الفصل الثاني : أقسام الحكم الوضعي و التكليف والمكلف
أولا : السبب
1- العلامة المعرفة للحكم : دلوك الشمس سبب لصلاة الظهر(أَقِمْ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً (78) فلولا دلوك الشمس لما وجبت صلاة الظهر ملك النصاب سببا للزكاة – الحصاد سببا لزكاة الزر وع ( وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهاً وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (141)1- علة الحكم منتفية الموانع : كقولنا أن الرجم سببه الزنا والقطع سببه السرقةقد يطلق البعض السبب الوضعي على ما لا يعرف حكمته وأما ما عرفت حكمته فيسمونه علة ولا يسمونه سببا ويرى بعض الفقهاء أن السبب اعم من العلة ويطلقونه على ما عرفت حكمته وما لم تعرف حكمته
ثانيا : الشرط
مثل شرط الطهارة للصلاة – وشرط إحالة الحول على المال الذي بلغ نصاب الزكاة - فيلزم لصحة الصلاة الطهارة ولا يلزم من وجود الطهارة وجود الصلاة
ثالثا : المانع
مثل قتل الوارث لمورثه مانع من الميراث- و الدين الحال مانع من الزكاة – و اختلاف الدين مانع من الإرث - قال القائل ويمنع الشخص من الميراث واحدة من علل ثلاث قتل ورق واختلاف دين فافهم فليس الشك كاليقين - و الحيض مانع من الصلاة –أي عند وجود الحيض فيكون مانع للصلاة ولا يشترط أن المرأة التي انتفى عنها الحيض أن تصلى أي لا يلزم من عدمه وجود ولا عدم
رابعا : الصحة
خامسا : الفساد
فساد العبادة : أي لا تبرأ بها الذمة ولا يترتب على فعلها ثواب
فساد العقد : ألا يترتب علية أثارة وشروطه المتعاقد عليها والفاسد والباطل عند الجمهور سواء
تقسيم الأحناف للفاسد
الفاسد: ما شرع في أصلة ولم يشرع بوصفة ( ومثاله العقود الربوية كأن يبيع الدرهم بدرهمين ) ( وبيع زجاجة من الخمر بعشرة دراهم مثلا )
الباطل : ما لم يشرع بأصلة ولا بوصفة ( ومثالة أن يبيع رجل إلى رجل أخر ابن الناقة الذي لم يولد بعد ) هنا ابن الناقة معدوم غير موجود وقت إبرام العقد
والفرق عندهم بين الفاسد والباطل أن الفاسد إذا تعلق بالقبض ينتج بعض أثاره فإذا تعلق العقد بالقبض انتقلت ملكية المبيع الخبيث ويمكن إصلاحه
كان نبحث عن سبب الفساد في العقد ونصلحه حتى يصبح صحيحا
ووقع مثل ذلك للحنابلة
حيث فرقوا في الزواج بين الباطل والفاسد فقالوا أن الفاسد ما اختل ركن من أركانه مثل إذا تزوجت امرأة في العدة يكون العقد باطل
أما إذا اختل شرط من الشروط كالزواج بغير ولى يكون عقدا فاسدا
صفة العبادات
الأداء : هو أداء العبادة في وقتها دون خلل
القضاء : هو أداء العبادة بعد فوات وقتها
الإعادة : هو فعل العبادة مرة أخرى بعد سابقة أدائها بفعل مختل( والمختل ما اختل شرط من شروطه أو ركن من أركانه ) مثل من شرب عامدا في نهار رمضان أو من تكلم في الصلاة بكلام خارج عنها أما ما نقص ثوابه يجوز إعادته كمن صلى منفردا سن له الإعادة في جماعة للحصول على الثواب وإن ادى جميع الأركان صحيحة
2- الواجبات غير الموقوتة : مثل الكفارات أو النذور لا يوصف بالأداء ولا القضاء وإنما يوصف بالإعادة فقط إذا اختل احد أركانه
3- العزيمة –الرخصة: العزيمة هي أداء العبادة كما طلبها الشارع ابتدأ- أما الرخصة هي التخفيف لعذر معين مثل أكل الميتة للمضطر وقصر الصلاة للمسافر والفطر للمسافر في نهار رمضان ففي الحديث الذي رواه الشيخان ( فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيدت صلاة الحضر ) وغيرها
أركان التكليف
المكلَف : هو البالغ العاقل
المكلف به : الفعل أو الترك
شروط التكليف
شروط ترجع إلى المكلَف نفسه
مسألة : هل الصبي المميز مكلف ؟ الجمهور على انه غير مكلف للحديث السابق – وذهب الحنابلة إلى تكليفه في الصلاة فقط لأمر النبي بضرب الصبي على الصلاة لعشر سنين وحجتهم انه لو لم يكن مكلف لما أمر بضربة وعند بعض المالكية أن عمله قبل البلوغ مندوب في الطاعات ولا يعاقب على المحرمات
2- العقل : قال صلى الله عليه وسلم ( رفع القلم عن ثلاث منها المجنون حتى يفيق )
مسألة : هل أفعال المجنون تنتج أثرا ؟لا تنتج أي أثر إلا في حالة واحدة إذا تعلق فعله بضرر الغير ففي هذه الحالة لا يؤاخذ علية في الآخرة أما في الدنيا فعلى ولية ضمان ما أتلفه ولا يطالب بقضاء ما فاته من صلوات وعبادات إذا أفاق من جنونه على مذهب الجمهور وذهب أبي حنيفة إلى انه إذا أفاق أخر اليوم فعلية قضاء ما فاته في أول اليوم من صلوات . 3- القدرة على الاختيار : أي لا يكون مكرها على الفعل ولا يكون مكرها على الترك قال تعالى (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اسْتَحَبُّوا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَأَنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (107)4- العلم بالتكليف : قال تعالى (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً (15)
الموانع المتعلقة بالتكليف
شروط تختلف باختلاف المكلف
الحر والعبد- تفرض صلاة الجمعة والجهاد على الحر دون العبد
شروط ترجع إلى المأمور به
2- ان يكون ممكنا – ذهب الأشاعره إلى جواز التكليف بما لا يطاق ( أي التكليف بالمحال ) وحجتهم في ذلك انه يكون للاختبار والابتلاء والمحال هنا يعني استحالة أداء الفعل كأن يأمر إنسان بالطيران فقالوا انه جائز عقلا واستدلوا عليه بأمر الله للكافر أن يؤمن وقد قضى عليه أزلا انه لن يؤمن فيكون الأمر هنا بالمحال وكذلك توجيه الأمر بالإيمان لأبي لهب رغم انه سبحانه وتعالى قضى عليه أزلا انه لن يؤمن واستدلوا بقوله تعالى (وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) وقالوا لو لم يكن التكليف بما لا يطاق جائز لما كان لهذا الدعاء محل .الحقيقة أن هذا الكلام فيه نظر لان الدعاء بقولهم (وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ) يقصد به الامر الشاق وليس الامر المستحيل ومن وجه اخر ان كان ذلك ممكنا فإن الله استجاب لدعائهم كما في صحيح مسلم (عن ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية : { وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله } [ 2 / البقرة / آية 284 ] قال ، دخل قلوبهم منها شيء لم يدخل قلوبهم من شيء . فقال النبي صلى الله عليه وسلم " قولوا : سمعنا وأطعنا وسلمنا " قال ، فألقى الله الإيمان في قلوبهم . فأنزل الله تعالى : لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ( قال : قد فعلت ) ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ( قال : قد فعلت ) واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا ( قال : قد فعلت ) [ 2 / البقرة / آية - 286 ] . كما أن أمر الله للعبد لا ينفي القدرة على الفعل ولا ينفي آلته فأله ألأداء موجودة وقد اثبت الله للعبد مشيئة ولنفسه سبحانه وتعالى مشيئة قال تعالى ( ولا تشاءون إلا أن يشاء الله ) وأمر الله يكون عبثا إذا أمر بشيء لا يستطيع العبد أداءه وحاشى لله عن ذلك فالعبد عندما ينهاه الله عن شرب الخمر مثلا تكون عنده القدرة على المعصية وإلا كان النهي عبثا إذا كان العبد لا يستطيع فعل المعصية كما أن علم الله بالنسبة لنا غيب لم نطلع عليه قال تعالى (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ) وقال تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ).اما من قال ان الله امر ابو لهب بالايمان وهذا من المحال فنقول انه لا يستحيل عقلا فالمحال ما يستحيل عقلا أما تكليف المحال فهو جائز شرعا والمحال هو من حال بينه وبين أمر الله حائل كالنائم تثبت في ذمته الصلاة وهو نائم ويقضيها إذا استيقظ من نومه والحائض يثبت في ذمتها الصيام عندما تحال عنه بالحيض وهكذا .
شروط التكليف عند الأحناف
أهلية الوجوب – وهي صلاحية الإنسان للتكليف سواء الأوامر من الله أو النواهي وعندهم أهلية الوجوب ملازمة للإنسان منذ أن خلقه الله ويسميها الفقهاء الذمة أي ذمة الإنسان تكون صالحة لتحمل الحقوق والواجبات وتثبت أهلية الوجوب للنائم والمغمى علية والمكره والمجنون والساهي لان شرطها ثبوت الحياة للإنسان فتكون له أهلية وجوب وهذا الشرط محقق في النائم والمكره والمغمى عليه والساهي ولا تفارقه منذ ولادته حتى وفاته.
مسألة : هل تثبت للجنين أهلية الوجوب؟
ذهب الأحناف إلى أن أهلية الوجوب بالنسبة للجنين تكون ناقصة وهو في بطن أمه فتثبت له الحقوق مثل حق الميراث بشرط أن يولد الجنين حيا ولو للحظة واحدة بعد مولدة فإن مات بعد تلك اللحظة التي ولد فيها حيا قسم المال على ورثته وأما إذا ولد ميتا لا يثبت له هذا الحق في حين انه لا تثبت في ذمته الواجبات فإذا ولد الجنين حيا ثبتت له أهلية الوجوب
أهلية الأداء – وهي صلاحية الإنسان في أن يؤدي متطلبات الشارع من أوامر ونواهي وأهلية الأداء لها شروط – ( التميز ) أي يعتد بأفعال الإنسان المميز من أفعال وأقوال - وينقسم إلى قسمين مميز لم يبلغ سن الرشد فتكون أهلية الأداء عنده ناقصة وقسم مميز بلغ سن الرشد فتكون أهلية الأداء كاملة – ( العقل ) لا تثبت أهلية الأداء للمجنون وتثبت ناقصة لضعيف الإدراك أو للمتخلف .
وعلى ذلك – يصح إسلام الصبي المميز وتصح صلاته وحجه وصيامه ونحو ذلك أما بخصوص ما تعلق منها بحقوق العباد فجري تقسيمها إلى
ما كان منها نافعا نفعا محضا - كقبول الصدقة مثلا فهي تصح وتنفذ وقبول الهبة
التصرفات الضارة ضررا محضا – كدفع الصدقة ودفع الهبة وضمان عقود الغير وعتق العبيد وهذه لا تصح من الصبي المميز ولا من ضعيف الإدراك والمعتوه وإن أجازها الولي لا تصح من الصبي
تصرفات بين النفع والضرر – التصرفات التي قد يتعلق بها الضرر أو النفع مثل البيع والشراء الإجارة النكاح فهذه التصرفات متوقفة على إقرار الولي لها فإن اقرها الولي نفذت وأنتجت أثرها وإن لم يقرها الولي لم تنتج أثرها