زواج الرسول ﷺ زينب بنت جحش ..للشيخ رفاعي سرور

تقليص

عن الكاتب

تقليص

khaled harby مسلم اكتشف المزيد حول khaled harby
X
تقليص
يُشاهد هذا الموضوع الآن: 0 (0 أعضاء و 0 زوار)
 
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة
  • khaled harby
    1- عضو جديد

    • 14 أغس, 2006
    • 30
    • مسلم

    زواج الرسول ﷺ زينب بنت جحش ..للشيخ رفاعي سرور

    زواج الرسول زينب بنت جحش

    الشيخ رفاعي سرور

    زواج رسول الله ﷺ زينب له عدة أبعاد:
    البعد الشرعي:

    الأحكام الشرعية نوعان:
    - نوع لا اعتبار فيه للشك مثل الطهارة؛ فإذا عرض الشك على الطهارة لا يؤثر فيها؛ بل إن الشرع ينزع الشك فيها ليبقى حكم الطهارة قائمًا مثل حكم رش الماء على الثياب في حال عدم تعيين موضع النجاسة..
    - ونوع لا يقوم إلا على الاطمئنان، ويكون الشك فيه مؤثرًا في الحكم.
    ومن الأحكام التي يكون الاطمئنان فيها هو الأصل أحكام «الطعام، والزواج، والأنساب».
    ووفقا لهذا التنوع في الأحكام تنوعت الشريعة في كيفية الإثبات الشرعي لكل نوع، فإذا كان الحكم من النوع الأول كان التطبيق قائمًا علي النهي عن التقصي مثل طهارة الماء وحادثة عمر المشهورة: «لا تحدثه يا صاحب الماء».
    أما إن كان من النوع الثاني كان قائمًا علي اعتبار أثر الشك وضرورة اليقين، ومن أمثلة أحكام الزواج والأنساب التي تستوجب الاطمئنان الكامل حديث عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ:
    أَنَّهُ تَزَوَّجَ ابْنَةً لأَبِى إِهَابِ بْنِ عَزِيزٍ، فَأَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: إِنِّى قَدْ أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِى تَزَوَّجَ بِهَا. فَقَالَ لَهَا عُقْبَةُ: مَا أَعْلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِى وَلاَ أَخْبَرْتِنِى. فَرَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالْمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «كَيْفَ وَقَدْ قِيلَ» فَفَارَقَهَا عُقْبَةُ، وَنَكَحَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ([1]).
    وأعلى درجات الاطمئنان هو الواقع باعتبار أن الاطمئنان هو اليقين، والواقع هو تمام اليقين، ومن هنا كان الفعل «الواقع» أقوى من «القول» في تحقيق الاطمئنان واليقين.
    والمثال المشهور للدليل علي الفرق بين القول والعمل في اليقين هو ما كان في فتح مكة ؛ حيث عاهد رسول الله ﷺ على الرجوع في هذا العام دون أن يحج المسلمون فأمرهم أن يتحللوا من الإحرام بالحلق: (فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قَضِيَّةِ الْكِتَابِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا، ثُمَّ احْلِقُوا»... فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِىَ مِنَ النَّاسِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِىَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ! اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ. فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ، حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ؛ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ. فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ، قَامُوا فَنَحَرُوا، وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا، حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا).
    ولذلك كان لتحقيق اليقين بالعمل في تطبيق الأحكام التي تقوم علي اليقين أمثلة كثيرة منها حديث اللديغ:
    عن أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: أَنَّ رَهْطًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ انْطَلَقُوا فِى سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، فَنَزَلُوا بِحَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ... فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَىِّ فَشَفَوْا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ؛ لاَ يَنْفَعُهُ شَىْءٌ.
    فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا بِكُمْ؛ لَعَلَّ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَىْءٌ يَنْفَعُ صَاحِبَكُمْ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ فَشَفَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ فَلاَ يَنْفَعُهُ شَىْءٌ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ شَىْءٌ يَشْفِى صَاحِبَنَا؟ يَعْنِى: رُقْيَةً.
    فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: إِنِّى لأَرْقِي، وَلَكِنِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَأَبَيْتُمْ أَنْ تُضَيِّفُونَا؛ مَا أَنَا بِرَاقٍ حَتَّى تَجْعَلُوا لِى جُعْلاً. فَجَعَلُوا لَهُ قَطِيعًا مِنَ الشَّاءِ، فَأَتَاهُ فَقَرَأَ عَلَيْهِ بِأُمِّ الْكِتَابِ وَيَتْفُلُ حَتَّى بَرِئَ كَأَنَّمَا أُنْشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَأَوْفَاهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِى صَالَحُوهُ عَلَيْهِ.
    فَقَالُوا: اقْتَسِمُوا، فَقَالَ الَّذِى رَقَى: لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِىَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ؛ فَنَسْتَأْمِرَهُ.
    فَغَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مِنْ أَيْنَ عَلِمْتُمْ أَنَّهَا رُقْيَةٌ! أَحْسَنْتُمْ، وَاضْرِبُوا لِى مَعَكُمْ بِسَهْمٍ»([2]).
    فالنبي ﷺ لم يكتفِ بمجرد القول بالجواز: «أَحْسَنْتُمْ»؛ ولكنه تحقيقًا للاطمئنان للحكم قال: «وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ بِسَهْمٍ».
    وزواج الرسول ﷺ من زينب كان مثالا جامعًا للأحكام التي تتطلب اليقين وتعالج بالعمل .
    البعد القدري:

    كان زيد من أبناء الملوك وعلم أهله أنه عند رسول الله فجاءوا ليأخذوه فخيره رسول الله بين أن يعود إلى أهله وحياة الملوك، أو أن يبقى معه؛ فاختار زيد رسول الله ﷺ فكافأه رسول الله ﷺ بأن قال: «أشهدكم أن زيدَ ابنُ محمد» كما كافأه بتزويجه من زينب وهي من أشراف القوم.
    وكانت عادة التبني ظاهرةً متأصلة في الواقع.
    والتبني من قضايا الأنساب التي تتطلب اطمئنانًا ويقينًا في المعالجة، وكان رسول الله ﷺ زوَّج زينب زيدًا فجاء الأمر بالنهي عن التبني، وكان لا بد من معالجة النهي بصورة فعلية مثلما أكل رسول الله ﷺ من طعام الرقية ولم يكتف بمجرد الجواز القولي، وحيث حلق رسول الله ﷺ بالفعل في صلح الحديبية ولم يكتف بالأمر بالتحلل من الإحرام..
    فكان أمر الله لرسوله ﷺ بزواج زينب بعد طلاقها من زيد؛ ليصبح هذا الزواج أساسًا في اقتلاع عادة التبني؛ وليكون هذا الزواج دليلًا عمليًّا على النهي عن التبني.
    لذلك كان زواج رسول الله ﷺ أمرًا قدريًّا ليس كأي زواج، بدليل التعقيب القرآني على هذا الزواج بقول الله: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا [الأحزاب: 38].
    ولذلك قال تعالى: ﴿لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ حيث جاء في تفسير الآية: أي إنما أبحنا لك تزويجها وفعلنا ذلك؛ لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء([3]).
    ومن هنا قال ابن كثير في زواج زينب: (ثم زاد ذلك بيانًا وتأكيدًا بوقوع تزويج رسول الله ﷺ بزينب بنت جحش لما طلقها زيد بن حارثة؛ ولهذا قال في آية التحريم: ﴿وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُم﴾ [النساء: 23] ليحترز من الابن الدَّعِي؛ فإن ذلك كان كثيرًا فيهم. وقوله: ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولا﴾ أي: وكان هذا الأمر الذي وقع قد قدره الله تعالى وحَتَّمه، وهو كائن لا محالة.
    كانت زينب في علم الله ستصير من أزواج النبي ﷺ... ﴿وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا﴾ أي: وكان أمره الذي يقدِّره كائنًا لا محالة، وواقعًا لا محيد عنه ولا معدل، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن)([4]).
    فأصبحت زينب زوجًا لرسول الله ﷺ بمجرد نزول الآيات.
    ولأجل قدرية الزواج وأنه قضاء من الله.. لم يكن فيه ولي وشهود وعقد ومهر وغير ذلك؛ لأن كل هذه الشروط لازمة لصحة الزواج في شرع الله، أما زواج زينب فكان بقدر الله الذي له الخلق والأمر.
    ولأجل قدرية الزواج وأنه قضاء من الله لم تستأمر زينب أحدًا من الناس في أمر زاجها ولكنها استأمرت ربها:
    عن أنس قال: لما انقضت عدة زينب قال رسول الله ﷺ لزيد: «اذكرها عليَّ» قال زيد: فانطلقت، فقلت: يا زينب، أبشري؛ أرسلني إليك رسول الله ﷺ يذكرك، فقالت: ما أنا بصانعة شيئًا حتى أستأمر ربي.
    فقامت إلى مسجدها ونزل القرآن وجاء رسول الله ﷺ فدخل بغير أمر([5]).
    وقوله (وَنَزَلَ الْقُرْآن) عَنِي قَوْله تَعَالَى: ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْد مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكهَا﴾ (بِغَيْرِ أَمْرٍ) لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى زَوَّجَهُ إِيَّاهَا بِهَذِهِ الْآيَة.
    ولذلك كانت زينب تتباهى بهذا الزواج فتقول للنساء: لقد زوجكن أهلكن، وزوجني ربي من فوق سبع سموات.
    فكان الأمر قدرًا محكمًا ابتداءً من تزويج رسول الله زينب لزيد..
    ليكون ذلك في علم الله تمهيدا لما سيكون من زواج الرسول من زينب لإبطال التبني..
    وليكون هذا الزواج مثالًا للإحكام في ترتيب الأحداث التي تحقق في النهاية قدر الله ومراده سبحانه؛ مما يعين علي فهم التعقيب القرآني علي زواج زينب بقوله سبحانه: ﴿وكان أمر الله قدرا مقدورا﴾.
    وهنا نستطرد في تفسير الإحكام في قدر الله بذكر أمثلة توضحه باعتبار أن هذا المعني هو أساس مسألة زواج رسول الله من زينب.
    المثال الأول:
    عن خزيمة بن ثابت الأنصاري أن النبي ﷺ ابتاع فرسًا من أعرابي، فاستتبعه النبي ﷺ ليقضيه ثمن فرسه، فأسرع النبي ﷺ وأبطأ الأعرابي، فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس، ولا يشعرون أن النبي ﷺ ابتاعه، حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه النبي ﷺ.
    فنادى الأعرابي النبي ﷺ فقال: إن كنت مبتاعًا هذا الفرس فابتَعْه، وإلا بعتُه، فقام النبي ﷺ حين سمع نداء الأعرابي، قال: «أوَليس قد ابتعته منك؟» قال الأعرابي: لا والله ما بعتك. فقال النبي ﷺ: «بل قد ابتعته منك».
    فطفق الناس يلوذون بالنبي ﷺ والأعرابي وهما يتراجعان، فطفق الأعرابي يقول: هَلُم شهيدًا يشهد أني بايعتك. فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك! إن النبي ﷺ لم يكن يقول إلا حقًّا.
    حتى جاء خزَيْمة، فاستمع لمراجعة النبي ﷺ ومراجعة الأعرابي يقول: هلم شهيدًا يشهد أني بايعتك.
    قال خزيمة: أنا أشهد أنك قد بايعته.
    فأقبل النبي ﷺ على خزيمة فقال: «بمَ تشهد؟»
    فقال: بتصديقك يا رسول الله.
    فجعل رسولُ الله ﷺ شهادة خُزَيمة بشهادة رجلين([6]).
    ثم يتوفى رسول الله ﷺ ويبدأ المسلمون جمع القرآن..
    يقول زيد بن ثابت: لَمَّا نَسَخْنَا الصُّحُفَ فِى الْمَصَاحِفِ فَقَدْتُ آيَةً مِنْ سُورَةِ الأَحْزَابِ، كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقْرَؤُهَا، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ إِلاَّ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِىِّ، الَّذِى جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَهَادَتَهُ شَهَادَةَ رَجُلَيْنِ ﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ﴾([7]).
    وجدير بالذكر أن هذه الآية هي من سورة الأحزاب التي ورد فيها زواج النبي ﷺ من زينب.
    فهكذا قدر الله مسألة الفرس ليجعل رسول الله ﷺ شهادةَ «ثابت» بشهادة رجلين؛ لتؤخذ الآية منه وحده لأنها لم توجد إلا معه وقد جعل الله شهادته بشهادة رجلين؛ حيث كانت الآيات في جمع القرآن تؤخذ بشهادة رجلين.
    مثال آخر:
    وهو الإشاعة التي أشيعت في غزوة أحد بوفاة رسول الله ﷺ؛ حيث نزل قول الله ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾ [آل عمران: 144] التي قرأها المسلمون بعد وفاة رسول الله ﷺ.
    فلما مات رسول الله ﷺ أهجر عمر وقال: ما مات رسول الله، فلما حضر أبو بكر خطب الناس ثم قرأ الآية... وكأنها نازلة عليهم وقتئذ.
    وهكذا قدر الله الإشاعة لينزل النص في حياة النبي ﷺ ثم يموت فيقرأه الناس فتطمئن قلوبهم به.
    وكان زواج زينب أول دلائل هذا المعنى وفيه نزلت الآية ﴿وكان أمر الله قدرا مقدورا﴾.
    البعد النفسي:
    ولكن قدرية زواج رسول الله ﷺ من زينب لم يغب معها الأسس الشرعية للزواج ..
    ولم يكن البعد الشرعي والقدري سببًا في غياب البعد النفسي والإنساني؛ حيث تمثل هذا البعد في عدة آثار:
    الأثر الأول:
    أن الأمر بتطليق زينب لم يكن إلا بعد انقضاء أيِّ رغبة من زيد فيها
    كما قال الله تعالى: ﴿فلما قضي زيد منها وطرا زوجناكها﴾..
    بل إن الأمر بلغ حد شكوى زيد إلى رسول الله ﷺ من زينب:
    وكان رسول الله ﷺ قد زَوّجه بابنة عمته زينب بنت جحش الأسدية... فمكثت عنده قريبًا من سنة أو فوقها، ثم وقع بينهما، فجاء زيد يشكوها إلى رسول الله ﷺ.
    فجعل رسول الله يقول له: ﴿أمسك عليك زوجك واتق الله﴾ قال الله تعالى: ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾([8]).
    ولم يكن هذا البعد النفسي في حالة زينب فقط ولكنه كان قاعدة في كل الحالات التي تماثل هذه الحالة؛ ولذلك قال تعالى: ﴿لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا﴾ ولذلك جاء في تفسير الآية: أي إنما أبحنا لك تزويجها وفعلنا ذلك؛ لئلا يبقى حرج على المؤمنين في تزويج مطلقات الأدعياء([9]).
    مما يدل على أن زواج مطلقات الأدعياء لم يكن خاصًّا برسول الله ﷺ بل هو جائزٌ لكل المؤمنين.
    ولا يُفهم من ذلك أن المقصود هو إصدار حكم مُطلَق بمفارقة الأدعياء لزوجاتهن؛ بل يكون ذلك في حال الضرورة الداعية إلى هذا التفريق.
    فإذا كانت الكراهية الداعية للتفريق قد حدثت يبقى رغبة المتبني الحقيقية في الزواج من مطلقة دعيِّه..
    وهو شرط يدل على دقة وإنسانية الأحكام الشرعية...
    وهذا بصفة عامة بين المؤمنين.. أما بالنسبة لرسول الله ﷺ فقد كان زواجه من زينب هو في ذاته أساسَ الحكم بإبطال التبني في الأمة؛ لذا كان لا بد أن يتزوج الرسول ﷺ من زينب.
    الأثر الثاني: إكبار زيد لزينب بعد أن خطبها رسول الله ﷺ

    عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ... قَالَ: لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ لِزَيْدٍ: «فَاذْكُرْهَا عَلَىَّ» قَالَ: فَانْطَلَقَ زَيْدٌ حَتَّى أَتَاهَا وَهْىَ تُخَمِّرُ عَجِينَهَا، قَال: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرَهَا، فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِى، وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِى...([10]).
    ***
    وتبقى مسائل:
    1- كيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لا بد منه؟
    2- ماذا كان يخفي النبي في نفسه؟
    3- ما المراد بقوله تعالى: ﴿وتخشى الناس﴾؟
    4- لماذا طلب رسول الله من زيد أن يخطب عليه زينب؟


    1- كيف يأمره بالتمسك بها وقد علم أن الفراق لا بد منه؟
    أمره رسول الله ﷺ بالتمسك بها على جهة الأدب والوصية قائلًا: اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك، وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوَّجها.
    كما أنه أراد أن يطمئن إلى أن زيد لا يرغب في الإبقاء على زينب، فأبدى له زيد من النفرة عنها والكراهة فيها ما لم يكن علمه منه في أمرها.
    2- ماذا كان يخفي النبي في نفسه؟
    وقد ذكر أصحاب الشبهة أن النبي ﷺ كان يخفي حب زينب وتعلقه به، واعتمدوا في ذلك على قوله تعالى: ﴿وتخفي في نفسك ما الله مبديه﴾ وأحبوا أن يؤكدوا ذلك بقوله: ﴿وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾.
    والرد عليهم فيما يلي:
    أولا:
    قَالَتْ عائشة رضي الله عنها: وَلَوْ كَانَ مُحَمَّدٌ ﷺ كَاتِمًا شَيْئًا مِمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ لَكَتَمَ هَذِهِ الآيَةَ ﴿وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِى فِى نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ﴾([11]).
    ثانيا:
    قال علي بن الحسين: قال له رسول الله ﷺ على جهة الأدب والوصية: (اتق الله في قولك وأمسك عليك زوجك) وهو يعلم أنه سيفارقها ويتزوجها، وهذا هو الذي أخفى في نفسه.
    3- ما المراد بقوله تعالى: ﴿وتخشى الناس﴾؟
    وأخفى ذلك في نفسه خشية أن يفتتن الناس بإرجاف المنافقين: بأنه نهى عن تزويج نساء الأبناء وتزوج بزوجة ابنه.
    فأما ما روي أن النبي ﷺ جاء بيت زيد بن حارثة فاستأذن، فأذنت له زينب ولا خمار عليها، فألقت كم درعها عن رأسها، فسألها عن زيد، فقالت: ذهب قريباً يا رسول الله! قالت: فقام رسول الله ﷺ وله همهمة، قالت: فاتبعته فسمعته يقول: (تبارك مصرف القلوب!!!) فما زال يقولها حتى تغيب!!!.
    فهو حديث باطل سندًا ومتنًا كما ذكر أهل الحديث ([12])
    فهذا إنما يصدر عن جاهل بطهارة صحابيات النبي ﷺ وعفتهن، فضلا عن عصمة النبي ﷺ عن مثل هذا.
    4- لماذا طلب رسول الله من زيد أن يخطب عليه زينب؟

    وكان ذلك لإثبات طبيعة العلاقة بين الرسول ﷺ وزيد، وذلك في قوله: «يا زيد، ما أحد أوثق في نفسي ولا آمن عندي منك؛ فاذكرها عليَّ».
    لتتبين حقيقة ما عليه زيد من الاطمئنان تجاه هذا الأمر؛ حتى بلغ هذا الاطمئنان قول زيد: فَلَمَّا رَأَيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْرِي حَتَّى مَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهَا؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ذَكَرَهَا، فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي، وَنَكَصْتُ عَلَى عَقِبِى...([13]).
    ثم ختم الله هذا المقطع بالتنبيه على أن زواج رسول الله ﷺ موافق لسنة الله في جميع رسله: (أراد سنة الله في الأنبياء الماضين: أن لا يؤاخذكم بما أحل لكم، وقيل: الإشارة بالسنة النكاح فإنه من سنة الأنبياء عليهم السلام)([14]).
    فالسنة (تتعلق بالرسل لأنه لا حرج عليهم فيما فرض الله تعالى لهم... والمفروض هنا: مباح مقدر محدود، مثل إباحة زوجة المتبنى بعد أن قضى منها وطرًا وطلقها، لا بأن تؤخذ منه بغير اختياره...
    وهنا المراد به سنته في رسله: أنه أباح لهم الأزواج وغيرها كما قال: ﴿ولقد أرسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية [الرعد: 38] وأنه لا حرج عليهم في ذلك.
    فلم يكن محمد ﷺ بِدعًا من الرسل)([15]).



    ([1]) صحيح البخاري (1/167) حديث (88).

    ([2]) سنن أبي داود (3420).

    ([3]) تفسير ابن كثير (6/426).

    ([4])ابن كثير (6/426).

    ([5]) سنن النسائي (6/387).

    ([6]) تفسير ابن كثير (1/726) وحديث خُزَيمة بن ثابت الأنصاري قد رواه الإمام أحمد.

    ([7]) صحيح البخارى (16/25)

    ([8]) تفسير ابن كثير (6/424).

    ([9]) تفسير ابن كثير (6/426).

    ([10]) مسلم (3575)

    ([11])صحيح مسلم (2/48).

    ([12]) قال الحافظ ابن كثير في تفسير قوله تعالى : ﴿وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ﴾ ذكر ابن أبي حاتم والطبري ها هنا آثاراً عن بعض السلف رضي الله عنهم أحببنا أن نضرب عنها صفحاً لعدم صحتها فلا نوردها . يريد بذلك أمثال : «فوقعت في قلبه» و «سبحان مقلب القلوب»، فهذه كلها آثار لم تثبت صحتها. وهذا ما ذهب إليه المحققون من المفسرين كالزهري والقاضي بكر بن العلاء القشيري والقاضي أبي بكر بن العربي والقاضي عياض في الشفاء.
    وراجع تخريج الألباني للسلسلة الضعيفة والموضوعة حديث (3390).

    ([13]) مسلم (3575).

    ([14]) العلامة بدر الدين العيني، عمدة القاري شرح صحيح البخاري، (19/117).

    ([15]) رسالة في لفظ السنة في القرآن، شيخ الإسلام ابن تيمية.
  • زهـرة اللوتـس
    10- عضو متميز
    حارس من حراس العقيدة
    • 25 أغس, 2009
    • 1787
    • شاعرة
    • مسلمة

    #2
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

    بسم الله الرحمن الرحيم

    تناول طيب يستحق الرفع للفائدة

    جزاك الله خيرًا
    ثقتي في الله تمنحني الحياة
    أهدروا دموعي على بساط تراب الوطن
    فقلت نذرت بكائي حتى تصبح شمس الوطن
    سفكوا دمي وقالوا عاشقة تحب الوطن
    فقلت خذوا الدماء واروا بها صحاري الوطن
    قالوا الوطن بلا تراب وأنت لم يكن لكِ وطن
    فقلت جسدي من التراب .. وترابه من هذا الوطن
    فمن ترابي ابنوا الوطن
    حتى أعود لقلب الوطن
    بجد ... بحبك يا وطن

    تعليق

    مواضيع ذات صلة

    تقليص

    المواضيع إحصائيات آخر مشاركة
    ابتدأ بواسطة أحمد هاني مسعد, منذ 2 يوم
    ردود 0
    18 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة أحمد هاني مسعد
    ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, منذ 3 أسابيع
    ردود 0
    15 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة أحمد الشامي1
    بواسطة أحمد الشامي1
    ابتدأ بواسطة *اسلامي عزي*, منذ 4 أسابيع
    رد 1
    12 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة *اسلامي عزي*
    بواسطة *اسلامي عزي*
    ابتدأ بواسطة محمد,,, 3 أكت, 2024, 04:46 م
    رد 1
    36 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة الراجى رضا الله
    ابتدأ بواسطة أحمد الشامي1, 29 سبت, 2024, 08:36 م
    ردود 0
    383 مشاهدات
    0 معجبون
    آخر مشاركة أحمد الشامي1
    بواسطة أحمد الشامي1
    يعمل...