حتى تكون أسعد الناس
الجزء الرابع عشـر
ياأيها المريض: طهورٌ إن شاء اللهُ فقد هُذّبْتَ من الخطايا, ونُقِّيت من الذنوبِ, وصُقِل قلبكُ وانكسرتْ نفسُك, وذهب كِبْرُك وعَجْبَك
لماذا تفكر في المفقودِ ولا تشكرُ على الموجودِ, وتنسى النعمة الحاضرة, وتتحسرُ على النعمةِ الغائبةِ, وتحسدُ الناس وتغفلُ عما لديك
كن في الدنيا كأنك غريب قطعةُ خبزٍ, وجرعةُ ماء, وكساءٍ, وأيامٌ قليلةٌ, وليالٍ معدودةٌ, ثم ينتهي العالم, فإذا قبرُ أغنى الأغنياءِ وأفقرِ الفقراءِ سواء
يدفن الملكُ بجانبِ الخادمِ, والرئيسُ بجوارِ الحارسِ, والشاعرُ المشهورُ مع الفقيرِ الخاملِ, والغنيُ مع المسكينِ والفقيرُ والكسيرُ, ولكنْ داخل القبرِ أعمالٌ مختلفةٌ ودرجاتٌ متباينةٌ
إذا زارك يومٌ جديدٌ فقلْ له مرحباً بضيفٍ كريم, ثم أحسِنْ ضيافتَه بفريضةٍ تؤدَّى, وواجبٍ يُعْمَلُ وتوبةٍ تجدَّدُ, ولا تكدْرهُ بالآثامِ والهمومِ فإنه لن يعود
*******
إذا تذكرت الماضي فاذكر تاريخك المشرق لتفرح, وإذا ذكرت يومك فاذكرْ إنجازك تسعدْ, وإذا ذكرت الغد فاذكرْ أحلامك الجميلةَ لتتفاءلَ
طولُ العمرِ ثروةٌ من التجاربِ, وجامعةٌ من المعارفِ, ومستودعٌ من المعلوماتِ, وكلما مرّ بك يومٌ تلقيت درساً في فنِّ الحياة, إن طول العمرِ بركةٌ لقومٍ يعقلون
لابد من شيء من الخوفِ يذكرك الأمنَ, ويحثك على الدعاءِ, ويردعُك عن المخالفِة, ويحذّرك من خطرِ أعظم
ولابد من شيء من المرضِ يذكرك العافيةَ, ويجتثُّ شجرة الكِبْرَ ودرجة العُجْبِ ليستيقظ قلبُك من رقدِة الغافلين
كن كالنملةِ في المثابرةِ, فإنها تصعدُ الشجرةَ مائةٍ مرةٍ وتسقطُ، ثم تعودُ صاعدةً حتى تصل, ولا تكلُّ ولا تملُّ
*******
وكن كالنحلةِ فإنها تأكلُ طيباً، وتضعُ طيباً، وإذا وقعتْ على عودٍ لم تكسِرْه، وعلى زهرةٍ لا تخدشُها
لا تدخل الملائكة بيتاً فيه كلبٌ, فكيف تدخل السكينُة قلباً فيه كلابُ الشهواتِ والشبهاتِ
احذر مجالس الخصومات ففيها يباعُ الدينُ بثمنٍ بَخْسٍ, ويحرّجُ على المروءةِ, ويداسُ فيها العِرْضُ بأقدامِ الأنذالِ
وَسَابقوا, ليس إلاّ المسابقة فالزمنُ يمضي, والشمسُ تجري, والقمرُ يسير, والريحُ تهبُّ, فلا تقفْ، فلن تنتظرك قافلةُ الحياةِ
وَسَارِعُوا ثِبْ وَثْباً إلى العلياءِ فإن المجد مناهَيَهٌ, ولن يقدم النصرُ على أقدام مًن ذهبٍ ولكنْ مع دموعٍ ودماء وسهرٍ ونصبٍ وجوعٍ ومشقةٍ
*******
عَرَقُ العامل أزكى من مْسكِ القاعدِ, وزفراتُ الكادحِ أجملُ من أناشيدِ الكسولِ, ورغيفُ الجائع ِألذّ من خروفِ المترفِ
الشتمُ الذي يوجه للناجحين من حسادِهم هي طلقاتُ مِدْفعِ الانتصارِ, وإعلاناتُ الفوزِ, ودعايةٌ مجانيةٌ للتفوقِ
التفوقُ والمثابرةُ لا تعترفُ بالأنسابِ والألقابِ ومستوى الدخلِ والتعليمِ, بل من عنده همةٌ وثَّابةٌ, ونفسٌ متطلعة, وصبرٌ جميلٌ, أدركَ العلياءَ
لا تتهيبِ المصاعب فإن الأسد يواجه القطيع من الجمالِ غَيْرَ هيابٍ, ولا تَشْكُ المتاعب فإن الحمارَ يحملُ الأثقالَ ولا يئنُّ, ولا تضجرْ من مطلبِك فإن الكلب يطاردُ فريسته ولو في النار
لا تستقلَّ برأيك في الأمورِ بل شاورْ فإن رأي الاثنين أقوى من رأي الواحدِ, كالحبلِ كلما قُرن به حبل آخر قوي وأشتدَّ
*******
اخرجْ بأهلك في نزهةٍ عائلية كَّل أسبوعٍ فإنها تعرّفْك بأطفالِك أكثرَ وتجدد حياتك وتذهبُ عنك الملل
من لم يسعد في بيته فلن يسعد في أي مكان, واعلم أن أنسب مكان لراحة النفس وهدوء البالِ، والبعد عن التكلف هو بيتُك
العلم والثقافةُ مجدُها باقٍ خاصةً لمن علّم الناسَ وألّفَ, أما مجدُ الشهرةٍ والمنصبٍ فظلٌّ زائل، وطيفٌ زائفٌ
الفكر إذا تُرك ذهب إلى خانةِ المآسي, فَجَرَّ الآلاَم والأحزانَ, فلا تتركْه يطِيشْ ولكن قيدْه فيما ينفع
الحياةُ قصيرةٌ فلا تقصِّرْها أكثر بالنكدِ, والصديقُ قليلٌ فلا تخسرْه باللومِ, والأعداءُ كثير فلا تزدْ عددهم بسوءِ الخُلُقِ
*******
-د.عـائض القـرني-
_
تعليق