أنا والآب واحد
«الوحدة» بين الآب والابن أشير إليها في العدد التالي من إنجيل يوحنا«أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ» (10 : 30 )نشأت افتراضات كثيرة فيما يتعلق بمعنى هذه الكلمات. فما هو مفهوم «الوحدة» الحاصلة بين الآب والابن؟ هناك سبيلان يقدمان لنا يد العون في الإجابة عن هذا السؤال:
1-القواعد اللغوية اليونانية
2-السياق الكتابي.
يوحنا 10 : 30 والقواعد النحوية اليونانية
في اللغة اليونانية هناك ثلاث كلمات تترجم جميعا إلى الكلمة العربية«واحد». وهي «هِن» [′εν] و «هايس» [′εις] و «ميا» [μια] . وهي على التتالي تمثل الجنس المحايد والجنس المذكر والجنس المؤنث. أما كلمة «ميا» المؤنثة فتستعمل في متى على لسان المسيح في العدد 19 : 5 « وَيَكُونُ الاِثْنَانِ جَسَداً وَاحِداً.»
والكلمتان، المؤنثة الجنس، والمذكرة الجنس، يستعملهما يسوع في معرض حديثه عن «الخراف الأخرى»:
«وتكون رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ(μια) وَرَاعٍ وَاحِدٌ(εις)» يوحنا 10 : 16
الكلمة التي تعبر عن الواحد المذكر(εις) تستعمل في الرسالة الأولى لأهل كورنثوس 8 : 6 حيث يقول بولس «لَكِنْ لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ(εις): الآبُ.»
لكن الكلمة الواردة في العدد محل الدراسة، أي العدد 10 : 30، من ناحية جنسها ليست بالمذكرة ولا بالمؤنثة. فالكلمة المعبرة عن الجنس المحايد (εν)وتنطق(هِنْ) هي المستعملة هنا.[1]
الرسول يوحنا يستعمل الكلمة اليونانية «εν»(الواحد ذو الجنس المحايد) 16 مرة(منهم مرتين في عدد واحد، يوحنا 20 : 12 ).
مقارنة كل واحدة من هذه المرات التي ورد فيها هذا اللفظ ستثبت نجاعة هذه الطريقة:
«كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ(واحد)(εν) مِمَّا كَانَ.» يوحنا 1 : 3
«لَمْ تَكُنْ هُنَاكَ سَفِينَةٌ أُخْرَى سِوَى وَاحِدَةٍ(εν)....» يوحنا 6 : 22
«فَقَالَ يَسُوعُ لَهُمْ: «عَمَلاً وَاحِداً (εν) عَمِلْتُ فَتَتَعَجَّبُونَ جَمِيعاً.» يوحنا 7 : 21
« لَنَا أَبٌ وَاحِدٌ(εν) وَهُوَ اللَّهُ» يوحنا 8 : 41
«إِنَّمَا أَعْلَمُ شَيْئاً وَاحِداً(εν): أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِر» يوحنا 9 : 25
«أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ(εν)» يوحنا 10 : 30
«وَلَيْسَ عَنِ الأُمَّةِ فَقَطْ بَلْ لِيَجْمَعَ أَبْنَاءَ اللَّهِ الْمُتَفَرِّقِينَ إِلَى وَاحِدٍ(εν).» يوحنا 11 : 52
«... لِيَكُونُوا وَاحِداً(εν) كَمَا نَحْنُ.» يوحنا 17 : 11
«لِيَكُونَ الْجَمِيعُ وَاحِداً(εν) ...» يوحنا 17 : 21
« لِيَكُونُوا وَاحِداً كَمَا أَنَّنَا نَحْنُ وَاحِدٌ(εν).» يوحنا 17 : 22
«لِيَكُونُوا مُكَمَّلِينَ إِلَى وَاحِدٍ(εν)» 17 : 23
«وَكَانَ قَيَافَا هُوَ الَّذِي أَشَارَ عَلَى الْيَهُودِ أَنَّهُ خَيْرٌ أَنْ يَمُوتَ إِنْسَانٌ وَاحِدٌ(εν) عَنِ الشَّعْبِ.» يوحنا 18 : 14
«وَلَكُمْ عَادَةٌ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ وَاحِداً(εν) فِي الْفِصْحِ»
ناهيكم عن الْمِنْدِيلَ الَّذِي كَانَ... مَلْفُوفاً فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ (εν).(يوحنا 20 : 7) وعن الملاكين الجَالِسَيْنِ وَاحِدا(εν)ً عِنْدَ الرَّأْسِ وَالآخَرَ(εν) عِنْدَ الرِّجْلَيْنِ(يوحنا 20 : 12 ) وعن الَأَشْيَاءُ الأُخَرُ الكَثِيرَةٌ التي صَنَعَهَا يَسُوعُ والتي إِنْ كُتِبَتْ كل وَاحِدَةً(εν) منهم فَلَسْتُ أَظُنُّ أَنَّ الْعَالَمَ نَفْسَهُ يَسَعُ الْكُتُبَ الْمَكْتُوبَةَ.(يوحنا 21 : 25 )
غالبية المواضع المذكورة أعلاه يمكن ترجمتها إلى «شئ واحد»: سفينة واحدة، عمل واحد، موضع واحد. أما التعبير في يوحنا 8 : 41 «أب واحد » فلا يتناول الأب كأقنوم أو كشخص، بل كحالة أو وضع الأب باعتباره أبا. في يوحنا 18 : 14 يتحدث النص عن إطلاق شخص ما، بغض النظر عن جنسه.
قارن ما سبق مع بعض المواضع التي ذكر فيها العدد«واحد» واستعمل فيها اللفظة اليونانية «εις» التي تدل على الواحد مذكر الجنس:
«هَذَا(εις) وَجَدَ أَوَّلاً أَخَاهُ سِمْعَانَ» يو 1: 41
«قَالَ لَهُ وَاحِدٌ(εις) مِنْ تلاَمِيذِهِ وَهُوَ أَنْدَرَاوُسُ أَخُو سِمْعَانَ بُطْرُسَ» يوحنا 6 : 8
«...وَوَاحِدٌ(εις) مِنْكُمْ شَيْطَانٌ!» يوحنا 6 : 70
«فَقَالَ لَهُمْ وَاحِدٌ(εις) مِنْهُمْ وَهُوَ قَيَافَا...» يوحنا 11 : 49
«فَقَالَ وَاحِدٌ (εις) مِنْ تلاَمِيذِهِ وَهُوَ يَهُوذَا سِمْعَانُ الإِسْخَرْيُوطِيُّ...» يوحنا 12 : 4
«... إِنَّ وَاحِداً(εις) مِنْكُمْ سَيُسَلِّمُنِي». يوحنا 13 : 21
«وَلَمَّا قَالَ هَذَا لَطَمَ يَسُوعَ وَاحِدٌ(εις) مِنَ الْخُدَّامِ...» يوحنا 18 : 22
وهناك وفرة من الأمثلة الأخرى.
ولذلك، فحينما يقول يسوع:«أنا والآب واحد»، فهو لا يشير إلى شخص ما بل إلى شئ ما. الوحدة التي يتشاركها الآب والابن هي شئ وليس أقنومية.
تشاركا كلاهما وحدة الفكر والغرض.
وعلى العكس من ذلك، نجد أن بولس الرسول في مقولته الواردة في العدد 3 : 20 من الرسالة إلى أهل غلاطية إن«الله واحد»(θεος εις εστιν) يستعمل الواحد المذكر(εις) ليعبر عن هذه الفكرة. في الواقع، أينما استعملت العبارة«إله واحد»، تستعمل الواحد المذكر(هايس)أو(εις) للتعبير عن هذه الوحدانية:
«لَكِنْ لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ(εις)، الآب...» 1كورنثيوس 8 : 6
«إِلَهٌ وَآبٌ وَاحِدٌ(εις) لِلْكُلِّ » أفسوس 4 : 6
«لأَنَّهُ يُوجَدُ إِلَهٌ وَاحِدٌ(εις)» 1 تيموثاوس 2 : 5
«أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ(εις)»رسالة يعقوب 2 : 19
يقول «نوفاتيان»، وهو كاتب مسيحي من القرن الثالث الميلادي، معلقًا:
«وحيث إنه قال شيئا«واحدًا»، فليفهم الهراطقة أنه لم يقل شخصًا «واحدًا». فالواحد المذكور في صيغة المحايد يعلن صارخا بالتوافق الجمعي(social concord)، وليس الوحدة الذاتية(personal unity)...أضف إلى ذلك أنه بحديثه عن«الوحدانية»، فإنه يشير إلى الاتفاق، وإلى التطابق في الرأي، وإلى الشركة ذاتها في المحبة، كما بعقلانية الآب والابن واحد في توافقهم، وفي محبتهم، وفي ميولهم.» من كتابه «رسالة حول الثالوث»، الفصل 27 .[2]
وفي العهد القديم، يستعمل ملاخي اللفظة العبرية «أحاد»(وتعني واحدًا) في معرض حديثه عن «الأب الواحد» و«الإله الواحد»(ملاخي، 2: 10)
بل إن القرآن يتفق معنا في هذا حينما يقول:« وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ»(البقرة:163).
تعليق