بسم الله والحمدلله والصلاة والسلام على خير خلق الله محمد صلى الله عليه وآله وصحبة وسلم،،
ثم أما بعد،،
يستشهد كثيرٌ من النصارى على كلمة إلُهيم في إثبات عقيدة التثليث من العهدالقديم. الغريب في الامر أنهم يستشهدون بها وهم على جهل مطلق (في أغلب الاحيان) في اللغة العبرية. صحيح انهم يتحدثون العربية وهذا يعطيهم مزية وفهم أوضح وادق لأساليب اللغات السامية كون ان اللغة العربية هي أكثر اللغات السامية تطوراً في اساليب اللغة والبيان، والفضل يرجع للقرآن الكريم، ولكنهم كالحمار يحمل أسفاراً. هذه دعوة مفتوحة لكل نصراني لمناقشة الأدلة التالية في تفنيد دعواهم والله الهادي إلى سواء السبيل.النص الذي يستشهدون به:
يستشهد النصارى بنص سفر التكوين الاصحاح 1 العدد 1 في ادعائهم ونصة (في البدء خلق الله السماوات والأرض) وبالعبرية (بريشيت برا إلُهيم إت هشَّمايم وإت هآرتس)
والرد على دليلهم من وجوه:
الوجه الأول: هو أن إستعمالات كلمة إلُهيم متعددة. فقد وردت للدلالة على القضاة، والملائكة والرؤساء . جاء في كتاب "تفسير كلمات الكتاب المقدس"[1] ص22 تفصيراً لكلمة إلُهيم ("يتكلم في امور إلهية. وأطلقت على الرؤساء والقضاة. إقرأ 1صم13:28 ، مز1:82و6 ، يو34:10-35.").
و جاء في كتاب الأُصُول لأبي الوليد مروان بن جناح القُرطبي اليهودي (المقالة الاولى العامود رقم 49) مانصة (אלהים לא תקללيريد الحكّام [الحاكم]: ויראו בני האלהים.ויבאו בני האלהיםيريد الأشراف والأعلام). اول نص فسرة العلامة ابن جناح هو ماورد في سفر الخروج الاصحاح 22 العدد 28(27) (لا تشتمن حاكما(إلُهيم). وشريف في قومك لا تلعنه ) (ترجمة الحبر سعيد الفيومي)
. وأما في الترجمات الحديثة فتقول (لا تلعن الله، ولا تشتم رئيس شعبك) فكلمة إلُهيم التي تُرجمت بـ الله، فسرها ابن جناح وسعيد الفيومي وكلاهما من علماء اليهود بأن المراد بها الحاكم (والمقصود بة القاضي، سمي بالحاكم لأنه يحكم بين الناس) وهو الصحيح حسب سياق النص.
فالنص من العدد 17 إلى 28 يتكلم عن الأخلاق والمعاملة بين الناس وبعضهم البعض. فمن غير المنطقي أن تُترجم لاتلعن الله! وأي إنسان يحتاج أن يُقال له لاتلعن الله؟!.
أما النص الثاني الذي فسرة ابن جناح هو من سفر أيوب الاصحاح 1 العدد 6 (وَكَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَنَّهُ جَاءَ بَنُو اللهِ لِيَمْثُلُوا أَمَامَ الرَّبِّ وَجَاءَ الشَّيْطَانُ أَيْضَاً فِي وَسَطِهِمْ.) (فاندايك).
فبنو الله كما ورد في النص هي بالعبرية (بناي إلُهيم) قد فسرها ابن جناح بالأشراف والأعلام. وجدير بالملاحظة ان الترجمة العربية المشتركة ترجمتها بالملائكة ( وجاء الملائكة يوماً ...).
وكذلك الناظر في سفر الخروج الاصحاح 7 العدد 1 (فقال الرب لموسى انظر.انا جعلتك الها لفرعون.وهرون اخوك يكون نبيّك.)(الفاندايك). فكلمة (إلهاً) في النص هي إلُهيم في النسخة العبرية. ولو نظرنا لترجمة الحبر سعيد الفيومي نجدة ترجمها كالتالي (فقال الله له. انظر. قد جعلتك استاذا في أمر فرعون. وهرون أخيك يكون ترجمانك.) ترجمها بكلمة أُستاذاً مع أنها في العبرية جمع.
وأما التوراة السامرية فقد ترجمتها بمعنى اوضح (وقال الله لموسى انظر جعلتك سلطاناً على فرعون وهرون اخوك يكون وزيرك)(ترجمة أبوسعيد).
مثال آخر على إستعمال كلمة إلُهيم للأشراف يظهر جلياً حينما رأت العرافة روح صموئيل النبي صاعدة من الأرض وسمتها بأنها إلُهيم. سفر صاموئيل الأول الاصحاح 28 العدد 13-14 ونصه (فقال لها الملك لا تخافي.فماذا رأيت.فقالت المرأة لشاول رأيت آلهة يصعدون من الارض. فقال لها ما هي صورته.فقالت رجل شيخ صاعد وهو مغطي بجبّة.فعلم شاول انه صموئيل فخرّ على وجهه الى الارض وسجد.)(الفاندايك)
وأما الترجمة العربية المشتركة فترجمتها كالآتي (فقالت: رأيتُ روحاً يطلُعُ من الأرض ...إلخ). فالروح الصاعدة من الأرض او الآلهة الصاعدة او إلُهيم كما في العبرية هي كلها مرادفات لروح صموئيل النبي. فلشرف النبوة استخدمت معه صيغة الجمع للإحترام والتقدير.
ومثلهً ماورد عن منوح وامرأته حينما رأوا ملاك الرب في سفر القضاة الاصحاح 13 العدد 22 (سنموتُ لأننا رأينا الله (إلُهيم)) في حين ان في طول القصة كانوا يتحدثون مع رجُلٍ واحد ثم إكتشفوا أنه مَلَك من الملائكة فأطلقوا عليه لفظ إلُهيم للإحترام والتقدير.
وبمثل هذا الإحترام والتقدير يُطلق على القضاة في سفر الخروج الاصحاح 22 العدد 9(8) (في كل دعوى جناية من جهة ثور او حمار او شاة او ثوب او مفقود ما يقال ان هذا هو تقدم الى الله (إلُهيم والمقصود به القاضي) دعواهما.فالذي يحكم الله (إلُهيم الذي هو القاضي) بذنبه يعوّض صاحبه باثنين.) والحبر سعيد الفيومي فقد ترجم إلُهيم إلى الحاكم (فإلى الحاكم يرفع أمرهما) وهذا ماوفقه عليه إبن جناح.
وكخاتمه الرد من هذا الوجه أختم بإستخدام العهدالقديم صيغة الجمع (أدونيم و أدوني) للحديث عن صاحب الشأن والسلطة. ففي سفر إشعياء الاصحاح 19 العدد 4 مانصه ( ويُسلِّمُ المصريين إلى يد سيِّدٍ (أدونيم) قاسٍ وملكٍ طاغيةٍ يتسلط عليهم. هكذا قال السيد الرب القدير) هنا قد تم إستخدام صيغة الجمع لكلمة سيد (أدون) للحديث عن الملك القاسي الذي سيملك المصريين.
وهو كما تعلم عزيزي القارئ جمع الجلاله والعظمة والتقدير لمكانته كملك. وكذلك ماذُكر عن قصة سيدنا يوسف ومحاولة زوجة ملك مصر إغراءة في سفر التكوين الاصحاح 39 العدد 19-20 ونصه (فكان لما سمع سيده كلام امرأته الذي كلمته به قائلة بحسب هذا الكلام صنع بي عبدك ان غضبه حمي. فأخذ يوسف سيده (أدوني) ووضعه في بيت السجن المكان الذي كان اسرى الملك محبوسين فيه.وكان هناك في بيت السجن) كلمة أدوني تسمى بالمصطلح العبري "سميخوت סְמִיכוּת" ويماثلها في العربية قولنا "بني إسرائيل" فبني هنا جمع، وهذا هو الحال في النص حينما قال ( أدوني يوسف) أي سادة يوسف وهنا يتكلم النص عن الملك، ملك مصر.
بعد أن سردنا هذه النصوص البينات على إستخدام صيغة الجمع مع البشر والملائكة ، كيف يحسن بعد ذلك أن يدعي نصراني بأن اللغة العبرية لاتحتوي على جمع التعظيم والتقدير والاحترام! وهل أن كل هؤلاء البشر والملائكة لهم أقانيم ثالوثية؟!.
الوجه الثاني: إستخدام العهدالقديم كلمة إلُه بصيغة المفرد تضع حجة النصارى على المحك. ففي سفر التثنية الاصحاح 32 العدد 15 (فسمن بنو يعقوب وبطروا. وسمنوا وامتلأوا شحماً ولحماً، فأهملوا الإله (إلُه) الذي صنعهم ونبذوا خالقهم ومخلصهم) فقد وُصف الإله الحقيقي خالق بني يعقوب بالصيغة المفردة.
فإن قال النصارى بأن صيغة الجمع تفيد التثليث فسؤالنا هو أي أقنوم من الأقانيم هو خالق بني يعقوب؟ لأن الكلمة جائت مفردة فيلزم أن أقنوم واحد من بين الأقانيم الثلاثة خلق بني يعقوب وأما الأقنومين الآخرين كانا من بين المشاهدين!.
والأكثر من ذلك ماذا يفسر القارئ النصراني الإستخدام المتبادل في التحدث عن الله الخالق كما جاء في سفر المزامير الاصحاح 50 العدد 22-23 (إفهموا إذاً يامن نسوا الله (إلُه) لئلا أفترس ولا مُنقذ. من يُقرب ذبيحة الحمد يُمجدني ومن استقام طريقُه أُريه خلاص الله (إلُهيم))(اليسوعية) فالإستخدام المتبادل للكلمتين في العددين السابقين يفند عقيدة التثليث الخرافية التي يحاول النصارى دسها في كلمة إلُهيم. فإلُه هو إلُهيم وإلُهيم هو إلُه. ونجد نفس الاستخدام المتبادل للكلمتين في سفر إشعياء الاصحاح 44 العدد 6،8 (6 وقال الرب ملك إسرائيل، فاديه وربُه القدير. أنا الأول وأنا الآخر، ولا إله (إلُهيم) في الكون غيري. 8 لا ترتعبوا ولا ترتاعوا، أما أعلمتكم من قديم وأخبرتكم؟ أنتم شهودي، هل من إله (إلُه) غيري؟ وهل من خالق ما عَلِمتُ بهِ؟)
قلتُ فالتناغم والتبادل في إستخدام كلمة إلُهيم وإلُه في نفس السياق وفي عددين متتالين للتحدث عن نفس الإله الحق ماهو إلا دليل دامغ على أن معناهما واحد وأن الله واحد لاشريك له إستخدم صيغة الجمع للتعظيم والتقدير.
الوجه الثالث: إن إفترضنا – على سبيل الجدال – أن كلمة إلُهيم تفيد تعدد الآلهه (أو الأقانيم) فليس فيها أي رابط او صلة بالرقم ثلاثه. فالجمع في لغات العالم هي مافوق الواحد (وفي اللغات السامية مافوق الاثنين) وليس هناك أي تحديد للرقم ثلاثه في كلمة ألُهيم فقد يكونان آلهتين أو ثلاثة أو أربعه أو مائة او ألف أو ألف الألف. فمايلزم النصارى بالإيمان بثلاثه فقط؟
الوجه الرابع: فقد أقر العلماء أصحاب المعرفة باللغة العبرية على جمع العظمة في كلمة إلُهيم وأنها لاتدل لا من قريب ولا من بعيد بصيغة التثليث.
أستشهد بقول العلامة إبن جناح القرطبي اليهودي في كتابه الأُصُول (العامود رقم 49) تعليقاً على كلمة إلُه مانصه (وقد ترك[ترد] في هذا التكثير المستعمل على سبيل التعظيم في الباري عزّ وجلّ) هذا التصريح الواضح بإستخدام صيغة الجمع للتعظيم يأتي من أحد أعظم علماء النحو في اللغة العبرية.
وكذلك ماقاله المطران كرلس سليم بسترس رئيس أساقفة بعلبك وتوابعها للروم الكاثوليك في كتابه اللاهوت المسيحي والانسان المعاصر – الجزء الاول – ص37-38 مانصة (في العهد القديم استعمل الشعب اليهودي كلمتين للإشارة إلى الله، كلمة (إيلوهيم) وهي اسم جمع أو تفخيم لكلمه (إيل) التي استعملتها مختلف الشعوب الساميّة للدلالة على الله).
وكذلك إقرار الأب متى المسكين في كتابه النبوة والأنبياء في العهدالقديم ص50 مانصة (و"إلوهيم" تأتي بالجمع في تكوينها، ولكن على مدى الكتاب تأتي بالمعنى المفرد لتدلّ على الله الحقيقي الفعّال، ليظهر الجمع أنه جمع المجد والجلال والعظمة ولا دخل له بتعدد الآلهة على وجه الإطلاق.). وذكر العالم Wilhelm Gesenius في كتابة[2] ص42 مانصه
(אֱלֹהִים, the plural of majesty)
[align=left](The Hebrew plural 'ĕlōhīm is generally known as the plural of “majesty” and is the ordinary name for God. The meaning of the plural seems to be “plenitude of powers[/CENTER][align=left].”)[/CENTER]
وجاء في قاموس سمث الكتابي Smith's Bible Dictionary تحت كلمة GOD مانصة:
(The plural form of Elohim has given rise to much discussion. The fanciful idea that it referred to the trinity of persons in the Godhead hardly finds now a supporter among scholars. It is either what grammarians call the plural of majesty, or it denotes the fullness of divine strength, the sum of the powers displayed by God.)
وجاء في الموسوعة البريطانية Encyclopaedia Britannica تحت كلمة Elohim مانصة:
(Singular Eloah (Hebrew: God), the God of Israel in the Old Testament. A plural of majesty, the term Elohim—though sometimes used for other deities, such as the Moabite god Chemosh, the Sidonian goddess Astarte, and also for other majestic beings such as angels, kings, judges (the Old Testament shofetim), and the Messiah—is usually employed in the Old Testament for the one and only God of Israel)
وجاء في الموسوعة الكاثوليكية Catholic Encyclopedia تحت كلمة إلُهيم Elohim مانصة:
(Grammarians call it a plural of majesty or rank, or of abstraction, or of magnitude (Gesenius, Grammatik, 27th ed., nn. 124 g, 132 h). The Ethiopic plural amlak has become a proper name of God. Hoffmann has pointed out an analogous plural elim in the Phoenician inscriptions (Ueber einige phon. Inschr., 1889, p. 17 sqq.), and Barton has shown that in the tablets from El-Amarna the plural form ilani replaces the singular more than forty times (Proceedings of the American Oriental Society, 21-23 April, 1892, pp. cxcvi-cxcix).)
أما الأب أنطونيوس فكري في تفسيره للتكوين 1:1فقد حاول الجمع بين النقيضين، بين أن يكون إلُهيم جمع العظمة وفي نفس الوقت يكون جمع العدد ويشير للثالوث! فقال في تفسيرة (جاء بصيغة الجمع فكأنه يقول " فى البدء خلق الألهة السموات والأرض وبالعبرية فالمفرد آل أو آلوه والمعنى الواجب التعظيم والخشوع والإحترام والجمع بالعبرية آلوهيم. وهذا يشير للثالوث الأقدس الذى خلق)
وعجبي كيف يجتمع النقيضان، فآخر كلام الأب أنطونيوس يناقض أوله. لأن القول بالثالوث يلزم أن نقول ان الجمع هنا عددي وأنه يتكلم عن الآلهه ولو وافق الأب أنطونيوس العلماء العارفين بالعبرية وقال أنها جمع العظمة للزمه أن يترك القول بأنها تشير للثالوث لأن في جمع العظمة المتكلم عنه هو واحد. ولكن كما ترى عزيزي القارئ التخبط الذي وقع فيه الأب انطونيوس.
والآن عزيزي القارئ، بعد أن إطلعت على ما من الله عليَّ بكتابته أقول إن القول بالتثليث إستناداً على كلمة إلُهيم ماهي إلا آماني النصارى. فاللغة العبرية لاتُأيدهم بل هي على النقيض منهم والعلماء العارفين بالعبرية يخالفونهم والمراجع العلمية تذكر عكس قولهم. ولكن النصارى كالأنعام بل أضل، يسيرون وراء رهبانهم وقساوستهم الذين أعمى الله قلوبهم لجحدهم الحق وأستخفوا بقومهم فأطاعوهم. والله تعالى أعلى وأعلم، والحمدلله رب العالمين.
كتبه العبد الفقير إلى الله ترجوم عفى الله عنه وعن والدية وجميع المسلمين.
المراجع العربية:
الكتاب المقدس (الترجمة العربية المشتركة، الرجمة اليسوعية، ترجمة الفاندايك). ملاحظة: كل النصوص من الترجمة العربية المشتركة مالك أذكر خلافه.
الترجمة العربية للتوراة (ترجمها الحبر سعيد الفيومي المشهور بـ سعاديا جاؤون Saadia Gaon)
الترجمة العربية للتوراة السامرية (ترجمة أبوسعيد حققها وقدمها حسيب شحاته وتصدر عن الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية للعلوم والآداب)
كتاب الأصول لأبي الوليد مروان بن جناح القرطبي المعروف بالراباي يونا ابن جناح تحقيق AD. NEUBAUER مطبوعات أوكسفورد.
كتاب تفسير كلمات الكتاب المقدس تأليف: سعيد مرقص إبراهيم، مراجعة الدكتور القس منيس عبد النور
كتاب اللاهوت المسيحي والانسان المعاصر للمطران كرلس سليم بسترس رئيس أساقفة بعلبك وتوابعها للروم الكاثوليك
كتاب النبوة والأنبياء في العهدالقديم للأب متى المسكين
تفسير سفر التكوين للأب أنطونيوس فكري
المراجع الأجنبية:
Gesenius' Hebrew and Chaldee Lexicon to the Old Testament Scriptures by Wilhelm Gesenius
International Standard Bible Encyclopedia
Smith's Bible Dictionary
Encyclopaedia Britannica
Catholic Encyclopedia
International Standard Bible Encyclopedia
Smith's Bible Dictionary
Encyclopaedia Britannica
Catholic Encyclopedia
[1] تأليف: سعيد مرقص إبراهيم، مراجعة الدكتور القس منيس عبد النور، مطبعة مكتب النسر للطباعة
[2] Gesenius' Hebrew and Chaldee Lexicon to the Old Testament Scriptures
تعليق