بسم الله الرحمن الرحيم
يقول القس \” سواجارت \” (وهم يقولون – يقصد المسلمين – إن تلك الأسفار الأصلية التي أنزلها الله وهي التوراة، والإنجيل، قد فقدت و لا أظن أن في مقدور أحد أن يخبرنا أين فقدت؟ ولا متى فقدت؟ ولا كيف فقدت؟ ).
وهذا السؤال الذي ساقه \” سواجارت \” لون من الخداع والتلاعب بالألفاظ، لأن الذي يقوله علماء المسلمين ويؤكدون عليه أن الكتب والأسفار التي بين يدي اليهود والنصارى الآن دخلها التحريف والتبديل والزيادة قبل مجيء الإسلام وبعثة محمد – عليه الصلاة والسلام – واستمر الأمر حتى بعد بعثته – صلى الله عليه وسلم -…ولا يقول أحد من علماء المسلمين إن جميع ما جاء به موسى وعيسى قد فقد.. بل الحق أن ما لديهم من أسفار يجمع بين الحق والباطل والغث والسمين، ونقول للمبشرين والقسس على اختلاف مذاهبهم دعوا هذا السؤال لأنه لا قيمة له لما يأتي:
نحن لسنا بصدد القبض على من قام أو قاموا بالتحريف، و لا يهمنا معرفة زمان أو مكان وقوع التحريف.. ان الشيء المهم في هذا الصدد هو بيان وقوع التحريف والعثور على أمثلة توضح بما لا يدع مجالاً للشك وقوع هذا التحريف، وهذا هو ما أثبته الباحثين المنصفين الذين درسوا الكتاب المقدس ووجدوا فيه ما وجدوا من أمور تجافي وحي السماء، وأخطاء و تناقضات لا تقع إلا في كلام البشر.
هب أن شخصاً أمسك بيد قسيس إلى خارج الكنيسة، وقال له: أنظر إلى هذا القتيل الذي أمامك. فقال القسيس: لا، لن أصدق حتى تخبرني: متى ومن ولماذا وكيف قتل؟!! لو حدث هذا ماذا يقول الناس عن هذا القسيس؟!
وهذا يشبه تماماً موقف المبشرين من قضية تحريف الانجيل، إنك تضع أيديهم على مئات الأمثلة وتبين لهم بالمحسوس التحريف الواضح والاختلاف البين بين إنجيل وإنجيل ونسخة ونسخة ولكنهم يتمتمون.. لا.. لن نصدق. أخبرونا أين ومتى وكيف ولماذا حدث هذا؟!
الكتاب المقدس ينص على إمكانية تحريفه:
يتساءل بعض المسيحيين الذين يتجاهلون الشواهد والأدلة الدالة على تحريف كتابهم المقدس قائلين: عندما يعطى الله الإنسان كتابا من عنده فهل تظن أنه لا يستطيع المحافظة علية من عبث البشر؟
الجواب:
نعم إن الله قادر على أن يحفظ كلمته ولكنه – سبحانه وتعالى – اختار أن يوكل حفظ كلمته إلى علماء وأحبار اليهود اختبارا وامتحاناً لهم – كما سنرى – ولم يتكفل هو بحفظها فقد ترك حفظ كلمته بيدهم فكان حفظ الكتاب أمراً تكليفياً وحيث انه أمراً تكليفياً فهو قابل للطاعة والعصيان من قبل المكلفين فالرب استحفظهم على كتابه ولم يتكفل هو بحفظه وإليكم الأدلة من كتابكم المقدس على هذا:
جاء في سفر التثنية [4: 2] قول الرب:
((فالآن يا إسرائيل اسمع الفرائض والأحكام التي أنا أعلمكم لتعملوها لكي تحيوا وتدخلوا وتمتلكوا الأرض التي الرب اله آبائكم يعطيكم. لا تزيدوا على الكلام الذي أنا أوصيكم به ولا تنقصوا منه لكي تحفظوا وصايا الرب إلهكم التي أنا أوصيكم بها)) [ترجمة الفاندايك]
وجاء في سفر التثنية [12: 32] قول الرب:
((كل الكلام الذي أوصيكم به احرصوا لتعملوه لا تزد عليه ولا تنقص منه))
وجاء في سفر الأمثال [30: 5 6]:
((كل كلمة من الله نقية. ترس هو للمحتمين به. لا تزد على كلماته لئلا يوبخك فتكذّب))
وفي ختام الأسفار المقدسة، نقرأ هذا التحذير الشديد: ((لأَنِّي أَشهَدُ لِكُلِّ مَن يَسمَعُ أَقوَالَ نُبُوَّةِ هذا الكِتَابِ: إِن كَانَ أَحَدٌ يَزِيدُ عَلَى هذا يَزِيدُ اللّهُ عَلَيهِ الضَّرَبَاتِ المَكتُوبَةَ فِي هذا الكِتَابِ. وَإِن كَانَ أَحَدٌ يَحذِفُ مِن أَقوَالِ كِتَابِ هذهِ النٌّبُوَّةِ يَحذِفُ اللّهُ نَصِيبَهُ مِن سِفرِ الحَيَاةِ، وَمِنَ المَدِينَةِ المُقَدَّسَةِ، وَمِنَ المَكتُوبِ فِي هذا الكِتَابِ))
إن النصوص السابقة تحذر اليهود من أن يغيروا كلام الله سواء بالزيادة او بالنقصان.. وهذا يعني أن التحريف أمر وارد خصوصاً وان الكاتب جعل عقوبة من زاد شيئاً كذا وعقوبة من حذف شيئاً كذا.
يقول الدكتور شريف حمدي موضحاً:
إن أمر الله لهم بعدم تغيير الوصايا (عدم تحريفها) لهو اكبر دليل على ان هذا التحريف ممكن بل انه سيقع، كيف هذا؟
تعال نتصور الأمر ببساطه:
لو أن الأمر مستحيل، فلماذا ينهاهم الله عنه؟
أليس هذا عبثا وتضييعا للوقت؟!!
بمعنى لو أن البشر لا يمكنهم تحريف كلام الله، فلماذا يحذرهم الله من تحريف الكلام؟؟ هل في أمر الله لبنى اسرائيل بعدم تغيير وصايا الله، دليل على أنها يستحيل أن تغير؟ بالطبع لا…. لقد أمر الله بنى إسرائيل بوصايا كثيرة للغاية كقوله لهم: \” لا يكن لك آلهة أخرى امامى لا تصنع لك تمثالاً… \” خروج 20: 3. فهل يعنى هذا الأمر أنهم لم يعبدوا غيره وأنهم لم يصنعوا تماثيل أو صور وأنهم لم يعبدوها أبدا؟
التوراة مليئة بالأمثلة حول ارتداد بنى إسرائيل لعبادة البعل وغيرها من آلهة الوثنيين.
يقول الله – سبحانه وتعالى – عن التوراة التي كانت شريعة موسى – عليه السلام -، وشريعة الأنبياء من بعده حتى عيسى – عليه السلام -:
((إِنَّا أَنزَلنَا التَّورَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحكُمُ بِهَا النَّبِيٌّونَ الَّذِينَ أَسلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيٌّونَ وَالأَحبَارُ بِمَا استُحفِظُوا مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُوا عَلَيهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخشَوُا النَّاسَ وَاخشَونِ وَلاَ تَشتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّم يَحكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُولَـئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ)) [قرآن -المائدة: 44]
ومعنى (استحفظوا): أي أمروا بحفظه، فهناك حفظ، وهناك استحفاظ.
وإذا كان الأحبار والرهبان ممن جاء بعد لم يحفظوا، بل بدلوا وحرفوا، فليس معنى ذلك أن الله لم يقدر على حفظ كتابه حاشا وكلا ولكن المعنى: أن الله لم يتكفل بحفظه، بل جعل اليهود أمناء عليه.
ومن المعلوم أن هناك المئات من الرسل والانبياء جاؤوا بعد نوح – عليه السلام – ولم يتكفل الرب بحفظ رسائلهم سواء كانت شفوية أو مكتوبة وإلا فأين هي؟ مثال ذلك: صحف ابراهيم التي ذكرت في القرآن الكريم فلا وجود لها اليوم.
وأخيراً: لماذا نستكثر على اليهود التحريف وهم اليهود وما أدراك ما اليهود قتلوا الأنبياء بغير حق وصنعوا العجـــل وسجدوا له من دون الله وعبدوا الأصنام واستحلوا المحرمات وقذفوا العذراء الطاهرة مريم – عليها السلام – بتهمة الزنا وكفروا بالمسيح – عليه السلام -……. فهل نستكثر عليهم التحريف……
لقد أعلنت التوراة بكل وضوح أن اليهود سيفسدون ويقاومون الرب وكلامه، وذلك كلام موسى في التوراة بعد أن أوصاهم بوضعها بجانب التابوت وفيه كذلك:(لأني عارف تمردكم ورقابكم الصلبة، هوذا وأنا بعد حي معكم، اليوم صرتم تقاومون الرب، فكم بالحري بعد موتي) [تثنية 31: 27] .