على الرغم من أن المسلمين لا يرتابون لحظة في موثوقية القرآن الكريم فإننا نعلم أن المستشرقين العاملين في هذا المجال ينظرون إلى كتابنا العزيز نظرتهم إلى التوراة والإنجيل بنسخهما العديدة ونصوصهما المحرفة، فجعلوه محلاً للعديد من البحوث والدراسات بغية إثارة الشبهات حول نصوصه. وقام المركز منذ السنوات الأولى في الألفية الثالثة بإعداد العديد من الدراسات في هذا المجال رداً على المستشرقين وذلك بالاستعانة بأحد المتخصصين المشهورين دولياً في علوم القرآن وهو الدكتور طيار التي قولاج الرئيس السابق لهيئة الشئون الدينية في تركيا، والعمل على تقديم هذه الدراسات منشورة للباحثين والدارسين
وكان العمل الأول الذي قام به إرسيكا هو نشره للمصحف المحفوظ في مكتبة متحف سراي طوبقابي باستانبول مع تصديره بدراسة علمية مستفيضة إرسيكا استانبول (۲۰۰۷م. كما قام إرسيكا بطباعة ونشر صورة طبق الأصل من ذلك المصحف. ثم أعقب ذلك إصدارنا للمصحف المحفوظ في المشهد الحسيني بالقاهرة (إرسيكا، استانبول (۲۰۰۹م). وواصل بعدها إرسيكا أعماله في هذا المجال دون توقف فأصدر مصحف صنعاء إرسيكا، استانبول ۲۰۱۱م). ثم مصحف متحف الفن الإسلامي بالقاهرة (إرسيكا، استانبول ۲۰۱٤م). وأخيراً مصحف باريس إرسيكا، استانبول ٢٠١٥م) فكانت تلك الأعمال إسهامات مهمة في بحوث تاريخ القرآن الكريم.
والذي نلاحظه على البحوث والدراسات التي قام بها الباحثون الألمان والفرنسيون ولا سيما في السنوات الأخيرة على المصاحف وأجزاء المصاحف المحفوظة في المكتبات الأوربية خارج نطاق العالم الإسلامي أنهم سعوا للخروج فيها بنتائج مختلفة من فروق الإملاء والكتابة في تلك المصاحف. وكان مما أحدث صدى واسعاً في أنحاء العالم عقب التحقق عام ٢٠١٤م من أن جزء المصحف الشريف المحفوظ في مكتبة جامعة توبنغن قد جرت كتابته في عهد صحابة رسول الله؛ ثم ما ثبت نتيجة لإخضاع أجزاء المصحف المسجلة في مكتبة جامعة برمنجهام عام ٢٠١٥م لاختبار كربوني في المعمل أنها في عمر ۱۳۷۰ عاماً على الأقل. وكل هذه الأدلة العلمية جاءت بمثابة تعزيز ودعم للنتائج التي توصل إليها إرسيكا في دراساته التي أصدرها قبل ذلك.
وقد قرر إرسيكا عقب صدور مصحف باريس أن ينشر جزء المصحف الشريف مصحف توبنغن الذي تم تأريخه بسنوات ٦٤٩- ٦٧٥م ( ٢٩-٥٦هـ ) نتيجة للفحص الكربوني الذي أجري عليه. ويشكل هذا الجزء المعروف بمصحف توبنغن قدر الربع من نص القرآن الكريم تقريباً. وكان قد جاء به إلى توبنغن ديبلوماسي مستشرق، أما القدر الباقي منه فلا أحد يعلم أين يوجد مع ا الأسف. وكان من نتيجة الدراسة التي أجريت لهذا الجزء أن ظهر أنه لا يختلف عن المصاحف الأخرى عدا بعض الفروق الإملائية
البسيطة.
وهذه الدراسات العلمية التي أجراها إرسيكا حول المصاحف التاريخية القديمة قد أثبتت – وبشكل يزيح أيضاً الشبهات التي سعى المستشرقون لطرحها – صدق الدعوى بأن القرآن الكريم الذي يدين به المسلمون لم يتغير ولو في حرف واحد منه. وأود القول أيضاً أن إرسيكا سوف يواصل أعماله
و دراساته في هذا المجال.
ويسعدني بهذه المناسبة أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى الدكتور طيار التي قولاج الذي أعد مصحف توبنغن للنشر، كما أشكر زميلي الدكتور صالح سعداوي الذي ترجم التمهيد ومقالة التعريف بالمصحف
من التركية.
الأستاذ المشارك
الدكتور خالد أرن
مدير عام إرسيكا