بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده. والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
فشل أعداء الإسلام على مدار 1430 سنة –عند كتابة هذا الكلام- في أن يزيغوا أبصار المسلمين عن ما فيه من حق. وحاول الملايين منهم من كل ملَّة أن يجدوا ولو ثغرة ينفذون منها، في محاولة منهم لإخراج المسلمين من دينهم أو تشكيكهم فيه. لكن هيهات أن يستطيع الإنس والجن مثل هذا ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً.
والقرآن الكريم مليء بالتحديات التي تعجز عقل الإنسان من كل جهة. والسبب في ذلك هو أن الإنسان السويّ عندما يوقن أن هذا الإعجاز لا يأتي بمثله إلا الخالق الحق، فلابد له من أن يسلم ويتَّبع كلام ربه.
ومع هذا، فإن من كتب الله عليهم الضلالة بأعمالهم، بعد أن علموا بالحق نكصوا على أعقابهم، وحاولوا آلاف المرات أن يضلّوا غيرهم عن سبيل الله. وحينما عجزوا عن إيجاد منطق سليم لإقناع غيرهم، بدأوا بإلقاء الإتهامات الباطلة على الإسلام ورسوله صلّى الله عليه وسلَّم، مستغلين في هذا –لا المنطق السليم أو الحقائق- بل جهل الناس بلغة العرب وتاريخ الأمم ممن سبقهم، بل وبأديانهم.
وفي هذا الموضع إن شاء الله، أجيب عن بعض تلك الشبهات الواهية ليعلم من أراد أن يعلم، وليقيم الله حجته على من علم وعصى من بعد علمه. ولأن أكثر محاولات هذه الشبهات تأتي عن طريق اليهود والمسيحيين، سأجيب عنها وأفندها إن شاء الله من كتبهم ومن كتب التاريخ، دون الرجوع إلى المصادر الإسلامية إلا عند إنعدام مصادر أخرى، ومع الإنتباه لألَّا تتعارض هذه المصادر مع معتقداتهم.
لماذا يبيح الإسلام أكثر من زوجة للرجل الواحد؟
السؤال في ذاته غير سليم. الإسلام لم يأتِ ليبيح تعدد الزوجات، بل هو جاء ليضع حداً أقصى لهذا التعدد. فمنذ قديم الأزل، نزلت التشريعات السماوية تبيح تعدد الزوجات بغير حد. فنعلم مثلاً من التاريخ، أنه عند بعث محمد صلّى الله عليه وسلّم، كانت الأمم كلها تعدد الزوجات. وكنا في كثير من الأحيان نجد للرجل الواحد عشرون زوجة ومئة ملك يمين وأكثر. كما ينبئنا العهد القديم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام كانت له زوجتان (وفي أحد مواضع الكتاب نجدهن ثلاثة). وسليمان كان له سبعمائة زوجة وثلاثمائة ملك يمين، و العشرات من الأمثلة الأخرى. وبالرجوع لكتب التاريخ والبحث في سِيَر الملوك والعامة يتأكد لنا هذا. ومن العهد القديم، نجد الأمثلة الكثيرة، أقتبس منها القليل:
...وَأَرْسَلَ دَاوُدُ وَتَكَلَّمَ مَعَ أَبِيجَايِلَ لِيَتَّخِذَهَا لَهُ امْرَأَةً. 40فَجَاءَ عَبِيدُ دَاوُدَ إِلَى أَبِيجَايِلَ إِلَى الْكَرْمَلِ وَكَلَّمُوهَا قَائِلِينَ: «إِنَّ دَاوُدَ قَدْ أَرْسَلَنَا إِلَيْكِ لِكَيْ يَتَّخِذَكِ لَهُ امْرَأَةً». 41فَقَامَتْ وَسَجَدَتْ عَلَى وَجْهِهَا إِلَى الأَرْضِ وَقَالَتْ: «هُوَذَا أَمَتُكَ جَارِيَةٌ لِغَسْلِ أَرْجُلِ عَبِيدِ سَيِّدِي». 42ثُمَّ بَادَرَتْ وَقَامَتْ أَبِيجَايِلُ وَرَكِبَتِ الْحِمَارَ مَعَ خَمْسِ فَتَيَاتٍ لَهَا ذَاهِبَاتٍ وَرَاءَهَا، وَسَارَتْ وَرَاءَ رُسُلِ دَاوُدَ وَصَارَتْ لَهُ امْرَأَةً. 43ثُمَّ أَخَذَ دَاوُدُ أَخِينُوعَمَ مِنْ يَزْرَعِيلَ فَكَانَتَا لَهُ كِلْتَاهُمَا امْرَأَتَيْنِ. (صاموئيل الأول 25)
13وَأَخَذَ دَاوُدُ أَيْضًا سَرَارِيَ وَنِسَاءً مِنْ أُورُشَلِيمَ بَعْدَ مَجِيئِهِ مِنْ حَبْرُونَ، فَوُلِدَ أَيْضًا لِدَاوُدَ بَنُونَ وَبَنَاتٌ. (صامؤيل الثاني 5)
وَكَانَتْ لَهُ (سليمان) سَبْعُ مِئَةٍ مِنَ النِّسَاءِ السَّيِّدَاتِ، وَثَلاَثُ مِئَةٍ مِنَ السَّرَارِيِّ (ملوك الأول 11:3)
21وَأَحَبَّ رَحُبْعَامُ مَعْكَةَ بِنْتَ أَبْشَالُومَ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ نِسَائِهِ وَسَرَارِيهِ، لأَنَّهُ اتَّخَذَ ثَمَانِيَ عَشَرَةَ امْرَأَةً وَسِتِّينَ سُرِّيَّةً، وَوَلَدَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ابْنًا وَسِتِّينَ ابْنَةً. (أخبار الأيام الثاني 11)
هناك العشرات من الأمثلة في العهدين القديم والجديد التي توضح أن تعدد الزوجات أمر مشروع في كل الديانات السماوية، وهو شيء لم يوجده الإسلام، بل نظمه بما يضمن حق المرأة.
في موضع آخر ذكرت الفروق بين المرأة في الإسلام والديانات الأخرى، مثبتاً بما لا يدع للشك مجالاً من الكتب المقدسة في الأديان الثلاثة أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يتعامل مع المرأة كإنسان كامل الحقوق والواجبات، بينما يتعامل معها العهدين القديم والجديد على أنها متاع يورَّث، وبدون أدنى حق. ولهذا لن أستفيض في هذه النقطة في هذا الموضع، لكن أكتفي بذكر الحقائق التالية.
كان الرجال قبل نزول الإسلام يتزوجون من أي عدد من النساء بلا قيد أو شرط. ونعلم من العهد القديم أن اليهودية تبيح للرجل إستخدام المرأة لمتعته، فإذا ما ملّ منها طلقها بغير شاهد ولا كتابة. وبالتالي كان الرجل يطلق زوجه في أي وقت –دون أي نفقات أو تبعات- فتعود لبيت أبيها. ثم إذا إشتهاها من جديد، أو إذا أراد عودتها لأي سبب كان، ما عليه إلا أن يذهب لبيت أبيها ليأخذها، مدعياً أنه لم يطلقها. ولا يوجد من يناقضه حيث أنه لا شهود ولا كتاب. ويمكن للرجل ترك المرأة معلقة ولا يراها أبداً، بينما يتزوج عليها العشرات من النساء الأخريات دون أي حق لها من إنفاق أو معاشرة أو حتى كلمة طيبة. فلما جاء موسى كل ما حدث أنه شرع أن من يطلق زوجُه فعليه أن يكتب لها ورقة.
ثم في العهد الجديد نجد أن الوضع لم يختلف كثيراً بالنسبة للمرأة. لكن المطلقة لا تتزوج بعد هذا، بل وتكون زانية إن هي فعلت. وهذا للمرأة فقط، فليس في المسيحية ما يمنع تعدد زوجات الرجل، إلا في حالة أن يكون المرء قس كنيسة، فقد أرسل شاؤول (بولس) في إحدى رسائله يخبر أن هذه الفئة عليها ألا تتزوج بأكثر من واحدة.
ولمن لا يعلم، فقد كانت بعض فئات المسيحية حتى منتصف القرن العشرين تقرُّ التعدد وتعمل به، ومن هذه الفئات المورمون، الذين منعوا التعدد بعد قرابة الألفي عام لأسباب سياسية تتعلق بخلافات مع الكنائس وقوانين الدول التي يقيمون بها؛ لا لأنهم رأوا ما يمنع التعدد في دينهم أو كتابهم.
والمسيحيون في كل صوب يعترفون بأهمية التعدد الآن. فنجد مثلاً جوستاف لوبون يقول في كتابه (حضارة العرب): "إن مبدأ نظام تعدد الزوجات الشرقي نظام طيب يرفع المستوى الأخلاقي في الأمم التي تقول به ويزيد الأمم ارتباطاً ويمنح المرأة احتراماً وسعادة لم ترهما في أوربا". كما نجد مؤتمر الشباب الذي إنعقد في ميونخ بألمانيا علم 1948م وناقش مشكلة زيادة أعداد النساء على الرجال، يوصي في ختامه بأن الحل الوحيد لهذه المشكلة المسيطرة هو إباحة تعدد الزوجات. والكثير الكثير غير ذلك.
وختاماً نأتي للحكمة من وراء هذا التشريع، لنعلم قدرة علام الغيوب وأحكم الحاكمين. يخبرنا الإحصائيون –المسيحيين في أكثر الأحوال- بأرقام ونِسَب الرجال للنساء، اليوم وعلى مرِّ العصور. فنجد أن نسبة النساء للرجال في بلداننا العربية تتراوح بين 2,5:1 و 4:1. كما نجد في الكثير من البلدان الأخرى أن النسبة تتزايد، حتى لتصل إلى 10:1 في بلاد مثل أستراليا وغيرها.
والأسباب التي يعطيها الإحصائيون كثيرة. فمنها أن الحروب المستمرة تقضي على الرجال وتترك –في أكثر الأحيان- النساء. ثم يأتي الفارق بين متوسطات أعمار الرجال والنساء ليعلمنا أن الرجال يموتون أصغر من النساء بما يتراوح بين العشر سنوات والثلاثين سنة. كما نعرف أن نسب المواليد الإناث تزيد على ضِعف المواليد الذكور. وغير هذه الأسباب كثير. ما يهمنا هنا هو أن أعداد النساء على ظهر الأرض أضعاف أعداد الرجال.
بعد هذا، نجد إنتشار أمراض العصر مثل الشذوذ الجنسي للرجال والعياذ بالله، والذي يصل في البلدان التي لا وازع فيها ولا دين إلى أرقام خيالية. فنجد مثلاً أن إحصاءات الشذوذ الجنسي لدى الرجال في مدينة نيويورك الأمريكية في سبعينيات القرن الماضي تصل إلى ثلث المدينة! هذا بالإضافة إلى أنه في هذه المدينة وحدها في ذلك الوقت، كانت النساء تزيد على الرجال بما يزيد على المليون. هل تتخيل هذا؟ لو تزوج كل رجل في هذه البلدة، لبقيت مليون إمرأة بغير زواج. وبما أن ثلث المدينة من الذكور من الشواذ، فماذا تفعل هذه الملايين من النساء؟
لكن طبعاً بما أن الولايات المتحدة تسمح –بل وتشجع- الرذيلة وتمنع تعدد الزوجات، فالنتيجة هي مجتمع كامل من أبناء الزنى، لا يعرف أكثرهم من أبوه، ناهيك عن أي حقوق لهم أو حتى تربية سليمة.
وحتى لا يظن أحد أن هذه حالة فردية، فيمكنك الرجوع للإحصائيات العالمية، لتجد أن هذا هو الحال في كل دول العالم بنسب متفاوتة، لكن لا أقل من نسبة 2,5:1 (خمس نساء مقابل كل رجلين) في أي إحصاء قرأته. وهذه الدول تشمل الولايات المتحدة، إنجلترا، الدنمارك، السويد، فرنسا، فلسطين، الكويت، مصر، سورية، العراق وعشرات الدول الأخرى.
وواقعنا العملي ينبئ بما لا يحتاج معه لكلام. فما نتيجة منع تعدد الزوجات من قِبَل الحكومات أو نظراً للصعوبات المادية التي باتت تواجه الزوج؟ إنتشار الزنى وأبناء السفاح، والأمراض والموبقات التي تنتج عن هذا، بالإضافة إلى المصائب التي تأتي من وراء إغضاب رب العباد، والتي بسببها يئول العالم إلى ما هو عليه من خراب.
فسبحان من شرع التعدد لكي لا نكون وآبائنا وأبنائنا من سفاح وزنى والعياذ بالله.
يتبع إن شاء الله.
تعليق