يسوع على أعواد الصليب (1)
ربى وإلهى ، مخلصى وفادىّ :
قرأ القسيس على سمعى من آياتك العجائب ما اطمأن به قلبى ، واقشعر له بدنى ، إنه أب الاعتراف الذى يدخلنى الحياة الأبدية إذا شاء ، أو يلقِى بى - غير مأسوف علىّ - فى بحيرة النار والكبريت إذا أراد . لقد أقمته يا سيدى حارسا على كلمتك وإنجيلك .
يقول بولس : " هو أعطى البعض أن يكونوا رسلا ، والبعض أنبياء ، والبعض مبشرين والبعض رعاة ومعلمين ، لأجل تكميل القديسين لعمل الخدمة ، لبنيان جسد المسيح " أف 4/11 – 12 .
وبنفس القدر توجستُ منها الريبة فى نفسى ، وتوقف عندها عقلى .
قال متى لا فض فوه : " ومن الساعة السادسة كانت ظلمة على كل الأرض إلى الساعة التاسعة " مت 27/45 .
وقال لوقا : " وكان نحو الساعة السادسة فكانت ظلمة على الأرض كلها إلى الساعة التاسعة ، وأظلمت الشمس " لو 23/ 44-45 .
يقول مفسرو إنجيلك : " حدث كسوف كلى للشمس جاء على خلاف الطبيعة كعمل إلهى لأن الكسوف لا يحدث والقمر بدر فى تمامه ، ففى مثل ذلك الوقت ( 14 نيسان ) يدور القمر فى مدار مبتعدا عن مدار دوران الأرض حول الشمس ، فلا يحدث الكسوف أبدا ، لكن هنا تغير مدار الأرض مؤقتا فتم الكسوف ثم عاد كل شىء لحاله " (1) .
هل حقا ربى وإلهى قذفتَ بالأرض بعيدا فى غير مدارها ، حيث توارت خلف القمر ، فحجب عنها ضوء أمها الشمس ، حتى أظلمت الأرض كلها فى كسوف كلى ؟ ؟
يقول الفلكيون :
* " إن كسوف الشمس ( الكلى ) لا يراه كل الذين تظهر عندهم الشمس ، لأن القمر لا يمكنه أن يغطى كل وجه الأرض بسبب حجمه " (2) ، و " إن قطر بقعة ظل القمر على الأرض لا يصل فى أحسن الأحوال لأكثر من 270 كم " (3) .
فكيف يقول الإنجيليون بإلهام من الروح : " كانت ظلمة على كل الأرض " ، " فكانت ظلمة على الأرض كلها " ؟
بربك ، هل نفختَ القمر حتى صار أضعافا مضاعفة ، كما ينفخ الصغير البالونة ؟ حتى يتمكن من تغطية كل وجه الأرض .
لقد " تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" 2 بط 1/ 21 .
فهل أخطأ الروح ؟ أم تقَوّلوا عليه ؟ إن الكذب صناعة نصرانية " فإنه إن كان صدق الله قد ازداد بكذبى لمجده ، فلماذا أدان أنا بعد كخاطىء ؟ " رو 3/7
بل نسبوا لك الحظ الأوفر من الخطأ ، لأنك أنت معطى الناموس ، ورب الشريعة والكتاب .
· كما يقول الفلكيون : " بما أن سرعة حركة ظل القمر على الأرض تبلغ قرابة 2100 كم /ساعة ( 35 كم / دقيقة ) بالتالى فإن المسافة 270 كم ( عاليه ) تُقطع خلال مدة تقارب السبع دقائق ، لهذا لا تدوم مدة الكسوف الكلى أكثر من هذه المدة أبدا "(4) .
عجبا ربى وإلهى ، كيف يقول الإنجيليون إن الظلمة استغرقت ثلاث ساعات كاملة ؟ 180 دقيقة ، 25 ضِعفا لأقصى مدة مقررة علميا ؟
إن الكسوف يحدث حين تكون الشمس والقمر والأرض على خط مستقيم يتوسطها القمر ، فهل بقى الثلاثة بلا حراك على هذا الوضع ثلاث ساعات كاملة ؟ هل أمسكتها عن دورانها ؟ هل أوقفت جريانها ؟ أجبنى يا إلهى .
ألا ترى أن العلم يدحض تماما صدق هذه الواقعة ؟ ربى ماذا أقـول للمعترضين ؟ ألا تجيبنى ؟ ؟
إن مجرتنا يبلغ عرضها مائة ألف سنة ضوئية ، ويبلغ سمكها عشرة آلاف سنة ضوئية .
هل حقا يمينك التى كانت تمسك ثدى الصبية الصغيرة وهى تُرضعك ، هى التى بسطت السماء ، " يمسك الثدى باليمين التى بسطت السماء " (5) ، وأبدعتْ آلاف المجرات ، وهى هى اليد التى أطاحت بالأرض فى غير مدارها وأنت على أعواد الصليب ؟ إنهم يقولون : " فكان الرب يسمّر ، وفى نفس الوقت يحفظ البشرية والخليقة كلها ويسوسها " (6) .
ما أعظم وأقدس هذه اليد التى كانت تمسك الثدى ، وبسطت السماء ، وأبدعت المجرات ، بل ما أعظم أصابعـها ، بل حتى أظفـارها !!!
وماذا عن رِجْلك التى كانت تداعب حِجْرَ الصبية بنت الإثنى عشر عاما ؟ هل هى هى التى يقول عنها الكتاب : " ورأوا إله إسرائيل وتحت رِجليه شبه صنعة من العقيق الأزرق الشفاف ، وكذات السماء فى النقاوة " ؟ خر 24/ 10 ، وينهى عن الحلف " بالأرض لأنها موطىء قدميـه " مت 5/35 .
وماذا أقول عن أعضائك كلها ، عضوا عضوا ، سواء ما ظهر منها ، أوما خفى وبَطنَ ، تحت الثياب والقماط ؟ ؟ .
إن القمر تابع للأرض ربى وإلهى ، يدور حولها ، ابنها الذى انفصل عنها ، إنه لا يبرح أمه الأرض ، لو تغير مدار الأرض ، لتبعه تغير مدار القمر أيضا ، إنه يدور حول الأرض فى مدار بيضاوى ، مرة كل 5, 29 يوما .
كان على الأرض أن تستمر فى مدارها ، كان من اليسير أن تغير بيدك القدوسة وضع القمر ، لصغره وسهولة نقله ، بدلا من تغيير مدار الأرض .
لقد حمّـلك القساوسـة فى تفسيراتهم عنتا وعناء شديدا .
بقى شىء واحد شفيعى ورجائى : يقولون : " حدث كسوف كلى للشمس جاء على خلاف الطبيعة كعمل إلهى " ، ويقولون فى نفس الصفحة : " عبرت الطبيعة عن استنكارها لإهانة خالقها ، فألقت ستارا من الظلمة على ذلك المنظر " (7) .
هل كانت الظلمة عملا إلهيا شاركتَ فيه مع رفيقيك فى الأقنومية ؟ بإرادة مطلقة من الثالوث الأقدس ؟
أم أنها نتيجة إرادة الطبيعة الجاهلة الصماء فى التعبير عن سخطها وغضبها ، لما يلاقيه خالقها من الذلة والهوان والعذاب ؟
ماذا لو علمت الطبيعة أن الرب مات موتا كفاريا عن خطيئة آدم وعن خطايا البشر ؟ " ليبطل الخطية بذبيحة نفسه " عب 9/26 . و " لكى يبيد بالموت ذاك الذى له سلطان الموت ، أى إبليس " عب 2/14 ، ولكى يصالحنا " مع الله بالصليب قاتلا العداوة " أف 2/16 ، وجعل " الذى بلا خطيةٍ خطيةً من أجلنا ، لنصير بر الله فيه " 2 كو 5/21 ، وأنه " أسلم نفسه لأجلنا قربانا وذبيحة لله ، رائحة طيبة " أف 5/1 ، وأنه " حمل هو نفسه خطايانا فى جسده على الخشبة ، لكى نموت عن الخطايا فنحيا للبر ، الذى بجَلدته شفيتم " 1 بط 2/24 .
وبموته " وجبت دينونة إبليس الذى سقط نهائيا أمام الرب على الصليب ، ونزع عنه كل سلطانه على البشر ... وانحلت قوة الشيطان بالنسبة للبشر ، ولم يعد له سلطان عليهم ، لا فى إسقاطهم فى الخطية ، ولا فى تصيد نفوسهم بعد الموت ، ولا فى سكنى أجسادهم ... " (8)
إذن لأشرقت الأرض بنور ربها ، بدلا من الظلْمة الحالكة ، ودامت الشمس كما فىأيام يوشع ، وغردت البلابل ، وأزهرت الرياض ، وتعطر النسيم ، واحتفلت الطبيعة بكل مظاهرها ، وأقام جند الله العلى فرحـا على روح الميت .
يقول أب اعترافى : إن البشرية لن تستوعب ذلك يا ربى وإلهى ، إلا عندما تكشفه لنا مع سر التثليث العجيب ، فى الحياة الأبدية .
هل هذا حـق ؟ ؟ ؟ أجبنـى أيها الراعـى الصـالح .
المراجع :
1- تفسير الأناجيل الأربعة معا – د. شماس حمدى صادق صـ 280 .
2- www.ajdabiya.com/naj2.htm
3- كسوف الشمس –ويكيبيديا،الموسوعة الحرة .
4- كسوف الشمس –ويكيبيديا،الموسوعة الحرة .
5- الإبن تجسد من أجلى – تادرس يعقوب ملطى –نقلا عن القديس مار يعقوب .
6- تفسير الأناجيل الأربعة معا – د. شماس حمدى صادق صـ 276 .
7- تفسير الأناجيل الأربعة معا – د. شماس حمدى صادق صـ 280 .
8- تفسير الأناجيل الأربعة معا – د. شماس حمدى صادق صـ 282 .
تعليق