نظرات فى القصة الإنجيلية بشأن
زواج مريم وحملها وولادة يسوع
إن ميلاد عيسى عليه السلام قد اختلفت فيه الديانات الكبرى الثلاثة: اليهودية والمسيحية والإسلام. فلم يعترف اليهود بعيسى عليه السلام، واتهموا أمه الطاهرة بالزنى والعهارة، وأنها كانت على علاقة آثمة بجندى رومانى يُدعى بانديرا، ومنه أنجبت يسوع. ويرى المسلمون فى ميلاده إعجاز أتم الله به سلسلة معجزات خلق الإنسان: فقد خلق آدم بدون أب أو أم، وخلق حواء بدون نُكاح، من رجل فقط، وخلق البشر من التزاوج بين الرجل والمرأة، وخلق عيسى عليه السلام من امرأة عذراء دون زواج. فكيف يراه المسيحيون من واقع كتابهم الذى يقدسونه؟
يحكى متى أن الله تعالى أرسل ملاكه جبريل إلى يوسف خطيب مريم، عندما لاحظ عليها علامات الحمل، وهمَّ بتطليقها سرًا: (18أَمَّا وِلاَدَةُ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَكَانَتْ هَكَذَا: لَمَّا كَانَتْ مَرْيَمُ أُمُّهُ مَخْطُوبَةً لِيُوسُفَ قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَا وُجِدَتْ حُبْلَى مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 19فَيُوسُفُ رَجُلُهَا إِذْ كَانَ بَارّاً وَلَمْ يَشَأْ أَنْ يُشْهِرَهَا أَرَادَ تَخْلِيَتَهَا سِرّاً. 20وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هَذِهِ الأُمُورِ إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 21فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ». 22وَهَذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ: 23«هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ» (الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللَّهُ مَعَنَا). 24فَلَمَّا اسْتَيْقَظَ يُوسُفُ مِنَ النَّوْمِ فَعَلَ كَمَا أَمَرَهُ مَلاَكُ الرَّبِّ وَأَخَذَ امْرَأَتَهُ. 25وَلَمْ يَعْرِفْهَا حَتَّى وَلَدَتِ ابْنَهَا الْبِكْرَ. وَدَعَا اسْمَهُ يَسُوعَ.) متى 1: 18-25
ويحكى لوقا لنا أن الله تعالى أرسل ملاكه جبريل (جبرائيل) إلى عذراء مخطوبة لرجل يُدعى يوسف بن هالى، وأخبرها أنها ستحمل وتلد ابنًا: (26وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُهَا نَاصِرَةُ 27إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُلٍ مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. 28فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ: «سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ». 29فَلَمَّا رَأَتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلاَمِهِ وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّحِيَّةُ! 30فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ: «لاَ تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. 31وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْناً وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. 32هَذَا يَكُونُ عَظِيماً وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ 33وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».34فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلْمَلاَكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟» 35فَأَجَابَ الْمَلاَكُ: «اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضاً الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. 36وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضاً حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا وَهَذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ الْمَدْعُوَّةِ عَاقِراً 37لأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ». 38فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبِّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا الْمَلاَكُ.39فَقَامَتْ مَرْيَمُ فِي تِلْكَ الأَيَّامِ وَذَهَبَتْ بِسُرْعَةٍ إِلَى الْجِبَالِ إِلَى مَدِينَةِ يَهُوذَا 40وَدَخَلَتْ بَيْتَ زَكَرِيَّا وَسَلَّمَتْ عَلَى أَلِيصَابَاتَ. 41فَلَمَّا سَمِعَتْ أَلِيصَابَاتُ سَلاَمَ مَرْيَمَ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ فِي بَطْنِهَا وَامْتَلَأَتْ أَلِيصَابَاتُ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 42وَصَرَخَتْ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ وَقَالَتْ: «مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النِّسَاءِ وَمُبَارَكَةٌ هِيَ ثَمَرَةُ بَطْنِكِ! 43فَمِنْ أَيْنَ لِي هَذَا أَنْ تَأْتِيَ أُمُّ رَبِّي إِلَيَّ؟ 44فَهُوَذَا حِينَ صَارَ صَوْتُ سَلاَمِكِ فِي أُذُنَيَّ ارْتَكَضَ الْجَنِينُ بِابْتِهَاجٍ فِي بَطْنِي. 45فَطُوبَى لِلَّتِي آمَنَتْ أَنْ يَتِمَّ مَا قِيلَ لَهَا مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ».) لوقا 1: 26-41
1- نبدأ بالتذكير بقولهم (إن الآب والابن والروح القدس ثلاثة أقانيم فى شخص واحد، ولا ينبغى على أى إنسان أن يفهم أنهم ثلاثة آلهة، بل هم إله واحد). وعلى ذلك فإن الذى حبَّل مريم يكون هو إذًا الابن الذى هو نفسه الأب والروح القدس. أى الابن حبَّل أمه،وهذا زنى محارم، فأى أخلاق يتعلمها شعب الكنيسة؟هل على شعب الكنيسة أن يتعلم مثلا زنى المحارم، وأن معاشرة الابن لأمه أنجبت خير المخلوقات؟ ولا يجب أن تنسوا أن الابن جاء من نسل داود أيضًا عن طريق أجداد اقترفوا زنى المحارم، منهم يهوذا، الذى أنجب فارص وزارح من زوجة ابنه ثامار.
2- نفهم من قصة الميلاد عند لوقا أن ملاك الرب نزل إلى مريم وأخبرها بالحمل، ولكنها تعجبت أن تحمل وتلد ابنًا، دون أن تعرف رجل. فكيف لم يتبادر إلى ذهنها أن الملاك يزف إليها بشارة إتمام الزواج من خطيبها يوسف وأنها ستجنى ثمرة منه، هذا لو كانت مخطوبة؟ بل كيف لم تحرص على اخبار خطيبها الذى هو زوجها فى عرف اليهود؟ وكيف لم تبلغ الكاهن أو لم تُعلم زكريا أو حتى أليصابات؟ ولكنك تُفاجأ أن أليصابات نفسها تعلم أن مريم حامل، ولا تجد تعجب من حمل الفتاة الصغيرة، ولا شك من احتمال وقوع الزنى حتى لو مع خطيبها أو اغتصابها!
3- لا تعرف مريم شيئًا بالمرة عن نزول ملاك الرب فى حلم ليوسف خطيبها كما يحكى متى، ولا يوجد نص واحد يُشير إلى حديث ثنائى بينها وبين خطيبها فى كل الكتاب. أليس من المنطق أن يجلس الاثنان للتشاور فى هذا الأمر الذى يخص كيان الأسرة بأكملها وتتعلق به حياتهما؟ لكن العجيب أن الاثنين لم يبديا خوفًا من أن يحكم عليهما المجمع بالرجم، ولا قلق على سمعة العائلة أو سمعتهما الشخصية.
4- لا يوثق إلا فى رؤيا نبى، وبما أن يوسف لم يكن نبيًا، فكيف تأكد من أن الهاتف أو الشبح أو الشخص الذى زاره فى المنام هو ملاك، وعلى الأخص أنه قد جاوز التسعين، وأنه قد نام مهمومًا بسبب معرفته لحملها وهو لم يمسسها؟ ولم يخبر ملاك الرب مريم أنه قد أخبر خطيبها أو سيخبره، ولم تفكر هى فى خطيبها، كما لو كان الأمر يحدث يوميًا مع العديد من البنات،أو لا يوجد خطيب أو رجل فى حياتها.
5- إن من يقرأ ما يكتبه متى 1: 18-19 يرى أن حمل مريم كان بالنسبة لها شىء غير ملاحظ، أو شىء طبيعى أن تحمل من مجهول، ولا تخبر به أحد، وعلى الأخص زوجها!! فلم يبيِّن متَّى كيف استقبلت مريم بمفردها خبر الحمل هذا، فهى لم يخبرها أحد عنده، ولم ينزل الملاك إلا على يوسف فقط، الأمر الذى تداركه لوقا، وضرب بيوسف عرض الحائط، فقد كانت عنده صاحبة الحمل أهم، وإلا لظنت نفسها مريضة، ولعرضت نفسها على الأطباء!!
6- يدعى متى أن ملاك الرب عنده قال ليوسف: (20وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هَذِهِ الأُمُورِ إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.) متى 1: 20، أليس من الغريب أن ينادى الملاك يوسف باسمه ولقب العائلة؟ إن مثل هذا النداء يُستخدم عند وجود أكثر من يوسف فى نفس المجلس! إنها حركة مصطنعة جدًا تبين أن الكاتب تعمدها ليثبت أن يوسف من نسل داود.
7- أليس من الملفت للنظر أن يأتى ملاك الرب ليوسف يأمره بالخروج وسفر إلى مصر يستغرق 14 يومًا فى ذلك الوقت، دون أن يسأله يوسف عن أيسر الطرق وأسرعها للوصول إلى مصر فى سلام وأمان أو حتى فى أى مكان فى مصر ينبغى عليهم الإقامة فيه أو النزول به؟ ثم إذا كان أمر سلامة الرب والحفاظ عليه تهم هذا الملاك، فلماذا لم يرفعهما على أحد جناحيه ويطير بهم إلى مصر؟ أين نجد بر الرب بأمه التى أنجبته وبأبيه الذى رباه فى أن يتركهما فى معاناة السفر وسط الصحراء بحرارة شمسها، وبرد ليلها، وعطش نهارها، ومشقة التعب والخوف من قُطَّاع الطرق والحيوانات المفترسة دون أن يأمر ملاكه بحملهم إلى مصر؟
8- لم يظهر يوسف النجار فى الكتاب إلا نادرًا، وعلى الأخص فى قصة ميلاد يسوع، ثم ظهر بعد ذلك فى تعريف الناس ليسوع أنه ابن النجار أو ابن يوسف. ولم نجد لفظًا يُشير به الناس إليه على أنه ابن مريم العذراء. ولو سلمنا أن يسوع تربى فى بيت يوسف ومريم زوجته لكان من مجافاة البر ألا يتذكر لهم الرب فى كتابه ذكرى طيبة يشير بها إلى شكره العميق على ولادة أمه له وتربية الاثنين له. فقد كان هذا أولى من ذكر دخوله أورشليم على جحش وأتانة.
9- وأول ذكر له خارج ما يُسمَّى بالعهد الجديد كان عام 850 تقريبًا، ومنذ ذلك الوقت وبدأت يزداد النظر إليه كقديس. بل إن إحاطته بهالة القداسة نبعت فقط من زواجه بمريم، كما يقول ليو الثالث عشر. ارجع إلى:
Schmid, W.: Die Würde des hl. Josef, S. 4-5
ولا نعرف عنه من الكتاب أو من خارجه إلا أنه كان نجارًا، وتزوج مريم أم يسوع، وكان مطيعًا للرب، وتولى رعاية وتربية يسوع حتى مات، بعد أن بلغ يسوع الثانية عشرة، ولا نعرف متى على وجه التحديد.
ويُقام له احتفالان فى الغرب: العيد الكبير، ويتم الاحتفال به فى 19 مارس، وأدخلته الكنيسة الكاثوليكية ضمن قائمة الأعياد فى عام 1479، والعيد الثانى هو يوم تخليد ذكراه، ويوافق اليوم الأول من شهر مايو، وهذا اخترعه البابا بيوس الثانى عشر. ومن الجدير بالذكر أيضًا أن البابا يوحنا الثالث والعشرين قد أقحم اسم يوسف فى الصلاة الكبرى الخاصة بالقربان المقدس وذلك ابتداءً من عام 1962. (ارجع إلى Mass-Ewerd: Joseph. II. Liturgie-West, S. 437)
وعلى الرغم من أن حياته تعتبر هامشية من الناحية التاريخية، إلا أنه بين عامى 1517 و1980 تسمَّت 172 جمعية دينية باسمه، كما أن البابا بيوس التاسع اعتبره فى عام 1870 الشفيع الحامى للكنيسة، وفى عام 1955 أصبح الشفيع الحامى لطائفة النجارين والصناع، ثم اعتبره يوحنا الثالث والعشرين شفيع المجمع الفاتيكانى الثانى. (Rovira: Joseph. III Theologiegeschichte, S. 438)
10- ذكر متى أن اسم أبى يوسف رجل مريم هو يعقوب، وذكر لوقا أن اسمه هالى، وفى الحقيقة إن هذه المشكلة التى نلمسها فى اختلاف اسم أبى يوسف بين متى ولوقا ليس لها حل، وكل ما لدى علمائهم هى تخمينات لا دليل على صحتها، بنيت على اعتبار أن هذا الكلام كلام الرب، وبالتالى بدأت عملية افتراض احتمالات وحلول غير منطقية:
فبينما يفترض أحدهم أن يعقوب وهالى كانوا أخوين، وتزوج هالى امرأة ولم ينجب منها، ومات، وبموته تزوج أخوه يعقوب نفس المرأة لينجب لأخيه نسلا، ويُسمَّى باسم هالى. وعلى ذلك فهو ابن يعقوب على وجه الحقيقة، وابن هالى عن طريق القانون الذى يسمح بذلك.
ومثل هذا الإفتراض مقضى عليه فى مهده، إذ تختلف أسماء أبوى يعقوب وهالى وجديهما وجدى أبويهما، الأمر الذى يوضح أنهما لم يكونا أخين ليصح هذا الافتراض المزعوم.
ويفترض آخرون أن نسب يسوع جاء عند متى ليوسف بن يعقوب، بينما كان عند لوقا نسب مريم. وهنا تواجهنا عدة مشاكل:
أولا: إن يسوع ليس له علاقة جسديًا بيوسف هذا ، وعلى ذلك فإن نسبه عند متى يخص يوسف فقط.
ثانيًا:إن النسب الذى يدعون أنه لمريم غير محتمل مطلقًا لأن اليهود كانوا يكتبون النسب للأب، ولا علاقة لهذا بالأم. والدليل عل ذلك قولهم إن المرأة التى يموت زوجها دون ذرية تتزوج أخيه وتُسمَّى الذرية باسم الزوج المتوفى لتستمر سلالاته. ولو جاز أن يكون النسل عن طريق الأم، لتزوجت المرأة التى يموت زوجها دون ذرية بأى رجل من أى قبيلة ونسبت الذرية أيضًا للزوج المتوفى.
ثالثًا: لو كان هذا النسب لمريم فلماذا أقحم يوسف فيه؟ ولو كان هالى أبو مريم لكان لوقا بذلك يسب مريم ويتهمها بالزنا من أبيها أو أن ابنها جاء من سفاح فنسبته إلى عائلتها، كما يحث اليوم فى أوروبا وأمريكا. ومع ذلك مازالت مشكلة إقحام يوسف فى النسب تقف عقبة كؤود أمام العلماء.
لكن أليس من الغريب ألا يُسمَّى يسوع باسم أمه طالما أنهم يؤمنون بميلاده الإعجازى دون رجل؟ لقد أهلكوا أنفسهم فى تبريرات وأضاعوا وقتهم ووقتنا فى مماحكات، أليس من الأفضل لنا ولكم لو كان الرب قد ذكر أن يسوع ابن مريم، وتظل مريم دون زواج أو خطوبة لإبراز هذه المعجزة وتخليدها؟
11- وكما اختلفوا فى اسمه اختلفوا أيضًا فى وظيفته، فبينما تذكر الأناجيل أنه كان نجارًا، إلا أن القديس إيزيدور قد ذكر أنه كان حدادًا. وهناك تخمينات لغوية بنيت على اللفظة اللاتينية تحاول أن تؤكد أنه كان نجارًا، وتُنسب الخطأ لكل من قال إنه حداد.
12- كانت الخطوبة عند اليهود بمثابة الزواج بمفهومنا اليوم،دون إقامة علاقة جنسية، وذلك بمجرد التوقيع على عقد الخطوبة. وإذا مات الخطيب (الزوج) بعدها أصبحت الخطيبة (الزوجة) أرملة، وترثه فيما تركه.
13- تدعى بعض الكتب الأبوكريفا وبعض الكتابات اليونانية أن يوسف النجار قد سبق له الزواج من قبل زواجه بمريم، بل أنجب من زواجه الأول ستة أولاد، وهم الذين ذكرهم مرقس باسم اخوة يسوع (مرقس 3: 31-35).
ويقول المفسرون الكاثوليك إن من بين هذه الأسماء أولاد عمومته وأشخاص ينتمون لقرابة بعيدة. إلا أن البروتستانت يرون أن اخوته هم ذرية يوسف ومريم بعد يسوع، وهذا الرأى يقول به أيضًا ترتليان، أحد آباء القرن الثالث. ويرى الأرثوذكس أن اخوة يسوع هم من يوسف الذى سبق له أن تزوج من قبل وأنجبهم، وقد بنوا رأيهم هذا على إنجيل البروت Protoevangelium الذى يرجع إلى القرن الثانى الميلادى، وهو من الكتب غير المعترف بها من قانون الكنيسة.
14- ما الذى جعل يوسف يؤجل زواجه ودخوله بمريم؟ فقد كان الخطيب اليهودى صغير السن يؤجل دخوله بخطيبته إلى حين بناء نفسه، أو تجهيز شقة لعروسه أو ما إلى ذلك. فإما كان يوسف هذا صغير السن، وتم تأجيل الدخول بزوجته، وإما كان كبير السن ويملك مقومات الزواج وبنى على الفور بزوجته. إلا أن الكتب الأبوكريفا تصف يوسف بأنه كان شيخًا فى التسعينات من عمره. ومع ذلك يميل العقل إلى اعتباره شابًا يتحمل السفر إلى مصر والغربة والعودة إلى فلسطين مرة أخرى.
يؤيدنا فى ذلك الأعمال الفنية من الرسومات وغيرها التى تنتمى إلى العصر المسيحى الأول. وابتداءً من القرن الخامس أو السادس ابتدأ الفنانون فى اعتباره رجلاً مسنًا.
15- لماذا وافق التقليد الكنسى على اعتبار يوسف زوج مريم شيخًا مسنًا قد جاوز التسعين من عمره؟ فلو وافقت الكنيسة على زواج مريم، لكان من المنطق أن تتزوج من يناسبها سنًا ودينًا وعقلاً، إلا أن الكنيسة تحاول استبعاد هذا الحل لتنفى أدنى شبهة عن مجامعة الرجل لزوجته. لهذا نجد أن تقليد الآباء يعتبر الزواج دنس، وأن القديس هو من حرم النساء على نفسه، أو خصى نفسه كما فعل جيروم وغيره.
16- أما عن سبب خطوبة العذراء ليوسف النجار فقد تبنى أوريجانوس الرأى القائل إن الرب أراد أن يخبىء الميلاد العذرى للمسيح عن الشيطان. وقد استند فى رأيه هذا على رأى أغناطيوس الأنطاكى. كما ذكرها جيروم فى تعليقه على إنجيل متى. وربما ترجع أيضًا إلى أوريجانوس.
ونحن نرى أن هذا كفر بيِّن، إذ أنهم نسبوا بذلك إلى الرب الضعف والخوف من الشيطان. نعم الخوف من الشيطان! فكتبة الأناجيل الثلاثة الأولى المتوافقة كانوا يؤمنون أن الشيطان أعظم من الرب وأحكم منه، أو هكذا أرادوا أن يؤمن أتباع هذا الكتاب، فذكروا أنه بعد أن امتلأ يسوع من الروح القدس وتعمَّد فى نهر الأردن، أسره الشيطان لمدة أربعين يومًا فى الصحراء!! (متى 4: 1-9، لوقا 4: 1-11)
وإذا كان الرب هو خالق السماوات والأرض، فقد اقتسم معه الشيطان هذا الملكوت، فأصبح الشيطان هو إله هذا الدهر وسيد ورئيس هذا العالم: (31اَلآنَ دَيْنُونَةُ هَذَا الْعَالَمِ. اَلآنَ يُطْرَحُ رَئِيسُ هَذَا الْعَالَمِ خَارِجاً.) يوحنا 12: 31، (4الَّذِينَ فِيهِمْ إِلَهُ هَذَا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، ....) كورنثوس الثانية 4: 4
كما بيَّنوا عظمة الشيطان ومساواته فى القدرة مع الرب، الأمر الذى جعل الرب يتحايل على الشيطان بأن خلط الأنساب أو هكذا تراءى الأمر لكل الناس، وجاء من امرأة مخطوبة لرجل آخر، تتويهًا للشيطان وتعمية له. وبالتالى انتصر الشيطان فى النهاية، إذ شوَّه سمعة الرب، وجعل المؤمنين به يظنون أنه جاء من نسل يوسف أى من نسل زنى، واعتقل يسوع لمدة أربعين يومًا، فى رسالة موجهة لكل البشر الذين يقرأون هذا الكتاب الذى يقدسونه، ويؤمنون أن الشيطان قادر على كل شىء، وأن مهما فعل الرب ليحمى مسيحه، فهو قادر ليس فقط على اعتقاله، بل على الخلاص منه، وذلك بأن جعل أسافلة القوم من اليهود يقتلونه!! وهذه هى آراء آباء الكنيسة والتقليد الذى يتمسكون به.
17- ويرى آخرون أن سبب زواج مريم من يوسف هو حماية مريم نفسها التى لم تكن متزوجة، وحتى يحمى المخلص الذى سيأتى منها، كى لا يتقول عليه الناس، أو يتهمونه بتهمة الابن غير الشرعى. ونجد مثل هذه الأفكار أيضًا فى التقليد القديم للكنيسة اليونانية، التى تعتبر مريم كتابًا مغلقًا مختومًا، وعهد إلى يوسف بحمايته فقط. وإضافة إلى ذلك اعتبر البعض يوسف نفسه شاهدًا على الميلاد العذرى لمريم. ونتعجب من تفكيرهم هذا: فكيف يكون المتهم أو المدعى عليه شاهدًا لصالح نفسه؟
ونتعجب أيضًا من قولهم إن سبب زواج مريم بيوسف هو حماية سمعة مريم من تهمة الزنى وحماية ابنها من أن يقول إنسان عليه إنه ابن زنى. وسبب تعجبنا أن الكتاب نفسه يثبت هذه التهمة. إن اقتران مريم بيوسف ليثبت هذه التهمة، وعلى الأخص أن الكتاب لا يدعو يسوع بابن مريم، بل بابن النجار أو ابن يوسف! فهل كان هذا أيضًا تتويهًا للشيطان؟
إن الحل الذى قدمه القرآن الكريم وهو حديث عيسى عليه السلام فى المهد لهو إعجاز أتى بالدليل معه: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا * فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا * قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَن مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيًّا * قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا * قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا * قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِّنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَّقْضِيًّا * فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا * فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَّنسِيًّا *فَنَادَاهَا مِن تَحْتِهَا أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا * فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا * فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا *يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا * قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلوةِ وَالزَّكَوةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا * ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ *مَا كَانَ لِلَّهِ أَن يَتَّخِذَ مِن وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ * وَإِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ * فَاخْتَلَفَ الْأَحْزَابُ مِن بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا مِن مَّشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ) مريم 16-37
18- من النقاط الهامة التى ينبغى تدبرها هى: كيف علم يوسف بحمل خطيبته ومتى؟ فلو رأى منها هذا الحمل، لرآه غيره من الناس أو الجيران أو الأهل، أو الأصدقاء، أو غيرهم. على الأخص أن التعبير المستخدم هنا يشير إلى أن مريم لم تكن قد انتقلت بعد إلى بيت زوجها. وعلى ذلك فهى قد كانت فى بيت والديها أو من يرعاها.
الأمر الذى دعا بعض معلمى الكنيسة إلى القول بأن هذا يُعد إشارة إلى انتقال مريم إلى بيت يوسف وعلاقتهما الجنسية كزوجين. (راجع فى ذلك Lutz: Das Evangelium nach Matthäus, S. 103) ويقول آخرون بأن يوسف لاحظ بنفسه علامات الحمل عليها، (راجع Trilling: Das Evangelium nach Matthäus, S. 24 - 25)، ويقول آخرون إن أمر مريم اكتشف من أهل دائرتها (Dillersberger: Matthäus, S. 66)، وربما لاحظ ذلك بعض أفراد عائلة مريم، وذلك بأن يكون زكريا وأليصابات قد أخبرا والدى مريم بشكوكهم فى الحمل أو بيقينهم منه (Willam: Das Leben Jesu im Lande und Volke Israel, S. 22) وترتب عليه تهنئة الأقرباء ليوسف على الحمل (Patsch: Maria, die Mutter des Herrn, S. 79)، وربما أخبر أحد أصدقاء العريس بالحمل أو هنئه عليه (Willam: Das Leben Jesu im Lande und Volke Israel, S. 22)
إلا أن بعض الكتب الأبوكريفا تقول بمفاجأة يوسف بهذا الحمل، وتسوق حديث ثنائى بينهما، مفاده:(”الفصل 13“ وفى شهرهما السادس وبعد عودة يوسف من أبنيته ودخوله بيته وجدها حامل، فأخفض وجهه إلى الأرض وبكى بكاءً مريرًا، واندلع فى صراخ وعويل، نادبًا عفة العذراء التى تدنست. حيث كان قد تركها بمفردها كما فعل آدم مع حواء من قبل. وبعد ذلك نهض (من شواله [ربما يقصد مقعده]) ونادى مريم: أنت يا حبيبة الله: لماذا فعلت ذلك ونسيت الرب إلهك؟ ... إلا أنها اندلعت فى البكاء المرير وقالت: إننى طاهرة ولا أعرف رجلا.) (Seitz: Die Verehrung des hl. Joseph, S. 8)
19- إن شخصية يوسف هذا تكاد تكون شخصية وهمية، وقد يكون شخص ما عُرف عنه التقوى، أو أحد أقربائها، فدبروا له هذه القصة، خاصة وأن هذه الأناجيل كُتبت بعد مماته. إن مرقس والذى هو الأصل الذى بنى عليه متى قبل وضع أساطيره، لا يعرف شخصية يوسف هذا، ولا يذكر فى كتابه كله إلا يوسف الذى من الرامة، والذى تسلم جثة المصلوب. بل لم يعلم أن أم يسوع تزوجت أو كانت حتى مخطوبة. فهو لا يعرف يسوع إلا باسم ابن مريم: (3أَلَيْسَ هَذَا هُوَ النَّجَّارَ ابْنَ مَرْيَمَ ...) مرقس 6: 3
20- كما لا يعرف يوحنا أن مريم كانت مخطوبة أو متزوجة من شخص يُدعى يوسف، وكل ما يعرفه أن يسوع كان معروفًا بابن داود عند العامة.
ففى يوحنا 1: 45 يقول فيلبس: (45فِيلُبُّسُ وَجَدَ نَثَنَائِيلَ وَقَالَ لَهُ: «وَجَدْنَا الَّذِي كَتَبَ عَنْهُ مُوسَى فِي النَّامُوسِ وَالأَنْبِيَاءُ: يَسُوعَ ابْنَ يُوسُفَ الَّذِي مِنَ النَّاصِرَةِ».46فَقَالَ لَهُ نَثَنَائِيلُ: «أَمِنَ النَّاصِرَةِ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ صَالِحٌ؟» قَالَ لَهُ فِيلُبُّسُ: «تَعَالَ وَانْظُرْ».) فأين تكلم موسى أو ذكر الأنبياء أن نبيًا سيأتى من الناصرة؟ ابحث فى أى ماكينة بحث للكتاب المقدس عن كلمة (الناصرة) ستجد أنها لم تذكر إلا عند متى ابتداءاً، ثم لوقا، وذكرت عند يوحنا فى هذين الموضعين فقط، ومرة أخرى فى سفر الأعمال. أى لم يعرفها مرقس أيضًا، الذى هو الأساس الذى بنى عليه متى إنجيله. فمن أين أتى متى بهذه المعلومة؟
كما أن مدينة الناصرة هذه لم يكن لها وجود فى زمن موسى أو الأنبياء أو يسوع، ولم تُعرف إلا فى القرن الرابع الميلادى؟ وهذا ما تعترف به أيضًا دائرة المعارف الكتابية مادة (الناصرة) حيث تقول إنها تُذكر لأول مرة فى الكتاب المقدس فى العهد الجديد: ((2) ذكرها فى الكتاب المقدس: تذكر الناصرة - لأول مرة فى العهد الجديد - بأنها المدينة التى سكن فيها يوسف ومريم العذراء ومعهما الطفل يسوع، بعد عودتهم من مصر (مت 2: 23)). فكيف عرف فيلبس أو نثنائيل بمثل هذه النبوءة التى زعموا أن كتب موسى والأنبياء تقولها؟
والمرة الثانية التى ذكر فيها يوحنا أن يسوع ابن يوسف، الذى لا يعرف شيئًا عن طفولة المسيح، ولم يذكر أمه باسم مريم، ولم يذكر يسوع باسم ابن مريم، كان من اليهود الذين يضيقون به ذرعًا أى من أعدائه. وذلك فى يوحنا 6: 41-43 (41فَكَانَ الْيَهُودُ يَتَذَمَّرُونَ عَلَيْهِ لأَنَّهُ قَالَ: «أَنَا هُوَ الْخُبْزُ الَّذِي نَزَلَ مِنَ السَّمَاءِ». 42وَقَالُوا: «أَلَيْسَ هَذَا هُوَ يَسُوعَ بْنَ يُوسُفَ الَّذِي نَحْنُ عَارِفُونَ بِأَبِيهِ وَأُمِّهِ. فَكَيْفَ يَقُولُ هَذَا: إِنِّي نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ؟» 43فَأَجَابَ يَسُوعُ: «لاَ تَتَذَمَّرُوا فِيمَا بَيْنَكُمْ.)
وفى الحقيقة لا يعرف التاريخ أو الكتاب المقدس شيئًا عن يوسف هذا إلا ما ذكره متى، ونقله عنه لوقا، ولا تعرف الأناجيل عنه شيئًا بعد رحلتهم إلى أورشليم. لكن الغريب أن تذكر دائرة المعارف الكتابية مادة (يوسف) أنه عندما: (عرف أن مريم ستصبح أما لمسيا إسرائيل بعمل الروح القدس، لم يتخل عنها، بل رافقها إلى بيت لحم حيث ولدت الطفل يسوع.) بمعنى أن الموضوع كان مجد شخصى أراد أن يصيبه منه شيئًا.
21- وهنا نرى أنفسنا مضطرين لتأصيل هذه المعلومة، قبل أن نسلم بصحتها: فكيف عرف يوسف أن الولد الذى تحمله مريم فى رحمها سيكون هو المسِّيَّا؟ فهذا هو نص كلام الملاك الذى زعم يوسف أنه رآه فى منامه: (20وَلَكِنْ فِيمَا هُوَ مُتَفَكِّرٌ فِي هَذِهِ الأُمُورِ إِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ قَدْ ظَهَرَ لَهُ فِي حُلْمٍ قَائِلاً: «يَا يُوسُفُ ابْنَ دَاوُدَ لاَ تَخَفْ أَنْ تَأْخُذَ مَرْيَمَ امْرَأَتَكَ لأَنَّ الَّذِي حُبِلَ بِهِ فِيهَا هُوَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ. 21فَسَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ يَسُوعَ لأَنَّهُ يُخَلِّصُ شَعْبَهُ مِنْ خَطَايَاهُمْ».) متى 1: 20-21
لقد قال له الملاك إن يسوع سيخلص شعبه من خطاياهم! والمسِّيَّا نبى مرسل للعالمين باعتراف يوحنا نفسه: (7لَكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي وَلَكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. 8وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرٍّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ. 9أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي. 10وَأَمَّا عَلَى بِرٍّ فَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَلاَ تَرَوْنَنِي أَيْضاً. 11وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هَذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ.) يوحنا 16: 7-10
وهو الذى قال عنه دانيال: (كُنْتُ أَرَى فِي رُؤَى اللَّيْلِ وَإِذَا مَعَ سُحُبِ السَّمَاءِ مِثْلُ ابْنِ إِنْسَانٍ أَتَى وَجَاءَ إِلَى الْقَدِيمِ الأَيَّامِ فَقَرَّبُوهُ قُدَّامَهُ. 14فَأُعْطِيَ سُلْطَاناً وَمَجْداً وَمَلَكُوتاً لِتَتَعَبَّدَ لَهُ كُلُّ الشُّعُوبِ وَالأُمَمِ وَالأَلْسِنَةِ. سُلْطَانُهُ سُلْطَانٌ أَبَدِيٌّ مَا لَنْ يَزُولَ وَمَلَكُوتُهُ مَا لاَ يَنْقَرِضُ.) دانيال 7: 13-14
وها هو متى يقر أن دعوة يسوع كانت مرة أخرى للخراف الضالة فقط من بيت إسرائيل، أى ليست حتى لكل بنى إسرائيل، لكن للضالين منهم فقط: (5هَؤُلاَءِ الاِثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً: «إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. 6بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ.) متى 10: 5-10
وهذا إقرار ثالث على لسان يسوع أيضًا: («لَمْ أُرْسَلْ إِلاَّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ».) متى 15: 24
والضالة هنا صفة للخراف، وليس لبيت إسرائيل، يؤكد ذلك قول يسوع: (11فَلَمَّا نَظَرَ الْفَرِّيسِيُّونَ قَالُوا لِتَلاَمِيذِهِ: «لِمَاذَا يَأْكُلُ مُعَلِّمُكُمْ مَعَ الْعَشَّارِينَ وَالْخُطَاةِ؟» 12فَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ قَالَ لَهُمْ: «لاَ يَحْتَاجُ الأَصِحَّاءُ إِلَى طَبِيبٍ بَلِ الْمَرْضَى.) متى 9: 11-12
فكيف علم يوسف المزعوم هذا بمسِّيَّانية يسوع؟ وهل معلومة بمثل هذه الأهمية لا تُقال إلا ليوسف سرًا فى منامه دون شهود، ولا يعرفها من تسمونه المسِّيَّا نفسه؟ ويتملكك العجب أكثر أن تعلم أن يوسف هذا ليس بنبى يوحى إليه، ولا قيمة له فى موضوع ميلاد يسوع، إلا أنه يقوم بدور الغطاء على معجزة الرب فى إنجاب العذراء لابنها!!
وفى الحقيقة قد جمع متى كل نبوءات وأوهام اليهود فى مسيحهم المزعوم، ووضعوها لتنطبق على يسوع، بحيث لا يكون لديهم أدنى مبرر للإيمان بالمسيح الحق، النبى الخاتم (المسِّيَّا). وكان هناك من اليهود السامرة من يؤمن أن المسِّيَّا سيأتى من نسل نبى الله يوسف، ومنهم من آمن أنه سيأتى من نسل داود، فجمعوا بين الاثنين.
أما قول الكتاب عنه بأنه ابن الله، ونبى الله، الابن الصالح، والبارناس أى الإنسان البار، وابن الإنسان، وروح القدس، وروح الحق، والكامل، والمخلص، والفادى لبنى إسرائيل من ذنوبهم إن آمنوا به، والمعزى لبنى إسرائيل فى ذهاب النبوة من عندهم، فقد جعلوها كلها ليسوع: فهو نبى،وإنسان ابن الإنسان،وفى نفس الوقت إله ابن إله، وهو الكامل الذى لم يقترف إثمًا، الذى تحمَّل أخطاء بنى إسرائيل والعالم كله (لأن المسِّيَّا نبى للعالمين). وبذلك وفقوا كونه ابن الله، وأنه روح القدس ووحدوهم مع الله ليتكون الثالوث، الذى لم يسمع عنه يسوع أو تلاميذه فى حياتهم.
وربما عمد متى إلى ذلك وغيَّره لعدم الاعتراف بالميلاد الإعجازى، وإثبات أنه نبى من عند الله، الأمر الذى يدين اليهود لعدم إيمانهم به.
تعليق