نصيحة نصرانى لربه وإلهه
ربى وإلهى : تعلم مدى حبى لك ، وتفانىّ فى طاعتك ، وحرصى على الالتزام بأوامرك ، ومسارعتى إلى العمل بأقوالك برهان ساطع على ذلك :
- حتى أنى كرهت أبى وأمى ، وزوجتى وأولادى ، وإخوتى وأخواتى ، ونفسى التى بين جنبىّ أيضا ، لما بلغنى قولك : " إن كان أحد يأتى إلى ولا يبغض أباه وأمه ، وامرأته وأولاده ، وإخوته وأخواته ، حتى نفسه أيضا ، فلا يقدر أن يكون لى تلميذا " لو 14/26 .
- وقد خصيت نفسى رغبة فى ملكوت الله ، وطمعا فى الحياة الأبدية ، لما تلا علىّ القسيس مقولتك : " ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات . من استطاع أن يقبل فليقبل " مت 19/12 .
- ولم أدفن أبى عملا بنصيحتك لتلميذك : " دع الموتى يدفنون موتاهم " لو 9/10 .
- وبادرت إلى فقإ عينى عندما بدا لى أنها توردنى التهلكة ، لقولك : " خير لك أن تدخل ملكوت الله أعور ، من أن يكون لك عينان وتطرح فى جهنم النار ، حيث دودهم لا يموت ، والنار لا تطفأ " مر 9/47 - 48 .
- ولم أزوج بناتى ثقة وإيمانا بتحذيرك وإنذارك : " هو ذا أيام تأتى يقولون فيها طوبى للعواقر والبطون التى لم تلد ، والثدىّ التى لم تُرضع " لو 23/29 .
- ووعيت حقيقة قولك : " فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لى تلميذا " لو 14/23 ، " .. لا تقدرون أن تخدموا الله والمال " لو 16/13 .
- وهجرتُ كل شىء من أجل اسمك ، لكى أرث الحياة الأبدية ، وفقا لقولك : " وكل من ترك بيوتا ، أو إخوة أو أخوات ، أو أبا أو أما ، أو امرأة أو أولادا ، أو حقولا من أجل اسمى ، يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية " مت 19/29 .
- ولم أسلم على أحد فى طريقى لقولك : " ولا تسلموا على أحد فى الطريق " لو 10/4 .
- ولا قاومت شرا أبدا لقولك : " لا تقاوموا الشر " مت 5/29 .
حقا " السماء والأرض تزولان ، ولكن كلامى لا يزول " مر 13/30 ، لو 21/33 .
العشب يفنى ، والزهر يذبل ، وكلمة الله تدوم إلى الأبد .
ربى وإلهى : زعموا أنك قلت للمجدلية بعد أن أنجزت مهمتك فى الفداء والقيامة : " لا تلمسينى ، إنى لم أصعد بعد إلى أبى، ولكن اذهبى إلى إخوتى وقولى لهم إنى أصعد إلى أبى وأبيكم وإلهى وإلهكم " يو 20/17 .
وأنك صرخت على الصليب : " إيلى إيلى لما شبقتنى " أى " إلهى إلهى لماذا تركتنى " مت 27/46 .
و " منذ الآن يكون ابن الإنسان جالسا عن يمين قوة الله " لو 22/69 .
ولقد قدمتَ " بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرعات " عب 5/7 وصلوات كثيرة إلى إلهك لكى يعبر عنك كأس الموت ، ولكنك شربته حتى الثمالة ، وظهر لك ملاك من السماء يقويك ... وصار عرقك كقطرات دم نازلة على الأرض ( لو 22/ 43 – 44 ) .
لى عليك عتب شديد يا ربى وإلهى :
يعتز رفقاء السلاح والكفاح برفقتهم تلك ، ويذكرونها فى افتخار " رفيقى فى السلاح " .
لماذا لم تقل يوما عن الآب " رفيقى فى الأقنومية " أو يقول هو عنك ذلك ، أو تقول : " أنا الله فاعبدونى " ؟
ولماذا تجلس أنت عن يمينه ، ولا يجلس هو عن يمينك ؟ " وأجلسه عن يمينه فى السماويات " أف1/20 ، " ارتفع إلى السماء وجلس عن يمين الله " مر16/19، 14/62 ، " الذى هو أيضا عن يمين الله " رو8/34 .
ولماذا الإبن فى حضن الآب ، وليس هو فى حضنك ؟ " الإبن الوحيد الذى فى حضن الآب " يو 1/18 .
ولماذا تفعل أنت مشيئته ، ولا يفعل هو مشيئتك ؟ ، " لتكن لا إرادتى بل إرادتك " لو 22/42 ، " ليكن لا ما أريد أنا بل ما تريد أنت " مر 14/26 .
ولماذا هو يرسلك ، وأنت لا ترسله ؟ " لأن الكتاب يعلم أن الآب يرسل الإبن ... ولم يذكر أن الإبن يرسل الآب " (1) ، " فالآب هو المرسل ، والإبن رسوله " (2) .
ولماذا تعمل أنت عمل الآب ، ولا يعمل هو عملك ؟ " لا يقدر الإبن أن يعمل من نفسه شيئا إلا ما ينظر الآب يعمل " يو 5/19 .
ولماذا يشفق الإبن على أبيه ، ولا يشفق الآب على ابنه ؟ " الذى لم يشفق على ابنه " رو 8/32 .
ويقولون : " وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا " يو 5/27 ، لماذا هو الذى يعطيك سلطانا ، ولست تعطيه أنت سلطانا ؟
لماذا تصلى أنت له ، وتتضرع أنت إليه ، ولا يصلى هو لك ، ولا يتضرع إليك .
إنكما متساويان فى القدرة والمجد والكرامة والقوة . لا يزيد عنك خردلة .
أنت الكلمة ، والحكمة . نطق الآب وحكمته . ، ولولاك ما خُلقتْ السموات والأرض ، ولا كان شىء من هذه الخليقة ، " كل شىء به كان ، وبغيره لم يكن شئ مما كان " يو 1/3 .
فلماذا فرطت فى حقك يا ربى وإلهى ؟
أعيدوا فيما بينكم توزيع الاختصاصات (3) ، " داخل المشورة الثالوثية للأقانيم الثلاثة " ، كما يقول أنطونيوس فكرى .
لماذا يقولون : " وأعطاه سلطانا أن يدين أيضا لأنه ابن الإنسان " يو5/27 . ويفسرون : " فوجب أن يكون ( الإبن ) ديانا للجميع بحكم معرفته بضعف الإنسان وتجاربه ، فهكذا يصير ديانا شفوقا عادلا " (4) . رغم أن الدينونة من اختصاص الآب وفق ما اقتضاه تقسيم العمل بين أقانيم اللاهوت ، إلا أنه لا يصلح لها ، لا يعلم ضعفات البشر ، وبالتالى لن يكون ديانا شفوقا عادلا ، أنت أعلم منه وأجدر بمزاولة هذا الاختصاص .
ألم أقل لربى وإلهى أعيدوا توزيع اختصاصات الأقانيم ؟ لا تَظلم ولا تُظلم .
ربى وإلهى : تحملتَ من الآلام ما لم يتحمله نبى قبلك ولا بعدك . سُمرتَ على أعواد الصليب عريانا كيوم ولدتك أمك ، مكشوف السوأتين ، تنظرك النسوة والرجال ، الجند والمارة ، الشواذ من المأبونين والزناة ، وفُعلتْ بك الأفاعيل . فما بالهم يقولون : " اسم الآب مقرون دائما بالنعمة والمحبة ( الآب لا يدين أحدا ) " (5) ، وكأنك أنت ما جئت إلا للهلكة والانتقام ، بلا نعمة ولا محبة .
ظلموك ربى وإلهى ، وأنكروا تضحيتك ، بموتك عن الإنسان ، وفدائك له ، ثم شفاعتك فيه .
اطلب الإنصاف ، وصحح الأخطاء ، وإياك أن تتهاون فى حقك .
عل أى حال يقول قرآن المسلمين : " وبالوالدين إحسانا " . لذا فقد علمتُ أن الإبن " تعلم الطاعة مما تألم به " عب 5/8 . لا بأس أن تكون بارا بأبيك السماوى ، وإن كنت عاقا و مقصرا فى حق أبيك الأرضى وأمك ، فقد كانا فى انتظار أن تبرىء ساحتهما من الرذيلة ، لأنه لم يكن ليصدقهما أحد لو أنهما قالا حقيقة الحمل بك ومولدك . يقول زكى شنودة : " فانتظر حتى يعلنها لهم المسيح بنفسه " (6) ، ولكنك ضننت عليهما بكلمة من فمك ، تغسل بها عار أمك .
ألا تذكر فضل الصبية الصغيرة ، وحيدة فى مخاضها ، تقطع سرتك ، تلفك وتقمّطك !!!!
كن أكثر برا بها ، ربى وإلهى ، كى تكون حقا كاملا ، لا يبكتك أحد على خطية .
لقد صعد أخنوخ وإيليا أحياء إلى السماء فى مجد وكرامة ، استقبلتهم السماء التى لا تستقبل من به خطية ، ما أنقى هذه السماء وأطهرها ، إنها عرش الله .
وإن كان برغم ذلك ، إبليس - أبو الخطايا كلها – يحضر فيها مجلس الله مع الملائكة الأخيار (7) ، وكذلك أجناد الشر الروحية لهم مكان معين فى السماء (8) .
كما تعلم ، كان إبليس رئيس الملائكة ، لكنه أراد أن يضع كرسيه فوق كرسى الله ، علوا واستكبارا ، فطرد - هو وثلث الملائكة – الذين تمردوا معه على الله ، وهم الآن " مقيدين بقيود أبدية تحت الظلام " يه 6 ، ينتظرون الدينونة والعذاب الأبدى فى بحيرة النار والكبريت .
ماذا تقول ؟ تلاحظ تضاربا فى هذه الفقرات الثلاث ؟ ألم يأتك نبأ التضارب إلا الآن يا ربى وإلهى ؟ كأنك لم تعلم من قديم أن الكتاب المقدس لا يقر على حال ؟ لا تبتئس كثيرا لهذا التضارب ، فكَمْ ارتكب القساوسة والأفاقون !!! .
نصيحة أخرى : إياك أن تشفق عينك على أحد منهم . ليس فيها ما يغريك بمعاودة مغامرة الفداء ، أنت أدرى الناس بمغبتها ، وما لاقيت من عذاب الجلد ، وهوان إكليل الشوك . قتلوك شر قتلة .
المراجع :
1 – حقائق أساسية فى الإيمان المسيحى – القس فايز فارس صـ 53 .
2 - تفسير الأناجيل الأربعة معا – د. شماس حمدى صادق صـ 53 .
3 – " وفق ما اقتضى تقسيم العمل بين أقانيم اللاهوت " تفسير الأناجيل الأربعة معا – د. شماس حمدى صادق صـ 253 ، " كما أن له ( أى لكل أقنوم ) خاصية وقواما يميزه عن الأقنوم الآخر ، وعملا خاصا ينسب إليه ، لا يشاركه فيه غيره " الثالوث الذى نؤمن به – مفيد كامل صـ 24 ، " بين أقانيم الثالوث الأقدس تمييزا أيضا فى الوظائف والعمل " حقائق أساسية فى الإيمان المسيحى – القس فايز فارس صـ 53 .
4 - تفسير الأناجيل الأربعة معا – د. شماس حمدى صادق صـ 114 .
5 – دراسات فى إنجيل متى – تعريب وهيب ملك صـ 92 .
6 – المجتمع اليهودى – زكى شنوده صـ 112 .
7 – سفر أيوب 1/6 – 12 ، 2/ 1 – 7 .
8 – دراسات فى إنجيل متى – تعريب وهيب ملك صـ 68 ، أف 6/ 12 .
تعليق