الجدل الثقافي بين المسلمين والنصارى في عهد الحروب الصليبية
الاربعاء 28 ربيع الأول 1430 الموافق 25 مارس 2009
د. علي محمد الصلابي
إن من خصائص الدعوة الإسلامية عالميتها، وقد وردت آيات كثيرة تدل على ذلك منها:
- بعض الآيات التي ورد فيها لفظ "العالمين"
قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). [الأنبياء: 107] أي: وما أرسلناك يا محمد بالشرائع والأحكام إلاّ رحمة لجميع الناس (1).
وقال سبحانه: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً).[الفرقان:1]: أي ليكون محمد لجميع الجن والإنس (2).
- وقال تعالى: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) [الأنعام: 90].
- وقال: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ). (التكوير: 26-27) إلى غير ذلك من الآيات، ووجه الاستدلال لهذه الآيات ظاهر من جهة كون الإنس والجن هم المكلفون من العالمين، فالدعوة، إذن متوجهة إليهما (3).
- بعض الآيات التي ورد فيها لفظ "الناس": قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف: 158] أي قل يا محمد للناس كلهم "إني رسول الله إليكم جميعاً" لا إلى بعضكم دون بعض، كما كان من قبلي من الرسل (4) وقال أبو السعود. لما حكي ما في الكتابين من نعوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشرف من يتبعه من أهلها ونيلهم لسعادة الدارين، أُمر عليه الصلاة والسلام ببيان أن تلك السعادة غير مختصة بهم بل شاملة لكل من يتبعه كائناً من كان، ببيان عموم رسالته للثقلين (5) والآيات أيضاً، قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ). [النساء: 174] وقوله: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ). [يونس: 108]. وقوله: (هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ). [إبراهيم: 52] إلى غير ذلك، ووجه الاستدلال بهذه الآيات هو توجيه الخطاب في عموم الناس (6).
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً). [سبأ: 28]. وغير ذلك من الآيات التي تدل على عموم الرسالة الإسلامية.
- الأحاديث التي تدل على عالمية الدعوة الإسلامية: ورد الكثير من الأحاديث التي تدل على عالمية الدعوة الإسلامية منها حديث جابر بن عبد الله -- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكان النبي يبعث إلى قومه: خاصة وبعثت إلى الناس كافة" (7)، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأُرسلت إلى الخلق كافة وخُتم بي النبيوّن" (8)، وأيضاً حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله وسلم- قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلاّ كان من أصحاب النار" (9)، ودلت السنة كذلك على شمول دعوته صلى الله عليه وسلم للجن، فمن ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم، كنت كلما أتيت على قوله: (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد (10). فهذا الحديث يدل على مخاطبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجن، وقراءته القرآن عليهم، وإنصاتهم له، وإيمانهم بنعم الله سبحانه وتعالى عليهم، والتي من أعظمها الإسلام (11) وفعله صلى الله عليه وسلم كذلك يدل على عالمية الدعوة؛ فبعد دعوته عليه الصلاة والسلام لقومه "وعشيرته الأقربين أخذ يعرض نفسه على القبائل في أسواق العرب وفي المواسم، فعن رجل من بني مالك بن كنانة قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سوق ذي المجاز يتخللها يقول: أيها الناس قولوا: لا إله إلاّ الله تفلحوا (12)، ثم إرساله الكتب والرسائل إلى الملوك والأمراء، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى كسرى وإلى قيصر، وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى (13).
- فعل الصحابة -رضي الله عنهم- بعده صلى الله عليه وسلم: فبعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- واستلام أبي بكر -رضي الله عنه- الخلافة، وبعد قضائه على فتنة الردة في السنة الحادية عشرة من الهجرة بدأ بالفتوحات الإسلامية نشراً للدعوة؛ إذ أرسل الجيوش إلى العراق ضد الدول الفارسية وإلى الشام ضد الروم، ثم متابعة ذلك من قبل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ومن بعده عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد امتدت الدولة الإسلامية من حدود الصين إلى طرابلس الغرب شرقاً وغرباً، ومن أرمينية إلى اليمن شمالاً وجنوباً، ولما ارتضى سبحانه وتعالى دين الإسلام للثقلين الإنس والجن، وكانت الدعوة الإسلامية متوجهة كما سبق إيضاحه، لذلك ميّز جلّ وعلا هذا الدين؛ لكي يصلح لهذه العالمية بمميزات أهمها:
1- سلامته من التحريف بحفظ الكتاب والسنة: قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). [الحجر: 9].
2- شموله الموضوعي والزماني والمكاني: والمقصود بالشمول الموضوعي أي وفاؤه بجميع حاجات الإنسان الاعتقادية والعملية قال سبحانه وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المائدة: 3] وقال: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ). [النحل: 89].
3- الوسطية: قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً). [البقرة: 143].
4- أنه دين الفطرة: فكل إنسان يولد مستعداً لقبول الإسلام مهيأ له قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلاّ يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه".
5- الكمال، وكذلك الوضوح (14).
أولاً: أهمية دعوة النصارى إلى الإسلام:
يمكن أن نبرز أهمية دعوة النصارى خاصة من خلال النقاط الآتية:
1- توجيه الخطاب في القرآن في كثير من الآيات لأهل الكتاب وتخصيصهم في ذلك أمراً لهم بالتوحيد أو الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو بياناً لتحريفهم الكلام عن مواضعه، أو رداً على شبههم أو غير ذلك، ومن هذه الآيات قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ). [آل عمران: 64] وقوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ). [آل عمران:71] إلى غير ذلك من الآيات، ولا شك أن النصارى من أهل الكتاب.
2- حث القرآن على مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن كما قال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). [العنكبوت: 46] – بالجميل من القول وهو الدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه (15)، وذلك تقديراً لما عندهم من بقية أثر الرسل (16).
3- تخصيص القرآن للنصارى وتوجيه الخطاب لهم وذلك في قوله تعالى: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ). [المائدة: 47]، قيل: هذا أمر للنصارى الآن بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم (17).
4- تخصيص النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل الكتاب في كثير من الأحاديث دعوة لهم، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلاّ كان من أصحاب النار". (18)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لهم أجران: "رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم". (19).
5- تميز أسلوب النبي -صلى الله عليه وسلم- لدعوة أهل الكتاب بمراعاة التدرج حسب الأهمية، وذلك في وصيته لمعاذ بن جبل حينما أرسله إلى اليمن؛ إذ قال له صلى الله عليه وسلم: "إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ... إلى أن قال: فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" (20).
6- تخصيص النبي -صلى الله عليه وسلم- للنصارى في الدعوة كما في قصة وفد نصارى نجران (21).
7- عناية الإسلام بمعاملة أهل الذمة سواء كانوا يهوداً أو نصارى، فقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرمة ذمة المعاهد، ووجوب الوفاء له قال صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً" (22) وحرم الإسلام ظلم المعاهد، أو تكليفه فوق طاقته، أو أخذ شيء من ماله بغير طيب نفس، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" (23)، وأباح الزواج منهم، وأحلّ الله طعامهم.
8- إن دين النصارى دين عالمي – بمعنى أنه يعده أتباعه ديناً للبشرية جمعاء، ولذلك ينشطون في الدعوة إليه، بعكس كثير من الديانات والمذاهب الأخرى التي يراها أتباعها ديناً لهم وحدهم، ولذلك لا يسعون لنشرها، كاليهودية والهندوسية، وعلى ذلك ففي دعوة النصارى واهتداء البعض منهم حد لانتشار النصرانية في مجتمعات غير نصرانية، ومن ثم إتاحة الفرصة لنشر الإسلام في مثل هذه المجتمعات.
9- كون النصارى ذوي قوة وكثرة وانتشار في الوقت الحاضر وكثير من المجتمعات غير النصرانية تسعى لتقليدهم ومتابعتهم منخدعة بما بلغوه من حضارة مادية وقوة عسكرية، وبهداية هؤلاء النصارى أو البعض منهم، وهم بهذا النفوذ بالنسبة للعالم سوف يكون في ذلك صلاح أقوام كثيرين كانوا يرونهم المثال لهم.
10- أن أكثر الشبه تثار حول الإسلام خصوصاً في الوقت الحاضر إنما هي من قبلهم وباهتداء البعض منهم فيه ردّ على مثل هذه الشبه.
11- إن اهتداء بعض النصارى يساعد كثيراً في فضح باطل إخوانهم السابقين في الديانة، لخبرتهم فيها، وما في ذلك من مساعدة للدعاة ودعم لجهودهم.
12- إن حروب المسلمين في أغلب فترات التاريخ الإسلامي كانت مع النصارى، كحروب المسلمين في الأندلس، وصقلية، والحروب الصليبية في الشام ومصر، بل لا تزال هذه الحروب مستمرة في بعض الجهات من العالم، وباهتداء بعض النصارى يساعد ذلك في كشف عدوان إخوانهم السابقين في الديانة، وربما يساعد في إزالة ذلك العدوان (24).
13- وبالإضافة إلى ما سبق، فإن النصارى أهل ملة سماوية قبل أن يطرأ عليها النسخ والتحريف، وهي آخر الملل قبل رسالة الإسلام، وفي كتبهم من البشارات بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا تصدى المختصون لإبراز هذه البشارات وشرحها فربما يكون ذلك سبباً في إسلام الكثيرين منهم، بل ويكون هؤلاء أيضاً عوناً في دعوة بني ملتهم السابقة (25).
ثانياً: أهم موضوعات دعوة المسلمين للنصارى:
اتجهت جهود المسلمين في دعوتهم للنصارى في هذه الفترة إلى معالجة الموضوعات الأساسية في الدين الإسلامي، وذلك بالدعوة إلى أصول الدين وأسسه التي لا يتم إسلامهم إلاّ بها، كالتوحيد، والتصديق بالقرآن، وقبول الإسلام بعمومه، والإيمان بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- والإقرار بنبوّة عيسى -عليه السلام- ونفي ألوهيّته وإليك شيء من التفصيل:
1- الدعوة إلى التوحيد: كان أمر التوحيد أهم أمور العقيدة الإسلامية التي دعا المسلمون النصارى إليها في فترة الحروب الصليبية، وذلك من خلال الدعوة المباشرة بالحث على توحيد الله سبحانه وتعالى ونفي الشريك عنه، أو من خلال إبطال عقيدة التثليث، أو من خلال نفي الألوهية عن المسيح عليه السلام (26)، وقد جعل العلماء دعوة النصارى إلى التوحيد هي أولى ما تصرف فيه الهمم، حيث بين ذلك القرآن، وأكد على أهمية إقامة الأدلة على وحدانية الله سبحانه وتعالى، ولهذه الغاية ألف كتاباً خاصاً بذلك سمّاه: أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية (27). وكثيراً ما تتكرر الدعوة إلى التوحيد في ثنايا مناقشات العلماء المسلمين للنصارى وردودهم عليهم، فمن ذلك مثلاً دعوة القرطبي لصاحب كتاب تثليث الوحدانية إلى نبذ الشرك وتوحيد الباري سبحانه وتعالى، وبيان براءة عيسى -عليه السلام- من تثليث النصارى، وأنه ما بلغهم إلاّ أن الله واحد فرد صمد لا شريك له سبحانه وتعالى (28)، وفي هذا السياق، وبعد أن عرض الجعفري شيئاً من الأدلة على توحيد الله سبحانه وتعالى من التوراة والإنجيل وجه كلامه إلى النصارى قائلاً: .. فمن أشرك مع الله غيره فقد كفر بالتوراة والإنجيل (29)، وكانت دعوة النصارى إلى التوحيد، بالإضافة إلى الطريقة المباشرة من خلال دعوتهم الصريحة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، ونفي الشريك عنه، كانت أيضاً من خلال إبطال عقائدهم الشركية المنافية للتوحيد، وذلك بإبطال عقيدة التثليث لديهم وهدمها وإبراز تناقضها، وكذلك من خلال نفي الألوهية عن المسيح -عليه السلام- وإقامة الأدلة المختلفة على ذلك (30).
2- الدعوة إلى اعتناق الإسلام بشكل مجمل: كان من موضوعات دعوة المسلمين للنصارى في هذا الفترة دعوتهم إلى اعتناق الإسلام، أو من خلال ذكر الأدلة على صحته وبيان محاسنه، أو من خلال رد الشبه عن تشريعاته.
أ- الدعوة المباشرة إلى اعتناق الإسلام: ومن الأمثلة على ذلك دعوة صلاح الدين لأرناط الصليبي الذي نقض الصلح مع المسلمين، فغدر بقافلة مسلمة قادمة من مصر إلى الشام، فلما ناشده أصحابها الله وذكروه بالصلح الذي بينه وبين المسلمين رد بكلام يتضمن الاستخفاف برسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك لما علم صلاح الدين أقسم إن ظفر به ليقتلنّه لاستخفافه برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جيء بهذا الصليبي مع الأسرى بعد معركة حطين في منتصف شوال سنة 583هـ، ذكّره صلاح الدين بما صدر منه، ثم عرض عليه الإسلام فأبى فقتله (31)، والشاهد من ذلك هو عرض الإسلام على هذا القائد الصليبي ودعوته إلى اعتناقه، ومثل ذلك عرض الإسلام على صاحب صيدا، وقد شهد ذلك ابن شداد حيث قال : ... ولقد رأيته وقد دخل عليه صاحب صيدا بالناصرة، فاحترمه وأكرمه، وأكل معه الطعام، ومع ذلك عرض عليه الإسلام فذكر له طرفاً من محاسنه، وحثه عليه (32) ومن نماذج عرض الإسلام على النصارى في هذه الفترة ودعوتهم إلى اعتناقه استغلال صلاح الدين للقاءاته بوفود الفرنج لإيضاح محاسن الإسلام ثم دعوتهم إليه (33)، وقد بين الجعفري أن من أسباب تأليفه كتاب – تخجيل من حرف التوراة والإنجيل – هو دعوة النصارى إلى الإسلام، حيث قال: فعسى الله أن يقدر هداية بعضهم، ونحن مأمورون بدعائهم إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة (34) وتكرر في ثنايا مناقشة القرطبي لكتاب أحد القساوسة النصارى دعوته لهذا القسيس إلى اعتناق الإسلام، ومن ذلك قوله: .. فالله الله، أدرك بقية نفسك قبل حلول رمسك، واستعمل عقلك، ولا تعوّل على تقليد فاسد، واتبع الدين القويم، دين الأب إبراهيم (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (35) [آل عمران: 67]، وفي موضع آخر من مناقشته لهذا القسيس في كتابه: الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام بيّن له أنه لولا رجاء استنقاذه من الضلال إلى الهدى لما ناقشه، ولما أعطى الحكمة إلى غير أهلها، حيث يقول:... فلعل مقلب القلوب يستنقذك من عبادة إله مصلوب، ويبدلك بها إخلاص العبادة لعلاّم الغيوب، ولولا رجاء ذلك لما كان ينبغي لي أن أعطي الحكمة غير أهلها (36).
ب- الدعوة إلى الإسلام من خلال بيان محاسنه: اهتم العلماء المسلمون في عصر الحروب الصليبية ببيان محاسن الإسلام وسماحته لعل ذلك يكون للهداية واعتناق الإسلام، ومن هؤلاء: القرطبي الذي عقد فصلاً في كتابه – الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام – مبيناً فيه محاسن الإسلام ومبرزاً الهدف من ذلك بقوله: الغرض من هذا الفن أن نبيّن فيه عقيدة الإسلام، وجملاً من أصوله وأحكامه، ومواضع من فروع دينه أنكرتها النصارى عليه، وإنما فعلنا ذلك لغرضين (37)، ثم وضح أن أحد الغرضين هو: .. إنه لا يبعد أن يقف على هذا الكتاب نصراني أو يهودي لم يسمع قط من ديننا تفصيلاً ولا تصريحاً، بل إنما سمع له سبّاً وتقبيحاً، فأردت أن أسرده على الجملة، ليتبين حسنه لمن كان ذكي العقل، صحيح الفطرة، فلعل ذلك يكون سبب هداه، وجلاء عماه (38)، وبعد ذلك عرض القرطبي شيئاً من محاسن الإسلام من خلال ثلاثة جوانب هي:
- مراعاته لمصالح العباد في الآخرة: إذ جاءت تشريعاته بإيضاح كل ما يتعلق بها مما يحتاج إليه العباد وغاية الوضوح، وتعبدنا الله سبحانه وتعالى بعبادة محصنة، كالصلاة والحج وغير ذلك تعظيماً له سبحانه وتعالى، وخضوعاً له بالظاهر والباطن (39).
- مراعاته لمصالح العباد الدنيوية: فجاءت تشريعاته في هذا الجانب حماية للدين، والنفس والمال، والنسب، والعرض والعقل، ولأجل ذلك شرع العقوبات، وحرّم كل ما يؤثر على هذه الضرورات كالغيبة، والقذف، وقول الزور، والغش والسرقة، وأكل أموال الناس بالباطل، وحرم الخمر؛ لأنها تذهب العقل الذي هو مناط التكليف وغير ذلك من أنـواع الفساد (40).
- إتمامه لمكارم الأخلاق: يقول القرطبي: .. وأما مكارم الأخلاق التي تضمنها شرعنا فلا تخفى على متأمّل، وذلك أن شرعنا أمرنا بها ظاهراً وباطناً، ونهانا عن رذائلها وسفاسفها (41) ثم وضح القرطبي أمثلة على مكارم الأخلاق في الإسلام، هذه المكارم التي تسعى للتحلي بها كل نفس طاهرة، محبة للخير، مبغضة للشر، فمن المكارم الظاهرة عدّد القرطبي النظافة والطهارة والتطيب وتحسين الهيئة وقص الشارب، وإعفاء اللحية، وغير ذلك، وبين أن من النظافة الباطنية التخلي عن مذموم الأخلاق كالغضب، والحسد، والبخل، ومهانة النفس، والكبر، والرياء والتحلي بالأخلاق المحمودة كالتوبة من المعاصي، وحسن الصحبة، والنصيحة، والعدل، والتواضع، والإخلاص، والصبر، والصدق، والتوكل، ومحبة الله ورسله إلى غير ذلك (42). وأخيراً أكّد القرطبي على أن المتدبر لهذه المحاسن سيعلم من غير شك أنها حق من الله، وأن الذي جاء بها لا يجوز عليه الغلط والكذب، وعلى ذلك فلا يسعه إلاّ قبولها والإيمان بالذي دعا إليها وهو الإسلام (43).
ج- الدعوة إلى الإسلام من خلال ردّ الشبه عن تشريعاته: قد يكون سبب عدم قبول الحق شبهة في ذهن المدعو، وبإزالة هذه الشبهة تزول العقبة، ويتحقق القبول، وهكذا الحال مع النصارى فإنما كانت كثير من الشبه التي يثيرها بعض مضليهم مانعة من العلماء في فترة الحروب الصليبية للذود عن الإسلام بدحض الشبه التي يروّج لها أئمة الضلال من النصارى، ومن الأمثلة على ذلك رسالة أحد القساوسة إلى أبي عبيدة الخزرجي التي تتضمن الكثير من الشبه والمفتريات حول تشريعات الإسلام، وردّ أبي عبيدة الخزرجي التي تتضمن الكثير من الشبه والمفتريات حول تشريعات الإسلام، وردّ أبي عبيدة على هذا القسيس داحضاً شبهه ومفترياته (44)، ومثله القرافي الذي عرض كثيراً من شبه النصارى في هذه الفترة وأبطلها (45).
(1) فتح القدير، محمد علي الشوكاني (3/616).
(2) جامع البيان للطبري نقلاً عن دعوة المسلمين للنصارى (1/849).
(3) دعوة المسلمين في عصر الحروب الصليبية (1/50).
(4) إرشاد العقل السليم (2/280).
(5) المصدر نفسه.
(6) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/851) جلّ هذا المبحث مختصر من هذا الكتاب.
(7) البخاري رقم 335.
(8) مسلم رقم 523.
(9) مسلم رقم 523.
(10) صحيح سنن الترمذي (3/342).
(11) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/54).
(12) مسند أحمد رقم 16023 صحيح لغيره.
(13) دعوة المسلمين للنّصارى في عصر الحروب الصَّليبية (1/54).
(14) المصدر نفسه (1/56 إلى 61).
(15) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/64).
(16) المصدر نفسه (1/64).
(17) الجامع لأحكام القرآن (3/136).
(18) مسلم رقم 153.
(19) البخاري رقم 97.
(20) البخاري رقم 1496.
(21) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/65).
(22) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/66).
(23) صحيح سنن أبي داود (2/261).
(24) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/67).
(25) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/68).
(26) المصدر نفسه (1/174).
(27) أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية ص 20، 21.
(28) الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ص 176.
(29) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الصليبية (1/176).
(30) دعوة المسلمين للنّصارى في عصر الحروب الصليبية (1/176).
(31) المصدر نفسه (1/178) النوادر السلطانية ص(130 – 131).
(32) المصدر نفسه ص 66.
(33) دعوة المسلمين للنّصارى في عصر الحروب الصليبية (1/179).
(34) تخجيل من حرف التوراة والإنجيل صالح بن الحسين (1/103).
(35) الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ص 101.
(36) المصدر نفسه ص 106.
(37) دعوة المسلمين النصارى في عصر الحروب الصليبية (1/180).
(38) الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ص 438.
(39) المصدر نفسه ص 439.
(40) الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ص 441.
(41) المصدر نفسه ص 444.
(42) المصدر نفسه ص 445.
(43) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/182).
(44) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/182).
(45) المصدر (1/183).
http://www.islamtoday.net/nawafeth/a...-40-110345.htm
الاربعاء 28 ربيع الأول 1430 الموافق 25 مارس 2009
د. علي محمد الصلابي
إن من خصائص الدعوة الإسلامية عالميتها، وقد وردت آيات كثيرة تدل على ذلك منها:
- بعض الآيات التي ورد فيها لفظ "العالمين"
قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ). [الأنبياء: 107] أي: وما أرسلناك يا محمد بالشرائع والأحكام إلاّ رحمة لجميع الناس (1).
وقال سبحانه: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيراً).[الفرقان:1]: أي ليكون محمد لجميع الجن والإنس (2).
- وقال تعالى: (قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ) [الأنعام: 90].
- وقال: (فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ). (التكوير: 26-27) إلى غير ذلك من الآيات، ووجه الاستدلال لهذه الآيات ظاهر من جهة كون الإنس والجن هم المكلفون من العالمين، فالدعوة، إذن متوجهة إليهما (3).
- بعض الآيات التي ورد فيها لفظ "الناس": قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً) [الأعراف: 158] أي قل يا محمد للناس كلهم "إني رسول الله إليكم جميعاً" لا إلى بعضكم دون بعض، كما كان من قبلي من الرسل (4) وقال أبو السعود. لما حكي ما في الكتابين من نعوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشرف من يتبعه من أهلها ونيلهم لسعادة الدارين، أُمر عليه الصلاة والسلام ببيان أن تلك السعادة غير مختصة بهم بل شاملة لكل من يتبعه كائناً من كان، ببيان عموم رسالته للثقلين (5) والآيات أيضاً، قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ). [النساء: 174] وقوله: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ). [يونس: 108]. وقوله: (هَـذَا بَلاَغٌ لِّلنَّاسِ وَلِيُنذَرُواْ بِهِ). [إبراهيم: 52] إلى غير ذلك، ووجه الاستدلال بهذه الآيات هو توجيه الخطاب في عموم الناس (6).
وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً). [سبأ: 28]. وغير ذلك من الآيات التي تدل على عموم الرسالة الإسلامية.
- الأحاديث التي تدل على عالمية الدعوة الإسلامية: ورد الكثير من الأحاديث التي تدل على عالمية الدعوة الإسلامية منها حديث جابر بن عبد الله -- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكان النبي يبعث إلى قومه: خاصة وبعثت إلى الناس كافة" (7)، وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وأُرسلت إلى الخلق كافة وخُتم بي النبيوّن" (8)، وأيضاً حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله وسلم- قال: "والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلاّ كان من أصحاب النار" (9)، ودلت السنة كذلك على شمول دعوته صلى الله عليه وسلم للجن، فمن ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على أصحابه، فقرأ عليهم سورة الرحمن من أولها إلى آخرها، فسكتوا، فقال: لقد قرأتها على الجن ليلة الجن فكانوا أحسن مردوداً منكم، كنت كلما أتيت على قوله: (فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) قالوا: لا بشيء من نعمك ربنا نكذب، فلك الحمد (10). فهذا الحديث يدل على مخاطبة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الجن، وقراءته القرآن عليهم، وإنصاتهم له، وإيمانهم بنعم الله سبحانه وتعالى عليهم، والتي من أعظمها الإسلام (11) وفعله صلى الله عليه وسلم كذلك يدل على عالمية الدعوة؛ فبعد دعوته عليه الصلاة والسلام لقومه "وعشيرته الأقربين أخذ يعرض نفسه على القبائل في أسواق العرب وفي المواسم، فعن رجل من بني مالك بن كنانة قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في سوق ذي المجاز يتخللها يقول: أيها الناس قولوا: لا إله إلاّ الله تفلحوا (12)، ثم إرساله الكتب والرسائل إلى الملوك والأمراء، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كتب إلى كسرى وإلى قيصر، وإلى النجاشي وإلى كل جبار يدعوهم إلى الله تعالى (13).
- فعل الصحابة -رضي الله عنهم- بعده صلى الله عليه وسلم: فبعد وفاته -صلى الله عليه وسلم- واستلام أبي بكر -رضي الله عنه- الخلافة، وبعد قضائه على فتنة الردة في السنة الحادية عشرة من الهجرة بدأ بالفتوحات الإسلامية نشراً للدعوة؛ إذ أرسل الجيوش إلى العراق ضد الدول الفارسية وإلى الشام ضد الروم، ثم متابعة ذلك من قبل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ومن بعده عثمان بن عفان رضي الله عنه، وقد امتدت الدولة الإسلامية من حدود الصين إلى طرابلس الغرب شرقاً وغرباً، ومن أرمينية إلى اليمن شمالاً وجنوباً، ولما ارتضى سبحانه وتعالى دين الإسلام للثقلين الإنس والجن، وكانت الدعوة الإسلامية متوجهة كما سبق إيضاحه، لذلك ميّز جلّ وعلا هذا الدين؛ لكي يصلح لهذه العالمية بمميزات أهمها:
1- سلامته من التحريف بحفظ الكتاب والسنة: قال تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ). [الحجر: 9].
2- شموله الموضوعي والزماني والمكاني: والمقصود بالشمول الموضوعي أي وفاؤه بجميع حاجات الإنسان الاعتقادية والعملية قال سبحانه وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المائدة: 3] وقال: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ). [النحل: 89].
3- الوسطية: قال تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً). [البقرة: 143].
4- أنه دين الفطرة: فكل إنسان يولد مستعداً لقبول الإسلام مهيأ له قال صلى الله عليه وسلم: "ما من مولود إلاّ يولد على الفطرة فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه".
5- الكمال، وكذلك الوضوح (14).
أولاً: أهمية دعوة النصارى إلى الإسلام:
يمكن أن نبرز أهمية دعوة النصارى خاصة من خلال النقاط الآتية:
1- توجيه الخطاب في القرآن في كثير من الآيات لأهل الكتاب وتخصيصهم في ذلك أمراً لهم بالتوحيد أو الإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم، أو بياناً لتحريفهم الكلام عن مواضعه، أو رداً على شبههم أو غير ذلك، ومن هذه الآيات قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ). [آل عمران: 64] وقوله تعالى: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ). [آل عمران:71] إلى غير ذلك من الآيات، ولا شك أن النصارى من أهل الكتاب.
2- حث القرآن على مجادلة أهل الكتاب بالتي هي أحسن كما قال تعالى: (وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ). [العنكبوت: 46] – بالجميل من القول وهو الدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حججه (15)، وذلك تقديراً لما عندهم من بقية أثر الرسل (16).
3- تخصيص القرآن للنصارى وتوجيه الخطاب لهم وذلك في قوله تعالى: (وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ). [المائدة: 47]، قيل: هذا أمر للنصارى الآن بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم (17).
4- تخصيص النبي -صلى الله عليه وسلم- أهل الكتاب في كثير من الأحاديث دعوة لهم، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلاّ كان من أصحاب النار". (18)، وقوله صلى الله عليه وسلم: ثلاثة لهم أجران: "رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم". (19).
5- تميز أسلوب النبي -صلى الله عليه وسلم- لدعوة أهل الكتاب بمراعاة التدرج حسب الأهمية، وذلك في وصيته لمعاذ بن جبل حينما أرسله إلى اليمن؛ إذ قال له صلى الله عليه وسلم: "إنك ستأتي قوماً أهل كتاب، فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلاّ الله ... إلى أن قال: فإن هم أطاعوا لك بذلك، فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم؛ فإنه ليس بينها وبين الله حجاب" (20).
6- تخصيص النبي -صلى الله عليه وسلم- للنصارى في الدعوة كما في قصة وفد نصارى نجران (21).
7- عناية الإسلام بمعاملة أهل الذمة سواء كانوا يهوداً أو نصارى، فقد بين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرمة ذمة المعاهد، ووجوب الوفاء له قال صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عاماً" (22) وحرم الإسلام ظلم المعاهد، أو تكليفه فوق طاقته، أو أخذ شيء من ماله بغير طيب نفس، لقوله صلى الله عليه وسلم: "ألا من ظلم معاهداً أو انتقصه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئاً بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة" (23)، وأباح الزواج منهم، وأحلّ الله طعامهم.
8- إن دين النصارى دين عالمي – بمعنى أنه يعده أتباعه ديناً للبشرية جمعاء، ولذلك ينشطون في الدعوة إليه، بعكس كثير من الديانات والمذاهب الأخرى التي يراها أتباعها ديناً لهم وحدهم، ولذلك لا يسعون لنشرها، كاليهودية والهندوسية، وعلى ذلك ففي دعوة النصارى واهتداء البعض منهم حد لانتشار النصرانية في مجتمعات غير نصرانية، ومن ثم إتاحة الفرصة لنشر الإسلام في مثل هذه المجتمعات.
9- كون النصارى ذوي قوة وكثرة وانتشار في الوقت الحاضر وكثير من المجتمعات غير النصرانية تسعى لتقليدهم ومتابعتهم منخدعة بما بلغوه من حضارة مادية وقوة عسكرية، وبهداية هؤلاء النصارى أو البعض منهم، وهم بهذا النفوذ بالنسبة للعالم سوف يكون في ذلك صلاح أقوام كثيرين كانوا يرونهم المثال لهم.
10- أن أكثر الشبه تثار حول الإسلام خصوصاً في الوقت الحاضر إنما هي من قبلهم وباهتداء البعض منهم فيه ردّ على مثل هذه الشبه.
11- إن اهتداء بعض النصارى يساعد كثيراً في فضح باطل إخوانهم السابقين في الديانة، لخبرتهم فيها، وما في ذلك من مساعدة للدعاة ودعم لجهودهم.
12- إن حروب المسلمين في أغلب فترات التاريخ الإسلامي كانت مع النصارى، كحروب المسلمين في الأندلس، وصقلية، والحروب الصليبية في الشام ومصر، بل لا تزال هذه الحروب مستمرة في بعض الجهات من العالم، وباهتداء بعض النصارى يساعد ذلك في كشف عدوان إخوانهم السابقين في الديانة، وربما يساعد في إزالة ذلك العدوان (24).
13- وبالإضافة إلى ما سبق، فإن النصارى أهل ملة سماوية قبل أن يطرأ عليها النسخ والتحريف، وهي آخر الملل قبل رسالة الإسلام، وفي كتبهم من البشارات بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم، فإذا تصدى المختصون لإبراز هذه البشارات وشرحها فربما يكون ذلك سبباً في إسلام الكثيرين منهم، بل ويكون هؤلاء أيضاً عوناً في دعوة بني ملتهم السابقة (25).
ثانياً: أهم موضوعات دعوة المسلمين للنصارى:
اتجهت جهود المسلمين في دعوتهم للنصارى في هذه الفترة إلى معالجة الموضوعات الأساسية في الدين الإسلامي، وذلك بالدعوة إلى أصول الدين وأسسه التي لا يتم إسلامهم إلاّ بها، كالتوحيد، والتصديق بالقرآن، وقبول الإسلام بعمومه، والإيمان بنبوة محمد -صلى الله عليه وسلم- والإقرار بنبوّة عيسى -عليه السلام- ونفي ألوهيّته وإليك شيء من التفصيل:
1- الدعوة إلى التوحيد: كان أمر التوحيد أهم أمور العقيدة الإسلامية التي دعا المسلمون النصارى إليها في فترة الحروب الصليبية، وذلك من خلال الدعوة المباشرة بالحث على توحيد الله سبحانه وتعالى ونفي الشريك عنه، أو من خلال إبطال عقيدة التثليث، أو من خلال نفي الألوهية عن المسيح عليه السلام (26)، وقد جعل العلماء دعوة النصارى إلى التوحيد هي أولى ما تصرف فيه الهمم، حيث بين ذلك القرآن، وأكد على أهمية إقامة الأدلة على وحدانية الله سبحانه وتعالى، ولهذه الغاية ألف كتاباً خاصاً بذلك سمّاه: أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية (27). وكثيراً ما تتكرر الدعوة إلى التوحيد في ثنايا مناقشات العلماء المسلمين للنصارى وردودهم عليهم، فمن ذلك مثلاً دعوة القرطبي لصاحب كتاب تثليث الوحدانية إلى نبذ الشرك وتوحيد الباري سبحانه وتعالى، وبيان براءة عيسى -عليه السلام- من تثليث النصارى، وأنه ما بلغهم إلاّ أن الله واحد فرد صمد لا شريك له سبحانه وتعالى (28)، وفي هذا السياق، وبعد أن عرض الجعفري شيئاً من الأدلة على توحيد الله سبحانه وتعالى من التوراة والإنجيل وجه كلامه إلى النصارى قائلاً: .. فمن أشرك مع الله غيره فقد كفر بالتوراة والإنجيل (29)، وكانت دعوة النصارى إلى التوحيد، بالإضافة إلى الطريقة المباشرة من خلال دعوتهم الصريحة إلى توحيد الله سبحانه وتعالى، ونفي الشريك عنه، كانت أيضاً من خلال إبطال عقائدهم الشركية المنافية للتوحيد، وذلك بإبطال عقيدة التثليث لديهم وهدمها وإبراز تناقضها، وكذلك من خلال نفي الألوهية عن المسيح -عليه السلام- وإقامة الأدلة المختلفة على ذلك (30).
2- الدعوة إلى اعتناق الإسلام بشكل مجمل: كان من موضوعات دعوة المسلمين للنصارى في هذا الفترة دعوتهم إلى اعتناق الإسلام، أو من خلال ذكر الأدلة على صحته وبيان محاسنه، أو من خلال رد الشبه عن تشريعاته.
أ- الدعوة المباشرة إلى اعتناق الإسلام: ومن الأمثلة على ذلك دعوة صلاح الدين لأرناط الصليبي الذي نقض الصلح مع المسلمين، فغدر بقافلة مسلمة قادمة من مصر إلى الشام، فلما ناشده أصحابها الله وذكروه بالصلح الذي بينه وبين المسلمين رد بكلام يتضمن الاستخفاف برسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك لما علم صلاح الدين أقسم إن ظفر به ليقتلنّه لاستخفافه برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما جيء بهذا الصليبي مع الأسرى بعد معركة حطين في منتصف شوال سنة 583هـ، ذكّره صلاح الدين بما صدر منه، ثم عرض عليه الإسلام فأبى فقتله (31)، والشاهد من ذلك هو عرض الإسلام على هذا القائد الصليبي ودعوته إلى اعتناقه، ومثل ذلك عرض الإسلام على صاحب صيدا، وقد شهد ذلك ابن شداد حيث قال : ... ولقد رأيته وقد دخل عليه صاحب صيدا بالناصرة، فاحترمه وأكرمه، وأكل معه الطعام، ومع ذلك عرض عليه الإسلام فذكر له طرفاً من محاسنه، وحثه عليه (32) ومن نماذج عرض الإسلام على النصارى في هذه الفترة ودعوتهم إلى اعتناقه استغلال صلاح الدين للقاءاته بوفود الفرنج لإيضاح محاسن الإسلام ثم دعوتهم إليه (33)، وقد بين الجعفري أن من أسباب تأليفه كتاب – تخجيل من حرف التوراة والإنجيل – هو دعوة النصارى إلى الإسلام، حيث قال: فعسى الله أن يقدر هداية بعضهم، ونحن مأمورون بدعائهم إلى سبيل ربنا بالحكمة والموعظة الحسنة (34) وتكرر في ثنايا مناقشة القرطبي لكتاب أحد القساوسة النصارى دعوته لهذا القسيس إلى اعتناق الإسلام، ومن ذلك قوله: .. فالله الله، أدرك بقية نفسك قبل حلول رمسك، واستعمل عقلك، ولا تعوّل على تقليد فاسد، واتبع الدين القويم، دين الأب إبراهيم (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ). (35) [آل عمران: 67]، وفي موضع آخر من مناقشته لهذا القسيس في كتابه: الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام بيّن له أنه لولا رجاء استنقاذه من الضلال إلى الهدى لما ناقشه، ولما أعطى الحكمة إلى غير أهلها، حيث يقول:... فلعل مقلب القلوب يستنقذك من عبادة إله مصلوب، ويبدلك بها إخلاص العبادة لعلاّم الغيوب، ولولا رجاء ذلك لما كان ينبغي لي أن أعطي الحكمة غير أهلها (36).
ب- الدعوة إلى الإسلام من خلال بيان محاسنه: اهتم العلماء المسلمون في عصر الحروب الصليبية ببيان محاسن الإسلام وسماحته لعل ذلك يكون للهداية واعتناق الإسلام، ومن هؤلاء: القرطبي الذي عقد فصلاً في كتابه – الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام – مبيناً فيه محاسن الإسلام ومبرزاً الهدف من ذلك بقوله: الغرض من هذا الفن أن نبيّن فيه عقيدة الإسلام، وجملاً من أصوله وأحكامه، ومواضع من فروع دينه أنكرتها النصارى عليه، وإنما فعلنا ذلك لغرضين (37)، ثم وضح أن أحد الغرضين هو: .. إنه لا يبعد أن يقف على هذا الكتاب نصراني أو يهودي لم يسمع قط من ديننا تفصيلاً ولا تصريحاً، بل إنما سمع له سبّاً وتقبيحاً، فأردت أن أسرده على الجملة، ليتبين حسنه لمن كان ذكي العقل، صحيح الفطرة، فلعل ذلك يكون سبب هداه، وجلاء عماه (38)، وبعد ذلك عرض القرطبي شيئاً من محاسن الإسلام من خلال ثلاثة جوانب هي:
- مراعاته لمصالح العباد في الآخرة: إذ جاءت تشريعاته بإيضاح كل ما يتعلق بها مما يحتاج إليه العباد وغاية الوضوح، وتعبدنا الله سبحانه وتعالى بعبادة محصنة، كالصلاة والحج وغير ذلك تعظيماً له سبحانه وتعالى، وخضوعاً له بالظاهر والباطن (39).
- مراعاته لمصالح العباد الدنيوية: فجاءت تشريعاته في هذا الجانب حماية للدين، والنفس والمال، والنسب، والعرض والعقل، ولأجل ذلك شرع العقوبات، وحرّم كل ما يؤثر على هذه الضرورات كالغيبة، والقذف، وقول الزور، والغش والسرقة، وأكل أموال الناس بالباطل، وحرم الخمر؛ لأنها تذهب العقل الذي هو مناط التكليف وغير ذلك من أنـواع الفساد (40).
- إتمامه لمكارم الأخلاق: يقول القرطبي: .. وأما مكارم الأخلاق التي تضمنها شرعنا فلا تخفى على متأمّل، وذلك أن شرعنا أمرنا بها ظاهراً وباطناً، ونهانا عن رذائلها وسفاسفها (41) ثم وضح القرطبي أمثلة على مكارم الأخلاق في الإسلام، هذه المكارم التي تسعى للتحلي بها كل نفس طاهرة، محبة للخير، مبغضة للشر، فمن المكارم الظاهرة عدّد القرطبي النظافة والطهارة والتطيب وتحسين الهيئة وقص الشارب، وإعفاء اللحية، وغير ذلك، وبين أن من النظافة الباطنية التخلي عن مذموم الأخلاق كالغضب، والحسد، والبخل، ومهانة النفس، والكبر، والرياء والتحلي بالأخلاق المحمودة كالتوبة من المعاصي، وحسن الصحبة، والنصيحة، والعدل، والتواضع، والإخلاص، والصبر، والصدق، والتوكل، ومحبة الله ورسله إلى غير ذلك (42). وأخيراً أكّد القرطبي على أن المتدبر لهذه المحاسن سيعلم من غير شك أنها حق من الله، وأن الذي جاء بها لا يجوز عليه الغلط والكذب، وعلى ذلك فلا يسعه إلاّ قبولها والإيمان بالذي دعا إليها وهو الإسلام (43).
ج- الدعوة إلى الإسلام من خلال ردّ الشبه عن تشريعاته: قد يكون سبب عدم قبول الحق شبهة في ذهن المدعو، وبإزالة هذه الشبهة تزول العقبة، ويتحقق القبول، وهكذا الحال مع النصارى فإنما كانت كثير من الشبه التي يثيرها بعض مضليهم مانعة من العلماء في فترة الحروب الصليبية للذود عن الإسلام بدحض الشبه التي يروّج لها أئمة الضلال من النصارى، ومن الأمثلة على ذلك رسالة أحد القساوسة إلى أبي عبيدة الخزرجي التي تتضمن الكثير من الشبه والمفتريات حول تشريعات الإسلام، وردّ أبي عبيدة الخزرجي التي تتضمن الكثير من الشبه والمفتريات حول تشريعات الإسلام، وردّ أبي عبيدة على هذا القسيس داحضاً شبهه ومفترياته (44)، ومثله القرافي الذي عرض كثيراً من شبه النصارى في هذه الفترة وأبطلها (45).
(1) فتح القدير، محمد علي الشوكاني (3/616).
(2) جامع البيان للطبري نقلاً عن دعوة المسلمين للنصارى (1/849).
(3) دعوة المسلمين في عصر الحروب الصليبية (1/50).
(4) إرشاد العقل السليم (2/280).
(5) المصدر نفسه.
(6) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/851) جلّ هذا المبحث مختصر من هذا الكتاب.
(7) البخاري رقم 335.
(8) مسلم رقم 523.
(9) مسلم رقم 523.
(10) صحيح سنن الترمذي (3/342).
(11) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/54).
(12) مسند أحمد رقم 16023 صحيح لغيره.
(13) دعوة المسلمين للنّصارى في عصر الحروب الصَّليبية (1/54).
(14) المصدر نفسه (1/56 إلى 61).
(15) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/64).
(16) المصدر نفسه (1/64).
(17) الجامع لأحكام القرآن (3/136).
(18) مسلم رقم 153.
(19) البخاري رقم 97.
(20) البخاري رقم 1496.
(21) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/65).
(22) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/66).
(23) صحيح سنن أبي داود (2/261).
(24) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/67).
(25) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/68).
(26) المصدر نفسه (1/174).
(27) أدلة الوحدانية في الرد على النصرانية ص 20، 21.
(28) الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ص 176.
(29) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الصليبية (1/176).
(30) دعوة المسلمين للنّصارى في عصر الحروب الصليبية (1/176).
(31) المصدر نفسه (1/178) النوادر السلطانية ص(130 – 131).
(32) المصدر نفسه ص 66.
(33) دعوة المسلمين للنّصارى في عصر الحروب الصليبية (1/179).
(34) تخجيل من حرف التوراة والإنجيل صالح بن الحسين (1/103).
(35) الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ص 101.
(36) المصدر نفسه ص 106.
(37) دعوة المسلمين النصارى في عصر الحروب الصليبية (1/180).
(38) الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ص 438.
(39) المصدر نفسه ص 439.
(40) الإعلام بما في دين النصارى من الفساد والأوهام ص 441.
(41) المصدر نفسه ص 444.
(42) المصدر نفسه ص 445.
(43) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/182).
(44) دعوة المسلمين للنصارى في عصر الحروب الصليبية (1/182).
(45) المصدر (1/183).
http://www.islamtoday.net/nawafeth/a...-40-110345.htm
تعليق