بسم الله الرحمن الرحيم
الروح مخلوق من مخلوقات الله تعالى. قال تعالى : ( الله خالق كل شيء) ولا نعلم عنها إلا ما علمنا الله إياه قال تعالى : ( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا )[الإسراء:85] فما ورد في الكتاب والسنة عنها نعلمه وما لم يرد نجهله ومن خلال الكتاب والسنة نستطيع الوصول إلى النتائج التالية: الروح ليست صفة من صفات البدن كالطول والعرض والبياض والسواد لأن الصفة لا تقوم بنفسها والروح تقوم بنفسها فقد دلت النصوص من القرآن والسنة على أنها تدخل وتخرج وتصعد وتنزل وتُبصَر وتكفن وتُشم وتُمسك وتُرسل وتسيل وتنعم وتعذب وتسمع وتبصِر وتعلم وتساكن البدن وتفارقه وتُنفخ فتحل في البدن وهذا يدل على أنها جسم إذا قصدنا بالجسم المعنى الاصطلاحي عند المتكلمين أنه ما يمكن الإشارة الحسية إليه أما إن قصدنا بالجسم المعنى اللغوي وهو الجسد أو البدن أو الجسم الكثيف الغليظ فليست بجسم على هذا المعنى .
لكونها شيئا لطيفا خفيفا وليست شيئا كثيفا غليظا لأن الجسم الغليظ الكثيف من المستحيل أن يحل في جسم مثله لا يحل الشيء في جسم كثيف إلا إذا كان خفيفا يسري في الأعضاء كما يسري الزيت في الزيتون والنار في الفحم والكهرباء في الأسلاك والماء في العود والنار في الحديد والجن في المصروع بل هي ألطف من ذلك كله .
وما دام أن الروح إذا دخلت في جسم حصل عنده الحس والحركة الإرادية وإذا خرجت منه فقد الحس والحركة الإرادية فالروح إذا إذا اشتبكت في الجسد أفادته الحس والحركة الإرادية .
فإن قيل ما الدليل على أن الروح تسكن البدن وتسري فيه وتشتبك بأعضائه قلنا من الأدلة على ذلك ما جاء في سنن ابن ماجه وصححه الألباني عن أبي هريرة رضي الله عنه :
عن النبي صلى الله عليه و سلم قال: "الميت تحضره الملائكة فإذا كان الرجل صالحا قالوا اخرجي أيتها النفس الطيبة كانت في الجسد الطيب اخرجي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فيفتح لها فيقال من هذا فيقولون فلان فيقال مرحبا بالنفس الطيبة كانت في الجسد الطيب ادخلي حميدة وأبشري بروح وريحان ورب غير غضبان فلا يزال يقال لها ذلك حتى ينتهى بها إلى السماء التي فيها الله عز وجل وإذا كان الرجل السوء قال اخرجي أيتها النفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث اخرجي ذميمة وأبشري بحميم وغساق وآخر من شكله أزواج فلا يزال يقال لها ذلك حتى تخرج ثم يعرج بها إلى السماء فلا يفتح لها فيقال من هذا فيقال فلان فيقال لا مرحبا بالنفس الخبيثة كانت في الجسد الخبيث ارجعي ذميمة فإنها لا تفتح لك أبواب السماء فيرسل بها من السماء ثم تصير إلى القبر ".
من خلال البحث السابق يتبين لنا صحة تعريف ابن القيم للروح بقوله في كتابه الروح : " جسم مخالف بالماهية لهذا الجسم المحسوس وهو جسم نورانى علوي خفيف حي متحرك ينفذ في جوهر الأعضاء ويسري فيها سريان الماء في الورد وسريان الدهن في الزيتون والنار في الفحم فما دامت هذه الأعضاء صالحة لقبول الآثار الفائضة عليها من هذا الجسم اللطيف بقي ذلك الجسم اللطيف مشابكا لهذه الأعضاء وأفادها هذه الآثار من الحس والحركة الإرادية وإذا فسدت هذه الأعضاء بسب استيلاء الأخلاط الغليظة عليها وخرجت عن قبول تلك الآثار فارق الروح البدن وانفصل إلى عالم الأرواح"
وقد قال الآلوسي- رحمه الله- في "روح المعاني" (ج 21 / ص 124):
"وإليه ذهب القائلون بأن الروح جسم لطيف كالهواء سار في البدن سريان ماء الورد والنار في الجمر وهو الذي تشهد له ظواهر الأخبار وأقام العلامة ابن القيم عليه نحو مائة دليل".
وقال النووي- رحمه الله- في شرح مسلم - (ج 6 / ص 364):
"وَالْأَصَحّ عِنْد أَصْحَابنَا : أَنَّ الرُّوح أَجْسَام لَطِيفَة مُتَخَلَّلَة فِي الْبَدَن ، فَإِذَا فَارَقَتْهُ مَاتَ".
فرحم الله الإمام ابن القيم الجوزية وأدخله فسيخ جناته والله تعالى أعلم .
كتبه أبو معاوية غالب الساقي المشرف على موقع روضة السلفيين www.salafien.com
تعليق