تاريخ اللغة العبرية وتطورها بقلم امنية سالم
تاريخ النشر : 2009-08-10
تاريخ اللغة العبرية وتطورها
بقلم أمنية سالم
تنتمي اللغة العبرية لأسرة اللغات السامية ، التي اصطلح العالم الألماني شلوتسر علي تسميتها باللغات السامية عان 1781 ، لما لاحظه من خصائص وسمات لغوية مشتركة بينهم ، وتسمي اللغات السامية بهذا الأسم إلي سام بن نوح ، وتذهب أرجح الأراء إلي أن موطن اللغة السامية الأم و شبة الجزيرة العربية ، وبأن اللغة السامية الأم هي اللغة العربية ، التي كانت تتحدث بها قبائل شبة الجزيرة العربية قبل الهجرات السامية ، ومع تحرك هذه القبائل إلي الشمال وإلي الجنوب ، ولما استقرت هذه الهجرات في أماكنها استقلت بلغاتها وبدأت تختلف عن الأصل السامي الأول في بعض مفرداتها وتراكبيها اللغوية وبناء جملها ، مع الأحتفاظ بين ثنايا لغاتها الفرعية بأصول لغوية تتشابه عن نفس الأصل السامي الأول ( اللغة العربية ) ، ولم يبق من اللغات السامية مستخدم حالياً سوي ثلاث لغات هي : العربية والعبرية والحبشية .
اللغة العبرية إحدي اللغات السامية الشمالية الغربية ، كان يتحدث بها الكنعانيون ثم اتخذها العبرانيون- (تطلق كلمة العبرانيون علي أعضاء الجماعات اليهودية ، كما يطلق أيضا علي الجماعات اليهودية "بنو إسرائيل" ، وثمة رأي يذهب إلي أن العبرانييون كانوا غرباء في مصر لمدة طويلة ، وبالتالي أرتبط الاسم بهم ، وتحول من صفة لوضع اجتماعي إلي وصف لجماعة أثنية ) -لغة لهم بعد تسللهم إلي أرض كنعان .
اللغة العبرية رغم كونها لغة سامية ، الأ إنها تتميز بعمرها القصير ، والبحث في تاريخ هذه اللغة يكتنفه الغموض ، فهي بدأت مجرد لهجة من لغة أكبر هي اللغة الكنعانية ، وتدل النقوش التي وجدت علي ألواح تل العمارنة وعلي الحجر المؤابي المعروف بأسم حجر الملك ميشع ، بأن العبارات الكنعانية التي توجد عليهم قريبة من العبرية .
وقد مر تاريخ اللغة العبرية بأربع مراحل رئيسية هي :-
أولا: عصر عبرية العهد القديم
يجد العديد من الباحثين الصعوبة في إطلاق كلمة عبرية حتي القرن الثاني قبل الميلاد ، حيث لم تكن قد توافرت لها أسباب الاستقلال اللغوي أو التمايز اللهجي ( أي الرقعة الجغرافية المتسعة والانتشار لعدد كبير من مستخدمين اللغة ) وتسمي اللغة العبرية في المرحلة الأولي هذه بعبرية العهد القديم أو العبرية القديمة أو العبرية الكلاسيكية أو عبرية ماقبل المنفي ، حيث كانت تتمثل في عبرية أسفار العهد القديم (سفر التكوين أو سفر البدء حيث يحكي هذا السفر قصة الخلق وبداية الخليقة ، ويشتمل هذا السفر علي 50 اصحاحا .، سفر الخروج أو سفر أسماء يحكي هذه السفر قصة ولادة موسي وظروف العبرانيين في مصر في ذلك العصر ، وخروجهم من مصر ونزول الوصايا العشر وفترة التيه في شبة جزيرة سيناء ، حتي وصولهم إلي أرض كنعان ، ويتضمن هذا السفر 40 أصحاحا ً.، وسفر العدد أو سفر في البرية يحكي هذا السفر تاريخ العبرانيين أثناء فترة التيه بقيادة موسي عليه السلام ويضم 36 اصحاحاً.، سفر التثنية أو الأقوال يكرر هذا السفر قصص العبرانيين وبعض الأحكام الدينية وأقوال موسي عليه السلام والوصايا العشر وكما يشتمل العهد لقديم علي جزء الأنبياء الذي يستمل علي واحد وعشرين سفرا ً ، التي تتناول حياة بنو إسرائيل تحت قيادة الأنبياء الأوائل ثم قصة بني إسرائيل في حياة الملوك من الملك دواد عليه السلام وحتي نبوخذ نصر ، و يختتم هذا بتاريخ بني إسرائيل في الفترة الملكية وعلاقتهم بملوك المملكة يهوذا ومملكة إسرائيل ، ويختتم العهد القديم بجزء من المكتوبات تضم 13 إصحاحا تضم أهم أقوال الأنبياء ، وسرد تاريخي ديني مكرر لاحداث وقصص وردت في الأسفار السابقة .
ثانيا : عبرية المشناه
يؤرخ لها من القرن الثاني قبل الميلاد حتي القرن الثاني الميلادي ، وهو العصر الذي تميز بالتفسيرات الدينية التي تمت علي نصوص العهد القديم لتقريبها وتوضيحها للعامة ، وفي بدايات القرن الثاني الميلادي شرع أحد فقهاء اليهود ويدعي شمعون جمليئيل في جمع وتصنيف وتبويب كل الأحكام والشرائع والتفسيرات الدينية الشفهية ، وقد أكتمل هذا العمل علي أيدي تلميذه يهودا هناسي بعد حوالي قرن من الزمان وقد عرف هذا العمل بأسم المشنا ، وتنقسم المشنأ إلي ستة أجزاء رئيسية وتضم 63 مبحث وتسمي المشنا أيضا العبرية الربانية او العبرية التلمودية ، وقد كُتبت المشنا بأسلوب متأثر بآرامية وبلغات أخري كفارسية والاتينية والإغريقية في إطار العبرية ، مما شكل صعوبة في فهم بعض نصوصها ، وقد أدت هذه الصعوبة التي لمسها الفقهاء إلي ظهور حواش علي متن المشنأ تفسيرا للمواضيع الغامضة للعامة والبسطاء من اليهود ، وظل الفقهاء يدونون هذه الحواشي حتي القرن الخامس ، ويطلق علي حواشي المشنأ أسم الجمارا ويطلق علي المشنا والجمارا معا أسم التلمود ومعناها التعاليم الدينية .
ثالثا:عبرية العصر الوسيط
يؤرخ لعبرية العصر الوسيط من القرن السابع الميلادي حتي فبيل نهاية القرن الثامن عشر الميلادي تقربيا ً، ويمثل هذا العصر الإنتاجات اللغوية والأدبية والعلمية التي حققها اليهود ف العصر الوسيط في ظل الحضارة الإسلامية في الأندلس .
ويوصف العصر الوسيط في المصادر العبرية بأنه العصر الذهبي بالنسبة للغة العبرية وللأدب العبري علي السواء ، فالدراسات اللغوية العبرية نشأت أول ما نشأت في الأندلس في ظل الحضارة الإسلامية العربية ، وقد دخل في هذا العصر العديد من الألفاظ العربية إلي اللغة العبرية ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلي أن المؤلفين اليهود – في مجالات اللغة والأدب والفلسفة وغيرها – كانوا يكتبون باللغة العربية التي أجادوها كلاما وتأليفا ، وقد نقل اليهود في هذا العصر فنون وأغراض الأدب العربي ألي الأدب العبري .
ويلاحظ أن اليهود في العصور الوسطي كانوا يستخدمون العبرية التلمودية في كتاباتهم الدينية أساساً ، واستخدموا لغات البلاد التي يعيشون فيها للمؤلفات الدنيوية ، حيث أقتصرت العبرية علي كونها لغة دينية حيث أقتصر استخدمها علي الصلوات اليهودية وعلي الكتابات الدينية مثل المشناه ، وترتب علي موت اللغة العبرية واستخدامها في الصلوات وحسب ، أن أصبحت تسمي اللغة المقدسة .
رابعا :العبرية الحديثة
يؤرخ لها من القرن الثامن عشر حتي قيام دولة إسرائيل ، ويمثلها الأدب العبري الحديث والمحاولات اللغوية لإحياء اللغة العبرية في العصر الحديث في ظل أفكار حركة التنوير اليهودية ( الهسكالاه ) وأفكار صيهونية ،تضم هذه الفترة الأنتاجات الأدبية في فترة مابعد قيام الدولة حتي اليوم .
والعبرية الحديثة هي مزيج من كل المراحل السابقة للعبرية ، وإذا أخذت منها مختلف العناصر التي توائمها ، وأصبحت المفردات والعبارات المستقاه من فترات مختلفة متردافات ، أما بناء الجملة فتأثر باللغات الأروربية ، وتم توليد معان جديدة من كلمات قديمة للتعبير عن مفاهيم الجديدة ، كما دخلت العديد من الكلمات الإجنبية .
والعبرية هي اللغة الرسمية لإسرائيل ، بل تؤكد الحكومة الإسرائيلية لمواطنيها ان الرباط اللغوي يكاد يكون الرباط القومي الوحيد بينهم وليس التوراة ، وذلك لأن التراث الحضاري للجماعات اليهودية متنوع ،كما أن الكتب اليهودية متنوعة وبعضها مكتوب بالآرامية ، ولايؤمن به كثير من الإسرائيليين ، وتحالول الحكومة الإسرائيلية استخدام اللغة كأداة لتذويب الفوراق القومية الدينية ، فالعبرية هي أحد أسس أسطورة "بوتقة الصهر " الإسرائيلية ، وقد جعلت إسرائيل المشاركة في الأعمال ذات الأهمية والحساسية في الدولة مقصورة علي من يجيد العبرية ، كما أن الجيش (أهم عناصر التكامل الإجتماعي في إسرائيل ) يدري العبرية للمجندين القادمين من أطراف العالم ليصبغهم بالصبغة القومية ، كما يتعين علي كبار موظفي الدولة أن يعبرنوا أسماءهم .
ورغم كل هذه المحاولات ، يبدو أن عملية الدمج لم تنجح بعد تماماً، ويتضح هذا من عدد الصحف التي تظهر بلغة البلاد الأصلية التي هاجر منها الإسرائيليون ، كما أن الأذاعة الإسرائيلية تذيع برامج بلغات عديدة ، فمعظم الإسرائيليين يتحدثون العبرية خارج منازلهم ، أما داخلها فإنهم يتحدثون إما لغة الموطن الذي جاءوا منه وإما العبرية باللهجة الت يعرفونها .لكن الصابرا ( اليهود الذين ولدوا في فلسطين من اليهود الذين هاجروا واستقروا فيها ) يتحدثون داخل المنازل وخارجها فهي الأم بالنسبة إليهم .
وتوجد مستويات مختلفة للغة العبرية حيث توجد عبرية توراتية ، وأخري تلمودية ، واخري آرامية ، يديشية ، كما أنه يوجد عبرية نمطية يتعلمها الطلاب في المدراس ، وهناك العبرية التي يستخدمها العامة ( العبرية العامية ) .
ولا تزال العبرية هي لغة القلة من اليهود ، إذ يتحدث أعضاء الجماعات اليهودية لغة أوطانهم بما في ذلك مايكتبونه عن أنفسهم وعن اليهودية ، فيتحدث أكثر من عشرة ملايين يهودي الإنجليزية ، ويتحدث مليونان الروسية وعدة آلاف تتحدث اليديشية ( لكن عددهم آخد في التناقض بسرعة ) وأكثر من مليون ونصف المليون يتحدثون لغات أخري مثل الفرنسية أو الاسبانية أو البرتغالية ( لغة يهود أمريكا الاتنية ) ، ولا يتحدث العبرية سوي 38% من الإسرائيليين ، ويبدو أن لغة الغالبية العددية من أعضاء الجماعات اليهودية في العالم وفي إسرائيل (فلسطين المحتلة ) هي الأنجليزية ، فيهود الولايات المتحدة وانجلترا وجنوب افريقيا وكندا ونيوزيلندا ، فمعظم يهود العالم يعرفونها ويكتبون بها ، وأن كانت العربية والعبرية هما اللغتان الرسميتان لإسرائيل بحسب قانون الدولة الصيهونية .
فمما لاشك فيه أن أهم مرحلة أدت إلي إحياء ونشر اللغة العبرية هي أقامة دولة إسرائيل ( باحتلال العسكري لجولة فلسطين ) ، مما جعلها لغة رسمية في بقعة جغرافية ، تتدوال فيها من خلال مؤسساتها المختلفة ، وتتوالد الأجيال متوراثة لتلك اللغة ، وفي الوقت نفسه كون إسرائيل دولة حرب ، جعل ضرورة تُعلم لغتها الرسمية من قبل دول المواجهة أمر في غاية الضرورة ، مما حمي هذه اللغة من الأندثار ، وجعلها تتحول من لغة مقدسة قاصرة علي الكتب الدينية والصلوات اليهودية ، إلي لغة حية ، وتبدأ حاليا مرحلة من الترجمات من وإلي العبرية واسعة النطاق ، كما يوجد إنتاج عبري علي كافة المجالات ، مما أدي إلي انتعاش اللغة العبرية في العصر الحالي .
http://pulpit.alwatanvoice.com/content-171431.html
بقلم أمنية سالم
تنتمي اللغة العبرية لأسرة اللغات السامية ، التي اصطلح العالم الألماني شلوتسر علي تسميتها باللغات السامية عان 1781 ، لما لاحظه من خصائص وسمات لغوية مشتركة بينهم ، وتسمي اللغات السامية بهذا الأسم إلي سام بن نوح ، وتذهب أرجح الأراء إلي أن موطن اللغة السامية الأم و شبة الجزيرة العربية ، وبأن اللغة السامية الأم هي اللغة العربية ، التي كانت تتحدث بها قبائل شبة الجزيرة العربية قبل الهجرات السامية ، ومع تحرك هذه القبائل إلي الشمال وإلي الجنوب ، ولما استقرت هذه الهجرات في أماكنها استقلت بلغاتها وبدأت تختلف عن الأصل السامي الأول في بعض مفرداتها وتراكبيها اللغوية وبناء جملها ، مع الأحتفاظ بين ثنايا لغاتها الفرعية بأصول لغوية تتشابه عن نفس الأصل السامي الأول ( اللغة العربية ) ، ولم يبق من اللغات السامية مستخدم حالياً سوي ثلاث لغات هي : العربية والعبرية والحبشية .
اللغة العبرية إحدي اللغات السامية الشمالية الغربية ، كان يتحدث بها الكنعانيون ثم اتخذها العبرانيون- (تطلق كلمة العبرانيون علي أعضاء الجماعات اليهودية ، كما يطلق أيضا علي الجماعات اليهودية "بنو إسرائيل" ، وثمة رأي يذهب إلي أن العبرانييون كانوا غرباء في مصر لمدة طويلة ، وبالتالي أرتبط الاسم بهم ، وتحول من صفة لوضع اجتماعي إلي وصف لجماعة أثنية ) -لغة لهم بعد تسللهم إلي أرض كنعان .
اللغة العبرية رغم كونها لغة سامية ، الأ إنها تتميز بعمرها القصير ، والبحث في تاريخ هذه اللغة يكتنفه الغموض ، فهي بدأت مجرد لهجة من لغة أكبر هي اللغة الكنعانية ، وتدل النقوش التي وجدت علي ألواح تل العمارنة وعلي الحجر المؤابي المعروف بأسم حجر الملك ميشع ، بأن العبارات الكنعانية التي توجد عليهم قريبة من العبرية .
وقد مر تاريخ اللغة العبرية بأربع مراحل رئيسية هي :-
أولا: عصر عبرية العهد القديم
يجد العديد من الباحثين الصعوبة في إطلاق كلمة عبرية حتي القرن الثاني قبل الميلاد ، حيث لم تكن قد توافرت لها أسباب الاستقلال اللغوي أو التمايز اللهجي ( أي الرقعة الجغرافية المتسعة والانتشار لعدد كبير من مستخدمين اللغة ) وتسمي اللغة العبرية في المرحلة الأولي هذه بعبرية العهد القديم أو العبرية القديمة أو العبرية الكلاسيكية أو عبرية ماقبل المنفي ، حيث كانت تتمثل في عبرية أسفار العهد القديم (سفر التكوين أو سفر البدء حيث يحكي هذا السفر قصة الخلق وبداية الخليقة ، ويشتمل هذا السفر علي 50 اصحاحا .، سفر الخروج أو سفر أسماء يحكي هذه السفر قصة ولادة موسي وظروف العبرانيين في مصر في ذلك العصر ، وخروجهم من مصر ونزول الوصايا العشر وفترة التيه في شبة جزيرة سيناء ، حتي وصولهم إلي أرض كنعان ، ويتضمن هذا السفر 40 أصحاحا ً.، وسفر العدد أو سفر في البرية يحكي هذا السفر تاريخ العبرانيين أثناء فترة التيه بقيادة موسي عليه السلام ويضم 36 اصحاحاً.، سفر التثنية أو الأقوال يكرر هذا السفر قصص العبرانيين وبعض الأحكام الدينية وأقوال موسي عليه السلام والوصايا العشر وكما يشتمل العهد لقديم علي جزء الأنبياء الذي يستمل علي واحد وعشرين سفرا ً ، التي تتناول حياة بنو إسرائيل تحت قيادة الأنبياء الأوائل ثم قصة بني إسرائيل في حياة الملوك من الملك دواد عليه السلام وحتي نبوخذ نصر ، و يختتم هذا بتاريخ بني إسرائيل في الفترة الملكية وعلاقتهم بملوك المملكة يهوذا ومملكة إسرائيل ، ويختتم العهد القديم بجزء من المكتوبات تضم 13 إصحاحا تضم أهم أقوال الأنبياء ، وسرد تاريخي ديني مكرر لاحداث وقصص وردت في الأسفار السابقة .
ثانيا : عبرية المشناه
يؤرخ لها من القرن الثاني قبل الميلاد حتي القرن الثاني الميلادي ، وهو العصر الذي تميز بالتفسيرات الدينية التي تمت علي نصوص العهد القديم لتقريبها وتوضيحها للعامة ، وفي بدايات القرن الثاني الميلادي شرع أحد فقهاء اليهود ويدعي شمعون جمليئيل في جمع وتصنيف وتبويب كل الأحكام والشرائع والتفسيرات الدينية الشفهية ، وقد أكتمل هذا العمل علي أيدي تلميذه يهودا هناسي بعد حوالي قرن من الزمان وقد عرف هذا العمل بأسم المشنا ، وتنقسم المشنأ إلي ستة أجزاء رئيسية وتضم 63 مبحث وتسمي المشنا أيضا العبرية الربانية او العبرية التلمودية ، وقد كُتبت المشنا بأسلوب متأثر بآرامية وبلغات أخري كفارسية والاتينية والإغريقية في إطار العبرية ، مما شكل صعوبة في فهم بعض نصوصها ، وقد أدت هذه الصعوبة التي لمسها الفقهاء إلي ظهور حواش علي متن المشنأ تفسيرا للمواضيع الغامضة للعامة والبسطاء من اليهود ، وظل الفقهاء يدونون هذه الحواشي حتي القرن الخامس ، ويطلق علي حواشي المشنأ أسم الجمارا ويطلق علي المشنا والجمارا معا أسم التلمود ومعناها التعاليم الدينية .
ثالثا:عبرية العصر الوسيط
يؤرخ لعبرية العصر الوسيط من القرن السابع الميلادي حتي فبيل نهاية القرن الثامن عشر الميلادي تقربيا ً، ويمثل هذا العصر الإنتاجات اللغوية والأدبية والعلمية التي حققها اليهود ف العصر الوسيط في ظل الحضارة الإسلامية في الأندلس .
ويوصف العصر الوسيط في المصادر العبرية بأنه العصر الذهبي بالنسبة للغة العبرية وللأدب العبري علي السواء ، فالدراسات اللغوية العبرية نشأت أول ما نشأت في الأندلس في ظل الحضارة الإسلامية العربية ، وقد دخل في هذا العصر العديد من الألفاظ العربية إلي اللغة العبرية ويرجع السبب الرئيسي في ذلك إلي أن المؤلفين اليهود – في مجالات اللغة والأدب والفلسفة وغيرها – كانوا يكتبون باللغة العربية التي أجادوها كلاما وتأليفا ، وقد نقل اليهود في هذا العصر فنون وأغراض الأدب العربي ألي الأدب العبري .
ويلاحظ أن اليهود في العصور الوسطي كانوا يستخدمون العبرية التلمودية في كتاباتهم الدينية أساساً ، واستخدموا لغات البلاد التي يعيشون فيها للمؤلفات الدنيوية ، حيث أقتصرت العبرية علي كونها لغة دينية حيث أقتصر استخدمها علي الصلوات اليهودية وعلي الكتابات الدينية مثل المشناه ، وترتب علي موت اللغة العبرية واستخدامها في الصلوات وحسب ، أن أصبحت تسمي اللغة المقدسة .
رابعا :العبرية الحديثة
يؤرخ لها من القرن الثامن عشر حتي قيام دولة إسرائيل ، ويمثلها الأدب العبري الحديث والمحاولات اللغوية لإحياء اللغة العبرية في العصر الحديث في ظل أفكار حركة التنوير اليهودية ( الهسكالاه ) وأفكار صيهونية ،تضم هذه الفترة الأنتاجات الأدبية في فترة مابعد قيام الدولة حتي اليوم .
والعبرية الحديثة هي مزيج من كل المراحل السابقة للعبرية ، وإذا أخذت منها مختلف العناصر التي توائمها ، وأصبحت المفردات والعبارات المستقاه من فترات مختلفة متردافات ، أما بناء الجملة فتأثر باللغات الأروربية ، وتم توليد معان جديدة من كلمات قديمة للتعبير عن مفاهيم الجديدة ، كما دخلت العديد من الكلمات الإجنبية .
والعبرية هي اللغة الرسمية لإسرائيل ، بل تؤكد الحكومة الإسرائيلية لمواطنيها ان الرباط اللغوي يكاد يكون الرباط القومي الوحيد بينهم وليس التوراة ، وذلك لأن التراث الحضاري للجماعات اليهودية متنوع ،كما أن الكتب اليهودية متنوعة وبعضها مكتوب بالآرامية ، ولايؤمن به كثير من الإسرائيليين ، وتحالول الحكومة الإسرائيلية استخدام اللغة كأداة لتذويب الفوراق القومية الدينية ، فالعبرية هي أحد أسس أسطورة "بوتقة الصهر " الإسرائيلية ، وقد جعلت إسرائيل المشاركة في الأعمال ذات الأهمية والحساسية في الدولة مقصورة علي من يجيد العبرية ، كما أن الجيش (أهم عناصر التكامل الإجتماعي في إسرائيل ) يدري العبرية للمجندين القادمين من أطراف العالم ليصبغهم بالصبغة القومية ، كما يتعين علي كبار موظفي الدولة أن يعبرنوا أسماءهم .
ورغم كل هذه المحاولات ، يبدو أن عملية الدمج لم تنجح بعد تماماً، ويتضح هذا من عدد الصحف التي تظهر بلغة البلاد الأصلية التي هاجر منها الإسرائيليون ، كما أن الأذاعة الإسرائيلية تذيع برامج بلغات عديدة ، فمعظم الإسرائيليين يتحدثون العبرية خارج منازلهم ، أما داخلها فإنهم يتحدثون إما لغة الموطن الذي جاءوا منه وإما العبرية باللهجة الت يعرفونها .لكن الصابرا ( اليهود الذين ولدوا في فلسطين من اليهود الذين هاجروا واستقروا فيها ) يتحدثون داخل المنازل وخارجها فهي الأم بالنسبة إليهم .
وتوجد مستويات مختلفة للغة العبرية حيث توجد عبرية توراتية ، وأخري تلمودية ، واخري آرامية ، يديشية ، كما أنه يوجد عبرية نمطية يتعلمها الطلاب في المدراس ، وهناك العبرية التي يستخدمها العامة ( العبرية العامية ) .
ولا تزال العبرية هي لغة القلة من اليهود ، إذ يتحدث أعضاء الجماعات اليهودية لغة أوطانهم بما في ذلك مايكتبونه عن أنفسهم وعن اليهودية ، فيتحدث أكثر من عشرة ملايين يهودي الإنجليزية ، ويتحدث مليونان الروسية وعدة آلاف تتحدث اليديشية ( لكن عددهم آخد في التناقض بسرعة ) وأكثر من مليون ونصف المليون يتحدثون لغات أخري مثل الفرنسية أو الاسبانية أو البرتغالية ( لغة يهود أمريكا الاتنية ) ، ولا يتحدث العبرية سوي 38% من الإسرائيليين ، ويبدو أن لغة الغالبية العددية من أعضاء الجماعات اليهودية في العالم وفي إسرائيل (فلسطين المحتلة ) هي الأنجليزية ، فيهود الولايات المتحدة وانجلترا وجنوب افريقيا وكندا ونيوزيلندا ، فمعظم يهود العالم يعرفونها ويكتبون بها ، وأن كانت العربية والعبرية هما اللغتان الرسميتان لإسرائيل بحسب قانون الدولة الصيهونية .
فمما لاشك فيه أن أهم مرحلة أدت إلي إحياء ونشر اللغة العبرية هي أقامة دولة إسرائيل ( باحتلال العسكري لجولة فلسطين ) ، مما جعلها لغة رسمية في بقعة جغرافية ، تتدوال فيها من خلال مؤسساتها المختلفة ، وتتوالد الأجيال متوراثة لتلك اللغة ، وفي الوقت نفسه كون إسرائيل دولة حرب ، جعل ضرورة تُعلم لغتها الرسمية من قبل دول المواجهة أمر في غاية الضرورة ، مما حمي هذه اللغة من الأندثار ، وجعلها تتحول من لغة مقدسة قاصرة علي الكتب الدينية والصلوات اليهودية ، إلي لغة حية ، وتبدأ حاليا مرحلة من الترجمات من وإلي العبرية واسعة النطاق ، كما يوجد إنتاج عبري علي كافة المجالات ، مما أدي إلي انتعاش اللغة العبرية في العصر الحالي .
http://pulpit.alwatanvoice.com/content-171431.html