كان كتاب مناهل العرفان من أهم واشمل ما كتب في هذا الموضوع – أي علوم القرآن – حيث إن مؤلفه تعرض فيه لأهم مباحث هذا العلم وأكثرها فائدة، كما قام بدمج الموضوعات، والأنواع المتشابهة في مبحث واحد، ولم يفرقها كما فعل غيره، مع صياغته لعبارة هذا الكتاب بأسلوب رفيع، ودملجة – أي تسوية – محكمة، في الوقت الذي جمع فيه مادته العلمية من مؤلفات كثيرة ومتنوعة، تزيد على المائة – حسب عزو المؤلف إليها، مع أنه تبين أن المؤلف كان يعزو إليها عن طريق كتاب آخر – ولم يكن نقل المؤلف واستفادته منها مقتصراً على بعض دون بعض.
ومع استفادة المؤلف من كلام غيره من أهل العلم إلا أن ذلك لم يحوله إلى مجرد ناقل لما يكتبون، بل له أسلوبه الخاص، ومنهجه المستقل في البحث والنظر، مع كون بعض مباحث هذا الكتاب تعد إعادة صياغة لما كتبه السيوطي في الإتقان.
لكن ذلك ليس بغالب على الكتاب ولله الحمد، فإن فيه مباحث ومسائل هامة، بل مباحث كاملة زائدة على البرهان للزركشي، والإتقان للسيوطي؛ الأمر الذي جعل من الكتاب مرجعاً مهماًيستقي منه من جاء بعد مؤلفه، ممن أراد التأليف في هذا الفن.
والمؤلف رحمه الله وإن لم يكن قد استوعب جميع أنواع هذا الفن إلا أنه أحاط بالضروري منها تقريباً.
ومع محاسن ومزايا الكتاب هذه إلا أن الكتاب لا يخلو من بعض الملحوظات والمآخذ المهمة، كتقرير مؤلفه لعقيدة الأشاعرة في عامة المواضع ذات التعلق بموضوع الاعتقاد، مع تلقيب الأشاعرة – دائماً – بـ أهل السنة، إضافة إلى النيل من أهل السنة والتشنيع عليهم في بعض المواضع!
كما وقع للمؤلف رحمه الله نوع من المجاراة لأصحاب التصوف في بعض عباراتهم ولحونهم.
هذا مع تأثر ظاهر بالعصر الذي عاش فيه المؤلف، حيث أصبح المسلك الدفاعي – عن الإسلام – سمة بارزة في ذلك الكتاب.
لذلك نجد المؤلف يكثر من إيراد الشبه بعد كل مبحث ثم يحاول الجواب عنها.
ومن الجدير بالذكر هنا أن بعض الشبه تعتبر من صنع المؤلف وتركيبه (انظر على سبيل المثال مناهل العرفان 1/ 80، 2/ 137) والبعض الآخر نطق به أعداء الإسلام، وثالث الأنواع هو عبارة عن أقوال لبعض الأئمة في مسائل متنوعة من أمور العلم التي يختلفون فيها …
وقد كان لمدرسة الأفغاني وتلميذه محمد عبده أثر بين في منهج الزرقاني. ومما يلاحظ على الكتاب غير ما سبق كثرة الاستطرادات مع شيء من الإسهاب إضافة إلى حاجته إلى توثيق في كثير من مادته، سواء في النقولات التي يوردها المؤلف، أو في كثير من مسائل العلم التي يقررها.
كما أنه بحاجة إلى صياغة متينة محكمة للتعاريف التي يوردها مؤلفه حيث إنه يصوغ كثيراً منها بطريقة إنشائية.