بسم الله الرحمن الرحيم ..
"قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ"(الزمر 64)
قال الله تعالى : ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ((22) الملك ).
اللادينية - عند مدعيها - هى الاعتقاد بوجود خالق او قوة محركة لهذا الكون الذى نحيا فيه , مع عدم الإيمان بأى دين منزل . ويطلق عليها البعض كذلك اللادينية الإلهية أو اللادينية الربوبية . ورغم ذلك فإن الفرق بين الملحد واللادينى هو فرقٌ لا أثر له في العمل ، وهذا من أعجب العجب ، أن يكون الفريقان على عقيدتين متعارضتين وفى نفس الوقت على نفس العمل ، أحدهما يعتقد بعدم وجود إله والآخر يعتقد فى وجود إله .. ورغم ذلك فهم لا يتميزون فى السلوك والعمل إلا من باب الذائقة الشخصية ! فما هذا الإله الذي وجوده كعدمه ؟!! .
المذهب الربوبى ( deism ) انتشر فى القرن الثامن عشر فى أوروبا فيما يسمى عصر العقل والاستنارة , وتأثر هذا الفكر بفكرة الكون النيوتنى ، الذى يسير وفق قوانين علمية دقيقة ( بدون تدخل الإله ) (Newtonian clockwork universe) , وبداية هذا الفكر كان مسيحى الاصل , وهو بدأ اولاً كفكرة رافضة للمعجزات وللوحى ولعصمة الكتاب المقدس , ثم بعد ذلك اصبح يطلق على كل من يؤمن بالإله ولايؤمن بالاديان , و الــ deisms!! يعتقدون ان الإله ترك الخلق بعد أن خلقه وهو الان لايؤثر فى الكون بل تركه وفق قوانين دقيقة كما ذكرت , وهناك الكثير ممن اعتنقوا هذا الفكر ثم تركوه وانقلبوا عليه واتجهوا للالحاد .. وأعتقد ان منهم ( فولتير ) , وبعضهم ايضًا يعتقد أن الإله يتدخل فى الأمور من حين إلى آخر , ولعل أشهر كتاب يجسد أفكار هذا المذهب "الديست" هو كتاب "توماس بين" (عصر العقل).
يقول الشيخ سفر الحوالى فى كتاب العلمانية :
"ولما كان الصراع هو التصور المشترك لطبيعة الحياة عند الرومان ، فقد كانوا يتصورون الآلهة وهي تتصارع فى الفضاء كما يتصارع أبطالهم على الحلبة ، وليس من شأن البطل أن يشرع للجمهور بل كل همه أن يخرج من الحلبة ظافراً منصوراً.
وبما أن آلهة الرومان بطبعها لم تكن لتشرع لهم شيئاً ، فقد كان من الضروري أن يقوم بشر متألهون بمهمة وضع نظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة ، و نتيجة لجهود هؤلاء برز إلى الوجود ((القانون الروماني )) الذي لا تزال أوروبا تعيش عليه أو على امتداده إلى اليوم ، أما النظم الأخلاقية وقوانين الآداب العامة - إن وجدت – فقد كانت أبيقورية محضة .
وهكذا كان للرومان دين لكنه دين وجداني مجرد , لا تأثير له في السلوك العملي ولا يفرض التزامات خلقية معينة ، ولا ينظم من شؤون الحياة شيئاً ، حتى إننا لنكاد نقول أن الامبراطورية الرومانية نسخة قديمة من الولايات المتحدة الأمريكية اليوم .
كان الفرد الروماني – كالأمريكي اليوم – يخرج من نِحلة إلى أخرى ، ويتنقل من مبدأ إلى نقيضه دون أن يطرأ على حياته العملية وسلوكه الشخصي أي تغيير فالدين في نظره فكرة مجردة وعقيدة وجدانية فحسب" انتهى الإقتباس .
يظن مدعو اللادينية أن الإله قد خلقهم ولم ينزل عليهم دينًا ينظم لهم حياتهم , فهذا الإله موجود , ولكنه غير حكيم يتركنا هملًا دون إرشاد لإصلاح شؤوننا !! وفوق ذلك فَهُم يعتقدون أن هذا الإله نظم كوننا هذا بكل ما فيه من أرض وسماء ومجرات! ثم إنه بعد أن نظم الكون بكل هذا الإبداع أهمل أهم مخلوق وأذكى مخلوق ولم ينظم له حياته . شخصيًّا .. أرى أن هذه طرفة من الطرائف ، وما أكثر طرائف هؤلاء!!
من الطرائف - أيضًا - أن بعضهم يعتقد بكمال هذا الإله أو القوة المسيرة للكون , ويقولون : نعم ! هى قوةٌ عاقلةٌ وكاملةٌ وينسبون لها صفات الكمال , ولنا أن نسأل : كيف يكون الإله كاملًا فى الأفعال والصفات ويكون فى نفس الوقت إلهًا ظالمًا لا يكلف أحدًا ولا يحاسبه ؟!
و من المؤكد أن نفى الحساب ينسب له الظلم إذ كيف يترك السارق يسرق والكاذب يكذب والمفسد يفسد والزانى يزنى وينتهك الأعراض بكل بساطة ويمضى الأمر هكذا بدون حساب ؟
أفكار هؤلاء كثيرةٌ ومتناقضةٌ , وهذه سمةٌ من سمات أهل الباطل , فبمجرد التفكير فى أقوالهم نجدها متناقضةً للغاية وشاذةً ومخالفةً للفطرة! , وللأسف الشديد يتبجحون - إلى الآن - فتجد منهم من يقول لك : نعم ! لقد خلقنى الله بدون دين! فهل أراد الله تعالى أن يخلقه بلا دين فعلًا ؟ كيف ذلك وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يخلقه بدينٍ حيث أنه قد أرسل له دين بالفعل !!.
وهذا الوجه في الرد على نفيهم إرسال الله تعالى الرسل نجده في قوله تعالى ( وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام : 91] ) .
وعلى ذلك فإنّ من يقل هذا فإنه يفترض - مجرد فرض - عدم وجود الدين ، ذلك لأن الدين - الذى يَفترِض اللادينى أن الله خلقه دونه موجودٌ فعلًا، ولذا فإنّ مُروجي هذه الأفكار إن أحسنا الظن بهم وقلنا : ربما هم من الضالين أو المضحوك عليهم وتأملنا كلامهم .. فسنجدهم يحكمون على الواقع الموجود كما يتصورون فى أذهانهم , وليس كما هو فى الخارج بالفعل, ولا يمكن أن نوافقهم على طريقة التفكير هذه لأنها مخالفةٌ للمنطق وللعقل السليم , إذ إن العقل البشرى يمنطق الأفكار التى لها ركائز ودعائم أساسية يقينية , ولايمكننا أن نعتقد فى فكرة لمجرد أنها فكرة تسوغ لنا النوم والراحة , فإن ذلك غير مستساغ عقلًا , بل لابد من وجود دلائلَ واضحةٍ باهرةٍ على تلك الفكرة .
الله تعالى أنزل لنا دينًا وهذا هو الواقع الموجود فيجب علينا مسايرته وفهمه بدلًا من أن نتخبط فى أفكارٍ شاذة وغريبة وإلا فسنصبح مثل الأطفال الذين يخترعون أفكارًا ثم يصدقونها , أو يشاهدون فيلمًا كارتونيًا فيظنون أن شخصياته حقيقية !! , لا يمكن أن نوافق شخصًا يعتقد فى فكرة لأنها ترضيه وتحقق ملذاته ورغباته بغض النظر عن كونها حقيقة ام لا .. لها دلائل واضحة أم لا , هذا لا يمكن أن نوافقه عليه , هكذا اللادينييون فإنهم يخترعون أفكارًا لايوافق عليها العقل السليم ويطبقونها فى حياتهم وكأنها حقائق جلية , ثم يعبدون هذا الصنم الذى شكلته عقولهم لمجرد إرضاء اأنفسهم وملذاتهم وشهواتهم .
وللاسف هناك من يصدقهم من المسلمين الذين يرتدون عن الاسلام ! و المرتد غالبًا ما يكون مراهقًا ذا خبرات قليلة مقتونًا بالأفكار الغريبة , ويظن أنه يفكر بطريقة مختلفة عن غيره مما يعطى له شعورًا بالثقة وأنه أفضل من غيره , وعلامة ذلك : أنك عندما تتحاور معه تجده جاهلًا بدينه , فهو لم يتعمق فى الدين على الإطلاق بل هو بإلحاده أو لادينيته يعتقد أنه إنسانٌ عبقرىٌّ ومفكرٌ ألمعيٌّ، ويظن أن الملايين مضحوكٌ عليهم وأنه أفضل من الملايين مما يعطيه - بالتأكيد - شعورًا بالتميز الزائف والإبداع الوهمى.
هم يتصدون للحقائق الجلية وللعقول السليمة لمجرد الراحة الدنيوية , فهذا شهوانى تجاه النساء فيخترع صنمًا يعبده .. هذا الصنم لا يحرم النظر للنساء و لا يحرم الزنا و لا يحرم أى شيءٍ أصلًا .. فما اخترعه هو مجرد صنم ( فكرة ) فى ذهنه يطبقها فى أرض الواقع ويبدأ فى التدليل عليها بأية وسيلة , وذاك يحب المال فيخترع صنمًا يحلل له الربا .. وغيره يحب الشذوذ .. إلخ .. هؤلاء لا يمكن مسايرتهم فكل منهم يعبد صنمًا مختلفًا عن صنم الآخر ..
سوق الاصنام هذا يخالف الحقائق والأدلة والعقل السليم .
فلايشترط فى المعارف أن ترضى الانسان بل يشترط فيها التوصل إلى حقائق بغض النظر عن كونها مرضيةً أم غير مرضية ، وهذا هو الفرق بين المؤمن واللادينى، فاللادينى فى داخله يقرر أن اللادينية حقيقة لأنها شيءٌ مرضىٌّ بالنسبة له , غير ناظرٍ إلى كونها غير منطقية أو مخالفةً للعقل وللفطرة , فهو لايريد - مثلًا - العبادة ويظن أنها شاقة , فكل يوم خمس صلوات، ما هذا التعب وما الذى يجبرنى على ذلك , هل يريد الله لنا الشقاء ؟! ثم يشطح بعيدًا وينكر الدين ويثبت وجود إله أخرس حتى لا يكلمه ويقول له افعل ولا تفعل!!
لكن الحقيقة مخالفة لهذا الكلام , فما دام هناك خالقٌ فلابد أن يهدى البشر , وإلا فلماذا خلقهم ؟
ووجود الأديان يعنى أن هناك ما هو من عند الله وما هو كذب وافتراء على الله ! وبعد ذلك نرى أى دين أوجده الله ضمن ضوابط أخرى .
ثم إننا من المفروض ألّا ننسى العجز الطبيعى للعقل عن التحسين والتقبيح فى الأفعال إلا بنسبة هوى المرء وشهوته ومصالحه المتغايرة , ولو فرضنا أننا أتينا بالبشر وتركناهم يحسنون ويقبحون الأفعال دون إلهٍ ودون ضابطٍ فسنجد بالتأكيد التنازع والفوضى , وانتفى الاجتماع البشرى لأجلها , ويصير الإنسان كالمعدوم . وحتى لو فرضنا أن الجميع اتفق على الحسن والقبيح في أشياء بعينها - وهذا مستحيل الحدوث !! - ولكن لو سلمنا جدلًا بحدوث ذلك فأين ما يُلزم الناس أن يتبعوا الحسن ويتركوا القبيح ؟!!
وحتى لانذهب بعيدًا ..
يمكننا محاورة هؤلاء فنقول لهم إنكم تقرون بوجود إله خالق صحيح؟
إذن هل الإله الذى تقرون بوجوده وبأنه خلق السموات والأرض والكون والبشر وأنه فرض ناموسه عليه , هل هذا الإله عاجز عن الاتصال بالكون مجددًا ؟
هناك إجابتان لهذا السؤال لاثالث لهما .. إما نعم وإما لا !
فإن كان ( نعم! هو عاجز عن الاتصال) .. فليس هو خالقه بالتأكيد .. لا جدال في هذا !
اما إن كان ( لا بل يستطيع ) .. فهل قال لكم إنه لن يتصل بالبشر مطلقًا ؟ بل من قال لكم إنه لا يريد التواصل , هل تواصل معكم وأنبأكم بهذا أم أنكم - كوضع طبيعى - تتبعون الظنون والتخمينات؟
مجرد أنه يتواصل بالبشر وينبأهم فهذا كسر لأساس الفكرة التى يقرونها , وطبعا ليس بينهم وبينه حوار حتى يفترضون إنه كذا او كذا .. فكلها تخمينات وشطحات !
وليس بعيدًا عن هذا !!
هل يمكن معرفة ما يريده - تفصيلًا - الخالق بالعقل أو بالفطرة؟ لو أمكن ذلك لما اختلف فيه أحد , فلا يمكن أن نعرف ما يريد وكيف يريد ما لم يخبرنا هو بذلك , فيصير فرض أنه لا يريد هداية البشر إنما هو تألٍّ على الله !
والتألى هو جبر من هو فوقك سلطة أن يقوم بأمر تريده ، متخيلا أن ذلك سيحصل ، مع أن الواقع أنك لا تستطيع الجبر ولا الفعل ، كله أمنية فى الذهن ، فهذا اللادينى لم ينبئه الله أنه لا يريد هداية البشر .
مجرد أن يرسل الله رسالة أنه لا يريد إرسال رسالة! ، فهذا يعنى أنه أرسل رسالة! فكلامهم فى شدة التناقض والاضطراب! لأنه لن يعرف من نفسه ما يريده الله حتى يبلغه الله ذلك.
ببساطة أكثر : هو لا يعرف ماذا أريد أنا منه حتى أبلغه ذلك ، فكيف يعرف ما يريده الله ذاته ؟؟
"وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ" [الرعد : 13]
فإن عرف من الله ما يريد فهذا يكفى أن الله يرسل رسلًا ، وأننا لا نعرف ما يريد حتى يرسل الرسل , فهو لا يستطيع أن يجزم أن الله لا يريد إرسال رسول حتى يقول له الله ذلك , فإن قال له الله ذلك عليه بالدليل , فيكون فى ذلك معجزة، !! ويزداد الأمر طرافة لو اعتبر أنه هو بذاته نبى !!
وكل ما أقول هو من المجاراة معهم ليس إلا , فهولاء أصلًا مساكين ضل عنهم إلههم وضلوا هم عنه ؛ فلا هذا الإله يعرف كيف يتواصل معهم ولا هم يعرفون كيف يتواصلون معه ! وهذا كافٍ لهدم تلك العقيدة التى بدايتها ضلال ونهايتها ضلال , فإن هؤلاء أنكروا الأديان جميعًا ولم ينكروا وجود الخالق .. ولكنهم أنكروا وجوده عندما اكتشفنا أن هذا الخالق الذى أثبتوه قد أنكروه مع إثباتهم , فهؤلاء يثبتون العدم وهذا تناقض! بل هذا أشد تناقض يمكن الحصول عليه على الاطلاق , وانا أعتذر إذ قلت عنه تناقض فهو من مثلهم طرفة ! فهم جعلوا منه موجودًا وغير موجود فى نفس الوقت , فانظروا الى حال من لايؤمن بالله سبحانه وتعالى !!
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ
والحمد لله رب العالمين..
"قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجَاهِلُونَ"(الزمر 64)
قال الله تعالى : ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ((22) الملك ).
اللادينية - عند مدعيها - هى الاعتقاد بوجود خالق او قوة محركة لهذا الكون الذى نحيا فيه , مع عدم الإيمان بأى دين منزل . ويطلق عليها البعض كذلك اللادينية الإلهية أو اللادينية الربوبية . ورغم ذلك فإن الفرق بين الملحد واللادينى هو فرقٌ لا أثر له في العمل ، وهذا من أعجب العجب ، أن يكون الفريقان على عقيدتين متعارضتين وفى نفس الوقت على نفس العمل ، أحدهما يعتقد بعدم وجود إله والآخر يعتقد فى وجود إله .. ورغم ذلك فهم لا يتميزون فى السلوك والعمل إلا من باب الذائقة الشخصية ! فما هذا الإله الذي وجوده كعدمه ؟!! .
المذهب الربوبى ( deism ) انتشر فى القرن الثامن عشر فى أوروبا فيما يسمى عصر العقل والاستنارة , وتأثر هذا الفكر بفكرة الكون النيوتنى ، الذى يسير وفق قوانين علمية دقيقة ( بدون تدخل الإله ) (Newtonian clockwork universe) , وبداية هذا الفكر كان مسيحى الاصل , وهو بدأ اولاً كفكرة رافضة للمعجزات وللوحى ولعصمة الكتاب المقدس , ثم بعد ذلك اصبح يطلق على كل من يؤمن بالإله ولايؤمن بالاديان , و الــ deisms!! يعتقدون ان الإله ترك الخلق بعد أن خلقه وهو الان لايؤثر فى الكون بل تركه وفق قوانين دقيقة كما ذكرت , وهناك الكثير ممن اعتنقوا هذا الفكر ثم تركوه وانقلبوا عليه واتجهوا للالحاد .. وأعتقد ان منهم ( فولتير ) , وبعضهم ايضًا يعتقد أن الإله يتدخل فى الأمور من حين إلى آخر , ولعل أشهر كتاب يجسد أفكار هذا المذهب "الديست" هو كتاب "توماس بين" (عصر العقل).
يقول الشيخ سفر الحوالى فى كتاب العلمانية :
"ولما كان الصراع هو التصور المشترك لطبيعة الحياة عند الرومان ، فقد كانوا يتصورون الآلهة وهي تتصارع فى الفضاء كما يتصارع أبطالهم على الحلبة ، وليس من شأن البطل أن يشرع للجمهور بل كل همه أن يخرج من الحلبة ظافراً منصوراً.
وبما أن آلهة الرومان بطبعها لم تكن لتشرع لهم شيئاً ، فقد كان من الضروري أن يقوم بشر متألهون بمهمة وضع نظم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية للدولة ، و نتيجة لجهود هؤلاء برز إلى الوجود ((القانون الروماني )) الذي لا تزال أوروبا تعيش عليه أو على امتداده إلى اليوم ، أما النظم الأخلاقية وقوانين الآداب العامة - إن وجدت – فقد كانت أبيقورية محضة .
وهكذا كان للرومان دين لكنه دين وجداني مجرد , لا تأثير له في السلوك العملي ولا يفرض التزامات خلقية معينة ، ولا ينظم من شؤون الحياة شيئاً ، حتى إننا لنكاد نقول أن الامبراطورية الرومانية نسخة قديمة من الولايات المتحدة الأمريكية اليوم .
كان الفرد الروماني – كالأمريكي اليوم – يخرج من نِحلة إلى أخرى ، ويتنقل من مبدأ إلى نقيضه دون أن يطرأ على حياته العملية وسلوكه الشخصي أي تغيير فالدين في نظره فكرة مجردة وعقيدة وجدانية فحسب" انتهى الإقتباس .
يظن مدعو اللادينية أن الإله قد خلقهم ولم ينزل عليهم دينًا ينظم لهم حياتهم , فهذا الإله موجود , ولكنه غير حكيم يتركنا هملًا دون إرشاد لإصلاح شؤوننا !! وفوق ذلك فَهُم يعتقدون أن هذا الإله نظم كوننا هذا بكل ما فيه من أرض وسماء ومجرات! ثم إنه بعد أن نظم الكون بكل هذا الإبداع أهمل أهم مخلوق وأذكى مخلوق ولم ينظم له حياته . شخصيًّا .. أرى أن هذه طرفة من الطرائف ، وما أكثر طرائف هؤلاء!!
من الطرائف - أيضًا - أن بعضهم يعتقد بكمال هذا الإله أو القوة المسيرة للكون , ويقولون : نعم ! هى قوةٌ عاقلةٌ وكاملةٌ وينسبون لها صفات الكمال , ولنا أن نسأل : كيف يكون الإله كاملًا فى الأفعال والصفات ويكون فى نفس الوقت إلهًا ظالمًا لا يكلف أحدًا ولا يحاسبه ؟!
و من المؤكد أن نفى الحساب ينسب له الظلم إذ كيف يترك السارق يسرق والكاذب يكذب والمفسد يفسد والزانى يزنى وينتهك الأعراض بكل بساطة ويمضى الأمر هكذا بدون حساب ؟
أفكار هؤلاء كثيرةٌ ومتناقضةٌ , وهذه سمةٌ من سمات أهل الباطل , فبمجرد التفكير فى أقوالهم نجدها متناقضةً للغاية وشاذةً ومخالفةً للفطرة! , وللأسف الشديد يتبجحون - إلى الآن - فتجد منهم من يقول لك : نعم ! لقد خلقنى الله بدون دين! فهل أراد الله تعالى أن يخلقه بلا دين فعلًا ؟ كيف ذلك وقد أراد الله سبحانه وتعالى أن يخلقه بدينٍ حيث أنه قد أرسل له دين بالفعل !!.
وهذا الوجه في الرد على نفيهم إرسال الله تعالى الرسل نجده في قوله تعالى ( وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ) [الأنعام : 91] ) .
وعلى ذلك فإنّ من يقل هذا فإنه يفترض - مجرد فرض - عدم وجود الدين ، ذلك لأن الدين - الذى يَفترِض اللادينى أن الله خلقه دونه موجودٌ فعلًا، ولذا فإنّ مُروجي هذه الأفكار إن أحسنا الظن بهم وقلنا : ربما هم من الضالين أو المضحوك عليهم وتأملنا كلامهم .. فسنجدهم يحكمون على الواقع الموجود كما يتصورون فى أذهانهم , وليس كما هو فى الخارج بالفعل, ولا يمكن أن نوافقهم على طريقة التفكير هذه لأنها مخالفةٌ للمنطق وللعقل السليم , إذ إن العقل البشرى يمنطق الأفكار التى لها ركائز ودعائم أساسية يقينية , ولايمكننا أن نعتقد فى فكرة لمجرد أنها فكرة تسوغ لنا النوم والراحة , فإن ذلك غير مستساغ عقلًا , بل لابد من وجود دلائلَ واضحةٍ باهرةٍ على تلك الفكرة .
الله تعالى أنزل لنا دينًا وهذا هو الواقع الموجود فيجب علينا مسايرته وفهمه بدلًا من أن نتخبط فى أفكارٍ شاذة وغريبة وإلا فسنصبح مثل الأطفال الذين يخترعون أفكارًا ثم يصدقونها , أو يشاهدون فيلمًا كارتونيًا فيظنون أن شخصياته حقيقية !! , لا يمكن أن نوافق شخصًا يعتقد فى فكرة لأنها ترضيه وتحقق ملذاته ورغباته بغض النظر عن كونها حقيقة ام لا .. لها دلائل واضحة أم لا , هذا لا يمكن أن نوافقه عليه , هكذا اللادينييون فإنهم يخترعون أفكارًا لايوافق عليها العقل السليم ويطبقونها فى حياتهم وكأنها حقائق جلية , ثم يعبدون هذا الصنم الذى شكلته عقولهم لمجرد إرضاء اأنفسهم وملذاتهم وشهواتهم .
وللاسف هناك من يصدقهم من المسلمين الذين يرتدون عن الاسلام ! و المرتد غالبًا ما يكون مراهقًا ذا خبرات قليلة مقتونًا بالأفكار الغريبة , ويظن أنه يفكر بطريقة مختلفة عن غيره مما يعطى له شعورًا بالثقة وأنه أفضل من غيره , وعلامة ذلك : أنك عندما تتحاور معه تجده جاهلًا بدينه , فهو لم يتعمق فى الدين على الإطلاق بل هو بإلحاده أو لادينيته يعتقد أنه إنسانٌ عبقرىٌّ ومفكرٌ ألمعيٌّ، ويظن أن الملايين مضحوكٌ عليهم وأنه أفضل من الملايين مما يعطيه - بالتأكيد - شعورًا بالتميز الزائف والإبداع الوهمى.
هم يتصدون للحقائق الجلية وللعقول السليمة لمجرد الراحة الدنيوية , فهذا شهوانى تجاه النساء فيخترع صنمًا يعبده .. هذا الصنم لا يحرم النظر للنساء و لا يحرم الزنا و لا يحرم أى شيءٍ أصلًا .. فما اخترعه هو مجرد صنم ( فكرة ) فى ذهنه يطبقها فى أرض الواقع ويبدأ فى التدليل عليها بأية وسيلة , وذاك يحب المال فيخترع صنمًا يحلل له الربا .. وغيره يحب الشذوذ .. إلخ .. هؤلاء لا يمكن مسايرتهم فكل منهم يعبد صنمًا مختلفًا عن صنم الآخر ..
سوق الاصنام هذا يخالف الحقائق والأدلة والعقل السليم .
فلايشترط فى المعارف أن ترضى الانسان بل يشترط فيها التوصل إلى حقائق بغض النظر عن كونها مرضيةً أم غير مرضية ، وهذا هو الفرق بين المؤمن واللادينى، فاللادينى فى داخله يقرر أن اللادينية حقيقة لأنها شيءٌ مرضىٌّ بالنسبة له , غير ناظرٍ إلى كونها غير منطقية أو مخالفةً للعقل وللفطرة , فهو لايريد - مثلًا - العبادة ويظن أنها شاقة , فكل يوم خمس صلوات، ما هذا التعب وما الذى يجبرنى على ذلك , هل يريد الله لنا الشقاء ؟! ثم يشطح بعيدًا وينكر الدين ويثبت وجود إله أخرس حتى لا يكلمه ويقول له افعل ولا تفعل!!
لكن الحقيقة مخالفة لهذا الكلام , فما دام هناك خالقٌ فلابد أن يهدى البشر , وإلا فلماذا خلقهم ؟
ووجود الأديان يعنى أن هناك ما هو من عند الله وما هو كذب وافتراء على الله ! وبعد ذلك نرى أى دين أوجده الله ضمن ضوابط أخرى .
ثم إننا من المفروض ألّا ننسى العجز الطبيعى للعقل عن التحسين والتقبيح فى الأفعال إلا بنسبة هوى المرء وشهوته ومصالحه المتغايرة , ولو فرضنا أننا أتينا بالبشر وتركناهم يحسنون ويقبحون الأفعال دون إلهٍ ودون ضابطٍ فسنجد بالتأكيد التنازع والفوضى , وانتفى الاجتماع البشرى لأجلها , ويصير الإنسان كالمعدوم . وحتى لو فرضنا أن الجميع اتفق على الحسن والقبيح في أشياء بعينها - وهذا مستحيل الحدوث !! - ولكن لو سلمنا جدلًا بحدوث ذلك فأين ما يُلزم الناس أن يتبعوا الحسن ويتركوا القبيح ؟!!
وحتى لانذهب بعيدًا ..
يمكننا محاورة هؤلاء فنقول لهم إنكم تقرون بوجود إله خالق صحيح؟
إذن هل الإله الذى تقرون بوجوده وبأنه خلق السموات والأرض والكون والبشر وأنه فرض ناموسه عليه , هل هذا الإله عاجز عن الاتصال بالكون مجددًا ؟
هناك إجابتان لهذا السؤال لاثالث لهما .. إما نعم وإما لا !
فإن كان ( نعم! هو عاجز عن الاتصال) .. فليس هو خالقه بالتأكيد .. لا جدال في هذا !
اما إن كان ( لا بل يستطيع ) .. فهل قال لكم إنه لن يتصل بالبشر مطلقًا ؟ بل من قال لكم إنه لا يريد التواصل , هل تواصل معكم وأنبأكم بهذا أم أنكم - كوضع طبيعى - تتبعون الظنون والتخمينات؟
مجرد أنه يتواصل بالبشر وينبأهم فهذا كسر لأساس الفكرة التى يقرونها , وطبعا ليس بينهم وبينه حوار حتى يفترضون إنه كذا او كذا .. فكلها تخمينات وشطحات !
وليس بعيدًا عن هذا !!
هل يمكن معرفة ما يريده - تفصيلًا - الخالق بالعقل أو بالفطرة؟ لو أمكن ذلك لما اختلف فيه أحد , فلا يمكن أن نعرف ما يريد وكيف يريد ما لم يخبرنا هو بذلك , فيصير فرض أنه لا يريد هداية البشر إنما هو تألٍّ على الله !
والتألى هو جبر من هو فوقك سلطة أن يقوم بأمر تريده ، متخيلا أن ذلك سيحصل ، مع أن الواقع أنك لا تستطيع الجبر ولا الفعل ، كله أمنية فى الذهن ، فهذا اللادينى لم ينبئه الله أنه لا يريد هداية البشر .
مجرد أن يرسل الله رسالة أنه لا يريد إرسال رسالة! ، فهذا يعنى أنه أرسل رسالة! فكلامهم فى شدة التناقض والاضطراب! لأنه لن يعرف من نفسه ما يريده الله حتى يبلغه الله ذلك.
ببساطة أكثر : هو لا يعرف ماذا أريد أنا منه حتى أبلغه ذلك ، فكيف يعرف ما يريده الله ذاته ؟؟
"وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ" [الرعد : 13]
فإن عرف من الله ما يريد فهذا يكفى أن الله يرسل رسلًا ، وأننا لا نعرف ما يريد حتى يرسل الرسل , فهو لا يستطيع أن يجزم أن الله لا يريد إرسال رسول حتى يقول له الله ذلك , فإن قال له الله ذلك عليه بالدليل , فيكون فى ذلك معجزة، !! ويزداد الأمر طرافة لو اعتبر أنه هو بذاته نبى !!
وكل ما أقول هو من المجاراة معهم ليس إلا , فهولاء أصلًا مساكين ضل عنهم إلههم وضلوا هم عنه ؛ فلا هذا الإله يعرف كيف يتواصل معهم ولا هم يعرفون كيف يتواصلون معه ! وهذا كافٍ لهدم تلك العقيدة التى بدايتها ضلال ونهايتها ضلال , فإن هؤلاء أنكروا الأديان جميعًا ولم ينكروا وجود الخالق .. ولكنهم أنكروا وجوده عندما اكتشفنا أن هذا الخالق الذى أثبتوه قد أنكروه مع إثباتهم , فهؤلاء يثبتون العدم وهذا تناقض! بل هذا أشد تناقض يمكن الحصول عليه على الاطلاق , وانا أعتذر إذ قلت عنه تناقض فهو من مثلهم طرفة ! فهم جعلوا منه موجودًا وغير موجود فى نفس الوقت , فانظروا الى حال من لايؤمن بالله سبحانه وتعالى !!
وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ
والحمد لله رب العالمين..
تعليق