شرح قصة أيوب عليه السلام
في قوله تعالى واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض
برجلك هذا مغتسل بارد وشراب
فمما قالوه في سبب محنته عليه السلام وهو أسلم ما نسبوه إليه من الأقاويل أنه شوى
حملا في منزله وكان بإزائه جار فقير فتأذى برائحة طعامه ولم ينله منه شيئا فامتحنه الله
تعالى بأن سلط عليه الشيطان
ومنهم من قال إنه دخل يوما على ملك جبار فرأى في منزله منكرا فلم يغيره فلذا امتحن
وهاتان القولتان من أشبه ما قالوه في محنته عليه السلام فأول ما يطلبون به إثبات
دعواهم وهم لا يثبتونها في كتاب ولا سنة سوى ملفقات من قصصيات هي أوهى في
الثبوت من خيط العنكبوت
فاخترنا الكلام في هاتين القصتين لكونهما مما يصح معناهما لو صح أثرهما فلو صح ما
قالوه من القولتين أو إحداهما لتصور الخروج عنهما بأحسن مخرج
فأما قصة الحمل فقد يكون يغلب الظن أن جاره ليس يحتاج اليه في ذلك الوقت وقد نعلم
أنه يمكنه أن يصنع مثل ذلك فإن ثمن الحمل
يسير وليس كل فقير مملقا وقد يحتمل أنه نسي أن يواسيه منه وليس يلحقه في ذلك
عتب ولا ذنب على أنه لو ترك إعطاءه قاصدا لم يكن مذنبا فإن مؤاساة الجار مندوب إليها
ومن ترك المندوب فلا ذنب عليه
وأما قولهم إنه لم يغير المنكر على الملك الجبار فعين هذا القول عذر عنه فإن لزوم تغيير
المنكر إنما هو مع الإمكان قال تعالى الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة
وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر فلما علم جبروت الملك خاف على نفسه ولم يمكنه
تغييره بظاهره لئلا يقع من الجبار منكر أكبر مما رآه في منزله فغير بقلبه
ويحتمل أن يكون ذلك الملك لم يكن من أمته ولا أرسل إليه فلم يغير عليه إذ لا يلزمه ذلك
كما مر موسى عليه السلام على قوم يعكفون على أصنام لهم فغير على قومه ولم يغير
عليهم لكونه لم يرسل إليهم فإن النبي لا يلزمه التغيير إلا على من أرسل إليه
فقد خرجت القولتان بحمد الله على أحسن مخرج إذا صحتا
وأما قوله مسني الشيطان بنصب وعذاب أي ببلاء وشر جاء في خبر يطول ذكره فلنذكر
منه ما لا بد من ذكره
وجاء في الأثر أن الشيطان تحداه بأنه لو سلط عليه لضجر وسخط حكم الله تعالى فسلط
على ماله وولده وجسده إلا قلبه ولسانه فصبر صبرا أثنى الله به عليه إلى يوم القيامة في
قرآن يتلى فقال تعالى إنا
وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب وبقي الشيطان خائب الصفقة خزيان فلما نادى ربه شاكيا
بالشيطان وبما ناله منه أجابه بالإقالة من شكيته وأمره أن يركض الأرض برجله حتى يريه
بركة صبره فقال اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فعجل له في الدنيا مثلا لعين
الحياة التي بين الجنة والنار يغتسل فيها المعذبون ويشربون منها فيخرجون مطهرين من
كل بؤس ظاهرا وباطنا كما جاء في الخبر
فمس أيوب عليه السلام الأرض برجله فنبع منها الماء فشرب منه فبرئ ما كان في باطنه
من دقيق السقم وجليله واغتسل فبرئ من ظاهره أتم براءة فما كان يرسل الماء على
عضو إلا ويعود في الحين أحسن ما كان قبل بإذن الله تعالى
ورد الله عليه ماله وولده وولد له مثل عددهم
قال الله تعالى وآتيناه أهله ومثلهم معهم
وهذه القصة على رونق فيها لكونها متعلقة بالكتاب جائزة في العقل لكنها غير لائقة
بمنصب النبوة وحاشى لله أن يسلط عدوه على حبيبه بمثل هذه السلطة حتى يتحكم
في ماله وولده وجسده بالبلاء والتنكيل
وأما تعلقهم فيها من الكتاب العزيز فبقوله تعالى أنه قال مسني الشيطان بنصب وعذاب
وليس لهم حجة في هذا القول فإن الأنبياء عليهم السلام إذا مسهم ضر نسبوه إلى
الشيطان على جهة الأدب مع الحق سبحانه لئلا ينسبوا له فعلا يكره مع علمهم أن كلا
من عند الله
قال الخليل عليه السلام وإذا مرضت فهو يشفين
وقال الخضر عليه السلام فأردت أن أعيبها
وقال الكليم عليه السلام هذا من عمل الشيطان
وقال فتاه عليه السلام وما أنسانيه إلا الشيطان
وقال نبينا والخير كله في يديك والشر ليس إليك
يعني ليس إليك يضاف وصفا لا فعلا وإن كان الفعل كله من عند الله
وقال تعالى بيدك الخير إنك على كل شيء قدير
فخرج من مجموع ما ذكرناه أن تعلقهم بالآية في كل ما زوروه من الأقاصيص غير صحيح
من كتاب
تنزيه الأنبياء
عما نسب إليهم حثالة الأغبياء
أبي الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي
في قوله تعالى واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب اركض
برجلك هذا مغتسل بارد وشراب
فمما قالوه في سبب محنته عليه السلام وهو أسلم ما نسبوه إليه من الأقاويل أنه شوى
حملا في منزله وكان بإزائه جار فقير فتأذى برائحة طعامه ولم ينله منه شيئا فامتحنه الله
تعالى بأن سلط عليه الشيطان
ومنهم من قال إنه دخل يوما على ملك جبار فرأى في منزله منكرا فلم يغيره فلذا امتحن
وهاتان القولتان من أشبه ما قالوه في محنته عليه السلام فأول ما يطلبون به إثبات
دعواهم وهم لا يثبتونها في كتاب ولا سنة سوى ملفقات من قصصيات هي أوهى في
الثبوت من خيط العنكبوت
فاخترنا الكلام في هاتين القصتين لكونهما مما يصح معناهما لو صح أثرهما فلو صح ما
قالوه من القولتين أو إحداهما لتصور الخروج عنهما بأحسن مخرج
فأما قصة الحمل فقد يكون يغلب الظن أن جاره ليس يحتاج اليه في ذلك الوقت وقد نعلم
أنه يمكنه أن يصنع مثل ذلك فإن ثمن الحمل
يسير وليس كل فقير مملقا وقد يحتمل أنه نسي أن يواسيه منه وليس يلحقه في ذلك
عتب ولا ذنب على أنه لو ترك إعطاءه قاصدا لم يكن مذنبا فإن مؤاساة الجار مندوب إليها
ومن ترك المندوب فلا ذنب عليه
وأما قولهم إنه لم يغير المنكر على الملك الجبار فعين هذا القول عذر عنه فإن لزوم تغيير
المنكر إنما هو مع الإمكان قال تعالى الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة
وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر فلما علم جبروت الملك خاف على نفسه ولم يمكنه
تغييره بظاهره لئلا يقع من الجبار منكر أكبر مما رآه في منزله فغير بقلبه
ويحتمل أن يكون ذلك الملك لم يكن من أمته ولا أرسل إليه فلم يغير عليه إذ لا يلزمه ذلك
كما مر موسى عليه السلام على قوم يعكفون على أصنام لهم فغير على قومه ولم يغير
عليهم لكونه لم يرسل إليهم فإن النبي لا يلزمه التغيير إلا على من أرسل إليه
فقد خرجت القولتان بحمد الله على أحسن مخرج إذا صحتا
وأما قوله مسني الشيطان بنصب وعذاب أي ببلاء وشر جاء في خبر يطول ذكره فلنذكر
منه ما لا بد من ذكره
وجاء في الأثر أن الشيطان تحداه بأنه لو سلط عليه لضجر وسخط حكم الله تعالى فسلط
على ماله وولده وجسده إلا قلبه ولسانه فصبر صبرا أثنى الله به عليه إلى يوم القيامة في
قرآن يتلى فقال تعالى إنا
وجدناه صابرا نعم العبد إنه أواب وبقي الشيطان خائب الصفقة خزيان فلما نادى ربه شاكيا
بالشيطان وبما ناله منه أجابه بالإقالة من شكيته وأمره أن يركض الأرض برجله حتى يريه
بركة صبره فقال اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب فعجل له في الدنيا مثلا لعين
الحياة التي بين الجنة والنار يغتسل فيها المعذبون ويشربون منها فيخرجون مطهرين من
كل بؤس ظاهرا وباطنا كما جاء في الخبر
فمس أيوب عليه السلام الأرض برجله فنبع منها الماء فشرب منه فبرئ ما كان في باطنه
من دقيق السقم وجليله واغتسل فبرئ من ظاهره أتم براءة فما كان يرسل الماء على
عضو إلا ويعود في الحين أحسن ما كان قبل بإذن الله تعالى
ورد الله عليه ماله وولده وولد له مثل عددهم
قال الله تعالى وآتيناه أهله ومثلهم معهم
وهذه القصة على رونق فيها لكونها متعلقة بالكتاب جائزة في العقل لكنها غير لائقة
بمنصب النبوة وحاشى لله أن يسلط عدوه على حبيبه بمثل هذه السلطة حتى يتحكم
في ماله وولده وجسده بالبلاء والتنكيل
وأما تعلقهم فيها من الكتاب العزيز فبقوله تعالى أنه قال مسني الشيطان بنصب وعذاب
وليس لهم حجة في هذا القول فإن الأنبياء عليهم السلام إذا مسهم ضر نسبوه إلى
الشيطان على جهة الأدب مع الحق سبحانه لئلا ينسبوا له فعلا يكره مع علمهم أن كلا
من عند الله
قال الخليل عليه السلام وإذا مرضت فهو يشفين
وقال الخضر عليه السلام فأردت أن أعيبها
وقال الكليم عليه السلام هذا من عمل الشيطان
وقال فتاه عليه السلام وما أنسانيه إلا الشيطان
وقال نبينا والخير كله في يديك والشر ليس إليك
يعني ليس إليك يضاف وصفا لا فعلا وإن كان الفعل كله من عند الله
وقال تعالى بيدك الخير إنك على كل شيء قدير
فخرج من مجموع ما ذكرناه أن تعلقهم بالآية في كل ما زوروه من الأقاصيص غير صحيح
من كتاب
تنزيه الأنبياء
عما نسب إليهم حثالة الأغبياء
أبي الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي
تعليق