نشأة الأرثوذكسية كهرطقة أبيونية
الهدف من هذا البحث:
ما نُريدهُ من هذا البحث هو أن نتعمّق فيما ظهر لنا عن طائفة مسيحِيّةٍ ظهرت في القرونِ الأولى , وانتهَت قبْلَ مجيء الإسْلامِ بقرنٍ ونِصْف ... وهذه الطائِفَةُ هي ما يُطْلَقُ عليْهِم اليهود المُتنصّرون أو ما يُطلق عليهم مجازا الأبيونيون , ثُمِّ كيف أن الأرثوذكسية النيقوية (1) , في حقيقتها ماهي إلا هرطقة نشأت عِناداً في هذهِ الأبيونية وخرجت مِن ثوبِها .. فزادوا في تحْريفِ دينِ المسيحِ , وأمْعنوا في تشْويهِ وتعْطيلِ شريعةِ موسى .. فما كان إلا أن رحِمَ اللهَ أرْضَ المسيحِ , قبْلَ أن يسْتَفْحِلَ فيهِم الشر , فخرج إلى الوجود نبي الله مُحمّد صلى اللهُ عليْهِ وسلّم .. فجاءَهُم وما عرفوه .. وأتمّ اللهُ وعْدَهُ وورِِثت أمّتهُ الملكوت .. وصارت بلادُ المسيحِ منذُ ألفٍ وأربعمائِةِ عامٍ وإلى اليوْم لا تُسبِّح ولا تُمجِّد إلا إلها واحدا ... ودخلت طوائِفُ النصارى أيا كان المُسّمّى (الابيونيون , الآريوسيون , الأرثوذكسيون , الملكانيون , المريميون ... ) إلى دينِ اللهِ أفْواجا.
سنُثبِت بحول الله تعالى :
أنّ الأبيونيين ما كانوا إلا الورثة الشرعيين لمسيح الله ... ثمّ نُثْبِتُ كيْفَ أنهم حرّفوا بعد ذلِك وغيّروا ... ونتطرّقُ لِعقائِدِ الفِرَقِ الأبْيونِيّة كما ذكرتْها مصادِرُهُم التاريخِيّة , وكما حكاها آباؤهُم الأوائِل ... نُجلِّي حقيقَتَهُم كامِلَة .. ثم نُبيِّنُ كيْفَ خرجت منهم هرطقة وبِدعة حرّفت الكتابَ الأبيوني واتّخذتْه مصدراً لها
فخرج الإنْجيل الحالي الذي بيْنَ أيْديهِم كنِتاجَ تغييرٍ وتحْريفٍ مُباشِر و غير مُباشِر للاناجيل الأبْيونِيَة.
وسنُبيِّنُ كيف ساهمت الوثنِيّةُ بالقِسطِ الأكْبَرِ في خروجِ هذه العقيدة المسيحية الحالية إلى النور في القرن الرابع الميلادي حين تلاقَحَت العقائِد الأبيونية والآريوسية والوثنِيّة الرومانية ليخْرجوا للعالمِ بإسم جديد وهو المسيحية الكاثوليكية ثم الأرثوذكسية ... ثمّ زوّروا التاريخَ وغيّروا فيهِ وأعادوا كِتابته ليناسِبَهُم ويوهِم ذويهِم أنهم الورَثَةُ الشرْعِيّون لدينِ المسيح .!!
وهكذا فقد أعاد أتباع بولس الطرسوسي كِتابة التاريخ بمساعدة الإمبراطور الوثني قُسطنطين و أمه هيلانة ..!!
الدافِعُ لِهذا البحْث :
لم يمْنَع ما ألمّ بِأهلِ الإسْلامِ مِن الغفْوةَ .. اسسْتِمرار دخولَ النصارى في دينِ اللهِ أفْواجا .. فاتّهم بعض الوضاعين والأفّاكين في الأواسط المسيحية رسول الله محمداً - صلى اللهُ عليْهِ وسلّمَ - بانه أخذ تعاليمَ دينه وروحانيّة القرآن العالِيةِ التي لا تُقاوَمُ مِن الإنْجيل , وصوّروا لِبنيهِم أنّ دعْوَةَ رسولِ اللهِ لم تكن إلا امتداداً لنصْرانِيَة مُنْقرِضَة هرطوقِيّة أسْموها اليهود المُتنصِّرون , أو ما عُرِفوا بعْدَ ذلِكَ بـ" الأبْْيونِيّين" , وما ذلِك إلا لمُحاولة مِنْهُم في صرف الأنظار عن دينِ الإسْلام أوّلاً ... ولِتخْديرِ بنيهِم وذويهِم عن البحْثِ عن حقيقة هذه الدعوة الأبيونية ثانِياً , ولكِن أتاهُم من اللهِ مالم يحْتسِبوا ..
وهكذا انطَلَقتِ الإرساليات النصرانية ودُعاتِها , إلى تجييشِ الأقلِّيّاتِ من أبنائِهمِ في دُول الإسْلام ضِدّ الإسْلامِ وأهْلِهِ .. ويدْفَعُهُم إلى ذلِكَ دفْعاً ما وجدوه في بنيهم وذويهِم الذين هجروا الوثنية وتعبّدوا للهِ بالوحْدانِيّة فصاروا إلى دينِ اللهِ أفْواجا... لقد هالَهُم وأقدّ مضْجَعَهُم أن أشْرَقت شموسُ الحقِّ على كل بيوتِ نصارى العرب .. فما مِن بيْتٍ مِن بيوتِهِم إلا طالهُ الإسْلام , ودخَلَهُ الإسْلام ...
فانْطلَقَ الهمَجُ الهامِجُ من تِلْكَ الإرْسالِيّاتِ النصْرانِيّة إلى لمْلَمَةِ شتاتِ بنيهِم وذويهِم , بِتبْشيعِ الإسْلامِ في أعْيُنِهِم , والترْويجِ إلى دعاوى سقيمة سمِجة تتبخّر أمام مُطالبتهم بالأدلة على ما يقولون , وفِكر مهزوم ينقلِب عليهم حسرة ومذلة حين يُواجَهون ..!! , وتدليس مُهترِىء لا ولن يقوى بحول الله على الصمود أمام معاول الحق قبل معاول النقد .
وموْضوعُنا هذا هو لتفنيد أحدُ هذه الدعاوى الحقيرة التي تُروِّج لها تِلْكَ الإرْساليّات الضالّة بيْنَ بنيهِم , وحقارتُها تتّضِحُ إن عرفنا أنّهُم يأخُذونَ من عقائِدِهم المسيحِيّةِ ما يُعيبُهم ويُحاوِلُون نسْجَ قميصٍ مُهلهلٍ على مِنْوالِهِ لا يستُر صاحِبه , و يُريدون أن يُلبِسوهُ عنوة لمن سترهم لباس التقوى والحق ... ولكنهم بِجَهْلِهِم نبشوا تِلك الحقائِق التي توارت في كتب التاريخ نبشاً , فخرجَت لترتمي بيْنَ أيْدينا لنُخْرِجَ ما أخْفوه إلى النور مرة أخرى .. وهكذا كان لابد له أن يضع المسيحي الضال بيديه مفاتيح الحقيقة و يفضح نفسه بنفسه , وإن ربك لبالمرصاد.
وأخيراً نسْأل اللهَ تعالى أن يُعيننا في أن نُلقِمَ مُعانديهِم ومكابِريهِم بِأمْرِ الله - حجارةً ملتهِبةً , وقذائفَ حقِّ , مُدعمةٌ بسيل لا يُرد من الأدلة المُوثقة , ونسأل الله تعالى أن يكون على الباحِثينَ عن الحقِّ مِنْ بيْنِهِم بلْسماً صافِياً يكونُ سبباً في أن يقودَهُم إلى الهُدى والنور .. والله أسأل أن يُوفِِّقنا في عرْضِهِ , وإخْراجِهِ , وأن لا يحْرِمنا من الإخْلاص .. ونسْأل الله أن يُرينا الحق حقاً ويرزُقنا اتباعه وأن يُرينا الباطل باطلاً ويرزُقنا اجتنابه .
و بحول الله تعالى نبدأ سبْر الحق وليس إلا الحق , ونترك أدلتنا تحد مفتوح لكل من تُسوِّل له نفسه الإقتراب من هذه السطور.
_____________________________
(1) تِلك العقيدة التي نشأت في نيقية بمُباركة الوثني قسطنطين عام 325 ميلادية
يتْبع
تعليق