رجل الأسرة الأوّل صلى الله عليه وسلم

تقليص

عن الكاتب

تقليص

آية اللطف مسلمة ولله الحمد اكتشف المزيد حول آية اللطف
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • آية اللطف
    4- عضو فعال

    • 13 أكت, 2006
    • 698
    • والأم راعية في بيتها
    • مسلمة ولله الحمد

    رجل الأسرة الأوّل صلى الله عليه وسلم

    رجل الأسرة الأوّل صلى الله عليه وسلم : أباً وزوجاً
    بقلم سعيد حوى رحمه الله تعالى

    قال ابن هشام : وكُنَّتسعاً : عائشة بنت أبي بكر ، وحفصة بنت عمر بن الخطاب ، وأم حبيبة بنت أبي سفيان بنحرب ، وأم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة ، وسودة بنت زمعة ابن قيس ، وزينب بنت جحشبن رئاب ، وميمونة بنت الحارث بن حزن ، وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار ، وصفية بنتحيي بن أخطب ، فيما حدثني غير واحد من أهل العلم .
    وكان جميع من تزوج رسولالله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث عشرة : خديجة بنت خويلد وهي أوّل من تزوج . زوّجهإياها أبوها خويلد بن أسد ، ويقال أخوها عمرو بن خويلد ، وأصدَقها رسول الله - صلىالله عليه وسلم - عشرين بكرة فولدت لرسول الله ولده كلهم إلا إبراهيم ، وكانت قبلهعند أبي هالة بن مالك أحد بني أسيد بن عمرو بن تميم حليف بني عبد الدار ، فولدت لههند بن عمرو بن مخزوم فولدت له عبد الله وجارية .
    وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة بنت أبيبكر الصديق بمكة وهي بنت سبع سنين وبنى بها بالمدينة وهي بنت تسع سنين أو عشر ولميتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها . زوّجه إياها أبوها أبو بكر وأصدَقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعمائة درهم .
    وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة .. زوّجه إياها سليط بن عمرو ويقال : أبوحاطب بن عمرو .. وأصدَقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم ، وكانت قبله عند السكران بنعمرو ..


    وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية زوجه إياها أخوها أبوأحمد بن جحش وأصدَقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم وكانت قبله عند زيد بن حارثة مولىرسول الله صلى الله عليه وسلم ففيها أنزل الله تبارك وتعالى {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراًزَوَّجْنَاكَهَا}(1 الأحزاب) .
    وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة بنت أبي أمية بن المغيرة المخزوميةواسمها هند ، زوَجه إياها سلمة بن أبي سلمة ابنها وأصدَقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فراشاً حشوه ليفوقدحاً وصفحة ومجشة ( أي رحى ) وكانت قبله عند أبي سلمة بن عبد الأسد واسمه عبدالله فولدت له سلمة وزينب ورقية .

    وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر بن الخطاب ، زوّجه إياها أبوها عمر بن الخطاب ،وأصدَقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم وكانت قبله عند خنيس بن حذافة السهمي .


    وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة واسمها رملة بنت أبي سفيان بن حرب زوّجه إياها خالد بنسعيد بن العاص وهما بأرض الحبشة وأصدَقها النجاشي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة دينار وهوالذي كان خطبها على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت قبله عند عبيد الله بن جحش الأسدي .


    وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية كانت في سبايا المصطلق منخزاعة فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن الشماس الأنصاري فكاتبته على نفسها فأتت رسولالله صلى الله عليه وسلم تستعينه في كتابها ، فقال : هل لك في خير من ذلك ؟ قالت : وما هو ؟ قال : أقضيعنك كتابتك وأتزوجك . فقالت : نعم فتزوجها ..


    وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حييبن أخطب سباها من خيبر فاصطفاها لنفسه وأولم رسول الله صلى الله عليه وسلم وليمة ما فيها شحم ولا لحمكان سويقاً وتمراً وكانت قبله عند كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق .


    وتزوجرسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة بنت الحارث بن حزن .. زوّجه إياها العباس بن عبد المطلب وأصدَقهاالعباس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم وكانت قبله عند أبي رهم بن عبد العزى .. ويقالإنها التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم وذلك أن خطبة النبي صلى الله عليه وسلم انتهت إليها وهي على بعيرها فقالت : البعير وما عليه لله ولرسوله فأنزل الله تبارك وتعالى {وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةًإِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنيَسْتَنكِحَهَا}( الأحزاب )


    وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بن خزيمة بنت الحارث ... وكانتتسمى أم المساكين لرحمتها إياهم ورقتها عليهم زوّجه إياها قبيصة بن عمرو الهلاليوأصدَقها رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع مائة درهم وكانت قبله عند عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب بنعبد مناف ، وكانت قبل عبيدة عند جهم بن عمرو بن الحارث وهو ابن عمها .

    فهؤلاء اللاتي بنى بهن رسول الله صلى الله عليه وسلمإحدى عشرة فمات قبله منهن اثنتان خديجة بنت خويلد وزينب بنت خزيمة . وتوفي عن تسعقد ذكرناهن في أول هذا الحديث .
    واثنتان لم يدخل بهما أسماء بنت النعمانالكندية تزوجها فوجد بها بياضاً فمتعها وردها إلى أهلها . وعمرة بنت يزيد الكلابيةوكانت حديثة عهد بكفر فلما قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم استعاذت من رسول الله فقال رسول الله : منيع عائذ الله ، فردها إلى أهلها ، ويقال : إن التي استعاذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم كنديةبنت عم لأسماء بنت النعمان ويقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاها فقالت : إنا قوم نؤتى ولانأتي فردها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهلها .


    القريشيات من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ست : خديجة .. وعائشة .. وحفصة .. وأم حبيبة .. وأم سلمة .. وسودة بنت زمعة .
    والعربياتغيرهن ست : زينب بنت جحش .. بن أسد بن خزيمة ، وميمونة بنت الحارث بن هلال بن عامر ... بن صعصعة ... بن قيس بن عيلان ، وزينب بنت خزيمة ... بن هلال بن عامر بن صعصعة ...، وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية ، ثم المصطلقية ، وأسماء بنت النعمانالكندية ، وعمرة بنت يزيد الكلابية .
    ومن غير العربيات : صفية بنت حيي أخطبمن بني النضير .


    ويقول الكافرون : إن هذا يخدشنبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - أن يكون له كل هذا العدد من الزوجات .
    ونقول : إن الذين يقولون هذا الكلام أحد ثلاثة : إما إنسان له دين غير الإسلام ،وهذا إما أن يكون دينه يقود بتعدد الزوجات أو لا . أو إنسان لا يؤمن بدين .
    أما الإنسان الذي لا يؤمن بدين فهذا لا يرى حرجاً أن يعاشر آلاف النساء عشرةالزوجات ، ولا يرى في ذلك بأساً ولا يتحرج أن يضاجع أي امرأة ولو كانت أخته ، ولوكانت زوجة صاحبه ، وما أكثر ما سمعنا بأمثال هذا عن هؤلاء . فلا محل لكلام هؤلاءولا يُناقَشون أصلاً ، لأنه ليس لديهم مقاييس يمكن أن تكون معقولة يناقشهم الإنسانعليها .
    وأما الذين لهم دين يقول بالتعدد المطلق فهؤلاء كذلك لا نقاش معهمإذ ما أبيح لهم كيف يحرّمونه على غيرهم .
    وأما الذين لهم دين يقول بعدم جوازالتعدد كالنصارى الحاليين فإننا نقول لهم : إما أن عدم التعدد هو شريعة الله فهذاغير صحيح بدليل تاريخ الكنيسة عندكم ، وأما أن زواج الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا العدد من النساء يتنافى مع جلال النبوة . فإن الكتب التي بين أيديكم وتؤمنونبها وهي كتب العهد القديم ، تذكر أن من الأنبياء الذين تؤمنون بنبوتهم من تزوجبنساء أكثر بكثير من نساء سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام . فلماذا تتناقضون ؟
    غيرمحمد - صلى الله عليه وسلم - من الأنبياء إذا تزوج أكثر منه فذلك لا يتنافى مع جلالالنبوة أما هو فيتنافى ؟
    إن هذا عمى عن الحقيقة وتجاهل لها ، فإن فرطالرجولة ليس عيباً في الرجل بل كمال فيه إذا بقيت ضمن الإطار الذي حدده الله .
    إن الأنبياء منفّذون لأوامر الله لا يخرجون عنها ، فإذا ما صحت نبوة نبيوتصرف ضمن أوامر الله فلا حرج عليه وقد أشار القرآن إلى هذا المعنى في قصة زواجالنبي - صلى الله عليه وسلم - من زينب بنت جحش : {مَّا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْحَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْاْ مِنقَبْلُ وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَّقْدُوراً}( الأحزاب )

    إن ظاهرة الرسالة ظاهرة نادرة فيالتاريخ البشري وظهورها بمحمد - صلى الله عليه وسلم - هو الظهور الأخير ؛ لذلك فقدخصّ الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - ببعض الأحكام ، وكل ما خُصّ به - صلى الله عليهوسلم - كان فيه نوع من التكليف أكبر ، ونوع من العبء أكبر ، وحتى هذه القضية قضيةتعدد زوجاته ، كان غرمها أكبر من غنمها ، وعبؤها أكبر من سهولتها ، لما يترتب علىذلك من القيام بحقوق هذا العدد الكثير . وسياستهن وتدبير أمورهن من جهد ، مع كثرةأعباء الرسول - صلى الله عليه وسلم - الأخرى من جهاد وتعليم وتدبير و ...
    ولو تأمّل الإنسان هذا الموضوع بعمق لوجد أنه دليل مستقلّ على النبوة والرسالة وذلكلما فيه من الحكم الكثيرة والمصالح المتعددة .
    فلقد أحلّ الله لرسوله - صلىالله عليه وسلم - أن يتزوج ما شاء بقوله :
    }
    ياأَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّآأَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْيَمِينُكَ مِمَّآ أَفَآءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَوَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاَتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةًمُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنيَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ } ( الأحزاب )
    ثم أنزل بعدذلك :
    }
    لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّسَآءُ مِن بَعْدُ وَلاَ أَن تَبَدَّلَبِهِنَّ مِنْ أَزْوَاجٍ وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ إِلاَّ مَا مَلَكَتْيَمِينُكَ ... } (الأحزاب )
    إذن بعد أن تزوج ما تزوج منع من الزواج فلم يتزوج بعدهنوجعل الله زوجاته أمهات المؤمنين فلا يجوز لأحد أن يتزوج منهن بعده - صلى الله عليهوسلم - فما الحكمة في ذلك كله ؟.
    أولاً : إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تزوج الكبيرةوالصغيرة والوسط ، والمرأة في كل طور من أطوارها لها مشاكلها . وسيرة الرسول - صلىالله عليه وسلم - العملية وأجوبته الدائمة بما يتفق مع كل طور ، ونقل هذا كله إلىالأمة الإسلامية مما تقتضيه مهمة الرسالة التي جعلها الله عز وجل مبينة لكل شيء ممايلزم الإنسان .
    ثانياً : إن المرأة في الإسلام مكلفة كالرجل ، ولها وضعهاالخاص الذي تختلف فيه عن الرجل . ووجود هذا العدد من النساء يساعد على نقل كل ما لهعلاقة بالمرأة إلى الأمة الإسلامية . بحيث يكون أمهات المؤمنين أسوة النساء فيالعالم على اختلاف أحوالهن ومشاربهن .
    ثالثاً : زواج الرسول - صلى الله عليهوسلم - من هؤلاء النسوة الطاهرات وفيهن القرشية وغير القرشية وفيهن ذات الأصلاليهودي ، وفيهن من كان أبواها مهاجرين ، وفيهن من كان أبواها كافرين وقت زواجهمنها ، ومنهن الصغيرة جداً ، ومنهن الكبيرة جداً يجعل المسلم لا يرى حرجاً فيالزواج من أي امرأة أحلها الله له ما دامت متوافرة فيها شروط الحل . ولا يرى حرجاًفي التعدد وهو كما سنرى في بعض الأحوال ضرورة لا بد منها .
    رابعاً : والرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي افترض الله على المسلمين محبته ، قد استل بهذا الزواجسخائم قلوب ما كانت لتزول لولا هذه الصلاة من القرابة .
    خامساً : إن صلةالوصل بين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونساء الأمة هن زوجاته في الغالب وكثرةزوجاته يجعل دائرة اتصال المسلمات به - صلى الله عليه وسلم - أكثر ، ويجعل إيصالالأحكام إلى النساء متيسراً ، فكل واحدة منهن يألفها بعض النساء بجامع القرابة أوالسن . ولولا ذلك ما استطاعت امرأة واحدة أن تستوعب كل شؤون النساء ولولا ذلك مارأينا آلاف الأحاديث المروية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من طرق زوجاتهيتحدثن فيها عن آلاف الأمور كانت تبقى غامضة أو غير معروفة .
    سادساً : والإسلام قد أتى بمفاهيم جديدة ومثُل كاملة مما له علاقة بالمرأة وكان لا بد أن تهضمهذه المثل الجديدة مجموعة كبيرة من النساء لضمان استيعابها واستمرارها وتأكيدها وهيقلب لمفاهيم سائدة ، وأوضاع فاسدة ، فكان هذا العدد من نساء النبي - صلى الله عليهوسلم - يحقق هذه الحكمة .
    سابعاً : ثم كان هذا الزواج حَلاً لا بد منه فيبعض الحالات .
    فأم سلمة المخزومية بنت سيد مخزوم المهاجرة إلى الحبشة وإلىالمدينة والتي استشهد زوجها ، وليس لها أحد ، وهي بنت زاد الركب أبي أمية المخزومي، وقد خطبها أبو بكر وعمر فرفضت . فهل تبقى وحدها أرملة وهي التي تحمّلت من أجلالإسلام ما تحمّلت ، إنه ليس هناك حلّ أبرّ وأكرم من ضم رسول الله - صلى الله عليهوسلم - لها إلى نسائه وقد رضيت .
    ورملة بنت أبي سفيان زعيم قريش بل العربكلها ضد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتي أسلمت وهجرت أباها وقومها وهاجرتإلى الحبشة مع زوجها ثم تنصر زوجها وارتدّ ومات كافراً ، هذه تترك لمن ؟ أليستمكافأتها في مكانتها أن تكون زوجة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكم سيكون لهذاأثره في نفس العدو الأكبر أبيها ؟
    وزينب بنت جحش التي زوّجها رسول الله - صلىالله عليه وسلم - من متبناه زيد ولم تستقم حياتهما وأراد الله أن يهدم قاعدة التبنيعند العرب التي لا تقوم على أساس معقول فهدمها بشكل جذري يوم أمر رسول الله - صلىالله عليه وسلم - أن يتزوج زينب مطلقة متبناه زيد .
    وجويرية بنت الحارث بنتسيد قومها ، وقومها من أعز بيوت العرب عرضاً ، وقد أسر رجال قومها ، وسبي نساؤهم ،فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال الناس : أصهار رسول الله - صلى اللهعليه وسلم - وأعتقوا كل من له علاقة بها .
    وصفية بنت حيي كان أبوها ملكاليهود تقريباً وزوجها كذلك من ساداتهم وقد هلك أبوها وأخوها وزوجها وكان من سنته- صلى الله عليه وسلم - الرحمة بعزيز قوم ذل فضمها إلى نسائه رحمة بها ، واستلّ مابفؤادها من حقد كان يمكن أن يعذبها مدى الحياة ،
    وبزواجه بعائشة وحفصة وثّق الصلةبينه وبين أعظم رجلين بعده من أمته وهكذا ..
    ثامناً : وفتح بهذا الزواج - صلى الله عليه وسلم - لزعماء أمته أفقاً جديداً لا ينبغي أن يغيب عنهم أثناء العملالمتواصل . وهو تقوية الصلات مع الآخرين بواسطة الزواج . وتوهين حقد المغلوبين بهذهالواسطة ، وقد رأينا المسلمين استفادوا من هذا الجانب استفادة كبيرة .
    تاسعاً : ثم هو بهذا الزواج وبسلوكه العملي العادل يبيّن الطريق الصحيح للسلوك الذيينبغي أن يسلكه من تعدّدت زوجاته ، بحيث لا تختلّ قيم الحياة ، ولا تشعر المرأة بعذابالظلم ، ويعرف النساء حقوقهن وحدود هذه الحقوق .
    وبظهور هذه الحكموواقعيتها نرى أن هذا الزواج أدل على النبوة . وسنرى هذا بشكل أوضح عندما ندرسسيرته معهن - صلى الله عليه وسلم - .

    رأينا أن كلامرأة تزوّجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في زواجها مصلحة وحكمة وخلقعظيم وإنسانية عالية ، تلمح بها تصرفات النبوة ومثاليتها وأخلاقيتها ، وسنرى في هذهالفقرة ونحن نستعرض الخطوط العريضة لسيرته - صلى الله عليه وسلم - معهن أن كل خط منهذه الخطوط دليل على النبوة وفيه أرقى أمثلة الأسوة .


    أول هذه الخطوطالعدل في السكن والنفقة والكسوة والمبيت والزيارات والوقت . كان بينهن الجميلة جداًوالكبيرة والشابة والعادية الجمال . وما كان يصرفه شيء من الميزات عن العدل ، لكلواحدة منهن ليلة ، وإذا زار إحداهن زارهن بعد ذلك جميعهن وحتى وهو في مرضه الأخيروهو أحوج إلى الاستقرار في بيت واحد لم يرض أن يستقر في بيت عائشة إلا بعد أن أذنله الجميع بذلك . ومع هذه الدقة في العدل كان يستغفر الله من عدم عدله في المحبة . إذ لا سلطان له على قلبه فيها ، بل السلطان لله فكان - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما لا أملك ) رواه الإمام أحمد وأبوداود والترمذي .
    وكانإذا أراد السفر أقرع بين نسائه فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه . قالت أمسلمة رضي الله عنها : ( لما تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام عندي ثلاثاً وقال : إنهليس بك هوان على أهلك . إن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي ( أخرجه مالك ومسلم وأبو داود والنسائي
    وعنأنس رضي الله عنه : ( من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً ثم قسم وإذا تزوجالثيب أقام عندها ثلاثاً ثم قسم ) أخرجه الستةإلا النسائي
    وثاني هذه الخطوط : التكافؤ في الإنسانية . فمن سنن الإسلامأن المرأة كالرجل في الإنسانية إلا أن زوجها رئيسها { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِيعَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ }( البقرة ) وهذا شيء غيرمألوف عند الغرب ولا في زمان نزول الإسلام ولكنه دين الله .
    ومن أمثلة هذاالتكافؤ في حياة الرسول - صلى الله عليه وسلم - العملية ، أنه كان ينزل على مشورةبعض نسائه وأنه كان يسمح لهن بمناقشته ، وإذا تزوج امرأة فبرضاها .
    يومالحديبية أمر المسلمين أن يحلقوا وينحروا بعد الصلح ليتحللوا . فبقوا واجمين فدخلعلى زوجه أم سلمة وهو متأثر فسألته ، فأخبرها فقالت : يا رسول الله أتحب ذلك ؟ اخرجثم لا تكلم أحداً منهم حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلم أحداًمنهم حتى فعل ذلك ، فلما رأى المسلمون ما صنع النبي - صلى الله عليه وسلم - زاحعنهم الذهول فقاموا عجلين ينحرون هديهم ويحلق بعضهم بعضاً حتى كاد بعضهم يقتل الآخر.. " راجع قصة ذلك في صحيح البخاري .
    وقال عمر رضي الله عنه : فتغضّبت يوماً علي امرأتيفإذا هي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فالت : ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل قال فانطلقت فدخلتعلى حفصة فقلت : أتراجعين رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت : نعم . قلت : وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل ؟ قالت نعم . قلت : قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر ( أخرجه الإمامأحمد( .
    وقال أنس رضي الله عنه في الحديث عن صفية رضي الله عنها : ( فكان - صلى الله عليه وسلم - يحوي لهاوراء بعباءة ثم يجلس عند بعيره فيضع ركبته فتضع صفية – رضي الله عنها – رجلها علىركبته حتى تركب ( أخرجه الشيخان وأبو داود النسائي

    فإذا ما عرفت أنه في عصرالفروسية في أوروبا الذي يعتبر العصر الذهبي للمرأة ما كانت تجرؤ امرأة على أن تقدّممشورة لزوجها ، أدركت أن تصرف محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس وليدبيئته ولا زمانه وإنما هو تصرف الأنبياء عليهم السلام .
    ينقل العقاد هذه الحادثة ويعلّقعليها من كتاب لغربي يتحدث عن المرأة في عصر الفروسية قال :
    يروي ( أي صاحبالكتاب ) فيها أن الملكة بلانشفلور ذهبت إلى قرينها الملك بيبين تسأله معونة أهلاللورين ، فأصغى إليها الملك ثم استشاط غضباً ولطمها على أنفها بجمع يده . فسقطتمنها أربع قطرات من الدم وصاحت تقول : شكراً لك ، إن أرضاك هذا فأعطني من يدك لطمةأخرى حين تشاء .
    ولم تكن هذه حادثة مفردة ، لأن الكلماتعلى هذا النحوكثيراً ما تتكرر كأنها صيغة محفوظة ، وكأنما كانت تلك اللطمة بقبضة اليد جزاء كلامرأة جسرت في عهد الفروسية على أن تواجه زوجها بمشورة .


    ولكن المظهر الأعظممن مظاهر هذا التكافؤ . أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما كان يستنكف داخلبيته أن يقوم بحاجته ، وأن يخدم نفسه ، بل إنه كان يقوم أحياناً بحاجة أهله ، وكانيقول : ( خدمتك زوجتك صدقة ) للديلمي في مسند الفردوس وحسنه السيوطي
    فقيام المرأة بشأن البيت ليس عاراً يترفععنه الرجل ، بل هو كمال يتطاول إليه الرجل ولا يأنف ، وكيف يأنف المسلم وقد فعلهرسول الله - صلى الله عليه وسلم - .


    والمرأة تحب من زوجها أن يكون جميلاًمتجملاً ، وأن يقضي حقها الجنسي ، وأن يكون لطيفاً معها مؤنساً لها ، وهذا كله خطآخر من خطوط معاملة الرسول ( - صلى الله عليه وسلم - ) لأزواجه .

    فقد كانأجمل الناس وكان مع هذا الجمال أنيقاً ، لا يطيق ما يتنافى مع هذه الأناقة مع بساطةالمظهر وروي عنه قوله : ( اغسلوا ثيابكم وخدوا من شعوركم واستاكوا وتزينوا وتنظفوافإن بني إسرائيل لم يكونوا يفعلون ذلك فزنت نساؤهم ) ابنعساكر عن علي بسند ضعيف.
    ويقول : ( فإذا جامع أحدكمأهله فليصدقها ثم إذا قضى حاجته قبل أن تقضي حاجتها فلا يعجلها حتى تقضي حاجتها (أخرجه أبو يعلى وعبد الرزاق في الجامع عن أنس.وكان يفعل هذا كله وأكثر منه فقد ورد في وصفه إذا خلا مع أهله :( كان ألين الناس ضحاكاً بساماً )أخرجه الخرائطي والحاكم
    )
    كان من أفكه الناس مع نسائه ) أخرجه ابن عساكر عن أنس ضعيف الإسنادومعناه صحيح
    كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدور على نسائه في الساعة الواحدةمن الليل والنهار وهن إحدى عشر . قيل لأنس وكان يطيقه ؟ أخرجه ابن سعد وابن عساكر عن عائشة – رضي الله عنها – ضعيفالإسناد ومعناه صحيح .
    قال : كنا نتحدثأنه أعطي قوة ثلاثين في الجماع . راجع أحمد والسنن الأربعة والبيهقي والحديث صحيح
    ومن آداب الإسلام أنه إذا كان للرجلزوجة أن يعفها . أي أن يجامعها حتى لا تشعر بحاجة إلى الرجال .
    وجعل رسولالله - صلى الله عليه وسلم - مقياس الأخلاق معاملة الرجل لزوجته إذ أنها الضعيفةتحت يده ، الدائمة العشرة لها ، فكان من كلامه صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركملأهلي ) أخرجه الترمذي .
    وما ضرب امرأة قط وكان يؤنب من يضرب .
    ( أما يستحي أحدكم أن يضربامرأته كما يضرب العبد ؟ يضربها أول النهار ثم يجامعها آخره ) للشيخين والترمذي .


    والخطالعريض الرابع في معاملته لزوجاته حسن سياستهن وتأديبهن :
    كن يغرن وكانيتحمل هذه الغيرة إلا أن تخرج عن الخط السوي فيؤدب .

    تقول عائشة – رضي اللهعنها - : ( ما رأيت صانعة طعام مثل صفية صنعت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - طعاماً وهو في بيتي ، فأخذني أفكل – أي قشعريرة – فارتعدت من شدة الغير فكسرتالإناء ثم ندمت فقلت : يا رسول الله ما كفارة ما صنعت ؟ قال إناء مثل إناء وطعاممثل طعام ) أخرجه أبوداود والنسائي
    وكان يداري قلوبهن حتى تصفوا . تقول صفية رضي الله عنها : ( وما كان أبغض إليمن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل أبي وزوجي فما زال يعتذر إلي وقال : ياصفية : إن أباك ألّب علي العرب وفعل وفعل حتى ذهب ذلك من نفسي ) أخرجه الهيثمي ج9 ص251 ورجاله رجال الصحيح
    وكنيأخذن حريتهن في الكلام فيسمع ويردّ ويؤدب :
    كان رسول الله - صلى الله عليهوسلم - يحفظ لخديجة رضي الله عنها ذكراها بشكل منقطع النظير فهو آية الوفاء في دنيا المروءة وكانمن وفائه لها أن يبر كل امرأة كانت لها صلة بخديجة وأنه كان يذكرها بكل خير حتى أنعائشة رضي الله عنها لم تغر من امرأة كما غارت من خديجة رضي الله عنها وهي متوفاة قالت له مرة : ( خديجةخديجة لكأنما ليس في الأرض امرأة إلا خديجة . فتركها فترة ثم عاد وأمها أم رومانعندها فقالت له أمها : يا رسول الله مالك ولعائشة : إنها حديثة السن وأنت أحق منيتجاوز عنها فلم يدعها حتى أخذ بشدقها معاتباً وهو يقول لها : ألست القائلةكأنما ليس على وجه الأرض امرأة إلا خديجة ؟ أخرجهالشيخان
    وقالت له مرة : ما تذكر منعجوز حمراء الشدقين قد بدلك الله خيراً منها فأسكتها قائلاً : ( والله ماأبدلني الله خيراً منها . آمنت بي حين كذبني الناس ، وواستني بمالها حين حرمنيالناس ، ورزقت منها الولد وحرمته من غيرها ) أخرج المحب الطبري في السمط الثمين -15-

    وقالت : دخل علييوماً رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلت : أين كنت منذ اليوم ؟ قال يا حميراءكنت عند أم سلمة . قلت ما تشبع من أم سلمة فتبسم ثم قلت يا رسول الله ألا تخبرنيعنك لو أنك نزلت بعدوتين إحداهما لم ترع والأخرى قد رعيت أيهما كنت ترعى ؟ قال : التي لم ترع قلت فأنا ليس كأحد من نسائك ، كل امرأة من نسائك كانت عند رجل غيركفتبسم عليه السلام . أخرجهالبخاري


    وكن يمزحن فيشاركهن سرورهن .
    أخرج أبو يعلىعن عائشة – رضي الله عنها – قالت : أتيت النبي - صلى الله عليه وسلم - بحريرة قدطبختها له فقلت لسودة - رضي الله عنها – والنبي - صلى الله عليه وسلم - بيني وبينها : كلي فأبت فقلت لتأكلين أو لألطخن وجهك فأبت فوضعت يدي في الحريرة فطليت وجههافضحك النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع بيده لها وقال لها : الطخي وجهها فضحكالنبي - صلى الله عليه وسلم - لها .
    وفي رواية فخف لها ركبته لتستقيد منيفتناولت من الصحفة شيئاً فمسحت به وجهي ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يضحك .


    والخط العريض الخامس أنه صلى الله عليه وآله وسلم رفعهن إلى أخلاق النبوةولم يستطعن أن يحدن به عن طريقه ، وأعظم حادث يصور لنا هذا الوضع هو حادث تخييرهنإذ هن طلبن أن يوسّع عليهن في المعيشة والنفقة ، فكانت سنة رسول الله - صلى اللهعليه وسلم - الإعراض عن الدنيا وطلب الآخرة ، وكانت النتيجة أن خيّرهن بين البقاءعنده ، والرضى عن هذه الحياة الهادفة إلى اليوم الآخر . أو الطلاق ، وأمرهن بيدهن ،وهذا غاية العدل وغاية الحزم .
    وهذه هي القصة كما يرويها بعض الصحابة :
    أخرج أحمد عن جابر – رضي الله عنه – قال :( أقبل أبو بكر – رضي الله عنه – يستأذن على رسول الله - صلى اللهعليه وسلم - والناس ببابه جلوس والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس فلم يؤذن له ثمأقبل عمر – رضي الله عنه – فاستأذن فلم يؤذن له ثم أذن لأبي بكر وعمر فدخلا والنبي - صلى الله عليه وسلم - جالس وحوله نساؤه وهو - صلى الله عليه وسلم - ساكت فقال عمرلأكلمن النبي لعله يضحك فقال عمر يا رسول الله لو رأيت ابنة زيد امرأة عمر سألتنيالنفقة آنفاً فوجأت عنقها ؛ فضحك النبي حتى بدت نواجذه وقال : هن حولي يسألننيالنفقة . فقام أبو بكر إلى عائشة ليضربها وقام عمر إلى حفصة كلاهما يقولان :تسألان النبي - صلى الله عليه وسلم - ما ليس عنده ، فنهاهما رسول الله - صلى اللهعليه وسلم - فقلن والله لا نسأل رسول الله بعد هذا المجلس ما ليس عنده ، قالوأنزل الله عز وجل الخيار فبدأ بعائشة فقال : " إني أذكر لك أمراً ما أحب أن تعجليفيه حتى تستأمري أبويك قالت وما هو ؟ قال فتلا عليها { يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُللأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَافَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً * وَإِن كُنتُنَّتُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّلِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً } ( الأحزاب )
    قالت : أفيك أستأمر أبوي ؟بل أختار الله ورسوله وأسألك أن لا تذكر لامرأة من نسائك ما اخترت فقال - صلى اللهعليه وسلم - إن الله تعالى لم يبعثني معنفاً ولكني بعثني معلماً ميسراً لا تسألنيامرأة منهن عما اخترت إلا أخبرتها .
    وروى أحمد من حديث طويل عن ابن عباس عنعمر قال : فقلت : الله أكبر لورأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قوماً نغلب النساء فلما قدمنا المدينة وجدناقوماً تغلبهم نساؤهم فطفقن نساؤنا يتعلمن من نسائهم فتغضّبت علي امرأتي يوماً فإذاهي تراجعني فأنكرت أن تراجعني فقالت :ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواجرسول الله ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل . فقلت قد خاب من فعل ذلك مهنوخسر ، أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله ، فإذا هي هلكت . فتبسم رسولالله فقلت يا رسول الله فدخلت على حفصة فقلت : لا يغرك أن كانت جارتك هي أوسم وأحبإلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منك فتبسم أخرى فقلت : أستأنس يا رسول الله؟قال : نعم .فجلست فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت فيه شيئاًيرد البصر إلا أهبة ( جلوداً ) ثلاثة فقلت : ادع يا رسول الله أن يوسّع على أمتك فقدوسّع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالساً ثم قال : أفي شك أنت يا ابنالخطاب ؟ أولئك قوم عُجّلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا .فقلت : استغفر لييا رسول الله . وكان أقسم أن لا يدخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حتىعاتبه الله عز وجل .


    وفي كل ما نقلناه لك من هذه الخطوات تجد الزوج المثاليوالقدوة العليا في كل أمر . ولا يفوتنا قبل الانتهاء من هذه الفقرة أن نذكر أنالرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي كان عنده هذا العدد من النساء ، والذيكان يقومبواجبه تجاههن . والذي كان يعطيهن من ذاته ما رأينا . هو الذي كان يقوم بالأعباءالضخمة التي لم يتحمل مثلها رجل غيره . من عبادة إلى سياسة إلى قتال إلى تدبير أمر، ومن عادة الناس أن يشغلهم شيء من هذا عن أهليهم ، ولكنه الكمال عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حيث تقوم الواجبات كلها ومع الواجبات غيرها ولا يؤثر القيامبإحداها على غيره من دلائل النبوة والرسالة.


    وأخيراً :
    يقول العقاد : قال لنا بعض المستشرقين إن تسع زوجات لدليل على فرط الميول الجنسية .
    قلنا : إنك لا تصف السيد المسيح بأنه قاصر الجنسية لأنه لم يتزوج قط ، فلا ينبغي أن تصفمحمداً صلى الله عليه وسلم بأنه مفرط الجنسية لأنه جمع بين تسع نساء .
    ونحن قبل كل شيء لا نرىضيراً على الرجل العظيم أن يحب امرأة ، ويشعر متعتها : هذا سواء الفطرة لا عيب فيه، وما من فطرة هي أعمق في طبائع الأحياء عامة من فطرة الجنسين ، والتقاء الذكروالأنثى ، فهي الغريزة التي تلهم الحي في كل طبقة من طبقات الحياة ما لا تلهمهغريزة أخرى .
    أرأيت إلى السمك وهو يعبر الماء المالح في موسمه المعلوم فيطويألوفاً من الفراسخ ليصل إلى فرجة نهر عذب يجدد فيها نسله ثم يعود أدراجه ؟ أرأيتإلى العصفور وهو يبني عشه ويعود من هجرته إلى وطنه ؟ أرأيت إلى الزهر وهو يتفتحليغري الطير والنحل بنقل لقاحه ؟
    أرأيت إلى سنة الحياة في كل طبقة من طبقاتالأحياء ؟ ما هي سنتها إن لم تكن هي سنة الألفة بين الجنسين ؟ وأين يكون سواءالفطرة إن لم يكن على هذا السواء ؟
    فحب المرأة لا معابة فيه .
    هذا هوسواء الفطرة لا مراء .
    وإنما المعابة أن يطغى هذا الحب حتى يخرج عن سوائهوحتى يشغل المرء عن غرضه ، وحتى يكلفه شططاً في طلابه . فهو عند ذلك مسخ للفطرةالمستقيمة يعاب كما يعاب الجور في جميع الطباع .
    فمن الذي يعلم ما صنع النبيصلى الله عليه وسلم في حياته ، ثم يقع في روعه أن المرأة شغلته عن عمل كبير أو عن عمل صغير .؟
    مَن من بناة التاريخ قد بنى في حياته وبعد مماته تاريخاً أعظم من تاريخ الدعوةالمحمدية ، والدول الإسلامية ؟ ومن ذا الذي يقول إن هذا عمل رجل مشغول ؟
    عمَّ شغلته المرأة ؟
    ومن ذا تفرغ لعظيم من المسعى فبلغ فيه شأو محمد صلى الله عليه وسلم فيمسعاه ؛؟
    فإن كانت عظمة الرجل قد أتاحت له أن يعطي الدعوة حقها ويعطي المرأةحقها فالعظمة رجحان وليست بنقص ، وهذا الاستيفاء السليم كمال وليس بعيب . ورسالةمحمد صلى الله عليه وسلم إذن هي الرسالة التي يتلقاها أناس خلقوا للحياة ، ولم يخلقوا نابذين لها ولامنبوذين منها ، فليست شريعة هؤلاء بالشريعة المطلوبة ، فيما يخاطب به عامة الناس فيعامة العصور ، وأعجب شيء أن يقال عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استسلم للذّات الحس وقد أوشك أنيطلِّق نساءه أو يخيرهن في الطلاق لأنهن طلبن إليه المزيد من النفقة وهو لايستطيعها .

    نساء محمد صلى الله عليه وسلم يشكون قلة النفقة والزينة ، ولو شاءلأغدق عليهن النعمة وأغرقهن في الحرير والذهب وأطايب الملذات .
    أهذا فعل رجليستسلم للذّات حسه ، أما كان عليه يسيراً أن يفرض لنفسه ولأهله من الأنفال والغنائمما يرضيهن ولا يغضب المسلمين ، وهم موقنون أن إرادة الرسول صلى الله عليه وسلم من إرادة الله ؟
    وماذا كلفه الاحتفاظ بالنساء حتى يقال إنه كان يفرط في ميله إلى النساء ؟ هل كلفهأن يخالف ما يحمد من سننه أو يخالف ما يحمد من سيرته أو يترخص فيما يرضاه أتباعهولا ينكرونه عليه ؟ لم يكلفه شيئاً من ذلك ، ولم يشغله عن جليل أعماله وصغيرها ،ولم نر هنا رجلاً تغلبه لذّات الحس كما يزعم المشهرون . بل رأينا رجلاً يغلب تلكالملذات في طعامه ومعيشته وفي ميله إلى نسائه . فيحفظها بما يملك منها ولا يأذن لهاأن تسومه ضريبة مفروضة عليه ، ولو كانت هذه الضريبة بسطة في العيش قد ينالها أصغرالمسلمين ، ولا شك في قدرة النبي عليها لو أراد .

    وهكذانبحث عن الرجل الذي توهّمه المشهرون من مؤرخي أوربا فلا نرى إلا صورة من أعجب الصورالتي تقع في وهم واهم .
    نرى رجلاً كان يستطيع أن يعيش كما يعيش الملوك ويقنعمع هذا بمعيشة الفقراء ثم يقال إنه رجل غلبته لذّات حسه ؟ .
    ونرى رجلاً تألبتعليه نساؤه لأنه لا يعطيهن الزينة التي يتحلين بها لعينيه ثم يقال إنه رجل غلبتهلذات حسه ؟.
    ونرى رجلاً آثر معيشة الكفاف والقناعة على إرضاء نسائه بالتوسعةالتي كانت في وسعه ثم يقال إنه رجل غلبته لذات حسه .
    ذلك كلام لو شاءالمشهرون أن يرسلوه كلاماً مضحكاً مستغرباً لأفلحوا فيما قالوه ... أقبح فلاح .
    ويزيد في غرابته أن الرجل الذي توهموه ذلك التوهم لم يكن مجهولاً قبلزواجه ولا بعد زواجه فتخبط فيه الظنون ذلك الخبط الذريع . فمحمد صلى الله عليه وسلم كان معروف الشبابقبل قيامه بالدعوة الدينية كأشهر ما يعرف فتى من قريش وأهل مكة .
    كانمعروفاً من صباه إلى كهولته ، فلم يعرف أنه استسلم للذات الحس في ريعان صباه ، ولميسمع عنه أنه لها كما كان يلهو الفتيان حين كانت الجاهلية تبيح ما لا يباح بلعرف بالطهر والأمانة واشتهر بالجد والرصانة ... وقام بالدعوة بعدها فلم يقل أحد منشائنيه والناعين عليه والمنقبين وراءه عن أهون الهنات : تعالوا يا قوم فانظروا هذاالفتى الذي كان من شأنه مع النساء كيت وكيت يدعوكم اليوم إلى الطهارة والعفة نبذالشهوات ... كلا لم يقل أحد هذا قط من شائنيه وهم عديد لا يحصى ولو كان لقوله موضوعلجرى على لسان ألف قائل .
    إلا أن المشهرين المتقوِّلين نسوا كل حقيقة منحقائق هذه الحياة الزوجية التي سجلت لنا بأدق تفصيلاتها ، ولم يذكروا إلا شيئاًواحداً حرفوه عن معناه ودلالته ، ليفتروا على النبي صلى الله عليه وسلم ما طاب لهم أن يفتروه وذاك أنهجمع في وقت واحد بين تسع زوجات .
    نسوا أنه اتسم بالطهر والعفة في شبابه فلميستبح قط لنفسه ما كان شباب الجاهلية يستبيحونه لأنفسهم من اللهو المطروق لكل طارقفي غير مشقة عندهم ولا معابة .
    ونسوا أنه بقي إلى نحو الخامسة والعشرين لميتصف في طلب الزواج الحلال وهو ميسر له تيسيره لكل فتى وسيم حسيب منظور إليه بينالأسر وبين الفتيات .
    ونسوا أنه لما تزوج في تلك السن كان زواجه بسيدة فينحو الأربعين اكتفى بها إلى أن توفيت وهو يجاوز الخمسين .
    نسوا أنه اختارأحساباً في حاجة إلى التألّف أو الرعاية ولم يختر جمالاً مطلوباً للمتاع .
    ونسوا أن الرجل الذي وصفوه بما وصفوا من تغليب لذات الحس لم يكن يشبع في بعض أيامهمن خبز الشعير ولم يجاوز حياة القناعة قط لإرضاء نسائه ... ولو شاء لما كلفهإرضاؤهن غير القليل بالقياس إلى ما في يديه .
    نسوا كل هذا وهو ثابت فيالتاريخ ثبوت عدد النساء اللاتي جمع بينهن عليه الصلاة والسلام فلماذا نسوه؟
    نسوا لأنهم أرادوا أن يعيبوا وأن يتقولوا وأن ينحرفوا عن الحقيقة وقد كانترؤية الحقيقة أيسر لهم من الإغضاء عنها ، لو أنهم أرادوها وتعمدوا ذكرها ولميتعمدوا نسيانها .

    وبعد فهل رأيت زوجاً مثل محمد - صلىالله عليه وسلم - بين الأزواج ؛ إنك لم تر وكذلك لن ترى مثله أباً بين الآباء :
    أخرج مسلم عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال :( ما رأيت أحداًكان أرحم بالعيال من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كان إبراهيم ) أي ابنه الصغير ) مسترضَعاً له في عوالي المدينة فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيتوإنه ( أي البيت ) ليدخن وكان ظئره قينا فيأخذه فيقبله ثم يرجع )
    وأخرجأبو يعلى عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال : رأيت الحسن والحسين رضي اللهعنهما على عاتقي النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلت نعم الفرس تحتكما . فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ونعم الفارسان هما .
    وأخرج ابن عساكر عن ابن عباسرضي الله عنه – قال : خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - حامل الحسن – رضي اللهعنه – على عاتقه فقال له رجل : يا غلام نعم المركب ركبت . فقال النبي صلى الله عليه وسلم ونعم الراكبهو .
    وأخرج الطبراني عن البرا ء بن عازب رضي الله عنه قال : كان رسول الله - صلى الله عليهوسلم - يصلي فجاء الحسن والحسين أو أحدهما فركب على ظهره فكان إذا رفع رأسه قالبيده فأمسكه أو أمسكهما قال : نعم المطية مطيتكما.
    وأخرج الطبراني عن جابررضي الله عنه قال دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يمشى على أربعة وعلى ظهره الحسنوالحسين ( ) وهو يقول : ( نعم الجمل جملكما ونعم العدلانأنتما .
    وأخرج الطبراني عن جابر – رضي الله عنه – قال : " كنا مع رسولالله - صلى الله عليه وسلم - فدعينا إلى طعام فإذا الحسين – رضي الله عنه – يلعب فيالطريق مع صبيان فأسرع النبي - صلى الله عليه وسلم - أمام القوم ثم بسط يده فجعلحسين يفر ههنا وههنا فيضاحكه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى أخذه فجعل إحدىيديه في ذقنه والأخرى بين رأسه وأذنيه ثم اعتنقه وقبّله ثم قال : حسين مني وأنا منهأحب الله من أحبه . الحسن والحسين سبطان من الأسباط " .
    أرأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جلاله العظيم كيف يعطي الأولاد حقهم وليس أولاده فقط بل كلالأولاد .
    أخرج الإمام أحمد عن عبد الله بن الحارث – رضي الله عنه – قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصفّ عبد الله وعبيد الله وكثير بن عباس – رضيالله عنهم – ثم يقول : من سبق إلي فله كذا وكذا قال : فيستبقون إليه فيقعون علىظهره وصدره فيقبلهم ويلتزم .
    وأخرج ابن عساكر عن عبد الله بن جعفر – رضيالله عنه – قال : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم من سفر تلقّى بصبيان أهلبيته وإنه جاء من سفر فسيق بي إليه فحملني بين يديه ثم جيء بأحد ابني فاطمة الحسنأو الحسين – رضي الله عنه – فأردفه خلفه فدخلنا المدينة ثلاثة على دابة .
    وأخرج ابن عساكر أيضاً عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال : مرّ بي رسول الله - صلى الله عليهوسلم - وأنا ألعب مع الصبيان وحملني أنا وغلاماً من العباس – رضي الله عنه – علىالدابة فكنا ثلاثة .
    وأخرج ابن عساكر أيضاً : عنه قال : لو رأيتني وقثماوعبد الله ابني عباس – رضي الله عنهم – ونحن صبيان نلعب إذ مرّ رسول الله - صلى اللهعليه وسلم - على دابة فقال ؛ ارفعوا هذا إلي فجعلني أمامه وقال : ارفعوا هذا إليفجعله وراءه وكان عبيد الله أحب إلى عباس من قثم فما استحيا من عمه أن حمل قثماوتركه قال : ثم مسح على رأسي ثلاثاً كلما مسح قال : اللهم اخلف جعفراً في ولده .
    ولا تحسب أن هذا الإكرام للصبيان فقط بل للبنات والصبيان :
    أخرجالبخاري عن أبي قتادة قال خرج علينا النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمامه بنت أبيالعاص – رضي الله عنها – ( أي بنت بنته ) على عاتقه فصلى فإذا ركع وضع وإذا رفعرفعها . فهذه سيرته مع الأطفال ذكوراً وإناثاً .
    أخرج الطبراني عن السائببن يزيد – رضي الله عنه – أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قبّل حسناً – رضي اللهعنه – فقال له الأقرع بن حابس لقد ولد لي عشر ما قبلت واحداً منهم فقال النبي - صلىالله عليه وسلم - لا يرحم الله من لا يرحم الناس .
    وأخرج أبو يعلى عن أنسرضي الله عنه – قال كان رسول الله يسجد فيجيء الحسن أو الحسين فيركب ظهره فيطيلالسجود فيقال : يا نبي الله أطلت السجود فيقول : ارتجلني ابني فكرهت أن أعجله .



    والشعب الذي كان يئد البنات ويرى أن موت البنات منالمكرمات ، ولا يرى أحدهم البنت شيئاً ، ويستقبل ولادتها هذا الاستقبال السيء الذيوصفه القرآن { وَإِذَا بُشرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاًوَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشرَ بِهِأَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَآءَ مَايَحْكُمُونَ }( النحل )
    هذا الشعب هو الذي كان منه رسول الله - صلى الله عليهوسلم - وكان يعامل بناته بما سنقصّه عليك فهل تراها بعد ما تقرؤها أخلاقاً وليدةبيئتها ، أو أنها النبوة والتربية الإلهية لصاحبها ، وحاشا أن تكون إلا الثانية .
    أخرج البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قالت : ما رأيت أحداً من الناسكان أشبه بالنبي - صلى الله عليه وسلم - كلاماً ولا حديثاً ولا جلسة من فاطمة – رضيالله عنها – قالت : وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رآها وقد أقبلت رحّب بهاثم قام إليها فقبّلها ثم أخذ بيدها فجاء بها حتى يجلسها في مكانه وكانت إذا أتاهاالنبي - صلى الله عليه وسلم - رحّبت به ثم قامت إليه فقبّلته . وإنها دخلت على النبي - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي قبض فيه فرحّب بها وقبّلها وأسرّ إليها فبكت ثمأسرّ إليها فضحكت " ولما سألتها عائشة عما أسرّ لها رفضت أن تجيبها حتى إذا قبض - صلىالله عليه وسلم - قالت فاطمة " أسرّ إلي فقال : إني ميت فبكيت ثم أسرّ إليَّ فقال : إنك أول أهلي بي لحوقاً فسررت بذلك وأعجبني " .
    وماتت فاطمة بعد ستة أشهر منوفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
    وأخرج الترمذي عن جميع بن عميرالتيمي قال : " دخلت مع عمتي على عائشة –رضي الله عنها – فسئلت أي النساء كان أحبإلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ قالت فاطمة : فقيل من الرجال ؟ قالت :زوجها إن كان ما علمت صواماً قواماً " .

    وعن المسور بن مخرمة – رضي الله عنه – قال : " خطب علي بنت أبي جهل وعندهفاطمة فسمعت بذلك فأتت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت يزعم قومك أنك لا تغضبلبناتك وهذا علي ناكح ابنة أبي جهل فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - فتشهد وقالأما بعد فإني أنكحت أبي العاص بن الربيع فحدثني وصدقني وإن فاطمة بضعة مني يريبنيما يريبها والله لا تجتمع بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبنت عدو اللهأبداً قال فترك عليّ الخطبة .
    وفي رواية أخرى قال : " سمعت رسول الله - صلىالله عليه وسلم - يقول وهو على المنبر : إن بني هشام بن المغيرة استأذنوني في أنينكحوا ابنتهم علي بن أبي طالب فلا آذن ثم لا آذن إلا أن يريد ابن أبي طالب أن يطلقابنتي وينكح ابنتهم فإنما هي بضعة مني يريبني ما يريبها ويؤذيني ما آذاها " أخرجهالخمسة إلا النسائي .
    أرأيت براً أبلغ بالبنات من هذا البر وما ذكرناهنموذج وإلا فأي بنت من بناته الأربع كانت تلاقي من العطف والبر ما تلاقيه فاطمةرضي الله عنه – إنها كمال الأبوة في أكمل نبي .

    ولكن الشيءالأدل في هذا الباب على أخلاق النبوة مع هذه المحبة أنه ما كان ليرضى لبنته أن تعيشإلا كما يعيش أكثر الناس فقراً . ذلك طابع الحياة التي يريدها رسول الله - صلى اللهعليه وسلم - لنفسه ولأهله ، لا تشغلهم الدنيا عن الآخرة ، وحتى تتمحص أنفسهم للهواليوم الآخر .
    تأمل هذه الأمثلة وتذكر أن أحب الخلق إليه بشهادة عائشة رضي الله عنها هي فاطمة رضي الله عنها :
    أخرج البيهقي في الدلائل عن عليّ رضي الله عنه قال :خطبت فاطمة إلى رسول اللهفقالت مولاة لي : هل علمت أن فاطمة قد خطبت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟قلت : لا . قالت : قد خطبت فما يمنعك أن تأتي رسول الله فيزوجك ؟ فقلت : وعندي شيءأتزوج به ؟ فقالت : إنك إن جئت رسول الله زوجك قال : فوالله ما زالت ترجيني حتىدخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلما أن قعدت بين يديه أفحمت فوالله مااستطعت أن أتكلم جلالة وهيبة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جاء بك ؟ألك حاجة ؟ فسكت فقال :
    لعلك جئت تخطب فاطمة .
    فقلت : نعم
    فقال : وهل عندك من شيء تستحلها به ؟
    فقلت : لا والله يا رسول الله
    فقال : ما فعلت درع سلحتكها ؟ فوالذي نفس علي بيده إنها لحطمية ما قيمتها أربعةدراهم ، فقلت : عندي فقال : قد زوجتكها فابعث إليها بها فاستحلها بها فإن كانتلصداق فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
    وأخرج النسائي عن ثوبان : فانتزعت فاطمة سلسلة في عنقها من ذهب فقالت : هذه أهداها إلي أبوحسن فدخل صلى الله عليه وسلم والسلسلة في يدها فقال : يا فاطمة ، أيسرّك أن تقولالناس : ابنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يدها سلسلة من نار ثم خرج فلميقعد فأرسلت فاطمة بالسلسلة فباعتها واشترت بثمنها عبداً فأعتقته فحدث رسول اللهبذلك فقال : الحمد لله الذي أنجى فاطمة من النار .
    وأخرج البخاري ومسلم : قال عليّ لابن أعبد ألا أحدثك عني وعن فاطمة ؟ قلت : بلى قال : إنها جرّت بالرحى حتىأثَّر في يدها واستقت بالقربة حتى أثرت في نحرها وكنست البيت حتى اغبرت ثيابهاوأوقدت القدر حتى دكنت ثيابها ) فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - خدم فقلت لوأتيت أباك فسألته خادماً فأتته فوجدت عنده حداثاً فرجعت فأتاها من الغد فقال : ماكان حاجتك ؟ وسكتت فقلت : أنا أحدثك يا رسول الله جرت بالرحى حتى أثرت في يدهاوحملت بالقربة حتى أثرت في نحرها فلما أن جاء الخدم أمرتها أن تأتيك فتستخدمكخادماً يقيها حر ما هي فيه فقال : اتقي الله يا فاطمة وأدي فريضة ربك واعملي عملأهلك وإذا أخذت مضجعك فسبحي ثلاثاً وثلاثين واحمدي ثلاثاً وثلاثين وكبري أربعاًوثلاثين فتلك مائة فهي خير لك من خادم فقالت : رضيت عن الله وعن رسوله ولم يخدمها .
    إن كمال محمد - صلى الله عليه وسلم - كزوج وكماله كأب . كماله في عدله وفيرحمته وفي لطفه وفي أنسه ، وفي رعايته وفي حسن سياسته وفي استقامته ، وفي حملأزواجه وأولاده على طريقه . كل هذا شاهد صدق ودليل حق على أنه المثل الأعلى للإنسانفي كل جانب من جوانب حياته ، وإنه القدوة العليا لكل إنسان في أي جزء من أجزاءتصرفاته .
    منقول من موقع برهانكم
    - اللهم لولا أنت ما اهتدينا **** ولا تصدقنا ولا صلينا
    إن اليهود قد بغوا علينا **** وإن أرادوا ذلنا أبينا
    فأنزلن سكينة علينـــــا **** وثبت الأقدام إن لاقينا
    - ربنا إننا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
    - وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون

مواضيع ذات صلة

تقليص

المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
ابتدأ بواسطة صلاح عامر, 5 مار, 2023, 03:34 م
ردود 0
31 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة صلاح عامر
بواسطة صلاح عامر
ابتدأ بواسطة صلاح عامر, 4 مار, 2023, 10:00 ص
ردود 2
40 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة صلاح عامر
بواسطة صلاح عامر
ابتدأ بواسطة صلاح عامر, 4 مار, 2023, 08:33 ص
ردود 0
78 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة صلاح عامر
بواسطة صلاح عامر
ابتدأ بواسطة mohamed faid, 16 فبر, 2023, 08:41 ص
ردود 0
185 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة mohamed faid
بواسطة mohamed faid
ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, 20 نوف, 2021, 03:50 ص
ردود 0
53 مشاهدات
0 ردود الفعل
آخر مشاركة *اسلامي عزي*
بواسطة *اسلامي عزي*
يعمل...