أيهما أعظم: محمد أم المسيح، عليهما جميعا السلام؟ (1)
د. إبراهيم عوض
هذه الدراسة التى بين يدى القارئ هى فى الرد على كتاب من الكتب التى تمتلئ بها مواقع النصارى المهجريين يتحدَّوْن بها المسلمين، وعنوانه: "من هوالأعظم؟ المسيح أم محمد؟سؤاللابد من جوابه. رواية دينية بعد حادث واقعي". إلا أن هناك فرقا بين مؤلف ذلك الكتاب (الذى رمز إلى اسمه بــ"عبد المسيح وزملائه") وبين القمص #####، ألا وهو أن أسلوبه أصح من أسلوب ####، وإن لم يخل مع ذلك من الأخطاء، كما أنه مؤدب رغم أن الغرض واحد، وهو التشكيك فى الإسلام عن طريق الزعم بأن الرسول الكريم لا يستطيع الصمود فى ساحة المقارنة بالسيد المسيح، لأن هذا رب، وذاك بشر. والملاحظ أن عبد المسيح وزملاءه يتكلمون عن الرسول محمد عليه الصلاة والسلام، لا على أنه دَعِىٌّ كذاب، بل على أنه نبى كبير وعظيم من عظماء التاريخ، بل على أنه ثانى أعظم عظيمين هما المسيح ومحمد عليهما السلام. ومن هنا يرى القارئ أن أسلوب ردى على الكتاب مختلف عن ردودى على ##### إذ لا يُعْقَل أن أسىء إلى مؤلف لم تَفْرُط منه إساءة وضيعة ظاهرة إلى الإسلام أو رسوله العظيم، وإن لم يمنعنى هذا من التنبيه التفصيلى لكل الثغرات التى فى كتاب عبد المسيح وزملائه. وقد قمت فى الدراسة التى نحن بصددها الآن بتقسيم كتاب عبد المسيح وزملائه إلى عدة أقسام، موردًا أولاً كل قسم من هذه الأقسام مظلَّلاً باللون الأصفر، ثم مُتْبِعًا إياه بالرد المطول على ما فيه، لكن دون تظليل. وبعد هذا التوضيح أترك القارئ مع الكتاب والرد عليه ليحكم بنفسه لنفسه فى هذا الموضوع الهام.
من هوالأعظم؟ المسيح أم محمد؟
سؤاللابد من جوابه- رواية دينية بعد حادث واقعي
عبد المسيح وزملاؤه
تمهيد:
* نعيش في عصر السرعة حيث قرّبت الطائرات السريعة القارات البعيدة، وتحرك فيضان الكتب وبرامج التلفزيون قلوب الشعوب، وتختلط القبائل والأجناس تلقائيًا. وتطفو الأسئلة وتدور الأبحاث، فينبغي على الجميع أن يتساءلوا: ما هو الحق الأزلي؟ وما هي الأفكار البناءة التي نقبلها بضمير صالح وبدون اشمئزاز؟ فكل من يتعلم الاستماع والإصغاء لآراء الآخرين يكتسب أفقًا أوسع من محيطه المحدود.سؤاللابد من جوابه- رواية دينية بعد حادث واقعي
عبد المسيح وزملاؤه
تمهيد:
** ونحن مع عبد المسيح وزملائه فى أن يفتح الناس جميعا عقولهم وقلوبهم لمعرفة ما فى أيدى الآخرين وتقليب البضاعة التى يعرضونها قبل أن يصدروا حكما عليها، إذ الحكم على الشىء فرع من تصوره. أما إذا كان التصور غير موجود أصلا لأن الإنسان لم يطلع على ذلك الشىء، فهل يا ترى من المستطاع له أن يصدر حكما بشأنه؟ بالطبع لا. والمعروف أنه فى كل مرة من المرات التى كان الكفار يعترضون على نبينا الكريم كان القرآن يدخل معهم فى حوار ويجادلهم ويعرض ما عنده فى سعة صدر، ويفنّد ما عندهم بمنطق مفحم، ويطلب منهم دائما تشغيل مخهم وعرض كل شىء على عقولهم قبل أن يرفضوه. ولم يقع قط أن صادر حقهم فى التفكير ولا فى القبول والرفض. كذلك يعلن القرآن فى مواضع متعددة منه أن العقل هو أساس الإيمان، وأن كل إنسان حر فى أن يؤمن بما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام أو يكفر، فهذه مسؤوليته الشخصية، لا دخل لأحد سواه فيها، ولا حساب عليه إلا فى حدود الوُسْع. وعلى هذا ينبغى أولا أن يُعْرَض الإسلام عليه عرضا حسنا يُبْدِى عما فيه من روعة وإبداع، وإلا فكيف يمكن أن يكون هناك حساب لمن لم يعرف شيئا عن الإسلام، أو عرفه ولكن بطريقة مشوهة تستر محاسنه وتضفى عليه عيوبا لا يعرفها ولا تعرفه، وليس ثمة وسيلة يمكنه بها أن يعرف الحقيقة فى أمر ذلك الدين؟ قال سبحانه وتعالى: "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"، "لا إكراه فى الدين. قد تبيَّن الرشد من الغَىّ"، "وإنا أو إياكم لعلى هُدًى أو فى ضلال مبين"، "قل: لا تُسألون عما أجرمنا ولا نُسْأَل عما تعملون"، "كذلك زيّنّا لكلِّ أمةٍ عملَهم، ثم إلى ربِّهم مَرْجِعُهم فينبّئهم بما كانوا يعملون"، "وقل: الحقُّ مِنْ ربّكم، فمن شاء فلْيُؤْمِنْ، ومن شاء فلْيَكْفُرْ"، "قل: إنى أعظكم بواحدةٍ: أن تقوموا لله مَثْنَى وفُرَادَى، ثم تتفكروا: ما بصاحبكم من جِنّة. إنْ هو إلا نذيرٌ لكم بين يَدَىْ عذابٍ شديد". خلاصة القول أننا نوافق تماما عبد المسيح وأصحابه فيما يدعون إليه فى هذه الفقرة التمهيدية.
1- السؤال المثير:
* اعتاد أحد خدام الرب زيارة السجون في إحدى البلدان العربية ليُعْلِن طريق الحياة للمساجين. وكان يحصل على رخصة رسمية من دوائر الحكومة لزيارة كل من يريد أن يسمع بشارة الحق والسلام التي تطهّر القلوب وتغيّر الأذهان. وكان خادم الرب هذا يدخل الزنزانة بدون مرافقة حارسٍ، رافضًا الحراسة ومتأكدًا أن البحث الصريح لا يجري مع المسجونين تحت المراقبة، فكان يتقدم منفردًا إلى غرف المجرمين ويجلس معهم. دخل مرة إلى جماعة من السجناء محكوم عليهم بالسجن أكثر من عشر سنوات، وكانوا قد عرفوه من زياراته السابقة وتعوّدوا أن يستمعوا إلى إرشاداته للحق وبشرى الخلاص. وكانوا يتباحثون بعد خروجه حول خطاباته بشدة وحماس لا نظير لهما. لما دخل هذه المرة إلى زنزانتهم أقفلوا فورًا الباب وراءه قائلين له: إنك لن تخرج من هذه الغرفة إلا إذا جاوبتنا جوابًا قاطعًا وصريحًا على سؤالنا، فردّ خادم الرب عليهم قائلا: إنّي آتي إليكم طوعًا وبدون حارس مسلح وأقدم لكم أجوبة من كلمة الله بقدر إمكانياتي، وما لا أعرفه لا أقوله. فأجابوه: لا ننتظر منك أسرارًا عن النجوم ولا أساليب السحر بل نطلب منك كرجل دين جوابًا قاطعًا ونهائيًّا على السؤال المتداول بيننا: من هو الأعظم؟ محمد أم المسيح؟ لما سمع خادم الرب هذا السؤال قال في نفسه وهو في حيرة: إن قلت إنّ محمدًا هو الأعظم يهاجمني السجناء المسيحيون، لأنّ الجالسين في هذه الزنزانة كانوا مجرمين وبلا ضمير. وإن قلت إن المسيح هو الأعظم لربما يقوم أحد المسلمين عليّ ويكسر رقبتي من شدة غيظه، علمًا أن كل من يهين محمدًا أو يشتمه يُعتبر عند بعض المسلمين مجدّفًا يستحق الموت. فصلى خادم الرب في قلبه سائلاً ربه ليُلهمه الإجابة الحكيمة المقنعة لهؤلاء السجناء. وكل من يسأل إرشاد الرب في الأوقات الحرجة ينل منه الجواب فورًا. فألهم الروح القدس هذا الخادم المتضايق، وهو خلف الباب المغلق، جوابًا واضحًا قدمه بتواضع. ولما تباطأ خادم الرب أثناء صلاته الصامتة للإجابة على هذا السؤال قال له المساجين: لا تتهرب من مسؤوليتك، ولا تكن جبانًا، بل اعترف بالحق كله. فنتعهد لك بأن نتركك بلا إهانة ولا مضايقة مهما قلت لنا. فلا تكذب ولا تُخْفِ أفكارك، بل أخبرنا بالحق الكامل. فابتدأ رجل الله يقول: أنا مستعد أن أقول لكم الحق الصريح، إنما السؤال المطروح أمامي ليس هو الموضوع الذي أعددته لكم اليوم من الكتاب المقدس، ولكن إن صمّمتم على أن تسمعوا المقارنة بين محمد والمسيح فلا أُخْفِي عنكم الحقيقة. إنما لست مسؤولاً على ما ينتج عن شروحاتي، بل أنتم المسؤولون لأنكم تجبرونني على إجابة سؤال لم أطرحه وما نويته إطلاقًا. فهذا هو ردّي: لا أقرر أنا من هو الأعظم، بل أترك القرآن والحديث أن يُعطيَكم جوابًا مقنعًا. تأملوا في القرآن بأعين الحق فتعرفوا الحق المخفيّ، والحق يحرركم.
** بالنسبة لهذه القصة يؤسفنى أن أقول إنها لا تدخل العقل، بل هى من اختراع المؤلف أو المؤلفين، اخترعوها لتكون إطارا فنيا مشوقا متوسمين أن يكون الإقناع بها على هذا النحو أشد وأفعل فى نفس القارئ، وإلا فأية دولة عربية تسمح لواحد من غير ضباط السجن وجنوده أن يدخل زنازين المسجونين، فضلا عن أن يترك المسؤولون فى السجن باب الزنزانة وراء الوعاظ ليقوم المساجين بإغلاقه بأنفسهم من الداخل (الله أكبر!) أو تركه مفتوحا حسبما يحلو أو يعنّ لهم لا حسبما يريد المسؤولون فى السجن؟ إن المتَّبَع فى مثل تلك الحالة هو إخراج المساجين من زنازينهم إلى قاعة كبيرة حيث تتم أمثال تلك المقابلات، أما فى الزنزانة فلم نسمع بمثل هذا فى آبائنا الأولين! ثم كيف يا ترى يمكن أن نصدق لجوء المسلمين لواحد من القسس لحسم السؤال موضوع القصة؟ وهل يشك المسلم فى هذه القضية، بَلْهَ أن يلجأ إلى قسيس يعلم هو قبل غيره أنه سيختار المسيح بطبيعة الحال؟ وكيف لم يلجأوا إلى عالم مسلم يستفتونه فى هذه المسألة إن ثار فى أذهانهم مثل هذا السؤال أصلا؟ ذلك أن المسلمين يؤمنون بكل الأنبياء والمرسلين ويحترمونهم كلهم. وهم، وإن آمنوا بأن محمدا هو أفضل الأنبياء، لا يجعلون منها قضية يدخلون بسببها فى مجادلات ومماريات مع كل من هب ودب.
ولنلاحظ التفرقة التى صور بها الكاتب أو الكتاب رد الفعل عند كلا الفريقين: فأقصى ما سيفعله النصارى بالقسيس إن اختار النبى محمدا أنهم سيهاجمونه. وليأخذ القارئ باله من أنهم "سيهاجمونه" وكَفَى دون أن يكون هناك تحديد لنوعية هذا الهجوم، وهو ما قد يعنى العمل على ضربه دون أن يشفعوه بالتنفيذ بالضرورة. فهذا ما يفد على الذهن حين نسمع كلمة "يهاجمونه". أما عندما وصف استجابة المسلمين لتفضيله المفترض للسيد المسيح فقد قال تحديدا: "وإن قلت إن المسيح هو الأعظم لربما يقوم أحد المسلمين عليّ ويكسر رقبتي من شدة غيظه، علمًا أن كل من يهين محمدًا أو يشتمه يُعتبر عند بعض المسلمين مجدّفًا يستحق الموت". والفرق واضح للأعمى، وهو يعنى أن الكاتب أو الكتاب يصف المسلمين بالقسوة والفظاظة، بخلاف النصارى، فإن أقصى ما يُتَوَقَّع من مجرميهم عديمى الضمائر أن يهاجموه، لكن دون أن يكسر أحد منهم رقبته على الإطلاق. كما أنه فى الوقت الذى ينص على أن الموت ينتظر من يشتم النبى محمدا فإن النصارى لا يفكرون فى شىء من هذا البتة. ولم لا، وهم ناس متحضرون حتى لو كانوا مساجين مجرمين بلا ضمير؟
ولكن قبل ذلك كله كيف يريد منا مؤلف القصة الاقتناع بأن أمثال هؤلاء المجرمين عديمى الضمير (كما يسمونهم) يمكن أن تشغل عقولهم فى السجن (مرتع الجرائم والفساد كله) مثل تلك القضايا الترفية التى لا تفد إلا على أذهان من ارتَقَوْا فى تدينهم وقطعوا فى ذلك أشواطا بعيدة؟ ثم قبل قبل ذلك كيف تسمح السلطات فى بلد من البلاد أن يدخل واعظ من دينٍ ما الزنزانة على جميع المساجين من كل الأديان دون أن تفرز أبناء دينه على حدة فيكلمهم براحته فى شؤون دينهم دون أن يزعجوا الآخرين بما يقولون، بل بما يمكن أن تقوم بسببه فتنة فى الزنازين لا يعلم مدى فداحتها إلا الله وحده؟ بل هل يمكن أن يقبل العقل ترك السلطات المسلمة فى السجن واعظا نصرانيا يدخل على مساجين مسلمين يبشرهم بدينه مع أبناء طائفته؟ الحق أن هذا كلام لا يهضمه العقل مثلما لا يهضم العقلُ معكوسَ هذا الوضع من سماح السلطات فى بلد نصرانى لواعظ مسلم بالدخول على المساجين النصارى يعرض عليهم دينه ويعمل على إدخالهم فيه! وأخيرا فمنذ متى يحسن المجرمون عديمو الضمير أن يقولوا مثل هذه العبارة المتنوّقة: "لا ننتظر منك أسرارًا عن النجوم ولا أساليب السحر بل نطلب منك كرجل دين جوابًا قاطعًا ونهائيًا على السؤال المتداول بيننا: من هو الأعظم؟ محمد أم المسيح؟"؟ وهل يا ترى سوف يقتنع المسلمون بما سيقوله واعظ نصرانى عن تفضيل المسيح؟ وكيف يعرفون أنه صادق فى حكمة أو كاذب؟ ما معيار الصدق والكذب هنا؟ إنه، لدى السائلين فى قصتنا، هو أن محمدا الأفضل، وما عدا هذا لن يكون فى نظرهم صدقا على الإطلاق!
ونصل إلى العبارة الأخيرة، وهى تكشف أن القصة كلها، كما قلت آنفا، قصة مخترعة، فها هو ذا القسيس يقول إنه سوف يترك القرآن والحديث يعطيانهم جوابا مقنعا. أى أن الكلام موجه إلى المسلمين وحدهم، وهو من ثم لا يريد أن يقدم لهم دليلا من خارج الكتاب والسنة اللذين لا يؤمنون إلا بهما. فأين ذهب النصارى إذن؟ أولم يكونوا ضمن من كانوا يتباحثون فى تلك القضية وسألوه الجواب فيها، وخاف هو نفسه منهم أن يهاجموه إذا أجابهم بما لا يتوقعونه ولا يريدونه؟ ثم إن قوله: "إن قلت إنّ محمدا هو الأعظم يهاجمني السجناء المسيحيون" لهو دليل آخر على أن القصة مخترعة مفتراة، إذ كيف يتصور أن من المستطاع إقناعنا بأنه يمكن أن يصدر الحكم منه لصالح محمد، وهو الذى يؤمن بأن المسيح إله أو ابن الإله، ومحمد على أحسن تقدير هو مجرد نبى؟ فمن يا ترى يضع النبى البشر قبل الإله؟ اللهم إلا إذا أراد أن يقول لنا إنه كان واعظا تجريديا لا ينتمى إلى أى دين، بل يدعو إلى الفضيلة المطلقة دون ربطها بعقيدة أو عبادة معينة. لكن هذا الافتراض يكذبه تسميته بـــ"عبد المسيح" تكذيبا شديدا! كذلك فإن الواعظ النصرانى يعلن أنه سوف يتخذ معياره من القرآن والحديث النبوى، فهل سيفى بوعده فعلا ويلتصق بكتاب الله وسنة نبيه لا يخرج عنهما، أو سوف ينسى هذا الوعد ويخرج عنهما إلى العهد الجديد ولو بين الحين والحين، علاوة على تفسيره نصوص القرآن والسنة بما لا يقبلانه من تفسير؟ لن نسارع بالجواب الآن، وعما قليل سوف نرى ما يفعله "خادم الله" بنفسه.
تعليق