضوح قضاياها‏,‏ وشمولها لما لايحصي من المسائل‏..‏
          ومن هذه المفردات والموضوعات والمسائل والنماذج التي وردت في القرآن الكريم‏.:‏

          ‏1‏ـ حوار بين الخالق عز وجل وبين بعض مخلوقاته‏,‏ ونقصد بهذا اللوان من الحوار‏:‏ ما قصه القرآن علينا من أن الله تعالي قد قال لبعض عباده أقوالا بكيفية لايعلمها إلا هو ـ عز وجل ـ كسؤاله ـ عز وجل ـ لرسله يوم القيامة وهو العليم بكل شيء‏,‏ ماذا كان جواب أقوامكم عليكم حينما دعوتموهم الي اخلاص العبادة لي وحدي؟ وقد جاء ذلك في قوله ـ تعالي‏:(‏ يوم يجمع الله الرسل فيقول ماذا أجبتم؟ قالوا لا علم لنا انك انت علام الغيوب‏)(‏ سورة المائدة‏:‏ اية‏109).‏
          أي‏:‏ اذكر ايها العاقل لتعتبر وتتعظ يوم يجمع الله رسله الكرام يوم القيامة فيسألهم بماذا اجابكم أقوامكم؟ وهنا يجيب الرسل اجابة كلها الأدب مع خالقهم عز وجل‏,‏ فيقولون‏:‏ ياربنا لاعلم لنا يذكر بجانب علمك المحيط بكل شيء‏,‏ وانت وحدك الذي تحكم بيننا وبينهم‏,‏ بمقتضي عدلك وكرمك‏.‏
          كذلك من المحاورات التي دارت بين الخالق عز وجل وبين رسله الكرام‏,‏ قوله عز وجل لعيسي ابن مريم‏:‏ يا عيسي ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله‏,‏ قال سبحانك ما يكون لي ان أقول ما ليس لي بحق‏,‏ ان كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك انك انت علام الغيوب‏,‏ ما قلت لهم إلا ما أمرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم‏,‏ وكنت عليهم شهيدا مادمت فيهم‏,‏ فلما توفيتني كنت انت الرقيب عليهم وانت علي كل شيء شهيد‏,‏ ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم
          ‏(‏سورة المائدة‏:116‏ ـ‏118).‏

          والمقصود من هذه المحاورة‏:‏ توبيخ الكفرة من قوم عيسي عليه السلام‏,‏ وتبكيت كل من نسب الي عيسي وامه مريم ما ليس من حقهما‏,‏ وفضيحة الضالين علي رؤوس الاشهاد يوم القيامة‏,‏ لان عيسي عليه السلام سينفي امامهم انه قال شيئا من ذلك‏,‏ ولاشك ان النفي بعد السؤال‏,‏ أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي الهين من دون الله ـ أبلغ في التكذيب‏.‏

          وقد أجاب عيسي عليه السلام بأبلغ اجابة وبأوضح بيان حيث قال انزهك ياالهي عن ان أقول هذا القول‏,‏ فانه ليس من حقي ولا من حق أحد ان ينطق به‏.‏

          ثم أضاف عيسي عليه السلام الي هذا الأدب العالي في الجواب‏:‏ اظهار ضعفه المطلق أمام علم خالقه عز وجل حيث قال‏:‏ ان كنت قلت هذا القول فانت تعلمه‏,‏ ولايخفي عليك منه شيء‏..‏

          وبعد هذا التنزيه من عيسي عليه السلام لخالقه عز وجل وبعد هذا الاظهار للضعف امام بارئه‏..‏ يصرح بما قاله لقومه فقال‏:‏ اني يا إلهي ماقلت لهم الا ما أمرتني به ان اعبدوا الله ربي وربكم‏,‏ واني كنت شاهدا عليهم‏,‏ فلما قبضتني اليك‏,‏ ورفعتني الي سمائك‏,‏ كنت انت وحدك الحفيظ عليهم‏...‏

          ثم فوض عيسي عليه السلام الأمر كله الي خالقه فقال‏:‏ ان تعذبهم فانهم عبادك وان تغفر لهم فانك انت العزيز الحكيم ثم ختم سبحانه هذه المحاورة الحكيمة بقوله‏:‏ هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم‏..‏
          ‏(‏سورة المائدة اية‏119).‏

          وتأمل معي ايها القارئ الكريم هذه الايات الكريمة مرة ومرات‏,‏ وقل لي بربك‏:‏ هل تجد حوارا فيه من الفضل العظيم لمن رضي الله عنهم ورضوا عنه‏,‏ وفيه من الادب الرفيع من عيسي عليه السلام مع خالقه سبحانه وتعالي كهذا الحوار؟

          ان امثال هذه المحاورات الحكيمة التي تزيد المؤمنين ايمانا علي ايمانهم‏,‏ قد تكررت في القرآن الكريم‏.‏

          فهناك محاورات بين نوح وخالقه‏,‏ بعد ان رأي نوح ابنه وقد ابتلعته امواج الطوفان‏,‏ فيقف ضارعا ومستسلما ويقول‏:‏يارب ان ابني من أهلي وان وعدك الحق وانت احكم الحاكمين‏(‏ سورة هود‏:‏ اية‏45).‏
          أي‏:‏ يارب ان ابني من أهلي وهو قطعة مني‏,‏ فاسألك ان ترحمه برحمتك الواسعة‏..‏

          واكتفي نوح عليه السلام بقوله‏:‏ رب ان ابني من أهلي‏...‏ ولم يصرح بمطلوبه وهو طلب النجاة من العذاب لابنه‏,‏ تأدبا مع خالقه‏,‏ وحياء منه‏,‏ واعتقادا بأنه سبحانه عليم بما يريده‏..‏ وهذا لون من الأدب السامي سلكه الرسل الكرام في خطابهم مع خالقهم‏,‏ ومن أولي بذلك منهم؟‏!!‏
          وهناك محاورات دارت بين ابراهيم عليه السلام وبين خالقه عز وجل‏,‏ ومنها قول ابراهيم‏:‏ رب ارني كيف تحيي الموتي‏,‏ أي يارب ارني كيف تعيد الحياة الي الموتي؟

          فيجيبه خالقه عز وجل أولم تؤمن؟ أي قال الله لابراهيم‏:‏ أولم تؤمن يا ابراهيم بقدرتي علي كل شيء؟

          فيقول ابراهيم‏:(‏ بلي ولكن ليطمئن قلبي‏)‏ أي قال ابراهيم بلي يارب انا مؤمن ايمانا تاما بقدرتك‏,‏ ولكني سألت هذا السؤال ليزداد قلبي ايمانا بقدرتك عن طريق المشاهدة‏...‏

          فأجاب الله ـ تعالي ـ بقوله‏[‏ قال فخذ أربعة من الطير فصرهن إليك‏,‏ أي‏:‏ قال الله ـ تعالي ـ لنبيه ابراهيم‏:‏ خذ أربعة من الطير فاضممهن إليك‏,‏ ثم اذبحهن‏,‏ وجزئهن أجزاء‏[‏ ثم اجعل علي كل جبل منهن جزءا‏,‏ ثم ادعهن‏],‏ أي‏:‏ ثم قل تعالين بإذن الله‏[‏ يأتينك سعيا‏]‏ أي‏:‏ يأتينك اتيانا سريعا‏[‏ واعلم أن الله عزيز حكيم‏]‏
          [‏سورة البقرة‏:‏ الآية‏260]‏

          والمقصود بهذه المحاورة‏:‏ إظهار أكمل الأدلة علي قدرة الله ـ عز وجل ـ وعلي وحدانيته‏,‏ وبيان أنه ـ سبحانه ـ يجيب سؤال الأخيار ليزدادوا إيمانا علي إيمانهم‏,‏ ويفتح بابه أمامهم‏,‏ لكي يسألوا عما يريدون السؤال عنه‏..‏ بل لقد فتح الله ـ تعالي ـ بابه للحوار حتي مع ابليس‏,‏ وقد ورد ذلك في سور متعددة‏,‏ منها قوله ـ تعالي ـ‏:[‏ ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين‏.‏ قال ما منعك ألا تسجد اذ أمرتك‏,‏ قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين‏.‏ قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين‏.‏ قال أنظرني إلي يوم يبعثون‏.‏ قال إنك من المنظرين‏.‏ قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم‏.‏ ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم‏,‏ ولا تجد أكثرهم شاكرين‏.‏ قال اخرج منها مذءوما مدحورا لمن تبعك منهم‏,‏ لأملأن جهنم منكم أجمعين‏][‏ سورة الأعراف‏:‏ الآيات‏11‏ ـ‏18]‏ ففي هذه الآيات الكريمة ورد لفظ قال ست مرات‏.‏ منها ثلاث مرات القائل هو الله عز وجل ـ وثلاث أخري القائل هو إبليس‏...‏
          وهي محاورات تدل علي أن الله ـ تعالي ـ قد فتح بابه للحوار مع عباده‏,‏ فضلا منه وكرما‏,‏ لكي يزدادوا إيمانا علي ايمانهم‏,‏ ولكي يأخذوا منها العبر والعظات‏,‏ ولكي يتعلم العقلاء من هذه المحاورات الحكيمة ما يسعدهم في حياتهم‏,‏ وما يهديهم إلي الصراط المستقيم‏.‏

          ‏2‏ـ كذلك من المحاورات التي وردت في القرآن الكريم في مئات الآيات القرآنية تلك المحاورات التي دارت بين الرسل وأقوامهم‏..‏
          وهذه المحاورات وردت في عشرات المواضع من القرآن الكريم‏,‏ ومنها‏:‏ ما ساقه القرآن الكريم علي ألسنة الرسل بصفة عامة‏,‏ ومنها ما قصه القرآن علي لسان كل نبي بصفة خاصة‏.‏

          فمن المحاورات التي بين الرسل وأقوامهم بصفة عامة قوله ـ تعالي ـ‏[‏ ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لايعلمهم إلا الله‏,‏ جاءتهم رسلهم بالبينات‏,‏ فردوا أيديهم في أفواههم وقالوا انا كفرنا بما أرسلتم به‏,‏ وانا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب‏.‏ قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السماوات والأرض يدعوكم ليغفر لكم من ذنوبكم‏,‏ ويؤخركم إلي أجل مسمي‏,‏ قالوا إن أنتم إلا بشر مثلنا تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا فأتونا بسلطان مبين‏.‏ قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن علي من يشاء من عباده‏,‏ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان الا بإذن الله‏,‏ وعلي الله فليتوكل المؤمنون‏.‏ وما لنا أن لا نتوكل علي الله وقد هدانا سبلنا‏,‏ ولنصبرن علي ما آذيتمونا وعلي الله فليتوكل المتوكلون‏[‏ سورة ابراهيم‏:9‏ ـ‏12]‏ فهذه الآيات الكريمة تعطينا صورة واضحة للمحاورات التي دارت بين الرسل وأقوامهم بصفة عامة‏,‏ ونري منها‏:‏ إرشاد الرسل أقوامهم إلي الحق‏,‏ بأسلوب حكيم‏,‏ كما نري منها موقف الأقوام السييء من رسلهم‏.‏

          أما المحاورات التي دارت بين كل رسول مع قومه بصفة خاصة فما أكثرها‏,‏ ونكتفي هنا بنموذج واحد من المحاورات التي حدثت بين خطيب الأنبياء شعيب ـ عليه السلام ـ وبين قومه‏,‏ ويقص القرآن الكريم بأسلوبه البليغ الحكيم ذلك فيقول‏:[‏ كذب أ صحاب الأيكة المرسلين‏.‏ والأيكة‏:‏ منطقة مليئة بالأشجار‏,‏ وكان يعيش فيها قوم شعيب عليه السلام ـ اذ قال لهم شعيب ألا تتقون‏.‏ إني لكم رسول أمين‏.‏ فاتقوا الله وأطيعون‏.‏ وما أسألكم عليه من أجر ان أجري إلا علي رب العالمين‏.‏ أوفوا الكيل ولاتكونوا من المخسرين‏.‏ وزنوا بالقسطاس المستقيم‏.‏ ولاتبخسوا الناس أشياءهم ولاتعثوا في الأرض مفسدين‏.‏ واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولينأي‏:‏ خلقكم أنتم وخلق الأمم السابقة عليكم‏.‏

          بهذه النصائح الغالية الحكيمة نصح شعيب ـ عليه السلام ـ قومه‏,‏ وحاورهم بهذا الأسلوب البليغ‏,‏ ولكنهم قابلوا نصحه بكل سفاهة وغرور‏..‏

          قالوا إنما أنت من المسحرين ـ أي‏:‏ من الذين أصابهم السحر والجنون وما أنت الا بشر مثلنا‏,‏ وإن نظنك لمن الكاذبين فأسقط علينا كسفا ـ أي‏:‏ عذابا ـ إن كنت من الصادقين

          وهنا يرد عليهم شعيب بقوله‏:‏ ربي أعلم بما تعملون فماذا كانت نتيجتهم؟ كانت نتيجتهم الهلاك كما قال ـ سبحانه ـ فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة انه كان عذاب يوم عظيم‏.‏ إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين‏.‏ وإن ربك لهو العزيز الرحيم
          ‏[‏ سورة الشعراء‏:‏ الآيات‏176‏ ـ‏191].‏

          هذا جانب من حوار الخالق مع بعض مخلوقاته‏,‏ وجانب آخر من حوار الرسل مع أقوامهم‏,‏ وهناك ألوان أخري من الحوارات التي ساقها القرآن الكريم مع أهل الكتاب‏,‏ ومع المنافقين‏,‏ وحوارات أخري عما أحله الله وحرمه‏,‏ وحوارات عن طريق السؤال والجواب‏,‏ وحوارات بين الأخيار والأشرار‏..‏

          وهي كلها حوارات المقصود منها‏:‏ العظة والاعتبار‏,‏ والارشاد إلي طريق الهداية والرشاد‏.‏

          وبعد‏,‏ فإني قصدت من هذا المقال ـ ياقداسة البابا ـ أن أوضح لك أن الحوار الذي انت تنادي به‏,‏ قد نادي به الاسلام بطريقة أكمل وأعدل وأفضل وأشمل‏,‏ لأنه يقوم علي اعتبار الناس جميعا من أصل واحد‏,‏ وأن الاختلاف بينهم في العقائد لايمنع من التعاون‏,‏ وأن الاسلام بمعني إسلام الوجه لله ـ عز وجل ـ وإخلاص العبادة له هو دين جميع الأنبياء‏,‏ وأن الأنبياء جميعا قد جاءوا برسالة واحدة هي اخلاص العبادة لله‏,‏ ووجوب التحلي بمكارم الأخلاق‏..‏

          وبهذه المناسبة ـ وأنت ـ ياقداسة البابا ـ تكرر الدعوة إلي الحوار ـ قد أرسلت الي قداستك منذ شهور رسالة عن طريق سفيرك بالقاهرة أطلب من قداستك فيها رأيك ـ بعد حادث الصور المسيئة الي الرسول ـ صلي الله عليه وسلم ـ وبينت لقداستك فيها استعدادي للحوار حول هذه المسائل التي فيها إساءات بالغة وقبيحة الي الرسل الكرام‏..‏

          ولكني لم يصلني من قداستك أي رد لا من قريب ولا من بعيد‏,‏ فهل هذا من أدب الحوار الذي تنادي به بأعلي صوتك ياقداسة بابا الفاتيكان؟أرجو أن يكون كلامنا ـ ونحن رجال دين ـ يطابق أفعالنا‏,‏ كما أدعو الله لنا جميعا بالهداية إلي الطريق المستقيم‏.‏
          [glow="Black"]
          « كَفَى بِالْمَرْءِ عِلْماً أَنْ يَخْشَى اللَّهَ ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلاً أَنْ يُعْجَبَ بِعِلْمِهِ »
          جامع بيان العلم وفضله - ابن عبد البر
          [/glow]

          [glow=Silver]
          WwW.StMore.150m.CoM
          [/glow]

          تعليق

          • assma ham
            0- عضو حديث
            • 21 ديس, 2006
            • 18

            #6
            حسبنا الله ونعم الوكيل لم يجدوا راحة في دينهم وبدا يحاولون زعزعة تقتنا بالله والرسول والله لن يسطتيعوا زعزعة الاسلام وايماننا اقوى من قلمهم ومكايدهم ودليل دخول كثيرا فيه اما عن الرسول فهو خير خلق الله لقوله وانك على الخلق العظيم والاحاديث كثيرة برهنت كانه قران يمشي على الارض

            تعليق

            مواضيع ذات صلة

            تقليص

            المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
            ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, 5 نوف, 2024, 03:54 م
            ردود 0
            154 مشاهدات
            0 ردود الفعل
            آخر مشاركة أحمد الشامي1
            بواسطة أحمد الشامي1
            ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, 30 أكت, 2024, 08:43 م
            ردود 0
            37 مشاهدات
            0 ردود الفعل
            آخر مشاركة أحمد الشامي1
            بواسطة أحمد الشامي1
            ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, 14 أكت, 2024, 04:41 ص
            ردود 0
            292 مشاهدات
            0 ردود الفعل
            آخر مشاركة أحمد الشامي1
            بواسطة أحمد الشامي1
            ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, 27 سبت, 2024, 09:29 م
            ردود 0
            135 مشاهدات
            0 ردود الفعل
            آخر مشاركة أحمد الشامي1
            بواسطة أحمد الشامي1
            ابتدأ بواسطة الشهاب_الثاقب, 13 أغس, 2024, 06:03 ص
            ردود 3
            152 مشاهدات
            0 ردود الفعل
            آخر مشاركة الشهاب_الثاقب
            يعمل...