أبو الأنبياء (الجزء الأول: صحف إبراهيم)
(1) إبراهيم:
إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء، ويطلق عليه في اللسان العبراني القديم لفظ (أَفْرَاهَام) ورسمه ـ بالخط المربع والتنقيط المازوريتي ـ هكذا: אַבְרָהָם، حيث يتكون من ثلاثة مقاطع عند التلفظ به هي: (أَفْـ) ـ تنطق كحرف v الإنجليزي وليس كحرف f ـ و(رَا) و(هَام). أما المقطع الأول (أَفْـ) فيعني بالعربية (أب)، وأما التركيب (رَاهَام) فربما يدل على (أرحام)، والرحم هو موضع تكوين الولد، ثم سميت القرابة وصلة الدم رحما. من ذلك نعلم أن كلمة (أَفْرَاهَام) العبرية تقابل في العربية تركيب (أبو الأرحام) للدلالة على كونه أبا لنسل كبير تقوم بينهم وشائج الأرحام. يؤكد هذا المعنى ما ورد في سفر التكوين:
(3… وَتَكَلَّمَ الإِلهُ مَعَهُ قَائِلاً: 4 “أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ، 5 فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ…”) (التكوين / 17 / 3 - 5)
(2) صحف إبراهيم:
يخبر البلاغُ المبين بوجود صحفٍ لإبراهيم عليه السلام:
(إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (الأعلى : 18 - 19)
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى. وَأَعْطَى قَلِيلا وَأَكْدَى. أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى. أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى. وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى. أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى …) (النجم : 33 - 38).
أما العهدُ القديم فقد خلا من الإشارة إلى صحف إبراهيم. أما الأبحاث العلمية فتدل فعلاً على وجود صحف لإبراهيم أو صحف عن إبراهيم - بغض النظر عن موقف الكنيسة منها لأن الذي يهمنا هنا هو موقف العلم وليس موقف الكهنوت - حيث تحتوي على مواد وثيقة الصلة بما هو مذكور في القرآن الكريم.
كتبَ البروفيسور Guenter Lanczkowski أستاذ علم الأديان المقارنة بالجامعات الألمانية - في موسوعته التي أصدرها - تحت عنوان (عهد أبرهام) ما يلي:
(عهد أبراهام مخطوطة مزورة ترجع للقرن الأول / الثاني الميلادي، تحتوي على وصف معراج أبراهام للسماء، وعودته، وموته. لا تعترف الكنيسة الكاثوليكية بتلك المخطوطة وتعتبرها ضمن المخطوطات المشكوك فيها [أبوكريفا]) إنتهى.
نلاحظ أولاً أن زمن تلك المخطوطة / المدونة المنسوبة لإبراهيم عليه السلام يعود لعصر يسبق مولد النبي العربي المحمّد صلى الله عليه وآله وسلم بنحو 5 قرون، وتشير إلى وجود “صحف” منسوبة لإبراهيم عليه السلام، وهي الحقيقة التي أغفلها العهد القديم، والعهد الجديد ولم يجليها إلا العهد الأخير الحق أي القرآن الكريم. نلاحظ ثانياً أن تلك المخطوطة تنسب صراحة لإبراهيم عليه السلام “معراجا” سماويا، وربما كان ذلك هو ما تشير إليه الآية الكريمة التالية:
(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام : 75 - 79).
إضافة إلى "عهد إبراهيم" Testament Abrahams ذكر البروفيسور Lanczkowski صحيفةً أخرى اسمها "رؤيا إبراهيم" Apokalypse Abrahams اكتشفت نحو سنة 100 بعد الميلاد، وتتكون من نحو 32 فصلاً. تهاجم الفصول (1 - 8) عبادةَ الأوثان والأصنام، وتذكر الفصول (9 - 32) رؤيا أو كشفاً مستقبلياً وقع لإبراهيم عليه السلام.
إضافة لما تقدم ذكرَ البروفيسور Johann Maier أستاذ الدراسات اليهودية بكلية اللاهوت بجامعة كولونيا بألمانيا في موسوعته عن اليهودية نقلاً عما هو مسطور في تلك الصحف أن حاكم العالم في ذلك الوقت واسمه نمرود Nimrod أراد إحراق إبراهيم بإلقاءه في النار لكن تلك المحاولة فشلت [أخبرنا القرآن عما حدث بدقة وهو إلقاء إبراهيم في النار فعلاً لكن الله سبحانه جعلها برداً وسلاماً عليه].
من خلال ما كتبه علماء الأديان في الغرب - ذكرت منهم عالمَيْنِ معتبَريْنِ - ندرك مدى قرب النتائج التي توصل إليها البحثُ العلمي من الحقائق التي ذكرها القرآن كصحف إبراهيم وإلقاءه في النار والكشف الكوني وغير ذلك من الأمور التي غفل عن ذكرها الكتاب المقدس وأشار إليها - مخلِّداً ذكراها - القرآن الكريم.
(3) القرآن الكريم وتعاليم الصحف الأولى
ولئن أغفل التاريخُ الكنسي الإشارة إلى صحف إبراهيم، وإذ لا تعترف الكنيسة بصحف إبراهيم - لأن اعتراف الكنيسة بها يسحب البساط من تحت أقدامها فتهوي - فإن القرآن الكريم لم يحرمنا من معرفة بعض تعاليم تلك الصحف، فسجل لنا منها ما يلي باللسان العربي المبين:
(أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى: أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى. وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى. وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى. وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا. وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى. مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى. وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى. وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى. وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى. وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى. وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى. وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى. وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى. فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى) (النجم : 36 - 54)
(1) إبراهيم:
إبراهيم عليه السلام هو أبو الأنبياء، ويطلق عليه في اللسان العبراني القديم لفظ (أَفْرَاهَام) ورسمه ـ بالخط المربع والتنقيط المازوريتي ـ هكذا: אַבְרָהָם، حيث يتكون من ثلاثة مقاطع عند التلفظ به هي: (أَفْـ) ـ تنطق كحرف v الإنجليزي وليس كحرف f ـ و(رَا) و(هَام). أما المقطع الأول (أَفْـ) فيعني بالعربية (أب)، وأما التركيب (رَاهَام) فربما يدل على (أرحام)، والرحم هو موضع تكوين الولد، ثم سميت القرابة وصلة الدم رحما. من ذلك نعلم أن كلمة (أَفْرَاهَام) العبرية تقابل في العربية تركيب (أبو الأرحام) للدلالة على كونه أبا لنسل كبير تقوم بينهم وشائج الأرحام. يؤكد هذا المعنى ما ورد في سفر التكوين:
(3… وَتَكَلَّمَ الإِلهُ مَعَهُ قَائِلاً: 4 “أَمَّا أَنَا فَهُوَذَا عَهْدِي مَعَكَ، وَتَكُونُ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ، 5 فَلاَ يُدْعَى اسْمُكَ بَعْدُ أَبْرَامَ بَلْ يَكُونُ اسْمُكَ إِبْرَاهِيمَ، لأَنِّي أَجْعَلُكَ أَبًا لِجُمْهُورٍ مِنَ الأُمَمِ…”) (التكوين / 17 / 3 - 5)
(2) صحف إبراهيم:
يخبر البلاغُ المبين بوجود صحفٍ لإبراهيم عليه السلام:
(إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى. صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى) (الأعلى : 18 - 19)
(أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى. وَأَعْطَى قَلِيلا وَأَكْدَى. أَعِندَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى. أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى. وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى. أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى …) (النجم : 33 - 38).
أما العهدُ القديم فقد خلا من الإشارة إلى صحف إبراهيم. أما الأبحاث العلمية فتدل فعلاً على وجود صحف لإبراهيم أو صحف عن إبراهيم - بغض النظر عن موقف الكنيسة منها لأن الذي يهمنا هنا هو موقف العلم وليس موقف الكهنوت - حيث تحتوي على مواد وثيقة الصلة بما هو مذكور في القرآن الكريم.
كتبَ البروفيسور Guenter Lanczkowski أستاذ علم الأديان المقارنة بالجامعات الألمانية - في موسوعته التي أصدرها - تحت عنوان (عهد أبرهام) ما يلي:
(عهد أبراهام مخطوطة مزورة ترجع للقرن الأول / الثاني الميلادي، تحتوي على وصف معراج أبراهام للسماء، وعودته، وموته. لا تعترف الكنيسة الكاثوليكية بتلك المخطوطة وتعتبرها ضمن المخطوطات المشكوك فيها [أبوكريفا]) إنتهى.
نلاحظ أولاً أن زمن تلك المخطوطة / المدونة المنسوبة لإبراهيم عليه السلام يعود لعصر يسبق مولد النبي العربي المحمّد صلى الله عليه وآله وسلم بنحو 5 قرون، وتشير إلى وجود “صحف” منسوبة لإبراهيم عليه السلام، وهي الحقيقة التي أغفلها العهد القديم، والعهد الجديد ولم يجليها إلا العهد الأخير الحق أي القرآن الكريم. نلاحظ ثانياً أن تلك المخطوطة تنسب صراحة لإبراهيم عليه السلام “معراجا” سماويا، وربما كان ذلك هو ما تشير إليه الآية الكريمة التالية:
(وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ. فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ. فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ. إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (الأنعام : 75 - 79).
إضافة إلى "عهد إبراهيم" Testament Abrahams ذكر البروفيسور Lanczkowski صحيفةً أخرى اسمها "رؤيا إبراهيم" Apokalypse Abrahams اكتشفت نحو سنة 100 بعد الميلاد، وتتكون من نحو 32 فصلاً. تهاجم الفصول (1 - 8) عبادةَ الأوثان والأصنام، وتذكر الفصول (9 - 32) رؤيا أو كشفاً مستقبلياً وقع لإبراهيم عليه السلام.
إضافة لما تقدم ذكرَ البروفيسور Johann Maier أستاذ الدراسات اليهودية بكلية اللاهوت بجامعة كولونيا بألمانيا في موسوعته عن اليهودية نقلاً عما هو مسطور في تلك الصحف أن حاكم العالم في ذلك الوقت واسمه نمرود Nimrod أراد إحراق إبراهيم بإلقاءه في النار لكن تلك المحاولة فشلت [أخبرنا القرآن عما حدث بدقة وهو إلقاء إبراهيم في النار فعلاً لكن الله سبحانه جعلها برداً وسلاماً عليه].
من خلال ما كتبه علماء الأديان في الغرب - ذكرت منهم عالمَيْنِ معتبَريْنِ - ندرك مدى قرب النتائج التي توصل إليها البحثُ العلمي من الحقائق التي ذكرها القرآن كصحف إبراهيم وإلقاءه في النار والكشف الكوني وغير ذلك من الأمور التي غفل عن ذكرها الكتاب المقدس وأشار إليها - مخلِّداً ذكراها - القرآن الكريم.
(3) القرآن الكريم وتعاليم الصحف الأولى
ولئن أغفل التاريخُ الكنسي الإشارة إلى صحف إبراهيم، وإذ لا تعترف الكنيسة بصحف إبراهيم - لأن اعتراف الكنيسة بها يسحب البساط من تحت أقدامها فتهوي - فإن القرآن الكريم لم يحرمنا من معرفة بعض تعاليم تلك الصحف، فسجل لنا منها ما يلي باللسان العربي المبين:
(أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى: أَلاَّ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى. وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى. وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى. ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاء الأَوْفَى. وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنتَهَى. وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى. وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا. وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى. مِن نُّطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى. وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الأُخْرَى. وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى. وَأَنَّهُ هُوَ رَبُّ الشِّعْرَى. وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الأُولَى. وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى. وَقَوْمَ نُوحٍ مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى. وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى. فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى) (النجم : 36 - 54)
تعليق