يقول المعترض: "وقد إختلف هؤلاء الكتاب في تحديد موقع فاران ولم يتفقوا على شيء"! وكأن علماءهم هم الذين اتفقوا! ويعلّق على الكـُتاب المسلمين، فيقول عن كلام رحمت الله الهندي: "هكذا دون توثيق"، وعن محمد الشرقاوي: "ولم يذكر لنا خريطة تدل على ذلك"، وعن بشري زخارى: "وليته يدلّنا على خريطة واحدة أو مرجع واحد يثبت صحة مزاعمه"!!
القضية لديه إذن قضية توثيق وخرائط! حسناً .. أين توثيقكم وخرائطكم أنتم؟ لقد رأينا - وسنرى أيضاً - تضارب علماء الكتاب المقدس وخرائط الكتاب المقدس في تحديد موضع فاران! فعن أي دقة تتحدثون؟ حقاً لقد صدق المسيح حين قال: "ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها!!" (مت 7: 3).
ثم يعلّق المعترض على ما أورده ياقوت الحموي في معجم البلدان بقوله: "إذ أنه قال: أن فاران موجودة في أربعة محلات وهي مكة والحجاز ومصر وبلاد فارس!!". اهـ
وأنا أقول لجنابه: أنت تعجب من وجود فاران في أربع محلات .. فأخبرني إذن أين توجد الإسكندرية؟ ولا تقل لي إنها توجد في محلة واحدة، فإن ذلك ليس هذا صحيحاً، بل تقع الإسكندرية في مصر والعراق وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان وغيرها، وهي كلها تُنسَب للإسكندر الأكبر. فأي غرابة في ذلك!!
بل .. لننظر أصلاً في فاران المذكورة في الكتاب المقدس .. هل توجد في محلة واحدة فقط كما يزعم هذا المعترض؟ والإجابة بالطبع هي: لا .. الكتاب المقدس نفسه يتحدث عن فارانات لا فاران واحدة! فاعرفوا جغرافية كتابكم يرحمكم الله:
(1) فاران الواقعة في سيناء:
وهي التي يتحدث عنها سفر العدد في رحلة الخروج، وهي وادي فيران في جنوب غرب سيناء فوق الطور:
وتطابق فيران مع فاران سفر العدد هو سبب وضعها في هذا الموضع على بعض خرائط الكتاب المقدس، كالخريطة التي تفضل بإيرادها حبيبنا دكتور أزهري في مداخلة سابقة:
وبالرغم من ذلك، فإن هذا التطابق بين فاران سفر العدد وفيران السيناوية يكشف عن ضعف كاتب سفر العدد في الجغرافية: لأنه جعل بني إسرائيل يغادرون جبل سيناء إلى فاران، بينما تقع فيران جغرافياً قبل جبل سيناء لا بعده! ولا توجد في المنطقة فاران أخرى غير هذه!
ماذا فعل علماء الكتاب المقدس لكي يخرجوا من هذا المأزق الجغرافي؟ لقد اخترعوا جغرافيا جديدة!! جغرافيا تفصيل على مقاس رحلة الخروج في سفر العدد، فزحزحوا فاران هذه من تلقاء أنفسهم إلى شمال شرق سيناء!!
فخالفوا جغرافية سيناء حفاظاً على عصمة كاتب سفر العدد!!
وجدير بالذكر أن هذه هي فاران المصرية التي يذكرها الجغرافيون العرب مع الطور بعد القلزم وهو خليج السويس. فعلى سبيل المثال يقول الإدريسي في نزهة المشتاق: "ومن القلزم على الساحل إلى فاران أربعون ميلاً .. وإزاء فاران موضع متجون من قبل البحر .. ومنه إلى جبل الطور وهو على مقربة من البحر". اهـ (*)
(2) فاران الواقعة شرق الأردن:
وهي المذكورة في أول سفر التثنية، وهي غير فيران المذكورة في سفر العدد. وهذا هو ما أقرّ به هؤلاء العلماء:
- فيقول آدم كلارك: "هذه لا يمكن أن تكون فاران المتاخمة للبحر الأحمر .. على بُعد شاسع من الموضع سابق الذكر". اهـ (*)
- ويقول ويزلي: "(فاران): ليست هي نفسها المذكورة في سفر العدد 10: 12، والتي تُدعى هناك وفي غير ذلك (برية فاران) والتي هي بعيدة جداً. ولكن يوجد مكان ما أُطلِق عليه نفس الاسم". اهـ (*)
- ويقول كيل و ديلطش في أول تفسيرهما للتثنية:
وعبثاً يحاول مفسّروهم التوفيق بين كلا الموضعين!!
(3) فاران الواقعة في الحجاز الشمالي:
وهي التي تحدّث عنها يوسبيوس كما رأينا وقال إنها تقع إلى الشرق من إيلة، وهي داخلة في نطاق أرض مدين الواقعة شمال الحجاز شرق خليج العقبة. وهي المقصودة في سفر الملوك: "وقاموا من مديان وأتوا إلى فاران، وأخذوا معهم رجالاً من فاران، وأتوا إلى مصر" (1 مل 11: 18).
(4) فاران الواقعة في الحجاز الجنوبي:
وهي موطن إسماعيل كما يقول سفر التكوين: "وسكن في برية فاران" (تك 21: 21)، وحدّد موقعها حبقوق فقال: "الله يأتي من الجنوب، والقدوس من جبل فاران" (حب 3: 3). وعلامة فاران الجنوبية هذه هي زمزم بئر الماء الإلهية فيها (تك 21: 19). فعجباً .. هل أنتم أعلم بموطن إسماعيل من نسله!!
ولاحظوا أن الفارانـَين الأوليين لم يرد فيهما أي ذكر لإسماعيل أو الإسماعيليين بتاتاً: فكانت فيران سيناء عبارة عن قفر (عد 14: 29)، وجاء ذكر فاران الأردن بشكل عابر دون تفاصيل (تث 1: 1). وإسماعيل لم يسكن لا هذا الموضع ولا ذاك! أما فاران مدين فكانت داخلة في الأراضي التي سكنها بنو إسماعيل، وآية ذلك أن القافلة التي أخذت يوسف وباعته في مصر كانوا إسماعيليين (تك 37: 27) من مدين (تك 37: 36).
يقول السمعاني في كتاب (الأنساب): "الفاراني: بفتح الفاء والراء بين الالفين وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى موضعين: أحدهما إلى جبال فاران، وهي جبال بالحجاز، قيل إن في التوراة ذكر جبال فاران قاله ابن ماكولا. والمشهور بهذه النسبة بكر بن القاسم بن قضاعة القضاعي الفاراني الاسكندراني أبو الفضل توفي بالاسكندرية سنة سبع وسبعين ومائتين قاله ابن يونس، والثاني إلى قرية من قرى سمرقند يقال لها فاران وهي بين سمرقند وإشتيخن". اهـ (*)
كما سبق وأشرتُ إلى أن مدينة أيلة في عهد إبراهيم كان اسمها (إيل فاران) نسبة إلى هذا الرجل، وكانت هذه المدينة في نطاق "بلاد العمالقة" (تك 14: 7). وأما فاران في سيناء فكانت هي الأخرى واقعة في نطاق عماليق سيناء (خر 17: 8). وبهذا وُصفت أيضاً في الكتب العربية، فيقول ابن مطهر في كتابه (البدء والتاريخ): "ومن قلزم إلى الطور طريقان أحدهما في البحر والآخر في البر وهما جميعا يؤديان إلى فاران وهي مدينة العمالقة". اهـ (*)
يتبع إن شاء الله
القضية لديه إذن قضية توثيق وخرائط! حسناً .. أين توثيقكم وخرائطكم أنتم؟ لقد رأينا - وسنرى أيضاً - تضارب علماء الكتاب المقدس وخرائط الكتاب المقدس في تحديد موضع فاران! فعن أي دقة تتحدثون؟ حقاً لقد صدق المسيح حين قال: "ولماذا تنظر القذى الذي في عين أخيك، وأما الخشبة التي في عينك فلا تفطن لها!!" (مت 7: 3).
ثم يعلّق المعترض على ما أورده ياقوت الحموي في معجم البلدان بقوله: "إذ أنه قال: أن فاران موجودة في أربعة محلات وهي مكة والحجاز ومصر وبلاد فارس!!". اهـ
وأنا أقول لجنابه: أنت تعجب من وجود فاران في أربع محلات .. فأخبرني إذن أين توجد الإسكندرية؟ ولا تقل لي إنها توجد في محلة واحدة، فإن ذلك ليس هذا صحيحاً، بل تقع الإسكندرية في مصر والعراق وإيران وتركيا وأفغانستان وباكستان وغيرها، وهي كلها تُنسَب للإسكندر الأكبر. فأي غرابة في ذلك!!
بل .. لننظر أصلاً في فاران المذكورة في الكتاب المقدس .. هل توجد في محلة واحدة فقط كما يزعم هذا المعترض؟ والإجابة بالطبع هي: لا .. الكتاب المقدس نفسه يتحدث عن فارانات لا فاران واحدة! فاعرفوا جغرافية كتابكم يرحمكم الله:
الكتاب المقدس يذكر أربعة أماكن اسمها فاران
(1) فاران الواقعة في سيناء:
وهي التي يتحدث عنها سفر العدد في رحلة الخروج، وهي وادي فيران في جنوب غرب سيناء فوق الطور:
وتطابق فيران مع فاران سفر العدد هو سبب وضعها في هذا الموضع على بعض خرائط الكتاب المقدس، كالخريطة التي تفضل بإيرادها حبيبنا دكتور أزهري في مداخلة سابقة:
وبالرغم من ذلك، فإن هذا التطابق بين فاران سفر العدد وفيران السيناوية يكشف عن ضعف كاتب سفر العدد في الجغرافية: لأنه جعل بني إسرائيل يغادرون جبل سيناء إلى فاران، بينما تقع فيران جغرافياً قبل جبل سيناء لا بعده! ولا توجد في المنطقة فاران أخرى غير هذه!
ماذا فعل علماء الكتاب المقدس لكي يخرجوا من هذا المأزق الجغرافي؟ لقد اخترعوا جغرافيا جديدة!! جغرافيا تفصيل على مقاس رحلة الخروج في سفر العدد، فزحزحوا فاران هذه من تلقاء أنفسهم إلى شمال شرق سيناء!!
فخالفوا جغرافية سيناء حفاظاً على عصمة كاتب سفر العدد!!
وجدير بالذكر أن هذه هي فاران المصرية التي يذكرها الجغرافيون العرب مع الطور بعد القلزم وهو خليج السويس. فعلى سبيل المثال يقول الإدريسي في نزهة المشتاق: "ومن القلزم على الساحل إلى فاران أربعون ميلاً .. وإزاء فاران موضع متجون من قبل البحر .. ومنه إلى جبل الطور وهو على مقربة من البحر". اهـ (*)
(2) فاران الواقعة شرق الأردن:
وهي المذكورة في أول سفر التثنية، وهي غير فيران المذكورة في سفر العدد. وهذا هو ما أقرّ به هؤلاء العلماء:
- فيقول آدم كلارك: "هذه لا يمكن أن تكون فاران المتاخمة للبحر الأحمر .. على بُعد شاسع من الموضع سابق الذكر". اهـ (*)
- ويقول ويزلي: "(فاران): ليست هي نفسها المذكورة في سفر العدد 10: 12، والتي تُدعى هناك وفي غير ذلك (برية فاران) والتي هي بعيدة جداً. ولكن يوجد مكان ما أُطلِق عليه نفس الاسم". اهـ (*)
- ويقول كيل و ديلطش في أول تفسيرهما للتثنية:
Paran is at all events not the desert of this name in all its extent
"فاران في جميع الأحوال ليست هي البرية التي تحمل نفس الاسم على كامل امتدادها". اهـ (*)وعبثاً يحاول مفسّروهم التوفيق بين كلا الموضعين!!
(3) فاران الواقعة في الحجاز الشمالي:
وهي التي تحدّث عنها يوسبيوس كما رأينا وقال إنها تقع إلى الشرق من إيلة، وهي داخلة في نطاق أرض مدين الواقعة شمال الحجاز شرق خليج العقبة. وهي المقصودة في سفر الملوك: "وقاموا من مديان وأتوا إلى فاران، وأخذوا معهم رجالاً من فاران، وأتوا إلى مصر" (1 مل 11: 18).
(4) فاران الواقعة في الحجاز الجنوبي:
وهي موطن إسماعيل كما يقول سفر التكوين: "وسكن في برية فاران" (تك 21: 21)، وحدّد موقعها حبقوق فقال: "الله يأتي من الجنوب، والقدوس من جبل فاران" (حب 3: 3). وعلامة فاران الجنوبية هذه هي زمزم بئر الماء الإلهية فيها (تك 21: 19). فعجباً .. هل أنتم أعلم بموطن إسماعيل من نسله!!
ولاحظوا أن الفارانـَين الأوليين لم يرد فيهما أي ذكر لإسماعيل أو الإسماعيليين بتاتاً: فكانت فيران سيناء عبارة عن قفر (عد 14: 29)، وجاء ذكر فاران الأردن بشكل عابر دون تفاصيل (تث 1: 1). وإسماعيل لم يسكن لا هذا الموضع ولا ذاك! أما فاران مدين فكانت داخلة في الأراضي التي سكنها بنو إسماعيل، وآية ذلك أن القافلة التي أخذت يوسف وباعته في مصر كانوا إسماعيليين (تك 37: 27) من مدين (تك 37: 36).
يقول السمعاني في كتاب (الأنساب): "الفاراني: بفتح الفاء والراء بين الالفين وفي آخرها النون. هذه النسبة إلى موضعين: أحدهما إلى جبال فاران، وهي جبال بالحجاز، قيل إن في التوراة ذكر جبال فاران قاله ابن ماكولا. والمشهور بهذه النسبة بكر بن القاسم بن قضاعة القضاعي الفاراني الاسكندراني أبو الفضل توفي بالاسكندرية سنة سبع وسبعين ومائتين قاله ابن يونس، والثاني إلى قرية من قرى سمرقند يقال لها فاران وهي بين سمرقند وإشتيخن". اهـ (*)
هذه الفارانات سُمّيت على اسم زعيم العماليق
وقد سبق وأشرتُ إلى ذلك، وأن هذه الشخصية مذكورة في كتب التاريخ العربي. وأذكر هنا ما نقله الهمداني في كتابه (صفة جزيرة العرب): "كما قيل في جبال الحرم جبال فاران وذكرت بذلك في التوراة وإنما نسبت إلى فاران بن عمرو بن عمليق". اهـ (*) كما سبق وأشرتُ إلى أن مدينة أيلة في عهد إبراهيم كان اسمها (إيل فاران) نسبة إلى هذا الرجل، وكانت هذه المدينة في نطاق "بلاد العمالقة" (تك 14: 7). وأما فاران في سيناء فكانت هي الأخرى واقعة في نطاق عماليق سيناء (خر 17: 8). وبهذا وُصفت أيضاً في الكتب العربية، فيقول ابن مطهر في كتابه (البدء والتاريخ): "ومن قلزم إلى الطور طريقان أحدهما في البحر والآخر في البر وهما جميعا يؤديان إلى فاران وهي مدينة العمالقة". اهـ (*)
يتبع إن شاء الله
تعليق