عوبديا -نبوة عوبديا

أولآً  -الكاتب :

   نبوة عوبديا هي السفر الرابع من أسفار الأنبياء الصغار ، وهي أقصر أسفار العهد القديم ، وليس في السفر ما يحدد شخصية الكاتب ، وإن كان يبدو من نبوته أنه كان أحد رعايا مملكة يهوذا . ومن المشكوك فيه جّداً أن يكون هو رئيس الخمسين الثالث الذي أرسله الملك أخزيا ليستدعي إيليا النبي ،كما جاء في كتاب "حياة الأنبياء "المنسوب زوراً إلى "أبيفانيوس " .كما أنه من غير المرجح ما جاء في أحد كتب التلمود إلىهودي من أنه كان دخيلاً من أصل أدومي . كما تحيط الشكوك بالرأي القائل أنه عوبديا الذي كان على بيت أخآب الملك ( ارجع إلى البند 13 من المبحث السابق عن عوبديا ) .

ثانياً -موضوع النبوة :

الموضوع البارز في نبوة عوبديا هو توبيخ النبي للأدوميين لأجل كبريائهم وشماتتهم في ما أصاب أورشليم وشعبها . ويمكن تلخيص النبوة في :

(1) الرب يدعو الأمم للقضاء على أدوم المتكبر ، فسيجبر رجال عيسو على الانحدار من حصونهم في معاقل الجبال ، وستنهب كنوزهم المخبوءة ، وسينقلب علىهم حلفاؤهم ، ولن يستطيع حكماء أدوم وأبطالها أن يحولوا دون الكارثة ( الأعداد 1-9) .

(2) إن القضاء على أدوم إنما هو نتيجة لما أبدته من عنف وقساوة من نحو أخيه يعقوب . ويصف النبي القساوة والشماتة الواضحة من المصيبة التي حلت بأخيه عندما سبت الأعاجم قدرته ، ودخل الغرباء أبوابه ( الأعداد 10-14) .

(3) إن يوم الرب لعقاب كل الأمم حسب شرورهم قريب، فُيدمر أدوم تدميراً كاملاً، من الشعب الذي حاول أن يستأصله ، بينما يعود مسبيو إسرائيل ليمتلكوا أرضهم ويستولوا على جبل عيسو ، وهكذا يتثبت ملكوت الرب ( الأعداد 15: 21) .

ثالثاً - وحدة السفر :

كان أول من أنكر وحدة السفر هو "إكهورن" (Eickhorn) في 1824 ، فزعم أن الأعداد من 17-21 هي إضافة إلى النبوة الأصلية - التي تعود إلى زمن السبي - في عصر "ألكسندر يانيوس" (104-78 ق.م.) . وزعم "إيوالد" (Ewald) أن أحد أنبياء السبي (الذي نسب إلىه الأعداد 11-14 ،19 -21) قد استخدم نبوة قديمة لنبي اسمه عوبديا (الأعداد 1-10)، ونبوة من نبي آخر كان -مثل عوبديا - معاصراً لإشعياء (الأعداد 15- 18) .وينسب "ولهازون" (Wellhausen) إلى عوبديا الأعداد 1-5, و7 و10 و11 و13 و14 و15ب ، ويرى أن باقي النبوة إضافة متأخرة .ويقول "بارتون " (Barton) و" بيور"(Bewer) إن الأعداد 1-6هي نبوة لعوبديا تعود إلى ما قبل السبي ، اقتبسها إرميا ،ثم أضاف إلىها عوبديا آخر الأعداد 7-15 في أوائل أيام ما بعد السبي . أما الأعداد 16-21 فإضافة يرجح أنها تعود إلى أزمنة المكابيين .

وكل هذه التقسيمات تبدو متطرفة ، والأفضل أن نقرأ السفر كما هو كوحدة واحدة ، وبذلك نخرج بجوهر الرسالة ، كما هي الآن .

  رابعاً -تاريخ كاتب النبوة :

   يلزم حل بعض المسائل الأساسية قبل البت في موضوع تاريخ الكتابة .

(I)   العلاقة بين نبوة عوبديا والأصحاح التاسع والأربعين من سفر إرميا :

(1) هل اقتبس عوبديا من إرميا ؟ يبين "بوسي" (Pusey) استحالة ذلك بالقول : إنه من بين 16 آيه من نبوة إرميا ضد أدوم ،لا تطابق منها أقوال عوبديا سوى أربعة أعداد ، وآية أخرى تتضمن آية من عوبديا ، أما الإحدى عشرة آية الباقية ، فمنها عشر آيات تشتمل على بعض الكلمات والمصطلحات التي تتكرر كثيراً في نبوة إرميا سواء في نبواته ضد الأمم الأجنبية أو في نبواته بعامة .ويبدو من المستبعد جداً أن يقوم نبي باختيار آيات من نبوة إرميا، فلا يختار سوي هذه الآيات بالذات التي لا تظهر فيها التعبيرات المميزة لنبوة إرميا، بينما هذا يبدو صحيحاً لو أن إرميا قد أدمج في نبوته بعض آيات من نبوة عوبديا ، حيث لا يوجد في هذه الآيات تعبير استخدمه إرميا في غير هذا الموضع .

(1)  هل اقتبس إرميا من عوبديا؟ مما لا يُصدق أن نبوة قوية معبّرة مثل نبوة عوبديا يمكن أن تكون تلفيقاً من جملة اقتباسات من نبوة إرميا ، ولكن يحتمل أن إرميا قد أخذ من عوبديا الكثير من التعبيرات التي تتفق مع غرضه . ولكن ثمة صعاب في تطبيق هذا الرأي على مجرد آية أو آيتين ، وإن لم يكن من السهل دحضه .

(2) هل اقتبس عوبديا وإرميا من نبوات أقدم منهما ؟ هذا هو الحل الأمثل عند العلماء المحدثين ، الذين يرون أن عوبديا يحتفظ لنا بقوة الأصل ، بينما يقتبس منه إرميا بأكثر حرية . بينما يقول " بيور" "إن عوبديا اقتبس الأعداد 1-9 من نبوة أقدم ، يحتفظ لنا إرميا بأصلها بصورة أفضل في الأصحاح التاسع والأربعين " .

ولكن الدارس المدقق يستطيع أن يستخلص الرأى لنفسه بالمقارنة بين عوبديا 1-4، مع إرميا 49 و14-16، وعوبديا  5 و6 مع إرميا 49: 9 و10أ، وعوبديا مع إرميا 49: 7، وعوبديا 9أ مع إرميا 49: 22ب . وبوجه عام يبدو أن إرميا الذي كثيراً ما يقتبس من أنبياء سابقين ، يقتبس - مع بعض التصرف -من عوبديا .

(II)  العلاقة بين عوبديا ويوئيل : يبدو أن هناك إشارة مباشرة في يوئيل (2: 32) إلى عوبديا (17) .فإذا كان يوئيل قد تنبأ في أيام الملك الصغير يوآش (نحو 830 ق. م. ) فإن عوبديا يكون -بناء على هذا الفرض -سابقاً لهذا التاريخ .

(ج) أي هجوم على أورشليم تشير إلىه الآيات 10-14؟ لابد أن الكارثة كانت من الشدة بحيث توصف " بالهلاك"(عو 12) .لذلك يجمع غالبية العلماء بين وصف عوبديا وتدمير أورشليم على يد الكلدانيين في 587 ق.م. ومما يستلفت النظر على أساس هذا الفرض أنه ليس ثمة تلميح سواء في عوبديا أو في إرميا 49: 7- 22- إلى الكلدانيين ، أو إلى تدمير الهيكل ، أو إلى الإجلاء الشامل لسكان أورشليم إلى بابل . ونحن نعرف من حزقيال (35: 1- 15) والمزمور (137: 7) أن آدوم قد ابتهجت بخراب أورشليم على يد الكلدانيين في 587 ق. م. ، وأنهم شجعوا المخربين على محو المدينة تماماً . فواضح أن أحداث 587 ق.م، تتفق تماماً مع لغة عوبديا (10-14) . ولكن يقول "بوسي" (Pusey) إن صيغة النهي في عوبديا (12- 14) تدل على أن أدوم لم تكن ارتكبت بعد هذه الخطايا التي يحذرها منها النبي، وعلىه لم تكن أورشليم قد تعرضت في وقت النبوة للدمار. ولكن غالبية العلماء المحدثين يفسرون لغة هذه الأعداد ( عو 12-14) على أنها تشير إلى أحداث قد وقعت فعلاً ، فالنبي يتكلم عما فعله الأدوميون ، باعتباره شيئاً لم يكن يجب أن يفعلوه .

أما العلماء الذين يقولون إن عوبديا أقدم عهداً من ذلك ، فيقولون أنه خدم في يهوذا في أيام الملك يهورام ( نحو 845 ق. م. ) . فسفرا الملوك الثاني وأخبار الأيام الثاني ، يذكران تمرد أدوم في أيام يهورام ، واستقلالها عن يهوذا ( 2 مل 8: 20- 22، 2 أخ 21: 8- 10). وعقب عصيان أدوم بقليل ، زحف الفلسطينيون والعرب على يهوذا و "افتتحوها وسبوا كل الأموال الموجودة في بيت الملك مع بنيه ونسائه أيضاً ، ولم يبق له ابن إلا يهو آحاز أصغر بنيه " ( 2 أخ 21: 16, 17) ، فواضح أن أورشليم العاصمة قد سقطت في أيدي الغزاة ، فكانت الكارثة غير هينة .

والذين ينسبون نبوة عوبديا إلى زمن متأخر ، يستندون إلى ثلاث نقاط تضعف من افتراض أنه تنبأ في زمن مبكر :

(1)  عدم ذكر سفر الملوك لغزو الفلسطينين والعرب . ولكن ماذا كان الدافع عند كاتب سفر الأخبار لتسجيل هذه القصة ؟ .

(2)  عدم ذكر تدمير المدينة بواسطة الفلسطينين والعرب ، مما يدعم القول بأن أحداث 587ق. م. أكثر انطباقاً على وصف عوبديا ( 10- 14) . ولو أن الكارثة حدثت في أيام يهورام فلابد أنها كانت رهيبه.

(3) عدم ذكر أدوم في أخبار الأيام الثاني ( 21: 16 و17) .ولكن يجب أن نذكر أيضاً صمت الأسفار التاريخية عن ذكر الدور الذي لعبته أدوم عند عزو الكلدانيين لأورشليم.

    ومن الحق أن نذكر أن أنبياء عصر السبي وما بعده ، وكذلك بعض أصحاب المزامير ، ويتحدثون بمرارة عن موقف أدوم المعادي من الشعب القديم ( انظر مراثي 4: 21 و22، حز 25: 12-14 ،35: 1-5، مز 137: 7، ملاخي 1: 1-5، انظر أيضاً إش 34،63: 1-6)، ولكن من الحق أيضاً أن الأسفار السابقة للسبي تشهد عن العداوة اللدودة بين عيسو ويعقوب (تك 25: 22، 23، 27: 41، عد 20: 14- 21) . كما أن عاموس وهو من الأنبياء المبكرين ، يستنكر تلك القساوة غير الطبيعية التي أبداها أدوم نحو أخيه ( عا 1: 11 و12مع يؤ 3: 19).

(د) أسلوب عوبديا : كان أسلوب عوبديا موضع إعجاب النقاد في الماضي ، لكن بعض النقاد المحدثين يزعمون أن النبوة ليست من قلم كاتب واحد ، للاختلاف الملحوظ في أسلوب الآيات الواحدة والعشرين ، التي يتكون منها السفر . فيقول أحدهم ("سلبي"-Selbie ) إنه "يوجد اختلاف في الأسلوب بين النصف الأول والنصف الثاني من النبوة . فالنصف الأول موجز محكم مفعم بالحيوية ، ويزخر بالصور المجازية الرائعة الأخّاذة ،بينما يميل في النصف الثاني إلى الإطناب ، كما تبدو الفكرة ضعيفة والمجاز ركيكاً " . لكن هذا الوصف للنصف الثاني من السفر فيه مغالاة واضحة ، وإن كان من المسلم به أن النصف الأول أبلغ وأفصح . ولغة السفر في العبرية لغة فصيحة في مجملها ، قلما تخالطها كلمات أو تراكيب أرامية . ولعل الكاتب عاش في العصر الذهبي للغة العبرية وآدابها .

(ه) الإشارات الجغرافية التاريخية : الإشارات إلى مختلف المناطق والمدن في أرض إسرائيل وفي أرض أدوم صحيحة تماماً . أما من جهة "صفارد" (العدد 20) فتختلف حولها الآراء ، فالبعض (شرادر وآخرون )يقولون إنها "شاباردا" في بلاد ميديا ، وقد ورد ذكرها في حوليات سرجون (722- 705ق. م. )ويظن الكثيرون أنها إشارة إلى أسيا الصغرى أو إلى منطقة فيها ، جاء ذكرها في النقوش الفارسية ، ولعلها بيثينية أو غلاطية (كما يقول "سايك"-(Sayce))

ويرى البعض ان ذكر "سبي هذا الجيش العظيم من بني إسرائيل "،و"سبي أورشليم" (عد 20) يدل على أن كلا السبيين الأشوري والبابلي كان قد حدث فيما مضى ، وهو دليل له قوته، ولكن علينا أن نذكر ان عاموس-في النصف الأول من القرن الثامن قبل الميلاد -يتكلم عن "سبي كامل " من أرض إسرائيل حدث على يد تجار العبيد (عا 1: 6- 10) .وهكذا يبدو أنه ليس من السهل الجزم بتاريخ كتابة نبوة عوبديا ، إذ يمتد التاريخ المحتمل ما بين 845 ق.م .إلى ما بعد 587 ق.م .بقليل .

خامساً-مرمى نبوة عوبديا :

تبرز نبوة عوبديا ثلاث نقاط أساسية :

(1)  يؤكد عوبديا أربع مرات أنه يتكلم بوحي من الله (1و4 و8 و18) .

(2)  إن دينونة الله أكيدة على الأمم ، وستحل الدينونة على أدوم لما أبدته من عداء وشماتة وقسوة لإسرائيل التي ستعاقب بدورها ، وأخيراً ستدان كل الأمم في يوم الرب (15) .

(3) ملكوت الله : فإن الهدف النهائي هو أنه سيكون "الملك للرب"(عو 21،ارجع إلى رؤ 11: 15).ورجاؤه في رد شعبه لا ينبع من وطنيته فحسب ،بل لأنه يرى في ردهم وخلاصهم، قيام ملكوت الله ، الذي سوف يتميز بالنجاة والقداسة (عو 17) ، وهو ما يوضحه العهد الجديد.