ما رأيك في البازلاء يا حبيبي؟!
بقلم محمود القلعاوى
جلس الزوجان على مائدة الطعام ؛ تلك المائدة التي كانت عامرة بما لذّ وطاب من أصناف المشهّيات , والتي قضت الزوجة نصف يومها في تحضيرها , والتي تسببت لها في عدة حوادث ، كجروح في أصابعها من جراء تقطيع اللحم , والتواء في ساقها اليسرى عند الوقوف على الكرسي لإحضار كيس الأرز من فوق دولاب الأطعمة , وأخيرًا ورم في جبهتها بسبب سقوط كومة البصل على رأسها .. الزوج منهمك في إحضار لقمة من هنا ولقمة من هناك , ومضْغ قطعة من الحمام المشوي, وأخْذ حفنة أرز على قطعة لحم , ثم يتبع ذلك كله ببعض البازلاء المطبوخة , والتي كان طعمها شهيًا كبقية الأطعمة الموجودة ؛ فزوجته أستاذة في صنع البازلاء والحمام المشوي ،، فقد تعلمت كل ذلك من بنات عمومتها كانت الزوجة في حسن استقبال زوجها ؛ فقد قامت بشراء بعض الشموع الحمراء , والتي وضعتها مضاءة على مائدة الطعام , مع بعض الورود الحمراء والصفراء والبيضاء , وزينت بها بقية الغرفة لتظهر في مشهد رومانسي حالم , وحالة حب حقيقية بين الزوجين ، كما كانت الزوجة متهيئة متزينة لزوجها بأجمل زينة , لابسةً ثوبًا أزرق مطرزًا ببعض التطريزات الجذابة كان عندها منذ فترة العقد ؛ لتجدّد به عهدها بتلك الفترة الحانية ؛ وتعيد به ذكريات الحب والغرام والشوق والهيام .. وبعدما فرغ الزوجان من الطعام دار هذا الحوار بينهما :-
الزوجة :- ما رأيك في الفستان يا حبيبي ؟! هل تذكره؟! ..
الزوج :- نعم ، أليس هذا فستان العقد ، لقد تكدّر لونه وتغيّر كثيرًا..
يتغير وجه الزوجة .. يا ليتني لم ألبسه .. كنت أريده أن يتذكر تلك الأيام الجميلة .. هكذا قالت الزوجة في نفسها ..
الزوجة:- وما رأيك في الشموع والأزهار ، أليست رائعة؟!
الزوج :- لا أدري لمَ تُجلسيننا في الظلام وهاهي الكهرباء متوفرة؟!
الزوجة:- وما رأيك في البازلاء يا حبيبي؟!
الزوج :- ينقصها بعض الملح ..
الزوجة:- وما رأيك في الحمام المشوي؟!
الزوج :- لو كنتِ أكثرتِ من الأرز لكان شهيًا ..
قامت الزوجة بعد أن أُحبطت , وبعدما ندمت أشد الندم , واستعوضت ربها في اليوم الذي قضته في المطبخ وتجهيز البيت لاستقبال الزوج , ودخلت لتنام لتستقبل يومًا جديدًا من التعب والإرهاق وهي تردد في نفسها : في فترة الخطوبة كان يمتدحني كثيرًا , وكنت أعتقد أنها مبالغات فأطلب منه أن يكف عن ذلك , أما الآن فأشتهي كلمة إطراء على فستان أو زينة أو حتى طبخة فلا أجد .. إلى الله المشتكي !!
ما رأيك عزيزي الزوج في هذا المشهد السابق؟!
أغلب الظن أن هذه الزوجة لن تقوم ببذل أي مجهود إضافي في البيت بعد الآن ، والسبب في ذلك أنها لم تسمع كلمة مدح ، فالنفس البشرية مجبولة على حب المدح من الناس , سواء كان المدح بسبب أو بغير سبب ، بحق أو بغير حق ؛ فإن النفس إذا مُدحت انتفخت وانتشت,وكان هذا المدح حافزًا لها على مزيد من الإنتاج والعطاء ، هذه الصفة عامة في الرجل والمرأة , ولكنها عند المرأة أشد ؛ فهي في حاجة دائمًا لأن تكون في عينيْ زوجها أجمل النساء وأفتنهن , وأن تكون أمهر النساء في شئون المنزل , وأنضجهن عقلاً وأميزهن تفكيرًا وثقافةً، ولكن ليس ذلك كافيًا بالنسبة لها ، فأعظم من ذلك أن يمدحها الزوج على هذه الأمور وإن لم تكن فيها ،فلتمدحها على تنظيف المنزل وتجميله ،وعلى طبخها ،وعلى تنظيم مائدة الطعام ،وعلى ذوقها في اختيار الأزهار والشموع ، وعلى أناقتها واختيارها لألوان الملابس التي تلبسها ،إلى غير ذلك مما تقوم به المرأة .
المدرسة المحمدية
ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم له السهم الوافر وقصب السبق في تلمس الحاجات العاطفية والرغبات البشرية , فقد كانت سيرته مع زوجاته وبناته لا تخلو من حسن تدليل وممازحة وملاطفة وحسن إنصات ..
فها هو عليه الصلاة والسلام إذا أتت فاطمة ابنته رضي الله علنها قام إليها فأخذ بيدها فقبلها ، وأجلسها مجلسه ، وكان إذا دخل عليها قامت إليه فأخذت بيده فقبلته وأجلسته في مجلسها وكان إذا رآها رحب بها وهش ، وقال :- ( مرحباً بابنتي ) ..
أما زوجاته عليه الصلاة والسلام فقد ضرب المثل الأعلى في مراعاتهن وتلمس حاجاتهن بل هاهو عليه الصلاة والسلام يجيب عن سؤال عمرو بن العاص رضي الله عنه ويعلمه أن محبة الزوجة لا تخجل الرجل الناضج السوي ، فقد سأله عمرو بن العاص : أي الناس أحب إليك ؟ فقال عليه الصلاة والسلام :-( عائشة ) وكان عليه الصلاة والسلام من حسن خلقه وطيب معشره ينادي أم المؤمنين بترخيم اسمها ويخبرها خبراً تطير له القلوب والأفئدة ، قالت عائشة رضي الله عنها : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام يوماً ( يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام ) ..
وكان عليه الصلاة والسلام يتحين الفرص لإظهار المودة والمحبة ، تقول عائشة رضي الله عنها إن النبي عليه الصلاة والسلام قبّل امرأة من نسائه ثم خرج إلى الصلاة ولم يتوضأ )
صحراء قاحلة
زوجاتنا يعشن في صحراء قاحلة ، لا يرين الابتسامة ، ولا يسمعن كلمة المحبة ، وبناتنا معزولات عن آبائهنّ ، وندر منهن من تسمع كلمات الثناء على أناقتها وحسن اختيارها ، مع أن المدح أو الغزل يعد من أكثر العواطف الإنسانية ، إثارة للخيال وتتجمع حوله أرق المشاعر وأنبلها ، والمدح من شأنه توثيق روابط المحبة والألفة والإشباع العاطفي بين الزوجين ، وتحتاج المرأة في جميع أطوار سني عمرها المختلفة ، إلى لمسات حانية وكلمات عذبة تلامس مشاعرها المرهفة وطبيعتها الأنثوية ، وبعض من تخلو بيوتهم من تلك الإشراقات المتميزة يكون للشقاء فيها نصيب ، وقد تكون قنطرة يعبر عليها من أراد الفساد إذا قل دين المرأة ونزع حياؤها وسقط عفافها .. وقد رأيت وسمعت ما أفجعتني وأقضّ مضجعي .. فإحداهن سقطت في الفخ لأنه قيل لها ( أنت جميلة ) فهي كلمة لم تسمعها مطلقاً .. وأخرى زلّت قدمها عندما رفع أحدهم صوته : ( أنت امرأة ذات ذوق رفيع ) .. وأخريات صادتهن شباك الذئاب البشرية لجوع عاطفي وفراغ نفسي لم يشبعه زوجها أو أبوها ..
صدق آو لا تصدق
يحكى ديل كارنيجى فيقول : توفيت جدتي لأمي منذ بضعة أعوام وهى في الثامنة والسبعين من عمرها ، وحدث قبيل وفاتها أن أطلعناها على صورة التقطت لها قبل ذلك بنحو قرن ، لم تتمكن عيناها الواهنتان أن تتطلع إلى الصورة ولكنها ابتسمت ابتسامة باهتة ، وسألت سؤالاً عجيباً أي الثياب كنت ارتدى ؟) ، هل تتذكر ماذا كنت ترتدي منذ أسبوع ؟ أظنك لا تتذكر ، ولو سألت أكثر الرجال قوة في الذاكرة فلن تجده يتذكر إلا ما كان يرتديه منذ شهر وبالكاد .. أما المرأة فاسألها عن ثيابها التي حضرت بها زواج خالها وهى في العاشرة من عمرها فسوف تصفها لك بالكامل وخاصة مواطن الجمال فيها ..
يا معشر الرجال
تستطيع أن تجعل زوجتك عمياء عن معايبك بقبله على جبينها ،وتستطيع أن تجعل شفتيها خرساء عن لومك ونقدك بقبله تهمس بها على شفتيها ،إن الزوجة لا تستطيع أن تجد مبرراً لمعاملة زوجها بالغلظة والفظاظة والانصراف عن الكياسة واللطف إلا أحد أمرين :-إما أنه لم يعد يحبها , أو أنه يرى سبيلاً آخر غيرها .. كلكم مدركون أن هدية بسيطة تجعل زوجتك تفعل لك الكثير .. تصور لو قلت لزوجتك بصدق : ما أجملك فى ثوب العام الماضي ,لن تستبدل هذا الثوب القديم أبداً ولو بأحدث الموضات ..
تعليق