نصرانية أم وثنيّة[1]:
اعتنقت أوربا النصرانية (عام 325م) بعد مجمع نيقية، بأمر من الإمبراطور قسطنطين.. ولكنّها لم تعتنق دين المسيح عيسى عليه السلام، بل دين اليهوديّ بولص (شاؤول)، الذي دخل في النصرانية بعد وفاة المسيح، فأدخل فيها الوثنية.. وكانت أوربا قبل ذلك تحت الحضارة الرومانية الجاهلية، فلم تنتفع من الدين الجديد بشيء، بل انتقلت من وثنية إلى وثنية!!.. لكن الوثنية الجديدة كانت كارثة كبرى على أوربا، حيث حطّمت حضارتها، وابتدأت بها عصورها الوسطي المظلمة، التي امتدت من عام 410م (تاريخ سقوط روما بأيدي البرابرة) إلى عام 1210م (تاريخ ظهور أول ترجمة لكتب أرسطو في أوربا).
ثمانية قرون من التيه، اصطلح المؤرخون الغربيون على تسميتها بالعصور المظلمة، حيث تزامن الانحطاط الكامل في كافة الفنون والعلوم، مع انتشار النصرانية في أوربا، وانتقال العاصمة من روما إلى القسطنطينية بعد الاجتياح البربري.
فهما حدثان ربط بينهما بعض المؤرخين، مثل (إدوراد جيبون) أكبر مؤرخي تلك الفترة، وحكم بأن سبب انهيار الإمبراطورية الغربية: تحولها من الوثنية إلى النصرانية!!
ومن هنا ارتبطت الوثنية بالحضارة والقوة، والدين بالهزيمة والانحطاط في الذهنية الأوربية، منذ فترة مبكرة، وهو ما كان له آثار بعيدة المدى في علاقة أوربا بالدين.
فالربط بين انهيار الحضارة الرومانية بتحول أوربا إلى النصرانية، والممارسة الكنسية الدكاتورية، حمل الأوربي على التشاؤم والنفور من الدين جملة، وكان له الحق في ذلك.
وقد كان من الممكن أن يكون الإسلام هو الدين البديل الصحيح، الذي يصحح للذهنية الأوربية كثيرا من الأفكار السلبية التي علقت بها تجاه الدين، لولا أن البابوات أججوا العنصرية والكراهية تجاه الإسلام بوصفه بأبشع النعوت، وحملوا الشعوب على الخروج لقتال المسلمين فيما عرف بالحملات الصليبية، وهي وإن كانت لها الأثر الكبير في ترسيخ النفور من الإسلام، إلا أنها كذلك كانت نقطة تحول كبير في التاريخ الأوربي.
لقد كانت الحروب الصليبية بالنسبة لأوربا كشف غطاء عن ناحية مستورة لم تدرك يوما وجودها، من القيم والكرامة والحضارة، ففتحت عينيها بعد طول غمْضٍ على واقع جميل، لم تحلم به يوما، وهي تعيش تحت سلطة البابوات والإقطاعيين والملوك:
- لقد رأت أوربا عظم مدن الإسلام، فأصغر مدينة كانت تبلغ عشرة أضعاف العاصمة روما.
- وأوربا التي لم تعرف قرونا كتابا إلا الإنجيل، ولا قارئا إلا القسيس، تذهل للمكتبات الهائلة في مدن الإسلام، وهي تحوي كل الفنون، من الفلك إلى الأدب.
- وفي الوقت الذي كان فيه الأوربي لايستطيع القيام بصلاته إلا من خلال القسيس، يرى المسلم يعبد ربه بلا واسطة، في بيوت كثيرة.
- والشعب الأوربي الذي يعيش جُلّه العبودية، يجد المسلمين أحرارا، يفعلون ما شاءوا، دون سلطة كهنوتيّة أو عبوديّة إقطاعيّة.
- وبينما كانت الكنيسة تحرق وتعذب العلماء، كان لعلماء المسلمين المنزلة والقدر الكبير.
- وقد رأوا كيف يتعامل المسلمون بالعهود والمواثيق في السلم والحرب، عكس ما كانوا هم عليه.
- وفي الوقت الذي كان الأوربي يعتقد أن القيصر من نسل الآلهة، وأن الله أعطاه حقا مطلقا في الحكم، يرى المسلمين وسلاطينهم تارةً من العرب، وتارةً من الترك، وهم بشر كسائر البشر.
- وبينما كان الغربيون منغلقين، لايعرفون إلا أوربا، كان المسلمون يجوبون الأرض شرقا وغربا، حتى إنهم اكتشفوا أجزاء من شمال أوربا قبل أن تعرفها أوربا.. هذا عدا العالم الشرقي برا وبحرا.
- أوربا التي كانت تتداوى بمركّبات من الروث والبول وأشلاء الحشرات الميتة، تفاجأ بالعالم الإسلامي زاخرا بالمستشفيات والمعامل القائمة على المنهج التجريبي، والموسوعات الطبية
نار تحت الرماد:
لقد كان الاحتكاك نقطة التصحيح والانطلاق من الأغلال.. لكن هذا التحرر لم يحدث بين يوم وليلة، بل امتد قرونا، كان التحرر فيها يسير ببطء، لكن بإصرار، يظهر ذلك في محاولات العلماء كسر طوق الكنيسة حول المسائل العلمية، وتحملهم لأجل ذلك التعذيب والقتل والتحريق.. وكذا الحركات الإصلاحية، مثل حركة مارتن لوثر وكالفن.
لقد بلغ إعجاب أوربا بالحضارة الإسلامية أن الإمبراطوار (فرديدرك الثاني)، وهو من أكبر أباطرة القرون الوسطى كان يتحدث العربية، وكان بلاطه عربي العلم واللسان، وحينما قابل الملك الكامل الأيوبي للصلح لم يحتج إلى مترجم، ولهذا اتهمته الكنيسة بالإسلام، وسمته الزنديق الأعظم!!
وظهرت في أوربا حركة تحطيم الصور والتماثيل في أوائل القرن الثامن الميلادي.. وممن أصدر مرسوما بذلك الإمبراطور (ليو الثالث)، إلى أن عادت إلى الوثنية والتصوير مرة أخرى بأمر الإمبراطورة (إيريني) بعد مجمع نيقية الثاني 787م.
وكان نقد الغرب لمنطق أرسطو واتخاذهم المنهج التجريبي بدلا من الفكريّ المجرد، تقليدا للمسلمين الذين رفضوا هذا العلم الإغريقي قبلَهم بقرون.
وغيّر ذلك من مظاهر التأثّر، التي غيّرت شكل أوروبا بالتدريج، إلى أن جاءت الثورة اللوثريّة، تمرّدا على السيطرة الكاملة التي مارستها الكنيسة الكاثوليكية على المجتمعات الأوربية برمتها، حيث نجحت في جعل الفرد ـ لا الكنسية وسلطاتها الإكليركية ـ المرجع في تفسير الكتاب المقدس، ومن ثم في إقرار نمط الحياة، وقد كان لهذه العودة إلى التركيز على الفرد أثر هام في نشوء الليبرالية في أوروبا.
[1] من بحث عن الليبراليّة لكاتبه (أبو سارة):
http://www.khayma.com/alhkikh/Gharb/Deen/wathaniah.htm
اعتنقت أوربا النصرانية (عام 325م) بعد مجمع نيقية، بأمر من الإمبراطور قسطنطين.. ولكنّها لم تعتنق دين المسيح عيسى عليه السلام، بل دين اليهوديّ بولص (شاؤول)، الذي دخل في النصرانية بعد وفاة المسيح، فأدخل فيها الوثنية.. وكانت أوربا قبل ذلك تحت الحضارة الرومانية الجاهلية، فلم تنتفع من الدين الجديد بشيء، بل انتقلت من وثنية إلى وثنية!!.. لكن الوثنية الجديدة كانت كارثة كبرى على أوربا، حيث حطّمت حضارتها، وابتدأت بها عصورها الوسطي المظلمة، التي امتدت من عام 410م (تاريخ سقوط روما بأيدي البرابرة) إلى عام 1210م (تاريخ ظهور أول ترجمة لكتب أرسطو في أوربا).
ثمانية قرون من التيه، اصطلح المؤرخون الغربيون على تسميتها بالعصور المظلمة، حيث تزامن الانحطاط الكامل في كافة الفنون والعلوم، مع انتشار النصرانية في أوربا، وانتقال العاصمة من روما إلى القسطنطينية بعد الاجتياح البربري.
فهما حدثان ربط بينهما بعض المؤرخين، مثل (إدوراد جيبون) أكبر مؤرخي تلك الفترة، وحكم بأن سبب انهيار الإمبراطورية الغربية: تحولها من الوثنية إلى النصرانية!!
ومن هنا ارتبطت الوثنية بالحضارة والقوة، والدين بالهزيمة والانحطاط في الذهنية الأوربية، منذ فترة مبكرة، وهو ما كان له آثار بعيدة المدى في علاقة أوربا بالدين.
فالربط بين انهيار الحضارة الرومانية بتحول أوربا إلى النصرانية، والممارسة الكنسية الدكاتورية، حمل الأوربي على التشاؤم والنفور من الدين جملة، وكان له الحق في ذلك.
وقد كان من الممكن أن يكون الإسلام هو الدين البديل الصحيح، الذي يصحح للذهنية الأوربية كثيرا من الأفكار السلبية التي علقت بها تجاه الدين، لولا أن البابوات أججوا العنصرية والكراهية تجاه الإسلام بوصفه بأبشع النعوت، وحملوا الشعوب على الخروج لقتال المسلمين فيما عرف بالحملات الصليبية، وهي وإن كانت لها الأثر الكبير في ترسيخ النفور من الإسلام، إلا أنها كذلك كانت نقطة تحول كبير في التاريخ الأوربي.
لقد كانت الحروب الصليبية بالنسبة لأوربا كشف غطاء عن ناحية مستورة لم تدرك يوما وجودها، من القيم والكرامة والحضارة، ففتحت عينيها بعد طول غمْضٍ على واقع جميل، لم تحلم به يوما، وهي تعيش تحت سلطة البابوات والإقطاعيين والملوك:
- لقد رأت أوربا عظم مدن الإسلام، فأصغر مدينة كانت تبلغ عشرة أضعاف العاصمة روما.
- وأوربا التي لم تعرف قرونا كتابا إلا الإنجيل، ولا قارئا إلا القسيس، تذهل للمكتبات الهائلة في مدن الإسلام، وهي تحوي كل الفنون، من الفلك إلى الأدب.
- وفي الوقت الذي كان فيه الأوربي لايستطيع القيام بصلاته إلا من خلال القسيس، يرى المسلم يعبد ربه بلا واسطة، في بيوت كثيرة.
- والشعب الأوربي الذي يعيش جُلّه العبودية، يجد المسلمين أحرارا، يفعلون ما شاءوا، دون سلطة كهنوتيّة أو عبوديّة إقطاعيّة.
- وبينما كانت الكنيسة تحرق وتعذب العلماء، كان لعلماء المسلمين المنزلة والقدر الكبير.
- وقد رأوا كيف يتعامل المسلمون بالعهود والمواثيق في السلم والحرب، عكس ما كانوا هم عليه.
- وفي الوقت الذي كان الأوربي يعتقد أن القيصر من نسل الآلهة، وأن الله أعطاه حقا مطلقا في الحكم، يرى المسلمين وسلاطينهم تارةً من العرب، وتارةً من الترك، وهم بشر كسائر البشر.
- وبينما كان الغربيون منغلقين، لايعرفون إلا أوربا، كان المسلمون يجوبون الأرض شرقا وغربا، حتى إنهم اكتشفوا أجزاء من شمال أوربا قبل أن تعرفها أوربا.. هذا عدا العالم الشرقي برا وبحرا.
- أوربا التي كانت تتداوى بمركّبات من الروث والبول وأشلاء الحشرات الميتة، تفاجأ بالعالم الإسلامي زاخرا بالمستشفيات والمعامل القائمة على المنهج التجريبي، والموسوعات الطبية
نار تحت الرماد:
لقد كان الاحتكاك نقطة التصحيح والانطلاق من الأغلال.. لكن هذا التحرر لم يحدث بين يوم وليلة، بل امتد قرونا، كان التحرر فيها يسير ببطء، لكن بإصرار، يظهر ذلك في محاولات العلماء كسر طوق الكنيسة حول المسائل العلمية، وتحملهم لأجل ذلك التعذيب والقتل والتحريق.. وكذا الحركات الإصلاحية، مثل حركة مارتن لوثر وكالفن.
لقد بلغ إعجاب أوربا بالحضارة الإسلامية أن الإمبراطوار (فرديدرك الثاني)، وهو من أكبر أباطرة القرون الوسطى كان يتحدث العربية، وكان بلاطه عربي العلم واللسان، وحينما قابل الملك الكامل الأيوبي للصلح لم يحتج إلى مترجم، ولهذا اتهمته الكنيسة بالإسلام، وسمته الزنديق الأعظم!!
وظهرت في أوربا حركة تحطيم الصور والتماثيل في أوائل القرن الثامن الميلادي.. وممن أصدر مرسوما بذلك الإمبراطور (ليو الثالث)، إلى أن عادت إلى الوثنية والتصوير مرة أخرى بأمر الإمبراطورة (إيريني) بعد مجمع نيقية الثاني 787م.
وكان نقد الغرب لمنطق أرسطو واتخاذهم المنهج التجريبي بدلا من الفكريّ المجرد، تقليدا للمسلمين الذين رفضوا هذا العلم الإغريقي قبلَهم بقرون.
وغيّر ذلك من مظاهر التأثّر، التي غيّرت شكل أوروبا بالتدريج، إلى أن جاءت الثورة اللوثريّة، تمرّدا على السيطرة الكاملة التي مارستها الكنيسة الكاثوليكية على المجتمعات الأوربية برمتها، حيث نجحت في جعل الفرد ـ لا الكنسية وسلطاتها الإكليركية ـ المرجع في تفسير الكتاب المقدس، ومن ثم في إقرار نمط الحياة، وقد كان لهذه العودة إلى التركيز على الفرد أثر هام في نشوء الليبرالية في أوروبا.
[1] من بحث عن الليبراليّة لكاتبه (أبو سارة):
http://www.khayma.com/alhkikh/Gharb/Deen/wathaniah.htm
تعليق