الدعاء وموانع الإجابة
الدعاء :
هو العبادة وهو من أسمى العبادات التي يتقرب بها العبد إلى خالقه ومولاه قال ربنا عز وجل: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) كما قال تعالى: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) وقال صلي الله عليه وسلم: " من لم يسأل الله يغضب عليه " أخرجه الترمذي وبن ماجه وحسنه العلامة الألباني
ولله در من قال :
لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تغلق
فبني آدم يغضب إن سألته والله يغضب إن تركت سؤاله
وكما أن المصلى يثاب على صلاته والصائم يثاب على صيامه والمتصدق يثاب على صدقته فان الداعي يثاب على دعائه كلما رفع يديه متذللا إلى خالقه ومولاه سواء أجيبت دعوته أم تأخرت الإجابة وقال عليه الصلاة والسلام: " الدعاء هو العبادة " رواه الترمذي وحسنه الالبانى وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي المتفق عليه: " أنا عند ظن عبدي ما دام ظن عبدي بي خيرا وأنا معه إذا دعاني " ومما يؤكد أن الدعاء عباده قول ربنا عز وجل على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ( وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا ) وما تدعون أي وما تعبدون وقول ربنا عز وجل على لسان فتية أهل الكهف: ( رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) أي لن نعبد إلا الله ومما يؤكد عظيم فضل الدعاء قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو يعلى " الدعاء سلاح المؤمن " وقوله صلى الله عليه وسلم " ليس شئ أكرم على الله من الدعاء " رواه الترمذي وبن ماجه وبن حبان والحاكم وحسنه الالبانى وقوله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يستجاب له في الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء " رواه الحاكم وحسنه الالبانى ومما يبين عظيم فضل الدعاء قول النبي عليه الصلاة والسلام " لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر " رواه بن حبان والحاكم وصححه الالبانى فعلينا أن نتوجه إلى الله بالدعاء لان الدعوة تجاب بفضل الله تعالى ومما يؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود وصححه الالبانى " أن الله حيي كريم يستحى إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين " وروى الإمام احمد في مسنده بسند حسن أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " ما من مسلم ينصب وجهه لله تعالى ثم يسأله إلا أعطاها إياها وإما أن يدخرها له "ويجب علينا أن نكثر من الدعاء فكلما أكثر العبد من الدعاء زاد فضل الله عليه قال عليه الصلاة والسلام : " ما على وجه الأرض من مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدعو بإثم أو قطيعة رحم فقال رجل من القوم: إذا نكثر فقال عليه الصلاة والسلام: الله أكثر " حسنه الالبانى فدعوة العبد كما يتضح من هذه الأحاديث تكون على إحدى ثلاثة أشياء :
أولا: إما تعجل له في الدنيا ويعطيه الله ما سأل
ثانيا: تدخر له في الآخرة يجدها في موازين حسناته
ثالثا: يدفع عنه الله بها سوءا كان قد كتبه عليه والسوء أي ابتلاء وقال عليه الصلاة والسلام: " عليكم بالدعاء فانه ينفع مما نزل ومما لم ينزل " رواه الترمذي وحسنه الالبانى
والدعاء يرد القدر كما اخبر النبي عليه الصلاة والسلام وقد يختلط الأمر على البعض كيف يرد الدعاء القدر وقد كتب على الإنسان نقول نرد قدر الله بقدر الله لان الله قدر على العبد الابتلاء وقدر له انه إذا دعاه رفع عنه فيكون رد القضاء بالقضاء ورد الدعاء للقدر يكون على إحدى ثلاث
أولا: إما أن يكون الدعاء أقوى من القدر فيعتلجان أي يتصارعان فيرده .
ثانيا: إما أن يكون الدعاء مساويا للقدر في القوه فيعتلجان إلى يوم القيامة .
ثالثا: إما أن يكون القدر أقوى من الدعاء فينزل ولكن الدعاء يخففه وهذا كله من قدر الله وتقديره فلا يعجز احدنا عن دعاء خالقه ومولاه فمن لم يسأل الله يغضب عليه .
آداب الدعاء :
للدعاء جمله من الآداب إذا التزم بها العبد كان حريا أن يستجاب دعائه بفضل الله تعالى وهى جمله من الآداب ذكرها الإمام الشوكاني في تحفة الذاكرين نذكرها مختصره
1- تجنب الحرام سواء كان مأكل أو مشرب أو ملبس وذكر النبي عليه الصلاة والسلام الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يرفع يديه فلا يستجاب له لان ماله حرام وزاده حرام فأنى يستجاب والله طيب لا يقبل إلا طيب .
2- الإخلاص وهو إخلاص النية في الدعاء والصدق في الطلب لان الله تعالى قال فادعوا الله مخلصين له الدين .
3- التوسل إلى الله بالعمل الصالح الذي قدمه الإنسان ودليل ذلك حديث البخاري عن الثلاثة الذين دخلوا الغار فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح ففرج الله عنهم ومثال ذلك أن تقول اللهم إن كنت تعلم أن العمل الفلاني وتذكره كان خالصا لوجهك وتقبلته منى ففرج عنى ما أنا فيه .
4- الوضوء لأنه مفتاح كل خير .
5- الصلاة ومما يؤكد مشروعية صلاة الحاجة الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك أي أن يتوضأ العبد ويصلى ركعتين يسأل ربه فيهما ما شاء .
6- استقبال القبلة لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك .
7- رفع اليدين في الدعاء وهو مستحب في كل وقت إلا في جلسة الاستراحة في خطبة الجمعة لان هذه الاستراحة لراحة الإمام وليست للدعاء والله يستحى أن يرد يدا العبد خائبتين .
8- الثناء على الله تعالى بما يستحق من ثناء .
9- الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام .
10- التأدب والخشوع والتذلل إلى الله جل وعلا .
11- أن يسأل ربه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا كأن يقول :
اللهم أنى أسالك بأني أشهد أنك أنت الله لا اله إلا أنت الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد سمعها رسول الله من رجل فقال : " سل تعطى سألت الله باسمه الذي سئل به أعطى وإذا دعى به أجاب " رواه الترمذي وبن حبان أو أن يقول لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين دعوة ذي النون قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: " دعوة ذي النون وهو في بطن الحوت لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له " رواه الترمذي وزاد الحاكم قال رجل يا رسول الله هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامه فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام ألا تسمع قول الله ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ) .
12- الدعاء بالأدعية المأثورة التي جاءت في القرءان وعلى لسان الأنبياء والمرسلين مثل قول النبي عليه الصلاة والسلام : " اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك " .
13- خفض الصوت في الدعاء فإن الله ليس أصم ولا غائب لقوله عليه الصلاة والسلام : " أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائب " متفق عليه .
14- الإعتراف بالذنب لقوله صلى الله عليه وسلم : " ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي كلها " رواه مسلم وما كان له ذنب عليه الصلاة والسلام فما بالك بنا يا عبد الله .
15- أن يبدأ بالدعاء لنفسه مثل قول موسى عليه السلام ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) وقول نوح عليه السلام ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا )16- لا يخص نفسه بالدعاء إن كان إماما .
17- يسأل ربه بعزم ورغبه وجد واجتهاد لقوله عليه الصلاة والسلام : " إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت وارحمني إن شئت وليعزم مسألته انه يفعل ما يشاء ولا مكره له " رواه البخاري .
18- حضور القلب عند الدعاء وحسن الظن بالله في إجابة الدعاء .
19- الإلحاح في الدعاء لان الله يحب الملحين في الدعاء كما قال عليه الصلاة والسلام وكان رسول الله إذا دعا كرر ثلاثا .
20- لا يدعو بإثم أو قطيعة رحم لقوله عليه الصلاة والسلام " يستجاب للعبد ما لم يدعوا بإثم أو قطيعة رحم " أخرجه مسلم .
21- عدم الاعتداء في الدعاء مثال أن يدعوا بأمر قد فرغ منه كان تقول المرأة اللهم متعني بزوجي أو يطلب مستحيل كمن يطلب منزلة الأنبياء والمرسلين قال تعالى : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين ) ولا يحجر أي يضيق واسعا كأن يقول اللهم ارحمني وفلان ولا ترحم احد غيرنا لنهى رسول الله عليه الصلاة والسلام للأعرابي الذي بال في المسجد عن ذلك .
22- أن يسأل ربه حاجته كلها لان الله لن يعجز عن الإجابة .
23- أن يؤمن الداعي والمستمع .
24- ألا يستعجل بأن يقول دعوت فلم يستجاب لي لنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك كما في الصحيحين " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي "
25- التوسل بدعاء الصالحين وذلك بطلب الدعاء منهم ولكن التوسل بأهل القبور هو من الشرك الذي قد يخرج من الملة .
أوقات الإجابة :
أوقات الإجابة هي أوقات طيبه يستحب الدعاء فيها لفضلها الثابت من القرءان والسنة ما هي أوقات الإجابة جاء في تحفة الذاكرين للإمام الشوكاني ما مختصره
1- ليلة القدر لقوله صلى الله عليه وسلم : " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه الشيخان .
2- يوم عرفه لقوله صلى الله عليه والسلام : " خير الدعاء يوم عرفه " رواه الترمذي وحسنه .
3- شهر رمضان لقوله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حين يفطر والإمام العادل والمظلوم " أخرجه احمد والترمذي .
4- ليلة الجمعة ويوم الجمعة وساعة الجمعة لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه " رواه احمد والترمذي وحسنه العراقي .
5- جوف الليل أي الثلث الأخير من الليل والأحاديث الدالة على فضل ذلك الوقت كثيرة منها ما رواه الشيخان من قوله عليه الصلاة والسلام : " ينزل ربنا كل ليله إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له " .
6- عند سماع الأذان لقوله صلى الله عليه وسلم : " الدعاء عند سماع النداء لا يرد " رواه أبو داود .
7- عند نزول المطر لقوله صلى الله عليه وسلم : " الدعاء تحت المطر مستجاب " رواه أبو داود .
8- بين الأذان والإقامة لقوله صلى الله عليه وسلم : " الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد فقالوا ماذا نقول قال سلوا الله العافية " أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي .
9- عند الحرب التحام جيوش المجاهدين بالمشركين .
10- دبر الصلوات المكتوبة بعد الفراغ من الأذكار المشروعة .
11- في السجود لقوله صلى الله عليه وسلم : " اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء " رواه مسلم
12- عند قراءة القرءان وعند ختمه .
13- عند قول الإمام ولا الضالين لقوله عليه الصلاة والسلام : " إذا أمن الإمام فأمنوا فان من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه وهذا لا يكون إلا بالتأمين مع الإمام أي لا نسبقه ولا نتخلف عنه .
14- عند شرب ماء زمزم لقوله عليه الصلاة والسلام : " ماء زمزم لما شرب له " رواه الدار قطني والحاكم .
15- عند سماع صياح الديكه لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا سمعتم صياح الديكه فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا " متفق عليه .
16- عند حضور مجالس الذكر لأنها مجالس مشهودة مغفور لهم بإذن الله كقوله عليه الصلاة والسلام في خروج الحائض لمصلى العيد : " ليشهدن الخير ودعوة المسلمين " متفق عليه .
مجابوا الدعوة :
1- المضطر قال تعالى أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء .
2- المظلوم دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب متفق عليه.
3- الوالد على ولده .
4- الإمام العادل .
5- الصالحين والعباد .
6- الولد البار بابيه وأمه كما في الصحيحين .
7- المسافر والصائم .
8- دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب لقول الرسول صلي الله عليه وسلم : "ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك و لك مثله " رواه مسلم
موانع الإجابة :
هناك أمور تمنع إجابة الدعاء منها :
1- غفلة القلب فان الله لا يقبل الدعاء من غافل كما اخبر النبي عليه الصلاة والسلام .
2- استعجال الإجابة لقوله عليه الصلاة والسلام يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجاب لي .
3- المعاصي وذكر النبي عليه الصلاة والسلام الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ويدعو فلا يستجاب له .
4- أكل الحرام لان الله طيب لا يقبل إلا طيب .
5- ترك الأمر بالمعروف وهو من أعظم موانع الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من السماء ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " رواه الترمذي وحسنه
أسأل الله إن يتقبل منا ومنكم دعاءنا وأن يجعلني وإياكم من مجابى الدعوة وإن ينفعني وإياكم بما علمنا وان نكون من السعداء والمتقين ومن رفقاء النبي الأمين في الجنة انه ولى ذلك والقادر عليه
جمع وكتابة أفقر العباد إلى عفو ربه أبو أسامه المصري
ومراجعة وترتيب العبد الفقير إلي عفو ربه أبو فاطمة الزهراء
إهداء لكل مسلم ومسلمه واسمح بنشره ونقله لأي مكان يستفيد منه الإسلام والمسلمين
أبو أسامه المصري
الدعاء :
هو العبادة وهو من أسمى العبادات التي يتقرب بها العبد إلى خالقه ومولاه قال ربنا عز وجل: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) كما قال تعالى: ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) وقال صلي الله عليه وسلم: " من لم يسأل الله يغضب عليه " أخرجه الترمذي وبن ماجه وحسنه العلامة الألباني
ولله در من قال :
لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تغلق
فبني آدم يغضب إن سألته والله يغضب إن تركت سؤاله
وكما أن المصلى يثاب على صلاته والصائم يثاب على صيامه والمتصدق يثاب على صدقته فان الداعي يثاب على دعائه كلما رفع يديه متذللا إلى خالقه ومولاه سواء أجيبت دعوته أم تأخرت الإجابة وقال عليه الصلاة والسلام: " الدعاء هو العبادة " رواه الترمذي وحسنه الالبانى وقال عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي المتفق عليه: " أنا عند ظن عبدي ما دام ظن عبدي بي خيرا وأنا معه إذا دعاني " ومما يؤكد أن الدعاء عباده قول ربنا عز وجل على لسان إبراهيم عليه الصلاة والسلام: ( وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا ) وما تدعون أي وما تعبدون وقول ربنا عز وجل على لسان فتية أهل الكهف: ( رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَن نَّدْعُوَ مِن دُونِهِ إِلَهًا لَقَدْ قُلْنَا إِذًا شَطَطًا ) أي لن نعبد إلا الله ومما يؤكد عظيم فضل الدعاء قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو يعلى " الدعاء سلاح المؤمن " وقوله صلى الله عليه وسلم " ليس شئ أكرم على الله من الدعاء " رواه الترمذي وبن ماجه وبن حبان والحاكم وحسنه الالبانى وقوله صلى الله عليه وسلم: " من سره أن يستجاب له في الشدائد فليكثر من الدعاء في الرخاء " رواه الحاكم وحسنه الالبانى ومما يبين عظيم فضل الدعاء قول النبي عليه الصلاة والسلام " لا يرد القدر إلا الدعاء ولا يزيد في العمر إلا البر " رواه بن حبان والحاكم وصححه الالبانى فعلينا أن نتوجه إلى الله بالدعاء لان الدعوة تجاب بفضل الله تعالى ومما يؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود وصححه الالبانى " أن الله حيي كريم يستحى إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين " وروى الإمام احمد في مسنده بسند حسن أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: " ما من مسلم ينصب وجهه لله تعالى ثم يسأله إلا أعطاها إياها وإما أن يدخرها له "ويجب علينا أن نكثر من الدعاء فكلما أكثر العبد من الدعاء زاد فضل الله عليه قال عليه الصلاة والسلام : " ما على وجه الأرض من مسلم يدعو الله بدعوة إلا أتاه الله إياها أو صرف عنه من السوء مثلها ما لم يدعو بإثم أو قطيعة رحم فقال رجل من القوم: إذا نكثر فقال عليه الصلاة والسلام: الله أكثر " حسنه الالبانى فدعوة العبد كما يتضح من هذه الأحاديث تكون على إحدى ثلاثة أشياء :
أولا: إما تعجل له في الدنيا ويعطيه الله ما سأل
ثانيا: تدخر له في الآخرة يجدها في موازين حسناته
ثالثا: يدفع عنه الله بها سوءا كان قد كتبه عليه والسوء أي ابتلاء وقال عليه الصلاة والسلام: " عليكم بالدعاء فانه ينفع مما نزل ومما لم ينزل " رواه الترمذي وحسنه الالبانى
والدعاء يرد القدر كما اخبر النبي عليه الصلاة والسلام وقد يختلط الأمر على البعض كيف يرد الدعاء القدر وقد كتب على الإنسان نقول نرد قدر الله بقدر الله لان الله قدر على العبد الابتلاء وقدر له انه إذا دعاه رفع عنه فيكون رد القضاء بالقضاء ورد الدعاء للقدر يكون على إحدى ثلاث
أولا: إما أن يكون الدعاء أقوى من القدر فيعتلجان أي يتصارعان فيرده .
ثانيا: إما أن يكون الدعاء مساويا للقدر في القوه فيعتلجان إلى يوم القيامة .
ثالثا: إما أن يكون القدر أقوى من الدعاء فينزل ولكن الدعاء يخففه وهذا كله من قدر الله وتقديره فلا يعجز احدنا عن دعاء خالقه ومولاه فمن لم يسأل الله يغضب عليه .
آداب الدعاء :
للدعاء جمله من الآداب إذا التزم بها العبد كان حريا أن يستجاب دعائه بفضل الله تعالى وهى جمله من الآداب ذكرها الإمام الشوكاني في تحفة الذاكرين نذكرها مختصره
1- تجنب الحرام سواء كان مأكل أو مشرب أو ملبس وذكر النبي عليه الصلاة والسلام الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يرفع يديه فلا يستجاب له لان ماله حرام وزاده حرام فأنى يستجاب والله طيب لا يقبل إلا طيب .
2- الإخلاص وهو إخلاص النية في الدعاء والصدق في الطلب لان الله تعالى قال فادعوا الله مخلصين له الدين .
3- التوسل إلى الله بالعمل الصالح الذي قدمه الإنسان ودليل ذلك حديث البخاري عن الثلاثة الذين دخلوا الغار فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح ففرج الله عنهم ومثال ذلك أن تقول اللهم إن كنت تعلم أن العمل الفلاني وتذكره كان خالصا لوجهك وتقبلته منى ففرج عنى ما أنا فيه .
4- الوضوء لأنه مفتاح كل خير .
5- الصلاة ومما يؤكد مشروعية صلاة الحاجة الحديث الذي رواه الحاكم في المستدرك أي أن يتوضأ العبد ويصلى ركعتين يسأل ربه فيهما ما شاء .
6- استقبال القبلة لفعله صلى الله عليه وسلم ذلك .
7- رفع اليدين في الدعاء وهو مستحب في كل وقت إلا في جلسة الاستراحة في خطبة الجمعة لان هذه الاستراحة لراحة الإمام وليست للدعاء والله يستحى أن يرد يدا العبد خائبتين .
8- الثناء على الله تعالى بما يستحق من ثناء .
9- الصلاة على النبي عليه الصلاة والسلام .
10- التأدب والخشوع والتذلل إلى الله جل وعلا .
11- أن يسأل ربه بأسمائه الحسنى وصفاته العلا كأن يقول :
اللهم أنى أسالك بأني أشهد أنك أنت الله لا اله إلا أنت الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد سمعها رسول الله من رجل فقال : " سل تعطى سألت الله باسمه الذي سئل به أعطى وإذا دعى به أجاب " رواه الترمذي وبن حبان أو أن يقول لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين دعوة ذي النون قال رسول الله عليه الصلاة والسلام: " دعوة ذي النون وهو في بطن الحوت لم يدع بها رجل مسلم في شئ قط إلا استجاب الله له " رواه الترمذي وزاد الحاكم قال رجل يا رسول الله هل كانت ليونس خاصة أم للمؤمنين عامه فقال رسول الله عليه الصلاة والسلام ألا تسمع قول الله ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ) .
12- الدعاء بالأدعية المأثورة التي جاءت في القرءان وعلى لسان الأنبياء والمرسلين مثل قول النبي عليه الصلاة والسلام : " اللهم اكفني بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك " .
13- خفض الصوت في الدعاء فإن الله ليس أصم ولا غائب لقوله عليه الصلاة والسلام : " أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائب " متفق عليه .
14- الإعتراف بالذنب لقوله صلى الله عليه وسلم : " ظلمت نفسي واعترفت بذنبي فاغفر لي ذنوبي كلها " رواه مسلم وما كان له ذنب عليه الصلاة والسلام فما بالك بنا يا عبد الله .
15- أن يبدأ بالدعاء لنفسه مثل قول موسى عليه السلام ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ) وقول نوح عليه السلام ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا )16- لا يخص نفسه بالدعاء إن كان إماما .
17- يسأل ربه بعزم ورغبه وجد واجتهاد لقوله عليه الصلاة والسلام : " إذا دعا أحدكم فلا يقل اللهم اغفر لي إن شئت وارحمني إن شئت وليعزم مسألته انه يفعل ما يشاء ولا مكره له " رواه البخاري .
18- حضور القلب عند الدعاء وحسن الظن بالله في إجابة الدعاء .
19- الإلحاح في الدعاء لان الله يحب الملحين في الدعاء كما قال عليه الصلاة والسلام وكان رسول الله إذا دعا كرر ثلاثا .
20- لا يدعو بإثم أو قطيعة رحم لقوله عليه الصلاة والسلام " يستجاب للعبد ما لم يدعوا بإثم أو قطيعة رحم " أخرجه مسلم .
21- عدم الاعتداء في الدعاء مثال أن يدعوا بأمر قد فرغ منه كان تقول المرأة اللهم متعني بزوجي أو يطلب مستحيل كمن يطلب منزلة الأنبياء والمرسلين قال تعالى : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِين ) ولا يحجر أي يضيق واسعا كأن يقول اللهم ارحمني وفلان ولا ترحم احد غيرنا لنهى رسول الله عليه الصلاة والسلام للأعرابي الذي بال في المسجد عن ذلك .
22- أن يسأل ربه حاجته كلها لان الله لن يعجز عن الإجابة .
23- أن يؤمن الداعي والمستمع .
24- ألا يستعجل بأن يقول دعوت فلم يستجاب لي لنهى النبي عليه الصلاة والسلام عن ذلك كما في الصحيحين " يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجب لي "
25- التوسل بدعاء الصالحين وذلك بطلب الدعاء منهم ولكن التوسل بأهل القبور هو من الشرك الذي قد يخرج من الملة .
أوقات الإجابة :
أوقات الإجابة هي أوقات طيبه يستحب الدعاء فيها لفضلها الثابت من القرءان والسنة ما هي أوقات الإجابة جاء في تحفة الذاكرين للإمام الشوكاني ما مختصره
1- ليلة القدر لقوله صلى الله عليه وسلم : " من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه " رواه الشيخان .
2- يوم عرفه لقوله صلى الله عليه والسلام : " خير الدعاء يوم عرفه " رواه الترمذي وحسنه .
3- شهر رمضان لقوله صلى الله عليه وسلم: " ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حين يفطر والإمام العادل والمظلوم " أخرجه احمد والترمذي .
4- ليلة الجمعة ويوم الجمعة وساعة الجمعة لقوله صلى الله عليه وسلم : " إن في يوم الجمعة ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه " رواه احمد والترمذي وحسنه العراقي .
5- جوف الليل أي الثلث الأخير من الليل والأحاديث الدالة على فضل ذلك الوقت كثيرة منها ما رواه الشيخان من قوله عليه الصلاة والسلام : " ينزل ربنا كل ليله إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له ومن يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له " .
6- عند سماع الأذان لقوله صلى الله عليه وسلم : " الدعاء عند سماع النداء لا يرد " رواه أبو داود .
7- عند نزول المطر لقوله صلى الله عليه وسلم : " الدعاء تحت المطر مستجاب " رواه أبو داود .
8- بين الأذان والإقامة لقوله صلى الله عليه وسلم : " الدعاء بين الأذان والإقامة لا يرد فقالوا ماذا نقول قال سلوا الله العافية " أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي .
9- عند الحرب التحام جيوش المجاهدين بالمشركين .
10- دبر الصلوات المكتوبة بعد الفراغ من الأذكار المشروعة .
11- في السجود لقوله صلى الله عليه وسلم : " اقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء " رواه مسلم
12- عند قراءة القرءان وعند ختمه .
13- عند قول الإمام ولا الضالين لقوله عليه الصلاة والسلام : " إذا أمن الإمام فأمنوا فان من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " متفق عليه وهذا لا يكون إلا بالتأمين مع الإمام أي لا نسبقه ولا نتخلف عنه .
14- عند شرب ماء زمزم لقوله عليه الصلاة والسلام : " ماء زمزم لما شرب له " رواه الدار قطني والحاكم .
15- عند سماع صياح الديكه لقوله صلى الله عليه وسلم : " إذا سمعتم صياح الديكه فاسألوا الله من فضله فإنها رأت ملكا " متفق عليه .
16- عند حضور مجالس الذكر لأنها مجالس مشهودة مغفور لهم بإذن الله كقوله عليه الصلاة والسلام في خروج الحائض لمصلى العيد : " ليشهدن الخير ودعوة المسلمين " متفق عليه .
مجابوا الدعوة :
1- المضطر قال تعالى أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء .
2- المظلوم دعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب متفق عليه.
3- الوالد على ولده .
4- الإمام العادل .
5- الصالحين والعباد .
6- الولد البار بابيه وأمه كما في الصحيحين .
7- المسافر والصائم .
8- دعوة المسلم لأخيه بظهر الغيب لقول الرسول صلي الله عليه وسلم : "ما من مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب إلا قال الملك و لك مثله " رواه مسلم
موانع الإجابة :
هناك أمور تمنع إجابة الدعاء منها :
1- غفلة القلب فان الله لا يقبل الدعاء من غافل كما اخبر النبي عليه الصلاة والسلام .
2- استعجال الإجابة لقوله عليه الصلاة والسلام يستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يستجاب لي .
3- المعاصي وذكر النبي عليه الصلاة والسلام الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ويدعو فلا يستجاب له .
4- أكل الحرام لان الله طيب لا يقبل إلا طيب .
5- ترك الأمر بالمعروف وهو من أعظم موانع الإجابة لقوله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من السماء ثم تدعونه فلا يستجاب لكم " رواه الترمذي وحسنه
أسأل الله إن يتقبل منا ومنكم دعاءنا وأن يجعلني وإياكم من مجابى الدعوة وإن ينفعني وإياكم بما علمنا وان نكون من السعداء والمتقين ومن رفقاء النبي الأمين في الجنة انه ولى ذلك والقادر عليه
جمع وكتابة أفقر العباد إلى عفو ربه أبو أسامه المصري
ومراجعة وترتيب العبد الفقير إلي عفو ربه أبو فاطمة الزهراء
إهداء لكل مسلم ومسلمه واسمح بنشره ونقله لأي مكان يستفيد منه الإسلام والمسلمين
أبو أسامه المصري
تعليق