شرح قصة يونس عليه السلام
في قوله تعالى وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه الآية
فمما اختلقوه عليه السلام في شرح هذه الآية أن قالوا أنه جاءه الملك بالوحي وهو يتعبد
في الجبل فقال له إن الله تعالى أمرني أن أعلمك بأنه أرسلك إلى أهل نينوى لتحذرهم
وتنذرهم فقال له يونس عليه السلام الله أرفق بي وأعلم بضعفي ومسكنتي من أن
يرسلني الى قوم جبارين متكبرين يؤذوننى ويقتلونني فراجع ربك أيها الملك في أمري
فلعله يعفيني من ذلك ويلطف بي فقال له الملك الله تعالى أعظم من أن أراجعه فيما
أمرني به وقد أمرتك فسل أنت ربك ذلك إن شئت فقد بلغتك والسلام ثم صار الملك إلى
مقامه ففر إذ ذاك يونس عليه السلام على وجهه إلى جهة البحر مغاضبا لربه وركب
السفينة فالتقمه الحوت
ومنهم من قال إنه بلغ قومه الرسالة فسبوه وضربوه وأغلوا في أذيته فدعا عليهم فأخبره
ربه أنه ينزل البلاء عليهم في يوم كذا فأخبرهم بذلك فلما كان في ذلك اليوم خرج إلى
أعلى الجبل وقعد ينتظر الوعد فإذا سحابة عظيمة سوداء قد جاءت من ناحية البحر حتى
قربت من البلد ثم جاءت ريح فهبت في وجهها فردتها عنهم فخرج فارا مغاضبا لربه حيث رد
عنهم البلاء
فهذا من بعض أقوالهم الخبيثة في قصة يونس عليه السلام
ومقتضى هاتين الكذبتين عليه أنه سخط أحكام ربه ولم يرض بقضائه ولا أذعن لحكمه
وحاشى وكلا أن يفعل ذلك أنبياء الله تعالى مع العصمة والنزاهة فيما دون ذلك كما قدمناه
فإن غضب العبد على ربه إنما هو ألا يرضى بحكمه ولا بإرادته وهذه هي المناقضة والكفر
الصراح
قال تعالى لنبينا عليه السلام فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا
يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما
فنفى الله الإيمان عمن لم يرض بحكم الله تعالى وحكم نبيه عليه السلام وقال عليه
السلام في دعائه لك العتبى حتى ترضى والأمر أظهر من الاستدلال عليه
فصل
فإن قيل إذا لم تصح هذه المغاضبة لربه على هذا الوجه فما الصحيح الذي يعول عليه فيها
وكذلك المطالبة في لوم الله تعالى له حيث قال فالتقمه الحوت وهو مليم وكذلك في قوله تعالى لنبيه عليه السلام
فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت
وكذلك في قولة نبينا عليه السلام حمل أخي يونس أعباء الرسالة فانفسخ تحتها كما ينفسخ الربع
قلنا أما مغاضبته عليه السلام فكانت لقومه لا لربه ولا يجوز ذلك عليه وأنى وقد جاء في
الخبر أنه قال والذي نفسي بيده لو لم يبلغ نبي الرسالة إلى قومه لعذب بعذاب قومه
أجمعين نقل على المعنى وإنما كانت لقومه لما نال منهم من الأذية فاحتمل أذاهم حتى
ضاق صدره ويئس من فلاحهم ففر بنفسه بعدما بلغ غاية التبليغ كما أمره الله تعالى
ثم غلب ظنه لسعة حلم الله تعالى ألا يطلبه بذلك الفرار لكونه قد أدى ما عليه وهو معنى
قوله تعالى فظن أن لن نقدر عليه أي ان لن نضيق عليه قال تعالى ومن قدر عليه رزقه أي
ضيق وقال تعالى أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أي يضيق
ويحتمل أنه ظن أن قدرة الله تعالى لم تتعلق بإيلامه وسجنه تفضلا منه وأنه تعالى يعفو
عنه في ذلك الفرار فوقع خلاف ظنه وهذا هو الذي يجوز أن يعتقده الأنبياء وأن يعتقد فيهم
وقال الفجرة إنه ظن أن لا يقدر الله عليه أي لا يمكنه أن يفعل فيه وهذا كفر صراح لا يمكن
أن يعتقده مقلد في الإيمان فكيف نبي
وقد تذاكرت مع طالب من طلبة الأندلس ملحوظ بالطلب فقال لي ذلك وبالاجماع أنه من
ظن أن لا يقدر الله عز وجل عليه على وجه العجز عنه أو الفوت من قضائه وقدره فهو كافر
وأما قوله تعالى فالتقمه الحوت وهو مليم أي أتى ما يلام عليه وليس كل من أتى ما يلام
عليه يقع لومه فإن كان تعالى لم يلمه فقد اندفع الاعتراض لعدم اللوم والأظهر أنه لم يلمه
إذ لو وقع اللوم لقال وهو ملوم وان كان لامه فاللوم قد يكون عتابا وقد يكون ذما فإن صح
وقوع لومه فكان من الله عتابا له على فراره لا ذما إذ المعاتب محبور والمذموم مدحور
فاعلم رحمك الله صحة التفرقة بين اللوم والذم قال الشاعر
لعل عتبك محمود عواقبه ... فربما صحت الأجسام بالعلل
وقال آخر
إذا ذهب العتاب فليس ود ... ويبقى الود ما بقي العتاب
وقال آخر
لو كنت عاتبتي لسكن لوعتي ... أملي رضاك وزرت غير مراقب
لكن صددت فما لصدك حيلة ... صد الملول خلاف صد العاتب
ألا ترى كيف قال الله تعالى لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم معناه لولا
ما عصمناه ورحمناه لأتى ما يذم عليه على أصل الجواز لا على فرع الوقوع
وهذا من النمط الذي قدمناه في قصة إبراهيم عليه السلام حيث قال واجنبني وهي أن
يعبد الأصنام وهو قد أمن من ذلك بالخبر وقوله تعالى في قصة شعيب عليه السلام وما
يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا الآية وقوله تعالى لنبينا عليه السلام ولئن شئنا
لنذهبن بالذي أوحينا إليك وهو تعالى لم يشأ ذلك بالخبر
وأما قوله تعالى لنبينا عليه السلام فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت يعني كيونس
عليه السلام في فراره حين ضاق صدره كما قدمناه وقال تعالى ولقد نعلم أنك يضيق
صدرك بما يقولون كما ضاق صدر يونس فلا تفر كفراره
ولذا جاء عنه عليه السلام لا تفضلوني على يونس بن متى لما قيل له ولا تكن كصاحب الحوت فنهاه أن يفعل فعله في قصة مخصوصة خاف على قلوب عوام أمته من اعتقاد هذه القولة على خلاف ما هي به فيعتقدون أنها نهي له على العموم وحاشى وكلا وكيف يصح فيها العموم وقد أمره تعالى أن يتخلق ويقتدي ويهتدي
بأخلاقه وأخلاق نظرائه عليهم السلام حيث قال له أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده
فقال ذلك والله اعلم
وأما قوله عليه السلام حمل أخي يونس أعباء الرسالة فانفسخ تحتها كما ينفسخ الربع
الحديث فهو في هذا المعنى انه كلف مقاساة الجهلة والصبر على الأذية فضاق صدره
بذلك ولم يحتمله ففر
وعلى هذا ينبغي أن تحمل هذه الأقوال وعلى ما هو أغمض وأعلى في التبرئة من هذا ولا
قوة إلا بالله
في قوله تعالى وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه الآية
فمما اختلقوه عليه السلام في شرح هذه الآية أن قالوا أنه جاءه الملك بالوحي وهو يتعبد
في الجبل فقال له إن الله تعالى أمرني أن أعلمك بأنه أرسلك إلى أهل نينوى لتحذرهم
وتنذرهم فقال له يونس عليه السلام الله أرفق بي وأعلم بضعفي ومسكنتي من أن
يرسلني الى قوم جبارين متكبرين يؤذوننى ويقتلونني فراجع ربك أيها الملك في أمري
فلعله يعفيني من ذلك ويلطف بي فقال له الملك الله تعالى أعظم من أن أراجعه فيما
أمرني به وقد أمرتك فسل أنت ربك ذلك إن شئت فقد بلغتك والسلام ثم صار الملك إلى
مقامه ففر إذ ذاك يونس عليه السلام على وجهه إلى جهة البحر مغاضبا لربه وركب
السفينة فالتقمه الحوت
ومنهم من قال إنه بلغ قومه الرسالة فسبوه وضربوه وأغلوا في أذيته فدعا عليهم فأخبره
ربه أنه ينزل البلاء عليهم في يوم كذا فأخبرهم بذلك فلما كان في ذلك اليوم خرج إلى
أعلى الجبل وقعد ينتظر الوعد فإذا سحابة عظيمة سوداء قد جاءت من ناحية البحر حتى
قربت من البلد ثم جاءت ريح فهبت في وجهها فردتها عنهم فخرج فارا مغاضبا لربه حيث رد
عنهم البلاء
فهذا من بعض أقوالهم الخبيثة في قصة يونس عليه السلام
ومقتضى هاتين الكذبتين عليه أنه سخط أحكام ربه ولم يرض بقضائه ولا أذعن لحكمه
وحاشى وكلا أن يفعل ذلك أنبياء الله تعالى مع العصمة والنزاهة فيما دون ذلك كما قدمناه
فإن غضب العبد على ربه إنما هو ألا يرضى بحكمه ولا بإرادته وهذه هي المناقضة والكفر
الصراح
قال تعالى لنبينا عليه السلام فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا
يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما
فنفى الله الإيمان عمن لم يرض بحكم الله تعالى وحكم نبيه عليه السلام وقال عليه
السلام في دعائه لك العتبى حتى ترضى والأمر أظهر من الاستدلال عليه
فصل
فإن قيل إذا لم تصح هذه المغاضبة لربه على هذا الوجه فما الصحيح الذي يعول عليه فيها
وكذلك المطالبة في لوم الله تعالى له حيث قال فالتقمه الحوت وهو مليم وكذلك في قوله تعالى لنبيه عليه السلام
فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت
وكذلك في قولة نبينا عليه السلام حمل أخي يونس أعباء الرسالة فانفسخ تحتها كما ينفسخ الربع
قلنا أما مغاضبته عليه السلام فكانت لقومه لا لربه ولا يجوز ذلك عليه وأنى وقد جاء في
الخبر أنه قال والذي نفسي بيده لو لم يبلغ نبي الرسالة إلى قومه لعذب بعذاب قومه
أجمعين نقل على المعنى وإنما كانت لقومه لما نال منهم من الأذية فاحتمل أذاهم حتى
ضاق صدره ويئس من فلاحهم ففر بنفسه بعدما بلغ غاية التبليغ كما أمره الله تعالى
ثم غلب ظنه لسعة حلم الله تعالى ألا يطلبه بذلك الفرار لكونه قد أدى ما عليه وهو معنى
قوله تعالى فظن أن لن نقدر عليه أي ان لن نضيق عليه قال تعالى ومن قدر عليه رزقه أي
ضيق وقال تعالى أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر أي يضيق
ويحتمل أنه ظن أن قدرة الله تعالى لم تتعلق بإيلامه وسجنه تفضلا منه وأنه تعالى يعفو
عنه في ذلك الفرار فوقع خلاف ظنه وهذا هو الذي يجوز أن يعتقده الأنبياء وأن يعتقد فيهم
وقال الفجرة إنه ظن أن لا يقدر الله عليه أي لا يمكنه أن يفعل فيه وهذا كفر صراح لا يمكن
أن يعتقده مقلد في الإيمان فكيف نبي
وقد تذاكرت مع طالب من طلبة الأندلس ملحوظ بالطلب فقال لي ذلك وبالاجماع أنه من
ظن أن لا يقدر الله عز وجل عليه على وجه العجز عنه أو الفوت من قضائه وقدره فهو كافر
وأما قوله تعالى فالتقمه الحوت وهو مليم أي أتى ما يلام عليه وليس كل من أتى ما يلام
عليه يقع لومه فإن كان تعالى لم يلمه فقد اندفع الاعتراض لعدم اللوم والأظهر أنه لم يلمه
إذ لو وقع اللوم لقال وهو ملوم وان كان لامه فاللوم قد يكون عتابا وقد يكون ذما فإن صح
وقوع لومه فكان من الله عتابا له على فراره لا ذما إذ المعاتب محبور والمذموم مدحور
فاعلم رحمك الله صحة التفرقة بين اللوم والذم قال الشاعر
لعل عتبك محمود عواقبه ... فربما صحت الأجسام بالعلل
وقال آخر
إذا ذهب العتاب فليس ود ... ويبقى الود ما بقي العتاب
وقال آخر
لو كنت عاتبتي لسكن لوعتي ... أملي رضاك وزرت غير مراقب
لكن صددت فما لصدك حيلة ... صد الملول خلاف صد العاتب
ألا ترى كيف قال الله تعالى لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم معناه لولا
ما عصمناه ورحمناه لأتى ما يذم عليه على أصل الجواز لا على فرع الوقوع
وهذا من النمط الذي قدمناه في قصة إبراهيم عليه السلام حيث قال واجنبني وهي أن
يعبد الأصنام وهو قد أمن من ذلك بالخبر وقوله تعالى في قصة شعيب عليه السلام وما
يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا الآية وقوله تعالى لنبينا عليه السلام ولئن شئنا
لنذهبن بالذي أوحينا إليك وهو تعالى لم يشأ ذلك بالخبر
وأما قوله تعالى لنبينا عليه السلام فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت يعني كيونس
عليه السلام في فراره حين ضاق صدره كما قدمناه وقال تعالى ولقد نعلم أنك يضيق
صدرك بما يقولون كما ضاق صدر يونس فلا تفر كفراره
ولذا جاء عنه عليه السلام لا تفضلوني على يونس بن متى لما قيل له ولا تكن كصاحب الحوت فنهاه أن يفعل فعله في قصة مخصوصة خاف على قلوب عوام أمته من اعتقاد هذه القولة على خلاف ما هي به فيعتقدون أنها نهي له على العموم وحاشى وكلا وكيف يصح فيها العموم وقد أمره تعالى أن يتخلق ويقتدي ويهتدي
بأخلاقه وأخلاق نظرائه عليهم السلام حيث قال له أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده
فقال ذلك والله اعلم
وأما قوله عليه السلام حمل أخي يونس أعباء الرسالة فانفسخ تحتها كما ينفسخ الربع
الحديث فهو في هذا المعنى انه كلف مقاساة الجهلة والصبر على الأذية فضاق صدره
بذلك ولم يحتمله ففر
وعلى هذا ينبغي أن تحمل هذه الأقوال وعلى ما هو أغمض وأعلى في التبرئة من هذا ولا
قوة إلا بالله
تعليق