كتب الدكتور عبد الرحمن الشهري تلخيص عن كتاب علوم القرآن من خلال مقدمات التفاسير من نشأتها إلى نهاية القرن الثامن الهجري من أصول التفسير، وكان مما قال:
اهتم العلماء منذ القديم بمضامين مقدمات التفاسير ، فقد ضمنوها خلاصة أفكارهم ، وزبدة آرائهم حول كثير من مسائل علوم القرآن ومباحثه ، وهي أراء لم تطرق بعضها للبحث والنقاش ، وعلوم القرآن إنما يعتنى بها ، وتعطى هذه المكانة والأهمية لأنها توصل إلى معرفة مراد الله تعالى من كلامه للعمل بمقتضاه ، ولكون المفسر قد طرق هذه الأبواب ، وأدلى بدلوه في بيان معاني الآيات ، كان من الضروري دراسة هذه المقدمات دراسة جادة ، ومحاولة الغوص فيها لإبراز الدقائق العلمية في ثناياها ، ومن ثم معرفة مواقف المفسرين من مسائل علوم القرآن ليتبين مدى معرفة المفسر بالعلوم المعينة على فهم كتاب الله الفهم الصحيح ، وليتبين بالتالي مدى إصابة المفسر القول في بيان مراد الله.
ولهذه الدراسة أهمية أخرى تكمن في معرفة تطور علوم القرآن ومباحثه عند المفسرين ، وذلك لأن المفسر قد ضمن مقدمته رأيه في بعض المسائل ، فجاء اللاحق ليتابع السابق فيما قاله وأثبته ، وليستدرك عليه ما لم يقله مما هو مطلوب قوله ، كما يبين تأثر المفسرين بعضهم ببعض ، وغير ذلك مما يتبين منه للقارئ تطور هذه المسائل عند المفسرين.
ثم إن المقدمات هي أول المصنفات التي جمعت أكثر من موضوع من موضوعات علوم القرآن في موضع واحد ، فهي النواة الأولى للتصنيف الموسوعي في علوم القرآن ، وهذا جانب هام.
ولاشك أن بحثاً يضم مثل هذه المعلومات ، ويبين ما كتبه علماؤنا الأجلاء يسهل على طلبة العلم الراغبين في فهم القرآن كثيراً من الوقت والجهد ، ويضع بين أيديهم بإذن الله جهداً جاداً في بيان بعض الموضوعات التي كثر الجدل حولها ، وتباينت الآراء بشأنها.
وبإيجاز يمكن القول : إن أهمية مقدمات التفاسير تنبع من الآتي:
1- أنها النواة الأولى للتصنيف الموسوعي في علوم القرآن.
2- أنها تضمنت كثيراً من الأحاديث والآثار المتعلقة بعلوم القرآن ، والتي رواها المفسرون بأسانيدهم.
3- أنها حوت أقوال وآراء المفسرين في كثير من علوم القرآن ومسائله.
4- أنها تضمنت ردود ومناقشات المفسرين المتأخرين لآراء وأقوال أسلافهم المتقدمين ، فكان في ذلك تحرير لكثير من المسائل المختلف فيها ، وسيمر بالقارئ في الباب الثالث ، كثير من تلك المناقشات.
5- التسهيل والتيسير على القارئ في التفسير ، حيث يجد القارئ مبتغاه وما أشكل عليه من مراد المؤلف بين يديه ، فلا يلجأ إلى غيره لتوضيح ذلك.
6- أنها تقوي المعارف لدى القارئ لحسن الدفاع عن حمى الكتاب العزيز ، دون الحاجة إلى الخوض في غمار المطولات من المصنفات.
7- أنها علامة هامة في بيان تطور علوم القرآن.
* الخاتمة ونتائج الدراسة :
ما سبق جولة في بطون العديد من المصنفات ، استغرقت مني ما يقرب من نيف وثلاث سنين ، بذلت خلالها من الجهد ما الله به عليم ، ولا شك أن هذه الجولة الطويلة في بطون المصنفات والمراجع ، والعيش مع العلماء بمعايشة سيرتهم وتتبع أخبارهم ، ثم تكرار النظر وإدامته في مقدمات تفاسير من شملتهم الفترة المقررة لهذا البحث من المفسرين ، كل تلك الأمور جعلتني أخرج بنتائج عديدة ولله الحمد ، وأذكر من تلك النتائج:
1- إن نشأة العلوم الإسلامية كانت مواكبة للدعوة ، على خلاف ما يذكره جل المصنفين من تأخره إلى القرنين الثاني والثالث ، فرسول الله منذ أن صدع بوحي الله ، وتحدث عن نزول الآيات ، نشأ علم نزول الوحي ، وعلم أسباب النزول ، نشأ علم صفة حال النبي حين نزول الوحي عليه ، وغير ذلك من العلوم التي نشأت فيما بعد مواكبة للدعوة.
2- تَمَّت الكتابة في جملة من علوم القرآن في عهد النبي ، وسجل الصحابة كثيراً من الذي تلقفوه من في رسول الله فيما يتعلق بالآية ونزولها وترتيب الآيات وغير ذلك ، ونقصد بالكتابة التسجيل من إملاء رسول الله أو إملاء أحد الصحابة. أما تدوين تلك العلوم ، أعني نقل تلك المعلومات المكتوبة من قبل الصحابة وترتيبها فقد تأخر إلى القرن الثاني الهجري ، وكذا التصنيف وهو التدوين بعد إدخال عناصر جديدة.
3- إن النصوص المنقولة إلينا تؤكد أن أول من استعمل مصطلح علوم القرآن هو الإمام الشافعي .
4- إن الاهتمام بالتصنيف الموضوعي في علوم القرآن والتأليف فيه كان متقدماً على التصنيف الموسوعي ، والذي نقصد به جمع الحديث عن أكثر من علم في تصنيف واحد ، وكان أول من صنف فيه هو الحارث المحاسبي.
5- إن التصنيف الموسوعي في علوم القرآن وصل إلى الذروة في العقد الثاني من القرن الثامن الهجري ، وذلك حين صنف السيوطي كتابه التحبير والإتقان.
6- إن ثلة من أهل العلم المتخصصين في عصرنا الحالي استطاعوا أن يقدموا بحوثاً جادة في جملة من الموضوعات الهامة في علوم القرآن ، وأن لأقسام الدراسات العليا في الجامعات المتخصصة دور كبير في تطوير هذا العلم ونمائه.
7- إن مقدمات التفاسير احتوت مادة علمية قيمة ، لم يعتمد منها المصنفون في علوم القرآن إلا القليل ، كما أن تلك المقدمات قد احتوت آراء المفسرين في كثير من المسائل والموضوعات وهي آراء من الأهمية بمكان ، ورغم ذلك لم توضع للبحث والنقاش كما ينبغي.
8- إن توزيع مادة المقدمات ونثرها حسب الموضوعات في هذا البحث وضح لنا نشأتها ، وأظهر لنا تطور علوم القرآن ومباحثه عند المفسرين ، وذلك لأن المفسر قد ضمن مقدمته رأيه في بعض المسائل ، فجاء اللاحق ليتابع السابق فيما قاله وأثبته ، وليستدرك عليه ما لم يقله مما هو مطلوب قوله ، وهو أمر يسد حاجة القارئ ويغنيه من الرجوع إلى المقدمات نفسها.
9- إن المفسرين تأثر بعضهم ببعض في ذكر الموضوعات التي تذكر في المقدمة ، كما تأثروا في ذكر أدلة تلك الموضوعات المطروقة ، ولهذا لم يتطور هذا الفن كثيراً بالمقارنة بالعلوم الأخرى.
10- إن أكثر الموضوعات التي أولاها المفسرون اهتمامهم هي تلك الموضوعات المتعلقة بأصول التفسير ، وأنواعه ومراتب المفسرين ، وجمع القرآن وتدوينه ، مع الاهتمام الخاص بموضوع الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها ، وكذا فضائل القرآن.
11- إن تفسير الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها ، بسبع قراءات قرآنية هو الأقرب والأصح في اعتقادي ، إذ هو الموافق للأحاديث والآثار الواردة، كما أنه هو التفسير الذي يسلم من الاعتراضات التي ترد على غيره من التفسيرات.
12- وغير ذلك من النتائج التي لا يعدم الناظر في هذا البحث من الوقوف عليها.