بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحوار والجدال والخصام
كان الحوار فيما سبق من الأزمان يدور في العادة في مجلس ما وبصدد نواحٍ حياتية عديدة , وقد يكون معظم الناس قد سمع بمصطلح الجدال العقيم , أو الحوار بغير فائدة ,
اذاً فللحوار وللجدال فوائد جمة ان أحسن المرء قيادة دفّتها والتغلب على تلاطم أمواجها لترسو مركبة النفس بها الى برّ الحقيقة وجلائها امنة مطمئنة تحمل على متنها ما يزيدها علما ونفعا وارتفاعا.وله كذلك عواقب وخيمة لو تطور ودخل في دائرة المشاحنات والمنازعات والخصومات .
اخذ الحوار في يومنا هذا عدة اوجه وامكنة وازمنة , ووصل بنا الحال الى ان عمّ الحوار الكتابي وانتشر في ساحة الحوارات , وهو حوار لا يملك شتى شروط الحوار المعهودة سابقا اذ هو حوار او جدال بين شخصين يحتمل كونهما مجهولين الواحد للاخر او يغلب على ظنهما معرفة الواحد في الاخر او معرفة طرف منهما باخر , ومن متابعتي لشتى انواع الجدالات والحوارات عبر الشاشة العنكبوتية ,فقد رأيت منها النافع للمتحاورين ولكل من يقرأ لهما وللداعم للمزيد من الحوارات البناءة , ووجدت أكثرها لم تأت بفائدة تُذكر على جميع الاصعدة .
اذا فللحوار شروط وأركان ان استوفها نجح والاّ فانه يعتبر مضيعة للوقت لا أكثر , وأميل بشكل شخصي الى قلّة الدخول في حوارات غير متكافئة من حيث خلفية المتحاورين الثقافية والعلمية والاهم من ذلك التربوية والخلقية , تقاهم ورغبتهم في اظهار الحق على يد حوار معين .
ان الحوار والجدال قد يدرك ضررهما حتى أذكى الناس , أطيبهم , واتقاهم بعد مطبات وخصومات تلت الجدال, وفشل الجدال وانزلاقه من شانه ان يدخل اليأس والقنوط الى نفس الانسان , فعلى محبي الحوار والمجادلة الاخذ بجميع ميزات المحاور الحصيف وشحذ النية والسمو بها والترفع عن أهواء النفس وما يعلق بها من سمات وصفات كالانانية وحب الانتصار للذات وحب الظهور وما شاكلها.
كان من الائمة
الامام الشافعي رضي الله عنه من ذكر المقولة المشهورة (ما جادلت عالماً إلا وغلبته ، وما جادلني جاهل إلا غلبني ! ) . وهذا التهكم من الشافعي رحمه الله يشير إلى الجدال العقيم ,أو الحوار العقيم , وعلى الأغلب فان الحوار والجدال لهما دلالة واحدة اذ أن الحوار وهو من المحاورة "أي مراجعة الكلام"
والجدال : من جَدَلَ الحبل إذا فَتَلَه ؛ وهو مستعمل في الأصل لمن خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب ، ثم استعمل في مُقابَلَة الأدلة لظهور أرجحها, وقد اجتمع اللفظان
في قوله تعالى : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (المجادلة:1)
ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس : مناقشة بين طرفين أو أطراف ، يُقصد بها تصحيح كلامٍ ، وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ ، ودفع شبهةٍ ، وردُّ الفاسد من القول والرأي .
وقد يكون من الوسائل في ذلك : الطرق المنطقية والقياسات الجدليَّة من المقدّمات والمُسلَّمات ، مما هو مبسوط في كتب المنطق وعلم الكلام وآداب البحث والمناظرة وأصول الفقة.
ويقول فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد في مقالة رائعة لها عن اداب الحوار : من المهم أن تعلم أنّ أسباب الاطالة في الجدال واللجوء للمقاطعة والسخرية والتّجهيل هو :
1- إعجاب المرء بنفسه .
2- حبّ الشهرة والثناء .
3- ظنّ المتحدث أن ما يأتي به جديد على الناس .
4- قِلَّة المبالاة بالناس في علمهم ووقتهم وظرفهم
ينبغي في مجلس الحوار التأكد على الاحترام المتبادل من الأطراف ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، والاعتراف بمنزلته ومقامه ، فيخاطب بالعبارات اللائقة ، والألقاب المستحقة ، والأساليب المهذبة .
إن تبادل الاحترام يقود إلى قبول الحق ، والبعد عن الهوى ، والانتصار للنفس . أما انتقاص الرجال وتجهيلها فأمر مَعيب مُحرّم .
وما قيل من ضرورة التقدير والاحترام ، لا ينافي النصح ، وتصحيح الأخطاء بأساليبه الرفيعة وطرقه الوقورة . فالتقدير والاحترام من غير التملّق الرخيص ، والنفاق المرذول ، والمدح الكاذب ، والإقرار على الباطل .
ومما يتعلق بهذه الخصلة الأدبية أن يتوجه النظر وينصرف الفكر إلى القضية المطروحة ليتم تناولها بالبحث والتحليل والنقد والإثبات والنَّقص بعيداً عن صاحبها أو قائلها ، كل ذلك حتى لا يتحول الحوار إلى مبارزة كلامية ؛ طابعها الطعن والتجريح والعدول عن مناقشة القضايا والأفكار إلى مناقشات التصرفات ، والأشخاص ، والشهادات ، والمؤهلات والسير الذاتية ...فحري بمن يدخل جدالاً أن يسأل نفسه ما يلي :
- هل ثمَّة مصلحة ظاهرة تُرجى من هذا النقاش وهذه المشاركة . ؟
- هل يقصد تحقيق الشهوة أو اشباع الشهوة في الحديث والمشاركة . ؟
- وهل يتوخَّى أن يتمخض هذا الحوار والجدل عن نزاع وفتنة ، وفتح أبواب من هذه الألوان حقهَّا أن تسدّ .؟ فان كان جواب أي من الاسئلة مخالفا لاخلاق المسلم وعقيدته فالاولى هو ترك الحوار لأهله.
ومن الجميل ، وغاية النبل ، والصدق الصادق مع النفس ، وقوة الإرادة ، وعمق الإخلاص ؛ أن تُوقِفَ الحوار إذا وجدْت نفسك قد تغير مسارها ودخلتْ في مسارب اللجج والخصام ، ومدخولات النوايا.
منقول
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحوار والجدال والخصام
كان الحوار فيما سبق من الأزمان يدور في العادة في مجلس ما وبصدد نواحٍ حياتية عديدة , وقد يكون معظم الناس قد سمع بمصطلح الجدال العقيم , أو الحوار بغير فائدة ,
اذاً فللحوار وللجدال فوائد جمة ان أحسن المرء قيادة دفّتها والتغلب على تلاطم أمواجها لترسو مركبة النفس بها الى برّ الحقيقة وجلائها امنة مطمئنة تحمل على متنها ما يزيدها علما ونفعا وارتفاعا.وله كذلك عواقب وخيمة لو تطور ودخل في دائرة المشاحنات والمنازعات والخصومات .
اخذ الحوار في يومنا هذا عدة اوجه وامكنة وازمنة , ووصل بنا الحال الى ان عمّ الحوار الكتابي وانتشر في ساحة الحوارات , وهو حوار لا يملك شتى شروط الحوار المعهودة سابقا اذ هو حوار او جدال بين شخصين يحتمل كونهما مجهولين الواحد للاخر او يغلب على ظنهما معرفة الواحد في الاخر او معرفة طرف منهما باخر , ومن متابعتي لشتى انواع الجدالات والحوارات عبر الشاشة العنكبوتية ,فقد رأيت منها النافع للمتحاورين ولكل من يقرأ لهما وللداعم للمزيد من الحوارات البناءة , ووجدت أكثرها لم تأت بفائدة تُذكر على جميع الاصعدة .
اذا فللحوار شروط وأركان ان استوفها نجح والاّ فانه يعتبر مضيعة للوقت لا أكثر , وأميل بشكل شخصي الى قلّة الدخول في حوارات غير متكافئة من حيث خلفية المتحاورين الثقافية والعلمية والاهم من ذلك التربوية والخلقية , تقاهم ورغبتهم في اظهار الحق على يد حوار معين .
ان الحوار والجدال قد يدرك ضررهما حتى أذكى الناس , أطيبهم , واتقاهم بعد مطبات وخصومات تلت الجدال, وفشل الجدال وانزلاقه من شانه ان يدخل اليأس والقنوط الى نفس الانسان , فعلى محبي الحوار والمجادلة الاخذ بجميع ميزات المحاور الحصيف وشحذ النية والسمو بها والترفع عن أهواء النفس وما يعلق بها من سمات وصفات كالانانية وحب الانتصار للذات وحب الظهور وما شاكلها.
كان من الائمة
الامام الشافعي رضي الله عنه من ذكر المقولة المشهورة (ما جادلت عالماً إلا وغلبته ، وما جادلني جاهل إلا غلبني ! ) . وهذا التهكم من الشافعي رحمه الله يشير إلى الجدال العقيم ,أو الحوار العقيم , وعلى الأغلب فان الحوار والجدال لهما دلالة واحدة اذ أن الحوار وهو من المحاورة "أي مراجعة الكلام"
والجدال : من جَدَلَ الحبل إذا فَتَلَه ؛ وهو مستعمل في الأصل لمن خاصم بما يشغل عن ظهور الحق ووضوح الصواب ، ثم استعمل في مُقابَلَة الأدلة لظهور أرجحها, وقد اجتمع اللفظان
في قوله تعالى : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } (المجادلة:1)
ويراد بالحوار والجدال في مصطلح الناس : مناقشة بين طرفين أو أطراف ، يُقصد بها تصحيح كلامٍ ، وإظهار حجَّةٍ ، وإثبات حقٍ ، ودفع شبهةٍ ، وردُّ الفاسد من القول والرأي .
وقد يكون من الوسائل في ذلك : الطرق المنطقية والقياسات الجدليَّة من المقدّمات والمُسلَّمات ، مما هو مبسوط في كتب المنطق وعلم الكلام وآداب البحث والمناظرة وأصول الفقة.
ويقول فضيلة الشيخ صالح بن عبد الله بن حميد في مقالة رائعة لها عن اداب الحوار : من المهم أن تعلم أنّ أسباب الاطالة في الجدال واللجوء للمقاطعة والسخرية والتّجهيل هو :
1- إعجاب المرء بنفسه .
2- حبّ الشهرة والثناء .
3- ظنّ المتحدث أن ما يأتي به جديد على الناس .
4- قِلَّة المبالاة بالناس في علمهم ووقتهم وظرفهم
ينبغي في مجلس الحوار التأكد على الاحترام المتبادل من الأطراف ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، والاعتراف بمنزلته ومقامه ، فيخاطب بالعبارات اللائقة ، والألقاب المستحقة ، والأساليب المهذبة .
إن تبادل الاحترام يقود إلى قبول الحق ، والبعد عن الهوى ، والانتصار للنفس . أما انتقاص الرجال وتجهيلها فأمر مَعيب مُحرّم .
وما قيل من ضرورة التقدير والاحترام ، لا ينافي النصح ، وتصحيح الأخطاء بأساليبه الرفيعة وطرقه الوقورة . فالتقدير والاحترام من غير التملّق الرخيص ، والنفاق المرذول ، والمدح الكاذب ، والإقرار على الباطل .
ومما يتعلق بهذه الخصلة الأدبية أن يتوجه النظر وينصرف الفكر إلى القضية المطروحة ليتم تناولها بالبحث والتحليل والنقد والإثبات والنَّقص بعيداً عن صاحبها أو قائلها ، كل ذلك حتى لا يتحول الحوار إلى مبارزة كلامية ؛ طابعها الطعن والتجريح والعدول عن مناقشة القضايا والأفكار إلى مناقشات التصرفات ، والأشخاص ، والشهادات ، والمؤهلات والسير الذاتية ...فحري بمن يدخل جدالاً أن يسأل نفسه ما يلي :
- هل ثمَّة مصلحة ظاهرة تُرجى من هذا النقاش وهذه المشاركة . ؟
- هل يقصد تحقيق الشهوة أو اشباع الشهوة في الحديث والمشاركة . ؟
- وهل يتوخَّى أن يتمخض هذا الحوار والجدل عن نزاع وفتنة ، وفتح أبواب من هذه الألوان حقهَّا أن تسدّ .؟ فان كان جواب أي من الاسئلة مخالفا لاخلاق المسلم وعقيدته فالاولى هو ترك الحوار لأهله.
ومن الجميل ، وغاية النبل ، والصدق الصادق مع النفس ، وقوة الإرادة ، وعمق الإخلاص ؛ أن تُوقِفَ الحوار إذا وجدْت نفسك قد تغير مسارها ودخلتْ في مسارب اللجج والخصام ، ومدخولات النوايا.
منقول
تعليق