تويت
غُلِبَتِ الرُّومُ واعتراضات الخصوم .
غُلِبَتِ الرُّومُ واعتراضات الخصوم .
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين , وبعد .
الفطرة السليمة والمنطق السليم يتقبلان ما يطرح من قضايا إن كانت لها مقدمات سليمة وأدلة واضحة.
وهناك ما يسمى بنظرية التبرير, حيث يدافع بعض الناس عن معتقدهم بما يحويه من خرافات لا تقبلها عقولهم ولا يقبلها منطقهم العلمي إن طرحت من غيرهم, أو لو نظروا لها بعين الحياد بعيداً عن نشأتهم وتربيتهم أو تعصبهم.
وفي نفس الوقت يرفضون حقائق توضع أمامهم عن معتقد يخالفهم, ويتكبرون برفضها ومحاولة نقدها ولو بأدلة واهية يعلمون وهنها وضعفها.
ومن المفيد جداً أن تعرض أدلتك على أمر ما تعتقده, وتستمع إلى كل الاعتراضات عليه, ستحتاج إلى كثير من الصبر والحلم ولكن الفائدة الكبرى تكون في الرد على الانتقادات التي ساقها المعترضون.
تشير كتب التاريخ الغربية والعربية إلى الآتي :
1- دعوة الرسول عليه الصلاة والسلام بدأت في الجزيرة العربية في العام 610 ميلادية .
2- في هذه الفترة كانت هناك حروب بين أعظم دولتين في ذلك الوقت وهما الفرس والروم.
3- انتصر الفرس على الروم في معارك حدثت عامي 613- 614 ميلادية .
4- قال محمد عليه الصلاة والسلام أن الله تعالى أنزل عليه قوله تعالى : غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4).
5- فهم المسلمون أن المقصود أن الروم سيهزمون الفرس خلال بضع سنين , والبضع في اللغة هو ما دون العشرة .
6- قال المفسرون : إن المقصود من قوله تعالى : (أدنى الأرض ) , هو أقرب أرض الشام إلى فارس , كما جاء في التفسير الميسر وغيره .
7- حدثت معارك بين الفرس والروم , وانتصر الروم في ثلاث حملات أولها كانت في العام 622 ميلادية , وأدى هذا الانتصار إلى طرد الفرس من أسيا الصغرى.
8- حدثت معارك آخرى بين الفرس والروم , انتصر فيها الروم وانتهت المعارك بدخول الروم لعاصمة الفرس والانتصار نهائياً عليهم في العام 627 ميلادية .
9- أثبت العلم الحديث أن منطقة البحر الميت هي أخفض نقطة على سطح الأرض , فأشار بعض المفسرين أنه ربما يكون المقصود من أدنى هو أخفض , فاللفظ أدنى يحتمل كلا المعنيين , وها في إعجاز ألفاظ القرءان الكريم , فالمعنى كان مناسباً وقت نزول الآية , وبعد الاكتشافات والدراسات العلمية أصبح المعنى مناسباً لأمر آخر تم اكتشافه حديثاً بلا تعارض بين المعنيين.
ما الاعتراضات التي تجعل غير المسلم لا يصدق أن القرءان الكريم نزل قبل هزيمة الفرس بتسع سنوات ليقول أنهم سيهزمون ؟
ما الاعتراضات التي تجعلهم يتجاهلون كلمة ( أدنى ) , ولا يربطون بينها وبين ما اكتشفه العلم من أن أخفض نقطة هي المنطقة بجوار البحر الميت ؟.
كيف يبررون لأنفسهم تجاهلهم بأن الرسول عليه الصلاة والسلام شهد له عقلاء الغرب الذين لم يؤمنوا بنبوته بالحكمة والعظمة والذكاء , وكيف فكروا في تناقض هذا الأمر مع افتراضهم أنه غامر على خسارة كل أتباعه إن كان قد قال هذا الأمر من باب التوقع أو من باب المغامرة.
أسئلة ربما نجد الإجابة عن بعضها في اعتراضاتهم التفصيلية وربما لا نجد تفسيراً لأقوالهم إلا أنهم لا يؤمنون لأنهم لا يريدون الإيمان.
الاعتراض الأول :
قالو إن هناك عدة قراءات للآية فالبعض يقرأها غَلبت الروم وليس غُلبت الروم ويأتي المعترض بأول سطرين من تفسير الطبري , ويقتطع الباقي الذي لو آتى به , لانتهى الإشكال والاعتراض.
تفسير الطبري : وقوله:( غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأرْضِ ) اختلفت القرّاء في قراءته، فقرأته عامة قرّاء الأمصار(غُلِبَتِ الرُّومُ) بضمّ الغين، بمعنى أن فارس غَلَبت الروم.
وروي عن ابن عمر وأبي سعيد في ذلك ما حدثنا ابن وكيع، قال: ثني أبي، عن الحسن الجفريّ، عن سليط، قال: سمعت ابن عمر يقرأ(الم غَلَبَتِ الرُّومُ) فقيل له: يا أبا عبد الرحمن، على أيّ شيء غَلَبوا؟ قال: على ريف الشام.
الرد :
باقي تفسير الطبري هو : والصواب من القراءة في ذلك عندنا الذي لا يجوز غيره( الم غُلِبَتِ الرُّومُ ) بضم الغين؛ لإجماع الحجة من القرّاء عليه. فإذ كان ذلك كذلك، فتأويل الكلام: غلبت فارس الروم( فِي أَدْنَى الأرْضِ ) من أرض الشام إلى أرض فارس( وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ ) يقول: والروم من بعد غلبة فارس إياهم(سَيَغْلِبُونَ) فارس( فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ ) غلبتهم فارس(وَمِنْ بَعْدُ) غلبتهم إياها، يقضي في خلقه ما يشاء، ويحكم ما يريد، ويظهر من شاء منهم على من أحبّ إظهاره عليه( وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ ) يقول: ويوم يغلب الروم فارس يفرح المؤمنون بالله ورسوله بنصر الله إياهم على المشركين، ونُصْرة الروم على فارس .
فلا توجد قراءة من السبع قراءات أو العشر قراءات أو الأربعة عشر قراءة تقول: " غَلَبَتِ الرُّومُ " وقد قام الطبري رحمه الله في تفسيره بالرد كما سبق.
الاعتراض الثاني :
قالوا إن بضع تعني من ثلاث إلى تسع سنوات , والمعركة الأولى حدثت في العام ( 613 – 614 ) , والانتصار الكبير حدث في العام 627 , بلك فإن الانتصار حدث بعد 14 عاماً مما يخالف ما جاء بالقرءان الكريم الذي حدد الفترة لتكون ( 3- 9 سنوات باستخدام اللفظ بضع).
الرد :
تقول المصادر التاريخية والموسوعات العلمية أن انتصار الروم على الفرس حدث في 3 مواقع هامة , أولها كان في العام 622 ميلادي , وقد أدت انتصارات العام 622 إلى تحرير أسيا الوسطى بأكملها من الفرس .
واستمرت الانتصارات بعد ذلك حتى اكتملت في العام 627 ميلادي بدخول الروم عاصمة الفرس .
وذكرت مصادر آخرى الأمر بالتفصيل فقالت إن الروم هزموا الفرس في ثلاث حملات ناجحة كان أولها في العام 622 ميلادي وهي الحملة التي أدت لتحرير أسيا الوسطى بالكامل.
ألا يعتبر هذا الفوز الذي نتج عنه تحرير أسيا الوسطى بأكملها عام 622 انتصاراً يستحق الذكر !؟.
تقول الموسوعة البريطانية : اختصار وقائع الحملات للأسف لا يعطي فكرة واضحة عن الصعوبات التي واجهها هيركليز ,عندما قام بتحرير أسيا الصغرى عام ( 622 ) , ... في النهاية قام هيركليز بتدمير أهم معاقل الفرس ( نينفه ) عام 627 , وبعد ذلك احتل (داستاجيرد) عام 628.
والنص بالإنجليزية حسب الموسوعة البريطانية :
brief summary of the campaign unfortunately gives no idea of the difficulties Heraclius encountered as he liberated Asia Minor (622); …… Heraclius finally destroyed the main Persian host at Nineveh in 627 and, after occupying Dastagird in 628.
الاعتراض الثالث :
قالو إنكم تقولون أن أدنى بمعنى أخفض مما يعني أن القرءان قال إن المعركة حدثت في أكثر مناطق الأرض انخفاضاً , ولم يكن هذا فهم المفسرين ولم تأت ( أدنى ) بمعنى أخفض لا في اللغة أو في القرءان .
الرد :
أولاً : في اللغة العربية تأتي أدنى بمعنى أقرب أو بمعنى أخفض أو أسفل كما يلي :
لسان العرب باب دنا : وأَدْنى إِذا عاشَ عَيْشاً ضَيِّقاً بعد سَعَةٍ والأَدْنى السَّفِلُ .
لسان العرب باب سفل : (سفل ) السُّفْلُ والسِّفْلُ والسُّفُولُ والسَّفال والسُّفالة بالضم نقيضُ العُلْوِ والعِلْوِ والعُلُوِّ والعَلاءِ والعُلاوة والسُّفْلى نقيضُ العُلْيا والسُّفْلُ نقيض العُلْوِ في التَّسَفُّل والتَّعَلِّي والسافِلةُ نقيض العالِية في الرُّمْح والنهر وغيره والسَّافِلُ نقيض العالي والسِّفْلة نقيضُ العِلْية والسَّفَالُ نقيض العَلاء قال ابن سيده والأَسْفَل نَقِيض الأَعْلى.
وفي حياتنا العامة هناك استخدام شهير للفظ أدنى بمعنى أسفل مثل : أدنى الصفحة , ومثل الصيغة الشهيرة التي تكتب في أي إقرار أو عقد حيث تتم كتابة : نحن الموقِّعين أدناه (أي أسفله ).
ثانياً : حدثت المعركة حسب الوقائع التاريخية في الأردن في منطقة بين مدينتين هناك كان اسمهما : أذرعات وبصرى , وبعد المعركة دخل الفرس القدس .
فهم المفسرون أن المقصود بأدنى في الآية الكريمة هو أن المعركة حدثت في أقرب أرض الروم إلي أرض العرب وهي المنطقة جنوب الشام .
وأثبت العلم الحديث أمراً آخر وهو أن المنطقة التي حدثت فيها الحرب في الأردن بجوار البحر الميت هي اخفض نقطة عن سطح البحر في العالم , فمن الممكن وصف هذه المنطقة بناءً على معطيات العلم الحديث بأنها أدنى الأرض.
فهل جاء من باب المصادفة الإشارة لمكان المعركة بتعبير أدنى الذي يحتمل المعنى الذي فهممه المفسرون, ويحتمل معنى آخر تظهر أدلته بعد حوالي 1400 عام !؟.
جاء في تفسير الكشاف , للزمخشري (المتوفى : 538هـ)
القراءة المشهورة الكثيرة { غُلِبَتِ } بضم الغين . وسيغلبون بفتح الياء . والأرض : أرض العرب ، لأن الأرض المعهودة عند العرب أرضهم . والمعنى : غلبوا في أدنى أرض العرب منهم وهي أطراف الشام . أو أراد أرضهم ، على إنابة اللام مناب المضاف إليه ، أي : في أدنى أرضهم إلى عدوّهم . قال مجاهد : هي أرض الجزيرة ، وهي أدنى أرض الروم إلى فارس . وعن ابن عباس
: الأردن وفلسطين . وقريء «في أداني الأرض» والبضع ما بين الثلاث إلى العشر عن الأصمعي . وقيل : احتربت الروم وفارس بين أذرعات وبصرى ، فغلبت فارس الروم ، فبلغ الخبر مكة فشق على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين؛ لأن فارس مجوس لا كتاب لهم والروم أهل الكتاب ، وفرح المشركون وشمتوا وقالوا : أنتم والنصارى أهل الكتاب ، ونحن وفارس أميون ، وقد ظهر إخواننا على إخوانكم ، ولنظهرنّ نحن عليكم ، فنزلت . فقال لهم أبو بكر رضي الله عنه : لا يقرر الله أعينكم ، فوالله لتظهرنّ الروم على فارس بعد بضع سنين فقال له أبيّ بن خلف : كذبت يا أبا فصيل ، اجعل بيننا أجلاً أُناحبك عليه . والمناحبة : المراهنة فناحبه على عشر قلائص من كل واحد منهما ، وجعلا الأجل ثلاث سنين ، فأخبر أبو بكر رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " البضع ما بين الثلاث إلى التسع ، فزايده في الخطر ومادّه في الأجل " فجعلاها مائة قلوص إلى تسع سنين .وجاء في : روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني , لشهاب الدين الألوسي (المتوفى : 1270هـ).
فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)
وقد جاء من طريق عديدة أن الحرب وقع بين اذرعات وبصري ، وقال ابن عباس . والسدي : بالأردن وفلسطين ، وقال مجاهد : بالجزيرة يعني الجزيرة العمرية لا جزيرة العرب .
وجاء في تاريخ ابن خلدون لعبد الرحمن ابن خلدون (المتوفى : 808هـ): وأدنى الأرض التي أشارت إليها الآية هي أذرعات وبصرى التي كانت بها هذه الحروب ثم غلبت الروم لسبع سنين من ذلك العهد وأخبر المسلمون بذلك الوعد الكريم لما أهمهم من غلب فارس الروم لان قريشا كانوا يتشيعون لفارس لأنهم غير دائنين بكتاب والمسلمون يودون غلب الروم لأنهم أهل كتاب.
وجاء في معجم البلدان لشهاب الدين الحموي ( المتوفي 626 هـ ) : أذرعات ( بالفتح ثم السكون وكسر الراء ) : بلد في أطراف الشام يجاور أرض البلقاء وعمان . ( معجم البلدان 1 / 130 ) .
وجاء في الموسوعة البريطانية تحت عنوان البحر الميت : ... ويقع بين اسرائيل والأردن تحت 1300 قدم ( 400 ) متر من سطح الأرض , أقل المناطق انخفاضاً عن سطح البحر في العالم .
Arabic Al-Baḥr al-Mayyit , Hebrew Yam HaMelaẖ , also known as Salt Sea landlocked salt lake between Israel and Jordan, which lies some 1,300 feet (400 metres) below sea level—the lowest elevation and the lowest body of water on the surface of the Earth.
الاعتراض الرابع :
قالوا إنكم تقولون أن القرءان حدد المدة فقال بضع سنين والبضع هو ما بين الثلاثة إلى العشرة , فلماذا لم يحدد القرآن الوقت بالتحديد !؟
الرد بفضل الله تعالى من وجهين :
الأول : اختلف التقويم بين العرب وبين الروم وبين غيرهم من شعوب , فكان قول الله تعالى بضع سنين يغطي أي فرق لتقويم السنين بين الشعوب المختلفة.
الثاني : لو حدد الله تعالى الفترة وقال أنها تسع سنوات , أو سبع سنوات , لاعترض المعترضون وقالوا لماذا لم يذكر الأشهر ؟, ولو ذكر الله تعالى الأشهر لقالوا لماذا لم يحدد في أي يوم من أيام الأسبوع وفي أي ساعة !؟.
لقد قال الله تعالى أن الأمر سيحدث في بضع سنين وهي فترة زمنية تتراوح بين 3 سنوات وعشر سنوات, فمن كان إيمانه قوي كان على يقين أن الأمر آت وإن تأخر.
ولا معنى لاعتراض المعترضين بأن الفترة كان يجب تحديدها بدقة أكثر, فالمهم أن النصر الذي بشر به الله تعالى حدث في موعده الذي حدده العليم الخبير.
الاعتراض الخامس :
وهو اعتراض طريف , قال صاحبه المنتمي للقرآنيين المنكرين للسنة , لم يذكر القرءان من الذي هزم الروم ومن الذي ستهزمه الروم , بذلك يحتمل تأويل الآيات لمعان آخرى غير هذا التفسير !!.
الرد :
هذا الاعتراض يبين عقلية منكري السنة وما فيها من إنكار وجحود وتغييب للعقل والمنطق , فلو هناك فريقان يتصارعان ويتنافسان ولا يوجد غيرهما في ذاك الوقت , فعندما نقول أن احدهما انتصر فنعني أنه انتصر على الآخر , ولا يكون هناك داعٍ لتحديد المهزوم فلن يحدث لبس ويصعب تحديده.
ووقت نزول الآيات لم يكن هناك من قوى تتصارع إلا الفرس والروم , فقول الله تعالى في (سورة الروم ) : غُلِبَتِ الرُّومُ (2) يعني من الفرس , وقوله تعالى : وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) , يعني لكل عاقل سيغلبون الفرس .
والحمد لله رب العالمين.
هو آخر الرسل للإنس والجــن ؟؟
تعليق