الديمقراطية والإسلام.. توأمان أم ضدان؟
بقلم: حسن الحسن
لا بدّ من مناقشة فكرة الديمقراطية وأبعاد تجسيدها في العالم الإسلامي بمنتهى الهدوء والروية وحسن التبصر.
قد يتصور البعض أنّ نقاش فكرة الديمقراطية وتحديد مدى علاقتها بالإسلام، إنما هو جدلٌُ سفسطائي لا طائل منه. والصحيح أنّ هذا الحكم هو في منتهى السطحية، ذلك أنّ مدار بحث الديمقراطية بات شأناً عالمياً، حيث يروج لها الغرب الذي تهيمن حضارته ونفوذه على العالم، على أنها النموذج الأوحد الذي يصلح للعيش البشري السويّ، ويدعو بالتالي إلى نشره وإرسائه، بل وقد يتدخل بالقوة لفرضه، لا سيّما في العالم الإسلامي. كما باتت معاييرُ سلامة الوضع الاجتماعي والثقافي والسياسي العام في أيٍ من دول العالم، تعتمد على مدى ترسيخها القيم الديمقراطية، ودلالات صحتها وعافيتها تقاس بمدى تحقق التحول الديمقراطي فيها.
ويفترض الغربُ أنّ العالم الإسلامي سيبقى معرضاً للاهتزاز والاضطراب وانعدام الاستقرار طالما غابت الديمقراطية عنه، وطالما بقي الحكم الشمولي الدكتاتوري مستمراً فيه، مما يجعله في نظرهم بؤرة توترٍ ومصدر قلقٍ دائمٍ لباقي العالم، وأنّ انعتاق المسلمين من أتون الظلم والقهر والتخلف، هو رهنٌ بمدى التقدم الديمقراطي في بلادهم.
ولقوة الدول التي تستند إليها الفكرة الديمقراطية، مضافاً إليها ذلك الوهج الذي حظيت به في العقود الأخيرة، باتت أغلب الفئات الناشطة في الميدان السياسي في العالم الإسلامي، تدّعي الديمقراطية وتدعو لها، بل وتزعم أنّها الهدف الأساسي لها، رغم مناقضتها لها عملياً أو عقائدياً أو كليهما في أغلب الأحيان.
وبهذا تتضح مدى حساسية القضية، إذ أنها تتعلق بفرض رؤية ما ينبغي أن يكون عليه واقع ومستقبل الأمة الإسلامية. ولهذا كان لا بدّ من مناقشة فكرة الديمقراطية وأبعاد تجسيدها في العالم الإسلامي بمنتهى الهدوء والروية وحسن التبصر.
وتبدو الحاجة أكثر إلحاحاً لفهم ماهية العلاقة بين الديمقراطية والإسلام، كونه يعتبر العامل الحاسم في تشكيل هوية الأمة التي تعتنقه وتعتبره وحده الصالح لإسباغ الشرعية على أية نظم أو قوانين أو أفكار تنظم شؤون حياتها، وفي حالة عدم شرعية تلك الأفكار والأحكام، فإنّه لن يكتب لها العيش في حضن هذه الأمة حتما، إلا غصبا.
وُلدت الديمقراطية كفكرة زمن الإغريق، وقد تلى ولادتها بعد عدة مئات من السنين قدوم السيد المسيح عليه السلام، ولم تذكر في الإنجيل قطّ، كما قدم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليختم الرسالات السماوية بالإسلام، ولم يرد في القرآن الكريم الذي أوحي إليه، أو السنة النبوية التي رويت عنه، نصٌ ما، يحبذ أو يحظر لفظة الديمقراطية، وعلى الرغم من ترجمةِ كثيرٍ من كتب التاريخ والفلسفة بأنواعها العقائدية والحكمية، فإنّ فكرة الديمقراطية لم تستوقف علماء الإسلام البتة، مع أنهم وقفوا طويلاً أمام أفكار دونها أهمية بكثير، وردت جراء تفاعل الأمة مع غيرها من حضارات وفلسفات الروم والفرس واليونان والهند، وكانت ترجمات كتب وأفكار حكماء اليونان كسقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم قد قتلت بحثاً، وقد ناقشها علماء الإسلام ليبدوا الموقف الشرعي منها.
كما نرى فإن القرآن الكريم لم يأت فيه ذكر الديمقراطية في أية آية من آياته لا تلميحا ولا تصريحا، كما أنها لم ترد في الكتب السماوية الأخرى كالإنجيل وغيره، كذلك فهي لم ترد في العقيدة أو الشريعة ولا حتى في أي من كتب فقهاء المذاهب باختلافها، كما أسقطتها الأمة كذلك طوال تاريخها السياسي والحضاري من أجندتها الثقافية والفكرية والسياسية، ولم تلق الديمقراطية بثقلها على العالم الإسلامي، فارضة نفسها بقوة فيه، إلا مع احتلال بلاد الإسلام من قبل الفرنسيين والإنكليز، وخضوعها للاستعمار العسكري المباشر ، فضلاً عن الهيمنة السياسية المطلقة، والغزو الفكري والثقافي، وانهيار دولة الخلافة الإسلامية.
إذن فنحن أمام محاكمة لفكرة، ليست هي بهامشيةٍ ولا بجديدةٍ أو طارئةٍ على المسلمين، كما يتوهم بعض من ينتظر فتوى لمجتهدٍ يُعمل فيها نظره، ويطل عليها باجتهادٍ معاصر!
فالديمقراطية وباتفاق، تعني حكم الشعب، الذي يضع قوانينه وينتخب حكامه على حدٍ سواء. وهذا هو تماماً ما كان معمولاً به في أثينا مصدر الفكرة قبل 500 سنة من ميلاد المسيح عليه السلام.
وقد أخذت الديمقراطية شكلاً أكثر تنظيماً إبّان الثورة الفرنسية وحصول النهضة الحديثة في أوروبا في القرن الثامن عشر، حيث باتت تشكل وجهة نظر متكاملة في الحياة، تضع تصوراتٍ للمجتمع، وتُنظِّمُ علاقة الإنسان بالدين والدنيا على حدٍّ سواء، ونتيجة لاحتدام الصراع بين الفلاسفة والمفكرين من جهة، ورجال الدين سدنة السلطة الحقيقيين من جهة أخرى، أعادت الديمقراطية الإغريقية تجديد نفسها لتفرض فصل الدين عن الحياة كأساسٍ لها، ولتجعل الشعب هو الحاكم أمام فكرة حكم الله والبابوات الذين يدعون تمثيله، ولتحصر الدّين في أماكن خاصة بالعبادة، كما نتج مقتٌ للدين إثر ذلك الاستغلال البشع له في أوروبا من قبل الحكام، حيث كان يصر رجال الدين على الجمود إلى درجة ينفر منها العقل وتحدّ من التطور والتقدم الذي تفرضه العلوم الحديثة، ممّا شكل حالة تضاد بين الكنيسة ممثلة الدين في أوروبا والعلم الذي أنتجه المفكرون والفلاسفة والمبدعون، وكذلك بين إرادة من يمثل الله على الأرض بعقل معطل وبين حاجة المجتمع إلى عقلٍ مواكب للتطورات المادية والبشرية، مما اضطر المفكرين في تلك الأجواء إلى فرض الإقامة الجبرية على الدين ليمكث في الكنيسة، وجعل الدين يختص بالفسلفات الغيبية، ومعالجة الأمور النفسية والروحية الفردية منها فقط لا غير.
والناظر للإسلام يرى أنّه قد جعل كافة المخلوقات ملكا لله تعالى يتصرف فيها كيفما شاء، قال تعالى ( ألا له الخلق والأمر)، وقد أخضع الخالق المادة لنظام قسري يسير بموجب قوانين وسنن كونية، قال تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) وأوجب على الإنسان اتباع الرسول والتزام رسالته، إلا أنه صنع له إرادة وعقلا يميزانه عن بقية الكائنات، وبهما كان لديه القدرة على الاختيار (إنّا هديناه السبيل إما شاكراً وإمّا كفورا)، وقد اعتبر الله تعالى الإسلام وحده الحق المقبول اتباعه في الحياة (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)، من ارتبط به نجا ومن تركه هلك (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى)، وجعل منه منهج حياة ونظاما للحكم (إن الحكم إلا لله)، (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)، (وإن اختلفتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول).
ومن حيث تنظيم المجتمع وطبيعة كيان الدولة، النظام السياسي فيه، فإنّ نظام الحكم في الإسلام يقوم على قواعد أربعة، على رأسها، قاعدة السيادة للشرع والسلطان للأمة، حيث يستمد الإسلام معالجات شؤون البشر التشريعية، في الاقتصاد والاجتماع والسياسة، من مصدرين وحيدين هما القرآن والسنة، إضافة لمجموعة من القواعد والأصول الشرعية المستمدة منهما. وبهذا يكون الإسلام قد ناقض جوهر الديمقراطية، حيث رفض حق الشعب كله أو أكثريته أو ممثليه بوضع قوانين يتوافقون عليها فيما بينهم دونما اعتبار لدين كالذي تقتضيه وتفرضه الديمقراطية حسب توصيف أهلها لها، ولا يقال هنا فما عيب الديموقراطية إذا حصل أن الناس اتفقوا على وضع تشريع متوافق مع الوحي!؟ الجواب: إن كان كذلك، فلا داعي لموافقتهم، لكون الشرع قد أصدر حكمه فيه وانتهى، وأما إن كان فيه مناقضة لواحدٍ من الأحكام الشرعية، فيردّ ذلك الرأي لا محالة، وإن صوتت عليه جماهير الناس بالغالبية الساحقة، يقول تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) ويقول أيضا (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله).
ومن هنا يظهر مدى التباين بين الديمقراطية والإسلام من حيث أصل ما بنيتا عليه، وأن كل ما يجمع بين جوهر الفكرتين وأساسهما إنما هو علاقة تضاد واضحة.
بقلم: حسن الحسن
لا بدّ من مناقشة فكرة الديمقراطية وأبعاد تجسيدها في العالم الإسلامي بمنتهى الهدوء والروية وحسن التبصر.
قد يتصور البعض أنّ نقاش فكرة الديمقراطية وتحديد مدى علاقتها بالإسلام، إنما هو جدلٌُ سفسطائي لا طائل منه. والصحيح أنّ هذا الحكم هو في منتهى السطحية، ذلك أنّ مدار بحث الديمقراطية بات شأناً عالمياً، حيث يروج لها الغرب الذي تهيمن حضارته ونفوذه على العالم، على أنها النموذج الأوحد الذي يصلح للعيش البشري السويّ، ويدعو بالتالي إلى نشره وإرسائه، بل وقد يتدخل بالقوة لفرضه، لا سيّما في العالم الإسلامي. كما باتت معاييرُ سلامة الوضع الاجتماعي والثقافي والسياسي العام في أيٍ من دول العالم، تعتمد على مدى ترسيخها القيم الديمقراطية، ودلالات صحتها وعافيتها تقاس بمدى تحقق التحول الديمقراطي فيها.
ويفترض الغربُ أنّ العالم الإسلامي سيبقى معرضاً للاهتزاز والاضطراب وانعدام الاستقرار طالما غابت الديمقراطية عنه، وطالما بقي الحكم الشمولي الدكتاتوري مستمراً فيه، مما يجعله في نظرهم بؤرة توترٍ ومصدر قلقٍ دائمٍ لباقي العالم، وأنّ انعتاق المسلمين من أتون الظلم والقهر والتخلف، هو رهنٌ بمدى التقدم الديمقراطي في بلادهم.
ولقوة الدول التي تستند إليها الفكرة الديمقراطية، مضافاً إليها ذلك الوهج الذي حظيت به في العقود الأخيرة، باتت أغلب الفئات الناشطة في الميدان السياسي في العالم الإسلامي، تدّعي الديمقراطية وتدعو لها، بل وتزعم أنّها الهدف الأساسي لها، رغم مناقضتها لها عملياً أو عقائدياً أو كليهما في أغلب الأحيان.
وبهذا تتضح مدى حساسية القضية، إذ أنها تتعلق بفرض رؤية ما ينبغي أن يكون عليه واقع ومستقبل الأمة الإسلامية. ولهذا كان لا بدّ من مناقشة فكرة الديمقراطية وأبعاد تجسيدها في العالم الإسلامي بمنتهى الهدوء والروية وحسن التبصر.
وتبدو الحاجة أكثر إلحاحاً لفهم ماهية العلاقة بين الديمقراطية والإسلام، كونه يعتبر العامل الحاسم في تشكيل هوية الأمة التي تعتنقه وتعتبره وحده الصالح لإسباغ الشرعية على أية نظم أو قوانين أو أفكار تنظم شؤون حياتها، وفي حالة عدم شرعية تلك الأفكار والأحكام، فإنّه لن يكتب لها العيش في حضن هذه الأمة حتما، إلا غصبا.
وُلدت الديمقراطية كفكرة زمن الإغريق، وقد تلى ولادتها بعد عدة مئات من السنين قدوم السيد المسيح عليه السلام، ولم تذكر في الإنجيل قطّ، كما قدم النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ليختم الرسالات السماوية بالإسلام، ولم يرد في القرآن الكريم الذي أوحي إليه، أو السنة النبوية التي رويت عنه، نصٌ ما، يحبذ أو يحظر لفظة الديمقراطية، وعلى الرغم من ترجمةِ كثيرٍ من كتب التاريخ والفلسفة بأنواعها العقائدية والحكمية، فإنّ فكرة الديمقراطية لم تستوقف علماء الإسلام البتة، مع أنهم وقفوا طويلاً أمام أفكار دونها أهمية بكثير، وردت جراء تفاعل الأمة مع غيرها من حضارات وفلسفات الروم والفرس واليونان والهند، وكانت ترجمات كتب وأفكار حكماء اليونان كسقراط وأفلاطون وأرسطو وغيرهم قد قتلت بحثاً، وقد ناقشها علماء الإسلام ليبدوا الموقف الشرعي منها.
كما نرى فإن القرآن الكريم لم يأت فيه ذكر الديمقراطية في أية آية من آياته لا تلميحا ولا تصريحا، كما أنها لم ترد في الكتب السماوية الأخرى كالإنجيل وغيره، كذلك فهي لم ترد في العقيدة أو الشريعة ولا حتى في أي من كتب فقهاء المذاهب باختلافها، كما أسقطتها الأمة كذلك طوال تاريخها السياسي والحضاري من أجندتها الثقافية والفكرية والسياسية، ولم تلق الديمقراطية بثقلها على العالم الإسلامي، فارضة نفسها بقوة فيه، إلا مع احتلال بلاد الإسلام من قبل الفرنسيين والإنكليز، وخضوعها للاستعمار العسكري المباشر ، فضلاً عن الهيمنة السياسية المطلقة، والغزو الفكري والثقافي، وانهيار دولة الخلافة الإسلامية.
إذن فنحن أمام محاكمة لفكرة، ليست هي بهامشيةٍ ولا بجديدةٍ أو طارئةٍ على المسلمين، كما يتوهم بعض من ينتظر فتوى لمجتهدٍ يُعمل فيها نظره، ويطل عليها باجتهادٍ معاصر!
فالديمقراطية وباتفاق، تعني حكم الشعب، الذي يضع قوانينه وينتخب حكامه على حدٍ سواء. وهذا هو تماماً ما كان معمولاً به في أثينا مصدر الفكرة قبل 500 سنة من ميلاد المسيح عليه السلام.
وقد أخذت الديمقراطية شكلاً أكثر تنظيماً إبّان الثورة الفرنسية وحصول النهضة الحديثة في أوروبا في القرن الثامن عشر، حيث باتت تشكل وجهة نظر متكاملة في الحياة، تضع تصوراتٍ للمجتمع، وتُنظِّمُ علاقة الإنسان بالدين والدنيا على حدٍّ سواء، ونتيجة لاحتدام الصراع بين الفلاسفة والمفكرين من جهة، ورجال الدين سدنة السلطة الحقيقيين من جهة أخرى، أعادت الديمقراطية الإغريقية تجديد نفسها لتفرض فصل الدين عن الحياة كأساسٍ لها، ولتجعل الشعب هو الحاكم أمام فكرة حكم الله والبابوات الذين يدعون تمثيله، ولتحصر الدّين في أماكن خاصة بالعبادة، كما نتج مقتٌ للدين إثر ذلك الاستغلال البشع له في أوروبا من قبل الحكام، حيث كان يصر رجال الدين على الجمود إلى درجة ينفر منها العقل وتحدّ من التطور والتقدم الذي تفرضه العلوم الحديثة، ممّا شكل حالة تضاد بين الكنيسة ممثلة الدين في أوروبا والعلم الذي أنتجه المفكرون والفلاسفة والمبدعون، وكذلك بين إرادة من يمثل الله على الأرض بعقل معطل وبين حاجة المجتمع إلى عقلٍ مواكب للتطورات المادية والبشرية، مما اضطر المفكرين في تلك الأجواء إلى فرض الإقامة الجبرية على الدين ليمكث في الكنيسة، وجعل الدين يختص بالفسلفات الغيبية، ومعالجة الأمور النفسية والروحية الفردية منها فقط لا غير.
والناظر للإسلام يرى أنّه قد جعل كافة المخلوقات ملكا لله تعالى يتصرف فيها كيفما شاء، قال تعالى ( ألا له الخلق والأمر)، وقد أخضع الخالق المادة لنظام قسري يسير بموجب قوانين وسنن كونية، قال تعالى (لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون) وأوجب على الإنسان اتباع الرسول والتزام رسالته، إلا أنه صنع له إرادة وعقلا يميزانه عن بقية الكائنات، وبهما كان لديه القدرة على الاختيار (إنّا هديناه السبيل إما شاكراً وإمّا كفورا)، وقد اعتبر الله تعالى الإسلام وحده الحق المقبول اتباعه في الحياة (ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه)، من ارتبط به نجا ومن تركه هلك (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا، ونحشره يوم القيامة أعمى)، وجعل منه منهج حياة ونظاما للحكم (إن الحكم إلا لله)، (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم)، (وإن اختلفتم في شيء فردّوه إلى الله والرسول).
ومن حيث تنظيم المجتمع وطبيعة كيان الدولة، النظام السياسي فيه، فإنّ نظام الحكم في الإسلام يقوم على قواعد أربعة، على رأسها، قاعدة السيادة للشرع والسلطان للأمة، حيث يستمد الإسلام معالجات شؤون البشر التشريعية، في الاقتصاد والاجتماع والسياسة، من مصدرين وحيدين هما القرآن والسنة، إضافة لمجموعة من القواعد والأصول الشرعية المستمدة منهما. وبهذا يكون الإسلام قد ناقض جوهر الديمقراطية، حيث رفض حق الشعب كله أو أكثريته أو ممثليه بوضع قوانين يتوافقون عليها فيما بينهم دونما اعتبار لدين كالذي تقتضيه وتفرضه الديمقراطية حسب توصيف أهلها لها، ولا يقال هنا فما عيب الديموقراطية إذا حصل أن الناس اتفقوا على وضع تشريع متوافق مع الوحي!؟ الجواب: إن كان كذلك، فلا داعي لموافقتهم، لكون الشرع قد أصدر حكمه فيه وانتهى، وأما إن كان فيه مناقضة لواحدٍ من الأحكام الشرعية، فيردّ ذلك الرأي لا محالة، وإن صوتت عليه جماهير الناس بالغالبية الساحقة، يقول تعالى (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) ويقول أيضا (وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله).
ومن هنا يظهر مدى التباين بين الديمقراطية والإسلام من حيث أصل ما بنيتا عليه، وأن كل ما يجمع بين جوهر الفكرتين وأساسهما إنما هو علاقة تضاد واضحة.
تعليق