أستير |
كانت
أستير فتاة يهودية يتيمة ، لكنها أصبحت فيما بعد زوجة للملك أحشويرش الذي
يعتبر من بعض الوجوه أعظم ملوك فارس . وقد تربت أستير في مدينة شوشن في كنف
ابن عمها مردخاي ، الذي كان يشغل وظيفة صغيرة في القصر الملكي . فبعد أن طلق
الملك زوجته وشتي ، تم استدعاء كل الفتيات العذارى الحسنات المنظر من كل بلاد
المملكة إلي شوشن القصر ليختار الملك من بينهن ملكة جديدة ، وقد وقع الاختيار
على تلك الفتاة اليهودية . وبعد أن اعتلت أستير العرش ، أحاطت بشعبها اليهودي
كارثة محرقة ، فقد تعرض الشعب كله للتهديد بالفناء والإبادة . وسيظل اسم
أستير مرتبطاً أبد الدهر بتاريخ نجاة هذا الشعب ، فقد استطاعت بسلسلة من
التصرفات الحكيمة أن تكتب النجاة لشعبها ، وأن ترد كيد عدوهم الأعظم إلى نحره
، وهكذا استحقت أن تتبوأ تلك المكانة الرفيعة بين نساء الكتــاب المقدس .
ولكننا لا نعرف عن حياتها سوى ماهو مدون في السفر الذي يحمل اسمها ، عرفانا
من اليهود بجميلها واعترافاً بفضلها . ويمكننا
أن نستدل على مقدار ما كانت تتميز به ملكة فارس من جمال ، من تغيير اسمها من
هدسة " أي شجرة الآس " إلى " أستير " الذي معناه " كوكب " . ويقدم لنا السفر
الملكة أستير كامرأة فاضلة ذات فكر ثاقب تتسم بضبط النفس ، وتتحلى بأنبل صور
الإيثار وبذل النفس . أستير -
سفر أستير : يكمل هذا
السفر سلسلة الأسفار التاريخية في العهد القديم ، فحرف العطف " الواو " في
بداية السفر له مغزى كبير ، فهو يدل على أن هذا السفر يشكل حلقة في سلسلة
مترابطة ، فحرف العطف يربطه بالسفر السابق له مباشرة مع أن الترتيب لأسفار
العهد القديم باللغة العبرية يختلف عن الترتيب الأصلي لتلك الأسفار ، ففي هذا
الترتيب الحالي يأتي سفر أستير عقب سفر الجامعة على الرغم من عدم وجود رابطة
مباشرة بينهما . إن حرف العطف هذا - تماماً مثل وشم على جسد طفل ضال - ليؤكد
أن هذا السفر قد نقل من مكانه في الترتيب الأصلي . وما من شك في أن هذا
الترتيب في الترجمة السبعينية مطابق لنفس ترتيب أسفار العهد القديم باللغة
العبرية في القرن الثالث أو الرابع قبل الميلاد ، وهو نفس الترتيب في الترجمة
اللاتينية ( الفولجاتا ) وفي الترجمة الانجليزية والترجمة العربية أيضاً وفي
ترجمات كثيرة . ومما تجدر ملاحظته ، هو أننا لا نجد حرف العطف " الواو " في
بداية الأسفار التاليـــــة : التكوين والتثنية وأخبار الأيام الأول ونحميا ،
فقد رتبت الأسفار التاريخية ترتيباً متتابعاً بإضافة حرف العطف " و " أو حذفه
في هذه الأقسام الأربعة : التكوين إلى العدد - التثنية إلى الملوك الثاني -
أخبار الأيام الأول إلى عزرا - نحميا وأستير . 1-
قانونية السفر : ليس هناك أدنى شك
في قانونية هذا السفر ، فقد أولى كهنة اليهود رعاية خاصة وصيانة دقيقة لكل
الأسفار القانونية في العهد القديم على الرغم من أن هذه الحقيقة لم تنل
الاهتمام اللائق بها في كثير من المناقشات الحديثة . ويذكر يوسيفوس أنه كانت
هناك نسخة خاصة من الأسفار القانونية بالهيكل من بين ما سلب من كنوز الهيكل
عند انتصار فسبازيان . هذا وان الخواص المميزة للنص العبري لتؤكد أن جميع
المخطوطات التي بين أيدينا تمثل نسخة أصلية قانونية واحدة . وبين الأسفار
القانونية عند اليهود ، لا يحتل سفر أستير مكاناً معروفاً فحسب ، ولكنه يتمتع
بمكانة متميزة ، وما ذكره يونيلوس في القرن السادس الميلادي من أن البعض في
عصره كانوا يشكون في قانونية السفر لا يؤثر على الاطلاق في حقيقة صحته
وقانونيته . كما أن عنوان هذا السفر يقدم الدليل الساطع على المكانة السامية
والتقدير الكبير لهذا السفر بين اليهود الأقدمين ، فعنوان السفر هو " مجلات "
أو " مجلد أستير " في أغلب النسخ ، وأحيانا أخرى يسمى " مجلات " أو " المجلد
" . ويقول ميامونيدس إن حكماء اليهود يؤكدون أن الروح القدس قد أملى السفر ،
ويضيف : ان كل كتب الأنبياء وكل الكتابات المقدسة سوف تتوقف في أيام المسيا ،
ماعدا مجلد أستير فسيظل ثابتاً تماماً مثل أسفار موسى الخمسة وكذلك مثل
تعاليم الناموس الشفوي التي لن تتوقف أبداً .
2-
كاتب السفر : من هو كاتب هذا السفر
؟ في الحقيقة نحن لا نجد إجابة قاطعة على هذا السؤال ، لا من محتويات السفر
ولا من أي تقليد موثوق به . ورغم أن الكثيرين يؤيدون الرأي القائل بأن مردخاى
هو كاتب هذا السفر ، إلا أن الكلمات الختامية في نهاية السفر ( أستير 10 : 3
) والتي تلخص أعمال حياته والبركات التي نالها ، تضعف من هذا الرأي ، فهذه
الكلمات توحي بأن حياة ذلك البطل المرموق قد انتهت قبل اتمام كتابة هذا السفر
. 3-
تاريخ السفر : تلقي الكلمات
الختامية لسفر أستير ، الضوء على تاريخ كتابة هذا السفر ، إذ تتحدث عن الملك
أحشويروش بالقول : " وكل عمل سلطانه وجبروته … أما هي مكتوبة في سفر أخبار
الأيام لملوك مادي وفارس " ؟ ومعنى ذلك أن التاريخ الكامل للملك أحشويروش كان
موجوداً في السجلات الرسمية للمملكة في وقت كتابة سفر أستير ، وبعبارة أخرى
أن سفر أستير رأى النور بعد أن مات الملك أحشويروش ، ولقد أغتيل هذا الملك في
465 ق . م . على يد " أرتابانوس " ، وعليه فإن 460 ق . م هو أقدم تاريخ يمكن
أن يكون السفر قد كتب فيه ، بينما يكون عام 332 ق .م هو آخر تاريخ يمكن أن
يكون السفر قد كتب فيه ، عندما أفل نجم الامبراطورية الفارسية على يدي
الإسكندر المقدوني ، حيث أن سفر أخبار الأيام ، لملوك مادي وفارس لم يعد سهل
المنال عقب زوال الامبراطورية الفارسية ، ومن ثم فإن السفر لا بد وأن يكون قد
كتب في الفترة الزمنية المحصورة بين التاريخين السابقين وهي نحو 128 عاماً ،
غير أن هناك حقيقة أخرى تضيق من تلك الفترة الزمنية ، ألا وهي تلك " الواو "
في مستهل سفر أستير التي ترينا أن السفر قد كتب بعد سفر نحميا أي بعد عام 430 ق . م
. وهكذا تضيق الفترة الزمنية إلى نحو 98 عاماً ، وبما أننا نرى أن المملكة
الفارسية كانت في أوج مجدها وقت كتابة سفر أستير ، لهذا فإننا لانخطيء كثيراً
إذا اعتبرنا أن تاريخ كتابة السفر هو حوالي عام 400 ق . م .
4-
محتويات السفر : يتميز هذا السفر
بحيوية درامية هائلة ، فالمكان هو " شوشن القصر " ذلك الجزء من العاصمة
العيلامية القديمة ، الذي كان المقر الحصين لملوك فارس ، وهكذا يبدأ السفر
بوصف الوليمة العظيمة التي يحضرها جميع شرفاء البلدان ورؤسائها مع عبيد الملك
أيضاً . ورغبة في زيادة الاحتفاء بتلك المناسبة ، يأمر الملك باستدعاء وشتي
الملكة لكي يرى ضيوف الملك جمالها ، ولكن - ويالها من مفاجأة - ترفض الملكة
وشتي المثول أمام الملك وضيوفه ، وسرعان ما ينعقد المجلس الملكي ويقرر حرمان
الملكة " وشتي " ، وكما يصدر أمر ملكي يقضي بأن يكون كل رجل متسلطاً في بيته
( الأصحاح الأول ) . ولكي يختار الملك زوجة جديدة له تحل محل وشتي ، يأمر
بجمع كل الفتيات العذارى الحسنات المنظر من كل بلاد المملكة إلى شوشن القصر ،
وهكذا أخذت معهن هدسة بنت عم مردخاي التي تبناها . ويختم الأصحاح الثاني
بحادثتين : الأولى هي تتويج هدسة ( التي أصبح اسمها من ذلك الوقت
فصاعـــــــــدا ، " أستير " ) ملكة على البلاد . وثانيتهما هي اكتشاف مردخاي
لتلك المكيدة التي دبرت لإغتيال الملك . ويقدم لنا
الأصحاح الثالث شخصية هامان بن همداثا الذي رقاه الملك وجعل كرسيه فوق جميع
الرؤساء الذين معه ، فكان كل
عبيد الملك الذين بباب الملك يجثون ويسجدون لهامان القوي صاحب المقام الرفيع
، ولكن مردخاي ، ذلك اليهودي التقي خائف الله والذي لا يعرف المداهنة ولا
التملق ، يحجم عن السجود لهامان . وعلى الرغم من تحذيرات عبيد الملك المتكررة
لمردخاي ، إلا أنه لم تلن له قناة ، وسرعان ما نما الأمر إلى علم هامان الذي
أحس بجرح دام في كرامته ، ولكن " ازدرى في عينيه أن يمد يده إلى مردخاي وحده
" ، فقرر أن يبيد الشعب اليهودي بأسره في كل المملكة ، لذلك أخذوا يلقون قرعة
من يوم إلى يوم لاختيار اليوم المرتقب لإهلاك وإبادة هذا الشعب من على وجه
الأرض . وحالماً وافق الملك تم إرسال المرسوم الملكي إلى جميع ولايات المملكة
وبلدانها ليكون يوم القتل والذبح هو اليوم الثالث عشر من الشهر الثاني عشر .
وما أن
وصل أمر الملك وسنته ، حتى حدثت مناحة عظيمة عند اليهود وبكاء
ونحيـــــــــــــب ( الأصحاح الرابع ) . وسرعان ما وصلت أخبار الحزن الذي
اكتنف مردخاي إلى أسماع أستير الملكة ، وهكذا تم اخبار الملكة على أيدي
جواريها وخصيانها ، بالخطر المحدق بها وبشعبها ، كما وصلتها وصية مردخاي لها
بأن تتحرك لخلاص نفسها وخلاص
شعبها أيضاً . وعليه قررت الملكة أن تمثل في حضرة الملك دون أن تدعي منه على
الرغم مما في ذلك من مخاطرة جسيمة بحياتها .
وفي
الأصحاح الخامس نرى الملكة أستير تتقدم لتقف أمام الملك ، فإذا بها تنال نعمة
في عينيه . وهنا يمكننا أن نتنسم أريج الزمان والمكان ، فكل شيء هنا معلق
بإرادة واحدة ، ألا وهي إرادة الملك ، لذلك لم تطلب أستير الكثير في البداية
، بل اكتفت بدعوة الملك وهامان إلى الوليمة التي عملتها ، وهنا سألها الملك
عن طلبتها وسؤلها مؤكداً لها أنها لا بد أن تعطي لها . فأجابت أستير بأن
طلبتها هي أن يأتي الملك وهامان إلى الوليمة في اليوم التالي ، وهكذا خرج
هامان في نشوة عارمة ، ولكنه في طريقه إلى بيته يرى " مردخاي " في باب الملك
ولم يقم ولا تحرك له ، فامتلأ هامان غيظاً على مردخاي ، وأفضى بما في نفسه
الى زوجته و إلى أحبائه ، فنصحوه بإعداد خشبة ارتفاعها خمسون ذراعاً ليصلب
عليها مردخاي . وفي الصباح يمكنه الحصول على تصريح ملكي بصلب مردخاي ، ثم
يدخل بعد ذلك مع الملك فرحاً إلى وليمة الملكة ، فحسن الكلام عند هامان وعمل
الخشبة . وفي
الأصحاح السادس ، نرى الملك أحشويروش ، وقد فارق النعاس أجفانه ، فيأمر بأن
يؤتى بسفر تذكار أخبار الأيام ليقرأ أمامه . وحين يصل القاريء إلى قصة اكتشاف
مردخاي لتلك المؤامرة ، يسأل الملك عن المكافأة التي أعطيت لمردخاي ، فيجيبه
عبيده بأن ذلك العمل النبيل لم ينل أي تقدير أو ثناء . وفي الصباح الباكر
يدخل هامان إلى دار بيت الملك الخارجية منتظراً أن يطلب من الملك حياة مردخاي
، لكن الملك يستدعيه إلى حضرته حيث يسأله عما ينبغي أن يعمل لرجل يسر الملك
بأن يكرمه ، فيغالي هامان في اقتراح الإكرام الملكي ، ظاناً في نفسه أنه هو
ذلك الرجل الذي يسر الملك بأن يكرمه . لكن - لدهشته الشديدة - يأتيه أمر
الملك بأن يفعل هكذا لمردخاي اليهودي الجالس في باب الملك . ثم يعود هامان
بعد أن نفذ أمر الملك لذلك اليهودي البغيض ، نائحاً ومغطي الرأس حنقاً وغيظاً
، وقص على زوجته وجميع أحبائه كل ما أصابه . وفيما هم يكلمونه ، يصل خصيان
الملك ليسرعوا للإتيان به إلى الوليمة التي عملتها أستير . وهناك ( الأصحاح
السابع ) يجدد الملك سؤاله لأستير لتخبره عن طلبها ، فتتضرع إليه لأجل نفسها
وشعبها . ويتساءل الملك في دهشة عمن " هو وأين هو هذا الذي يتجاسر بقلبه على
أن يعمـل هكذا " . فيأتيه الجواب بأن هامان هو ذلك العدو الرديء ، فيستشيط
الملك غيظاً ويقوم في حنق شديد عن شرب الخمر عائداً إلى جنة القصر ، ولكنه
سرعان ما يعود ليكتشف أن هامان - في جنون خوفه - متواقع على السرير الذي كانت
أستير عليه ، ليتوسل إليها من أجل نفسه . وبهذا المشهد الأخير تقرر مصير
هامان ، فيؤخذ لكي يصلب على نفس الخشبة التي كان قد أعدها لصلب مردخاي .
ثم نرى في
الأصحاح الثامن خاتم الملك يعطي لمردخاي ، كما تتخذ التدابير فوراً لدفع
مكيدة هامان الرديء ( الأصحاحان التاسع والعاشر ) ، وهكذا تكتب النجاة
والكرامة للشعب اليهودي ، كما يتقرر عيد الفوريم الذي ينبغي أن يحفظ من دور
إلى دور ، من اليهود والدخلاء ، وقد تأيد ذلك بالخطابات المرسلة من أستير
ومردخاي . 5-
الإضافات اليونانية للسفر : تحوي
الترجمة السبعينية - التي بين أيدينا الآن - إضافات كثيرة إلى النص الأصلي .
ومع أن القديس جيروم قد تمسك بالنص العـــبري في ترجمته ، إلا أنه وضع تلك
الإضافات في نهاية السفر وتبلغ هذه الإضافات نحو سبعة فصول ، غير أنها لا
تستحق الدراسة الفاحصة . وقد قدر تاريخ هذه الإضافات بأنها تعود إلى عام 100
ق . م ، وبذلك تكون قيمتها الوحيدة هي أنها الدليل على قـــدم هذا السفر .
لقد توقف
الفكر اليهودي طويلاً في حيرة بالغة ، أمام غياب اسم " الله " من هذا السفر ،
وكذلك عدم وجود أي إشارة إلى عبادة الله الحي . لذلك عالجت هذه الإضافات
اليونانية هذه الأمور . 6-
الهجمات الموجهة إلى السفر :
يتباهى معارضو هذا السفر بأن مارتن لوثر قد تزعم الهجوم عليه ، فقد أعلن في أحد أحاديثه
بأنه يحس بالعداء " نحو هذا السفر لدرجة أنني كنت أتمنى ألا يكون
موجوداً ، فهذا السفر يصبغ كل
شيء بالصبغة اليهودية ، كما أنه يحمل في طياته الكثير من القسوة الوثنية " .
كما أن ملاحظات لوثر التي أبداها في رده على أرازمس ، ترينا كيف كان حكمه على
هذا السفر قاطعاً ، ففي إشارة واضحة إلى سفر أستير ، يقول مارتن لوثر إنه على
الرغم من أن اليهود يضعون هذا السفر بين الأسفار القانونية إلا أن ذلك السفر
جدير - أكثر من كل كتب الأبوكريفا - بأن يستبعد من الأسفار القانونية . وعلى
الرغم من كل ما سبق ، فإن ذلك الرفض من جانب لوثر لم يكن مؤسساً على أي حقائق
علمية أو تاريخية ، وإنما اعتمد على مجرد حكم خاطيء فيما يختص بلهجة السفر
والغرض من كتابته . وفي إطار حملة الهجوم على السفر لم يكتف " ايوالد " بما
ذكره لوثر ، ولكنه أضاف قائلاً : " إننا في هذا السفر نحس وكأننا قد انحدرنا
من السماء إلى الأرض ، وإذ نتلفت حولنا لننظر الأشكال الجديـــدة المحيطة بنا
، فإننا لا نرى سوى اليهود أمامنا ، أو تلك الحفنة الصغيرة من رجال ذلك العصر
الذين يتصرفون تماماً يفعلون اليوم " ولكن كل ما سبق لا يمكن أن يغض من صحة
هذا السفر . هذا وقد
اتخذ الهجوم على السفر في العصر الحديث هدفاً آخر ، فقد اعتقد " سملر " - وهو
رائد تلك الحملة - أن سفر أستير نتاج خيال محض ، وأنه لايثبت سوى غطرسة
اليهود وكبريائهم . ويقول " دي فيته " : " إن هذا السفر ينتهك كل الاحتمالات
التاريخية ، كما أنه يحوي
صعوبات بالغة وأخطاء عديدة فيما يتعلق بالأحوال الفارسية ، بالإضافة إلى مجرد
الاكتفاء بالإشارة إليهم " . إلا أن الدكتور " درايفر " يدخل بعض التعديلات على
تلك الفكرة ، إذ يقول : " إن كاتب السفر يظهر نفسه وكأنه على دراية واسعة
بأحوال الفارسيين ومؤسساتهم ، وهو لا يرتكب من المفارقات التاريخية مثلما نرى
في سفر طوبيا أو سفر يهوديت ، كما أن شخصية أحشويروش المرسومة في هذا السفر ،
تطابق الحقائــــــق التاريخية " . وهذه المحاولات بين هؤلاء المعارضين تبين
أنه ليس في الأفق أي بــــادرة توحي بالاقتراب من القطع برأي . ولقد كان "
نولدكه " أكثر عنفاً في كتابتــــه من " دي فتية " ، إذ يقول : " إن هذا السفر - في حقيقة الأمر
- ليس إلا نسيجاً من المستحيلات " ، لذلك سنفحص كل الاعتراضات الرئيسية التي
يقدمها نولدكه وغيره ، ثم ندرس
بعد ذلك التأكيدات الحديثة التي تثبت صحة السفر وتاريخيته .
7-
بعض الاعتراضات على السفر :
أ - يقول
نولدكه : " إن هناك شيئاً خرافياً _ ولكنه ليس أخرق تماماً - في تلك اللمسة
التي جعلت كلا من مردخاي وهامان وارثا لأحد الأعداء السالفين ، فمردخاي ينتمي
إلى عائلة الملك شاول ، وهامان سليل أجاج ملك عماليق " .
إنه لمن
الخطأ الجسيم أن يبني أحد العلماء اتهامه علي مجرد خرافة ، فليس هناك على
الاطلاق ، أي إشارة - في السفر - لأي من الملك شاول أو أجاج ملك عماليق ، كما
لا يوجد أي تلميح لأي عداء موروث . حقيقة كان " قيس رجلاً يمينيا ً " ( أستير
2 : 5 ) وهو الجد الأكبر لمردخاي ، فإن صح أن قيس هذا كان أباً للملك شاول ،
لكان معنى ذلك أن أول ملوك إسرائيل ( شاول ) قد عاصر الأسر البابلي ، ومن
السذاجة بمكان أن نقبل مثل هذه الخرافة . ورب سائل يسأل كيف يمكن لرجل
عماليقي أن يوصف بأنه أجاجي ؟ وكيف يمكن لملك عقيم - مزق جسده إلى أشلاء
متفرقة - أن يصبح رأساً لقبيلة كبيرة ؟ ان ذلك التخيل اليهودي المؤسس على
تشابه ظاهري ، قد تم دحضه تماماً منذ سنين عديدة ، حينما اكتشف " أوبرت "
كلمة " أجاج " ، في أحد النقوش الأثرية الخاصة بسرجون ، اسماً لإحدى
المقاطعات في الامبراطورية الفارسية ، ومن ثم فإن التعبير : " هامان بن
همداثا الأجاجي " يعني بكل بساطة أن هامان أو أباه جاء من مقاطعة أجاج .
ب -
العبارة الواردة في أستير ( 2 : 5 و 6 ) والتي تؤخذ على أنها تمثل مردخاي
وكأنه قد سبي من أورشليم مع يكنيا ملك يهوذا ، وبهذا يكون عمر مردخاي رقماً
مستحيـــلاً من السنين . إن التعليق على هذه العبارة ، غير جدير بالالتفات
إليه ، لأن جملة الصلة تعود على قيس الجد الأكبر لمردخاي .
ج - يقول
د. درايفر : إنه بين العامين
السابع والثاني عشر لحكم الملك
أحشويروش ، كانت زوجته هي الملكة " أمستريس " وهي امرأة قاسية ذات شخصية
خرافية ( كما يذكر هيرودوت ) وهي صفات لا يمكن أن تنطبق على أستير . كما أنها
بهذا لا تترك مكاناً معها للملكة أستير . ولقد أعلن " سكاليجر " منذ زمن بعيد
إيمانه بأن " امستريس " هي بذاتها الملكة أستير ، إلا أن " بريدو " رفض تلك الفكرة
نظراً لأن هيرودوت يصف تلك الملكة بالقسوة ، ولقد نسى درايفر أن النقاد قد اتهموا بطلة هذا السفر
بالقسوة وإنه لمن الممكن - في عالم قد امتلأ بالمكائد والدسائس اللإنسانية -
أن تكون الملكة قد اضطرت إلى اتخاذ اجراءات صارمة ، دفعت ذلك المؤرخ اليوناني
إلى تسجيل ذلك عنها . د- يزعم
المعارضون أن الغرض من السفر هو تمجيد اليهود ، ولكنه على النقيض ليس إلا
سجلاً لنجاتهم من تلك المكيدة التي حيكت لإبادتهم .
هـ - يقال
إن وصف الشعب اليهودي كما جاء في أستير ( 3 : 8 ) ، لا ينطبق على عصر
الامبراطورية الفارسية ، حيث يصفهم السفر بأنهم " شعب متشتت ومتفرق بين
الشعوب في كل بلاد المملكة " . إن ذلك
الاعتراض لا يصدر إلا عن جهل مطبق بأسرار العالم القديم الذي مازالت
الاكتشافات المتلاحقة تميط اللثام عن المزيد منها . فنحن الآن نعلم أن اليهود
في العصر السابق لأستير ، كانوا يعيشون في مناطق مصر الشرقية والجنوبية ، أي
في أقصى الغرب من الامبراطورية الفارسية . وحينما اندلعت الاضطرابات في أواخر
القرن السابع وفي القرن السادس قبل الميلاد ، لا بد أن الجماهير الغفيرة
قد تشتتت ، وبخاصة حينما انحلت ربط التمسك
بأرض الآباء في العصر التالي وازدادت حركات الهجرة اليهودية .
و- يقال
إن لغة السفر العبرية تنتمي إلى لغة عصر ما بعد الملك أحشويروش ، ولكنهم
يعترفون بأن أسلوب السفر يسبق أسلوب اللغة العبرية المستخدمة في سفر أخبار
الأيام ، غير أن الاكتشافات الحديثة قد أثبتت بصورة قاطعة أن أسلوب السفر
ينتمي إلى العصر الفارسي . ز- يقول
د. درايفر : " إن الخطر الذي كان يتهدد اليهود ، كان خطراً محلياً في مكان
واحــد ، " وبناء عليه يكون السفر مجرد قصة خيالية رغم ما فيه من أسس تاريخية
" . ولكننا نلاحظ أن احتفال اليهود بعد نجاتهم ، كان منذ البداية احتفالاً
عاماً في كل المدن والبلاد ، كما أنه لم يتميز مكان عن آخر في حفظ هذا العيد
بحماسة ، وهذا كفيل بدحض ذلك
الزعم . ح - يقول
المعترضون إنه لا توجد أي إشارة إلى سفر أستير في سفر أخبار الأيام أو في سفر
عزرا أو في سفر يشوع بن سيراخ . لكن سفر أخبار الأيام ينتهي بإعلان كورش
التصريح لليهود بأن يعودوا وأن يبنوا الهيكل ، لذلك لا عجب إن كان سفر أخبار
الأيام لا يتضمن أي اشارة إلى أمور حدثت بعده بنحو ستين عاماً . كما أننا لا
نجد أي إشارة إلى الأحداث
المرتبطة بسفر أستير في سفر عزرا مع أنه يغطي فترة زمنية معاصرة لأستير ،
نظراً لطبيعة خطة بناء السفر ، فهو يقدم لنا تاريخ الرجوع الأول من السبي تحت
قيادة زربابل في عــــــــــام 536 ق . م . ثم الرجوع الثاني تحت قيادة عزرا
نفسه في عام 458 ق . م . فالأحداث المذكورة في سفر أستير - التي تمت في خلال
بضعة أشهر - تقع في الفترة الزمنية المحصورة بين مرحلتي الرجوع ، ولكنها لا
ترتبط بأي منهما ، فنحن نرى المعترض هنا يغفل عن غرض السفر الذي يشير إليه .
وفيما يختص بسفر بشوع بن سيراخ ، فإننا نلاحظ أن عينيه تركزتا على مدينة
أورشليم ، لذلك تجده يعظم زربابل " ويشوع بن يوصاداق " ونحميا ( سيراخ 49 :
11 - 13 ) ، حتى عزرا نفسه الذي تدين له أورشليم والأمة اليهودية بالكثير ،
لا نجد له ذكراً في يشوع بن سيراخ ، فلماذا إذا يجب أن يذكر مردخاي أو أستير ، على
الرغم من أنه لم يكن لهما أي دور في إعادة بناء المدينة المقدسة ؟ ! ط- يقال
إن السفر ينم عن جهل بالامبراطورية الفارسية حين يذكر أنها كانت مقسمة إلى
127 كورة بينما يخبرنا هيرودوت أنها كانت مقسمة إلى 20 ولاية . ولكن حقيقة
الأمر أنه لم يكن هناك رقم نهائي ثابت حتى فيما يتعلق بالأقسام الرئيسية
للامبراطورية ، فنجد داريوس في نقوشه البهستونية يذكر العدد على أنه 21 ثم ما
يلبث أن يذكر أنه 23 ، وفي
تعداد ثالث يذكر أنه 29 ، كما أن هيرودوت نفسه يقتبس من إحدى الوثائق من عصر
الملك أحشويروش ، ويقول إنه كانت هناك في ذلك الوقت نحو ستين أمة تحت سيادة
الامبراطورية الفارسية . ولقد أغفل المعترض ملاحظة أن كلمة " كورة " المذكورة
في أستير ( 1 : 1 ) لا
تعني ولاية ، وإنما هي جزء من
ولاية ، فاليهودية تسمى كورة ( عزرا 2 : 1 ) وكانت جزءاً صغيراً من الولاية
الخامسة أي من سوريا . لقد مضى الوقت الذي كان يمكن أن تقبل فيه اعتراضات من
هذا القبيل ، فإن الاكتشافات الحديثة قد أثبتت الدقة المتناهية لهذا السفر إذ
يقول لينورمانت : " إننا نجد في سفر أستير صورة تنبض بالحياة للبلاط الملكي
في عصر ملوك فارس ، حيث أنها تمكننا - أكثر من كل ما وصلنا من الكتابات
القديمة الأخرى - من أن نتغلغل إلى الحياة الداخلية ، وأن نكتشف تفاصيل نظام
الحكومة المركزية الذي وضعه داريوس " . 8-
تأكيد صحة السفر : إن هذه
الاكتشافات قد رفعت من مستوى المناقشات حول السفر إلى درجة أسمى أو بالحري قد حسمتها ، فمنذ أن
قرأ جروتفند في عام 1802 م اســــم " زركسيس " ( أحشويروش ) في أحد النقوش
الفارسية ، ووجده يطابق - حرفاً بحرف - أحشويروش المذكور في سفر أستير ، بدأت
الأدلة تتراكم ، الدليل تلو
الدليل ، مؤكدة صحة تاريخية السفر ، فلقد أثبتت الاكتشافات - باديء ذي بدء -
أن تاريخ كتابة السفر لا يمكن أن يعود إلى عصر متأخر لأن لغة السفر تنتمي إلى
عصر سيادة الامبراطورية الفارسية وازدهارها ، ويتضح ذلك من استخدام بعض
الكلمات الفارسية القديمة التي اندثرت في القرن الثاني ق . م . ثم أعيد
اكتشافها فقط عند فك رموز الآثار الفارسية ، حتى أن بعض هذه الكلمات لم تكن
مألوفة عند المترجمين الذين قاموا بالترجمة السبعينية ، مما أدى إلى ارتكابهم
بعض الأخطاء التي تكررت في بعض ترجماتنا الأخرى ، ففي الترجمة الانجليزية (
الملك جيمس ) نجد في أستير ( 1 : 5 و 6 ) أنه كان هناك " في دار جنة قصر
الملك أنسجة بيضاء وخضراء وأسمانجونية معلقة بحبال من بز وأرجوان
… " ( وهو نفسه في
الترجمة العربية ) ، فقد لوحظ في أطلال مدينة برسبوليس الفارسية ، أنه كانت
هناك علامة مميزة للقصور الفارسية في ذلك العصر ، وهي وجود مكان فسيح تملؤه
الأعمدة التي تغطيها المظال ، ويمكن ملاحظة أن تلك المظال كانت موضوعة في دار
جنة القصر كما يحدثنا السفر ، وفي ضوء هذه الاكتشافات الفارسية ، علينا أن
نقرأ النص كالآتي : " حيث كانت هناك مظلة من القطن الرقيق الأبيض
والأسمانجوني معلقة بحبال من البز الأبيض والأرجوان " . لقد كانت الألوان
الملكية الفارسية هي الأبيض والأسمانجوني ، وهذا يتفق مع ما نقرأه عن مردخاي
في ( أستير 8 : 15 ) " وخرج مردخاي من أمام الملك بلباس ملكي أسمانجوني وأبيض
" ولقد تميز العصر الفارسي حقاً بما نراه في هذا السفر من النظام البريدي
الدقيق ، وكتاب الملك وحفظ سفر تذكار أخبار الأيام ، وكذلك عادات البلاط
الملكي بكل ما فيها من دقة وصرامة . كما أننا نقرأ عن المرسوم الملكي الذي
حصل عليه هامان ، وكيف أنه " كتب باسم الملك أحشويروش وختم بخاتم الملك "
ونلاحظ أن المرسوم لم يوقع ولكنه ختم ، فقد كانت هذه هي العادة عند ملوك فارس
، فلقد اكتشف خاتم الملك داريوس - أبي الملك أحشويروش - وهو محفوظ الآن
بالمتحف البريطاني ، وعلى الختم صورة الملك وهو يطلق السهام على أحد الأسود ،
بالإضافة إلى كتابة باللغة الفارسية والشوشنية والأشورية تقول : " أنا داريوس
الملك العظيم " . وحين اكتشف جروتفند شخصية الملك أحشويرش في الآثار الفارسية
- وهو ما أيدته أيضاً الاكتشافات المتلاحقة - فإنه بذلك ألقى ضوءاً حديداً
على السفر ، وبمجرد أن تم التأكد من أن أحشويروش هو الملك المذكور في سفر
أستير ، فقد تحولت الاعتراضات السابقة إلى تأكيدات قاطعة . وفي بذخ الملك
وترفه المفرط ، استطاع العلماء أن يروا صورة الملك أحشويروش التاريخيــــــة ، فلم يكن التقاء
شرفاء البلدان ورؤساء المملكة " في السنة الثالثة من ملكه " ( أستير 1 : 3 )
سوى ذلك الاجتماع التاريخي الذي عقد لمناقشة الحملة على بلاد اليونان ،
كما أن " السنة السابعة " التي
توجت فيها أستير ملكة للبلاد ، كانت هي سنة عودة الملك من بلاد اليونان .
وليس ذلك فحسب ، بل أن السفر يذكر بأن
شوشن كانت مقراً لملوك فارس ، وهذه هي الحقيقة التاريخية فعلاً ،
والصيغة الصحيحة للاسم كما جاءت في النقوش الفارسية هي " شوشن " ، أما " شوشن
القصر " فإنها تعنى أنه كان هناك مكانان يحملان نفس الاسم ، وهذه هي الحقيقة
أيضاً والكلمة المترجمة " بالقصر " كلمة فارسية تعني الحصن أو القلعة . أما
ذلك النظام الصارم داخل القصر
- والذي سبق وأن أشرنا إليه -من أن الموت كان يتهدد كل من يدخل إلى
حضرة الملك دون دعوة ، فكثيراً ما استخدمه المعترضون للتدليل على أن ذلك
السفر ليس إلا قصة خيالية . ولكن على العكس من ذلك تماماً ، ثبت أن تلك هي
الحقيقة ، إذ يقول لينورمانت : " لقد كان من المستحيل بالنسبة للعامة أن
يدخلوا القصر الملكي الفارسي ، إذ كان هناك نظام صارم يحكم الدخول إلى حضرة
الملك ، ويجعل الاقتراب منه أمراً بعيد المنال … فكل من يدخل إلى محضر الملك دون
أن يحصل على إذن سابق ، فعقابه الموت " ( التاريخ القديم للشرق - الجزء
الثاني 113 - 114 ، قارن هيرودوت
1 : 99 ) . ولكن أهم
من كل ذلك ، اكتشاف القصر الذي عاش فيه الملك أحشويروش وأستير ، فهذا
الاكتشاف دليل قاطع على صحة
تاريخية هذا السفر ، إذ نجد في أحد النقوش الخاصــــــــــة " بارتحشستا
منمون " والمكتشفة في شوشن ، أن ذلك القصر قد التهمته النيران في أيام
أرتحشستا لونجيمانوس بن أحشويروش وخليفته ، فبعد نحو ثلاثين عاماً من زمن
أستير ، اختفي ذلك القصر تماماً من الوجود . وعلى الرغم من ذلك فإن الأوصاف
الواردة في السفر تنطبق تماماً على النظام المعماري للقصر الفارسي الذي كشفت
حملات التنقيب الفرنسية النقاب عنه حديثاً ، فنحن نقرأ في الأصحاح الرابع أن
مردخاي لبس مسحاً وخرج إلى وسط المدينة " وجاء إلى قدام باب الملك " . وتدل
الأطلال على أن بيت النساء كان يقع على الجانب الشرقي من القصر بعد المدينة ،
وأنه كان هناك باب يفضي إلى ساحة المدينة . وفي الأصحاح الخامس نقرأ أن أستير
: " وقفت في دار بيت الملك الداخلية مقابل بيت الملك " كما نقرأ " والملك
جالس على كرسي ملكه في بيت الملك مقابل مدخل البيت " وأنه وهو على عرشه " رأى
أستير الملكة واقفة في الدار " ، وهكذا تمضي كل التفاصيل في دقة متناهية ،
فقد كان هناك ممر يؤدي من بيت النساء إلى الدار الداخلية ، وإلى جانب الدار
مقابل ذلك الممر كانت هناك غرفة العرش . وفي منتصف الجدار المقابل تماماً ،
كان العرش موضوعاً حيث استطاع الملك من كرسيه العالي ، عبر ستارة فاصلة ، أن
يرى الملكة في انتظار الإذن بالدخول . كذلك فإن سائر التفاصيل ، مثل خروج
الملك من بيت وليمة الملكة إلى جنة القصر ، تدل على معرفة وثيقة بنظام القصر
كما كان وقتئذ . وهذه التأكيدات من القوة بحيث تسمو عن كل مغالاة في تقديرها
، كما أنها تثبت أن الكاتب كان على دراية تامة بهذه الأمور بالإضافة إلى أن
ما كتبه يتميز بالدقة المتناهية . هذا وان
اختفاء اسم " الله " من هذا السفر ، ليشكل إحدى الصعوبات على الرغم من أن هذه
النقطة لم ترد في سياق الاعتراضات على السفر ، ولكن ذلك - بكل بساطة - إنما
هو جزء من التخطيط لهذا السفر . كذلك يخلو السفر من أي إشارة إلى الصلاة أو
إلى التسبيح أو إلى الاقتراب إلى الله . ولقد كان الصمت المطبق تجاه هذه
الأمور ، مثار ألم لمشاعر اليهود
الأولين مما أدى إلى وجود الكثير من الاعترافات بالله في الصلاة
والتسبيح ، في الإضافات لهذا السفر في الترجمة السبعينية . ونحن لا نستطيع أن
نعلل قبول اليهود المحافظين - الذين استؤمنوا على أسفار العهد القديم - لهذا
السفر كواحد من الأسفار القانونية إلا على أساس اقتناعهم بالأدلة القاطعة على
مصدره الإلهي وسلطانه . ولكن هل
يمكننا تعليل اختفاء هذه الكلمات من السفر ؟ في الترتيب الأصلي لأسفار العهد
القديم القانونية ، نجد سفر أستير متصلاً بسفر نحميا ( أما الترتيب العبري
الحالي لهذه الأسفار فقد وضع في العصر المسيحي ) . ولقد قدم جون يوركهارت في
1895 رأياً يعتقد أنه مازال يستحق الاعتبار ، وهو : أنه كانت قد انقضت أكثر
من ستين سنة منذ صدور نداء كورش لليهود بالعودة إلى ديارهم ، ولكن السواد
الأعظم من الشعب ظلوا حيثما كانوا ، فالبعض من أمثال نحميا ، أعاقتهم روابط
العمل وغيرها ، بينما أظهر باقي الشعب عدم الاكتراث لهذا الأمر ، أو لم
يشاءوا أن يتخلوا عن ممتلكاتهم وراحتهم . وبمثل هذه الفئة الأخيرة لا يمكن أن
يرتبط تاريخ عمل الله على الأرض ، ومع أنه في عنايته يرعاهم وينقذهم ، إلا أن
اسمه القدوس لا يمكن أن يوضع إلى جوار أسمائهم في سجـــل العمل وانتظار خلاص
الأرض كلها . أستير - بقية السفر :
مقدمة :
يحتوي سفر
أستير ، في أقدم المخطوطات للترجمة السبعينية 107 أعداد مضافة إلى النص
العبري . وهذه الإضافات متناثرة
في كل أرجاء السفر حيث أنها أضيفت أساساً لتضفي على السفر الصبغة
الدينية التي تنقصه في نصه العبري . وفي ترجمة القديس جيروم ، كما في الترجمة اللاتينية الشعبية
المعروفة باسم الفولجاتا ، استخرجت أهم وأطول تلك الإضافات من أماكنها وجمعت
معاً ووضعت في نهاية السفر القانوني ، وبذلك صارت هذه الإضافات غامضة مبهمة .
وفي الترجمات الانجليزية والويلزية وغيرها من الترجمات البروتستنتية تظهر
جميع هذه الإضافات في قسم الأبوكريفا . 1-
الاسم : في الترجمة الانجليزية نجد
العنوان الكامل لهذه الإضافات هو : بقية أصحاحات سفر أستير غير الموجودة في
العبرية أو في الكلدانية . أما في الترجمة السبعينية - بما فيها طبعات
فريتزشيه وتشندورف وسويته فإن هذه الأصحاحات تظهر في أماكنها الأصلية في سياق
النص ، لذلك لاتحمل عنواناً مستقلا . وينطبق نفس الوصف على الترجمة
الانجليزية التي قام بها بريريتون للسبعينية ، إلا أن الحال يختلف في ترجمة
تومسون حيث حذفت منها كل أسفار الأبوكريفا ، وعليه فهي ترجمة غير كاملة لا
تتضمن كل ما جاء بالسبعينية . 2-
المحتويات : في الطبعة التي أصدرها
سويته للترجمة السبعينية ، رمز للأجزاء التي تشكل " بقية سفر أستير " أو "
الإضافات إلى سفر أستير " - كما تسمى في بعض الأحيان - بحروف هجائية مسلسلة
بالترتيب التالي مع بيان الأماكن المختلفة في النص اليوناني في كل حالة :
3-
أ
- ( لاتيني وانجليزي 11 : 2 - 12 : 6 ) : حلم مردخاي وكيف وصل إلى مركز
الكرامة وهذا الجزء يسبق أستير 1 : 1 . ب - (
لاتيني وانجليزي 13 : 1 - 7 ) : خطـــاب أرتحشستا ، وهذا الجزء يأتي بعد
أستير 3 : 13 . ج- (
لاتيني وانجليزي 13 : 8 - 14 : 19 ) : صلوات مردخاي وأستير ، وتأتي بعد أستير
4 : 17 . د- (
لاتيني 15 : 4 - 19 ، وانجليزي 16 : 1 - 16 ) : زيارة أستير للملك وحصولها
على نعمة في عينيه ، وهذا الجزء يتبع الجزء ( ج ) ويسبق الأصحاح الخامس
مباشرة . هـ - (
لاتيني وانجليزي 16 : 1 - 24 ) : خطاب آخر لأرتحشستا ، ويأتي بعد أستير 8 :
12 ) . و - (
لاتيني وانجليزي 10 : 4 ص 11 )
: خاتمة تصف منشأ عيد الفوريم ، وتأتي بعد أستير 10 : 3 . وبالإضافة
إلى كل هذه الإضافات المطولة إلى النص والمشار إليها آنفاً ، فإن هناك أيضاً
بعض الإضافات الأخرى الصغيرة في الترجمة السبعينية إلا أنها قد حذفت في
الترجمات اللاتينية ومن ثم في الترجمة الانجليزية وغيرها وهذه الإضافات الصغيرة تشكل
في أغلبها حواشي إيضاحية . 4-
اللغة الأصلية : يتفق كل العلماء على أن " بقية سفر
أستير " كتبت أصلاً باللغة اليونانية ، كما تؤكد كل الشواهد الداخلية
والخارجية ، إلا أن النص اليوناني ، وصل إلينا في صورتين تختلفان فيما بينهما
اختلافاً ملحوظاً . 5-
النسخ المختلفة :
1-
النص الشائع وتؤيده المخطوطتان
الفاتيكانية والإسكندرانية ، كما يؤيده يوسيفوس .
2-
مراجعة منقحة للنص السابق موجودة
في المخطوطات 19 ، 93 أ ، 108 ب . ولكن يوجد النصان في المخطوطتين الأخيرتين
في آن واحد . وتعزى هذه النسخة المنقحة إلى بوشيان . ويقدم لنا فريتزشيه (
1871 ) وسويته ( 1891 ) كلا من النصين اليونانيين في ترجمتهما للسبعينية ،
وكذلك فعل شولتز في تعليقه باللغة الألمانية على سفــــــر أستير ( 1892 ) .
تاريخ هذه
الإضافات : يتفق جميع العلماء في العصر الحديث على أن " بقية سفر أستير "
كتبت بعد كتابة السفر القانوني بعشرات السنين ، ولعلنا لا نخطيء إذا رجعنا
بتاريــــــخ كتابة " بقية سفر أستير " إلى عام 100 ق . م . فإنه لمن الجلي ،
أننا ندين بتلك الإضافات لأحد الغيورين من اليهود أراد أن يضفي على السفر
مسحة دينية ، فقد اتحد يوحنا هيركانوس في سنواته الأخيرة ( 135 - 103 ق . م )
مع جماعة الصدوقيين أو العقلانيين ، بعد أن ترك جماعة الفريسيين الأرثوذكسيين
الذين كان ينتمي إلهم المكابيون حتى ذلك الوقت ، لهذا فلعلنا ندين بهذه
الإضافات للغيرة والحماسة اللتين تأججتا بين اليهود الأرثوذكسيين من جراء
النزعة العقلانية التي تزايدت في تلك الأيام .
ويرجح د .
هـ . تشارلز - في دائرة المعارف البريطانية - أن تاريخ كتابة هذه الإضافات
يعود إلى صدر العصر المكابي ! !
|