ترجمة الكتاب المقدس السريانية
د/ أحمد الجمل ـ أستاذ اللغة الآرامية السريانية
بكلية اللغات والترجمة ، جامعة الأزهر ، القاهرة
Algamal63@hotmail.com
موقع المؤلف www.algamal63.jeeran.com
د/ أحمد الجمل ـ أستاذ اللغة الآرامية السريانية
بكلية اللغات والترجمة ، جامعة الأزهر ، القاهرة
Algamal63@hotmail.com
موقع المؤلف www.algamal63.jeeran.com
§ ترجمة العهد القديم (الترجمة البسيطة):
لم يكن لدينا معلومات وثيقة عن الظروف التي تمت فيها الترجمة ولكننا نستطيع أن نتبين معالم هذا الموضوع من بعض الآراء التي بنت رأيها على ماورد في كتب التاريخ. فهناك من يرى أن يهود بيت المقدس كانت لديهم ترجمة باللهجة الآرامية لأسفار موسى الخمسة وهي المعروفة باسم "الترجوم", والراجح أيضا أن نسخة من هذه الترجمة وجدت طريقها إلى حذيب وقام بكتابتها باللهجة السريانية جماعة من اليهود الذين هاجروا من فلسطين إلى حذيب واستقروا فيها سنوات, وهناك من يرى أن ترجمة العهد القديم جاءت نتيجة عمل قام به اليهود الذين كانوا يقيمون في الرها في بداية العصر المسيحي, ونرى أن الرأي الأول أقرب إلى الصواب.
ولم يتم نقل ترجمة العهد القديم بعمل واحد متصل, فالأسفار التي تتألف منها قد ترجمت في أزمنة مختلفة, وهذه الترجمات قد أخذتها الكنيسة المسيحية فأتمتها وهذبت أسلوبها, واتخذت من هذا النص الموسع نموذجا مثاليا نقلت عنه أكثر مخطوطات العهد القديم وهي المعروفة بالترجمة البسيطة.
وعلى الرغم من أن الترجمة البسيطة مأخوذة من العبرية, وتعكس التقليد الترجومي إلا أن تأثير الترجمة السبعينية · فيها ملموس, ونرى ذلك في أسفار التوراة الخمسة, ونلمسه أكثر في سفر المزامير, وذلك يرجع لاحتمالين,
الأول: إما أن واضعي الترجمة البسيطة كانوا في نفس الوقت متمكنين من العبرية والآرامية واليونانية وكانوا يستعملون الترجوم والترجمة السبعينية للقيام بترجمتهم
وإما الثاني : أن تنقيحا للترجمة البسيطة كان مبنيا على الترجمة السبعينية حدث في وقت لاحق.
وفي نهاية القرن الخامس الميلادي, حين انفصل السريان الشرقيون الذين أصبحوا نساطرة عن السريان الغربيين, كان نص الترجمة البسيطة قد ثبت نهائيا إذ لا نلاحظ خلافات تذكر في الترجمات المتداولة لدى الفريقين.
الترجمات السريانية القديمة للعهد الجديد
للأناجيل ثلاث ترجمات قديمة:
1- الإنجيل المجمع, والــــذي أعده طاطيان وأسماه "دياطســـــرون" (أي مضمون الأناجيل الأربعة) وقد أطلق عليه السريان أحيانا اسم اونجليون دَ محَلطُا.
2- الأناجيل المنفصلة اونجليون دَ مفَرًشِا.
3- الترجمة البسيطة للعهد الجديد فشٍيطةُا.
أولا: الإنجيل المجمع (الدياطسرون):
الدياطسرون هو الاسم اليوناني لكتاب مضمون الأناجيل الأربعة, ومعناه "على الأربعة" وكان السريان يسمونه أيضا "الإنجيل المختلط" تمييزا له عن الأناجيل المتفرقة, وسمي في الترجمة العربية " الرباعي وقد جمع كاتبه سيرة المسيح وأعماله من الأناجيل اليونانية, فأخذ من المكرر من الأناجيل صورة واحدة, وسجل ما انفرد به كل إنجيل من الأناجيل الأربعة مراعيا النص الأصلي ما استطاع.
ويعد الدياطسرون أقدم صيغة للإنجيل السرياني, وقد وضع في البداية باللغة اليونانية, ويحتمل أن يكون قد حدث ذلك في روما ثم نقله إلى السريانية, وقد بقي الدياطسرون مستعملا رغم قيام تراجم سريانية كاملة أخرى حتى القرن التاسع. ولكنه ضاع بعد ذلك, أما تفسيره الذي كتبه مار أفريم فهو محفوظ في ترجمة نشرها موسنجر باللاتينية عام 1876م, وهناك ترجمة عربية للدياطسرون منسوبة للأبي الفرج بن الطيب نشرت وترجمت إلى اللاتينية قتم بها شياسكا, وهناك ترجمة إنجليزية نُقلت عن العربية موجودة الآن في كتاب د/هاملين هيل "أقدم قصة عن حياة المسيح مستخلصة من الأناجيل الآرامية".
أما كاتب الدياطسرون فهو طاطيان من بلاد آشور وهي البلاد الواقعة بن دجلة وجبال أرميديا, وُلد طاطيان (120-180م) في حذيب الواقعة شرق نهر دجلة في أحضان أسرة نبيلة غنية, وكانت لغة أمه السريانية وهي اللغ ة التي كان يتكلمها أهل آشور في ذلك الحين, وتلقى دراسة عالية في الآداب والفلسفة, وكان رجلا موهوبا, فأراد التبحر في العلم, فرحل إلى بلاد الغرب ودرس حضارة اليونان, وعقب عودته إلى الشرق بدأ في وضع الدياطسرون.
ثانيا: الأناجيل المنفصلة:
يرى دوفال (باريس 1907م) نقلا عن كتاب "الأدب السرياني" أن أول ترجمة سريانية للأناجيل الأربعة من اليونانية ترقى تقريبا إلى عام 200م, وكان المترجم متعودا على الدياطسرون الذي تبنى في الغالب أسلوبه التعبيري, وتعتبر الأناجيل المنفصلة ذو قيمة تحقيقية كبيرة لأنها ترجمة مباشرة من اليونانية توضح لنا النص الذي كان يستعمل في أنطاكية في نهاية القرن الثاني الميلادي.
وتذكر المصادر أن ربولا أسقف الرها (435م) منع استخدام الدياطسرون في الكنائس والأديرة وأمر الكهنة والشمامسة أن يحرصوا على توفير نسخة من الأناجيل المنفصلة في كل كنائسهم.
ثالثا: الترجمة البسيطة للعهد الجديد فشٍيطةُا:
إن الترجمة البسيطة للعهد الجديد يعتقد أنها أجريت خلال القرن الرابع أو الخامس, وكانت تضم أولا الأناجيل الأربعة ثم شملت أعمال الرسل والرسائل, ويمكننا القول بأن الترجمة البسيطة ليست ترجمة جديدة أجريت على نص يوناني صادر عن أنطاكية بل هي مراجعة للنصوص القديمة.
وقد كان نص الترجمة البسيطة للعهد الجديد, تماما مثل الترجمة البسيطة للعهد القديم, حيث ثبت نهائيا في نهاية القرن الخامس الميلادي في فترة الانشقاق الذي وقع بين السريان الغربيين والسريان الشرقيين, ونحن لانجد فرقا بين النصوص المقبولة لدى الجماعتين.
وذكر د/ يوسف فوزي في مقالته "الترجمات السريانية للكتاب المقدس" (مجلة المجمع العلمي العراقي عدد 11 لسنة 1987م) أما فيما يتعلق باللغة التي كُتب بها العهد الجديد فنقول ما يلي: كلنا نعلم أن أن أسفار العهد الجديد المقبولة في الكنيسة قُبلت جميعها بنصها اليوناني, ولكن الأناجيل الأربعة وغيرها من أسفار العهد الجديد تتضمن كلمات آرامية قليلة وتعابير آرامية كثيرة, وهذا أمر طبيعي جدا: ذلك لأن المسيح ورسله وتلاميذه الذين دونوا أسفار العهد الجديد كانوا ينطقون جميعهم اللغة الآرامية. فلا عجب إذن أن يكونوا قد كتبوها بلغة يونانية, أعني لغة الأقوام الذين كانوا تحت نفوذ اليونانين وكانوات متأثرين بثقافتهم ويستعملون يونانية سهلة ومبسطة يفهمها الشعب اليهودي أو الآرامي.
كما أننا نعلم وبصورة أكيدة أن إنجيل متى كان في الأصل مكتوبا بالآرامية بشكله البدائي, ولكنه لم يصلنا من هذا الأصل أي شئ, وأن كتبة الأناجيل اعتمدوا في تدوين أناجيلهم اليونانية التي وصلت إلينا بعد أن قبلتها الكنيسة, على مختصرات آرامية كانت عبارة عن مجموعة آرامية لأهم أقوال المسيح وخطبه مثلما سمعها منه الرسل وكتبوها بإيجاز لكي تسهل عليهم مهمة التبشير بتعليمه ودينه, كما أن هذه المجموعة الآرامية (وهي النواة الأولى والأصلية للأناجيل) كانت تتضمن أهم ما حدث للمسيح خلال ما يقرب من ثلاث سنين من حياته. ولكن وبكل أسف, بقصد أو بدون قصد) ضاع النص الآرامي الأوّلي للإنجيل, ولا زلنا نعتمد على ترجمات النص اليوناني لأسفار العهد الجديد برُمِّتها, لكن الأبحاث الجديدة في هذا المجال تميل إلى إظهار دور الأرامية كأساس وأصل لنشأة أول إنجيل كُتب ومن ثَم فُقِد, ومن ياترى يستطيع أن يكتشفه في المستقبل ، علم ذلك عند ربي .
إلى موقع المؤلف
_________________________
·) الترجمة السبعينية هي ترجمة العهد القديم إلى اللغة اليونانية, وسميت بالسبعينية بناء على التقليد المتواتر بأنه قد قام بها سبعون أو اثنان وسبعون كاهنا يهوديا في مدينة الإسكندرية, وكانت الإسكندرية مقرا لعدد ضخم من يهود الشتات, وكان يهود الاسكندرية يتحدثون اليونانية, ومن هنا كانت الحاجة الماسة إلى ترجمة العهد القديم إلى لغتهم الثانية.
تعليق