شرح قصة عزير عليه السلام
في الآية التي وردت في إماتته وإحيائه
قال تعالى أو كالذي مر على قرية الآية
الى قوله تعالى أعلم أن الله على كل شيء قدير
فمما اختلقوه عليه عليه السلام أنه شك في البعث بقوله أنى يحيى هذه الله بعد موتها
فأراه الله الآية في نفسه حيث أماته ثم أحياه فحينئذ أيقن بالبعث فقال أعلم أن الله على
كل شيء قدير
وما أرى أن هؤلاء الأوباش الذين يعتقدون في عقائد أنبياء الله تعالى مثل هذا الاعتقاد إلا
أنهم يقيسونها بعقائدهم الفاسدة وشكوكهم المضطربة
كما قيل رمتني بدائها وانسلت وقيل وكل إناء بالذي فيه يرشح
مع جهلهم بمقادير النبوة فيمشون فهم مثل هذه الأقوال الحاسمة لأصل الإيمان
ومنهم من قال إنه ما مات عزير ولكن غشي عليه بدليل أنه لو مات لم يحي بعد
وهذا هو التنصيص على إنكار البعث واستبعاد إحياء الموتى وتكذيب البارئ تعالى حيث قال
فأماته الله مئة عام ثم بعثه
وقد قال كلب من كلاب القصاص هذه القولة في هذا البلد على المنبر فما أنكروها عليه ولا
طولب بها وما يمكن أن ينبو فهم مسلم عن فساد هذه القولة فإنها رد نص الكتاب ولكنها
قلوب طبع الله عليها بطابع الحرمان
فصل
وأما عزير عليه السلام فاختلف الناس في نبوته لكونه لم ينص عليه الكتاب والأظهر إثبات
نبوته بدليل قوله تعالى ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا وهذا خطاب لليهود
والنصارى واليهود عبدت عزيرا بنص الكتاب ومما يدل على نبوته أيضا من الكتاب أنه ذكر مع
الأنبياء في معرض الفضيلة والإكرام في موطنين ذكره تعالى مع إبراهيم عليه السلام في
إحياء الموتى لهما وذكره مع عيسى عليه السلام في أن عبد من دون الله
وسبب هاتين القصتين نذكره الآن بعون الله تعالى
جاء في الأثر أنه كان في بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام نبيا وكان اسمه
دانيال وإنما سمي عزيرا لكثرة تعزير اليهود له وإعظامهم لقدره عليه السلام ثم غلوا في
تعظيمه حتى عبدوه وسبب ذلك لأن أماته الله مئة سنة ثم أحياه وأراه الآية في طعامه
وشرابه الذي مرت عليه مئة عام ولم يتسنه أي لم يتغير وفي حماره الذي أماته معه
وتبددت أجزاؤه ثم أنشرت وجمعت وحييت وهو ينظر إلى ذلك كله
فقال الجهلة لم يختصه بهذه الكرامات إلا لأن كان ولده فعبدوه تعالى الله عما يصفون
فلما طغى بنو إسرائيل وقتلوا الأنبياء بغير حق وبدلوا أحكام التوراة وأخبارها سلط الله
عليهم بخت نصر البابلي وكان مجوسيا فأتى إلى مدينة بيت القدس ودخلها عنوة فرأى
دما يترشح فيها من الأرض فجمع بني إسرائيل وسألهم عن سبب ذلك الدم فأنكروا سببه
خيفة منه أن يقع ما وقع فقال له بعض من يختص به هنا رجل يزعم أنه نبي والأنبياء لا
يكذبون فسله يخبرك فأمر بإحضاره فجيء به فقال له أيها الشيخ أخبرت أنك تزعم أنك نبي
والأنبياء لا يكذبون فأخبرني عن سبب هذا الدم
فقال له عسى أن تعفيني أيها الملك
فقال لا أعفيك حتى تخبرني أو أعذبك حتى تموت
فقال له أما إذ لا بد من القول فهذا دم نبي قتله قومه ظلما
فقال له ومن ذلك النبي الذي قتله قومه ظلما
فقال يحيى بن زكريا عليهما السلام
فقال له ومن قومه الذين قتلوه
فقال بنو إسرائيل
فقال والله لأقتلن عليه خيارهم ولا أرفع عنهم السيف حتى يجف هذا الدم
فقتل عليه من خيارهم سبعين ألفا وحينئذ جف الدم
ويعضد هذا الخبر ما جاء عنه أنه قال دية النبي إذا قتله قومه سبعون ألف رجل من خيار
قومه فلما رأى ذلك دانيال عليه السلام خرج فارا بنفسه إلى بلاد مصر فبقي فيها أربعين
سنة ثم اشتاق إلى موطنه ومسقط رأسه وقبور أسلافه من الأنبياء والأولياء عليهم
السلام فركب حمارا له وأتى نحو بيت المقدس فلما كان بمقربة منه رأى جنة كانت له وقد
بقي فيها بعض علائق من شجر العنب فأتاها فوجد فيها عنبا نضجا فاقتطف منها وأكل وملأ
سلة كانت معه وركب حماره وسار حتى أشرف على مدينة بيت المقدس فرآها خرابا يبابا
لم يبق فيها رسم ولا طلل فتحسر على فقد الخلان وخراب الأوطان كما قيل
أحب بلاد الله ما بين منعج ... إلي وسلمى أن يصوب سحابها
بلاد بها عق الشباب تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها
فتحرك قلبه تحسرا على فقد الخلان وخراب الأوطان فقال أنى يحيي هذه الله بعد موتها
يعني كيف تعود هذه البلدة على ما كانت عليه بعد خرابها فاستبعد أن تعود على ما كانت
عليه من نباتها وشجرها وبساتينها كما يستبعد الناس أن تعود البلاد كما كانت عليه بعد
خرابها على مجرى العادة
وهذا من الكلام المباح الذي يقوله الناس إذا خربت البلاد وكانوا يعرفونها عامرة من قبل
وكثيرا ما قيل هذا في ندب الأطلال الخالية والرسوم البالية إلا أن أهل المراقبة يطلبون
بهذه الأقوال التي كان غيرها أولى منها كما تقدم
فإن مثل أولئك لا يستبعدون كائنا في مقدور الله تعالى كان معتادا أو غير معتاد لما يعلمون
من نفوذ إرادته ومضاء أمره إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون
كما عتب الملائكة امرأة إبراهيم عليه السلام حيث قالت
يا ويلتا أألد وأنا عجوز الآية فقالوا لها أتعجبين من أمر الله
أي مثلك يرى في فعل الله عجبا وأنت صديقة
قال المشايخ العجب أن لا ترى عجبا فإذا لم تر عجبا كنت أنت العجب
فلما استبعد إصلاحها على مجرى العادة أراه الآية في نفسه فأماته ثم أحياه بعد مئة
سنة ثم أطلعه على ذلك بأن أنشأ له الحمار الذي كان يركبه بعدما أماته ورم حتى صار
ترابا ثم أنشأه له من التراب وهو ينظر إليه وأبقى عنبه كما كان بعد مئة سنة ثم التفت
إلى جهة مدينة بيت المقدس فرآها أعمر ما كانت قبل فندم على قولته فكأن الله عز وجل
عتبه وأدبه حتى لا يستبعد وقوع مقدور تحت القهر كان خارقا أو غير خارق
فهذا هو الذي يجوز في حقه عليه السلام لا ما اختلقوه
من كتاب
تنزيه الأنبياء
عما نسب إليهم حثالة الأغبياء
أبي الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي
في الآية التي وردت في إماتته وإحيائه
قال تعالى أو كالذي مر على قرية الآية
الى قوله تعالى أعلم أن الله على كل شيء قدير
فمما اختلقوه عليه عليه السلام أنه شك في البعث بقوله أنى يحيى هذه الله بعد موتها
فأراه الله الآية في نفسه حيث أماته ثم أحياه فحينئذ أيقن بالبعث فقال أعلم أن الله على
كل شيء قدير
وما أرى أن هؤلاء الأوباش الذين يعتقدون في عقائد أنبياء الله تعالى مثل هذا الاعتقاد إلا
أنهم يقيسونها بعقائدهم الفاسدة وشكوكهم المضطربة
كما قيل رمتني بدائها وانسلت وقيل وكل إناء بالذي فيه يرشح
مع جهلهم بمقادير النبوة فيمشون فهم مثل هذه الأقوال الحاسمة لأصل الإيمان
ومنهم من قال إنه ما مات عزير ولكن غشي عليه بدليل أنه لو مات لم يحي بعد
وهذا هو التنصيص على إنكار البعث واستبعاد إحياء الموتى وتكذيب البارئ تعالى حيث قال
فأماته الله مئة عام ثم بعثه
وقد قال كلب من كلاب القصاص هذه القولة في هذا البلد على المنبر فما أنكروها عليه ولا
طولب بها وما يمكن أن ينبو فهم مسلم عن فساد هذه القولة فإنها رد نص الكتاب ولكنها
قلوب طبع الله عليها بطابع الحرمان
فصل
وأما عزير عليه السلام فاختلف الناس في نبوته لكونه لم ينص عليه الكتاب والأظهر إثبات
نبوته بدليل قوله تعالى ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا وهذا خطاب لليهود
والنصارى واليهود عبدت عزيرا بنص الكتاب ومما يدل على نبوته أيضا من الكتاب أنه ذكر مع
الأنبياء في معرض الفضيلة والإكرام في موطنين ذكره تعالى مع إبراهيم عليه السلام في
إحياء الموتى لهما وذكره مع عيسى عليه السلام في أن عبد من دون الله
وسبب هاتين القصتين نذكره الآن بعون الله تعالى
جاء في الأثر أنه كان في بني إسرائيل من بعد موسى عليه السلام نبيا وكان اسمه
دانيال وإنما سمي عزيرا لكثرة تعزير اليهود له وإعظامهم لقدره عليه السلام ثم غلوا في
تعظيمه حتى عبدوه وسبب ذلك لأن أماته الله مئة سنة ثم أحياه وأراه الآية في طعامه
وشرابه الذي مرت عليه مئة عام ولم يتسنه أي لم يتغير وفي حماره الذي أماته معه
وتبددت أجزاؤه ثم أنشرت وجمعت وحييت وهو ينظر إلى ذلك كله
فقال الجهلة لم يختصه بهذه الكرامات إلا لأن كان ولده فعبدوه تعالى الله عما يصفون
فلما طغى بنو إسرائيل وقتلوا الأنبياء بغير حق وبدلوا أحكام التوراة وأخبارها سلط الله
عليهم بخت نصر البابلي وكان مجوسيا فأتى إلى مدينة بيت القدس ودخلها عنوة فرأى
دما يترشح فيها من الأرض فجمع بني إسرائيل وسألهم عن سبب ذلك الدم فأنكروا سببه
خيفة منه أن يقع ما وقع فقال له بعض من يختص به هنا رجل يزعم أنه نبي والأنبياء لا
يكذبون فسله يخبرك فأمر بإحضاره فجيء به فقال له أيها الشيخ أخبرت أنك تزعم أنك نبي
والأنبياء لا يكذبون فأخبرني عن سبب هذا الدم
فقال له عسى أن تعفيني أيها الملك
فقال لا أعفيك حتى تخبرني أو أعذبك حتى تموت
فقال له أما إذ لا بد من القول فهذا دم نبي قتله قومه ظلما
فقال له ومن ذلك النبي الذي قتله قومه ظلما
فقال يحيى بن زكريا عليهما السلام
فقال له ومن قومه الذين قتلوه
فقال بنو إسرائيل
فقال والله لأقتلن عليه خيارهم ولا أرفع عنهم السيف حتى يجف هذا الدم
فقتل عليه من خيارهم سبعين ألفا وحينئذ جف الدم
ويعضد هذا الخبر ما جاء عنه أنه قال دية النبي إذا قتله قومه سبعون ألف رجل من خيار
قومه فلما رأى ذلك دانيال عليه السلام خرج فارا بنفسه إلى بلاد مصر فبقي فيها أربعين
سنة ثم اشتاق إلى موطنه ومسقط رأسه وقبور أسلافه من الأنبياء والأولياء عليهم
السلام فركب حمارا له وأتى نحو بيت المقدس فلما كان بمقربة منه رأى جنة كانت له وقد
بقي فيها بعض علائق من شجر العنب فأتاها فوجد فيها عنبا نضجا فاقتطف منها وأكل وملأ
سلة كانت معه وركب حماره وسار حتى أشرف على مدينة بيت المقدس فرآها خرابا يبابا
لم يبق فيها رسم ولا طلل فتحسر على فقد الخلان وخراب الأوطان كما قيل
أحب بلاد الله ما بين منعج ... إلي وسلمى أن يصوب سحابها
بلاد بها عق الشباب تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها
فتحرك قلبه تحسرا على فقد الخلان وخراب الأوطان فقال أنى يحيي هذه الله بعد موتها
يعني كيف تعود هذه البلدة على ما كانت عليه بعد خرابها فاستبعد أن تعود على ما كانت
عليه من نباتها وشجرها وبساتينها كما يستبعد الناس أن تعود البلاد كما كانت عليه بعد
خرابها على مجرى العادة
وهذا من الكلام المباح الذي يقوله الناس إذا خربت البلاد وكانوا يعرفونها عامرة من قبل
وكثيرا ما قيل هذا في ندب الأطلال الخالية والرسوم البالية إلا أن أهل المراقبة يطلبون
بهذه الأقوال التي كان غيرها أولى منها كما تقدم
فإن مثل أولئك لا يستبعدون كائنا في مقدور الله تعالى كان معتادا أو غير معتاد لما يعلمون
من نفوذ إرادته ومضاء أمره إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون
كما عتب الملائكة امرأة إبراهيم عليه السلام حيث قالت
يا ويلتا أألد وأنا عجوز الآية فقالوا لها أتعجبين من أمر الله
أي مثلك يرى في فعل الله عجبا وأنت صديقة
قال المشايخ العجب أن لا ترى عجبا فإذا لم تر عجبا كنت أنت العجب
فلما استبعد إصلاحها على مجرى العادة أراه الآية في نفسه فأماته ثم أحياه بعد مئة
سنة ثم أطلعه على ذلك بأن أنشأ له الحمار الذي كان يركبه بعدما أماته ورم حتى صار
ترابا ثم أنشأه له من التراب وهو ينظر إليه وأبقى عنبه كما كان بعد مئة سنة ثم التفت
إلى جهة مدينة بيت المقدس فرآها أعمر ما كانت قبل فندم على قولته فكأن الله عز وجل
عتبه وأدبه حتى لا يستبعد وقوع مقدور تحت القهر كان خارقا أو غير خارق
فهذا هو الذي يجوز في حقه عليه السلام لا ما اختلقوه
من كتاب
تنزيه الأنبياء
عما نسب إليهم حثالة الأغبياء
أبي الحسن علي بن أحمد السبتي الأموي
تعليق