السَلام عَليكُم
الحَمد لله رَب العلمين و الصلاة و السَلام على أشرَف المُرسَلين و لا عُدوان إلا عَلى الظالمين
قَُسطنطين , شَخصيَة مُحوَريَة في الدياناَة المَسيحيَة , فَهو راعٍ لأكبَر مُجمعات الديانَة المَسيحية , و الذي اُقيم في نيقيَة , و هَذا الرَجُل أو المَلِك كان شَخصيَة سياسيَة في الإساس فَبِحُكم مَركَزَه الدستوري كَمَلِك على عَهَد الرومان , مَر بِمراحِل كَثيرَة سياسيَة و عَسكَريَة تِبعاً لِلظُروف المُحيطَة بِه بالإضافَة إلى طموحاتُه و أحلامُه بِتوسيع رُقعَة حُكمِه و سُلطانُه سَواء كان بِالتَخطيط العَسكري الإستراتيجي , أو الإحتواء الأيدلوجي بِالنسبَة للعوام مِن الشُعوب و الذي يَنتُج عَنه ضَمان الإستمرار و المُكوث المُستَقِر , الهادئ نِسبياً - أكثَر مِن الإختِلاف أو العداء الفِكري , الذي تَكون إحتِمالات الإعتراضات و التذمُرات و الثورات و التَمَرُد..... فيه أكبَر- في مَناطِق نُفوذه الجَديدَة , و قُسطَنطين كَرَجُل ذَكي و مَلِك مُحَنَك و سِياسي يُريد تَوسيع جُغرافيَتُه السياسيَة , كانَت لَه عِدة قرارات و تَغيرات نُلقي عَليها الضَوء في هَذه الصَفحَة في بِضعَة نِقاط:
-جَوهِر خِلاف الأباطِرَة مَع المَسيحين:
عِندما بدأت تُعرَف المَسيحيَة , عُرِف عَنها , أنها عَقيدَة التسامُح المُطلَق و الإستِسلام بِالكامِل للأعداء , بَحيثُ كان مُحرَماً على المَسيحي أن يُقاتِل حَتى لو دِفاعاً عَن نَفسِه مَهما كانَت الإهاَنَة و ذَلِك طِبقاً لِما كان يُعرَف عَن المَسيح و الذي وَرَد في إنجيل مَتى الإصحاح 5 الفَقرَة 38 , و الذي نَسَخَ بِه ما جاء بَعض الأحكام التي جاءت في التوراة
"سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن.واما انا فاقول لكم لا تقاوموا الشر.بل من لطمك على خدك الايمن فحوّل له الآخرايضا.ومن اراد ان يخاصمك وياخذ ثوبك فاتركله الرداء ايضا.ومن سخرك ميلا واحدا فاذهبمعه اثنين.من سألك فاعطه.ومن اراد ان يقترضمنك فلا ترده سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك.واماانا فاقول لكم احبوا اعداءكم.باركوا لاعنيكم.احسنوا الى مبغضيكم.وصلّوا لاجل الذينيسيئون اليكم ويطردونكم."
و كانَت هَذه العَقيدَة هي مَركَز الخِلاف و التي أدَت إلى إضطهاد المَسيحين على يَد بَعض الأباطِرَة مِثل دقلديانوس و جاليريوس , فَقد كان للأمبراطوريَة الرومانيَة الكَثير مِن الأعداء بِشَكل أصبَح يَتَطَلَب دَيمومَة الوفرَة العَسكَريَة البَشَريَة , و العَطش الدائم لِجنود لِلدفاع ضِد الأعداء و حِمايَة أنحاء الإمبراطوريَة
و بِالطَبع رَفض المَسيحسن الإنخراط في الجَيش تَنفيذاً لأحكام كِتابِهِم , و لَيس هَذا فَحسب بَل أنه إعتَبَرَهُم مُحَرضين لِلناس على عَدم الإنضِمام إلى صُفوف الجَيش ما أثار إمتِعاض الإمبراطور و على هَذا تَم تَصنيفَهُم بِالخَوَنَة مَعدومي الولاء للإمبراطور
فباتت الفِكرَة المُشَكَلَة عَنهُم أنهُم فِرقَة مُناوئَة لِنظام الحُكم , تَسعى لِتَفكيك الجَيش , فَنَزَلَت القرارات الإمبراطوريَة مُنهَمِرَة تَحرِمَهُم مِن حقوق المواطَنَة و فَرض العقوبات عَلَيهِم و وَصَل الأمر لِحَد تَدمير الكنائِس و إحراق الكُتُب المُقَدَسَة في مُحاوَلَة لِسَلبِهِم مُصادِرَهُم التي يَستَندِون إليها في مواقِفَهُم , حَتى أن بَعضَهُم تَخلى عَن عَقيدتُه
- مَرض جاليريوس و بِدايات قُسطنطين:
و ظَل الإضطهاد مِن زَمَن دقلديانوس , الذي تنازَل عَن الحُكم و تولاه جاليريرس , كإستراتيجيَة تَتَطَلَبُها تِلك المَرحَلَة , و التي إعتبرها خُنوع مِن طائِفَة في الإمبراطوريَة إستَهوَت بَعض الجنود الغَير راغبين في الإنضمام لِلجَيش أو الذين تأثروا بِها مِن الجيش نَفسَه
و ظَل هَذا المناول حَتى قَبْل وفاة جاليريوس بِقَليل , حَيثُ مَرض مَرضاً شَديداً , ظَل يُعاني مِن ألامُه حتى أنَه إعتَقَد أن هُناك لَعنَة حَلَت عَليه مِن إلَه المَسيحين , فأصدَر قرارَه بِحُريَة العبادَة عام 311م و توفي بَعدها , لِيَتُرك خَلفيَة في تَفكير الإمبراطور الذي تلاه قُسطنطين حَول مَرََضَه و وفاتُه , مما جَعَلَ الأخير يُكِن نوعاً مِن الإحتِرام و الخَوف مِن إلَه المَسيحين
و بَعد وفاة جاليريرس تَنازَع حُكم الإمبراطوريَة الرومانيَة أربَعَة أباطِرَة ليسينيوس , و مَكسيمين في الشَرق و ماكسينتوس , و قُسطنطين في الغَرب
-حُكم قُسطنطين:
لَم يَكُن مِن بُداً أمام قُسطَنطين , في سَبيل سَيطَرَتُه المُنفَرِدَة على القِسم الغَربي سِوى أن يَنزَع الحُكم عَن ماكسينتوس مُنافِسَه في هَذا القِسم و لِتَحقيق هَذه الغايَة , كان قُسطنطين يَحتاج إلى جُل قوَة مِن المُمكِن الإلتِجاء إليها سواء رَوحيَة أو ماديَة , فَقَرَر أن يُجَرِب إلى جانِب قوة الشَمس , قُوَة الإلَه المَسيحي , و الذي كانت تَكونَت في ذِهنِه فِكرَة أن هَذا الإلَه هو الذي تَسَبَب في مَرض الإمبراطور جاليريوس و وفاتُه
و هَزَم قُسطنطين مُنافِسَه و إنتَزَع مِنه شَمال إيطاليا و مِن ثَم قَرَر الإستيلاء على روما , و قَد كان مَعروفاً آنَذاك , أن مِقياس الدين بِمقدار ما يأتي بِه مِن نتائِج , فإذا جاء بِالفَتح و النَصر لأتباعُه يَكون هو الحَق و الهُدى و إذا جاء بِالهَزيمَة يكون هو الضَلال المُبين
و قَد كان قُسطَنطين كما سَلَف تابعاً لِعبادَة الشَمس , هَذه العبادَة اليونانيَة القَديمَة التي تَمَحوَرَت حَول عِبادَة الأنثى في صيغَة تَقديس الشَمس العُظمى و التي كانَت تُعَد رَبَة الأرباب و أماً لِجَميع الآلِهَة و كان يُرمَز إليها بِالنِجمَة الرُباعيَة , التي تَتَخِذ شَكل الصَليب , فقَبل أن يَعرِف الأوروبيون شَيئا عَن المَسيحيَة , كان الجنود اليونانيون يَرسمون على دروعَهُم عَلامَة الصَليب قُبَيل تَوجُهَهُم لِلمَعرَكَة
و عَليه فكان تَيَقُن قُسطنطين بالإلَه المَسيحي و الصَليب الذي يَرمُز لإلَه الشَمس سَوف يأتي إليه بِالنَصر فيما سَيخوضَه مِن حُروب
و دَخَل قُسطنطين إلى روما مُنتَصِراً في سِلسِلَة مِن الحُروب , و في غَمرَة إستقبالِه إغتَنَم الفُرصَة لِتوطيد مَركَزَه الدستوري في مواجَهَة أباطِرَة الشَرق مَكسيمين و ليسينيوس , و إستطاع قُسنطين أن يَحمِل السناتو, الذي إحتفا بِه هو و الجيَش ,على أن يمنَحُه لَقَب الإمبراطور الأوَل الذي كان يَختَص بِه أحد أباطِرَة الشَرق و هو مكسيمين مُنذ وفاة جاليريوس و بِذَلِك سَيطَر قُسطنطين على التَشريع الإمبراطوري
و بدأ الإرسال الكتابي مِن قُسطنطين إلى مكسيمين يَطلُب مِنه وَقف إضطهاد المَسيحين , و الذي كانوا يَنتَشِرون بأعداد أكبَر نِسبياً من الغَرب , و أصدَر قُسطنطين قراراً بِالتَسامُح و أرسَل إلى نوابُه يأمُرَهُم أن يُعيدوا لِلكنائس أملاكَها التي صودِرَت و وجَه تعاليمُه إلى الخزانَة الإمبراطوريَة بأن تؤدي لِلكنائس الأموال التي تَحتَجَها
و بَعد أن تَمَكن مِن القَضاء على مَكسيمين , ظَل أمامُه ليسينيوس و حَدَث بَينَهُم التَصادُم على أثَر المؤامَرَة التي إشتَرَك فيها الأخير ضِد قُسطنطين و فَرضِه القيود على رِجال الدين المَسيحي و تنازُع السيادَة على بَعض المناطِق المتاخِمَة لِحدوده الشَرقيَة , مما أدى إلى نشوب الحَرب بينهُما و التي أسفَرَت عَن هَزيمَة ليسينيوس الذي فَر إلى بيزَنطَة فَتَبِعَه قُسطنطين و حاصَرَه حَتى قَضى عَليه و على أي مُقاوَمَة بَعد أن إنهارَت مُقاوَمَتُه و إنسِحابُه إلى خريصوبولي حَيثُ كانت أخر موجهاتِهِم و حَسَمَت مَصير ليسينيوس بِالقَتل إلا أن قُسطنطين سَمِع لِشفاعَة أخته و زَوجَة ليسينيوس و إكتَفى بِنَفيه
-المَسيحيَة و شَكلها القُسطنطيني:
على الرَغم مِن أن المَسيحين لَم يَكونوا , عِندما نُصِب قُسطنطين إمبراطوراً سِوى أقليَة بَين سُكان الإمبراطوريَة , فإنه حَرَص على أن يُقيم مُستَقبَل روما على ديانَتِهِم و كان لِذَلِك أكبَر الأثَر في تاريخ المَسيحيَة
لَقد كان قسطنطين في أصولِه مُنتَمياً لأسرَة هِرَقل الإمبراطور و ظَل في بِدايَة حُكمِه يُمَثِل هَذه العائِلَة العَظيمَة , غَير أنه حَرَص – بَعد أن إستقَر لَه النفوذ في مناطِق مكسيمان مؤسِس هَذه الأسرَة بَعد هَزيمَة الأخير – على أن يُذيع أنه يَنحَدِر عَن طِريق أبيه إلى "كلوديوس جوثيكوس" الذي حَكَم الإمبراطوريَة بِقسمَيها الشَرقي و الغَربي
و كانَت عِبادَة الشَمس سائِدَة في إيلليريا مَوطِن كلوديوس فأضحَت الشَمس التي لا تُقهَر المَعبود الذي يَحمي الإمبراطوريَة و يَرعاها و كان قسطنطين مُتعَلِقاً بِعبادَة الشَمس و كان يَحرِص على سَك الرموز التي تُشير إليها على النُقود التي كانَت تُضرَب في عَهدُه , حتى بَعد أن إستعان بإلَه المَسيحية على خَلفيَة ما تَبَلوَر في ذِهنه إبان مَرض و مَوت جاليريوس و مَيلَه إليه
و لَعل هَذا هو أكثَر ما يوضِح لَنا نَوعيَة المَسيحيَة التي إعتَقَد فيها قُسطنطين , بالإضافَة إلى مَوقِفَه مَع الدوناتيين , فَقد قَضى على الحَرَكَة الدوناتية التي إتخَذَت إسمَها مِن رَجُل الدين المَسيحي دوناتِس النَحوي و الذي لَم يَكُن يَتسامَح مَع مَن قال بِوجوب مُهادَنَة الإمبراطور و التنازُل عَن العقائِد المَسيحيَة التي تَصطَدِم مَع الإرادَة السياسيَة الحاكِمَة- كما سَلَف- و مَع الثوابِت العقائِديَة لِلمُجتَمَع الوَثَني حَيثُ كان يَعيش المَسيحيون في وَسَطِه كأقليَة مَنبوذَة , رَغم كُل ما عُرِض عَليه مِن مزايا نَظير تنازُلَه مِثل الإعتِراف بِالمَسيحيَة كإحدى الديانات الرَسميَة في الإمبراطوريَة الرومانيَة , بَل و إمكانيَة تَغَلغُل المَسيحيون في الوظائِف و المَراكِز العُليا
و كان دوناتس النحَوي يَرى أن هَذا التنازُل مِن شأنِه أن يَقضي على الأصل الحَقيقي لِلديانَة المَسيحيَة , فَتذوب و تتلاشى العَقيدَة المَسيحية الصَحيحَة في بَوتَقَة العَقيدَة الوَثَنيَة التي كان يَدين بِها المُجتَمَع الروماني بِحُكامُه و مواطنيِه
و أثبَتَت تداعيات الأحداث صِحَة وِجهَة نَظَر دوناتِس النحوي سيما بَعد مَعرَكَة جِسر مِلفيان التي شَهِدت هَزيمَة ماكسينتيوس الساحِقَة و دخول قُسطنطين روما , التي ظَهَر مِن خِلالِها كَيف أن التَنازُل وَضع المَسيحيَة بِرُمتها تَحت أقدام المَطامِع السياسيَة و العَسكَريَة لِقسطنطين لِتَتَحول المَسيحيَة إلى ديانَة أخرى
و بَعد القضاء على الدوناتيين , فَصل مَسحيو قُسطنطين لَه ديناً يَتَناسَب تَماماً مَع مَقاسُه حَيثُ أنتَجوا لَه مَسيحيَة جَديدَة لَيسَت سوى نُسخَة كَربونيَة لِعَقيدَة عبادَة الشَمس المُقَدَسَة "عِبادَة الأنثى"
فَلم تَعُد المَسيحية ديانَة إستسلام للأعداء بَل أصبَحَت تُنزِل اللعنات على مُعارضيه و يَصُب الأمراض و يُسَلِِط
المَوت و الدمار على مُخالِفيه , و هَذا في ناحيَة صوريَة النُصوص , التي لَم تَعُد تَصلُح إلا في أروقَة الكنائِس
و لَم تَعُد ديانَة تَوحيديَة فأصبَحَت ثالوثاً مِثل ثالوث الشَمس المُقَدَس" مَع وجوب التَنبيه أن تأليه الروح القُدُس رَسمياً تَم في وَقت لاحِق على قُسطَنطين" , حتى لا يبقى مكاناً شاغِراً في عَقيدة قُسطنطين
و لَم تَفلِت بِالطَبع عَقيدَة المُخَلِص أكثَر العقائِد الوَثَنيَة تَغلغُلاً و رُسوخاً في إيمان عُباد الشَمس ليقتبسوها بِحَذافيرها و ألفوا لَها الأسفار ما إدعوه أنهُم تَلقوه وَحياً مُنَزَلاً مِن الروح القُدس!!!!, و هَذا يضعنا في مواجهَة إشكاليَة أخرى في الدين المَسيحي -رُبما تَحتاج إلى مَوضوع أخضر - و هي " هل الإيمان في الدين المَسيحي يأتي أولاً ثُم تُصاغ أو تُنقى النُصوص أو أن النُصوص هي التي تُحَدِد الإيمان" حتى جَعلوا عَقيدَة الخلاص هي العَقيدَة الأم التي تَدور حَولها جُل العَقيدَة المَسيحيَة الجَديدَة
و تَم تَتويج ذَلِك بِجَمع كُل المؤمنين بِالمِسيحيَة في مُجَمع نيقيَة , حَسماً لِلخِلافات العَقديَة و التي يُمكِن أن تؤثِر سياسياً
و سلاماً على المُرسلين و الحَمد لله رَب العالمين
هَذا المَوضوع إخواننا و أساتِذَتُنا الأفاضِل مأخوذ كَمَعلومات مِن كِتاب" الأنثى المُقَدَسَة و صِراع الحضارات "- المرأة و التاريخ مُنذ البِدايات- لِلدكتور مَحمد إبراهيم سرتي
إلا أن الأسلوب و التَرتيب و الفِكرَة فَمِن إفراز أخيكُم الأصغَر
الحَمد لله رَب العلمين و الصلاة و السَلام على أشرَف المُرسَلين و لا عُدوان إلا عَلى الظالمين
قَُسطنطين , شَخصيَة مُحوَريَة في الدياناَة المَسيحيَة , فَهو راعٍ لأكبَر مُجمعات الديانَة المَسيحية , و الذي اُقيم في نيقيَة , و هَذا الرَجُل أو المَلِك كان شَخصيَة سياسيَة في الإساس فَبِحُكم مَركَزَه الدستوري كَمَلِك على عَهَد الرومان , مَر بِمراحِل كَثيرَة سياسيَة و عَسكَريَة تِبعاً لِلظُروف المُحيطَة بِه بالإضافَة إلى طموحاتُه و أحلامُه بِتوسيع رُقعَة حُكمِه و سُلطانُه سَواء كان بِالتَخطيط العَسكري الإستراتيجي , أو الإحتواء الأيدلوجي بِالنسبَة للعوام مِن الشُعوب و الذي يَنتُج عَنه ضَمان الإستمرار و المُكوث المُستَقِر , الهادئ نِسبياً - أكثَر مِن الإختِلاف أو العداء الفِكري , الذي تَكون إحتِمالات الإعتراضات و التذمُرات و الثورات و التَمَرُد..... فيه أكبَر- في مَناطِق نُفوذه الجَديدَة , و قُسطَنطين كَرَجُل ذَكي و مَلِك مُحَنَك و سِياسي يُريد تَوسيع جُغرافيَتُه السياسيَة , كانَت لَه عِدة قرارات و تَغيرات نُلقي عَليها الضَوء في هَذه الصَفحَة في بِضعَة نِقاط:
-جَوهِر خِلاف الأباطِرَة مَع المَسيحين:
عِندما بدأت تُعرَف المَسيحيَة , عُرِف عَنها , أنها عَقيدَة التسامُح المُطلَق و الإستِسلام بِالكامِل للأعداء , بَحيثُ كان مُحرَماً على المَسيحي أن يُقاتِل حَتى لو دِفاعاً عَن نَفسِه مَهما كانَت الإهاَنَة و ذَلِك طِبقاً لِما كان يُعرَف عَن المَسيح و الذي وَرَد في إنجيل مَتى الإصحاح 5 الفَقرَة 38 , و الذي نَسَخَ بِه ما جاء بَعض الأحكام التي جاءت في التوراة
"سمعتم انه قيل عين بعين وسن بسن.واما انا فاقول لكم لا تقاوموا الشر.بل من لطمك على خدك الايمن فحوّل له الآخرايضا.ومن اراد ان يخاصمك وياخذ ثوبك فاتركله الرداء ايضا.ومن سخرك ميلا واحدا فاذهبمعه اثنين.من سألك فاعطه.ومن اراد ان يقترضمنك فلا ترده سمعتم انه قيل تحب قريبك وتبغض عدوك.واماانا فاقول لكم احبوا اعداءكم.باركوا لاعنيكم.احسنوا الى مبغضيكم.وصلّوا لاجل الذينيسيئون اليكم ويطردونكم."
و كانَت هَذه العَقيدَة هي مَركَز الخِلاف و التي أدَت إلى إضطهاد المَسيحين على يَد بَعض الأباطِرَة مِثل دقلديانوس و جاليريوس , فَقد كان للأمبراطوريَة الرومانيَة الكَثير مِن الأعداء بِشَكل أصبَح يَتَطَلَب دَيمومَة الوفرَة العَسكَريَة البَشَريَة , و العَطش الدائم لِجنود لِلدفاع ضِد الأعداء و حِمايَة أنحاء الإمبراطوريَة
و بِالطَبع رَفض المَسيحسن الإنخراط في الجَيش تَنفيذاً لأحكام كِتابِهِم , و لَيس هَذا فَحسب بَل أنه إعتَبَرَهُم مُحَرضين لِلناس على عَدم الإنضِمام إلى صُفوف الجَيش ما أثار إمتِعاض الإمبراطور و على هَذا تَم تَصنيفَهُم بِالخَوَنَة مَعدومي الولاء للإمبراطور
فباتت الفِكرَة المُشَكَلَة عَنهُم أنهُم فِرقَة مُناوئَة لِنظام الحُكم , تَسعى لِتَفكيك الجَيش , فَنَزَلَت القرارات الإمبراطوريَة مُنهَمِرَة تَحرِمَهُم مِن حقوق المواطَنَة و فَرض العقوبات عَلَيهِم و وَصَل الأمر لِحَد تَدمير الكنائِس و إحراق الكُتُب المُقَدَسَة في مُحاوَلَة لِسَلبِهِم مُصادِرَهُم التي يَستَندِون إليها في مواقِفَهُم , حَتى أن بَعضَهُم تَخلى عَن عَقيدتُه
- مَرض جاليريوس و بِدايات قُسطنطين:
و ظَل الإضطهاد مِن زَمَن دقلديانوس , الذي تنازَل عَن الحُكم و تولاه جاليريرس , كإستراتيجيَة تَتَطَلَبُها تِلك المَرحَلَة , و التي إعتبرها خُنوع مِن طائِفَة في الإمبراطوريَة إستَهوَت بَعض الجنود الغَير راغبين في الإنضمام لِلجَيش أو الذين تأثروا بِها مِن الجيش نَفسَه
و ظَل هَذا المناول حَتى قَبْل وفاة جاليريوس بِقَليل , حَيثُ مَرض مَرضاً شَديداً , ظَل يُعاني مِن ألامُه حتى أنَه إعتَقَد أن هُناك لَعنَة حَلَت عَليه مِن إلَه المَسيحين , فأصدَر قرارَه بِحُريَة العبادَة عام 311م و توفي بَعدها , لِيَتُرك خَلفيَة في تَفكير الإمبراطور الذي تلاه قُسطنطين حَول مَرََضَه و وفاتُه , مما جَعَلَ الأخير يُكِن نوعاً مِن الإحتِرام و الخَوف مِن إلَه المَسيحين
و بَعد وفاة جاليريرس تَنازَع حُكم الإمبراطوريَة الرومانيَة أربَعَة أباطِرَة ليسينيوس , و مَكسيمين في الشَرق و ماكسينتوس , و قُسطنطين في الغَرب
-حُكم قُسطنطين:
لَم يَكُن مِن بُداً أمام قُسطَنطين , في سَبيل سَيطَرَتُه المُنفَرِدَة على القِسم الغَربي سِوى أن يَنزَع الحُكم عَن ماكسينتوس مُنافِسَه في هَذا القِسم و لِتَحقيق هَذه الغايَة , كان قُسطنطين يَحتاج إلى جُل قوَة مِن المُمكِن الإلتِجاء إليها سواء رَوحيَة أو ماديَة , فَقَرَر أن يُجَرِب إلى جانِب قوة الشَمس , قُوَة الإلَه المَسيحي , و الذي كانت تَكونَت في ذِهنِه فِكرَة أن هَذا الإلَه هو الذي تَسَبَب في مَرض الإمبراطور جاليريوس و وفاتُه
و هَزَم قُسطنطين مُنافِسَه و إنتَزَع مِنه شَمال إيطاليا و مِن ثَم قَرَر الإستيلاء على روما , و قَد كان مَعروفاً آنَذاك , أن مِقياس الدين بِمقدار ما يأتي بِه مِن نتائِج , فإذا جاء بِالفَتح و النَصر لأتباعُه يَكون هو الحَق و الهُدى و إذا جاء بِالهَزيمَة يكون هو الضَلال المُبين
و قَد كان قُسطَنطين كما سَلَف تابعاً لِعبادَة الشَمس , هَذه العبادَة اليونانيَة القَديمَة التي تَمَحوَرَت حَول عِبادَة الأنثى في صيغَة تَقديس الشَمس العُظمى و التي كانَت تُعَد رَبَة الأرباب و أماً لِجَميع الآلِهَة و كان يُرمَز إليها بِالنِجمَة الرُباعيَة , التي تَتَخِذ شَكل الصَليب , فقَبل أن يَعرِف الأوروبيون شَيئا عَن المَسيحيَة , كان الجنود اليونانيون يَرسمون على دروعَهُم عَلامَة الصَليب قُبَيل تَوجُهَهُم لِلمَعرَكَة
و عَليه فكان تَيَقُن قُسطنطين بالإلَه المَسيحي و الصَليب الذي يَرمُز لإلَه الشَمس سَوف يأتي إليه بِالنَصر فيما سَيخوضَه مِن حُروب
و دَخَل قُسطنطين إلى روما مُنتَصِراً في سِلسِلَة مِن الحُروب , و في غَمرَة إستقبالِه إغتَنَم الفُرصَة لِتوطيد مَركَزَه الدستوري في مواجَهَة أباطِرَة الشَرق مَكسيمين و ليسينيوس , و إستطاع قُسنطين أن يَحمِل السناتو, الذي إحتفا بِه هو و الجيَش ,على أن يمنَحُه لَقَب الإمبراطور الأوَل الذي كان يَختَص بِه أحد أباطِرَة الشَرق و هو مكسيمين مُنذ وفاة جاليريوس و بِذَلِك سَيطَر قُسطنطين على التَشريع الإمبراطوري
و بدأ الإرسال الكتابي مِن قُسطنطين إلى مكسيمين يَطلُب مِنه وَقف إضطهاد المَسيحين , و الذي كانوا يَنتَشِرون بأعداد أكبَر نِسبياً من الغَرب , و أصدَر قُسطنطين قراراً بِالتَسامُح و أرسَل إلى نوابُه يأمُرَهُم أن يُعيدوا لِلكنائس أملاكَها التي صودِرَت و وجَه تعاليمُه إلى الخزانَة الإمبراطوريَة بأن تؤدي لِلكنائس الأموال التي تَحتَجَها
و بَعد أن تَمَكن مِن القَضاء على مَكسيمين , ظَل أمامُه ليسينيوس و حَدَث بَينَهُم التَصادُم على أثَر المؤامَرَة التي إشتَرَك فيها الأخير ضِد قُسطنطين و فَرضِه القيود على رِجال الدين المَسيحي و تنازُع السيادَة على بَعض المناطِق المتاخِمَة لِحدوده الشَرقيَة , مما أدى إلى نشوب الحَرب بينهُما و التي أسفَرَت عَن هَزيمَة ليسينيوس الذي فَر إلى بيزَنطَة فَتَبِعَه قُسطنطين و حاصَرَه حَتى قَضى عَليه و على أي مُقاوَمَة بَعد أن إنهارَت مُقاوَمَتُه و إنسِحابُه إلى خريصوبولي حَيثُ كانت أخر موجهاتِهِم و حَسَمَت مَصير ليسينيوس بِالقَتل إلا أن قُسطنطين سَمِع لِشفاعَة أخته و زَوجَة ليسينيوس و إكتَفى بِنَفيه
-المَسيحيَة و شَكلها القُسطنطيني:
على الرَغم مِن أن المَسيحين لَم يَكونوا , عِندما نُصِب قُسطنطين إمبراطوراً سِوى أقليَة بَين سُكان الإمبراطوريَة , فإنه حَرَص على أن يُقيم مُستَقبَل روما على ديانَتِهِم و كان لِذَلِك أكبَر الأثَر في تاريخ المَسيحيَة
لَقد كان قسطنطين في أصولِه مُنتَمياً لأسرَة هِرَقل الإمبراطور و ظَل في بِدايَة حُكمِه يُمَثِل هَذه العائِلَة العَظيمَة , غَير أنه حَرَص – بَعد أن إستقَر لَه النفوذ في مناطِق مكسيمان مؤسِس هَذه الأسرَة بَعد هَزيمَة الأخير – على أن يُذيع أنه يَنحَدِر عَن طِريق أبيه إلى "كلوديوس جوثيكوس" الذي حَكَم الإمبراطوريَة بِقسمَيها الشَرقي و الغَربي
و كانَت عِبادَة الشَمس سائِدَة في إيلليريا مَوطِن كلوديوس فأضحَت الشَمس التي لا تُقهَر المَعبود الذي يَحمي الإمبراطوريَة و يَرعاها و كان قسطنطين مُتعَلِقاً بِعبادَة الشَمس و كان يَحرِص على سَك الرموز التي تُشير إليها على النُقود التي كانَت تُضرَب في عَهدُه , حتى بَعد أن إستعان بإلَه المَسيحية على خَلفيَة ما تَبَلوَر في ذِهنه إبان مَرض و مَوت جاليريوس و مَيلَه إليه
و لَعل هَذا هو أكثَر ما يوضِح لَنا نَوعيَة المَسيحيَة التي إعتَقَد فيها قُسطنطين , بالإضافَة إلى مَوقِفَه مَع الدوناتيين , فَقد قَضى على الحَرَكَة الدوناتية التي إتخَذَت إسمَها مِن رَجُل الدين المَسيحي دوناتِس النَحوي و الذي لَم يَكُن يَتسامَح مَع مَن قال بِوجوب مُهادَنَة الإمبراطور و التنازُل عَن العقائِد المَسيحيَة التي تَصطَدِم مَع الإرادَة السياسيَة الحاكِمَة- كما سَلَف- و مَع الثوابِت العقائِديَة لِلمُجتَمَع الوَثَني حَيثُ كان يَعيش المَسيحيون في وَسَطِه كأقليَة مَنبوذَة , رَغم كُل ما عُرِض عَليه مِن مزايا نَظير تنازُلَه مِثل الإعتِراف بِالمَسيحيَة كإحدى الديانات الرَسميَة في الإمبراطوريَة الرومانيَة , بَل و إمكانيَة تَغَلغُل المَسيحيون في الوظائِف و المَراكِز العُليا
و كان دوناتس النحَوي يَرى أن هَذا التنازُل مِن شأنِه أن يَقضي على الأصل الحَقيقي لِلديانَة المَسيحيَة , فَتذوب و تتلاشى العَقيدَة المَسيحية الصَحيحَة في بَوتَقَة العَقيدَة الوَثَنيَة التي كان يَدين بِها المُجتَمَع الروماني بِحُكامُه و مواطنيِه
و أثبَتَت تداعيات الأحداث صِحَة وِجهَة نَظَر دوناتِس النحوي سيما بَعد مَعرَكَة جِسر مِلفيان التي شَهِدت هَزيمَة ماكسينتيوس الساحِقَة و دخول قُسطنطين روما , التي ظَهَر مِن خِلالِها كَيف أن التَنازُل وَضع المَسيحيَة بِرُمتها تَحت أقدام المَطامِع السياسيَة و العَسكَريَة لِقسطنطين لِتَتَحول المَسيحيَة إلى ديانَة أخرى
و بَعد القضاء على الدوناتيين , فَصل مَسحيو قُسطنطين لَه ديناً يَتَناسَب تَماماً مَع مَقاسُه حَيثُ أنتَجوا لَه مَسيحيَة جَديدَة لَيسَت سوى نُسخَة كَربونيَة لِعَقيدَة عبادَة الشَمس المُقَدَسَة "عِبادَة الأنثى"
فَلم تَعُد المَسيحية ديانَة إستسلام للأعداء بَل أصبَحَت تُنزِل اللعنات على مُعارضيه و يَصُب الأمراض و يُسَلِِط
المَوت و الدمار على مُخالِفيه , و هَذا في ناحيَة صوريَة النُصوص , التي لَم تَعُد تَصلُح إلا في أروقَة الكنائِس
و لَم تَعُد ديانَة تَوحيديَة فأصبَحَت ثالوثاً مِثل ثالوث الشَمس المُقَدَس" مَع وجوب التَنبيه أن تأليه الروح القُدُس رَسمياً تَم في وَقت لاحِق على قُسطَنطين" , حتى لا يبقى مكاناً شاغِراً في عَقيدة قُسطنطين
و لَم تَفلِت بِالطَبع عَقيدَة المُخَلِص أكثَر العقائِد الوَثَنيَة تَغلغُلاً و رُسوخاً في إيمان عُباد الشَمس ليقتبسوها بِحَذافيرها و ألفوا لَها الأسفار ما إدعوه أنهُم تَلقوه وَحياً مُنَزَلاً مِن الروح القُدس!!!!, و هَذا يضعنا في مواجهَة إشكاليَة أخرى في الدين المَسيحي -رُبما تَحتاج إلى مَوضوع أخضر - و هي " هل الإيمان في الدين المَسيحي يأتي أولاً ثُم تُصاغ أو تُنقى النُصوص أو أن النُصوص هي التي تُحَدِد الإيمان" حتى جَعلوا عَقيدَة الخلاص هي العَقيدَة الأم التي تَدور حَولها جُل العَقيدَة المَسيحيَة الجَديدَة
و تَم تَتويج ذَلِك بِجَمع كُل المؤمنين بِالمِسيحيَة في مُجَمع نيقيَة , حَسماً لِلخِلافات العَقديَة و التي يُمكِن أن تؤثِر سياسياً
و سلاماً على المُرسلين و الحَمد لله رَب العالمين
هَذا المَوضوع إخواننا و أساتِذَتُنا الأفاضِل مأخوذ كَمَعلومات مِن كِتاب" الأنثى المُقَدَسَة و صِراع الحضارات "- المرأة و التاريخ مُنذ البِدايات- لِلدكتور مَحمد إبراهيم سرتي
إلا أن الأسلوب و التَرتيب و الفِكرَة فَمِن إفراز أخيكُم الأصغَر
تعليق